الخميس، 19 يناير 2017
فكرة العالمية أو الأخوة الإنسانية عند سيد قطبويتحدث عن الهندوكية فلا يقدح فيها من جهة شركها ووثنيتها، وإن كان في بعض الأحيان قد يطعن في هذه الوثنية لكن حديثه هنا عجيب إنه يدعو إلى فكرة الماسونية فكرة الأخوة الإنسانية.فيقول ([1]): (والمجتمع الهندوكي بدوره يكاد يكون مجتمعا مقفلا كالمجتمع اليهودي، لأن تقسيم البرهمية للطبقات في هذا المجتمع وعزلها كل طبقة عن الأخرى عزلا كاملا، بحيث لا يمكن اجتياز الفواصل الحديدية بين هذه الطبقات. . . لا يسمح لغير الهنود أن يعتنقوا الديانة الهندوكية ولا يسمح بفكرة الأخوة العالمية، التي تهيئ لقيام مجتمع عالمي مفتوح للجميع).وهكذا يرى أكبر نقص في المجتمع الهندوكي أنه مجتمع مقفل وكذلك المجتمع اليهودي، وكأنه يشجعهما على الانفتاح ونشر ديانتهما في العالم انطلاقا من حرية الأديان.وكذلك يأخذ على الهندوكية أنها لا تسمح بفكرة الأخوة العالمية التي يدعو إليها سيد قطب.ويقول سيد قطب عن المسيحية:(أما المجتمع المسيحي -إذا صح هذا التعبير – فالمسيحية لا تحكمه، والنظم فيه لا تعتمد على العقيدة، إنما تعتمد أساسا على القوانين الوضعية، حيث تقف العقيدة في عزلة عن المجتمع، تحاول أن تعمل في ضمير الفرد وحده، وبدهي أن قوة النظام الاجتماعي لا تمهل الفرد يستمع إلى صوت الضمير ما لم يكن هذا النظام ذاته قائما على العقيدة التي تعمر الضمير. . . وهذا الانعزال بين العقيدة والنظام في العالم الذي يسمى العالم المسيحي، يحرم الفرد ذلك التناسق الذاتي بين ضميره والنظام الذي يعيش في ظله، كما يحرم المجتمع تلك الإيحاءات السامية المنبعثة من روح الدين. . . وعلى أي حال فهذا موقف اضطراري في العالم المسيحي، لأن المسيحية لم تتضمن شريعة تنظم المجتمع عن طريق القانون، ومن هنا ذهبت كل دعوات المسيحية إلى السماحة الإنسانية هباء، وغلبتها روح الاستعمار الخبيثة، المنبعثة من النعرة القومية المنعزلة داخل الحدود الجغرافية) ([2]).أقول: لو حكمت العقيدة الإسلامية سيد قطب لما تحدث بهذا الأسلوب عن الهندوكية المغرقة في عبادة كل شيء من الأوثان والقردة والفروج والأشجار والأحجار والحيات والديدان.فأي دمار سيحيق بالبشرية لو انفتحت على العالم تنشر عقيدتها وتدعو إلى الأخوة العالمية تخلصا مما يأخذه سيد قطب وأمثاله من دعاة الإنسانية، وخروجا من معرة هذا العار؟!ولو حكمت العقيدة الإسلامية سيد قطب لما تحدث عن النصرانية الكافرة بهذا الأسلوب السمج المتملق – إن أحسنا به الظن -.إنه لا يتحدث عن الدين الذي جاء به رسول الله عيسى صلى الله عليه وسلم المتضمن للتوحيد والمؤيد للتوراة المنزلة على موسى صلى الله عليه وسلم وفيهما جميعا الهدى والنور والتشريع المنظم للحياة.قال تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} ([3]) بعد أن قال عن التوراة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} ([4])وإنما يتحدث سيد قطب عن الديانة النصرانية المحرفة عن التوحيد إلى الوثنية وعن الحكم بما أنزل الله إلى الحكم بالطاغوت.فماذا يريد سيد قطب بقوله في حديثه عن المجتمع المسيحي: (فالمسيحية لا تحكمه والنظم فيه لا تعتمد على العقيدة إنما تعتمد أساسا على النظم الوضعية)؟!فلو اعتمدت نظمها على عقيدتها الوثنية التي قال الله في شأنها {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} ([5])وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} ([6])، وقال: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَانِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا} ([7])، ولو اعتمدت نظمها على عقيدتها الوثنية بنص القرآن أتكون على حق وسداد وهدى؟إن عدم التزامهم بهذه العقيدة قد يكون أخف خبثا وشرا.وماذا استفاد العالم الإسلامي وغيره من التعصب الوثني الصليبي؟ وماذا لقيت أسبانيا من هذا التعصب الخبيث المتوحش؟!سيد قطب يعرف هذا تماما.ماذا يريد سيد قطب بقوله: (وبدهي أن قوة النظام الاجتماعي لا تمهل الفرد ليستمع إلى صوت الضمير ما لم يكن هذا النظام ذاته قائما على العقيدة التي تعمر الضمير)؟!فهل العقيدة النصرانية تعمر الضمير أو تفسده وتخربه وتملؤه حقدا وتعصبا ضد الحق والهدى والنور الذي أُرْسِل به محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين، فأبته هذه العقيدة وحاربته أشد من اليهود والفرس والهندوك وغزت المسلمين في عقر دارهم وتعاونت مع كل الأديان ضدهم وضد إسلامهم.