الجمعة، 18 نوفمبر 2016

حُكْمَ المُظَاهَرَاتِ وَالثَّوْرَاتِ الحُرْمَة
عاً»
(أفلا تستحي يا د. عبد الحي؟!!)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خرِّيج الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النَّبويَّة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّه محمَّد وأصحابه وأتباعه أجمعين.أما بعد؛ فقد أُوقِفتُ واطَّلعتُ على فتوى للدكتور عبد الحي يوسف (صاحب قناة وإذاعة طيبة وجمعيَّة المشكاة الخيريَّة بالسُّودان) يُبيح فيها ويُجيز المظاهرات -المحرَّمة شرعاً([1])- بلا دليل معتبرٍ في الإسلام ولا سند علميٍّ معتَمَد وإنَّما غاية أدلَّته تأصيلاتٌ وتنظيراتٌ يردُّها الشَّرع الحنيف وتدفعها العقول السَّليمة. والنَّاظرُ المتفحِّصُ لكثيرٍ من أقوال وتصريحات د. عبد الحي يجدها على هذه الطَّريقة غير العلميَّة ممَّا كان له سييء الأثر في تضليل كثيرٍ من المسلمين وأبنائهم وشبابهم -خاصَّةً- (وتشويه صورة الإسلام وأصوله) ومِنْ ثَمَّ الزَّج بهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون في مخالفاتٍ خطيرةٍ تُبْعدهم عن الحقِّ وأهله([2]) -كما سيأتي بيانه في حينه بحول الله تعالى-.وبعد أن أصَّل وقعَّد د. عبد الحي لهذه المظاهرات المحرَّمة ليحلِّلها ويبيحها وردَّ على من خالفه -بلا وجه حقٍّ- من أهل العلم الرَّاسخين الذين حرَّموها بالحجَّة والبرهان؛ يتناقض د. عبد الحي كلَّ التَّناقض ويهدم بيديه -بحمد الله تعالى- ما بناه من كلِّ تأصيلٍ وشُبَهٍ في إباحة هذه المظاهرات وتجويزها؛ أقول: بعد هذا كلِّه يفتي د.عبد الحي مؤخَّراً ويصرِّح -على مرأىً ومسمعٍ- بأنَّ المظاهرات حرامٌ شرعاً -وهو الحق لا ريب فيه- [قال ذلك في قناة النِّيل الأزرق قبل أكثر من ستة أشهر تقريباً] بلا حياءٍ من الله الذي يراه ويسمعه -تعالى وتقدَّس- ولا من خلقه، حيث تعرَّى للأسف عن الأدب العلميِّ والأمانة الشَّرعيَّة بعدم بيانه لخطئه في فتواه الأولى المبيحة والمحلِّلة -بلا دليلٍ- وتراجُعه عنها تحذيراً للمسلمين منها ومن العمل بها بعد أن نشَرها وأذَاعها في أوساطهم!! كما أنَّه لم يقُم كواجبٍ شرعيٍّ عليه بدحضِ وردِّ وتفنيد تلك التَّأصيلات والتَّقعيدات والشُّبهات وإبطالِها والتي لأجلها حلَّل هذه المظاهرات -المحرَّمة-!! ولم يبيِّن ويعلِّل -وهو الواجب عليه أيضاً- فتواه الأخيرة بتحريمها بسياق وعرض الأدلة والأصول والقواعد التي لأجلها حرَّمها مؤخَّراً كما ساق بكلِّ جرأةٍ الشُّبهات والتَّنظيرات والأدلَّة -التي في غير محلِّها- لتحليلها في فتواه الأولى!! ليكون ناصحاً لله ودينه وللمسلمين في هذه البلاد الذين ضلَّلهم -بفتواه الأولى المحلِّلة- وعمَّى عليهم الحقائق!! ليقفوا حينها على بيِّنة الأمر والحقِّ حتى تبرأ ذمَّته عند الله تعالى إن كان صادقاً غير متلاعبٍ على الشَّرع وعقول كثيرٍ من المسلمينوعواطفهم!!فيسَّر الله تعالى وحده كتابة هذه الأوراق([3]) -لله الحمد والمنَّة- بيَّنتُ فيها باختصارٍ -نُصحاً للمسلمين وإظهاراً للحقِّ إن شاء الله تعالى- الآتي:أوَّلاً: كلام بعض أهل العلم السَّلفيِّين الرَّاسخين النَّاصحين وفتاواهم في تحريم المظاهرات والثورات.ثانياً: بيان خطأ وبطلان فتوى د. عبد الحي يوسف الأولى في تجويز وإباحة المظاهرات والثورات، وبيان تناقضه وخطر فكره ومنهجه -ومن سار على طريقته- على أهل الإسلام بالسُّودان (وغيرها) -حكومةً وشعباً- حفظهم الله تعالى، وما يلزمه شرعاً تجاه ذلك. ثمَّ ختمتها بتنبيهٍ مهمٍّ وتحذيرٍ لكلِّ منسوبي جماعة أنصار السنة وجمعية الكتاب والسنة الخيرية وكليتها العلمية (بجبرة) في السودان!!!هذا واللهَ أسألُ أن يوفِّقنا للحقِّ في كلِّ شأنٍ وأن يميتنا عليه إنَّه هو الحيُّ القيُّوم الرَّحمن الرَّحيموصلَّى الله وسلَّم على نبيِّه محمَّدٍ وآله أجمعينوالحمد لله ربِّ العالمين

كتبهنزار بن هاشم العباسخريج الجامعة الإسلامية بالمدينة النبويةوالمشرف على موقع راية السلف بالسودان
أوَّلاً: كلامُ بعض أهل العلم السَّلفيين الرَّاسخين النَّاصحين وفتاواهم في تحريم المظاهرات والثورات• تمهيدٌ لابد منه:علينا أن لا نغفل أيُّها المسلمون -وفَّقكم الله تعالى- عن الغاية التي من أجلها خُلِقْنا في هذه الدُّنيا الفانية ألا وهي عبادة الله سبحانه وحده لا شريك له، قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) [الذَّاريات 56]. وأنَّ هذه العبــادة لا تكون إلا بطاعتــه بما أمر به هو وحـده سبحانه وتعالى وأمَرَ به رسولـــه-صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- على منهج الصَّحابة والتَّابعين وأتباعهم سلف هذه الأمَّة الأخيار، ولا سبيل لمعرفة تلك الطَّاعة والعبادة وتحقيقها والتَّقرُّب بها إلى الله تعالى للفوز بجنَّاته ومرضَاتِه والنَّجاة من النَّار وسخطه وعقابه في الدُّنيا والآخرة إلاَّ بتطبيقٍ صادقٍ علميٍّ متجرِّدٍ -لله تعالى- لقوله سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) [النساء 59].قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية: «وقال عليُّ بن أبي طلحة([4]) عن ابن عبَّاس ((وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)) يعني أهل الفقه والدِّين، وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية ((وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)) يعني العلماء، والظَّاهر والله أعلم أنَّها عامَّةٌ في كلِّ أولي الأمر من الأمراء والعلماء كما تقدَّم، وقال تعالى: ((لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ)) وقال تعالى: ((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) وفي الحديث الصَّحيح المتَّفق على صحَّته عن أبي هريرة عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصا أميري فقد عصاني" فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال تعالى: ((أَطِيعُواْ اللّهَ)) أي اتَّبعوا كتابَه ((وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ)) أي خذوا بسنَّته ((وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)) أي فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله؛ فإنَّه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الله كما تقدَّم في الحديث الصَّحيح "إنَّما الطَّاعة في المعروف" وقال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرحمن حدَّثنا همام حدَّثنا قتادة عن ابن حريث عن عمران بن حصين عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "لا طاعة في معصية الله". وقوله: ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ)) قال مجاهد وغير واحدٍ من السَّلف: أي إلى كتاب الله وسنَّة رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-. وهذا أمرٌ من الله عزَّ وجلَّ بأنَّ كلَّ شيءٍ تنازَعَ النَّاس فيه وفروعه أن يُرَدَّ التَّنازع في ذلك إلى الكتاب والسُّنَّة كما قال تعالى: ((وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)) فما حكَمَ به الكتاب والسُّنَّة وشَهِدا له بالصِّحَّة فهو الحقُّ، وماذا بعد الحق إلا الضَّلال، ولهذا قال تعالى: ((إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) أي ردُّوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنَّة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ((إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) فدلَّ على أنَّ من لم يتحاكم في محلِّ النِّزاع إلى الكتاب والسُّنَّة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر([5]). وقوله: ((ذَلِكَ خَيْرٌ)) أي التَّحاكم إلى كتاب الله وسنَّة رسوله، والرُّجوع إليهما في فصل النِّزاع خيرٌ ((وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) أي وأحسن عاقبةً ومآلاً كما قاله السدِّيُّ وغير واحدٍ، وقال مجاهد: وأحسن جزاءً وهو قريب» انتهى كلامه -رحمه الله-.وأخرج ابن جرير عن ميمون بن مهران في الآية قال: "الرَّدُّ إلى الله الرَّدُّ إلى كتابه، والرَّدُّ إلى رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إن كان حيَّاً، فإن قَبَضَه الله إليه فالرَّدُّ إلى السنَّة" [تفسير ابن جرير].فأولوا الأمر في هذه الآية هم العلماء والحكَّام الأمراء، فالعلماء الرَّبَّانيُّون الرَّاسخون السَّائرون على منهج السَّلف الصَّالح هم بعد الله تعالى مرجعيَّةٌ -صادقةٌ مأمونةٌ- لأمَّة الإسلام بأَسْرِها -حكَّاماً كانوا أو محكومين- لمعرفة حُكم الله وشرعه وتطبيقه في كلِّ قضايا المسلمين وهم في طريقهم وعبورهم إلى دار الآخرة دار القرار، فاتِّفاقُ الأمَّة الإسلاميَّة ووحدتها بعد الله تعالى وثباتها على أصول الدين وشرائعه لا يتمُّ إلا بالرُّجوع إليهم، وفضُّ وحلُّ ما يكون بينها من نزاعٍ أو اختلافٍ وفرقةٍ لا يتمُّ بعد الله تعالى وتوفيقه إلا بالرُّجوع إليهم لِذَا أمرَ الله بطاعتهم والنزول عند قولهم والأخذ به وجعَلَ الله ذلك من فضله ورحمته بعباده وعصمته لهم من اتِّباع شياطين الجنِّ والإنس قال تعالى: ((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)) [النساء 83]، بل أمر تعالى عباده المؤمنين فقال: ((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) [النحل 43]. وأهل الذِّكر هم العلماء الرَّاسخون -كما بيَّن المفسِّرون العلماء-. لأجل هذا أثنى الله على العلم والعلماء ومدَحَهم وكذا نبيُّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- في غير ما نصٍّ، قال تعالى: ((شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [آل عمران 18]، وقال سبحانه: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)) [الزمر 9]. وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "إنَّ العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً وإنَّما ورَّثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظٍّ وافرٍ" [صحيح الجامع].وقال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "ليس منَّا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقَّه" [حسَّنه الألبانيُّ في (صحيح الجامع)].لكن لما كان هذا العلم الشَّرعي قد ينال منه بقدر الله بعضُ أهل الشَّرِّ والضَّلال -فتنةً من الله تعالى لخلقه وابتلاءً- فإنَّ الله تعالى له الحكمة البالغة كما يعطي من الدنيا ونعمها من لا يحب فلا يرتفع عنده سبحانه وإن ارتفع وعلا شأنُه عند الخلق؛ يعطي كذلك الله تعالى من هذا العلم من لا يحبُّه ولا يرضى عن فعله من خلقه فتنةً له ولغيره فلا يرتفع به عند ربه ولا ينتفع به وإن ارتفع وعلا شأنه عند المسلمين. لأجل هذا حذَّر نبيُّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- الرَّؤوف الرَّحيم بأمَّته من علماء الضَّلالة وأئمَّتها فقال -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: "أخوف ما أخاف على أمَّتي الأئمَّة المضلُّون" [السِّلسلة الصَّحيحة]. وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم- محذِّراً من الاغترار والانخداع بفصاحة وبلاغة وتأصيل علماء السُّوء: "إنَّ أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافقٍ عليم اللسان" [صحيح التَّرغيب]. وقال أيضاً -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- مخوِّفاً منهم: "دعاةٌ على أبوب جهنَّم من أجابهم إليها قذفوه فيها" [صحيح البخاريِّ] مع أنَّهم "من بني جلدتنا ويتكلَّمون بألسنتنا"، "ويقولون من قول خير البريَّة" [صحيح التِّرمذيِّ]، "ويتقفَّرون العلم" [صحيح مسلم] أي يطلبونه وتظهر عليهم علاماته، ويكثرون من قراءة القرآن والصَّلاة والصَّوم... إلخ ذلك من أعمال الخير.لذلك أوصانا نبيُّ الرَّحمة -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- أيُّها المسلمون -وفَّقكم الله- أن نرتبط ونتَّصل بعلماء الخير الرَّاسخين لأخذ العلم الصَّافي عنهم والسَّير على طريقهم والعمل بإرشادهم وأن نحذر كلَّ الحذر من علماء السُّوء والضَّلالة والجهل وإن ترأَّسوا واعْتُمِدوا عند من لا يعرف حقيقة حالهم وخطرهم؛ فقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "إنَّ الله لا يقبض العلمَ انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلمَ بقبض العلماء، حتَّى إذا لم يُبْقِ عالماً اتَّخذ النَّاس رؤوساً جهَّالاً فسُئِلوا فأفتوا بغير علمٍ فضلُّوا وأَضَلُّوا" [صحيح البخاريِّ]. وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: "أنَّ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يتعوَّذ من أربع: من علمٍ لا ينفعُ، ومن قلبٍ لا يخشعُ، ودعاءٍ لا يُسْمَع، ونفسٍ لا تشبعُ" [صحيح النسائي].وهذا واقعُ المسلمين يشهد بذلك كما أخبر -صلَّى الله عليه وسلَّم- ونُعَايشه كشرْطٍ من أشراط السَّاعة وعلمٍ من أعلام النُّبوَّة؛ فقد قال -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: "إنَّ من أشراط السَّاعة أن يُرْفَع العلم ويظهر الجهل" [صحيح البخاريِّ].والحمد لله تعالى الذي جعل الحقَّ وأهله -من العلماء وطلاَّبهم- ظاهرين معروفين باقين منصورين إلى آخر الزَّمان وإن كثُر الجهلُ وأهلُه والفسادُ ومروِّجوه وتكالَبَ أعداءُ الحقِّ على الأمَّة من كلِّ حدبٍ وصوبٍ، قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)) [الفتح 28]. وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "لا تزال طائفةٌ من أمَّتي ظاهرين على الحقِّ، لا يضرُّهم من خذلهم حتَّى يأتي أمر الله وهم كذلك" [صحيح مسلم]، "لا تزال طائفةٌ من أمَّتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال" [السلسلة الصحيحة].وأهل الحقِّ وأنصاره لا شكَّ قلَّةٌ قليلةٌ في وسط هذا الزَّخم العريض من الجهل ومظاهره والشَّرِّ وأعلامه-أصلحَ الله المسلمين- فالله تعالى يقول: ((وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ))([6]) [الأنعام 116]. ويقول -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: "بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء" [صحيح مسلم]، وفي رواية: قيل: من الغرباء؟ قال: "ناسٌ صالحون قليلٌ في ناس سوءٍ كثيرٍ، من يعصيهم أكثر ممَّن يطيعهم" [السِّلسلة الصَّحيحة].
فاحرص أيُّها المسلم لتكون وأهلك من أهل الحقِّ وأنصاره وأعوانه؛ لأنَّ الأمر خطيرٌ والرِّحلة سريعةٌ والآخرة مقرٌّ.((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) [التحريم 6].((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ))[الحج 1-2].((كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)) [آل عمرن 185].((وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ)) [الروم 55].
فخلاصة القول من هذه النُّصوص وغيرها أيها المسلمون -رعاكم الله-:أنَّ من أراد العافية والسَّلامة والنَّجاة في الدُّنيا والآخرة وحسن العاقبة في كلِّ أمره بتوفيق الله وفضله عليه أن يجعل آية سورة (النِّساء) السَّابقة: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) نصب عينيه ومحلَّ حرصه واهتمامه وفقهه وسيرِه حتى يلقى الله تعالى، فقد أمَرَ الله تعالى فيها أهل الإيمان والإسلام بأمورٍ وحقوقٍ خمسة عظيمة عليها يقوم الحقُّ وشرعُ الإسلام بكلِّ أصوله وقواعده:• فالأمرُ الأوَّل: حقُّ الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ)) وهو توحيده بعبادته وحده لا شريك له وتحقيق الإيمان بألوهيَّته (عبادته) وأسمائه وصفاته وربوبيَّته محبَّةً وخضوعاً خوفاً ورجاءً بفعل أمرِه وتركِ نهيه وهذا عينُ تقواه سبحانه، وأعظم ما نهى عنه الشِّرك والكفر به -تعالى وتقدَّس- بكلِّ ألوانه وأنواعه -عافى الله الأمَّة منه- ((وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا))، ثمَّ الابتداع والإحداث في دينه ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))، ثم سائر المعاصي والفسوق!!• والأمرُ الثَّاني: حقُّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- بطاعة أمره وترك نهيه وألاَّ يعبد الله إلا بما شرعه في سنَّته الصحيحة -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- محبَّةً له واتِّباعاً رجاءَ رحمةِ الله تعالى وخوف عقابه وعذابه سبحانه وتعالى. وترك الإحداث والابتداع في سنَّته وهديه وشرعه فهو القائل -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "من عمِلَ عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ" [صحيح مسلم]، والقائل -صلَّى الله عليه وسلَّم- يوم القيامة داعياً ساخطاً على من خالفه وأحدث في دينه: "سحقاً سحقاً"([7])!!• والأمرُ الثَّالث: حقُّ العلماء الرَّبانيِّين الراسخين السَّائرين على المنهج السَّلفيِّ ((وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ))، بالتَّعرُّف عليهم والارتباط بهم وتوقيرهم بالثَّناء والمدح الجميل الصَّادق مع احترامهم ومحبَّتهم والرُّجوع إليهم تعلُّماً وسؤالاً وطاعتهم في طاعة الله تعالى لأنَّه "لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق" [صحيح الجامع] والدِّفاع عنهم لله تعالى صيانةً وحمايةً لدينه وأهل الإسلام، ونشر علومهم في الأرض!!• الأمرُ الرَّابع: حقُّ ولاة الأمر والحُكَّام أهل سلطان الله في الأرض ((وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ))، بتحقيق طاعتهم في طاعة الله تعالى والاجتماع على كلمتهم ولزومها وعدم الخروج عليهم مهما ظلموا أو جاروا -مالم يقع منهم كفرٌ بواحٌ عليه من الله برهانٌ يقرِّره أهل العلم والرُّسوخ لا أهل الطَّيش والثَّورة والجهل والخروج والمروق- بل يجب الصَّبر عليهم والدُّعاء لهم بالصَّلاح والسَّداد وعدم الطَّعن فيهم وغمزهم والتَّشهير والسُّخرية بهم، فعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "دعانا النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمعِ والطاعةِ، في منشطِنا ومكرهِنا، وعسرِنا ويسرِنا وأثرةٍ علينا، وأن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه، إلا أن تروا كُفرًا بَواحًا، عندكم من اللهِ فيه برهانٌ" [البخاري]. والنُّصح لهم سرَّاً كما قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانيةً ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدَّى الذي عليه" [صحَّحه الألبانيُّ في تخريج (كتاب السنة)]. فلا تغتر ولا تنخدع أيُّها المسلم بما يفعله ويُحْدِثه المحدثون في الدِّين ممَّن لا فقه له ولا فهم رشيد ولا عقل سليم معرضين مخالفين -عن علمٍ أو جهلٍ- لحقِّ ولاة الأمر وبقيَّة الحقوق من علماء السُّوء وأهل الأحزاب والطَّوائف الدِّينيَّة والسِّياسيَّة "فإنَّ خير الهدي هدي محمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم-"، وقد قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ"، و"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ"، و "من صنع أمراً على غير أمرنا فهو ردٌّ" [صحيح التَّرغيب]؛ ذلك لأنَّه بأبي هو وأمِّي -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- صرَّح قائلاً مبيِّناً كمالَ دينه بكلِّ خيرٍ وشموله وعصمته وكفاية أهله الصَّادقين به: "ليس من عملٍ يقرِّب من الجنَّة إلا قد أمرتكم به، ولا من عملٍ يقرِّب إلى النَّار إلا وقد نهيتكم عنه" [صحيح التَّرغيب].وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالكٌ" [صحيح التَّرغيب].والمحجَّة البيضاء الكتاب والسُّنَّة الصَّحيحة على منهج سلف الأمَّة الصَّالح؛ حيث يقول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "تركت فيكم أمرين لن تضلُّوا ما تمسَّكتم بهما: كتاب الله وسنَّة رسوله" [حسَّنه الألبانيُّ في (تخريج مشكاة المصابيح)].ويقول: "ليأتينَّ على أمَّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النَّعل بالنَّعل حتَّى إن كان منهم من أتى أمَّه علانيةً لكان في أمَّتي من يصنع ذلك. وإنَّ بني إسرائيل تفرَّقت على ثنتين وسبعين ملَّة وتفترق أمَّتي على ثلاثٍ وسبعين ملَّة كلهم في النَّار إلاَّ ملَّة واحدة". قال: من هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي" [حسَّنه الألبانيُّ في (صحيح التِّرمذيّ)]. وأصحاب النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- هم رأس وَسَادات السَّلف الصالح في القرون الثلاثة المفضَّلة كما قال -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: "خير النَّاس قرني ثمَّ الذين يلونهم ثمَّ الذين يلونهم" [صحيح البخاريّ].ودلَّ هذا الحديث العظيم "كلها في النَّار إلا واحدة"([8]) على أنَّ كلَّ ما خالف سنَّة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وخالف منهج السَّلف -رحمهم الله تعالى- من البدع والأهواء والآراء والأفكار والتَّنظيرات الفاسدة فهو من الضَّلالات المتَوَعَّدِ أصحابها -والعياذة بالله- بنار جهنَّم كما قال -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: "وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النَّار" [صحيح النَّسائيّ]. فاللهمَّ اعصمنا من الفتن والضَّلال وأَجِرْنَا من نارِك يا أرْحَمَ الرَّاحمين.• الأمر الخامس: وجوب الرُّجوع عند النِّزاع والاختلاف بين المسلمين بشتَّى أصنافهم في كلِّ شيءٍ صغيرٍ أو كبيرٍ من الأمور الأربعة والحقوق السَّابقة الذِّكر -وغيرها- (طاعة الله، وطاعة رسوله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-، وطاعة العلماء وطاعة الولاة والحكَّام) إلى كتاب الله تعالى المحكم وسنَّة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- الصَّحيحة المُحْكَمَة ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ)) وهذا الرُّجوع إلى الكتاب والسُّنَّة الصَّحيحة لا ينتفع به أصحابه والمختلفون والمتنازعون ويجنون جميل آثاره وحسن عاقبته إلا إذا حقَّقوا بنصِّ الآية وغيرها من النُّصوص الآتي:1- أن يكونوا معظِّمين لكتاب الله تعالى مؤمنين به مُعْتَمِدِين -بعد الله- عليه أصلاً ومرجعاً وديناً (لا كالشِّيعة الرَّوافض الذين يعتقدون -والعياذ بالله- تحريفَه ونقصَه، عاملهم الله بما يستحقُّون).2- أن يكونوا معظِّمين لسنَّة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- مُعْتَمِدين عليها -بعد الله- أصلاً ثانياً مصاحباً لكتاب الله تعالى ومرجعاً وديناً وإيماناً (لا كالشِّيعة الرَّوافض أيضاً الذين يعتقدون بطلانها وكذبها لأنَّهم يُكِّفُرون رواتها من الصَّحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- إلا عدداً يسيراً هوىً وضلالاً فكيف بغيرهم من التَّابعين وأتباعهم... إلخ إلى يومنا هذا؟! وكذا الخوارج القدامى وبعض متأخِّريهم -اليوم- الطَّاعنين في بعض أصحاب النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- كعثمان بن عفَّان، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبي موسى الأشعريِّ، وعمرو بن العاص -رضي الله عنهم وخَذَل من عاداهم وكَبَتَه- إلى غيرهم من أهل الأهواء والبدع كالعقلانيِّين من أفراخ المعتزلة).3- أن يكون رجوعهم للكتاب والسُّنَّة على فهم ومنهج السَّلف الصَّالح ومن سار على طريقهم من علماء الدَّعوة السَّلفيَّة اليوم.4- أن يكونوا مريدين باغين للحقِّ والصَّواب بِتَحَرٍّ وتِجَرُّدٍ وتقوى وإخلاصٍ لله تعالى وحده لا شريك له؛ طمعاً في مرضاته وجنَّاته وخوفاً من غضبه وعذابه.5- أن يكونوا على يقينٍ تامٍّ صادقٍ بأنَّ الحقَّ والخيرَ في هذه المراجع (الكتاب والسُّنَّة وفهم السَّلف الصَّالح وعلماء الدَّعوة السَّلفيَّة)؛ فإنَّهم حينها يَجِدُّون ويجتهدون بحثاً ووسعاً لمعرفة الحقِّ في أمر النِّزاع والخلاف، قال تعالى: ((الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [البقرة 1-5]، وقال تعالى في حقِّ نبيِّه -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: ((وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)) [النور 54]، وقال: ((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ)) [الشورى 53]. فإن كنَّا كذلك -إن شاء الله تعالى- منَّ اللهُ علينا بثمار هذا الرُّجوع الطَّيبة في الدُّنيا والآخرة ((ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) فتجتمع الكلمةُ على الحقِّ -بعد ظهوره وهو ظاهرٌ والحمد لله- ويتَّحد الصَّفُّ على الخير، قال تعالى: ((وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) [آل عمران 103]. ومن وُفِّقَ بفضل الله عليه للاجتماع على الحق والاعتصام به فقد حقَّق طاعة الله ورسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- والله وعَد أهل طاعته خيراً فقال مبشِّراً: ((وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) [الأحزاب 33]، وقال: ((وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا)) [النساء 4].وإن خالفنا تلك النِّقاط المهمَّة في الرُّجوع إلى الوحيين فإنَّ النِّزاع يبقى والفُرقة تدوم والعاقبة -والعياذ بالله- ستسوء، قال تعالى: ((وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ))[الروم 31-32]، وقال: ((وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)) [الأنفال 46].فَارْعَ أيُّها المسلم هذه الحقوق والأمور وكُنْ على بصيرةٍ بها وطبِّقها في حياتك تُفْلِح -بحول الله- بِنَصْرِ الله ورحمته. وسَلِ الله العافيةَ والعلمَ النَّافع، وتعوَّذ كلَّ التَّعوُّذ من علمٍ لا ينفع ومن شَرِّ كلِّ علماء السُّوء والضَّلال، وفَّق الله الجميعَ لمرضاتـه.ثمَّ إليكم أيُّها المسلمون -سدَّدكم الله- كلام بعض علمائنا وفتاواهم في حرمة المظاهرات والثورات وما يترتَّب عليها من الفساد والشر!!
فتوى اللجنة الدَّائمة للبحوث العلميَّة والإفتاءجاء في الفتوى رقم (19936) المجلَّد (15): "...كما ننصحك وكلَّ مسلمٍ ومسلمة بالابتعاد عن هذه المظاهرات الغوغائيَّة التي لا تحترم مالاً ولا نَفْسَاً ولا عِرْضاً ولا تمتُّ إلى الإسلام بصلة؛ ليَسْلَمَ للمسلم دينه ودنياه ويأمن على نفسه وعِرْضِه ومالِه. وبالله التَّوفيق. وصلَّى على نبيِّنا محمَّدٍ وآله وصحبه وسلَّم."صالح الفوزان (عضواً) عبد الله الغديَّان (عضواً) عبد العزيز بن عبد الله آل الشَّيخ (نائب الرَّئيس) عبد العزيز بن باز (الرَّئيس)فتوى الشَّيخ الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله تعالى-سُئِلَ فضيلته -يرحمه الله-: هل المظاهرات الرجالية والنسائية ضد الحكام والولاة تعتبر وسيلةً من وسائل الدعوة؟ وهل من يموت فيها يعتبر شهيداً؟فأجاب -رحمه الله-: "لا أرى المظاهرات النسائيَّة والرجاليَّة من العلاج ولكنِّي أرى أنها من أسباب الشُّرور ومن أسباب ظلم بعض الناس والتَّعدِّي على بعض الناس بغير حقٍّ، ولكن الأسباب الشَّرعيَّة المكاتبة، والنَّصيحة، والدَّعوة إلى الخير بالطُّرق السَّليمة الطُّرق التي سلكها أهل العلم وسلكها أصحاب النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأتباعهم بإحسان بالمكاتبة والمشافهة مع الأمير ومع السُّلطان والاتِّصال به ومناصحته والمكاتبة له دون التَّشهير في المنابر وغيرها بأنه فعل كذا وصار منه كذا، والله المستعان"[شريط (فتاوى العلماء في طاعة ولاة الأمر)].