ماذا يريد سيد بقوله: (وهذا الانعزال بين العقيدة والنظام في العالم الذي يسمى العالم المسيحي يحرم الفرد ذلك التناسق الذاتي بين ضميره والنظام الذي يعيش في ظله، كما يحرم المجتمع تلك الإيحاءات السامية المنبعثة من روح الدين)؟!فهل يحصل للفرد النصراني عابد الصليب تناسق بين ضميره والنظام الناشىء على تلك العقيدة أو أنهما جميعا تورثانه التمزق والضياع والقلق ([8])؟!وما هي الإيحاءات السامية المنبعثة من روح الدين الوثني الصليبي؟! أليست الفجور والبغضاء والحقد على محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته وأمته؟!ثم بعد هذا الكلام التائه يخبط في تيه التناقض فيقول: وعلى أي حال فهذا موقف اضطراري في العالم المسيحي، لأن المسيحية لم تتضمن تنظيم المجتمع عن طريق القوانين).فهل هذا إعذار للمسيحيين عن تشريعهم لقوانين لا ترتبط بعقيدتهم فهم بذلك معذورون أمام الله؟ وهل المسيحية التي لم تتضمن قوانين هي المنزلة أو المبدلة؟إن كان يقصد المنزلة وهو المتبادر، فهذا أمر خطير يصادم قول الله: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} ([9])، ثم هم ملزمون بالأحكام المنزلة في التوراة ثم القرآن.وإن كان يقصد المسيحية الوثنية المبدلة فما فائدة هذا الكلام الباطل الذي يغضب الله عز وجل والذي يدل على الفساد العقائدي والهوى السياسي وهما أمران خطيران كثيرا ما يجران من أصيب بهما إلى المهالك.بل يذهب سيد قطب إلى أبعد من هذا فيصف النصرانية المبدلة بالسماحة والطهر فيقول:وكثيرا ما ذهبت إلى هذه الكنائس واستمعت إلى الوعاظ في الكنيسة وإلى الموسيقى والتراتيل والأدعية، وكثيرا ما استمعت إلى إذاعة الآباء في محطات الإذاعة في الأعياد المسيحية. . . . دائما يحاول الآباء أن يعقدوا الصلة بين قلب الفرد وبين الله، ولكن واحدا منهم لم أسمعه يقول كيف يمكن أن يكون مسيحيا في واقع الحياة اليومية، ذلك أن المسيحية إنما هي مجرد دعوة للتطهير الروحي، ولم تتضمن تشريعا للحياة الواقعة بل تركت ذلك لقيصر.وكان من أثر هذا في العالم المسيحي أن أصبحت المسيحية في جانب والحياة الواقعة في جانب، وعلى توالي الأزمان أصبحت المسيحية محصورة داخل الكنيسة والحياة من حولها أبعد ما تكون عن روحها السمحة المتطهرة، فلما نشطت الكنيسة في السنوات الأخيرة للاتصال بالمجتمع من جديد لم يكن همها أن ترفع الناس إليها، بل كانت طريقها أن تهبط هي إلى الناس. 00) ([10])هكذا يصور سيد قطب النصرانية المحرفة الوثنية النجسة عقائدها المؤلهة للبشر بأنها دعوة إلى التطهر الروحي، وأن روحها سمحة متطهرة، ولا مؤاخذة على الكنيسة إلا أنها أهملت السياسة ووضع القوانين التي تحكم الحياة.وهذا يذكر القارئ بمدح سيد للصوفية أهل وحدة الوجود من حيث عقيدتهم الوحدوية، ومؤاخذته لهم من جهة تقصيرهم في الجانب السياسي في الإسلام فقط.وكل هذه الضلالات يجب على الأمة أن تحني رؤوسها أمام عظمة سيد وأن تتلمس له التأويلات والمعاذير، أما السلفي فيا ويله إن أخطأ، بل يا ويله إن قال الحق وبرهن عليه بالأدلة والبراهين الواضحة.—([1]) نحو مجتمع إسلامي (ص 132).([2]) نحو مجتمع إسلامي (ص 132 – 133).([3]) المائدة 47.([4]) المائدة 44.([5]) المائدة 72.([6]) المائدة 73.([7]) مريم: 89 – 93([8]) لقد كانت القوانين في الديانة النصرانية مرتبطة بعقيدتها وكان النصارى واليهود يستمدون عقيدتهم وقوانينهم في ان واحد من أحبارهم ورهبانهم كما قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، ومع هذا الارتباط بين العقيدة والقانون فقد كفرهم الله واعتبرهم مشركين، فأين التوحيد والطهر؟ وأين التناسق الذاتي بين ضمير الفرد والنظام الذي يعيش في ظله؟ أليس تناسقا بين كفر وكفر؟=====قول سيد قطب بعقيدة وحدة الوجود والحلول والجبر ودفاعه عن عقيدة النيرفانا الهندوكية البوذيةأطوار سيد قطب في وحدة الوجود:أولاً ـ نعق بها وهو في سن الكهولة في حدود عام 1935م أي في حدود 1355هـ في ديوانه الشعري حيث يقول في قصيدته إلى الشاطئ المجهول والتي منها هذه الأبيات:حننْتُ لمرآه إلى الضفة الأخرى(إلى الشاطئ المجهول والعالم الذيمعالم للأزمان والكون تُستَقْرىإلى حيث لاتدري إلى حيث لاترىإلى حيث تنسى الناسَ والكونَ والدّهراإلى حيث (لاحيث) تميز حدوده!