فتوى الشيخ العلاَّمة الإمام المُحَدِّث محمَّد ناصر الدِّين الألباني -رحمه الله تعالى-قال -رحمه الله-: "هذه التظاهرات الأوربية ثم التقليدية من المسلمين، ليست وسيلةً شرعيَّةً لإصلاح الحكم وبالتالي إصلاح المجتمع، ومن هنا يخطيء كل الجماعات وكل الأحزاب الإسلاميَّة الذين لا يسلكون مسلك النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في تغيير المجتمع، لا يكون تغيير المجتمع في النظام الإسلامي بالهتافات وبالصَّيحات وبالتَّظاهرات، وإنما يكون ذلك على الصبر على بثِّ العلم بين المسلمين وتربيتهم على هذا الإسلام حتى تؤتي هذه التربية أكلها ولو بعد زمنٍ بعيدٍ، فالوسائل التَّربويَّة في الشّريعة الإسلاميَّة تختلف كل الاختلاف عن الوسائلالتَّربويَّة في الدُّول الكافرة، لهذا أقول باختصارٍ -عن التَّظاهرات التي تقع في بعض البلاد الإسلاميَّة-:أصلاً هذا خروج عن طريق المسلمين وتشبه بالكافرين وقد قال رب العالمين: ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا))" [فتاوى جدَّة].
فتوى الشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى-سئل -رحمه الله تعالى-: بالنسبة إذا كان حاكم يحكم بغير ما أنزل الله ثم سمح لبعض الناس أن يعملوا مظاهرة تسمى عصامية مع ضوابط يضعها الحاكم نفسه ويمضي هؤلاء الناس على هذا الفعل، وإذا أنكر عليهم هذا الفعل قالوا: نحن ما عارضنا الحاكم ونفعل برأي الحاكم، هل يجوز هذا شرعاً مع وجود مخالفة النص؟فأجاب: عليك باتباع السلف، إن كان هذا موجوداً عند السلف فهو خير، وإن لم يكن موجوداً فهو شر، ولا شك أن المظاهرات شر لأنها تؤدي إلى الفوضى من المتظاهرين ومن الآخرين، وربما يحصل فيها اعتداء إما على الأعراض وإما على الأموال وإما على الأبدان؛ لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران لا يدري ما يقول ولا ما يفعل، فالمظاهرات كلها شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم يأذن. وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية، وإلا لو رجعت إلى ما في قلبه لكان يكرهها أشد كراهة، لكن يتظاهر بأنه كما يقول: ديمقراطي وأنه قد فتح باب الحرية للناس، وهذا ليس من طريقة السلف.[من لقاءات الباب المفتوح].
فتوى الشَّيخ العلاَّمة د. صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله تعالى-سُئِلَ -حفظه الله-: هل من وسائل الدَّعوة القيام بالمظاهرات لحلِّ مشاكل الأمَّة الإسلاميَّة؟فأجاب: "ديننا ليس دين فوضى، ديننا دين انضباطٍ ودين نظامٍ وهدوءٍ وسكينةٍ، والمظاهرات ليست من أعمال المسلمين وما كان المسلمون يعرفونها، ودين الإسلام دين هدوءٍ ورحمةٍ ودين انضباطٍ لا فوضى ولا تشويش ولا إثارة فتن، هذا هو دين الإسلام. والحقوق يُتَوَصَّل إليها بالمطالبة الشَّرعيِّة والطُّرق الشَّرعيَّة. والمظاهرات تُحْدِثُ سفكَ دماءٍ وتُحْدِثُ تخريب أموالٍ. فلا تجوز هذه الأمور".[شريط فتاوى العلماء في حكم التَّفجيرات والمظاهرات والاغتيالات].فتوى الشَّيخ العلاَّمة المحدِّث د. ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى-قال -حفظه الله- في سياق ردِّه على أحد مجيزي المظاهرات: "وهات أهل العلم الراسخين الذين قالوا عن غاية المظاهرات والمسيرات إنها شريفة، والوسيلة إلى هذه الغاية واجبة أو مندوبة. فلا نعرف عن العلماء إلا أنهم ذموها وحذَّروا منها، ولا يجيزها ويزخرفها إلا أهل الأهواء المغرمون بكل ضلالة يأتي بها اليهود والنصارى، ومنها الاشتراكية والديمقراطية، وما انشق منها كالمظاهرات والمسيرات والاعتصامات والتعددية الحزبية والانتخابات، وكلها أباطيل وجهالات وضلالات، يجب أن ينـزه عنها الإسلام".[مقال حكم المظاهرات في الإسلام].وقال أيضاً -حفظه الله-: "وعلماء السنة في كل مكان يحرِّمون المظاهرات ولله الحمد، ومنهم علماء الممكة العربية السعودية، وعلى رأسهم العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي المملكة سابقاً، والعلامة محمد بن صالح العثيمين، وهيئة كبار العلماء وعلى رأسهم مفتي المملكة الحالي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان وفضيلة الشيخ صالح اللحيدان، ومحدِّث الشام محمد ناصر الدين الألباني، وعلماء السنة في اليمن وعلى رأسهم الشيخ مقبل الوادعي، وعلماء الجزائر وعلى رأسهم الشيخ محمد علي فركوس، رحم الله من مضى منهم، وحفظ الله وثبَّت على السنة من بقي منهم، وجنَّب المسلمين البدع والفتن ما ظهر منها وما بطن" [مقال حكم المظاهرات في الإسلام].
فتوى الشيخ العلامة عبيد بن عبد الله الجابري -حفظه الله تعالى-يقول السائل: ينادي البعض بخروج النساء في المظاهرات والاعتصامات لإطلاق سراح المتهمين في قضايا أمنية تتعلق بالتكفير والخروج، فما توجيه سماحتكم حفظكم الله؟فأجاب -حفظه الله-:لا يُستغرب من الخوارج القاعدية هذا المسلك فهو مما نَشؤوا عليه وساروا عليه ومشَوْا عليه، وقد بسطت القول في الخوارج القاعدية ومنها ما ذكرته آنفًا.فالواجب على ذوي الحِجى والأحلامِ والنُّهى من الرجالِ والنِّساء ألَّا يستجيبوا لهؤلاء، لأن هذا من البدعةِ والضلال ولوليِّ الأمر أن يعاقب بالقتل فما دونه من يَسعى في الإفساد وتفريق الكلمة وبث الفرقة بين أهل السُّنة، له القتل فما دونه؛ حبس، جلد، نَفِي إلى مكان غير مكانه، وله أن يجعل مكانه مجهولًا، وإنَّما القوم وإن كانوا هُنا وآباؤهم وأمهاتهم على سُنَّة وأجدادهم، فإنهم تربَّوا على غير السُّنة، على أفكار سيد قطب وحسن البنا والمودودي وغيرهم من أساطين الإخوان المسلمين لاسيما حملة التكفير أتباع سيد قطب ومحمد سرور بن نايف زين العابدين السوري الذي أقام في المملكة السعودية -حرسها الله وسائر بلاد المسلمين وجمع عوامها وخواصها على ما رضِيَه لنا من الإسلامِ والسُّنة-، ثُمَّ بعد ذلك اتجه إلى أوروبا وبلغني الآن أنَّه في بعض دول الخليج، فيا ليتهم يطردونه شَرَّ طردة ويريحون أهل الإسلام من شرِّه، كما أنهم مرتبطون بسعدِ الفقيه ومن حوله، والمسعري محمد بن عبد الله المسعري الذي بلغني أنَّه ارتد فيما بعد وأرجو الله ألَّا يكون ارتد فإنَّ ما هو فيه من بدعة أخفُّ من الرِّدة؛ وهي الكفر بعد الإسلام. نعم.[فتاوى الشيخ العلامة عبيد الجابري -حفظه الله- من إذاعة ميراث الأنبياء].
فتوى الشَّيخ العلامة د. صالح بن سعد السُّحيمي -حفظه الله تعالى-قال -حفظه الله-: "الدُّخول في المظاهرات عملٌ يهوديٌّ ماسونيٌّ ليس من عمل المسلمين ولا يقرُّه الإسلام وليس عليه دليلٌ من الشَّرع، ولا نلتفت إلى من يفتي به من الذين يتسرَّعون، حتَّى الذين قتلوا أنفسهم يقولون إنَّهم شهداء والرَّسول- صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: "من قتل نفسه فهو في النَّار" فنبرأ إلى الله من هذه الفتاوى ومن أهلها وإن تحدَّثوا من قناة (الخسيرة) -يعني قناة الجزيرة- أو غيرها من القنوات الفاسدة المفسدة. هذا الكلام أيضاً انقله عنِّي، ويكفي أنَّ المظاهرات تؤيدِّها ثلاث جهات:* الغرب بمن فيهم أمريكا وأوربَّا بكافَّة دولها.* والرَّافضة سواءً كان منهم في إيران أو حزب الشَّيطان -حزب الله الشيعي الرافضي اللبناني- أو غيرهم في بلاد الشَّام أو غير ذلك.* أو كذلك الأمر الثَّالث: الذين يؤيِّدونهم العلمانيون والليبراليُّون والملاحدة الذين يريدون أن ينسخوا الدين ويريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتمَّ نوره ولو كره الكافرون. فأَبْلِغوا الإخوة بأنَّ الدُّخول في هذه المظاهرات أو الإضرابات مهما كان الحاكم فإنَّ هذا العمل غير صحيحٍ ويُمَكِّن لأعداء الإسلام من الدُّخول في صفوف المسلمين، ويكفي أنَّها في بعض البلاد اختلط فيها الحابلُ بالنَّابل؛ الرَّافضيّ -الشيعي- مع اليهوديّ مع النصرانيّ مع أدعياء السُّنَّة مع غوغائيِّين مع الزُّناة واللوطيِّين ومع العلمانيِّين واللبراليِّين ومع سائر المجرمين الذين يدخلون في مثل هذه المظاهرات. فأوصي نفسي وإخوتي أهل السُّنَّة أن لا يدخلوا فيها وأن يلزموا بيوتهم، وأن يبتعدوا عن هذه الفتن، إذا اعْتُدِيَ عليهم يدافعون عن أنفسهم، أَمَّا أن يدخلوا في هذه المظاهرات مهما كانت المظالم ومهما كانت الأمور فإنَّ ذلك لا يقرُّه الشَّرع بل هو مبدأٌ من مباديء الماسونيَّة الصُّهيونيَّة العالميَّة. وفَّق الله الجميع لما يحبُّ ويرضى، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه" [كلمةٌ لفضيلته منشورةٌ على الشَّبكة يوم الثُّلاثاء الموافق: 19 ربيع الأوَّل 1432هـ].
فتوى الشَّيخ العلاَّمة د. محمَّد بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى-قال -حفظه الله-: "وأنا أحْضَرْتُ النُّصوص التي وردت في مسائل الأئمَّة والسَّمع والطَّاعة لهم، جَمَعْتُ منها قرابة المئة وعشرين نصَّاً وتأمَّلتها فاستخرجتُ منها تحريمَ المظاهرات من خمسةَ عشَرَ وجهاً كل وجهٍ ستسمعون دليله من قول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حتَّى تعلموا أنَّ هؤلاء -أي أهل المظاهرات- جمعوا بين الجهل والهوى".ثمَّ ذكر -حفظه الله- ستَّةَ عشر وجهاً بأدلَّتها، وهي -باختصارٍ-: التَّشبُّه بالكفَّار من اليهود والنَّصارى وغيرهم، والرَّغبة والانحراف عن سنَّة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى سنن الكفَّار وأعداء الله، وعصيان الولاة، ومفارقة الجماعة، وحمل السِّلاح، وإراقة الدِّماء، وترويع الآمنين، والاعتداء على الأعراض، وإشاعة الفوضى، وإتلاف الممتلكات الخاصَّة والعامَّة، وانتشار أهل الشَّرِّ من السُّرَّاق وقُطَّاع الطُّرق وغيرهم من أهل الفساد، ومخالفة أمر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقد أمَرَنا بالتَّنازل عن حقوقنا وإعطاء الحكَّام حقوقهم، والاختلاط والتَّبرُّج والسُّفور، والإعراض عن تحكيم شرع الله، وسبُّ الحكَّام والولاة والأمراء وقد نُهِينا عن ذلك، وتداعي أعداء الإسلام على بلاد المسلمين. [راجع شريط تحريم المظاهرات الغربيَّة في صريح السُّنَّة النَّبويَّة].




ثانياً: بيان خطأ وبطلان فتوى د. عبد الحي يوسف الأولى في تجويز وإباحة المظاهرات والثورات وبيان تناقضه وخطر فكره ومنهجه -ومن سار على طريقته- على أهل الإسلام بالسُّودان (وغيرها) -حكومةً وشعباً- حفظهم الله تعالى، وما يلزمه شرعاً تجاه ذلك.قال د. عبد الحي يوسف -هداه الله- في سياق كلامه في تحليل المظاهرات: "ثمَّ إنَّ ناساً يحلو لهم أن يقولوا إنَّ المظاهرات حرام!! هكذا بإطلاقٍ وتعميمٍ! وقد غفلوا عن أن المظاهرات وسيلة لإبلاغ رسالة الشعوب وشكواها من ظلمحكامها، وقد تواطأ على التعبير بها -في هذا الزمان- المسلمون وغيرهموليست المظاهرات غاية في ذاتها، وبعضهم يقول: إنها بدعة!! فيقال في الجواب: ومن قال إنها سنة حتى يقال له: بل هي بدعة!! إنها عادة ليس إلا، والأصل فيالعادات الإباحة ما لم تشتمل على محرَّم شرعاً، مع أن للقائل بجوازالمظاهرات أن يستدل بخروج حمزة وعمر رضي الله عنهما؛ كل منهما على رأس صفّمن الصحابة -بعد إسلام عمر- ولهم كديد ككديد الطحين؛ حتى علت المشركين كآبة... مع وجوب التنبُّه إلى أن الحكم بالردة لا يصدره إلا الراسخون في العلم ممن يعرفون الشروط والموانع، وقد نقل أئمة الإسلام– كالقاضي عياض والإمام النووي والحافظ ابن حجر وابن المنذر والقرطبي- الإجماع على أن الولاية لا تنعقد لكافر، وأن المسلم متى ما طرأ عليه الكفر انعزل... وبعضهم يدندن حول أن النصيحة تكون للحاكم سراً ولا يجوز أن تكون علناً أبداً؛ حتى إن بعضهم -نسأل الله السلامة– زعم أنه لا يجوز الخروج على حاكم تونس المحارب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ وهم في هذا يستدلون بحديث {من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية؛ ولكن يأخذ بيده فيخلو به؛ فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه} وهو حديث صححه بعض أهل العلم، ويغفلون مع ذلك عن نصوص تواترت من فعل الصحابة والسلف في إنكار المنكر علانية إن احتاج الأمر إلى ذلك..." [شبكة المشكاة التابعة لدكتور عبدالحي يوسف].فأقول -وبالله وحده التَّوفيق والسَّداد-:كلامُ د. عبد الحي هذا عليه المؤاخذات والملحوظات الآتية:(1) سوء أدبه ولفظه مع العلماء الأكابر الرَّاسخين السَّائرين على المنهج السَّلفيِّ الحق القائلين بالبرهان بحرمة المظاهرات -كما سبق بيانه عن بعضهم بحمد الله تعالى-.حيث يقول: "إنَّ ناساً يحلو لهم أن يقولوا إنَّ المظاهرات حرام...". فَهُم يا دكتور بحمد الله تعالى نحسبهم والله حسيبهم خير النَّاس للنَّاس، هم لا شكَّ ناسٌ لكنَّهم علماء ربَّانيُّون راسخون لكنَّك لما خالفت منهجهم السَّلفي -الذي تدَّعيه (وغيرُك([9])) وتنكره وترده أحياناً- تطعن فيهم بهذا التَّحقير والتَّنكير لتصرف المسلمين وتبعدهم عنهم وعن علمهم وأخلاقهم بل تُبْعِدهم حتَّى عن عقيدتهم ومنهجهم السَّليم.لماذا يا دكتور لم تُسَمِّهم وتُصَرِّح بأسمائهم؟!! وهم بحمد الله معروفون!!؟؟إنَّك لم تفعل ذلك لأنَّك لست بحريصٍ على ربط هؤلاء المسلمين -أنقذهم الله- بهذه المنارات العلميَّة لأنَّك تخالف ما هم عليه من منهج السَّلف الحق الواضح. إنَّك تخشى يا دكتور أن ينكشف حالك ويظهر ما تخفيه من سوء منهجٍ وفكرٍ لأهل بلاد السُّودان إذا قمت بهذا الواجب الشَّريف: ربط الأمَّة بعلمائها!! لأنَّهم جميعاً-أولئك العلماء- لا يرتضون ما أنت عليه من منهجٍ مخالفٍ بل ينصحون الأمَّة ويحذِّرونها من هذا المنهج وغيره ممَّا يصادم الحقَّ وأهله في كلِّ زمانٍ ومكانٍ!!وقد قال السَّلف -رحمهم الله تعالى-: "علامة أهل البدع الوقيعة -الطَّعن والذَّمُّ- في أهل الأثر -العلماء السَّلفيِّين-" [(شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) للالكائي].وقال أبو حازم الضَّرير: "إنَّا في زمانٍ يطعنُ الرَّجلُ فيمن فوقَه ليلفت أنظار النَّاس إليه" [(جامع بيان العلم وفضله) لابن عبد البر].• أمَّا قولك: "يحلو لهم..."فأقول: من وفَّقه الله للحقِّ وقال به ودعا إليه وعليه -بفضلِ الله- ثبَتَ وعنه دافَعَ ونافَحَ "يحلو له" ذلك بفضل الله عليه؛ لأنَّه إيمانٌ صادقٌ -إن شاء الله- نابعٌ من حبِّ الله تعالى ورسوله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وحبِّ دين الإسلام الحق وحبِّ الخير لإخوانه المسلمين فقد قال -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: "ثلاثٌ مَن كنَّ فيه وجَد حلاوةَ الإيمانِ: مَن كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، ومَن أحبَّ عبدًا لا يحِبُّه إلا للهِ، ومَن يَكرَهُ أن يعودَ في الكفرِ بعد إذ أنقَذه اللهُ كما يَكرَهُ أن يُلقى في النارِ" [صحيح البخاريِّ].وهم نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكِّيهم على ربِّهم علماء حقٍّ وصدقٍ وكل من يتبعهم بحقٍّ أهلٌ -إن شاء الله- لتلك الحلاوة الإيمانية الطَّيبة؛ فعلومهم ومآثرهم ومواقفهم شاهدةٌ ناطقةٌ بحمد الله على ذلك.لكنَّك يا د. عبد الحي لا تعني هذا المعنى الحق مطلقاً بل سياقُ كلامك يدلُّ على ذمِّك لهم والطَّعن فيهم وأنَّهم يقولون بهواهم وبما يحلو لشهواتهم وأغراضهم فقد ذكرتهم منكِّراً محقِّراً لشأنهم "إن ناساً".و د. عبد الحي -أصلحه الله- أولى بهذا اللفظ والوصف "يحلو له" بل هو منطبقٌ عليه كل الانطباق لأنَّه كما سيظهر لكم أيُّها القرَّاء وفَّقكم الله -قريباً بحول الله تعالى- يحلو له أن يحلِّل ويحرِّم بلا ضابطٍ أو وازعٍ رادعٍ من شرعٍ أو مبدأ، فيتناقض ويصادم نفسه بنفسه -هداه الله-. فهو حين تحمله حماستُه المفرطة -الطَّائشة- ينظِّر ويؤصِّل بلا دليلٍ ومنهجٍ علميٍّ؛ يتفوَّه بما تفوَّه به "إن ناساً يحلو لهم"، ثمَّ يتدارك نفسه حتى لا يظهر خطر منهجه وتنكشف للناس حقيقته يسعى بدهاءٍ إلى تغيير أقواله فيضاربها -من حيث يشعر أو لا يشعر- لكن الله تعالى القادر على كلِّ شيءٍ يجعله لا يعي ما يقول([10]) فيناقض أقواله بأقواله -كما هي عادة من خالف الحقَّ وأهله-.فانظر أيُّها القاريء الفَطِن -وفَّقك الله- إلى عبد الحي بعد أن قال في علماء السُّنَّة السَّلفيِّين -ذمَّاً وطعناً-: "إنَّ ناساً يحلو لهم..."، انظر إليه ماذا يقول في نفس فتواه وبعد كلامه هذا بسطورٍ: "وإنِّي لمدركٌ أن بعض فضلاء أهل العلم من القائلين بحرمة المظاهرات وقَصْرِ النَّصيحة على السِّرِّ دون العلن([11])...".فمَن هؤلاء الفضلاء العلماء إلا أولئك "الأناس والنَّاس" أيها العقلاء!!فإذا كانوا يا دكتور "أناساً" أهل علمٍ وفضلٍ فلِمَ تجرَّأتَ عليهم بسوء أدبك فوصفتهم بأنَّهم "(ناساً) يحلو لهم أن يقولوا إنَّ المظاهرات حرام"!!!فأيُّ تناقضٍ وتلبيسٍ هذا أيُّها الدكتور!! إظهارٌ وإخفاءٌ وذمٌّ ومدحٌ... إلخأم أنَّك يا دكتور بعد وصفِكَ لهم بوصف القدح والإسقاط يبدو أنَّك تذكَّرت سفَرَك ودخولك إلى بلادهم -أعني المملكة العربيَّة السُّعوديَّة أرض الحرمين التي تطعن في حكومتها وحكومة السُّودان (لتكفيره كثيراً من حكام المسلمين بلا تحديد كما سيأتي)، حفظ الله البلدين والشَّعبين بحفظه ورعايته- لبِسْتَ قناع الدخول إليها والمواجهة بجميل هذا الثناء الكاذب على علمائها ومن معهم!! فما غرضك وغاياتك ومن معك؟!! أم هذا عملٌ منك يا دكتور بقول القائل:دَارِهِم مَا دُمْتَ فِي دَارِهِمْ وَأَرْضِهِمْ مَا دُمْتَ فِي أَرْضِهِمْلكن تذَكَّر كلَّ تذَكُّرٍ قولَ الآخر:كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْمَاً لِيُوهِنهَا فَلَمْ يضِرْهَا وَأَعْيَا قَرْنَه الوَعِلفسبحان الذي قال: ((وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ))، ((إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ))!!إنَّ علماءنا -حفِظ الله حيَّهم ورحِم ميتهم- في غنىً تامٍّ بحمد الله عن ثناءٍ لا يقوم على الصِّدق والحبِّ (في الله) فإنَّ الله يتولاَّهم وينصرهم ويُعْلِي قدرَهم ويدفعُ عنهم، ثم إنَّ ثناء المحبِّ الصَّادق المـُحِق عليهم قُرْبَةٌ وطاعةٌ لله.أفلا نوقِّر ونُثْنِي أيُّها المسلمون على من أثنى الله عليهم وأعلى قدرَهم؟! فَارْضَ لِنَفسك يا دكتور من ذلك ما رضيت واخترت!!! قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ))[الحج 38]، وقال: ((وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)) [الصافات 173].ثمَّ بعد هذا الثناء الكاذب القائم على المراوغة من دكتور عبد الحي بأسطرٍ على العلماء السَّلفيِّين الذين حرَّموا المظاهرات بجميع أنواعها "السِّلميَّة وغير السِّلميَّة"؛ يتناقَضُ مرَّةً أخرى د. عبد الحي بلا حياءٍ ولا أدبٍ أيضاً فيذمّهم بأسوء الذَّمِّ والوصف، فيقول: "وليحذر ناسٌ أبواقاً للطُّغاة وألسنةً تنطق نيابةً عن الظلمة العتاة وما درى أولئك أنَّهم يسيئون للدِّين من حيث لا يشعرون".فمَن هؤلاء "النَّاس" أيضاً إلا أولئك "النَّاس"؟!!فهذه ألفاظُ عبد الحي ومن على شاكلته يطعنون بها على علماء السُّنَّة السَّلفيِّين الذين يعتقدون حرمة المظاهرات وحرمة الخروج على الحكَّام الظَّلمة الجائرين اتِّباعاً لسُنَّة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وإرشاده وتوجيهه تجاههم!!! يصفهم بأنَّهم "أبواقٌ" وأنَّهم "يسيئون للدِّين"!!! فهل رأيتم بالله عليكم تناقضاً وسفهاً كهذا بين أسطرٍ وكلماتٍ معدودات!!!إنَّهم يا دكتور -لله الحمد المنَّة- ليسوا بأبوقٍ وإنَّما علماؤنا الأكابر (بفضل الله) أنياقُ([12]) حقٍّ -جبالٌ- صامدةٌ راسخةٌ تنكسر عندها بحول الله كل بدعةٍ وضلالةٍ ويتلاشى في وجهها كلُّ سرابٍ باطلٍ مدحوضٍ زاهقٍ!!!بل البوق أنت ومَنْ شاكَلَك لأنك تنطق عن هوىً وجهلٍ وعمايةٍ وتناقضٍ يُضْحِكُ ويُدْهِشُ الصَّغيرَ قبل الكبير!!! فها أنت يا دكتور بعد تحليلك المظاهرات تحرِّمها وتمنعها فأي بوقٍ تلقم؟!! وأي رايةٍ تحمل!!! بوق الطُّغاة أم المصالح أو المواقف -الاستراتيجيَّة- أو بوق عدم المواجهة أم بوق صاحب الوجهين والحبلَين!!! أو بوق فكر الخوارج الـمُرَّاق؟!! أم أنَّ بوقك يسع كلَّ هذه الأبواق؟!! وليس ذلك عنك ببعيدٍ!!! فالواجب الحذر منك أيها الدكتور!!! وحسْبُكَ يا دكتور -إن كان فيك حياةُ ضميرٍ أو حياء- أن تتذكَّر قوله تعالى: ((سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ))، ((وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)). وقوله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: "من سنَّ في الإسلام سنَّةً سيِّئةً كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ" [صحيح مسلم].فأنت يا دكتور بهذا الفكر والتَّناقض تُسيئُ للإسلام وأهله وشعاره -مع غاية الجهل والاستخفاف بعقول البشر-، أما أهل العلم السَّلفيِّين وأتباعهم بحمد الله تعالى بما يدعون إليه من حقٍّ وأصول شرعيَّةٍ متينةٍ يصونون بتوفيق الله هذا الإسلام والمسلمين ويحذِّرون من شرِّ فكرك ومنهجك وشرِّ كل الأشرار إلى أن تقوم السَّاعة. فهنيئاً لمن جعلهم الله مفاتيح خيرٍ مغاليقَ شرٍّ، وتعساً لمن جعلهم مغاليق خيرٍ مفاتيح شرٍّ([13]).((قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً))!!!ثمَّ هذا من سوء أدبك وطعنك في هؤلاء العلماء الرَّاسخين المعتبرين حيث وصفتهم بأنَّهم أبواقٌ والأبواق والمزامير ونحوها من آلات الأصوات الموسيقيَّة -المعازف- محرَّمةٌ باتِّفاق العلماء([14])، وعلماؤنا أثابهم الله يتنـزَّهون -بحمد الله- عن ذلك ويُحَرِّمونها ويُحَذِّرون منها لكنَّك يا دكتور أولى بهذا الوصف والذم ذلك لأنَّك أفتيت بعض الطُّلاَّب الوافدين إلى السُّودان بجامعة القرآن الكريم بالسُّودان بجواز الاستماع إلى الموسيقى والأغاني بحجَّة أنَّهم أسلموا جديداً!([15]) ولا تتورَّع عن الكلام في برامج تُفتَتح وتُختَتم بأنغام الموسيقى المحرَّمة. ولا يُسْتَغرَب أيُّها القاريء من دكتور عبد الحي هذا فإنَّ أقطاب ورؤساء حزبه وفكره كانوا على هذا المنهج تجاه هذه الموسيقى-المحرَّمة- فها هو سيِّد قطب يرى معاني القرآن ودلائله إيقاعاتٍ موسيقيَّةً قويَّة التَّنغيم ظاهرة الرَّنين!! [كما في ظلاله]. وها هو عمر التِّلمسانيُّ المصري يقول: "تعلَّمت الرَّقص الإفرنجي في صالات عماد الدِّين"!!، ويقول: "كنت أنتهز فرصة الاستراحة لأصلي الظُّهر والعصر مجموعتين مقصورين في أحد أركان السينما" [مذكِّرات التِّلمسانيِّ]!!!بل انظر إلى دكتور عبد الحي كيف يعبِّر عن وصف حال من يفرحون بسقوط الطُّغاة -على حدِّ قوله-: "وساعة هلاك طاغيةٍ كهذا يسرُّ المؤمنون ويطربون" [الاستبداد (ص129)]!!!أفلا تستحي يا د. عبد الحي؟!!
(2) لم تعرف الأمَّة الإسلامية في تأريخ أسلافها الأخيار ولا في العصور بعدهم -وإلى عهودٍ قريبة([16])- مع وجود الظلم في كثير من حكامها وتوفُّر وتوافُر العلماء والأخيار والعقلاء وأهل المروءة والنخوة والغيرة على الإسلام وأصوله هذه المظاهرات التي جعَلْتَها -بتلبيسك وافترائك- من العادات فإنها لو كانت عادة خيرٍ وقربة تقرِّب إلى الله ومرضاته لما سبقناهم إليها والله! فقد كانوا والحمد لله أحرص منك وأعقل وأرسخ علماً وأغير على الأعراض والحرمات منك ومن أمثالك، يقيمون للشريعة وأدلتها وزنها ولايستخفُّون العقول ولا يحتقرونها بضرب النصوص بعضها ببعض ولا بالتناقض فى المسالك والمواقف والأقوال لتمرير ما يخالف شرع الله الحكيم ويلبس على الناس دينهم فكلُّ خيرٍ فى اتباع من سلف وكل شر فى اتباع من خلف ممن خالف وابتدع!!!(3) أما استدلالك بقصة عمر وحمزة -رضي الله عنهما- فهي ضعيفةٌ لا تصحُّ لتجعلها دليلاً وقاعدةً في سندها إسحاق بن أبي فروة متروك الحديث!!قال العلاَّمة الألبانيُّ -رحمه الله تعالى- في كلامه على حديث قصَّة إسلام عمر -رضي الله عنه-: "قلت: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدَّاً، إسحاق بن عبد الله -وهو: ابن أبي فروة-، قال البخاريُّ: (تركوه)، وقال أحمد: (لا تحلُّ -عندي- الرِّواية عنه)، وكذَّبه بعضُهُم". إلى أن قال -رحمه الله-: (تنبيهٌ): عزا الحافظ حديث ابن عبَّاسٍ لأبي جعفر بن أبي شيبة، وحديث عمر للبزَّار، وسكت عنهما في (الفتح 7/48) فما أحسَنَ، لأنَّه يوهم -حسب اصطلاحه- أنَّ كلاًّ منهما حسنٌ، وليس كذلك -كما رأيت-، ولعلَّ ذلك كان السَّبب أو من أسباب استدلال بعض إخواننا الدُّعاة على شرعيَّة (المظاهرات) المعروفة اليوم، وأنَّها كانت من أساليب النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الدَّعوة! ولا تزال بعض الجماعات الإسلاميَّة تتظاهر بها، غافلين عن كونها من عادات الكفَّار وأساليبهم التي تتناسب مع زعمهم أنَّ الحكم للشَّعب، وتتنافى مع قوله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: "خير الهدى هدى محمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم-" [السِّلسلة الضَّعيفة].(4) أمَّا قولك -عن المظاهرات-: "إنها عادة ليس إلا، والأصل فيالعادات الإباحة ما لم تشتمل على محرَّم شرعاً"!!! فهذه شبهةٌ واهيةٌ واستدلالٌ بما ليس بدليل أصلاً فى هذا الشأن!!!ويقال؛أ- لو كانت هذه العادة من الخير لكانت معتبرةً معمولاً بها عند السابقين من أهل العلم والخير كما مرَّ معنا وتقرر في (2).ب- ونسأل عبد الحي ومن معه ومن وراءه ممَّن يجيز هذه المظاهرات من أين جاءت وأطلت برأسها هذه العادة المشؤومة؟؟! إذا لم تكن معروفةً معهودةً عند أهل الإسلام السابقين؟!! فالجواب: أجاب عنه د.عبدالحي نفسه حيث قال: "وقد تواطأ على التعبير بها –أي المظاهرات- في هذا الزمان المسلمون وغيرهم!" نعم المسلمون وغيرهم من أهل الكفر بجميع أشكاله؟! وقد كفيتنا يا د. عبد الحي جواباً مهمَّاً حيث قلت: "في هذا الزمان" عنيت به لاشك هؤلاء المسلمين وغيرهم في هذا الزمان الحالي المتأخر، فهؤلاء المسلمون المتأخرون بلا ريب ولاتردد خالفوا المسلمين المتقدمين من أهل الخير والصلاح والعلم والاتباع، فيقال لهم: ليس لكم سلفٌ صالحٌ يقتدى به في هذه المظاهرات مطلقاً!!!إذن ظهر الجواب الواضح بأن المظاهرات هذه جاءتنا ووردت على أمتنا الإسلامية من -الغير- وهم الكفَّار للأسف الشَّديد.فهل يرضى مسلمٌ غيورٌ فضلاً عن عاقل أنْ يكون قدوته في التعبير عن شعوره ووجدانه في هذه القضية الشرعية الخطيرة -المتعلقة بولاة الأمر والحكام المسلمين وشعوبهم التي توافرت النصوص ببيانها وتواترت في الكتاب والسنة وأعْمَلَها سلف الأمة الأخيار بكل دقة في حياتهم- الكفار ومن لادين له إلا هواه من شهواته ونزواته؟؟! ولم يتجرَّأ د. عبد الحي كعادته فيصرِّح بهذا الغير من يكون؟! لأنَّه لو صرَّح به بكلِّ وضوحٍ لاشمأزَّت منه النفوس الزكيَّة وردَّته العقول النيِّرة.أَفلا تستحي يا د. عبد الحي!!!ج- ثمَّ نقول: قد عُلِمَ في دين الإسلام وأحكامه أنَّ العادات والأعراف التي اعتادها المسلمون وتعاملوا بها (قديماً وحديثاً) إذا خالفت حكم الله وحكم رسوله -صلى الله عليه وسلم- والإجماع العلمي المعتَبَر فإنها مردودةٌ باطلةٌ لا يُعْمَل بها، ولذلك قال علماء المسلمين -مختصرين لهذا الأصل- فيما قعَّدوه من قواعد الفقه الإسلامي: (العادة مُحَكَّمة) هذا يعرفه طالب العلم المبتديء فضلاً عن المنتهي فكيف إذا كانت هذه العادات والأعراف ما نبَعَت وما ورَدَت إلا من مستنقع الكفر وقذره؟!!أفلا تستحي يا د. عبد الحي؟!!د- الله يقول فى محكم تنزيله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) [النساء59].ويقول فى بيان كمال شرعه وتمامه: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)) [المائدة3].وقال تعالى: ((مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)) [الأنعام 38].وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس من عملٍ يقرِّب من الجنَّة إلا قد أمرتكم به، ولا من عملٍ يقرِّب إلى النَّار إلا وقد نهيتكم عنه" [صحيح التَّرغيب].وفي الصحيحين عن عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- أنَّ رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتَّخذنا ذلك اليوم عيداً، فقال: أيُّ آية؟ قال: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)) [المائدة3] فقال عمر: "إنِّي لأعلَمُ اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمٌ بعرفة يوم الجمعة".وروى مسلمٌ في صحيحه عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أنَّه قيل له: لقد علَّمكم نبيُّكم -صلَّى الله عليه وسلم- كلَّ شيءٍ حتى الخراءة! فقال: "أجل. لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائطٍ أو بولٍ، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيعٍ أو عظمٍ".وقال -صلى الله عليه وسلم- في شأن الولاة والأمراء المسلمين ما قال مما لا يتسع المجال لسرده لكن يكفينا فى هذه العجالة بحول الله تعالى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خيار أئمَّتكم الذين تحبُّونهم ويحبُّونكم وتصلُّون عليهم ويصلُّون عليكم، وشرار أئمَّتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم([17])". قالوا: قلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: "لا، ما أقاموا فيكم الصَّلاة. لا، ما أقاموا فيكم الصَّلاة. ألا من وَلِيَ عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعةٍ" [صحيح مسلم].وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف بريء ومن نَكِرَ سلِم ولكن من رضِيَ وتابع". قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا" [صحيح مسلم]، وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "ستلقون بعدي أثرةً فاصبروا حتَّى تلقوني على الحوض" [صحيح البخاري]، وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "تسمعُ وتطيع للأميرِ، وإن ضَرَب ظهرَك وأخذ مالَك فاسمعْ وأطعْ" [مسلم]، وعن عبادة بن الصامت-رضي الله عنه- قال: "دعانا النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمعِ والطاعةِ، في منشطِنا ومكرهِنا، وعسرِنا ويسرِنا وأثرةٍ علينا، وأن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه، إلا أن تروا كُفرًابَواحًا،عندكم من اللهِ فيه برهانٌ" [البخاري].هذه النصوص وغيرها كثير بحمد الله بيَّنَت ما هو الواجب تجاه ظلم الحكَّام المسلمين وجَوْرِهِم وكذا حال كفرهم البواح المقدر المحكوم به من قبل العلماء الراسخين لا الأدعياء من أهل الجهل والتهور والثَّورة!!!فهل يا د. عبد الحي هذه المظاهرات والثورات التي أصَّلتَ لجوازها أصالةً توافق هذه النصوص الواضحة أم تخالفها؟!فإن قلتَ: تخالِفُها، صدقت فوجب عليك وعلى كل عاقلٍ منعها وتحريمها لأنه لا خير في مخالفة الشرع والسلف الصالح مطلقاً، فكيف إذا انضاف إليها التشبه بالكفار واللادينيين والنَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: "من تشبَّه بقومٍ فهو منهم" [صحيح الجامع]؟! وكيف إذا تولَّد منها ما عُلِمَ من شرورها وفسادها من إهلاكٍ للأنفس والأموال وضياع الأمن بكل أنواعه وانقطاع السُّبل وتسلُّط العدوِّ على المسلمين، فهذه المظاهرات والثورات أصلها شرٌّ وجمَعَت من الشرور والمحرَّمات ما جمعَت فقولك: "والأصل فيالعادات الإباحة ما لم تشتمل على محرَّم شرعاً" ساقطٌ كل السقوط لا يقوله من عنده أدنى علمٍ أو ورع!!!وإن قلتَ: لا تخالفها وهي جائزة، سألناك ما دليلك؟ وقد أجبت بأنَّها عادة ثمَّ علَّلت هذه العادة السيئة وجعَلْتَها "وسيلةً لإبلاغ رسالة الشعوب وشكواها من ظلم حكامها"!!!(5) فنقول لك: هل هذه الشَّكوى من ظلم الحكام بهذه الصُّورة من الصبر الذى أمرت به النصوص الآنفة الذكر؟!! فإنَّ الصَّبر عُرِّف بأنَّه حبس النفس عن الجزع والسخط، واللسان عن الضجر والشكوى، والرِّضى عن الخالق في أحكامه وأقداره من الخير والشّر.قال الإمام ابن القيِّم -رحمه الله تعالى-: "أصل هذه الكلمة -يعني: الصبر- هو المنع والحبس، فالصَّبر حبس النَّفس عن الجزع واللِّسان عن التَّشكِّي والجوارح عن لطم الخدود وشقِّ الثِّياب ونحوهما" [عدَّة الصَّابرين وذخيرة الشَّاكرين].هل هذا التشكي يوافق قوله تعالى: ((وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)) [لقمان17].وقوله: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)) [البقرة 155].أليست هذه المظاهرات من جنس النِّياحة وشقِّ الجيوب عند المصائب وإظهار السخط وعدم الرضى عن الله تعالى وإن كانت في صمت!! أليست هي من جنس التَّجمُّع عند أهل الميت بعد دفنه وصنيعة الطعام للمتجمِّعين -الممنوع شرعاً- لأنَّه مما ينافي الصَّبر كالنياحة المحرَّمة على الميت!! فعن جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: "كنا نرَى الاجتماعَ إلى أهلِ الميِّتِ، وصَنيعةَ الطَّعامِ بعد دَفنِه منَ النِّياحةِ" [صححه الألباني في أحكام الجنائز] أم أنَّك تجيز هذا التجمع أيضاً؟!! لأنَّ أهل البلاد اعتادوا عليه للتعبير عن شعورهم تجاه الميت وأهله ومصيبتهم؟!!([18]).وهل هذا الشُّعور والتَّعبير يا دكتور: عن الظلم بهذه الصورة مظهرٌ من مظاهر الطاعة لله تعالى ثم لولاة الأمر أم من مظاهر العصيان والمعارضة المحرمة شرعاً؟!ثمَّ يقال أيضاً: هل يا دكتور العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الشريعة منضبطةٌ بأدلتها الشرعية أم هي راجعةٌ للأعراف والعادات؟!! فالجواب على ضوء بعض ما سبق من نصوصٍ: لاشكَّ أنَّها منضبطةٌ بالشَّرع وأدلَّته وفهم سلف الأمة الصالح!! ذلك لأنَّها لو كانت راجعة للعادات والأعراف والأهواء البشريَّة لحصلت الفوضى والضياع وظهر الفساد بكل ألوانه كما لا يخفى على كل عاقل!!! فكيف لو كانت عادات كفار مشركين؟؟!!وقد قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "الدنيا سجن المؤمن وجنَّة الكافر" [رواه مسلم] فالمؤمن شُبِّهَ في هذا الحديث بالمسجون والمحبوس لأنَّه محدودٌ في تصرفاته وأفعاله بحدود الله وشرائعه، قال تعالى: ((تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)). وأمَّا الكافر فيفعل في دنياه ما تمليه عليه شهواته ورغباته. وهذه الحدود التي حدَّها اللهُ ورسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- هي حقيقة العلم النافع قال تعالى: ((وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) وهي البصيرة ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) فكيف يكون الكافر وعادته أسوةً وقدوةً للمسلمين الذين يعلمون علماً يقينيَّاً ((أَنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبِّهِمْ)) ومحاسَبون على أعمالهم وتصرفاتهم مجزيُّون عليها ((فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَالَ ذَرَةٍ خَيْرَاً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ)) وقال تعالى: ((أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لّا يَسْتَوُونَ)) وقال أيضا: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ))؟!!أفلا تستحي يا د. عبد الحي؟!!(6) وقولك في تعليلها -أي المظاهرات-: "إنَّها وسيلة لإبلاغ رسالة الشعوب وشكواها من ظلم حكامها".فأقول: الشَّكوى إلى مَن؟ ولِمَن؟!! يا دكتور؟!!فإنَّ المؤمن الحق يشكو ما نابه من أمرٍ إلى ربِّه سبحانه وتعالى: ((قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)) [يوسف86]. فإنَّ الصَّبر على البلاء تاجُه الرضى بالله وعن الله وترك التَّشكِّي إلى المخلوق الضعيف لأنه في حقيقة الأمر ليس بمالك مطلق وإن مَلَك فبتمليك الله الخالق عزَّ وجلَّ له!وقد بين أهل العلم أن الخروج على ولاة الأمر -وكذا عن منهج السلف الصالح الذي عليه جماعة الحق- يكون على ثلاث درجات -كلها حرام-؛ (اعتقادي وقولي وعملي) وكل ذلك مذمومٌ شرعاً وخلاصتُه وغايةُ أصحابه الضُّلاَّل: شرُّه العملي وهو الخروج بالسِّلاح والقتال.قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى-: "ونحن نعلم علم اليقين بمقتضى طبيعة الحال: أنه لا يمكن خروجٌ بالسيف إلا وقد سبقه خروج باللسان والقول. الناس لا يمكن أن يأخذوا سيوفهم يحاربون الإمام بدون شيء يثيرهم، لابد أن يكون هناك شيءٌ يثيرهم، وهو الكلام، فيكون الخروج على الأئمة بالكلام خروجًا حقيقة، دلَّت عليه السنة، ودلَّ عليه الواقع.أما السنة فعرفتموها، وأما الواقع: فإنَّا نعلم علم اليقين: أنَّ الخروج بالسيف فرعٌ عن الخروج باللسان والقول، لأن الناس لم يخرجوا على الإمام (بمجرد أخذِ السيف) لابد أن يكون توطئةٌ وتمهيدٌ: قدحٌ في الأئمة، وسترٌ لمحاسنهم، ثم تمتليء القلوب غيظًا وحقدًا، وحينئِذٍ يحصل البلاء" [التعليق على رسالة «رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين»].وقد سمَّى العلماءُ أولئك الذين يثيرون العامة على حكامهم ويوغرون صدورهم عليهم -بلا خروج عمليٍّ- بالخوارج القعدية([19])؛ لقعودهم في دورهم ومحالهم يُشعلون من عقرها الفتن والقلاقل. فالخروج بهذه المظاهرات وما نجَمَ وينجُم عنه من الفساد والشر هو عين الخروج والمروق البدعي المحرَّم بكل أنواعه وشرارة إشعال الفتن في بلاد المسلمين.فعلى هذا فهي (المظاهرات وكذا الثورات) ليست وسيلةً شرعيةً لأنَّ الوسائل المعتبرة شرعاً ما كانت غايتها معتبرة أيضاً شرعاً (فالوسائل لها أحكام المقاصد)، والغاية لا تبرِّر الوسيلة إلا على مذاهب الفساد والضلال، فكيف إذا كانت الغاية إزالة سلطان الجور والظلم المأمور بالصبر عليه شرعاً؟!! فما اتُّخذ وسيلة إلى ذلك كان فاسداً ابتداءً وانتهاءً!!!(7) ثمَّ يقال أيضاً: إنَّ العادات والأعراف البشرية مرتبطة في غالبها بل مجملها بحسب عقائد وأديان أصحابها وأخلاقهم وطبائعهم، ومعلومٌ أنَّ أهل الكفر همجٌ رعاعٌ لا دين يحكمهم ولاشرع يسوسهم فاتَّخذوا الديمقراطية -على سبيل المثال- سياسةً يتحاكمون بها وهي حكم الشعب للشعب ولا علاقة لها بالله تعالى ولا بدينه، وإن متَّت -اتَّصلت- إلى دينٍ فهو إما وثني أو يهودي أو نصراني -محرَّف أو منسوخ- وكلُّ ذلك كفرٌ وضلالٌ!! فالشعب يثور بهذه المظاهرات سواءً كانت سلميَّةً أو عدائيَّةً تخريبيَّةً يعبِّرون بها عن حالهم ومطالبهم فإذا استجيب لهم سكنوا وسكتوا وإلا هاجوا كالبهائم لايعرفون حينها إلا الدَّمار والفساد!!أمَّا أهل الإسلام الصَّافي فالحمد لله دينهم عظيمٌ كاملٌ شاملٌ صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، وعلاقتهم مع الحكام وولاتهم معلومة كانوا عدولاً أو ظلمةً أو كفرةً والعياذة بالله. قال تعالى: ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) [آل عمران 85]. والأمر كما قال عمر -رضي الله عنه-: "إنا كنا أذلَّ قومٍ فأعزَّنا اللهُ بالإسلامِ فمهما نطلبُ العزَّ بغيرِ ما أعزَّنا اللهُ به أذلَّنا اللهُ" [السلسلة الصحيحة]!!• وإنَّ النَّاظر في حال كلِّ من يؤيد هذه المظاهرات والثورات بالتأصيل والتنظير والدعوة إليها والقيام بها تجده لا يخرج عن هذه الأصناف:- إما من أصحاب فكر الخوارج المرَّاق المتحوِّر اليوم في مذهب السرورية القطبية الذين يسمون -زعماً- أنفسهم بالدعاة إلى الله وحماة الإسلام!!!- أو من العلمانيِّين وأحزاب اليسار واللادينيِّين.- أو من أصحاب الأغراض والنـزوات والمصالح.- أو من الجهَّال الذين لا يميزون بين ما هو من الدين وبين ما يخالفه و يعارضه. وهؤلاء بحسب حالهم فمنهم من يجري وراء دنياه أو حميَّته أو انتمائه وحزبيَّته أو ضغائنه أو عصبيَّته وقبليَّته... إلخ. ومنهم من تحمله عاطفةٌ دينيَّةٌ مضلَّلةٌ وحماسةٌ ثوريَّةٌ حينما يجد من يظنه -وساء ظنُّه وأخطأ- من أهل الدين والصلاح من الصنف (الأوَّل) من مجيزي ومحلِّلي هذه المظاهرات والثورات على رأسها دعوةً وتأصيلاً وعملاً فينجرُّ وراءهم إلى وادٍ سحيق ولو فقد حياته والله المستعان.- أو من أعوان أعداء المسلمين كالماسون والمأجورين الذين همُّهم إشعال الفتن و تدمير الدول الإسلامية وشعوبها لتكون فريسةً سهلةً للعدو!! الذي يجني ثمرة هذه المظاهرات والثَّورات بأيدي هذه الأصناف المذكورة!!!فهل ينتبه المسلمون من هذه الغفلات!!! ليُفَوِّتوا الفرصة -بحول الله- على المتربصين بهذه الأمة الإِسلامية!!!وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- لحذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- ولكلِّ المسلمين الذين يرتضون هذا الإسلام ديناً وتطبيقاً في كل القضايا والحوادث ماذا يفعلون في أزمان الفتن والشر وقلة الخير. فلنتأمَّل أيُّها المسلمون هذا الحديث العظيم ولنعمل بما فيه من إرشاد نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- وتوجيهاته تجاه حكام المسلمين والفرق والأحزاب الضالة المنحرفة عن منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلفنا الصالح؛ وإليكم نص الحديث:عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: كان النَّاس يسألون رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن الخير وكنت أسأله عن الشَّرِّ مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهليَّةٍ وشرٍّ فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شرٍّ؟ قال: "نعم". قلت: وهل بعد ذلك الشَّرِّ من خيرٍ؟ قال: "نعم، وفيه دخنٌ". قلت: وما دخنه؟ قال: "قومٌ يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر". قلت: فهل بعد ذلك الخير من شرٍّ؟ قال: "نعم، دعاةٌ إلى أبوب جهنَّم، من أجابهم إليها قذفوه فيها". قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ فقال: "هم من جلدتنا ويتكلَّمون بألسنتنا". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمامٌ؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلَّها، ولو أن تعضَّ بأصل شجرةٍ، حتَّى يدركك الموتُ وأنت على ذلك" [صحيح البخاريِّ].
(8) ثم أطرح طرحاً افتراضيَّاً على تأصيل وتنظير د. عبد الحي -أصلحه الله- فأقول يا دكتور:إذا كان هنالك مجتمعٌ مسلمٌ أو كافرٌ!! يعاني فيه الأبناء من ظلم وقسوة الآباء تجاههم وسوء معاملتهم (ماديَّاً ومعنويَّاً) فتجمَّعوا في الطرق والساحات أو أمام بيوت آبائهم وأمهاتهم -صامتين أو مناشدين- ليعبِّروا عما في نفوسهم ودواخلهم وشكوى ظلمهم، ثمَّ اتُّخذ هذا التَّجمُّع عادةً من الأبناء تجاه الآباء فما رأيك يا د.عبد الحي في هذه العادة والوسيلة؟ وهلمَّ جرَّا من أنواع التَّعبير والتَّشكِّي من الظلم وسوء المعاملة بين الأزواج والمعلِّمين ومعلِّميهم والعمَّال ومشغِّليهم... إلخ، وذلك بحسب استدلالك الساقط المردود -في جواز المظاهرات- بقوله تعالى: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ...)) [التوبة 71]. فما رأيك يا د. عبد الحي في هذه التَّجمُّعات والاجتماعات (النَّاطقة أو الصَّامتة) للتَّعبير عن الشُّعور والشَّكوى؟! أحلالٌ هي وتباح للمسلمين؟؟فعلى منهجك وتأصيلك الفاسد هي جائزةٌ مُباحةٌ، وهذا من أبطل الباطل -والحمد لله تعالى- عند أهل العلم والنُّهى من أبناء المسلمين!! وعليه؛
(9) فإنَّ مما لا شك فيه أنَّ إباحة وتجويز مثل هذه العادات -على رأي د. عبد الحي- ومنها المظاهرات والثَّورات سيفتح على المجتمع الإسلامي باب تشريع مالم يأذن به الله ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم- ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ)) وستكون العادة -الفاسدة- عبادةً وديناً ولا يكون حينئذٍ للإسلام وزنٌ ولا قيمةٌ إلا الشِّعار!!(10) وإني لأستغرب كل الغرابة من د. عبد الحي هذا!! يكفِّر من لم يحكم بما أنزل الله مطلقاً([20]) ويخرجه عن دائرة الإسلام بالكلية -إذا حكم بالقانون الوضعي الكفري الفرنسي أو الإنجليزي وإن لم يعتقد ويستحل- على منهج الخوارج من التكفير بالكبيرة بل ويجوِّز الخروج على حكام الجور لجورهم وظلمهم مخالفاً كل النصوص في ذلك!!!ثم يتساهل وينماع ليجعل التعبير والشعور عند الكفَّار حاملاً له على تجويز وإباحة هذه المظاهرات التي ليست من الدين الإسلاميِّ في شيءٍ بل تصادمه وتعارضه؛ أقول: يجعلها د. عبد الحي عادةً شرعيَّةً لأهل الإسلام!!! فهل رأيتم تناقضاً وتلاعباً بالشرع والعقول كهذا؟!!:النُّصوصُ الشرعيَّة تُخَالَف وتُعَطَّل، والعادات الكفريَّة الفاسدة المخالفة للحقِّ والعقل السليم تُحَكَّم وتُحْشَر في الإسلام وأدلته ويُدْعى لها أهل الإسلام!!! ثمَّ أقول لك يا د. عبد الحي أيضاً: إنَّك بهذا التَّأصيل الواهي والتقليد للكفَّار وعاداتهم حكمتَ بعلمٍ بغير ما أنزل الله لا محالة!! فما حُكْمُك على نفسك وحُكْمُ من معك عليك!!! فقد (شرَّعتَ) ما لم يأذن به الله تعالى!!!