وتمزج في الحس البداهة والفكراوتشعر أنّ (الجزء) و (الكل) واحدولا (اليوم) فالأزمان كالحلقة الكبرىفليس هنا أمس) وليس هنا (غد)هنا الوحدة الكبرى ([1]) التي احتجبت سرا)وليس هنا (غير) وليس هنا (أنا) ([2])ديوان سيد قطب (ص 123).يقول سيد قطب في شرحه لهذه الأبيات في مقدمة كتابه ديوان سيد قطب (ص 30 ـ 31):الجسم والزمن والوحدة:(القُوى الروحية ـ عند الشاعر ـ هي التي تربطه بالوحدة الكونية الكبرى ([3]) كما تقدم، في حين تَقصُرُ القوى العقليةُ عن ذلك، وهو يرى أن الشعورَ بالزمن؛ نتيجةٌ لوجودِ الجسمِ والقوى الواعية؛ وأن الروح تحسُّ بالوجود المطْلقِ ([4])؛ لا يقيده الزمن؛ وبالبداهة لا يقيده المكان.ولذلك فهو حينما خَلعَ الجسم وخلع الحِجا في (الشاطئ المجهول) رأى أنْ ليس هناك (حيث) ولا (أمس) ولا (اليوم) ولا (الغد) ولا (غير) ولا (أنا) … إلخولكنه رأى (الأزمان) كالحَلْقَةِ الكبرى) ورأى (الوحدة التي احتجبت سراً). وكذلك في قصيدة (الليلات المبعوثة) ([5]) حين تجرد لم يَرَ للزمان مَعْلَماً ولا رسماً ورأى كلّ شئ كرمز الدّوام.وله أبيات في ص91 من ديوانه عنوانها (عبادة جديدة) نعق بها في عام 1937ممنها:لك أنت وحدك يا جماللك يا جمال عبادتيومنها:حي بالعبادة في جلالوأرى الألوهة فيك تُومنها تُوشِّيهِ بالعبادة في جلالْما أنت إلاّ مظْهرٌيا حُسْنُ مِنْ أهل الضّلالفإذا عَبدتُكَ لم أكنْـدةِ في الحقيقةِ والخيالْبل كنتُ محمود العقيـكلُ النفوسِ بلا مثالْأعْنُو لمن تعنُو لهشتى المرائي والخِلالْ ([6])مُتفرِّقا في الكون فيبطلَ التَّمحّلُ والجِدالْفإذا تركّز ها هُناوفي شيخوخته في حدود سنة 1946 م أو سنة1947 م تحمس للدفاع عن عقيدة النيرفانا فمدحها وذبّ عنها وعن أهلها وهي تتضمن أخبث عقائد الوثنيين الهندوك والبوذيين من مثل وحدة الوجود وعقيدة التناسخ ([7]) تحت عنوان (سندباد عصري) انتقد سيد قطب الدكتور حسين فوزي فقال بعد مقدمة تحدث فيها عن السندباد والسندبادات ثم قال: والدكتور حسين فوزي هو سندبادنا اليوم وهو رجل ندب لرحلة علمية في البحر الأحمر والمحيط الهندي ضمن بعثة عالمية لدراسة أحياء البحر الأحمر والمحيط وقد طوّف ـ مع البعثة ـ على باخرة مصرية طوال تسعة أشهر في البحر والبر في الجزر والقارة وزار معابد الهند وسيلان وسواها من الجزر المنثورة في المحيط ثم عاد) وتحدث عن كتاب ألفه في هذه الرحلة سماه (سندباد عصري) أودعه ملاحظاته الإنسانية وانفعالاته الوجدانية واستجاباته العاطفية … الخثم ذهب يتكلم عن هذا الرجل بكلام يطول ذكره ولا فائدة في ذكره والذي يهمنا من هذا المقال هو حديثه عن النيرفانا ودفاعه عنها وعن أهلها علما بأن كلامه هذا في مرحلة إسلامياته كما يصفه أنصاره ومحبوه.قال: 1ـ (وإذا شاهد فيلماً هنديا يمثل الروح الهندية المتسامحة التي تنتهي من الصراع على الحقوق الخاصة، إلى الزهد في أعراض الدنيا والاتجاه إلى عبادة الروح الأعظم قال: (أدركت ناحية من نواحي الضعف في بعض الحركات الروحية حين تدخل ميدان السياسة العملية).في هذا المقطع مدح للروح الهندية الضالة الملحدة بالتسامح والزهد في أعراض الدنيا والاتجاه إلى عبادة الروح الأعظم، وفي وصف الله بأنه الروح الأعظم ضلال مبين يرفضه الإسلام، وفي وصف الهنادك بأنهم يعبدون الله واعتداده بعبادتهم ضلال آخر.2 ـ ثم قال: (وإذا سمع زميله الانجليزي يقول عن (النيرفانا) أي الفناء في الروح الأعظم ـ وهو الغاية التي يطمح إليها الهندي من وراء حرمانه وآلامه: (دعنا من هذا فلا قبل لي بهذا الهجص وتلك الشعوذة يا عم حسن) لم يجد في نفسه أية حماسة للرد على هذا الكلام. وهكذا و هكذا مما قد يبالغ فيه فيصل إلى حدّ الزراية والسخط الشديدين على الروح الشرقية بوجه عام.في هذا المقطع تعريف للنيرفانا بأنها الفناء في الروح الأعظم أي بأنها وحدة الوجود ولوم وعذم للدكتور حسين فوزي على إقراره لزميله الانجليزي على الطعن في هذه العقيدة واعتباره إياها هجصا وشعوذة قال: فلم يجد في نفسه أي حماسة للرد على هذا الكلام فالنصراني على كفره وضلاله أدرك تفاهة هذه العقيدة وخسّتها وقد أقره حسين فوزي على هذا الوصف الذي لا يكفي في ذم هذه العقيدة الملحدة.