(11) بل أدهى من ذلك وأَمَرّ يا د. عبد الحي ومن وراءك: سيظن المسلمون الغافلون عن الإسلام الصحيح والمغترون بفكرك وفِكرِ من على شاكلتك بمثل هذه التأصيلات الفاسدة أنَّ هذا الإسلام ليس بكافٍ ولا كاملٍ لأهله ليُحَكِّموه في كل صغيرة وكبيرة من قضاياهم وإشكالاتهم لينتظروك يا د. عبد الحي واجتهادك لتؤصِّل لهم بعيداً عن الإسلام وأصوله من العادات والأعراف ما يعالجون به أحوالهم وتلك القضايا!! فيُهمِلون بل ويزهدون في هذا الإسلام العظيم وشرائعه تحت مظلة اجتهادك الساقط واستقائك واقتباسك من الكفار عاداتهم والتشبه بها وبهم!!! فإذا كان نبينا -صلَّى الله عليه وسلَّم- أيها المسلمون يقول: "ليس منا من تشبَّه بغيرنا، لا تشبَّهوا باليهود ولا بالنصارى، فإنَّ تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف" [السلسلة الصحيحة] أفلا يستحي د. عبد الحي!!!(12) ثمَّ أقول -يا د. عبد الحي-: إنَّه باقتباسك عادات الشَّرِّ من الكفَّار -من مظاهرات ومظاهر الديمقراطية- تنادي على نفسك بأنَّك لا تكتفي بالإسلام ومبادئه وشرائعه وسيظن كثيرٌ من المسلمين في بلاد السودان لحسن ظنِّهم فيك -وقد أساؤوا ظنَّاً- أنَّ الإسلام لا يكفيهم اعتقاداً وتطبيقاً في كلِّ شؤون حياتهم فإنَّ هذا الإسلام العظيم -أيُّها الدكتور- دينٌ أصيلٌ في أساسه وقاعدته وميزانُ حقٍّ يوزنُ ويُمَيَّزُ ويتميَّز به كلُّ شيءٍ وهو كاملٌ شاملٌ ليس في حاجةٍ إلى غيره من كلِّ الأديان وأهلها ((وَمَنْ يَبْتَغِ غيْرَ الإِسْلَامِ دِينَاً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهوَ فِي الآخِرَةِ مِن الخَاسِرين)) بل كل البشر في ضرورةٍ إليه اعتقاداً وعلماً وعملاً حالاً ومآلاً فبه السَّعادة والنَّجاة في الدَّارين.فليس توحيد الله رب العالمين شُرع وفُرض على البشرية لأنه بديل للشرك بل هو أصل الأصول وأساس الجِبلة والفِطرة.قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "كان بين نوحٍ وآدم عشرة قرونٍ كلُّهم على شريعةٍ من الحقِّ فاختلفوا فبعث الله النَّبيِّين مبشِّرين ومنذرين" [السِّلسلة الصَّحيحة].وقال تعالى: ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) [الروم 30]، وقال: ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)) [الأعراف172]، وقال: ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)) [لقمان 30]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه" [صحيح البخاريِّ].فهذا هو مبدأ الخلق والدِّين ثمَّ عرَضَ وطرَأَ الشِّركُ بالله فبدأت الرِّسالات رحمةً من الله يصحح من خلالها أنبياءُ الله ورسلُه مسارَ الأمم يُذكِّرونهم بذاك المبدأ العظيم ويدعونهم إلى توحيد ربهم الكريم ويحاربون الشِّرك العارض الطَّاريء وكل الوثنيَّة.وهكذا كانت رسالة نبيِّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- على ذات السابقات ((أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)) [الأنعام90 ] أكمل وأعظم في كل جوانبها وشرائعها.لذا فإنَّ من أعظم الفساد والجهل والضَّلال وأسباب طَمْسِ صورة الإسلام وشعائره ومعالمه ما يعتقده ويعمل به كثيرون في حقل الدَّعوة الإسلاميَّة في السودان وغيرها -قديماً وحديثاً- ما يُسَمَّى بالبدائل الإسلاميَّة أو فقه البدائل!!!فإنَّهم -أولئك الدعاة- حينما جهلوا كمال الإسلام وشموليَّته وكفالته لأهله -بفضل الله تعالى- كل أنواع الخير وحِفْظه لهم من كلِّ شرٍّ في الدنيا والآخرة أو ضعفوا أو عجزوا أو استعجلوا جَنْيَ الثَّمرة -مع أنَّ الطَّريق إليها غير سليم- واجهوا في -حقل الدعوة- ما يخالف شريعة الإسلام من الكفر والبدع والفسوق والعصيان في واقع المسلمين وغيرهم؛ أقول: واجهوا ذلك كله بما ألقاه ونَفَثَهُ الشيطان الرَّجيم -أعاذنا الله منه وشره- في صدور بعضهم لجهلهم أو هواهم فأوحى إليهم: أن قَدِّموا هذا الإسلام في صورةٍ وقالبٍ يُرْضِي الجميع من المسلمين وغيرهم ولا تجدون حينئذٍ معارضةً منهم فجاءوا بهذه الضَّلالة والمكيدة -أعني بدعة البدائل الإسلاميَّة وفقهها زعموا- ((أفمن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنَاً)) باسم الدعوة إلى الإسلام بل والغيرة عليه فعجباً عجباً!!! فحلَّلوا ما حرَّم الله ورسوله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وسلف الأمَّة وعلماء الحقِّ وأتباعهم!!! فجاءوا؛ بالدَّعوة إلى وحدة الأديان في مقابل وبديل الدعوة إلى توحيد الله العظيم والتَّحذير من الشِّرك به، وبتجويز معاملات الرِّبا المحرَّم تحت مسمَّياتٍ إسلاميَّةٍ كالقرض والمرابحة ومن ذلك التَّأمين التِّجاري بكلِّ أنواعه فهو مع قيامه على الربا والقمار وأكل أموال الناس بالباطل ووروده علينا من أهل الكفر الذين لا يؤمنون بالله ولا بقضاءه وقدره ولا باليوم الآخر سموه برغم ذلك كله بالتأمين الإسلامي، وتحليل الديموقراطية وتجويز العمل بها وجعلها -جهلاً وزوراً- الشورى في الإسلام!!! وهكذا فعلوا فقالوا أيضاً بجواز وحلِّيَّة الغناء والموسيقى وآلاتها وفرقها والإنشاد الديني من مدح النبيِّ -صلى الله عليه وسلَّم- وغيره بالموسيقى والأنغام أيضاً كل ذلك باسم الإسلام، فغنَّى الرِّجال والنساء والشيب والشباب حتى الأطفال إلا من رحم الله بل جعلوا ذلك من وسائل الدعوة الإسلاميَّة وفنون الدين فإلى الله المشتكى!!! والله يقول في كتابه -وهم يعلمون ويقرؤون-: ((الْيَــوْمَ أَكْمَلْتُ لَــــكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)) فهل بالله عليكم هذا من دين الإسلام وأصوله والدعوة إليه؟!! فلنفسي ولكلِّ المسلمين من دعاةٍ وغيرهم أذكِّر بقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "من التمس رضا اللهَ بسخَطِ الناسِ رضِيَ اللهُ عنه وأرضى عنه الناسَ، ومن التمس رضا الناسِ بسخط الله سخِط الله عليه وأسْخَطَ عليه الناس" [صحيح الترغيب].وقال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة فقد زعم أنَّ محمداً-صلى الله عليه وسلم- خان الرسالة لأن الله يقول: ((اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)) فما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكون اليوم ديناً" [الاعتصام للشاطبي].فالمظاهرات والثورات -يا د. عبد الحي- مظهرٌ من مظاهر الديمقراطيَّة الفاسدة وأهل الكفر الذين لا يحسنون إصلاح أنفسهم بإزالة نجاساتها وثمرةٌ طالحةٌ من فكرهم تأتي في هذا الزمان -بواسع فقهك المخالف للحقِّ وأهله- لتجعلها عادةً صالحةً لأهل الإسلام تجاه ولاة الأمر والحكَّام المسلمين ثمَّ لا تستحي يا دكتور فتستدل لها بكتاب الله تعالى وسنَّة نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم-!!! ولا يوجد فيها -بفضل الله تعالى- ما يؤيِّدك مطلقاً ناهيك عن ضعف ما استدللت به كما مرَّ معنا.لكن هذه عادة أهل الأهواء والبدع: الأخذ بعمومات النُّصوص ومطلقها -بلا عملٍ بفهم السلف الصالح وتطبيقهم- ومضاربتها ببعضها مع التأصيل المخالف للأصول ثمَّ ليُّ النصوص وصرفها بعيداً عن مرادها أو الاتكاء على عامِّها دليلاً واستدلالاً بعيداً عما يخصصها من نصٍّ ثابتٍ محكمٍ أو فهمٍ وتطبيقٍ لسلفنا الصالح فما أفسدها من طريق جهلٍ وهوى!!!بل هم -هداهم الله- معجبون بأفعال السياسين الثائرين -من أهل الكفر-؛ فهذا سلمان العودة السعودي القطبي السروري والمزكِّي لعبد الحي وقناته وإذاعته (طيبة) يقول معجباً بخروج الكفار (في روسيا أو الصين!!) على حكوماتهم:"لماذا يتصوَّر كثيرٌ من الناس أنَّ الفدائيَّة والإصرار والصَّبر والتَّحمُّل هي فقط نصيب الشُّعوب المنحرفة ونصيب المنحرفين والضَّالين، وأنَّ النَّصارى واليهود والشُّيوعيِّين وغيرهم يُضحُّون، وقد رأى النَّاس كلُّهم كيف أنَّ الشُّيوعيِّين العُزَّل كانوا يواجهون الدَّبَّابات بعد الانقلاب بصدورهم العارية وسواعدهم التي لا تحمل شيئاً حتى سقط ذلك الانقلاب، ويظنُّ كثيرون أنَّ أهل لا إله إلا الله لا يستطيعون أن (يدافعون) عن دينهم ولا أن يصبروا عليه، لماذا نسييء الظَّن بأهل لا إله إلا الله إلى هذا الحد؟ لماذا نهوِّن من شأن هذه الجماهير المسلمة في الجزائر وفي غير الجزائر، ونعتقد أنَّها تنفض عن قيادتها وعن اختيارها وعن رغبتها في الدين لأدنى مضايقة يمكن أن تقع" [شريط: كلمة حق في المسألة الجزائريَّة]!!!
(13) أما قولك يا دكتور: "وبعضهم يقول: إنها بدعة!! فيقال في الجواب: ومن قال إنها سنة حتى يقال له: بل هي بدعة!! إنها عادة ليس إلا"!!!• فأقول:أ- الذين قالوا إنَّ المظاهرات والثورات بدعة وضلالة محرَّمة هم العلماء الراسخون وهو الحق لا محالة ((فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إلاَّ الضَّلاَل))؟!! لكن د. عبد الحي يشير إليهم بقوله: "بعضهم" ليهوِّن أمرهم ويصرف عنهم وعن قولهم الحق المسلمين وشبابهم خاصَّة كما هي عادته تجاههم عليه من الله ما يستحق.ب- إنَّ دين الله الإسلام يردُّ كل ما خالفه من العقائد والعبادات والأعمال والأحكام والمعاملات والأخلاق... إلخ سواء أحدَثَ هذه المخالفة وفَعَلَها المسلمون أو غيرهم من الكافرين وأعوانهم لأنَّ ((الدِّينَ كُلّهُ لِلَّه)) وهو بفضل الله ((مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِير)). وأمر المظاهرات والثورات من ذلك المردود والمدحوض كما سبق بيانه-وهو بحمد الله بيِّنٌ ظاهر- وقد جمَعَت هذه المظاهرات والثورات وأهلها شروراً وموبقاتٍ عظيمة منها:1- إحياء أفعال الخوارج ومشابهتهم -وهم شر الخلق والخليقة- بالخروج والمروق البدعي المحرَّم بكل أنواعه على حكَّام المسلمين وشعوبهم وما يسبق ذلك ويلحقه من الفساد العريض.2- مشابهة الكفار واتِّباع ضلالاتهم وعاداتهم السيئة.3- تأييد الكفَّار بإقرارهم على أفعالهم هذه التي يردُّها الإسلام على يد أبناء المسملين الضَّالين والقائلين القائمين بهذه المظاهرات والثورات والمُضَلَّلين الجاهلين.4- التغرير بالكفار أنفسهم وصدِّهم عن دين الإسلام لأن أهل الإسلام -إلا من رحم الله وعصم- قد قلَّدوهم وأحيوا أفعالهم وساروا على عاداتهم الكفريَّة فيظن الكافرون حينها أنَّهم على خير.5- التغرير بالمسلمين بإدخالهم وإقحامهم في هذه المحرَّمات -المظاهرات والثورات- باسم الإسلام والعادات المباحة.6- مخالفة الإسلام وأصوله وعلومه النافعة وأحكامه الطيبة في شأن الولاة وغيرهم.7- مخالفة علماء الإسلام الراسخين.8- ما يقع بهذه المظاهرات والثورات من الفساد في الأرض من قتلٍ وهتكٍ ودمارٍ وإهلاكٍ لكل خير.9- إضعاف المسلمين ودولهم وشعوبهم.10- تسليط العدوِّ وتقويته على الأمة الإسلامية... إلخ.فماذا تسمِّي يا د. عبد الحي هذه الشرور والبوائق؟!! إن لم تكن بدعةً وضلالةً وحراماً وإجراماً وفساداً!!أفلا تستحي يا د. عبد الحي؟!! فتسمِّي وتصف هذه المظاهرات والثورات بقولك: "إنها عادة ليس إلا"!!!فأقول لك يا دكتور ولكلِّ من اغترَّ بك وفكرك من أبناء هذه البلاد ما قال الله تعالى: ((مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون)).فإذا عُلِمَ -وهو معلومٌ متقَرِّرٌ بحمد الله- ما لهذه المظاهرات والثورات من الشرور والمفاسد والأضرار السابقة وغيرها ظهَرَ لنا جليَّاً فسادُ وبطلانُ قول من يقول عنها -أي المظاهرات والثورات- ويصفها بالبركة والخير وأنَّ من يقوم بها ويشعلها يقومون بأعمالٍ مباركةٍ طيِّبة!!! ثم يتجرَّأ ويتعدَّى ويعتدي فيدعو لهم بالتأييد والنصر كالمدعو محمد حسَّان المصري -وغيره- والذي لم يستحِ أيضاً حيث وصَفَ من يُنكِرُ هذه المظاهرات فيحرِّمها ويحرِّم فسادها ويحذِّر الأمةَ وشبابها منها ومن سييء آثارها بأنَّه (خائنٌ لدينه ووطنه)!! لأنها (ثورةٌ مباركةٌ)!! وأنَّ الشباب الذي أشعلها (شبابٌ أبيٌّ كريم)!! -عامله الله بما يستحق- فأي بركةٍ وأي خيرٍ وأي إباءٍ في مخالفة شرع الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ومنهج السلف الصالح والعلماء السلفيين ودعوتهم ناهيك عن الإفساد في الأرض وإحياء الشرور والفتن، فإنَّ مخالفة دين الله والتأصيل لذلك والتغرير بالمسلمين هو صميم الخيانة لأنه إضاعةٌ لأمانة بيان الدين والنصيحة فيه، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) [الأنفال 27]، وعليه؛ كيف يكون دعاء تُرْتجَى إجابته من الله وهو مخالفٌ لشرع الله!!! وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزالُ يستجابُ للعبدِ ما لم يدعُ بإثمٍأوقطيعةِرحمٍ" [صحيح مسلم]، وقال تعالى: ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) فانظر إلى عاقبة الجهل والطيش وتأصيل البدع والهوى المُتَّبَع إلى أي جهةٍ جرى ورمى بأصحابه؟!!([21]).ج- وأما قولك: "ومن قال إنها سنة حتى يقال له: بل هي بدعة!! إنها عادة ليس إلا" فمن أبطل الباطل ومن أعظم الجهل بالإسلام وأصوله ذلك لأنَّك يا دكتور تؤصِّل أصولاً جديدةً غريبةً لم تُسبَق إليها لجهلك وهواك!!!:1- المظاهرات -وكذا الثورات- عادة من العادات!!!2- البدعة لا تسمَّى بدعة وتُرد على صاحبها وتُبطل إلا إذا قال فاعلها ومجيزها المُحْدِث لها: إنَّها سنَّة. فجعَل د. عبد الحي الحُكمَ على البدعة بالبدعة راجعاً إلى قول وادِّعاء صاحبها -لا الإسلام وأصوله- فإن سمَّاها (صاحبُها) سنَّةً وديناً قلنا له حينئذٍ: بل هي بدعة!!! وإلا فلا!!!3- ويُفْهَم من سياق كلام د. عبد الحي أنَّ العادة يُعمَل بها لمجرَّد كونها عادة!!!4- ويُفْهَم من سياق كلامه أيضاً -هذا وما سبق- أنَّه لا حرج من عادات الكفار إذا اعتادها المسلمون وتعارفوا عليها!!!5- وأنَّ البدع تكون بدعاً -بالمقابلة- إذا خالَفَت السنن فحسب!!! وذلك منطوق قوله ومفهومه: "ومن قال إنها سنة حتى يقال له: بل هي بدعة!! إنها عادة ليس إلا".وهذا كله جهلٌ وضلال!!! فإنَّ البدع: أقوال وعقائد وأفعال مخالفةٌ للشرع الإسلامي وأصوله من الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح مردودةٌ ومذمومٌ أهلها، وقد قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "من عمل عملا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ"، و"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ"، و"من صنع أمراً على غير أمرنا فهو ردٌّ" [صحيح التَّرغيب]. فليست البدع أصالةً بدعاً في مقابلة ومضاهاة السنن بل إذا تُرِكَت السنن الثابتة ظهرت البدع والمحدثات، نعم هنالك بدعٌ مُحْدَثة يخالطها شيءٌ من الحق وهذا مما يجعلها ملتبسةً على بعض المسلمين فاعتادوا وواظبوا عليها كالدعاء الجماعي، ورفع اليدين بالدعاء بعد الفرائض، والمصافحة بعد الفراغ من الصلاة، وكصيام الدهر... إلخ وهذا ما يسمَّى بالبدع الإضافية. وبدعٌ محدثةٌ لا صلة لها بالحق مطلقاً كعقائد الجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة، والصوفية([22])، والرافضة الشيعة، والخوارج وخروجهم ومروقهم لتكفيرهم المسلمين بكبائر الذنوب [راجع (الاعتصام) للشاطبي في أمر البدع وردِّه وإبطاله لقول من جعل البدع تجري عليها الأحكام الخمسة فإن البدع كلها ضلالةٌ محرَّمة]. وكل هذه البدع مردودةٌ ممنوعةٌ محرَّمة لأنَّها ليست من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه -رضي الله عنهم- وسائر السلف الصالحين -رحمهم الله- ولا دليل لها في الإسلام على صورتها المُحْدَثة سواء كانت حقيقيَّةً أو إضافيَّة. وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النَّار" [صحيح النَّسائيّ].فالمظاهرات والثورات وغيرها من مظاهر الديموقراطية الفاسدة من اعتصاماتٍ ومسيراتٍ وانتخاباتٍ وإضراباتٍ عن العمل والكلام أو الطعام والاحتجاج الجماهيري أو الفردي وكذا الانتحار والتَّهديد به والاغتيالات السياسية والعمليات الانتحارية والتفجيرات والغناء الحماسي... إلخ كلها بدع حقيقيَّة تخالف الإسلام وشرائعه وتصادمه لأنها من أهل الكفر صدَرَت وجاءت -وإن اعتادها بعض المسلمين-.فالدكتور عبد الحي لما ترَكَ السنن الثابتة وأهملها والهدي النبوي الصحيح ومنهج السلف في شأن ولاة أمر المسلمين وحكامهم عند جورهم وظلمهم حلَّل هذه المظاهرات الكفريَّة المنشأ بل وأصَّل لها بالباطل فأحدثَ بدعةً وضلالةً فصدَقَ فيه قول السلف: "ما ترك الناس في الإسلام سنَّة إلا وأحدثوا من البدع مثلها" أي ساروا على البدع والضلالة اعتقاداً وعملاً وقولاً ودعوةً كما يسير المُحِقُّ على السنة والبصيرة، فجعلوا الحق باطلاً والباطل حقَّاً ومضوا عليه إلا من أنقذه الله.فالخوارج قديماً وحديثاً لما تركوا واجب الصبر والعلم بأحكام المعاصي تجاه حكام المسلمين وشعوبهم أحدثوا التكفير الهمجي والخروج عليهم.(14) قد قلتَ يا دكتور: "مع وجوب التَّنبُّه إلى أنَّ الحكم بالرِّدَّة لا يصدره إلا الرَّاسخون في العلم ممَّن يعرفون الشُّروط والموانع، وقدنقل أئمة الإسلام -كالقاضي عياض والإمام النووي والحافظ ابن حجر وابنالمنذر والقرطبي- الإجماع على أن الولاية لا تنعقد لكافر، وأن المسلم متىما طرأ عليه الكفر انعزل".فإنِّي أسألك يا دكتور:• لا شك أنَّك جئت بهذا الكلام -في فتواك الأولى- بعد كلامك عن حاكم تونس الذي فحوى كلامك وواضحُ سياق ألفاظك يفيد تكفيرَك له والحكمَ عليه بالرِّدَّة!!وإن كنتَ -كما هي عادتك- لا تُصَرِّحُ -أحياناً- تصريحاً واضحاً وإنَّما تطرح ما تريده وتقصده في صورة وصيغة سؤالٍ واستفهامٍ وهذا أسلوبٌ -لا يخفى بحمد الله تعالى- معروفٌ لأجل التَّمويه على المسلمين والقُرَّاء، يَسْتخدِمُه عاجزُ العلم والحجَّة ومُخَبِّيء الفكر الهدَّام والمذاهب الفاسدة!!! حتَّى لا ينكشف حالُه ويظهر خطرُه، وليكون القاريء ومجيب السُّؤال والاستفهام هو مقرِّر الجواب -الفاسد- بلسان السَّائل -الكاتب أو المتكلِّم- لِيُبْعِدَ الشُّبهةَ عن نفسه والتَّبعةَ!! كما فعل عبد الحي هاهنا!! حيث قال: "أقول: من كانت هذه فعاله وتلك صفاته هلالخروج عليه محرَّم ممنوع أم سائغ مشروع؛ لأنه من الصنف الذين قال فيهمالنبي صلى الله عليه وسلم {إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيهبرهان}؟"؟!فأسألك يا دكتور: هل تُكَفِّر حاكم تونس ومصر -علي زين العابدين وحسني مبارك- وترى ردَّتهما عن الإسلام؟ فإن قلتَ: نعم. فمَن الرَّاسخون -المعتدُّ بهم- من أهل العلم الذين كفَّروهما فاتَّبعتهم؟؟!! على حسب تنبيهك أعلاه (مع وجوب التنبُّه إلى أن الحكم بالردة لا يصدره إلا الراسخون في العلم...). وإن قلتَ: لا أكفِّرهما. فماذا تريد وتقصد باستفهامك هذا في سؤالك؟؟!فأنت إذن إمَّا قائلٌ بما لا تعي فيحرُمُ عليك حينها الكلامُ في شأن العلم والدِّين ووجَبَ عليك السُّكوت!! خاصَّةً في هذا الأمر الخطير -التَّكفير-. فظهَرَ بهذا وذاك أنَّك من المتسرِّعين المجازفين المتهوِّرين في هذا الباب الخطير -التكفير وتوابعه-.أو تعي ما تقول تماماً لكنَّك تخشى التَّصريح أحياناً وتسلك مسالك التَّلبيس وَالتَّعمية والتَّمويه وهذا هو حقيقة حالك!!! فكيف وقد صرَّحت بتكفير كثيرٍ من حكَّام المسلمين بلا استثناءٍ -كما ستراه بحول الله تعالى قريباً أيُّها القاريء-.أم أنتَ من الرَّاسخين تكفِّرُ بعمومٍ كما تشاء -كما سيأتي قريباً عنه-؟! كغيرك ممَّن يحمل فكرَ الخوارج والضلال؟؟؟ وأنت لا شك لست من الراسخين ولا على طريقتهم تسير وواقعُ حالك وأقوالك يشهد بذلك كتحليلك لهذه المظاهرات المحرَّمة وغيرها من المسائل.فأقول: قد ظهَرَ حالُك -وهو ظاهرٌ من قديمٍ بحمد الله- وانكشف الغطاء!!!أفلا تستحي يا د. عبد الحي؟!!• ثمَّ أسألك أيضاً يا دكتور: إذا كنت تعطي العلماءَ الرَّاسخين حقَّهم وقدرَهم ومكانتَهم فسمِّهم لنا لنرى جميعاً من تعني؟فإن كانوا على شاكلة منهجك وفكرِك فهُم راسخون عندك أنت ومن على منهجك وليسوا براسخين بميزان الشَّرع والعدل ولا عند العلماء السَّلفيِّين الرَّاسخين بالحقِّ، بل هم متهوِّرون ثوريُّون لا يبالون بمخالفة الشَّرع وأصوله جائرون عن الحقِّ والإنصاف فلا يَعْتَدُّ بقولهم ولا يَغْتَرُّ بزخرف منطقهم إلا جاهلٌ -علَّمه الله- أو مُضَلَّلٌ ملبَّسٌ عليه -أنقذه الله- أو صاحبُ بدعةٍ وهوى -هُدِيَ أو أُخِذ- فهؤلاء نُحَذِّر منهم ونُنَبِّه على خطرهم وضلالهم صيانةً للإسلام وأهله!وإن كانوا هم الرَّاسخين الذين عُرِفُوا -ويُعْرَفون- بسلامة المُعْتَقَد والمنهج السَّلفيِّ فيلزمك يا دكتور ومن معك واجباً شرعيَّاً لرسوخهم -كما ذكرتَ في شأن الحكم بالكفر والرِّدَّة- الرُّجوع إليهم والعمل بفتواهم في تحريم المظاهرات والثورات وغيرها من المسائل والأمور التي أخطأتَ فيها فخالفتهم لمنهجك وفكرك فإذا كنت يا دكتور صادقاً تريد حقَّاً وعلماً نافعاً فلا بدَّ أن تُقِرَّ بأنَّك بتحريمك المظاهرات في فتواك الأخيرة رجعتَ إلى قول العلماء السَّلفيِّين الرَّاسخين -أثابهم الله- ووافقتَهم. وعليهِ فإنَّه يلزمك أيضاً بكلِّ صدقٍ وتجرُّدٍ بذات الرَّجعة أن ترجع إليهم وتعتمد قولهم في شأن التَّكفير وأحكامه -على منهج السَّلف- بل في كلِّ القضايا المصيريَّة الكبيرة وغيرها! لأنَّهم بحمد الله تعالى راسخون صادقون مأمونون -ولا نزكِّيهم على ربِّهم- فلا تُكَفِّر يا دكتور جزافاً وتهوُّراً بحماسٍ وعاطفةٍ بعيداً عن الأصول الشَّرعيَّة الـمُعْتَبَرة في ذلك! فإنَّ هؤلاء العلماء الراسخين لم يكفِّروا مطلقاً حاكم مصر ولا تونس!!!فهل سترجع يا دكتور عن كلِّ ذلك أيضاً كما رجعت -بلا ضابطٍ علميٍّ- هاهنا عن تحليل المظاهرات وغيَّرْتَ فتواك بين عشيَّةٍ وضحاها؟!؟بل أقول لك يا دكتور: إنَّ ذكرَك للراسخين هاهنا مجرَّد صياغةٍ لفظيَّةٍ إملائيَّة لا عبرة لها عندك كشرعٍ مُلْزِمٍ ومنهجٍ علميٍّ ومعنى معتبر، فهل هذا السؤال الذي طرحته -في شأن تكفير حاكم تونس- سيجيب عنه العلماء الراسخون -وقد عُلِمَ عدم تكفيرهم له ولحاكم مصر-؟!! فإن قلتَ: نعم، فلِمَ طرحتَه هاهنا للجميع يجيب عنه كلُّ قاريءٍ وكلُّ سامعٍ ليس بأهلٍ ولا محلٍّ لمثل هذه المسألة العلمية الخطيرة!!!أفلا تستحي يا د. عبد الحي ومن معك ووراءك!!؟؟!(15) وأما قولك يا دكتور: "وبعضهم يدندن حول أن النصيحة تكون للحاكم سراً ولا يجوز أن تكون علناً أبداً؛ حتى إن بعضهم -نسأل الله السلامة– زعم أنه لا يجوز الخروج على حاكم تونس المحارب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ وهم في هذا يستدلون بحديث {من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية؛ ولكن يأخذ بيده فيخلو به؛ فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه} وهو حديث صححه بعض أهل العلم، ويغفلون مع ذلك عن نصوص تواترت من فعل الصحابة والسلف في إنكار المنكر علانية إن احتاج الأمر إلى ذلك..."• فعليه المؤاخذات والمجازفات الآتية:1. سوءُ أدبك مع سنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حيث جعلتَ القول والعمل بهديه -صلى الله عليه وسلم- في أمر النصح للحاكم وهو قوله الصحيح -صلى الله عليه وسلم-: "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية؛ ولكن يأخذ بيده فيخلو به؛ فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه" وإظهاره والإخبار به نصحاً للأمة وبياناً للحق حتى لا تضلَّ وتنحرف في هذا الباب الخطير، أقول: جعلتَ ذلك يا دكتور دندنةً مذمومةً!!!2. إساءتك الأدب واللفظ مرةً أخرى في حقِّ علماء الدعوة السلفية -أثابهم الله- واتِّهامك لهم بالدندنة المذمومة وعدم السلامة (في أقوالهم وعلومهم) وذلك بقولك عنهم: "وبعضهم (يدندن) حول أن النصيحة تكون للحاكم سراً ولا يجوز أن تكون علناً أبداً؛ حتى إن بعضهم -نسأل الله السلامة–...".3. جعلُك هذه المظاهرات والثورات من جنس إنكار السلف للمنكَر علانيةً!!! وكفى بهذا جهلاً وهوى واتِّهاماً للأخيار والأبرياء بالشر والفساد.4. تجهيلك للعلماء السلفيين واستخفافك بهم واحتقارك لعلمهم وفضلهم حيث قلت: "ويغفلون مع ذلك عن نصوص تواترت... إلخ"!!!5. صرْفُك المسلمين وشبابهم بأسلوبٍ ماكرٍ عن الحديث الصحيح: "من أراد أن ينصح لذي سلطان..." والعمل به، حيث قلت فيه: (صححه بعض أهل العلم)!!! موهماً عدمَ صحته وهو بحمد الله صحيحٌ ثابتٌ.وأما ما أشرتَ إليه من أفعال بعض السلف في أمر (إنكار المنكَر علانيةً إن احتاج الأمر إلى ذلك) لتحلِّل بها هذه المظاهرات والثورات والنصح العلني والجهري لولاة أمر المسلمين والتشهير بهم وبأخطائهم ثم الخروج عليهم بعد ذلك فهذا من الجهل والافتراء والتلبيس على المسلمين.وإليكم أيها القراء -وفقكم الله- شيئاً من كلام أهل العلم في الرد على هذه الفرية والشبهة التي يثيرها د. عبد الحي وغيره قديماً وحديثاً:
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: إِنَّ الْحَجَّاجَ عَذَابُ اللَّهِ، فَلَا تَدْفَعُوا عَذَابَ اللَّهِ بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالِاسْتِكَانَةِ وَالتَّضَرُّعِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُول: ((وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)) [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 76]، وَكَانَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ يَقُولُ: اتَّقَوُا الْفِتْنَةَ بِالتَّقْوَى. فَقِيلَ لَه: أَجْمِلْ لَنَا التَّقْوَى. فَقَالَ: أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ، تَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ تَخَافُ عَذَابَ اللَّه. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.وَكَانَ أَفَاضِلُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ يَنْهَوْنَ عَامَ الْحَرَّةِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى يَزِيدَ، وَكَمَا كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ. وَلِهَذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَارُوا يَذْكُرُونَ هَذَا فِي عَقَائِدِهِمْ، وَيَأْمُرُونَ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَاتَلَ فِي الْفِتْنَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّين.وَبَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ يَشْتَبِهُ بِالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْبَابِ وَاعْتَبَرَ أَيْضًا اعْتِبَارَ أُولِي الْأَبْصَارِ، عَلِمَ أَنَّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ خَيْرُ الْأُمُورِ. وَلِهَذَا لَمَّا أَرَادَ الْحُسَيْنُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- أَنْ يَخْرُجَ إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ لَمَّا كَاتَبُوهُ كُتُبًا كَثِيرَةً أَشَارَ عَلَيْهِ أَفَاضِلُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ لَا يَخْرُجَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ... وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ هُوَ أَصْلَحُ الْأُمُورِ لِلْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُخْطِئًا لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ صَلَاحٌ بَلْ فَسَادٌ. وَلِهَذَا أَثْنَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْحَسَنِ بِقَوْلِهِ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» وَلَمْ يُثْنِ عَلَى أَحَدٍ لَا بِقِتَالٍ فِي فِتْنَةٍ وَلَا بِخُرُوجٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا نَزْعِ يَدٍ مِنْ طَاعَةٍ وَلَا مُفَارَقَةٍ لِلْجَمَاعَةِ [المنهاج، 4/529-531].(2) سُئِلَ الشيخ العلامة المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى-:يحتج بعضهم بما وقع في التاريخ الإسلامي كما في فتنة ابن الأشعث، وخروج كثير من القرَّاء على رأسهم سعيد بن جبير ومَن كان معه، وأيضًا ما وقع من عائشة -رضي الله عنها- والزبير وطلحة مع علي -رضي الله عنهم أجمعين-، وأنَّ هذا قد وقع، وأنَّ هذا يُعَد خروجًا، ولكن ما حُقق لهم الهدف المطلوب، لكن هذا الخروج مما يجوز!! فهل هذا الاستدلال (بتلك) القصص التي وقعت في العهد الأول صحيح؟ وما الجواب؟ لأن هذا -ما وقع في فتنة ابن الأشعث، وما وقع من عائشة مع مَن كان معها من الصحابة- يُثار كثيرًا من أجل تبرير قضية الخروج.فأجاب -رحمه الله تعالى-:نعم. الخروج لا يجوز يا أخي، وهذه الأدلة هي على مَن يحتج بها، وليست لصالحه إطلاقًا.هناك حكمة تُروى عن عيسى -عليه السلام-، ولا يهمنا صحتها بقدر ما يهمنا صحة معناها، أنه وعظ الحواريين يومًا وأخبرهم بأن هناك نبيًا يكون خاتم الأنبياء، وأنه سيكون بين يديه أنبياء كذبة. فقالوا له: فكيف نميِّز الصادق من الكاذب؟ فأجاب بالحكمة المشار إليها، وهي قوله: (مِن ثمارِهم تعرفونهم).فهذا الخروج وذاك الخروج -ومنه خروج عائشة رضي الله عنها- نحن نعرف حكم هذا الخروج من الثمرة، فهل الثمرة كانت مُرَّةً أم حلوة؟لاشك، التاريخ الإسلامي الذي حدثنا بهذا الخروج وذاك، يُنْبِيء بأنه كان شرًا، وسُفكت دماء المسلمين وذهبت هدرًا بدون فائدة، وبخاصة فيما يتعلق بخروج السيدة عائشة -رضي الله عنها-.السيدة عائشة -رضي الله عنها- لقد ندمت على خروجها، وكانت تبكي بكاء مرًا حتى يبتل خمارها، وتتمنى أنها لم تكن قد خرجت ذلك الخروج.وهناك نكتة قرأتها في بعض الكتب -ولا يهمني الآن أيضًا صحة السند- أنه بلغها أن خلافًا نشب بين عبيدٍ لها وعبيدٍ لشخص آخر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتهيأت للخروج، فسألها قريبٌ لها: إلى أين يا أم المؤمنين؟، قالت: للنظر في الخلاف الذي نشب بين هؤلاء وهؤلاء بخصوص بغلةٍ ادَّعاها كل من الفريقين. قال لها: يا أم المؤمنين، ألا يكفينا وقعة الناقة، حتى تثيري لنا وقعة البغلة من جديد.الشاهد: الاحتجاج بمثل هذا الخروج، أولًا: هذا حجة عليهم؛ لأنه لم يكن منه فائدة([23]).ثانياً: لماذا نتمسك بخروج سعيد بن جبير، ولا نتمسك بعدم خروج كبار الصحابة الذين كانوا في عهده؟!! كابن عمر وغيره، ثم تتابع قدماء السلف -كلهم- بعدم الخروج عن الحاكم.إذن هناك خروجان: خروج فكري، وهذا أخطر، وخروج عملي، وهذا ثمرة للأول، فلا يجوز مثل هذا الخروج، والأدلة التي ذكرتَها آنفًا فهي طبعًا عليهم وليست لهم. اهـ[الشريط رقم (606) من سلسلة (الهُدى والنور)].(3) قال الشيخ العلامة الفقيه عبيد بن عبد الله الجابري -حفظه الله تعالى-:"فمن الشبهات إنكار أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- على أمير المدينة مروان بن الحكم حين قدَّم خطبة العيد على الصلاة قالوا: فجذبه، وهذا إنكارٌ علني، نقول: هذه القصة في صحيح مسلم وغيره، ولفظ الحديث عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة فإذا صلى صلاته وسلم قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم فإن كان له حاجة ببعثٍ ذكره للناس أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها وكان يقول: تصدقوا تصدقوا تصدقوا. وكان أكثر من يتصدق النساء ثم ينصرف فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم فخرجتُ مخاصراً مروانحتى أتينا المصلى فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبراً من طين ولبن فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصلاة؟ فقال: لا يا أبا سعيد قد تُرِكَ ما تعلم. قلت: كلا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم (ثلاث مرارٍ ثم انصرف).قلت: لاشك في صحة الحديث كما ترى، كما أنه لاشك في ظهور إنكار أبي سعيد على أمير المدينة مروان صنيعه في تقديم الخطبة على صلاة العيد، ولكن غفل القوم عن أمورٍ في الحديث لو عقلوها لأراحتهم من تلك الشبهة، وهي:أولاً: ما معنى المخاصرة في قول أبي سعيد فخرجت مخاصراً مروان؟فالجواب: ما قاله ابن الأثير في النهاية (فخرج مخاصراً مروان) "المخاصرة: أن يأخذ الرجل بيد رجل آخر يتماشيان ويد كل واحدٍ منهما عند خصر صاحبه" اهـ.ثانياً: أن عياض بن عبد الله بن سعد راوية أبي سعيد، قال: كما في إسناد مسلم عن أبي سعيد وهذا حكاية عن عياض لصنيع أبي سعيد مع مروان من قوله، أعني أن أبا سعيد حدثه تلك القصة.ثالثاً: اكتفى أبو سعيد بتنبيهه مروان إلى السنة وإنكاره عليه مخالفتها فقط، بل وصلى معه، ولم يتخذ من مخالفة مروان مجالاً للتشهير والتهييج لعلمه أن ذلك مخالفة لسنة رسول الله -صلى عليه وعلى آله وسلم- أعني التشهير بنصح الولاة، ولأنه فهم من قول مروان كما جاء في بعض طرق الحديث (أن الناس لا يجلسون لنا) أنه -أي مروان- فعل ذلك اجتهاداً منه، ولعل ماسقنا يظهر لك أمرين:أحدهما: اتفاق صنيع أبي سعيد في هذا الحديث مع حديث ابن أبي عاصم المتقدم([24]).وثانيهما: أنه ليس من منهج السلف الإنكار على الولاة على المنابر ولا في المحافل العامة، بل مشافهة وفي سرية تامة" [تنبيه ذوي العقول السليمة إلى فوائد مستنبطة من الستة الأصول العظيمة].• تنبيهٌ:وإنَّ ممَّا يستدل به الخوارج المعاصرون وبعض الجهال في الإنكار العلني على ولاة أمر المسلمين وحكامهم -مخالفين للنصوص الشرعية ومنهج السلف الصالح في هذا الباب-:1- قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" [صحيح الجامع] والحديث ظاهر المعنى والمراد قول الحق في حضرته ومكانه كما تفيده لفظة (عند)، فلا يجوز الاستدلال به على سييء مرادهم وفهمهم المخالف. ويضاف أيضاً أنَّ كلمة الحق لتكون حقَّاً لا بد أن تكون على منهجٍ وأسلوبٍ سليمٍ ووسيلةٍ معتبَرة شرعاً، وقد عُلِمَ أنَّ الإنكار العلني والتشهير بالنصح من البدع والضلال.2- ومن الآثار كالمروي عن عمر -رضي الله عنه- (أنه قال للناس: إذا حدتُ عن الحق هكذا فماذا أنتم فاعلون؟ قالوا: قلنا لك بالسيف هكذا) وكذا قوله: (كل أحدٍ أفقه من عمر، امرأةٌ أفقهُ من عمر) حينما عارَضَته في أمر المهور علناً وهو على المنبر فهي آثارٌ ضعيفةٌ لا تصح.فإذا تقرَّر هذا وما سبق -بحمد الله- علِمنا يقيناً أن د. عبد الحي ومن سار على طريقته بعيدون كل البعد عن الاستدلال الصائب والفهم السليم لنصوص الشريعة في هذه المسألة، بل غاية ما عندهم شبهاتٌ وتنظيراتٌ فاسدة.أفلا تستحي يا د. عبد الحي ومن معك ووراءك!!؟؟!وبعد هذا التأصيل من د. عبد الحي يوسف والتقعيد الباطل والاستدلال الهزيل لتجويز وإباحة هذه المظاهرات والثورات يتناقض الدكتور ويعارض نفسه بنفسه ويكذبها على مرأى ومسمع الجميع -بلا حياءٍ أو أدنى أدب([25])- فيقول ويفتي بحرمة المظاهرات وعدم جوازها -وهو الحق الذى لاريب فيه بحمد الله تعالى-. (قال ذلك في جواب سؤالٍ على قناة النيل الأزرق على الهواء مباشرة).أفلا تستحي يا د. عبد الحي!!!إنَّك يا د. عبد الحي -أصلحك الله-؛* إمَّا لا تعي ما تقول وتصرِّح به وتكتبه وتنشره بين هؤلاء المسلمين الذين تسعى لتضليلهم وتعمية الحقائق عليهم بسوء فكرك ومنهجك!! وهذا لا أظنُّه فيك أبداً لأنَّك تؤصِّل وتستدل وتقعِّد بل وتردُّ على أهل العلم السَّلفيِّين ومن معهم المخالفين لك بل وتسفِّه علومهم وعقولهم وقولهم بتحريم هذه المظاهرات والثورات وغيرها من المسائل التي تخالفهم فيها بلا دليل أو حجَّة معتبرة بكلِّ جرأةٍ وسوء أدب من طعنٍ وغمزٍ،نعم. هذا لا أظنُّه فيك أبداً -أي عدم الوعي- فقد أيَّدتَ هذه المظاهرات والثورات وحمَّست أهلها ومن سمع بها ورآها في بلاد المسلمين كصنيع كبار حزبك ومنهج فكرك كالدكتور يوسف القرضاوي، وعبد الرحمنعبد الخالق([26])، ومحمد حسان، و(حزب النور السلفي) -وليس من السلفية في شيء هذه الصنائع والمواقف-!!!... إلخ.
إِذن أنت كنت ترى بوعيٍ تامٍّ وعقلٍ حاضرٍ جوازها و(إباحتها) وحلَّها كما قرَّرت وأصَّلت!! والآن تمنعها وتحرِّمها!!! وعليه فأنت كمنهجٍ شرعيٍّ وأمانةٍ دينيَّةٍ -إن كنت ترعها- مُطَالَبٌ -في مسألة المظاهرات والثورات وغيرها- بالآتي:1. أن تبيِّن لماذا حرَّمت المظاهرات الآن ومنعتها وما هي أدلَّتك في ذلك وأصولك التي بنيت عليها هذا الحكم (أهي العادة أيضاً والتَّعبير عن الشُّعور والشَّكوى؟ يا دكتور؟).2. أن تبيِّن لمن ضلَّلتهم من المسلمين والشَّباب خاصَّة في السُّودان أنَّك رجعت عن قولك الأوَّل وفتواك بتجويز هذه المظاهرات والتَّأصيل لها وأنَّك كنت مخطئاً كل الخطأ في هذه المسألة!!!ولا يكفي هذا إبراءً لذمَّتك عند الله أوَّلاً ثمَّ عند هؤلاء المضلَّلين بفتواك هذه -وغيرها-؛ أقول: لا يكفي هذا مطلقاً حتى ترد على كل الاستدلالات والتَّأصيلات التي أصَّلتها واستدللت بها على الجواز والإباحة والتي من أخطرها -كما بيَّنتُ سابقاً- جعلك لها من العادات، بل أخطر من ذلك إقحامك لها بتهوُّرك في معاني قول الله تعالى: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة 71]. وعليك أن تنشر ذلك صوتاً وكتابةً لتُنْقِذَ من عملوا بفتواك وسييء اجتهادك وربَّما طبَّقوا ذلك عمليَّاً في السُّودان ودعوا النَّاس إليه كما دَعَوتَهم!! هذا يا دكتور عبد الحي تفعله -وما سيأتي- إن كنت صادقاً مُريداً للحقِّ والخير لأنَّك أخطأت خطأً كبيراً وأجرمت في حقِّ أبناء المسلمين، واللهُ يقول مبيِّناً صفة وشروط الرجوع إلى الله ثم إلى الحقِّ والاستقامة عليه: ((إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) [البقرة 160].عندئذٍ وبما تقرَّر تكون بحول الله تعالى -إن تبت ورجعت حقاً- في ظاهر الأمر أبرأت ذمَّتك ونَكِلُ سريرتك وباطنك إلى الله تعالى، وأنت مطالَبٌ أيضاً على ذات هذه الرَّجعة في مسألة المظاهرات بالرُّجوع عن التَّكفير المطلق والعام لحكَّام المسلمين والخروج عليهم إن جاروا وظلموا على مذهب الخوارج والمرَّاق([27])، ومطالَبٌ بالرجوع عن أمور كثيرة خالفت فيها الحقَّ والصَّواب ومنهج السَّلف الصَّالح والعلماء السَّلفيِّين الذين خالفتَهم في حكمِهم على هذه المظاهرات وغيرها من المسائل كالتَّكفير وتوابعه....إلخ، سأُظْهِرُها لك -بحول الله تعالى قريباً-([28]) من أقوالك وخطِّ يدِك تجرَّأت بها وجازَفْتَ!! فانحرَفْتَ عن الأصول الشَّرعيَّة والقواعد المعتبرة في دين الإسلام!!3. أن تعْتَذِرَ كلَّ الاعتذار لكلِّ العلماء السَّلفيِّين وطلابهم الذين خالَفْتَهم وغمَزْتَهم حينما حرَّموا هذه المظاهرات والثورات وحذَّروا المسلمين من مغبَّتها وسييء ضررها على كلِّ شيءٍ في الحياة، كقولك: "إنَّ ناساً يحلو لهم أن يقولوا إنَّ المظاهرات حرامٌ!! هكذا بإطلاقٍ وتعميم" [شبكة المشكاة الإسلاميَّة].فهل ترضى يا د. عبد الحي بعد تغييرك فتواك هذه وموافقتك لهم في الحكم والقول!!! ما قلته فيهم: "إنَّ عبد الحي يحلو له أن يقول إنَّ المظاهرات حرام"!!أفلا تستحي يا د. عبد الحي!!!4. أن تحذِّر المسلمين في السُّودان من أولئك الذين يجوِّزون هذه المظاهرات والثورات ويحلُّونها لهم كلَّ التَّحذير لأنَّها حرامٌ وفسادٌ، وقد كنتَ قبل المنع والتَّحريم مؤيِّداً لهم قائلاً بقولهم مثيراً محمِّساً للمسلمين في بلادهم على هذه المظاهرات والثورات كيوسف القرضاوي وعبد الرحمن عبد الخالق ومحمد حسان... إلخ!!5. ويلزمك كذلك يا دكتور شرعاً أن تُبْطِلَ وتبيِّن فسادَه -وهو بحمد الله عند أهل الحقِّ باطلٌ- قولك: "وإنَّ الناظر في شأن هذه المظاهرات بعين الإنصاف يجد أنه رغم ما صحبها من جراح وآلام إلا أنه قد ترتب عليها خير كثير؛ فبالإضافة لزوال حكم طاغية تونس ودوال دولته، وما تبع ذلك من رجوع المشردين (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) والقبض على عتاة المجرمين (الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد) نرى بشائر الخير تترا... ومن الفوائد كذلك -أي من هذه المظاهرات- إيقاظ روح المقاومة في الشعوب المسلمة حتى لا تذل لغيرالله عز وجل ولا تخضع لغير خالقها سبحانه وتعالى".لأنَّك يا دكتور إذا كنتَ صادقاً وَرِعاً -في تحريمِك المظاهرات- فإنَّ الغاية -كما تعلم- لا تُبَرِّر الوسيلة! فما زعمتَه -وبئس ما زعمتَ- من خيرٍ فليس هو بخيرٍ ولا بوسيلةٍ معتبرةٍ شرعاً.فكيف إذا كانت الغاية يا دكتور محرَّمةً أصلاً -في الشَّرع وعند علماء الدَّعوة السَّلفيَّة الراسخين- من الخروج على الحكَّام الظَّلمة وعدم الصَّبر عليهم وتأليب الشُّعوب وإثارتهم وضربهم بحكَّامهم ومنازعة سلطان الله في أرضه!!! وكيف إذا كانت -وسيلتُك هذه التي حلَّلتَها ثمَّ حرَّمتَها (المظاهرات) بل بدءً بتكفيرك الحكَّام بالعموم والإطلاق بلا حجَّةٍ علميَّةٍ- تُرَاق فيها وبها الدِّماء المعصومة وتُنْتَهَك فيها وبها الحرمات المحفوظة ويُفْسَدُ بها في الأرض ويهلك حرثها ونسلها!! فما رأيك يا دكتور في ذاك الذي حرق نفسه فقتلها -في تونس-!!وقد قال -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- مبيِّناً -ومخوِّفاً محذِّرا- عظمة حرمة دم المسلم حين نظر إلى الكعبة: "ما أعظمَكِ! وما أعظم حرمَتك! والمؤمن أعظم حرمةً عند الله منك" [صحيح التَّرغيب]. وجاء في الحديث القدسيِّ: "بادرني عبدي بنفسه حرَّمت عليه الجنَّة" [صحيح البخاريِّ]. وقال -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: "من قتل نفسه بحديدةٍ فحديدته في يده يتوجَّأ بها في بطنه في نار جهنَّم خالداً مخلَّداً فيها أبداً. ومن شرب سمَّاً فقتل نفسه فهو يتحسَّاه في نار جهنَّم خالداً مخلَّداً فيها أبداً. ومن تردَّى من جبلٍ فقتل نفسه فهو يتردَّى في نار جهنَّم خالداً مخلَّداً فيها أبداً" [صحيح مسلم]. بل قال -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: "لا يعذب بالنار إلا رب النار([29])" [صحيح أبي داوود].ومع هذه النصوص المخيفة والزاجرة عن قتل النَّفس والانتحار يمدحُ الثوريُّ المدعو عائض القرني السعودي -أحد كبار القطبية السرورية شاكلة عبد الحي يوسف ومن معه- ذلك التونسي محرِّقَ نفسه في قصيدةٍ طويلةٍ اتَّبع فيها جهلَه وسوء فهمه ومنهجه، فقال:لي وقفةٌ يا تونس الخضراء *** وتحيةٌ وقصيدةٌ عصماءُوقفتْ لك الدنيا وصفّق([30]) أهلها *** كل الوجود تعجّبٌ وثناءُالبوعزيزي فيك أشعل ثورة *** سارت لروعة ذكرها الأبناءُ
فصدق الله القائل: ((فَإِنّهَا لاَ تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَـَكِن تَعْمَىَ الْقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ))، ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)).فما رأيك يا د. عبد الحي في هذا الرجل وقصيدته؟؟؟فغايةٌ محرَّمةٌ باطلةٌ ووسيلةٌ -من فكرِ الكفَّار ومن لا خلاق لهم- محرَّمةٌ فاسدةٌ!! كيف تجرَّأت يا دكتور وجازَفْتَ فحلَّلتَها؟! ابتداءً؟!! ثمَّ حرَّمتها -وهو الحقُّ- بلا بيانٍ منك لكلِّ إفسادٍ وتأصيلٍ مخالفٍ للإسلام وأصوله قمتَ بنشره في المسلمين لتحلِّل لهم (ما حرَّم الله تعالى ورسولُه -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وعلماءُ الحقِّ) من الفساد والضَّلال والفتن!!أفلا تستحي يا دكتور عبد الحي؟!!ثمَّ يا دكتور: أمَّةٌ أيقَظَتْهَا الفتنُ والشُّرور وأحياها الفسادُ والمخالفةُ للإسلام وعلمائِه الرَّاسخين َلأُمَّةُ شرٍّ وغثاء سيلٍ لا خيرَ فيه وفيها -إلا من هُدِيَ ورجع إلى الحقِّ-!! فهل هذا من الخير يا دكتور؟!وأي جرمٍ أعظم يا دكتور من إحداث البدع والتَّأصيل لها وإقامة وإحياء سنن الكفر والضَّلال -من المظاهرات والثورات وغيرها- في بلاد المسلمين؟؟ فإنَّ أئمَّة الضَّلال والشَّرِّ والبدع من علماء السُّوء والحزبيَّات والطَّائفيَّات المخالفة للحقِّ وأهله أخطرُ على الأمَّة من سُرَّاق الأموال وقُطَّاع الطَّريق بل مِن قُتَّال النَّفس لأنَّهم -أي علماء السُّوء- يقتلون روح الإسلام -وهي باقيةٌ بحمد الله لن تموت إلا ساعة موتها- ويُخْفون شعائره بابتداعهم وإفسادهم ويطمسون معالمه -وهي ظاهرةٌ بحمد الله تعالى عند أهل الحقِّ- في أوساط جماهير كثيرةٍ من المسلمين الغافلين أو الجاهلين أو المُضَلَّلين -أنقذهم الله تعالى من شرِّهم- ويقطعون عليهم الطَّريق عن الحقِّ وعلمائه الرَّاسخين!!فهل هذا من الخير يا دكتور!!!أيُّها المسلمون -حفظكم الله تعالى- إذا كان نبيُّنا -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- سمَّى انسحابَ جيش المسلمين بقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في غزوة مؤتة فتحاً لأنَّه أُنْقِذَت به أرواحُ المسلمين ودماؤهم من الإبادة والإهلاك وهُم في أرض الجهاد -جهاد الحقِّ والشَّرع- على أيدي الكفَّار الرُّومان!!! فكيف تسمِّي يا دكتور قتل النُّفوس المسلمة في أرض المسلمين وفيهم الأبرياء والجهَّال والأطفال والنساء والعجائز والشيوخ والمستأمنون من الكفار والمُغرَّر بهم بأيدي المسلمين أنفسهم أو حكَّامهم في هذه المظاهرات والثورات خيراً وإنصافاً؟؟ما أجرأك يا دكتور على دين الله تعالى وما أخطر تهوُّرك على نفسك والمسلمين وأبنائهم -حفظهم الله من الشَرِّ والسوء-. أم أنَّه لا يعجبك يا دكتور فعلُ خالد هذا -رضي الله عنه- لأنَّه بمفهومك وفكرِك (انسحابٌ عن المواجهة وانهزامٌ) كما سيأتي بيانُه في حينه بحول الله تعالى([31]).فإنَّ دكتور عبد الحي -وغيره ممَّن على شاكلته كسيِّد قطب- يتجرَّؤون -بكلِّ وقاحةٍ- على معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- ملك وخال المسلمين المؤمنين وغيره من الصَّحابة -رضي الله عنهم- فيطعَنُ فيه ويغمز([32])!! فمن كان هذا حالُه وموقفه من معاوية -رضي الله عنه وأرضاه- فهل يُؤمَنُ على فعل خالد بن الوليد -رضي الله عنه وأرضاه-!!!ومَنْ جوَّزَ وأقَرَّ كعبد الحي يوسف وغيره العمليَّات الانتحاريَّة -التي يسمُّونها تلبيساً استشهاديَّةً- وبأنَّه لا يوجد ذمِّيٌّ معاهدٌ في أرض الإسلام بعد سقوط الأندلس -يريد بذلك أنَّ الكافر لا أمان له في بلاد المسلمين- فيجوز قتله وهدر دمه ولو أعطاه أهل الإسلام وحكَّامهم عهداً وأماناً وإذناً (تأشيرة دخول) بدخول بلادهم!!!ماذا تظنُّون أهلَ الإسلام به إلا الثَّورات والطَّيش والفساد والإفساد بالمظاهرات وغيرها!!! فاللهم سلِّم سلِّم واهدنا وارحمنا!!!