وسيد قطب تأخذه الغيرة لها فيعذم الرجلين على نقدها والاستهانة بها فيقول المسكين متألما لهذه العقيدة: (وهكذا و هكذا) الخ3 ـ ثم يقول: ومهما افترضنا للسندباد من الأعذار في قسوة الأوضاع الاجتماعية والمظاهر البائسة التي شاهدها في الهند، فقد كنّا نرجو أن يكون أوسع أفقا وأكثر عطفا وأعمق اتصالا بروح الشرق الكامنة وراء هذه المظاهر والأوضاع، والروح الصوفية المتسامحة المشرقة بنور الإيمان.في هذا المقطع يبين في أسى شديد ما كان ينتظره ويرجوه من حسين فوزي فيقول فقد كنا نرجوا أن يكون أوسع أفقا، ثم ويا للهول يصف سيد قطب أخبث عقيدة وأكفرها بأنها المتسامحة المشرقة بنور الإيمان.4 ـ ثم يقول: (إنه يقول عن لوحة الكنج المقدس: لم يكن الاغريقي ليصور نبعاً مقدسا. الخ) أجل ! وهذا هو مفرق الطريق بين الشرق والغرب. في الشرق قداسة تمت إلى القوة العظمى المجهولة، وفي الغرب حيوية تمت إلى المشهود الحاضر المحسوس.وليس لي أن أفضل هذا أو ذاك. فكلاهما جانب من جوانب النفس الإنسانية الكبيرة التي تهش لكليهما على السواء؛ إن لم تؤثر في حسابها الروحي والفني جانب المجهول على جانب المشهود.)في هذا المقطع يصف الكنج وهو نهر يعبده الهنادك بأنه نهر مقدس ويصف عبادة الهنادك وطقوسها الكافرة بالقداسة التي تمت إلى القوة العظمى المجهولة فيصف الله بالقوة العظمى المجهولة فلا حول ولا قوة إلا بالله، وفي قوله وليس لي أن أُفضل هذا أو ذاك نوع من الاعتراف بوحدة الأديان، وقد قال في مناسبة أخرى: ((إن الإسلام يصوغ من الشيوعية والمسيحية معاً مزيجاً كاملاً يتضمن أهدافهما ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال)) [معركة الإسلام والرأس ماليّة (ص:61)] وله في السلام العالمي مدح للعقيدة النصرانية.5 ـ ثم يقول: وهو يسخر بعقيدة (النيرفانا) كسخرية زميله الانجليزي الذي يقول: ما كنت أحسب أن دينا يعد بنعمة الفناء! ووجه الخطأ هو اعتبار (النيرفانا) فناء! إنها كذلك في نظر الغربي الذي يصارع الطبيعة وينعزل عنها، فأما الهندي الذي يحس بنفسه ذرة منسجمة مع الطبيعة، ويعدها أما رؤوما، فيرى في فنائه في القوة العظمى ([8]) حياة وبقاء وخلودا. وعلينا أن نفهم هذا ونعطف عليه ولا نراه بعين الغربيين، وهو يبدو في أرفع صورة في (ساد هانا تاجور) فلنقف خشعا أمام هذا السموّ الإلهي، ولو لحظات!!في هذا المقطع تأخذ سيد قطب الغيرة على النيرفانا وأهلها ويأخذه الحماس فيرى نقد حسين فوزي والإنجليزي للنيرفانا سخرية ويخطّئ نظرتهما إليها، ويريد أن يبين وجه الخطأ بل قام في زعمه ببيان هذا الخطأ فيقرر بذكائه وحدة الوجود ويمدحها ويمدح أهلها بأسلوبه الغريب فتصل به عاطفته الجياشة بالحنان والعطف على هذه الديانة وأهلها إلى قوله (وعلينا أن نفهم هذا ونعطف عليه) … الخ وهكذا يقرر سيد قطب النيرفانا ويمدحها ويمدح أهلها ويعتبر كفرهم وزندقتهم وإلحادهم سموا إلهيا، ويدعو نفسه والناس إلى الوقوف أمام هذا السمو الإلهي خاشعين).وبعد هذا أريد أن يعرف الناس ما هي النيرفانا ثم ليحكم العقلاء المنصفون على سيد قطب وعلى حماسه لها ولأهلها ودفاعه عنها وعنهم.وفي حدود سنة 1951م تظاهر بنفي القول بوحدة الوجود في أول تفسير سورة البقرة في ظلال القرآن بأسلوب بارد لا ندري ما باعثه.وفي نهاية الخمسينات ([9]) عاد مع الأسف إلى تقرير عقيدة وحدة الوجود والقول بالحلول والجبر في أواخر تفسيره الظلال في تفسير سورة الحديد فقال في تفسير قول الله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم).قال سيد قطب: (وما يكاد يفيق من تصور هذه الحقيقة الضخمة، التي تملأ الكيان البشري وتفيض، حتى تطالعه حقيقة أخرى لعلها أضخم وأقوى، حقيقة أن لا كينونة لشيء في هذا الوجود على الحقيقة، فالكينونة الواحدة الحقيقية هي لله وحده سبحانه، ومن ثم فهي محيطة بكل شيء عليمة بكل شيء، فإذا استقرت هذه الحقيقة الكبرى في القلب؛ فما احتفاله بشيء في هذا لكون غير الله سبحانه وتعالى؟! وكل شيء لا حقيقة له ولا وجود، حتى ذلك القلب ذاته، إلا ما يستمده من تلك الحقيقة الكبرى، وكل شيء وهم ذاهب، حيث لا يكون ولا يبقى إلا الله، المتفرد بكل مقومات الكينونة والبقاء، وإن استقرار هذه الحقيقة في قلب ليحيله قطعة من هذه الحقيقة، فأما قبل أن يصل إلى هذا الاستقرار؛ فإن هذه الآية القرآنية حسبه ليعيش في تدبرها وتصور مدلولها، ومحاولة الوصول إلى هذا المدلول الواحد.—([1]) الوحدة الكونية الكبرى هي وحدة الوجود.