• أمَّا قولك يا دكتور في ما توهَّمته من خير هذه المظاهرات المحرَّمة-: "إيقاظ روح المقاومة في الشعوب المسلمة حتى لا تذل لغيرالله عز وجل ولا تخضع لغير خالقها سبحانه وتعالى".• فأقول: إنَّ الذِّلَّة كلَّ الذِّلَّة تُبْتَلى بها الأمَّة مع الهوان والصَّغار إذا خالفَت أمرَ الله تعالى وأمرَ رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومنهجَ السَّلف الصَّالح، قال تعالى: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [النور 63]، وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "ليأتينَّ على أمَّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النَّعل بالنَّعل حتَّى إن كان منهم من أتى أمَّه علانيةً لكان في أمَّتي من يصنع ذلك. وإنَّ بني إسرائيل تفرَّقت على ثنتين وسبعين ملَّة وتفترق أمَّتي على ثلاثٍ وسبعين ملَّة كلهم في النَّار إلاَّ ملَّة واحدة". قال: من هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي" [حسَّنه الألبانيُّ في (صحيح التِّرمذيّ)].فإنَّ سلطان الله في الأرض نعمة الله أو نقمته كما قال بعضُ السَّلف وكذا قالوا -رحمهم الله- في شأن السُّلطان والحكَّام: "كما تكونون يولى عليكم"[رواه الطبراني].فأمَّةٌ فيها من يدعو إلى البدع -مع التَّأصيل الفاسد- والضَّلالات ومشابهة الكفَّار في التَّعبير والشُّعور -كما علَّلت يا دكتور بذلك في تحليل المظاهرات- ويرفع رايات الخوارج -المنكوسة- والحزبيات والفرق المضلِّلة من أين يأتيها النَّصر والتمكين في الأرض وتنعم بالعزَّة والسلامة؟!!!إنَّ الظُّلم لا يُغيَّر بالظُّلم وبمخالفة الشَّرع وإنَّما يغيَّر بعد توفيق الله ومنِّه بمتابعة الشَّرع وتطبيقه على فهم السَّلف الصَّالح في كلِّ شؤون الحياة والصَّبر على ذلك وعدم مجاراة الهوى من شبهاتٍ أو شهوات!!قال الحسن البصريُّ -رحمه الله تعالى-: "والله لو أنَّ النَّاس إذا ابتُلوا من قِبَلِ سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله -عزَّ وجلَّ- ذلك عنهم، ولكنَّهم يفزعون إلى السَّيف فيوكلون إليه، ووالله ما جاؤوا بيوم خيرٍ قط"، ثمَّ تلا: ((وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ)) [الشَّريعة للآجرِّيِّ].6. إن كنت صادقاً يا دكتور في رجعتك وتراجعك نبِّه على خطإ ما كتبته في كتابك [الاستبداد، (ص192) الذي أشرف عليه د. الحبر يوسف، ونِلت به -للأسف الشديد- درجة الدكتوراة([33])]؛ حيث قلتَ: "إنَّ الإسلام حين يعطي للناس حرِّيَّة الكلام بعد حرِّيَّة الاعتقاد فإنَّه يحيط هذا الحق بضماناتٍ تمنع عنه الحيف والانتقاص لئلاَّ يزعم زاعمٌ أنَّه مَنَعَ ومن حقه أن يَمْنَعَ ولئلاَّ (يمنُّ) بعض الحكَّام على الرَّعيَّة جعل الإسلام هذه الضَّمانات سياجاً يحمي وسوراً يحوط ولا تستطيع أن تحصيها كلها لكنَّني سأذكر منها عشرة على سبيل المثال وهي.... 5. حرِّية التَّجمُّع والاجتماع ممَّا يعين على البرِّ والتَّقوى ويضمن لحرِّيَّات الناس ألا تُنْتَهك أن يجتمع الناس في سبيل تحصيل تلك الغاية، وقد أشار القرآن الكريم لهذا المعنى في قوله تعالى: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) وليس من حقِّ حاكمٍ أو غيره أن يمنع ما هو مباحٌ بأصل الشَّرع، وحين يرى الظَّالم المستبدُّ من حال الناس وحدةً واتِّفاقاً فإنَّه يهاب الاعتداء عليهم وإثارتهم وقد قيل: لو أنَّ سوط الظَّالم إذا مسَّ جسد إنسانٍ تأوَّهت له ألوفٌ لفكَّر الظَّالم ألف مرَّةٍ قبل أن ينفرد بمظلومٍ لينهشه. وفي سنَّة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النَّار"([34])".• فأقول يادكتور: هل الإسلام يعطي حرِّيَّة الاعتقاد وحرِّيَّة الكلام؟!! فيعتقد المسلم (أو غيره) أي ملَّةٍ وأي عقيدةٍ يريد ولو خالفت شرعَ الله ومنهج السَّلف كعقيدة الخوارج والحلول والاتِّحاد وعقيدة الشِّيعة الرَّافضة والجهمية والمعتزلة والأشاعرة... إلخ، وهل له أن يقول ويتكلَّم بما يريد؟!! فهل الإسلام هو الديموقراطية يا دكتور؟!! أم أنَّك تردِّد وتطرح ما قاله وقرَّره سيد قطب في أمر هذه الحرية ليس إلا تقليداً أعمى يحملك عليه عميقُ التحزُّب لفكره ومنهجه الفاسد؟!!([35])أفلا تستحي يا د. عبد الحي؟!!• وما نحن بصدده هاهنا قولك بحرِّيَّة (الاجتماع والتَّجمُّع...) وجعلك لها من الضمانات الإسلامية بزعمك الفاسد واستدلالك بالآية والحديث الضعيف؛ فهذا ممَّا ينبغي أن تتراجع عنه وتبيِّن خطأه؛ لأنَّ هذا الاجتماع وهذه التَّجمُّعات هي المظاهرات -التي حرَّمتها ومنعْتَها!!- لكنَّك لم تصرِّح بها لفظاً كما هي عادتك في التعميم والتعمية في كتابك هذا الذي مضى عليه أكثر من عشر سنين وزيادة تقريباً.وعليه؛• فإنَّ قولك: "وليس من حقِّ حاكمٍ أو غيره أن يمنع ما هو مباحٌ بأصل الشَّرع..." خطأٌ أيضاً لا بدَّ أن تتراجع عنه تماماً؛ فإنَّك -من ذلك الغير- قد منعْتَها وحرَّمتها هذه المظاهرات، وبالتَّالي فالحاكم المسلم إذا منع هذه المحرَّمات الشَّرعيَّة كالمظاهرات والخروج عليه وإن كان ظالماً لا يُلام مطلقاً بل هذا من حقِّه أن يمنع هذا الحرام بأصل الشَّرع، فهذا يُعان ويؤيَّدُ بالدُّعاء له بالصَّلاح ويُناصَح -سرَّاً- ويُبَيَّن لرعاياه ومن كان في دولته من أهل الإسلام وغيره حرمةُ هذه المظاهرات والثورات وضررها على البلاد والعباد ولو أجازها الحاكم نفسه لأنها حرامٌ بأصل الشرع.وهذا ما يلزمك يا دكتور عبد الحي بعد هذا الرُّجوع تجاه أهل السُّودان وحاكمهم المسلم عمر حسن البشير وفَّقه الله وأصلح له رعيَّته وبصَّره بالحقِّ وأعانه عليه وسدَّده في إقامة العدل والخير ولا ندَّعي عصمةً لأحدٍ بعد الأنبياء والمرسلين، قال -صلَّى الله عليه وسلم-: "كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطائين التوابونَ" [صحيح الجامع].خاصَّةً وهذا الحاكم السُّوداني وحكومته -وفَّقهم الله لكلِّ خيرٍ- قد فتحوا الباب على مصراعيه لكلِّ من حسبوا فيه دعوةَ الناس للإسلام وأصوله السليمة ولك ولغيرك ممَّن على شاكلتك ومنهجك ظنَّاً منهم أنَّك تسير على جادَّة الحقِّ والصَّواب وأنت للأسف على خلاف ذلك وإنْ تظاهرتَ بالوفاق والموافقة لهم، فمن النُّصح له ولدولته وللمسلمين عامَّة -كما جاء في الحديث: "الدِّينُ النَّصيحةُ قلنا: لمن؟ قال: للَّهِ ولكتابِهِ ولرسولِهِ ولأئمَّةِ المسلمينَ وعامَّتِهم" [مسلم]- بيانُ هذه الأحكام الشَّرعيَّة تجاه هذه القضايا من مظاهرات وثورات ومسيرات ودعوات وأحزاب وجماعات وأفكار تخالف منهج الإسلام الصَّافي الذي سار عليه سلف الأمة الصالح.وإنَّ من أخطر هذه القضايا على الإطلاق: بيان خطورة الشِّرك بالله ومظاهره من دعاء غيره والاعتقاد فيه بالنَّفع والضر والتحذير من ذلك على ضوء المنهج العلمي الشرعي وأسلوبه وآدابه، لتقوم حينها البلاد والعباد -بحول الله وفضله- على توحيد الله العظيم وتوقيره والاستقامة على شرعه الحنيف ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة 21]. وكذا بيان خطورة البدع وأهلها والمعاصي والفسوق فيرحم الله حينئذٍ هذه الأمَّة بعفوه وجوده وفضله وخيره ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)) [الأعراف 96]. وقال تعالى: ((وَأَنْ لَوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقَاً)) [الجن 16]. فتوحيد الله العظيم بعبادته وحده لا شريك له وتقواه بطاعته وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بفعل ما أمرت به شريعة الإسلام وترك ما نهت عنه والسَّير الصادق على منهج السلف الصالح -رضوان الله عليهم- في فهم وتحقيق دين الله الإسلام لهو واللهِ أساس الشريعة الإسلامية المتحاكم إليها وأوجب الحقوق على الدول وحكامها وشعوبها وبه سعادتهم وسلامتهم في الدنيا والآخرة إن التزمناه عقيدةً وقولاً وعملاً ودعوةً ورعايةً وإلا فإنَّ الله توعَّد فقال: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)) [طه125]. وذِكْرُ الله تعالى يشمل كل دينه قال تعالى: ((المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ))، ((ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ *بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ))، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الدُّنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها، إلا ذكرَ اللهِ وما والاه وعالِمًا أو متعلمًا" [حسَّنه الألباني في (صحيح الجامع) وغيره].وإنَّ من أخطر الأفكار والمذاهب التي تهدِّد الأمة الإسلاميَّة -وغيرها- وأمنها ووحدتها: فكر ومذهب الخوارج المرَّاق قديماً وحديثاً، فقد قال -صلَّى الله عليه وسلَّم- في قتلاهم: "شرُّ قتلى تحت أديم السَّماء" [حسَّنه الألبانيُّ في (صحيح التِّرمذيِّ)].فكيف بالله عليكم أيها المسلمون بأحيائهم؟!! بل كيف بالله عليكم برؤوسهم ومفكِّريهم ومعلِّميهم ومشعلي فتنِهِم!؟!!!لذلك وغيره يا دكتور عبد الحي لزِمَني نصحاً لك ولغيرك ممَّن تأثَّروا بفكرك من أبناء هذه البلاد السُّودانيَّة على ضوء ما ذَكَرْنا من حقِّ وواجب النُّصح لحاكِمِنا المسلم ودولته -حرسها الله وحماها من كلِّ شرٍّ- ولأهلنا وأبناء وطننا -حفظهم الله تعالى-.أقول: لزمني أن أُنبِّهُك مرَّةً أخرى على كلامٍ سييءٍ لك -لا يقوله من له حظٌّ من العلم النَّافع الصَّحيح القائم على منهج السَّلف الصَّالح- وقفتُ عليه في كتابك بخطِّك (الاستبداد، ص220)؛ حيث قلتَ-مخالفاً للأدلة الشرعية ولما نقلتَه أنت عن أهل العلم وإجماعهم في ذات كتابك-:"من حكم الناس عن طريق الغلبة والقهر بقوة عسكرية أو غيرها مهملاً الشورى معرضاً عن رغبات الناس مستعملاً القمع أو الخداع فهو مستبدٌّ أولاً وآخراً ولو سمَّى نظامه إسلامياً فما غيَّر في الأمر شيئاً".وقلت فيه أيضاً -مبيِّناً على مذهبك ماذا يُعْمَل تجاه الحاكم المتغلِّب الذي سمَّيته مستبدَّاً- (ص19): "فيعلم المؤمن يقيناً أن توحيده لربِّه وطاعته لمولاه توجب عليه مقارعة الظَّالمين وتمنعه من مهادنة المستبدِّين"وقلتَ أيضاً: "خلع الحاكم -أي من الحرِّيَّات في الإسلام- وعدم طاعته إذا استبدَّ: إذا رضي لنفسه أن يخالف شرع ربِّه وأن يحرم النَّاس من حقٍّ أعطاهم ربُّهم إيَّاه فإنَّه باغٍ واللهُ -عزَّ وجلَّ- يقول: ((فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)) ولأنَّه ظالمٌ واللهُ -عزَّ وجلَّ- يقول: ((لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ))"!! [الاستبداد (ص 194)]!!!ومعلومٌ لكلِّ المسلمين في السودان وغيرها كيف جاءت -بعد الله- هذه الحكومة الحاليَّة لبلاد السودان -حرسها الله-!!! كيف تقول ذلك يا دكتور عبد الحي؟ وماذا تريد من المسلمين في هذه البلاد؟ وإلى ما ترمي؟!ثم هاك أيُّها المسلم العاقل الإجماع العلمي الصحيح الذي نقله عبد الحي في كتابه ثمَّ تجرَّأ كل الجراءة بلا حياءٍ أو علمٍ أو أمانةٍ شرعيَّةٍ فخالفه وعارضه ونقضه بنفسه:قال عبد الحي: "يقول الكرماني -رحمه الله تعالى-: «وقد أجمع الفقهاء على أنَّ الإمام المتغلِّب تلزم طاعته ما أقام الجماعات والجهاد إلا إذا وقع كفرٌ صريحٌ فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر»[فتح الباري 10/ 169]" [الاستبداد، ص (210)].ولما كان أيها المسلمون -وفَّقكم الله- حكَّامنا وولاتنا وأمراؤنا ونوَّابهم لم يجعل الله لهم عصمة كغيرهم من البشر سوى الأنبياء والرُّسل -عليهم الصَّلاة والسَّلام- قد يقعون في المعاصي والظُّلم ومخالفة الشَّرع مَنَعَ الإسلامُ عمومَ المسلمين من الخروج عليهم ومصادمتهم لأجل هذه المعاصي والمخالفات ما لم تبلغ حدَّ الكفر البواح الظَّاهر والعياذة بالله -كما في الإجماع السَّابق واللاحق- وتوفَّرت القدرة على التغيير بلا فسادٍ وضررٍ أعظم.فعن عبادة بن الصَّامت -رضي الله عنه- قال: دعانا رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَم- فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايَعَنَا على السَّمع والطَّاعة في منشطنا ومكرهنا وعُسْرِنَا ويُسْرِنا وأثرةٍ علينا وأن لا ننازع الأمرَ أهلَه. قال: "إلاَّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" [صحيح مسلم].وقال د. عبد الحي -ناقلاً الإجماع على ذلك-: "يقول الإمام النَّوويُّ -رحمه الله- في حكم الخروج على الإمام الظَّالم والحاكم الجائر: «وأمَّا الخروج عليهم وقتالهم فحرامٌ بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقةً ظالمين» [شرح النووي لمسلم 12/ 229]" [الاستبداد (208)].فهذان إجماعان ظاهران -في وجوب طاعة السلطان والحكام المتغلِّبين بقوتهم (في طاعة الله) وعدم الخروج على حكام الظلم والجور لمجرَّد جورهم وظلمهم- خالفهما عبد الحي خطَّاهما بيده!!!فالحاكم المتغلِّب عند عبد الحي يُقَارَع إن ظلم أَو استبدَّ (والاستبداد عند عبد الحي: الانفراد بالرَّأي وعدم الشُّورى)([36]).فانظر إلى مدى هذا التَّناقض والتلاعب وإلى أيِّ شيءٍ يجرُّ؟!! لكنَّه ليس بتناقضٍ جاء من د. عبد الحي سهواً أو سقطاً لكنَّه منهجٌ فاسدٌ يؤصِّله ويدعو إِليه ويسعى إِلى إِظهاره مع إِخفائه وإِخفائه مع إِظهاره تارةً أخرى حسب الواقع والحال بأنواعٍ من المكر والتلبيس لكن الله بحمده يقول: ((ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله))!!!أفلا تستحي يا د. عبد الحي!!!هذه المطالب الستة السَّابقة إذا لم تقم بها وتسارع إلى تطبيقها لإِصلاح ما أفسدت بمخالفتك -لأهل العلم والفضل بتأصيلك المتهاوي لتجويز وإباحة المظاهرات والثورات وجواز الخروج على الحكام الظلمة والتكفير بالعموم- وغيرها من المسائل التي فارقت فيها الحقَّ والصَّواب كان رجوعك وتغيير فتواك ليس عن صدقٍ أو علمٍ وأدبٍ وورعٍ وإنَّما دفعك إلى ذلك دافعٌ وحملك عليه حاملٌ، فلا نقول لك حينها إلا ما قال الله تعالى: ((قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [آل عمران 29] وما قال سبحانه وتبارك: ((قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) [الحجرات 16].وأذكِّرك أخيراً يا د. عبد الحي بقول الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [فصِّلت 30]. وبقوله -صَّلى الله عليه وسلَّم-: "إنَّ شرَّ النَّاس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجهٍ"[صحيح مسلم].

ثمَّ قبل إخراج هذه الأوراق وإصدارها -بشهرٍ تقريباً- يقوم د. عبد الحي يوسف للأسف الشديد مرةً أخرى بدعم هذه المظاهرات وتحميس أهلها والدعاء لهم من خلال قناة طيبة ما يدلك أيها القاريء على أن الدكتور عبد الحي يتبع هواه ليس إلا وأنَّه لا زال يحللها ويجيزها وقوله بالحُرمة إنَّما كان عن قصدٍ سييءٍ وتحايلٍ على الإسلام وأحكامه وأهله!!! ربَّما حمَلَه عليه الإحراج بظهور ووقوع بعض المظاهرات في بلاد السُّودان -حرسها الله- ليس العلم والحجَّة والصِّدق فإنَّ الحرام حرامٌ في كلِّ أرض الله وأيَّامه، ولكن الأمر كما قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" [البخاري].
وفي الختام أذكِّر نفسي وإخواني المسلمين في بلاد السُّودان وغيرها بتقوى الله في السِّرِّ والعلن والسَّير الصَّادق الجاد على منهج السَّلف الصَّالح والحرص على العلم النَّافع السَّلفيِّ الأصيل والعمل بمقتضاه وذلك بالارتباط بالعلماء السلفيين وطلاَّبهم والاتِّعاظ والاعتبار بما حدَثَ في بلاد المسلمين من آثار هذه المظاهرات والثورات من دمارٍ وهلاكٍ وفسادٍ وتبدُّلٍ للنِّعم.ولنحذر جميعاً كل الحذر من مضلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بطن ومن فتنة الخوارج في هذا العصر الذين لا يستحون لنشر فكرهم ومنهجهم ليروج بين المسلمين -حفظهم الله- من الانتساب إلى الدَّعوة السَّلفيَّة وأهلها([37]).فالسَّلفيُّون (علماؤهم وطلابهم وأتباعهم) بدعوتهم السَّلفيَّة -بحمد الله وقوته- يتبرؤون كل البراءة من هذا الفكر وأربابه قولاً واعتقاداً وعملاً ومن كلِّ حزبيَّةٍ وطائفيَّةٍ ضيقةٍ شوَّهت الإسلام وصورته([38]).
ثمَّ إظهاراً للحق والحقائق ودفاعاً عن الدعوة السلفية وأهلها وردَّاً للشبهات المثارة حولها وأهلها في شأن هذه المظاهرات والثورات والموقف الشرعي من حكام المسلمين أنقل إليكم أيها المسلمون -وفَّقكم الله- كلاماً لشيخنا العلامة المحدِّث ربيع بن هادي المدخلي -نصره الله وسدَّد خطاه- حيث قال -يحفظه الله- في سياق رده على أعداء الدعوة السلفية ومجيزي المظاهرات والثورات من الخوارج وغيرهم:"ثم إن هذا الصنف من أذناب الغرب ينكر على السلفيين الصادقين التمسك بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح في معاملة الحكام العادلين والظالمين الذين لم يخرجوا من دائرة الإسلام إلى الكفر البواح ويتساءلون كيف سيتعامل السلفيون مع الحكام الجدد؟، وجوابنا عليهم أننا ثابتون على منهجنا الإسلامي المنبثق من كتاب الله ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والذي سار عليه سلفنا الصالح في العقائد والعبادات والمعاملات والسياسة، لن نزيد ولن ننقص من ذلك شيئاً.ولسنا مثلكم كالحرباوات نتلون ونتشكل مسايرة للمتغيرات وتقلبات الأوضاع والحكومات.ومن بوائق هذا الصنف أنهم يتهمون السلفيين بأنهم يؤيدون القذافي الليبي والأسد السوري ونظامه النصيري الباطني، وقد أسرفوا في ترداد هذا الإفك وينشرونه في المواقع.وكذبوا وأفكوا، فعلماء المنهج السلفي يكفرون القذافي وهذا النصيري وطائفته النصيرية الباطنية، ولقد صرَّحت بهذا في مجالسي ودروسي مراراً وتكراراً، وأعتقد أن هذا الصنف يعلم هذا جيداً، ولكنهم قوم بهاتون، ومناهجهم الفاسدة تبيح لهم هذا البهت.أما موقفنا من المظاهرات وما ترتب عليها من فوضى ومذابح ومجازر ذهب ضحيتها ألوف مؤلفة من الأرواح في ليبيا وسوريا.وكم انتُهكت من الأعراض وكم شُردت مِن الأسر وكم دُمرت مِن الممتلكات في هذين البلدين.اسألوا المساكين والشيوخ والعجائز واليتامى الذين قتل آباؤهم في هذه الحروب، والأرامل اللاتي هلك أزواجهن في هذه الفتن وخلفوا لهن أطفالاً يتامى، اسألوا هؤلاء جميعاً هل هم راضون عن هذه الفتن ونتائجها الخطيرة التي تأتي على الأخضر واليابس؟موقفنا من هذه الأمور الاستنكار الشديد وتبرئة الإسلام من هذه الجاهليات التي يرتكبها نظام هذين البلدين وحكامها.ويشاركهم في أوزار ذلك خصومهم دعاة الحرية والديمقراطية المتسببون في هذه الفتن.ونحذر السلفيين وكل من يستجيب لصوت الإسلام من المشاركة في هذه المذابح وما رافقها من تدمير وهتك واسع للأعراض وتشريد لآلاف الأسر؛ لأن الإسلام يحرم هذه الأعمال المتناهية في الوحشية، ويدين أهلها، ولا ناقة له فيها ولا جمل.فبداية هذه الجرائم الديمقراطية والدكتاتورية ونهايتها الديمقراطية التي قد تتحول إلى دكتاتورية.نسأل الله أن يجعل لهذين الشعبين فرجاً ومخرجاً، وأن يوفقهما للتمسك بالإسلام والاعتزاز به، وأن يريحهما من هذه الفتن الهوجاء المدمرة، وأن يحمي بلاد الإسلام من هذه الفتن والشرور".[من مقال (التحذير من الفتن والديمقراطية ومشتقاتها) بتأريخ: 4/10/1433هـ].تنبيهٌ مهمٌّ وتحذيرٌ لكلِّ منسوبي جماعة أنصار السنة وجمعية الكتاب والسنة الخيرية وكليتها العلمية (بجبرة) في السودان!!!ثمَّ أنبِّه أخيراً على خطورة ما يقوم به بعض الأفراد المنسوبين والمنتسبين إلى السنة وأهلها ودعوتهم من تداخلٍ وظهورٍ وانخراطٍ مع د.عبد الحي يوسف وأصحابه من خلال قناة طيبة وإذاعتها وبرامجها الدعوية كرئيس جماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان أبي زيد محمد حمزة -ومدحه للدكتور عبد الحي وقناته ودفاعه عنه بلا وجه حقٍّ([39])- والمدعو محمد الأمين إسماعيل ومحمد سيد حاج([40]) -رحمه الله- وكرئيس جمعية الكتاب والسنة الخيرية بالسودان عثمان الحبوب -كما في برنامج (حديث المنابر) بقناة طيبة بتأريخ: 3/ 11/ 2012م، وغيره– وقد شارك أيضاً رئيسُ هذه الجمعية مع أبي زيد محمد حمزة في ندوةٍ أدارها المدعو محمد الأمين إسماعيل([41]) وهو -أي الحبوب- يعرف تماماً (كما يعرف نفسه واسمه) علاقتَه الوطيدة مع د. عبد الحي المعروف بمخالفته للمنهج السلفي وسيره على طريقته. ولم تكن الجمعية في عهدها القديم تشارك أي جهةٍ دعويةٍ تخالف المنهج السلفي وأهله مما يدلُّك على حقيقة تبدُّل هذه الجمعية وتغيُّرها. فهذا التداخل والتمازج يترتَّب عليه للأسف الشديد زجُّ المسلمين وشبابهم خاصَّة في أحضان هذا الفكر وأربابه وتلميعهم وربط الناس بهم وتشويه صورة الحق وتضييع معالم الدعوة الصحيحة والتغرير بهم في هذه البلاد وصرفهم عن علماء الدعوة السلفية الأعلام ومنهجهم الأصيل السليم -والواجب الشرعي الحتمي خلاف ذلك- وهم وغيرهم في أحوج الحاجات إلى الوضوح والتميُّز في طرح الدعوة وتبليغها صافيةً بيضاء نقيَّة-كما تركها لنا نبيُّ الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم- وتمييزها عما يخالفها من الدعوات الهدَّامة التي من أخطرها على الأمة المسلمة دعوة الخوارج وفكرهم.
وكذا أشير هاهنا باختصارٍ إلى سييء وفاسد صنيع المدعو د. خالد عبد اللطيف وكذا د. حسن الهواري (التابعين لجماعة أنصار السنة) تحت محاضرةٍ بعنوان "فقه الرد على المخالف" [في مارس 2013] مِن طعنِ الهواري وغمزه في فضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- ووصفه بما هو بريءٌ منه بحمد الله تعالى كل البراءة، ما يريد الهواري بسييء قوله هذا -عليه من الله ما يستحق- إلا ليصرف المسلمين وشبابهم -مَن جَهِلَ الحقائق أو غُرِّرَ به- في بلاد السودان عن دعوة الحق السلفية -وما فيها من الخير والنصح والوضوح والتميز- التي يحمل رايتها ويرفعها بفضل الله في هذا العصر فضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي ومن معه من علماء الدعوة السلفية العظيمة -حفظ الله حيَّهم ورحم ميتهم- فعلى الشباب أن ينتبهوا ويهبُّوا من غفلاتهم يقظةً وإقبالاً على هذه الدعوة السلفية المباركة بعيداً عن هذه الدوائر وأهلها، فإنَّ ضحيَّة هذا التمازج والتداخل المذموم -للأسف الشديد- هم شبابنا الغافل والملبَّس عليهم الذين يحسنون الظنَّ بهذه الجهات فعليهم أن ينتبهوا ويحذروا كل الحذر من هذه التصرفات غير السليمة والمخالِفة للحق وأهله والتي سيُسأل عنها أصحابها عند الله يوم القيامة، والدعوة السلفية النقيَّة لا تقرُّ ذلك مطلقاً ولا علماؤها وليس ذلك من التعاون على الخير كما يروِّج له من يروِّج (مِن أهل الأهواء والبدع أو المائعين أو المغرضين وأهل الأغراض) بسييء منهجهم وفكرهم والمتستِّرين باسم السنة وأهلها في أوساط هذه الجهات فإنَّ التعاون على الخير منضبطٌ بمنهج السلف الصالح في دعوتهم وعلمهم، فهل الظهور والمشاركة مع من يحمل فكر ومنهج الخوارج أو مع من يؤيِّده ويمدح أهله ويثني عليهم -وإن كان منتسباً للسنة وأهلها- من التعاون على الخير والدعوة إلى الله؟!! ((مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون))؟!!. وصدق الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- ووُفِّقَ كل توفيقٍ إن شاء الله -نحسبه كذلك والله حسيبه- حينما حذَّر من هذه الجماعات والجمعيَّات لأنها صارت مدخلاً وباباً لتفريق الأمة الإسلامية وضرب الدعوة السلفية من داخلها ووجَّه الأمة وشبابها للعلم النافع وأهله والتعاون عليه بعيداً عن تلك الحزبيات والتكتلات فجزاه الله خيراً وأجزل له المثوبة فقد نطق -سدَّده الله- بشاهد الواقع والله المستعان [راجع فتواه بموقع راية السلف بالسودان]. واللهَ أسألُ أن ينقذ هؤلاء الشباب ويبصِّرَهم بالحق والحقائق وأن يصلح لنا ولهم ديننا الذي هو عصمة أمرنا فإنَّ دعوة الحق بحمد الله منصورةٌ ظاهرة، قال تعالى: ((هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ))... (راجع قريباً بحول الله لتفاصيل الواقع الدعوي بالسودان قديماً وحديثاً وغيره من المسائل "البينات على فتوى ومقالة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى- في جماعة أنصار السنة والجمعيات -السودان مثالاً-").
فـاللهم إنَّا نسألك العافية في الدُّنيا والآخرة، اللهم إنَّا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلنا ومالنا، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.والحمد لله ربِّ العالمينكتبهنزار بن هاشم العباسخريج الجامعة الإسلامية بالمدينة النبويةوالمشرف على موقع راية السلف بالسودانwww.rsalafs.com))وبُيِّضَ ليلة الجمعة، 1/ جمادة الآخرة/ 1434هـالموافق: 11/ 4/ 2013موجزى الله خيراً كلَّ من أعان عليهبعض محتويات الرسالةالمــــــــــوضـــــــــــوعالصفحةالمقدمـــــــــــــــــــــــــــة2تــــمـهيدٌ لابد منــــــــــــــه4خمسة حقوق عظيمة عليها يقوم الحق وشرع الإسلام بكل أصوله وقواعده8كلامُبعضأهلالعلمالسَّلفيينالرَّاسخينالنَّاصحينوفتاواهمفيتحريم المظاهراتوالثورات12بيان خطأ وبطلان فتوى د. عبد الحي يوسف الأولى في تجويز وإباحة المظاهرات والثورات وبيان تناقضه وخطر فكره ومنهجه -ومن سار على طريقته- على أهل الإسلام بالسُّودان (وغيرها) -حكومةً وشعباً- حفظهم الله تعالى وما يلزمه شرعاً تجاه ذلك
17الرد على د. عبد الحي يوسف في جعله المظاهرات عادة ليس إلا!!!23حكم لعن ولاة وحكام المسلمين وسبِّهم وشتمهم (الحاشية)25مراتب الخروج على ولاة الأمر والتحذير من الخوارج القعدية28أصناف المؤيِّدين للمظاهرات والثورات29بعض أقوال د. عبد الحي يوسف في تكفيره بالعموم (الحاشية)31بيان فساد ما يسمَّى بـ(البدائل الإسلامية) أو (فقه البدائل)33الموبقات والشرور العظيمة التي جمعتها المظاهرات والثورات35الرد على من يجيز الإنكار العلني على ولاة أمور المسلمين وبيان أنَّ النصيحة لهم لا تكون إلا سرَّاً مع ذكر أقوال أهل العلم الراسخين في الرد على شبهة الخوارج41ستة مطالب يجب على د. عبد الحي القيام بها إذا أراد الرجوع الصادق والتوبة إلى الله46من تناقضات وتلاعبات د. عبد الحي يوسف!!!55كلام الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى- في الرد على مجيزي المظاهرات والثورات وبيان الموقف الصحيح من حكام المسلمين58تنبيهٌ مهمٌّ وتحذيرٌ لكلِّ منسوبي جماعة أنصار السنة وجمعية الكتاب والسنة الخيرية وكليتها العلمية (بجبرة) في السودان!!!60الخاتمة ووصيَّةٌ وتوجيهٌ للشباب61

([1]) شبكة المشكاة الخيريَّة، وإذاعة ولاية البحر الأحمر.