([2]) السوية والغيرية اصطلاحان صوفيان مأخوذتان من كلمتي: سوى وغير والصوفي الحق في دين الصوفية من يوقن أنه لا سوى ولا غير أي يرى الكل عيناً واحدة. [انظر هذه هي الصوفية (ص:15).والقارئ يرى أن سيد قطب قد أضاف اصطلاحات أخرى، فليس هنا أمس وليس هنا عند وأن الكل والجزء واحد ولا حيث إلخ.([3]) انظر التعليق السابق.([4]) هذه العبارة يقولها أهل وحدة الوجود.([5]) هذه القصيدة لا ندري متى قالها وهي واحدة من الأدلة على لهج سيد قطب بوحدة الوجود.([6]) فسر الخلال بقوله: الخلال: منفرج ما بين الشيئين جاسوا خلال الديار، ساروا وترددوا بينها والمراد منتشر في كل ما نرى وما بين الأشياء وبعضها.([7]) عُرفت الينرفانا في الموسوعة الميسرة (2/ 1170 – 1711) الصادرة عن الندوة العالمية للشباب:((النيرفانا: كلمة غامضة معناها النجاة ويعني بها نجاة الروح التي ظلت على صلاحها أثناء دورتها التناسخية المتعاقبة حيث لم تعد في حاجة إلى تناسخ جديد وبذلك يحصل لها النجاة من الجولان وتتحد بالخالق الذي صدرت عنه وتفني فيه. والنرفانا أو الحصول على النجاة من أسمى الأهداف للحياة عند الهندوس والبوذيين. يقول كرشنا: ((من يعرف ظهوري وأعمالي التجاوزية لا يولد ثانية عند تركه الجسد في هذا العالم المادي، بل يدخل مقامي السرمدي)).ويذكر الدكتور محمد ضياء الأعظمي في فصول من أديان الهند أنه من ثمرات النرفانا فناء الشخصية والاتحاد بالجوهر الذاتي ((برم آتما)) ومن هنا جاء إحراق الموتى تخلصاً من الجسم المادي لتعلوا الروح إلى العالم العلوي، والنار هي إحدى مظاهر الألوهية ((أكني)) وهي بدورها تقرب إلى ((برميشور)) الذات العليا. ولا يحصل على النرفانا عند البوذية إلا بعد اقتلاع الشهوة اقتلاعاً تاماً. يقول بوذا في آخر دروسه: ((الذي يؤمن بالبوذية والجماعة والدين يحل له النرفانا))، بل كان يحث أتباعه على تحصيلها حتى آخر لحظات حياته فيقول في آخر وصاياه: ((فعليكم أيها التلاميذ مجاهدة النفس جهاد المخلص الجاد للحصول على الرفانا))، أما الجينين فيعتقدون أنه بحصول الأرواح على النرفانا تبلغ درجة الإله وهذا الأمر يفسر انتشار الرهبنة في هذه الديانات. وقد تأثر غلاة المتصوفة أمثال: الحلاج وابن عربي ومن تابعهما بهذه العقيدة الوثنية الباطلة التي تلغي اليوم الآخر والثواب والعقاب بالإضافة إلى إلغاء توحيد الله جل وعلا، وقد أظهروا مقالات كفرهم بالقول بالفناء والاتحاد ووحدة الوجود)) ا. ه======الإسلام – عند سيد – يصوغ مزيجا من النصرانية والشيوعيةيقول سيد قطب – مع الأسف -:(ولا بد للإسلام أن يحكم، لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجا كاملا يتضمن أهدافهما جميعا ويزيد عليهما التوازن والتناسق والاعتدال) ([1])أقول:أولا: هذا الكلام ليس ببعيد عن القول بوحدة الأديان، فإن تنزلنا جدلا فإنه يسلك في أقوال من يقول بجواز تعدد مصادر التشريع من العلمانيين الذين يعارضهم من يعارضهم من المسلمين بأن المصدر الوحيد للتشريع هو الإسلام فقط، ولا يسلمون للعلمانيين حتى بالقول بأن المصدر الرئيسي للتشريع هو الإسلام.إن كلام سيد قطب هنا مطلق فلم يقيده بالجانب التشريعي، فإذا تأوله المتأولون وتمحل له المتمحلون فيقال لهم:اعترفوا على الأقل أن كلامه هنا يفيد أن المسيحية والشيوعية مصدران رئيسان للتشريع، فإن أصروا وعاندوا فنقول لهم: تأولوا كلام كل أهل الضلال جميعا، فإنهم كلهم يدعون الإسلام، ولا يقبل منكم تأويل أباطيل سيد قطب وحده إلا بوحي من الله تعالى يخصصه ويميزه على كل من يقول الباطل ويتكلم بالهوى، ولا وحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأخبروني بعد ذلك أي فرق بين من يتأول كلام وأباطيل سيد قطب وبين من يتأول لغلاة الروافض، والصوفية، وطه حسين، وغيرهم من أهل الضلالات الكبرى.ثانيا: في أي واد طوحت بك السياسة يا سيد قطب عن احترام الإسلام وتنزيهه عن مثل هذا القول الباطل.أين أنت من قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِينًا}.أين أنت من قول الله تعالى: {ألا لله الدين الخالص}.أين أنت من قول الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}.أين أنت من قول الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؟. أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب فقال: “أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني ” ([2])أين أنت من كمال الإسلام وشموليته التي يدركها ويؤمن بها كل فقيه مسلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.أهذه هي الحاكمية التي تدعو إليها: المزج الكامل بين الشيوعية والنصرانية ثم تطبيقها على المسلمين.إن المصلحين من علماء الإسلام ليدعون جاهدين إلى تخليص الإسلام مما شابه من أخطاء المسلمين بل من أخطاء علماء المسلمين، فكيف يأتي سيد قطب بمثل هذه الدعاوى الخطيرة التي بلغت النهاية في خطورتها ومن أشدها هذه الدعوى بأن الإسلام يصوغ من الشيوعية والنصرانية. . . إلخ.وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -حفظه الله ومتع بحياته -:ما رأيكم فيمن يقول:لا بد للإسلام أن يحكم لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجاً كاملا يتضمن أهدافهما ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال والتوازن)؟!فقال – حفظه الله – مجيبا:نقول له: إن المسيحية دين مبدل مغير من جهة أحبارهم ورهبانهم، والشيوعية دين باطل لا أصل له في الأديان السماوية، والدين الإسلامي دين من الله عز وجل منزل من عنده لم يبدل ولله الحمد، قال الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ([3])ومن قال: إن الإسلام مزيج من هذا وهذا فهو إما جاهل بالإسلام، وإما مغرور بما عليه الأمم الكافرة من النصارى والشيوعيين).وكذلك سئل العلامة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري عن هذه المقالة فاعتبرها دعوة إلى وحدة الأديان، وهذا نص السؤال والجواب وعليه ختمه وتوقيعه:بسم الله الرحمن الرحيم.فضيلة الشيخ المحدث إسماعيل بن محمد الأنصاري حفظكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:ما رأيكم في رجل يدعي العلم ودرس في الغرب يقول:“إن الإسلام هو العقيدة التي تصوغ من الشيوعية والمسيحية مزيجا كاملا يحقق أهدافهما ويزيد عليهما بالتوازن والاعتدال “؟ما حكم هذا القول؟“بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:فإن كلمة ذلك المدعي المذكور كلمة تدعو إلى وحدة الأديان وإلى التقريب بينها، وقد رد أئمة العلماء على القائل بها في كتبهم المعتبرة ومن ضمن تلك الكتب ما يلي:(1) كتاب “الرد على المنطقيين ” لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 282).(2) الجزء الأول من “الفتاوى الكبرى” لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص4،5) في الرد على من قال: (كل يعمل في دينه الذي يشتهي).(3) الاقتضاء” في ([4]) الرد على البكري (ص 215) من قال: (المعبود واحد وإن اختلفت الطرق)(4) مدارج السالكين ” لابن القيم (ج 3 ص 48 4).(5) منهاج السنة” لابن تيمية.(6) رسالة الحميدية في زمن السلطان عبد الحميد”(7) رد العراقي على الدعوة إلى وحدة الأديان ” (ص 111) من مصرع التصوف.إسماعيل بن محمد الأنصاريالأحد 12/ 11/ 1414 أهـوسئل الشيخ حماد بن محمد الأنصاري عن هذه المقالة فأجاب:(إن كان قائل هذا الكلام حيا فيجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتدا، وإن كان قد مات فيجب أن يبين أن هذا كلام باطل ولا نكفره لأننا لم نقم عليه الحجة) ([5]).وسئل علماء آخرون عنها وكانت لهم إجابات قوية.ثالثا: ومما تجدر الإشارة إليه أن سيد قطب – وإن كان قد يطعن في النصارى واليهود وغيرهما، فغالبا ما يكون هذا الطعن من الناحية السياسية، ولكنه في نفس الوقت إذا أغرق في السياسة يظهر منه أمور قد تكون مترسبة في نفسه لم يستطع الخلاص منها مثل قوله في مدح الإسلام في زعمه: (فكرة الإسلام عن وحدة البشرية، ونفيه لعصبية الجنس واللون والوطن، واعتقاده في وحدة الدين في الرسالات كافة، واستعداده للتعاون مع شتى الملل والنحل في غير عزلة ولا بغضاء، وحصره لأسباب الخصومة والحرب في الدفاع عن حرية الدعوة، وحرية العقيدة والعبادة) ([6])فما المراد بوحدة البشرية هنا؟والجواب: أنه لا يتحدث عن وحدة البشرية القائمة على دين الإسلام.وما المقصود من وحدة الدين في الرسالات كافة؟ هل هو يتحدث عن أخوة الأنبياء في عقيدة التوحيد أو يريد استمالة اليهود والنصارى في هذا العصر، كما يتحدث ساسة اليهود والنصارى إلى المسلمين بمثل هذا الأسلوب؟ يؤكد ما أقول قول سيد: (واستعداده- أي الإسلام- للتعاون مع شتى الملل والنحل في غير عزلة ولا بغضاء) أي في تلاحم ومحبة وود.