([2]) راجع قريباً -بعون الله تعالى- كتابتي بعنوان (بيان شيءٍ من الفساد والإفساد في كتاب المدعو د. عبد الحي يوسف "الاستبداد") و(البيِّنات على فتوى ومقالة الشَّيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى- في جماعة أنصار السُّنَّة والجمعيَّات -السودان مثالاً-).
([3]) وكان ذلك قبل أكثر من ستة أشهر، وتأخر إخراجها لأمورٍ وظروفٍ قدَّرها الله تعالى.
([4]) وقد ضعَّف أهل العلم روايته عن ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- لكن المعنى بحمد الله صحيحٌ وثابتٌ عمَّن ذكرهم ابن كثير -رحمهم الله تعالى- وهم تلاميذ ورواة ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- سوى الحسن البصري -رحمه الله-.
([5]) أي الإيمان الكامل الحامل له على ذلك الرجوع. أو ليس من أهل الإسلام والإيمان إذا استحلَّ معتقداً بقلبه أو مصرِّحاً بلفظه عدم وجوب الرجوع للكتاب والسنة والتحاكم إليهما عند النزاع على منهج السلف في باب الإيمان وأحكامه كما هو مقرَّرٌ في كتب العقائد السلفية.
([6]) ((وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)) ما هم إلا متخرِّصون، يظنُّون ويوقعون حزراً لا يقين علم. يقال منه: "خرص يخرص خرصاً وخروصاً" أي كذب، و"تخرَّص بظَنٍّ"، و"تخرَّص بكذبٍ"، و"خرصت النخل أخرصه"، و"خرصت إبلك" أصابها البرد والجوع. اهـ [من تفسير ابن جرير في سورة (الأنعام)].
([7]) عن سهل بن سعد السَّاعدي -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "أنا فرطكم على الحوض، من ورَدَه شرِبَ منه ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً. لَيَرِدَنَّ عليَّ أقوامٌ أعرفهم ويعرفونني"قال أبو حازم: فسمعني النُّعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعتَ من سهل؟ فقلت: نعم، فقال: أشهد على أبي سعيدٍ الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: "فأقول: إنَّهم منِّي، فيقال: إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي" [صحيح البخاريّ].
([8]) ولا يعني هذا الحديث مطلقاً كما بيَّن أهل العلم أنَّ كل من خالف منهج الحق أنَّه كافرٌ وأنَّه في النار ذلك لأنَّ المخالَفة قد تكون عن جهلٍ أو شبهةٍ أو أمرٍ عارضٍ ونحو ذلك، وقد عُلِمَ بالنصوص أنَّ مِن أهل الإسلام والإيمان مَن يدخل النار بعصيانه ثم لا يخلد فيها ويرحمه الله بعد تطهيره بجنة الخلد. راجع في هذا (السلسلة الصحيحة 1/ 358).
([9]) كالمدعو الأمين الحاج محمد أحمد السوداني. راجع قريباً بحول الله تعالى مقالاً حول منهجه وبعض أقواله.
([10]) لكنه يعي ويعرف منهجه -المخالف- للحق وأهله الذي يدعو إليه ويؤصِّل له!!!
([11]) قصر النَّصيحة لولاة الأمر على السِّرِّ دون العلَن هو الحقُّ الذي لا ريب فيه لأجل النُّصوص الثَّابتة في ذلك وما كان عليه سلف الأمَّة الصَّالح. وهنالك ردٌّ على عبد الحي في هذه المسألة فراجعه في (بيان شيءٍ من الفساد والإفساد في كتاب المدعو د. عبد الحي يوسف "الاستبداد") وانظر (ص40) من هذه الرسالة.
([12]) النِّيق: أرفعُ موضعٍ في الجبل، والجمع: أنياقٌ ونيوقٌ. وقيل: النِّيق: الطَّويل من الجبال [لسان العرب]. وقال الشيخ العلامة حمَّاد الانصاري -رحمه الله تعالى-:العلم ليس بقرقرٍ بل في ذرى نيقٍ تفوتُ مدى البُزاةِ الصُّيَّدقال الجوهريُّ في (الصِّحاح): والقرقر: القاع الأملس.
([13]) قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "إنَّ من النَّاس مفاتيح للخير مغاليق للشَّر، وإنَّ من النَّاس مفاتيح للشَّرِّ مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويلٌ لمن جعل الله مفاتيح الشَّرِّ على يديه" [حسَّنه الألبانيُّ بمجموع طرقه في (السِلسلة الصَّحيحة)].
([14]) ولم يخالفهم إلا جاهلٌ أو عالم سوءٍ وهوى. وقد سئل الإمام مالك -رحمه الله- عمَّا يرخص فيه أهل المدينة من الغناء -المحرَّم-، فقال -رحمه الله-: "لا يفعله عندنا إلا الفسَّاق". وما نُسِبَ إلى ابن حزمٍ -رحمه الله- في تجويز المعازف والموسيقى والغناء المحرَّم لأجل تضعيفه لحديث البخاريِّ: "ليكونَنَّ من أمَّتي أقوامٌ يستحلُّونَ الحِرَ والحريرَ والخمرَ والمعازِفَ ولينزلَنَّ أقوامٌ إلى جنبِ عَلَمٍ يروحُ عليهم بسارحةٍ لهم يأتيهِم -يعني الفقير- لِحاجةٍ فيقولوا: ارجِع إلينا غدًا، فيبيِّتُهمُ اللَّهُ ويضَعُ العَلَمَ ويمسخُ آخرينَ قِرَدةً وخنازيرَ إلى يومِ القيامَةِ"؛ فيُجابُ عنه كما بيَّن علماؤنا أنَّ الحديث بحمد الله صحيحٌ لأنَّه موصولٌ ثابتٌ عند أبي داوود في سننه [راجع كتاب الألبانيِّ -رحمه الله-: "تحريم آلات الطَّرب"]. كما أنَّ حرمتها ثابتةٌ بغير هذا النَّصِّ فقد قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى: ((وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ))، قال: "الغناء، والله الذي لا إله إلا هو (يرددها ثلاث مرات)" [تفسير ابن جرير]. وكذا ما ثبت في حديث أبي مالكٍ الأشعري -رضي الله عنه-: "ليشرَبنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها، يُعزَفُ علَى رءوسِهِم بالمعازفِ، والمغنِّياتِ، يخسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأرضَ، ويجعَلُ منهمُ القِرَدةَ والخَنازيرَ" [صحيح ابن ماجه]. وقد وقفتُ -بفضل الله- على كلامٍ لابن حزمٍ -رحمه الله- في كتابه (المحلَّى) يفيد تحريمه للأغاني والموسيقى وجعله لها من الشُّروط الباطلة إذا اشترطت في عقد النِّكاح كالتَّزفين (التَّصفيق - التَّصدية)؛ قال -رحمه الله- في (المحلَّى) بعد إيراده حديث: "إنَّ أحقَّ الشُّروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"؛ قال: "هذا خبرٌ صحيحٌ، ولا متعلَّق لهم به، لأنَّهم لا يختلفون معنا ولا مسلمٌ على ظهر الأرض: في أنَّه إن شَرَطَ لها أن تشرب= =الخمر، أو أن تأكل لحم الخنزير، أو أن تدَعَ الصَّلاة، أو أن تدَعَ صومَ رمضان، أو أن يغني لها، أو أن يزفن لها ونحو ذلك: أنَّ كل ذلك باطلٌ لا يلزمه. فقد صحَّ أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يرد قط في هذا الخبر شرطاً فيه تحريم حلالٍ أو تحليل حرامٍ أو إسقاط فرضٍ أو إيجاب غير فرضٍ؛ لأنَّ كل ذلك خلافٌ لأوامر الله تعالى ولأوامره عليه الصَّلاة السَّلام" انتهى كلامه -رحمه الله-. فربَّما كان يجوِّزها في بداية حياته العلميَّة التي بدأها متأخِّراً ثمَّ ظهرت له بعدُ الحقائق والحمد لله.وكان سبب الوقوف على هذا النص من كلام ابن حزمٍ -رحمه الله- بعد توفيق الله طلب شيخنا العلامة حماد الأنصاري -رحمه الله- البحث والنظر في مسألةٍ علميَّةٍ في (المحلَّى) تحت باب النكاح بمكتبته العامرة ففي أثناء البحث وجدته فقيَّدته، والحمد لله أوَّلاً وآخراً ورحم الله شيخنا برحمته الواسعة وبارك في عقبه.
([15]) إفادةٌ من بعض طلاَّب هذه الجامعة من قبل أكثر من 14 سنة تقريباً.
([16]) قبل أن يستعمر المستعمر الكافر كثيراً من بلاد المسلمين ويبذر فيها بذور شره وضلاله والتي من أخطرها ما خلفه وراءه من تعاليمه وأخلاقياته وأفكاره التي تبناها عنه نيابة من اغترَّ به وتشبه من بعض أبناء المسلمين -أصلحهم الله- إلى يومنا هذا!!!
([17]) وهذا الإخبار عن اللعن إخبارٌ عن الواقع والحال ولا يعني جواز لعن ولاة وحكام المسلمين وسبِّهم وشتمِهم مطلقاً كما فهمه السلف الصالح وعلماء الأمة -رحمهم الله- خلافاً لمن خالَفَهم من الخوارج وأهل البدع. فإنَّ لعنهم وسبَّهم تعييناً ينافي نصحهم سرَّاً وجمع الكلمة عليهم وتعظيمهم وقد قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله" [حسنه الألباني في (صحيح الجامع)]. قال فضيلة الشيخ الدكتور عبد السلام بن برجس -رحمه الله تعالى-: «وأما عقوبة مَن وقع في سبِّ الإمام فقد جعلها الفقهاء -رحمهم الله تعالى- عقوبةً تعزيريَّةً:ففي (المقنع) قال الموفَّق ابن قدامة: "وإنْ أَظْهَرَ قومٌ رأي الخوارج ولم يجتمعوا لحربٍ لم يتعَرَّض لهم، فإن سبُّوا الإمام عزَّرهم" انتهى. فإن عرَّضوا بسبِّ الإمام ولم يُصَرِّحوا عُزِّروا -أيضاً- رجَّحه المرداوي في (الإنصاف) وغيره.وقال الماوردي -رحمه الله-: "فإن صرَّح الخوارج بسبِّ الإمام وسبِّ أهل العدل عُزِّروا للأذى وذبَّاً عن منصب الإمامة. وإن عرَّضوا به من غير تصريحٍ ففي تعزيرهم وجهان: أحدهما: لا يعزرون؛ لأنَّ عليَّاً -رضي الله عنه- لم يعزِّر من عرَّض... والثاني: إنَّهم يعزَّرون؛ لأنَّ الإقرار على التعريض مفضٍ إلى التَّصريح، فكان التعزير حاسماً لما بعده من التصريح" انتهى.وقال ابن فرحون -رحمه الله- في (تبصرة الحكَّام): "ومن تكلَّم بكلمةٍ لغير موجبٍ في أميرٍ من أمراء المسلمين لَزِمَتْه العقوبة الشديدة ويُسْجَنُ شهراً. ومن خالف أمراً وقد كرَّر دعوَتَه فقد لَزِمَتْه العقوبة الشديدة بقدر اجتهاد الإمام" انتهى» [عقيدة أهل الإسلام فيما يجب للإمام (ص63-64)].
([18]) بل أخبرني الثقة أنَّ د. عبد الحي يفعل ذلك ويجلس في المآتم!!!
([19]) روى أبو داود في مسائل أحمد عن عبد الله بن محمد الصعيف أنه قال: "قُعَّدُ الخوارج هم أخبث الخوارج"[ص (271)].
([20]) راجع أقواله في ذلك -أي التكفير بالعموم- (البينات) و(بيان شيء من الفساد والإفساد) كقوله: "أمَّا واقع المسلمين المعاصرين فإنَّه يشهد بأنَّ كثيراً من حكَّامهم كفَّارٌ لا مجرَّد ظالمين إذ (أنَّهم) محاربون لله ورسوله بما يسوسون به الرَّعيَّة من أحكام ظالمة وقوانين وضعيَّة... والجواب: أنَّ القول بكفر من كانت هذه حاله ليس بعيداً" [الاستبداد (ص208)]. وكقوله: "أما حين تتهاون الدولة المسلمة في أمر هذه الحدود وتعمل على تفويتها وتعطيلها، فقد فتحت على نفسها أبواباً من الذل والفقر والمهانة مع ما يستتبعه ذلك من شيوع الفوضى واضطراب النظام وإسقاط صفة الإسلام عنها وتسويغ الخروج عليها والشغب على ولي الأمر فيها، والدخول تحت طائلة الذم الإلهي في القرآن ((أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون))" [الدولة في الإسلام (ص85)]... إلخ.
([21]) راجع كلام محمد حسان بصوته في (المرفقات).
([22]) راجع قريباً بحول الله تعالى (إرشاد مريد الطريقة النبوية إلى حقيقة التصوف والصوفية).
([23]) قد كان الصحابة -رضي الله عنهم- الذين كانت فيهم أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- مجتهدين مريدين للحق والخير بعيدين كل البعد عن حظوظ النفس ومصالحهم كما بيَّن علماء الدعوة السلفية قديماً وحديثاً، ولذا قالوا في كتب عقائدهم بوجوب السكوت عما شجر بين الصحابة من القتال والاختلاف -إلا لبيان الحق والصواب ورد الشبهات- لأنهم ما بين مصيبٍ له أجران ومخطيءٍ في اجتهاده له أجره -يعني باجتهاده- وجعلوا إثارة ذلك ونشره بين الناس من البدع والفتن والضلال، فكيف بمن جعل ذلك -كعبد الحي يوسف ومن على شاكلته- أصلاً ودليلاً؟!!
([24]) يعني حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية" الحديث.
([25]) لأنه لم يسلك المسلك العلمي الشرعي في تغيير فتواه وقوله كما ستراه بل تلاعَب وتحايَل!!!
([26]) وقد قام المدعو أبو إسحاق الحويني وغيره باستقباله عند وصوله إلى مصر وصبَّ عليه هالات الثناء والغلو!!! ((قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)).
([27]) راجع الحاشية رقم (20) في (ص31).
([28]) في (البينات) و(بيان شيء من الفساد والإفساد).
([29]) وأما ما ثبَتَ عن عليٍّ -رضي الله عنه- خلافُه من تحريقه للسبئيَّة (نسبةً لعبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسَّس فكر الشيعة والخوارج) حينما ألَّهوه -والعياذة بالله- فيمكن حمله وتعليله بما يأتي:1- أنَّه اجتهد فرأى أنَّه يجوز تحريقهم لأنهم كفروا بجرمٍ عظيم وذلك لأنه ربَّما -رضي الله عنه-:2- فَهِمَ من النص عدم التحريم المطلق وأنَّه يجوز بحسب حال وواقع المخالف مستحق العقوبة، وقد ثبت أن النبي-صلى الله عليه وسلم- همَّ بتحريق من ترك الجُمَع والجماعات. وقد ثبت في التأريخ الإسلامي أنَّ العلماء حكموا بالردة على الحلاَّج وحرَّقوه مع الحد لادِّعائه الألوهية.3- أو أنَّه -رضي الله عنه- لم يبلغه هذا النص. وعلى كلٍّ فهو مجتهدٌ مطلقاً لا محالة.
([30]) والتَّصفيق كما هو معلومٌ شرعاً من عبادات وعادات أهل الكفر، قال تعالى: ((وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً)) فجاء الإسلام فحرَّمه على الرجال، وأباحه للنساء في الصلاة كما في حديث سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "مالي رأيتكم أكثرتم التصفيق، من رابه شيءٌ في صلاته فليسبِّح، فإنَّه إذا سبح التفت إليه، وإنَّما التَّصفيق للنساء" [البخاري]. فمن فعَلَه فقد وقع في محظوراتٍ عظيمة:- مخالفة الشريعة.- مشابهة الكفار.- ومشابهة النساء!!!
([31]) في (بيان شيءٍ من الفساد والإفساد في كتاب المدعو د. عبد الحي يوسف "الاستبداد").
([32]) كما في كتابه الاستبداد السِّياسي (ص 107).
([33]) راجع كلمةً حول هذه الشهادات وبعض أصحابها في رسالة [عون الحميد المجيد بكشف تلبيس السوداني المدعو وليد (من أصحاب المبتدع يحيى الحجوري اليمني) (ص 11-12)].
([34]) راجع (ضعيف الترمذي)، وقد صحَّحه الألبانيُّ -رحمه الله- دون زيادة "ومن شذَّ شذَّ في النَّار". وعبد الحي يكثر الاستدلالَ بالضعيف والمتهاوي من كلام المخالفين للحق وأهله.
([35]) انظر كتاب الشيخ العلامة د. ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى- (العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم) ورده وإبطاله لهذه المقولة، وراجع موقع راية السلف أيضاً لتقف على فتاوى العلماء في ذلك.
([36]) كما في كتابه (الاستبداد) مع معانٍ أخرى ذكَرَها.
([37]) كما فعله ويفعله المدعو محمد سرور نايف زين العابدين القطبي السُّوري المقيم ببريطانيا الذي أصَّل لفكر الخوارج في هذا العصر ويسعى إلى تعميته ودسِّه تحت مسمَّى أهل السُّنَّة والجماعة ليضلِّل المسلمين وشبابهم باسم الدَّعوة السَّلفيَّة والذي زار السُّودان ثلاث مرَّاتٍ آخرها كان قبل ثلاث سنوات التقى فيها مع أتباعه وأبناء حزبه كالدكتور عبد الحي يوسف والمدعو محمد عبد الكريم وغيرهما من أصحاب قناة وإذاعة طيبة ومنظمَّة المشكاة الخيريَّة وجمعيَّة ذي النُّورين الخيريَّة وجمعيَّة الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة!! [جريدة المحرِّر 7/ 6/ 2010م، ع(190)].
([38]) وما وَقَعَ في الفترة القريبة الماضية من حادِثَتَي محافظة (الدِّندر) -وقبلها في ضاحية (السَّلَمة) بالخرطوم، وكذا بـ(الجرَّافة)- وتهوُّر أولئك الشباب وغلوُّهم وتعدِّيهم على الأنفس والممتلكات ما هو إلا مظهرٌ من مظاهر وأفعال الخوارج لا يمتُّ إلى الإسلام بصلةٍ فضلاً عن الدعوة السلفية وأهلها بل هو أعظم شاهدٍ على خطر هذا الفكر الذي أشعله ولا يزال د. عبد الحي ومن معه ومن تفرَّع عنهم.
([39]) "ولتقف -بارك الله فيك- على أقوالٍ ومجازفاتٍ لرئيس هذه الجماعة -أصلحه الله- كثنائه على عبد الحي يوسف، وتجويزه الدراسة المختلطة بين الجنسين، وتجويزه أيضاً تعليم ودعوة النساء بلا ساتر!!، وصلاته على أسامة بن لادن وجعله إياه من المُجاهدين والشهداء، وقد علم ويعلم كل سلفي وعاقل أنَّ ابن لادن من رؤوس الخوارج في هذا العصر وجرَّ وفكرُه على الأمة الإسلامية الويلات والنكبات إلى يومنا هذا، فانظر في كتابتي -بحول الله تعالى- قريباً ((البينات على فتوى ومقالة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- في جماعة أنصار السُّنة والجمعيات-السودان مثالاً-)) حتى تحذر وتنتبه و تسير على هُدى من ربك -بحول الله تعالى- وفـقـنا الله لمرضاته" [من مقال (التذكير والتبصير بكلام العلماء في حكم التصوير)].
([40]) راجع (البينات) لتقف على حقيقة منهجهما وأقوالهما المخالفة للحق والصواب، كالثناء على سيد قطب والدفاع عنه وعن كتبه، والطعن في ولاة الأمر، والقول بالعمليات الانتحارية، وتجويز محمد سيد حاج للشباب الانتماء للجماعات الإسلامية المخالفة كالقطبيين والتبليغ وحزب التحرير والانخراط فيها وجعله لها محاضن تربوية!، وتقرير منهج الموازنات... إلخ.
([41]) كما أرشَدَ د. صلاح الأمين (عضو الجمعية ورئيس مجلسها العلمي وعميد كليتها العلمية بجبرة) إلى الاستفادة منه حينما سئل في جمعٍ بمسجد الكلية عن الحضور عند محمد الأمين إسماعيل والاستماع له [شريط مسجل] مع أنَّه سابقاً كان يحذِّر منه ويقول: قولوا لمحمد الأمين: "صلاح الأمين يقول عنك أنت سروري"!!!، ما يدلُّك على مدى عمق التغير والتبدل في هذه الجمعية. نسأل الله العافية. وراجع قريباً بحول الله (إنه ليس بالأمين قولك يا د. صلاح الأمين!! وليس بمرتضى قولك يا د. مرتضى!!!).==========الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
لقد وجدت للشيخ ابن الجبرين –هداه الله- فتوى في موقعة حول ما يسمى بالجامية ، فتطاير بها أهل البدع من حزبيين وتكفيريين ومميعة ونشروها في مواقعهم ، وأصبح الشيخ ابن الجبرين –هداه الله- بين ليلة وضحاها من كبار العلماء وشيخ الإسلام في هذا الزمان – في حين قبل أن تنشر فتاويه الأخيرة حول ابن لادن وسيد قطب والجامية لم يكن معروفا لديهم بل وكان من علماء السلطان وما شابه ذلك- هذه عادة أهل البدع
فالروافض يستدلون بأقوال شاذة لأهل السنة ضد أهل السنة .
فأراد هؤلاء الحزبيون أن يسقطوا أهل السنة ويهدموا ما بنوه من سنوات في محاربة الشرك والبدعة والدعوة إلى التوحيد والسنةلكن هيهات هيهات ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ) (رواه البخاري من حديث المغيره بن شعبة برقم : 6881)
وعند مسلم (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق. لا يضرهم من خذلهم. حتى يأتي أمر الله وهم كذلك )(عن ثوبان برقم 1920)
وبما أن لهذه الفتوى إنتشارا واسعا ، ولبّست على كثير من المسلمين أمر دينهم وجعلها البعض مطية للطعن في علمائنا ، رأيت أن أرد عليها بما أوتيت من علم – والذي هو قليل جدا- ومن باب النصيحة لعامة المسلمين ومن باب من رأى منكم منكرا فليغير وذلك بقدر الإستطاعة ، وأنا أغيرها بإذن الله بلساني ، لعل الله يهدي بها بعض الملبّس عليهم .
وقبل ذلك أنقل فتوى الشيخ الجبرين بلفظها ، ثم أشرع في الرد عليها بالتفصيل.
= = = = = = = =
سئل الشيخ ابن جبرين –هداه الله- عن الجامية كما في موقعه فقال :"[COLOR="Navy"]الجامية قوم يغلب عليهم أنهم من المتشددين على من خالفهم،والذين يحسدون كل من ظهر وكان له شهرة فيدخلوا عليهم، ويصدق عليهم الحسد فلأجل ذلك صاروا يتنقصون كل من برز من العلماء ويعيبونهم ويتتبعون عثراتهم ويسكتون عن عثرات بعض فيما بينهم، ونسبتهم إلى أول من اظهر ذلك وهو محمد أمان الجامي وقد توفي وأمره إلى الله تعالى، هذا سبب تسميتهم."[/COLOR]وهذا الرابط الصوتي لجواب الشيخ عبر شبكة الانترنت :[url]http://207.44.196.190/voice/ALGBREEN.ram[/url]
= = = = = = = =
فأقول وبالله التوفيق :
قال -هداه الله-: " الجامية ...."قلت :والرد عليه من أوجهالأول : هذا يعد من التنابز بالألقاب قال عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }[ الحجرات :11].قال الإمام إبن العربي المالكي –رحمه الله- في أحكام القرآن (4/111) بعدما ذكر الآية السابقة : " فيها أربع مسائل :المسألة الأولى : النَبز هو اللّقب ، فقوله :{ لا تنابزوا بالألقاب }، أي لا تداعوا بالألقاب ، واللقب هنا إسم مكروه عند السامع " اهـقال الحافط إبن كثير –رحمه الله- في نفسيره (7/251) : " وقوله تعالى: {ولا تنابزوا بالألقاب} أي لا تداعوا بالألقاب, وهي التي يسوء الشخص سماعها. " اهـ

قال العلامة السعدي –رحمه الله- في تفسيره ( ص: 769) : { ولا تنابزوا بالألقاب }، أي : لا يعير أحدكم أخاه ، ويلقبه بلقب يكره أن يقال فيه ، وهذا هو التنابز ، وأما الألقاب غير المذمومة ، فلا تدخل في هذا "اهـ
فيا شيخ الجبرين : هل من تسميهم بالجامية يرتضون هذا الإسم ؟كلا والله فهم لا يرضون لأنفسهم هذا الإسم ولا يعرفون به وإذا قلت لأحدهم : هل أنت جامي ؟لرد قائلا : بل أنا سلفي أو من أهل السنة والجماعة أو أثري أو سني أو من أهل الحديث.فلهذا لا يجوز لأحد أبدا أن يسميهم بالجامية ولا مدخلية ولا وهابية .
الوجه الثاني: هذا يعد من الغيبة المحرمة إن لم يكن بهتانا .وربنا عز وجل نهانا أن يغتب بعضنا بعضا قال عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ }[ الحجرات : 12]والغيبة كما عرفها صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أنه قيل:يارسول اللّه، ما الغيبة؟ قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".[ البخاري برقم :4874]
الوجه الثالث : أنه من علامات وسمات أهل البدع التي نص عليها أهل العلم قصد انتقاص أهل السنةقال أبو حاتم الرازي –رحمه الله- : " علامة الجهمية : تسميتهم أهل السنة مشبهة وعلامة القدرية :تسميتهم أهل الأثر مجبرة ، وعلامة المرجئة تسميتهم أهل السنة مخالفة ونقصانية ، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل السنة ناصبة ولا يلحق أهل السنة إلا إسم واحد ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء "[ شرح أصول الإعتقاد 1/179]
وقال الإمام الصابوني –رحمه الله- معلقا: " قلت أنا : وكل ذلك عصبية ولا يلحق أهل السنة إلا إسم واحد ، وهو أصحاب الحديث "[عقيدة السلف وأصحاب الحديث ً:110]وقال الإمام البربهاري –رحمه الله- : " والمستور من بان ستره والمهتوك من بان هتكه وإذا سمعت الرجل يقول فلان ناصبي فاعلم أنه رافضي وإذا سمعت الرجل يقول فلان مشبه أو فلان يتكلم بالتشبيه فاعلم أنه جهمي وإذا سمعت الرجل يقول تكلم بالتوحيد واشرح لي التوحيد فاعلم أنه خارجي معتزلي أو يقول فلان مجبر أو يتكلم بالإجبار أو تكلم بالعدل فاعلم أنه قدري لأن هذه الأسماء محدثة أحدثها أهل البدع ."اهـ[شرح السنة للبربهاري ص52]
وقال الإمام الصابوني- رحمه الله- : " وعلامات أهل البدع على أهلها بادية ظاهرة ، وأظهر آياتهم وعلاماتهم : شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واحتقارهم لهم ,استخفافهم بهم وتسميتهم إياهم حشوية ,جهلة وظاهرية ومشبهة ...."[ عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص:109]وقال أيضا –رحمه الله- : " أنا رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة –لا يلحقهم شيء منها فضل من الله ومنة- سلكوا معهم مسلك المشركين –لعنهم الله- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنهم اقتسموا القول فيه : فسماهم بعضهم ساحرا وبعضهم كاهنا وبعضهم شاعرا وبعضهم مجنونا وبعضهم مفتوانا وبعضهم مفتريا مختلقا كذابا وكان النبي صلى الله عليه وسلم من تلك المعايب بعيدا بريئا ولم يكن إلا رسولا مصطفى نبيا قال الله عز وجل : { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} وكذلك المبتدعة –خذلهم الله- اقتسموا القول في حملة أخباره ونقلى آثاره ورواة أحاديثه المقتدين به المهتدين بسنته المعروفين بأصحاب الحديث....."[عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص: 111]فيا شيخ الجبرين هل ترضى أن تكون من هؤلاء وتسلك سبيلهم ؟؟
الوجه الرابع:وهو عبارة عن سؤال للشيخ الجبرين –هداه الله-لو أن أحدهم جاء وسألك قائلا : يا شيخ مارأيك أو ما تقول في البازية أو العثيمينية أو الألبانية أو الفوزانية ؟؟فما يكون موقفك ؟أو إذا قال لك ما قولك في الجبرينية ؟فما يكون موقفك ؟فلعل الفكرة وصلت للقارئ والرد بادر في ذهنه ، لهذا لن نرد فالسؤال عبارة عن جواب

الوجه الخامس :الذي يسميهم جامية هي نسبة للشيخ العلامة محمد أمان الجامي –رحمه الله- جبل التوحيد والعقيدة ، الذي تصدى للمشركين والملحدين وأهل البدع .وسبب تسمية أهل السنة بهذا الإسم –زعما منهم- أن الشيخ أمان كان يطعن في الدعاة، ويحذر منهم ومن سلك سبيله فهو منه .ومن أبرز أولئك الدعاة الذي يتباكون من أجلهم ويسقطون أهل السنة بسببهم : سلمان العودة وسفر الحوالي وعائض القرني .فالشيخ أمان رد عليهم وكشف بدعهم التهييجية الخارجية بالحجة والدليل فلم يجد هؤلاء القوم إلا سبيل الطعن والرمي بالألقاب لأنهم أفلسوا من العلم .
والغريب في الأمر نجد أن كبار العلماء وعلى رأسهم العلامة بن باز والعلامة إبن عثيمين والعلامة الألباني –رحمهم الله- قد ردوا على هؤلاء بمثل رد الشيخ أمان بل وأشد .
وأنا سأنقل لك طرفا من ذلك :1- عقد في منزل الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- بمكة في شهررجب عام 1413هـ مجلس ضم مجموعة من المشايخ وطلبة العلم ،وقد سأله أحد القضاة فقال : سماحة الشيخ هل هناك ملاحظات وأخطاء على سفر وسلمان ؟فأجاب فضيلة الشيخ :" نعم ،نعم عندهم نظرة سيئة في الحكام ورأي في الدولة وعندهم تهييج للشباب وإغراء لصدور العامة وهذا من منهج الخوارج وأشرطتهم توحي إلى ذلك"
قال القاضي : يا شيخ هل يصل بهم ذلك إلى حد البدعة ؟قال الشيخ : " لا شك إن هذه بدعة اختصت بها الخوارج والمعتزلة هداهم الله هداهم الله .
2-خطاب الشيخ إبن باز –رحمه الله- إلى الأمير نايف بن عبد العزيز رقم(م/ب/4/192م ص) وتاريخ 21-22/3/1313هـوهم معروف لا يحتاج أن يذكر وملخصه أن لديهما أخطاء تضر بالمجتمع
3-وفي لقاء بين طلبة علم من الجزائر والشيخ العثيمين –رحمه الله- سئل –رحمه الله-وأيضا يا شيخ يسمعون أشرطة سلمان بن فهد العودة وسفر الحوالي هل ننصحهم بعدم سماع ذلك ؟الشيخ : بارك الله فيك ، الخير الذي في أشرطتهم موجود في غيرها ، وأشرطتهم عليها مؤاخذات بعض أشرطتهم ماهي كلها ولا أقدر أميز لك ، -أنا- بين هذا وهذا .السائل : إذن تنصحنا بعدم سماع أشرطتهم ؟الشيخ :لا أنصحك بأن تسمع أشرطة الشيخ ابن باز والشيخ الألباني أشرطة العلماء المعروفين بالإعتدال وعدم الثورة " اهـ
4- وعرض على الشيخ الألباني -رحمه الله- كتب سفر الحوالي "ظاهرة الإرجاء" فقال:" أما الآن فخطر في بالي أن أقول بالنسبة لهؤلاء –هنا- تجوابا مع كلمة الذين خرجوا في العصر الحاضر وخالفوا السلف في كثير من مناهجهم فبدا لي أن اسميهم : "خارجية عصرية..."
ومن أراد أن يعرف المزيد من أقوال العلماء في هؤلاء يرجع إلى رسالة "إتحاف البشر بكلام العلماء في سلمان وسفر"والأغرب أن هؤلاء قد رجعوا عن بعض أخطائهم التي ردها عليهم الشيخ أمان وغيره

مثال ذلك : - تحذيرهم من الخوارج في المملكة العربية السعودية-تحذيرهم من تنظيم القاعدة في بلدان المسلمين-التبرء من أسامة بن لادن وقاعدته- مبايعنهم لحكام المملكة علنا
فكما قال ابن الدرداء –رضي الله عنه- " الضلالة كل الضلالة أن تعرف ماكنت تنكر وتنكر ماكنت تعرف"
الوجه السادس :إنّ الشيخ أمان الجامي –رحمه الله- من كبار العلماء المشهود لهم بالعلم وسلامة المعتقد من طرف أهل العلم ، وهو كثير والحمد لله ومن كبار أهل العلم
وهاك طرفا من ذلك :1- الإمام عبدالعزيز بن باز – رحمه الله –قال في كتابه رقم 64 في 9/1/1418هـ عن الشيخ محمد أمان: معروفٌ لديَّ بالعلم والفضل و حسن العقيدة، و النشاط في الدعوة إلى الله سبحانه والتحذير من البدع و الخرافات غفر الله له و أسكنه فسيح جناته و أصلح ذريته وجمعنا و إياكم و إياه في دار كرامته إنه سميع قريب ا.هـ.
2-وقال الشيخ العلامة صالح الفوزان في كتابه المؤرخ 3/3/1418هـ : الشيخ محمد أمان كما عرفته: إن المتعلمين و حملة الشهادات العليا المتنوعة كثيرون, و لكن قليلٌ منهم من يستفيد من علمه و يستفاد منه، و الشيخ محمد أمان الجامي هو من تلك القلة النادرة من العلماء الذين سخَّروا علمهم و جهدهم في نفع المسلمين و توجيههم بالدعوة إلى الله على بصيرة من خلال تدريسه في الجامعة الإسلامية وفي المسجد النبوي الشريف وفي جولاته في الأقطار الإسلامية الخارجية و تجواله في المملكة لإلقاء الدروس و المحاضرات في مختلف المناطق يدعو إلى التوحيد و ينشر العقيدة الصحيحة ويوجِّه شباب الأمة إلى منهج السلف الصالح ويحذِّرهم من المبادئ الهدامة و الدعوات المضللة. و من لم يعرفه شخصياً فليعرفه من خلال كتبه المفيدة و أشرطته العديدة التي تتضمن فيض ما يحمله من علم غزير و نفع كثير ا.هـ.
وهناك المزيد من التزكيات لكن اقتتصر على ما سبق خشية الإطالة وإلا فهي معروفة لدى كبار الحزبيين وصغارهم .فيا شيخ الجبرين هل نأخذ بفتواك المجملة المبهمة الظالمة الجائرة أم بفتاوى كبار العلماء المفصلة العادلة ؟؟
ويا شيخ الجبرين هاك كلاما للشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان –حفظه الله-

سئل الشيخ العلامة صالح الفوزان( شرح النونية): أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة : يقول بعض الناس أن هناك فرق قد خرجت اسمها الجامية حتى أطلقوها عليك فماأدري من أين أتوا بهذا الاسم ولماذا يطلقونها على بعض الناس ؟

الجواب : هذا من باب ، يعني من باب الحسد أو البغضاء فيما بين بعض الناس ، ما فيه فرقة جامية ما فيه فرقة جامية ، الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله نعرفه من أهل السنة والجماعة ، ويدعوا إلى الله عز وجل ما جاء ببدعة ولا جاء بشيء جديد ، ولكن حملهم بغضهم لهذا الرجل إنهم وضعوا أسمه وقالوا فرقة جامية ، مثل ما قالوا الوهابية ، الشيخ محمد بن عبدالوهاب لما دعا إلى التوحيد إخلاص العبادة لله سمو دعوته بالوهابية ، هذه عادة أهل الشر إذا أرادوا مثل ما قلنا لكم ينشرون عن أهل الخير بالألقاب وهي ألقاب ولله الحمد ما فيها سوء ، ما فيها سوء ولله الحمد ، ولا قالوا بدعاً من القول ، ما هو بس محمد أمان الجامي اللي ناله ما ناله ، نال الدعاة من قبل من هم أكبر منه شأن وأجل منه علم نالوهم بالأذى . الحاصل إننا ما نعرف على هذا الرجل إلا الخير ، والله ما عرفنا عنه إلا الخير ، ولكن الحقد هو الذي يحمل بعض الناس وكلٌ سيتحمل ما يقول يوم القيامة ، والرجل أفضى إلى ربه ، والواجب أن الإنسان يمسك لسانه ما يتكلم بالكلام البذيء والكلام في حق الأموات وحق الدعاة إلى الله وحق العلماء ، لأنه سيحاسب عما يقول يوم القيامة ما يحمله الاندفاع والهوى إلى أنه تكلم في الناس يجرح له العلماء إلا بخطأ بين واضح ، أنا أقول الآن هؤلاء عليهم إنهم يجيبون لنا الأخطاء التي أخطأ فيها هذا الرجل ، إذا جاءوا بها ناقشناها وقبلنا ما فيها من حق ورددنا ما فيها من باطل ، أما مجرد اتهامات وأقول: هذا ماهو من شأن أهل الحق "اهـ
وسئل أيضا (رقم الفتوى 5093 من موقعه –حفظه الله-) : فضيلة الشيخ- وفقكم الله- ذكرتم حفظكم الله أن من عادة أهل الباطل قديما وحديثا وصف أهل الحق بأوصاف؛ حتى ينفروا الناس منهم ، والسؤال يقول : نحن مجموعة من طلاب العلم ندعو إلى لزوم منهج السلف ، والالتفاف حول العلماء الربانيين ، وحول ولاة الأمور ، والتحذير من أهل البدع ، ومع ذلك نتهم بأننا جامية ، ونلقب بهذا اللقب ، وقد تكرر هذا السؤال عدة مرات ، فما التوجيه حيال هذا اللقب وحيال هذه النسبة ؟
الجواب : التوجيه : إستمروا فيما انتم عليه , وأنتم على خير , ولا تلتفتوا لمن يقول هذا القول , وذنبه عليه , أبدا لا يهمكم امره , نعم .[url]http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/sounds/00070-32.ra[/url]
قال –هداه الله- : " الجامية قوم ..."
أقول : قوله " ..قوم.." فيه إجمال
جاء في القاموس المحيط مادة "قوم" (ص:1162):" القوم : الجماعة من الرجال والنساء معا ، أو الرجال خاصة ، أو تدخله النساء على تبعية"اهـفإذا قلت أنهم قوم يعني جماعة من الرجال والنساء وأنت لم تذكر من هم ولم تعطي لا أسمائهم ولا أوصافهم ، وهذا يعد من الإجمال المنهي عنه ،
قال إبن القيم –رحمه الله- في نونيته (ص:47):فعليك بالتفصيل والتميــيز فالا***طلاق والاجمال دون بيانقد أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ ***ـأذهان والآراء كل زمان
فوالله يا شيخ إطلاقك هذا قد أفسد كثيرا ، فلو أنك بينت من هم الجامية بأسمائهم لكان أفضل لك ولمن تبعك .فيا شيخ لو رضيت بالمنهج الرباني خير لك من هذا الإجمال
قال عز وجل : { وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ }[ الأنعام :55]
قال الشيخ ابن جبرين –هداه الله- : " ...يغلب عليهم أنهم من المتشددين على من خالفهم ..."قلت : وهنا أيضا إجمالان :الأول : متشددون .والشدة لا تكون دائما مذمومة فمنها الممدوح ومنها المذموم .فكما عُرِّفت الحكمة : هي وضع الشيء في موضعه .فمن الحكمة أحيانا إستعمال الشدّة لأن الأمر يقتضي ذلك .
ومن الأدلة على أن الشدة تكون ممدوحة أحيانا :قوله تعالى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}[ الحجرات :29]وكان سلف الأمة وعلمائها شدديدن على أهل البدع وهاك طرفا من ذلك :جاء في الإعتصام للشاطبي –رحمه الله-(1/62) : " عن ابراهيم بن شيبان القرميسيني صحب ابا عبد الله المغربي وابراهيم الخواص وكان شديدا على اهل البدع متمسكا بالكتاب والسنة لازما لطريق المشايخ والائمة"اهـوبوب الإمام الآجري في كتابه الشريعة " باب التحذير من طوائف تعارض سنن النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب الله عز وجل وشدة الإنكارعلى هذه الطبقة"
قال ابن تيمية في درء التعارض (2/96) : قال الشيخ أبو الحسن: وكان الشيخ أبو حامد الإسفرايني شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام ......قال أبو الحسن: ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري"اهـولو نقلت للقارئ الكريم كيف كان يعامل السلف الصالح أهل البدع من ضرب وجلد ونفي وحتى قتل ، لعلم أن ما يقوم به السلفييون في عصرنا هو قليل أو يكاد لا يرى بالنسبة لما فعله سلفنا الصالح .
الإجمال الثاني : "...على من خالفهم ..."فأقول يا شيخ لو أنك بينت ووضحت لكان خير لك وأقوم .هل هم متشددون على من خالفهم في المسائل الإجتهادية أو المسائل الأصولية الإعتقادية المنهجية والتي لا يجوز فيها الإجتهاد .قل لي ياشيخ الجبرين : هل رأيت سلفيا رد على من قال أنه يجب القبض بعد الرفع من الركوع وشدد عليه وبدعه ؟أو هل رأيت سلفيا رد على من يصوم يوم السبت في غير الفرض وشدد عليه وبدعه ؟أو هل رأيت سلفيا شدد على من خلفه في مسألة خلافية يسوغ فيها الإختلاف ؟؟لا والله فهم رحماء بينهم يعلمون أن هذه الخلافات المصيب له فيها أجران وللمخطئ أجر واحد .
بل إن السلفيين يردون على من مس باعتقاد أهل السنة والجماعة وابتدع في دين الله ما ليس منه .كالخروج على ولاة الأمر والتهييج عليهم ، والتوسل بالنبي وعبادة القبور ودعاء أصحابها والإستعانة والإستغاثة بهم ، ونفي الصفات وتعطيلها والطعن في الصحابة والدعوة إلى التقريب بين السنة والرافضة والقول ببدعة الموازنات والدفاع عن أهل البدع وغيرها .فيا شيخ الجبرين أتحداك أن تأتي لنا بسلفي شدد على من خالفه في مسألة يسوغ فيها الإختلاف .فإن لم تجد فلزم عليك أن تقول : " أستغفر الله وأتوب إليه"
فإنك والله إفتريت إثما وبهتانا عظيما / وقلت ماليس لك به علم وربنا نهانا عن ذلك فقال :
{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[ الإسراء : 36] قال الإمام البخاري –رحمه الله- في صحيحه : "أي لا تقل ماليس لك به علم"
قال الشيخ الجبرين–هداه الله- : " ... والذين يحسدون.."قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله ، سبحان الله هذا بهتان عظيم .والرد عليه من وجهين :
الوجه الأول : فالحسد من معاصي القلوب قال العلامة إبن القيم ( عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ص:256) : " وكما أن الرغبة فى الدنيا أصل المعاصى الظاهرة فهى اصل معاصى القلب من التسخط والحسد والكبر والفخر والخيلاء والتكاثر ..."وقال أيضا –رحمه الله- (هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ص :35) في معرض ذكره عن الأسباب المانعة لقبول الحق : " ومن أعظم هذه الأسباب: الحسد. فإنه داء كامن في النفس،..."اهـفيا شيخ الجبرين من أطلَعك على قلوب هؤلاء الجامية فعرفت أنهم يحسدون غيرهم ؟
الوجه الثاني: هناك نوع من الحسد لا يعد مذموما وهو ما يسمى بالغبطةجاء في التعريفات للجرجاني (ص: 163)" الغبطة : عبارة عن تمني حصول النعمة لك كما كان حاصلا لغيرك من غير تمني زواله عنه "اهـوفي القاموس المحيط (مادة غبط ص:701): " الغبط : تمنَّى نهمة على أن لا تتحول عن صاحبها"اهـفعن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنما- قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها).[ البخاري:73-مسلم 266)
قال الحافظ في الفتح ( 1/203) : " وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة وأطلق الحسد عليها مجازا وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه والحرص على هذا يسمى منافسة فإن كان في الطاعة فهو محمود ومنه{ فليتنافس المتنافسون} ..." اهـوقال النووي في شرح مسلم ( 3/286) : " قال العلماء: الحسد قسمان حقيقي ومجازي، فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة. وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها، فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبة، والمراد بالحديث لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما"اهـ
فيا شيخ الجبرين يا ليتك وضحت وبينت وفصلت ، ماذا تقصد بالحسد هنا ؟؟ لكن من شاب على شيء شبّ عليه.قال الشيخ الجبرين –هداه الله-: " ... والذين يحسدون كل من ظهر وكان له شهرة فيدخلوا عليهم..."قلت : قد بينت فيما سبق قسمي الحسد فمنه المحمود ومنه المذموم .
ولن أناقش الشيخ في المحمود لأمرين :الأول : لأنه أمر محمود وتزكية فكيف أرد عليه ؟الثاني : ما أظن الشيخ يقصد إلا المذموم إلا إذا أثبت لنا العكس .قلت يا شيخ أن من تسميهم جامية يحسدون كل من ظهر وكان له شهرة .والرد عليك من وجهين :
الوجه الأول : هل يا شيخ" كل" هذه للعموم أم أن لها مخصصات ؟
فإن قلت: هي للعموم .فهذا ظلم وعدوان لأن السلفيين ردوا على من ظهر من أهل البدع ومن لم يظهر وسيأتي الرد التفصيلي إن شاء الله .وإن قلت : لها مخصصات . فهذا من إجمالاتك التي ألِفناها .فيا ليتك ذكرت من حسدهم السلفيون لأجل ظهورهم حتى يتبين للقارئ والسامع الحق وليحذر من الشر .
الوحه الثاني : بمنطلقك هذا يا شيخ ستعطل الشريعة ويعطل أصل أصيل من الدين وهو الجرح والتعديل الذي يعد من خصائص هذه الأمة .ولكان رد السلف الصالح على أهل البدع المعروفين الظاهرين حسد .فقد ردوا على الجاحظ الذي يعد من أشهر أدباء العرب .وردوا على كبار الفلاسفة كابن سينا الذي يعدون من الدهات .وردوا على الخوارج برغم كثرة عبادتهم واشتهارهم بذلك .وانظر الرد الذي بعده للإستزادة .
قال الشيخ الجبرين –هداه الله- : " ويصدق عليهم الحسد فلأجل ذلك صاروا يتنقصون كل من برز من العلماء..."قلت : والرد من أوجه :
الأول : يا شيخ الجبرين ها أنت تأكد أن من تسميهم بالجامية يصدق عليهم الحسد ، وقد بينا أن الحسد من معاصي القلب الذي لا يختلف فيه مسلمان ، فمن أطلعك عليه ؟؟الثاني : قلت "ينتقصون"
فمسلسل الإطلاقات والإجمالات مازال متواصلا .قل لنا يا شيخ ماذا تقصد بكلمة ينتقصون ؟هل هم ينتقصونهم في أعراضهم أو صفاتهم أو علمهم أو ماذا ؟جاء في القاموس المحيط ( مادة نقص ص: 655) : " يتنقَّصه : يقع فيه ويذمه"فيا شيخ الجبرين لو أنك بينت من هؤلاء الذين وقع فيهم السلفيون وذموهم من العلماء ؟إن كنت تقصد العلماء سلمان وسفر وعائض وإبن لادن وسيد قطب والبنا ، فهؤلاء أهل بدع يجب ذمهم والتنقيص منهم حتى يحذرهم المسلمون .وهذا هو ديدن السلف –رضوان الله عليهم-ومن أمثلة ذلك :
بوب الإمام الشاطبي –رحمه الله- في الإعتصام : " الباب الثاني: في ذم البدع وسوء منقلب اصحابها"وقال رحمه الله : " فإذا كل مبتدع مذموم آثم"وأنا لا أريد الإسترسال في ذكر كيف كان السلف يذمون أهل البدع فهو أشهر من أن يذكر .وإن كنت تقصد العلماء أمثال الشيخ بن باز والشيخ العثيمين والشيخ الألباني والشيخ الفوزان والشيخ اللحيدان وغيرهم فنطلب بالدليل على أنهم انتقصوهم أو ذموهم .
بل العكس هو المثبت فهم ينصحون العوام بالسماع لهم والرجوع إليهم ويربطونهم بهم .ولا يوجد حسب علمي من يدافع عنهم كالسلفيين في كتبهم وأشرطتهم .الوجه الثالث : قلت : " كل من برز من العلماء"فيا شيخ الجبرين نعيد السؤال : هل يا شيخ" كل" هذه للعموم أم أن لها مخصصات ؟فإن قلت : لها مخصصات لوجب عليك ذكر من انتقصوهم .وإن قلت هي للعموم
فنقول سبحانك هذا بهتان عظيم .
فيا شيخ الجبرين أنا أعرض لك أمثلة ترد وتفند ما بهت به السلفيين .- -بعض أهل البدع البارزين الذين رد عليهم السلفييون :الغزالي:1-"كشف موقف الغزالي من السنة وأهلها "للشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله-2- "المعيار لعلم الغزالي في كتابه السنة النبوية" لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ –حفظه الله-
القرضاوي:1- "إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي" للعلامة المحدث مقبل الوادعي –رحمه الله-2-"الإعلام بنقض الحلال والحرام "لمعالي الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان –حفظه الله-3-"رفع اللثام عن مخالفة القرضاوي لشريعة الإسلام"العدني تقريض وتقديم مجموعة من المشايخ منهم : الشيخ النجمي والشيخ مقبل الوادعي .
البوطي:1-" الرد على جهلات البوطي في كتابه فقه السيرة"للعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله-
الصابوني:1-" تنبيهات عامة على ما كتبه الصابوني في صفات الله عز وجل " للشخ العلامة عبد العزيز بن باز –رحمه الله-
عمرو خالد:1-" بيان حال عمرو خالد" شريط الشيخ السحيمي
2- " هل عمرو خالد يدعو للإسلام الحق" للشيخ خالد المصري.
سيد قطب :1- "أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره"2-"العواصم لما في كتب سبد قطب من قواصم"3-"مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"وغيرها كلها للشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي .
4- "المورد الزلال في التنبيه على أخطاء تفسير الظلال " للشيخ عبد الله الدويشحسن المالكي :1-"الإنتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي "2-الإنتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي" كلاهما للعلامة المحدث عبد المحسن العباد –حفظه الله-3-"دحض إفتراءات أهل الزيغ والإرتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب" للشيخ العلامة ربيع المدخلي –حفظه الله-
محمد بن سليمان الأشقر1-" الدفاع عن الصحابي أبي بكرة ومروياته والاستدلال لمنع ولاية النساء على الرجال"للشيخ العلامة المحدث عبد المحسن العباد –حفظه الله-
حمزة الميليباري:1-"التنكيل بما في توضيح الميليباري من أباطيل "للشيخ العلامة ربيع المدخلي-حفظه الله-
علي جمعة "مفتي مصر":1-" الرد على مفتي مصر "للشيخ العلامة المحدث أحمد النجمي –حفظه الله-2-"الفتاوى العصرية لمفتي الديارالمصرية" للشيخ العلامة ربيع المدخلي –حفظه الله-
عبد المجيد الزنداني:1-" الصبح الشارق في الرد على ضلالات الزنداني في كتابه توحيد الخالق"للشيخ يحي الحجوري
حسن الترابي:1-" الرد على حسن الترابي" للشيخ أمان الجامي –رحمه الله-
فيا شيخ هذه بعض الأمثلة لا على سبيل الحصر .فكل من ذكرتهم من أهل البدع وأغلبهم فاقت شهرتهم من تدافع عنهم لكن أهل السنة والجماعة السلفيون ردوا عليهم وبينوا فساد مناهجهم .وأنت بنفسك يا شيخ الجبرين أصدرت فتوى تحذر فيها من القرضاوي .
فهل يعد هذا حسد منك لأنك انتقصت منه ، والقرضاوي يعد من أشهر أهل البدع إن لم يكن أشهرهم .وأيضا هناك من العلماء السلفيين المشهورين الذين لم يتنقصهم من تسميهم بالجامية أمثال العلامة عبد العزيز بن باز والعلامة محمد بن صالح العثيمين والعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني والعلامة صالح الفوزان وغيرهم رحم الله الأموات وحفظ الأحياء.عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في أهل الأرض).[البخاري:5693]
فأعرف الناس بهذا الحديث هم السلفيون ، فطرح القبول في الأرض هو من عند الله فإذا دعوى أنه يحسدون كل من ظهر دعوى باطلة .فيا شيخ إرجع إلى الحق خير لك من التمادي في الباطل .فالرد على أهل البدع واجب سواء إشتهروا أم لا .
قال الشيخ الجبرين-هداه الله-: " كل من برز من العلماء ويعيبونهم ويتتبعون عثراتهم"قلت : يا شيخ الجبرين هل تعد بدع من ذكرتهم من أهل البدع مجرد عثرات .هل تعد المبايعة على الطريقة الحصافية الصوفية مجرد عثرة ؟هل تعد سب الأنبياء وإسائة الأدب معهم مجد عثرة ؟هل تعد الطعن في الصحابة مجرد عثرة ؟هل تعد تعطيل الصفات والقول بخلق القرآن مجرد عثرة ؟هل تعد من يقول أن النصارى إخواننا في الإيمان مجرد عثرة ؟هل تعد إباحة الغناء مجرد عثرة ؟هل تعد عدم تكفير إبليس مجرد عثرة ؟هل تعد الإستهزاء بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وردها بالعقل مجرد عثرة ؟هل تعد إجازة الردة عن الإسلام مجرد عثرة ؟وهل وهل وهل .......؟
والله لو أخذنا بهذا الكلام لهدم الدين ولقال في الدين من شاء ماشاء .أين نحن من السلف الذين حذروا من البدع وأهلها وشددوا عليهم ؟فوالله لو سردت مواقفهم لطال المقام ولكان في صفحات إن لم يكن في سفر كبير .فإلى الله المشتكى.
قال الشيخ الجبرين –هداه الله- : " ويسكتون عن عثرات بعض فيما بينهم"قلت : وهذه أحد حلقات مسلسل التعميمات والإجمالات .فلو ذكرت هذه العثرات والسكوت عنها لكان خير لك , حتى لا تظلم أحدا .أو أنك تعتبر الخلافات الفقهية التي ييسوغ فيها الإختلاف عثرات وتقارنها بعثرات أهل البدع الكفرية أو الفسقية ؟فيا شيخ من كلامك هذا يتأكد القارئ أنك لم تطلع أبدا على كلام من تسميهم بالجامية ، بل قيل لك فقلت .
قال الشيخ الجبرين –هداه الله- : " ونسبتهم إلى أول من اظهر ذلك وهو محمد أمان الجامي وقد توفي وأمره إلى الله تعالى"قلت : فقد سبق وذكرت ثناء أهل العلم على الشيخ العلامة محمد أمان الجامي –رحمه الله- وأنه من كبار العلماء وأنه على عقيدة أهل السنة والجماعة ، وعلى منهجهم في الرد على أهل البدع ، شئت أم أبيت يا شيخ الجبرين .
قال الشيخ الجبرين –هداه الله- : " هذا سبب تسميتهم"قلت : لا والله إنهم بريئون من هذه التسمية التي ألصقها بهم أهل البدع من حزبيين وتكفيريين وغيرهم .وقد سبق وبينة ذلك وفتوى الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان –حفظه الله- في من يسمى جامية فيها كفاية والحمد لله ،وهنا أنصح إخواني أن يسمعوا شريط بعنوان" حقيقة الجامية" للشيخ عبد العزيز الريس فهو مفيد يرد على كثير من شبه هؤلاء القوم.==========من مصائب الشيخ القرضاوي دعوته إلى انفلات النساء في بلاد الحرمين))
بسم الله الرحمن الرحيم
من مصائب الشيخ القرضاوي دعوته إلى انفلات النساء في بلاد الحرمين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.أما بعد؛ فقد اطلعت على رسالة الشيخ يوسف القرضاوي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ووفقه لما فيه رضاه بشأن عضوية النساء في مجلس الشورى وترشحهن وتصويتهن في المجالس البلدية المنشورة في شبكة المعلومات، وأعلق على ما جاء في الرسالة بما يلي:1. قال في رسالته: ((لقد ابتسمت ثغور المسلمين، وانشرحت صدور المؤمنين، وسعدنا وسعد الكثيرون بتصريحكم الحكيم، ورأيكم الرشيد حول السماح للمرأة بالترشح في كل من المجالس البلدية والمحلية، ومجلس الشورى))أقول: الحقيقة أن الذين حصل لهم السرور والابتهاج المنوَّه به هم الغربيون والتغريبيون، فقد سبقوا الشيخ يوسف إلى الترحيب بذلك كما تناقلته وسائل الإعلام، وأما الغالبية العظمى من الشعب السعودي الحريصون على حراسة الفضيلة وعلى استمرار نسائها على الاحتشام والابتعاد عن أسباب فتنة النساء والافتتان بهن فقد تألموا لذلك.2. وقال بعدما تقدم: ((بالإضافة إلى ما سمعناه في 19 رمضان في مكة المكرمة