—([1]) معركة الإسلام والرأسمالية” (ص 61).======قول سيد قطب بالاشتراكية وبجواز إلغاء الرقمع أن سيدا يكفر من لم يحكم بما أنزل الله مطلقا، ويتشدد في ذلك، فإنه يرى أنه يجوز لغير الله أن يشرع قوانين لتحقيق حياة إسلامية صحيحة، قال:(فإذا انتهينا من وسيلة التوجيه الفكري، بقيت أمامنا وسيلة التشريع القانوني لتحقيق حياة إسلامية صحيحة تكفل فيها العدالة الاجتماعية للجميع.وفي هذا المجال لا يجوز أن نقف عند مجرد ما تم في الحياة الإسلامية الأولى، بل يجب الانتفاع بكافة الممكنات التي تتيحها مبادئ الإسلام العامة وقواعده المجملة.فكل ما أتمته البشرية من تشريعات ونظم اجتماعية ولا تخالف أصوله أصول الإسلام، ولا تصطدم بفكرته عن الحياة والناس، يجب أن لا نحجم عن الانتفاع به عند وضع تشريعاتنا، ما دام يحقق مصلحة شرعية للمجتمع أو يدفع مضرة متوقعة.ولنا في مبدأ المصالح المرسلة ومبدأ سد الذرائع، وهما مبدآن إسلاميان صريحان ما يمنح ولي الأمر سلطة واسعة لتحقيق المصالح العامة في كل زمان ومكان) ([1])وعلى هذا مآخذ:1 – كأن سيدا يرى أن الإسلام غير كامل ولا واف بمتطلبات الأمة الإسلامية.2 – يمكن لأي دولة تنتمي للإسلام أن تأخذ كل ما تهواه من القوانين الوضعية بحجة تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وبحجة أنها لا تتنافى مع أصول الإسلام، ولو كانت مصادمة لأصوله ونصوصه.3 – يرى سيد أخذ كل ما أتمته البشرية من تشريعات ونظم اجتماعية إذا لم تخالف أصول تلك التشريعات وأصول تلك التنظيمات أصول الإسلام ولا تصطدم بفكرته عن الحياة، أي لا تحرم التشريعات والنظم الكافرة على المسلمين إلا في حالة مصادمة أصولها أصول الإسلام، فإذا خالفت أصول التشريعات الكافرة والتنظيمات الكافرة نصوص الإسلام من الكتاب والسنة والأمور الفرعية التي دلت عليها تلك النصوص، فلا حرج فيها، ولا تحريم، بل يجب الأخذ والحال هذه بتلك التشريعات والتنظيمات الكافرة.وكذلك، إذا خالفت تفريعات تلك القوانين والنظم أصول الإسلام، فلا حرج فيها، بل يجب الأخذ بها، لأنها فروع صادمت أصول الإسلام، وذلك لا يضر، وإنما الضرر فقط في مصادمة الأصول الكافرة للأصول الإسلامية.وبهذا التأصيل والتقعيد الذي يضعه سيد تنفتح أبواب التلاعب بدين الله لكل طاغية يريد التلاعب بالإسلام وبالأمة الإسلامية، فيمكنه جلب قوانين أوروبا وأمريكا تحت ستار هذه التأصيلات التي وضعها سيد قطب.وانطلاقا من هذه القواعد التي وضعها سيد:1 – أخذ بالاشتراكية الغالية، فتوصل إلى أنه بيد الدولة أن تنتزع كل الممتلكات والثروات من أهلها، وتعيد توزيعها من جديد، ولو قامت على أسس إسلامية.2 – ومن هذا المنطلق يرى أنه لا مانع من وضع نظام دولي يلغي الرق الذي شرعه الاسلام، فيقول في تفسير سورة التوبة:{وفى الرقاب} ([2])، وذلك حين كان الرق نظاما عالميا تجري المعاملة فيه على المثل في استرقاق الأسرى بين المسلمين وأعدائهم، ولم يكن للإسلام بد من المعاملة بالمثل، حتى يتعارف العالم على نظام آخر غير الاسترقاق.وهكذا يرى سيد أنه يجوز قيام نظام عالمي ينسخ ما قرره الإسلام في الكتاب والسنة، وأجمع على مشروعيته المسلمون في أبواب الجهاد والزكاة والكفارات والفضائل وغيرها في الرق وعتق الرقاب!لماذا؟! لأن هذا كله لم يصطدم بأصل من أصول الإسلام في زعمه.أما مصادمتها لنصوص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على حرمة أموال المسلمين فهذا أمر هين عند سيد قطب، فلا يلتفت إليه.وكل هذا مجاراة لأهواء الغربيين، وما أكثر وأشد ما يقع في هذا الميدان (أي مجاراة الغربيين).ولو قامت له ولأمثاله دولة، لرأيت العجب العجاب من القوانين والتشريعات التي تحل الحرام، وتحرم الحلال، انطلاقا من هذه القواعد التي تؤدي إلى هدم الإسلام باسم الإسلام، وبرأ الله الإسلام من ذلك.فأين التركيز على أنه لا حاكم إلا الله؟! ولا مشرع إلا الله؟!.وأين ما قام على هذا من تكفير المجتمعات الإسلامية كلها لأنها تخضع لغير حاكمية الله وتشريعاته في نظره؟!فاعتبروا يا أولي الألباب!!ملاحظة:يجب على المسلمين جميعا أن يدينوا ويعتقدوا أنه لا مشرع إلا الله، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا واجب إلا ما فرضه، ولا مندوب ولا مكروه إلا ما قام عليه دليل من كتاب الله وسنة رسوله.فمن أبطل واجبا، أو أحل حراما، فقد جعل نفسه ندا لله، ورد ما شرعه الله – إذا كان عالما بذلك متعمدا -، وخرج بهذا التشريع من دائرة الإسلام.أما الأمور الدنيوية المباحة، فإذا احتاج المسلمون حكاما ومحكومين إلى تنظيمها وضبطها، فلا مانع من ذلك، وعلى ذلك أدلة:منها قوله صلى الله عليه وسلم في تأبير النخل: “أنتم أعلم بدنياكم “.ومنها إنشاء عمر للدواوين في هذا المجال ما لم تصطدم بنص من نصوص القرآن والسنة أو إجماع الأمة.—([1]) العدالة الاجتماعية” (ص 261، الطبعة الخامسة).([2]) في ظلال القرآن ” (3/ 1669)، وقد قرر هذا في تفسير سورة البقرة في “الظلال ” 23، وفي تفسير سورة المؤمنون (4/ 2455)، وفي تفسير سورة محمد (6/ 3285).=========إنكار سيد قطب للميزان على طريقة المعتزلة والجهميةوذلك من الضلالات التي احتدم فيها النزاع بين أهل السنة والمعتزلة، وسيد قطب لا يجهل ذلك.قال في كتابه “التصوير الفني” (1):“ثم لما كان هذا التجسيم خطة عامة؛ صوَّر الحساب في الآخرة كما لو كان وزناً مجسماً للحسنات والسيئات:] وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [(2)،] فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ… .. وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ [(3)، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا [(4)،] ولا يُظْلَمونَ فَتيلاً [(5)،] ولا يُظْلَمون نَقيراً [. (6)وكل ذلك تمشياً مع تجسيم الميزان.وكثيراً ما يجتمع التخييل والتجسيم في المثال الواحد من القرآن، فيصور المعنوي المجرد جسماً محسوساً، ويخيل حركة لهذا الجسم أو حوله من إشعاع التعبير.وفي الأمثلة السابقة نماذج من هذا، ولكنا نعرض هذه الظاهرة في أمثلة جديدة، فلدينا وفر من الأمثلة على كل قاعدة”.وقال في تفسير قول الله تعالى في سورة الأعراف:] وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ… [(7) الآية. (8)“ولا ندخل هنا في طبيعة الوزن، وحقيقة الميزان، كما دخل المتجادلون بعقلية غير إسلامية في تاريخ الفكر الإسلامي؛ فكيفيات الله كلها خارجة عن الشبيه والمثيل، مذ كان الله سبحانه ليس كمثله شيء؛ فحسبنا تقرير الحقيقة التي يقصد إليها السياق من أن الحساب يومئذ بالحق، وأنه لا يظلم أحدٌ مثقال ذرة، وأن عملاً لا يبخس ولا يغفل ولا يضيع”.وفي هذا الكلام انحياز إلى أهل البدع من المعتزلة وغيرهم في إنكار الميزان، واتهام لأهل السنة الذين يثبتون الميزان احتجاجاً بنصوص الكتاب والسنة، بأنهم يجادلون بعقلية غير إسلامية، فلا فرق بينهم وبين أهل البدع والضلال في نظر سيد، بل أهل الضلال أرجح عنده وأولى بالحق والعياذ بالله.وقوله: “فكيفيات الله كلها خارجة عن الشبيه والمثيل”: خبط وخلط؛ فإن كلاًّ من أهل السنة والجماعة وأهل البدع لم يقل: إن الميزان من صفات الله عز وجل، بل أهل السنة يقولون: إن الميزان مخلوق، توزن به صحائف الأعمال وكتبها، ولا يقولون: إنه من صفات الله، بل هو مخلوق من مخلوقات الله، له كفتان، إحداهما للحسنات، والأخرى توضع فيها السيئات؛ كما هو ظاهر نصوص الكتاب والسنة، وأهل البدع ينكرون الميزان والوزن، بناء على أن الأعمال أعراض يستحيل وزنها؛ إنكاراً لما أثبته الله ورسوله بعقولهم السخيفة، ولو عاشوا في هذا العصر وشاهدوا مقاييس الحرارة والبرودة الدقيقة من صنع البشر؛ لما استبعدوا وزن الأعمال، بله وزن الصحائف، ولربما آمنوا بالميزان والوزن في الآخرة، ولأهل السنة أن يستشهدوا بقول الله تعالى:] سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [. (9)فقضية وزن الحرارة والبرودة بالمقاييس التي اخترعها البشر، وهي أعراض، توقف عقول أهل البدع أمام الواقع، وتنادي على هذه العقول بالجهالة والسخف، وتقف إلى جانب نصوص الكتاب والسنة، ومذهب أهل السنة والجماعة؛ انطلاقاً من قول الله:] سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [(10)——————————————————————————–([1]) (ص 83).([2]) الأنبياء: 47.([3]) القارعة 6 – 8.([4]) الأنبياء 47.([5]) النساء: 49.([6]) النساء: 124.([7]) الأعراف: 8.([8]) (3/ 1261)، وراجع تفسير سورة المؤمنون (4/ 2481)، حيث تأول الميزان مثل هذا التأويل، وأحال إلى كتابه “التصوير الفني في القرآن”.([9]) فصلت: 53.([10]) فصلت: 53.====
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)





ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق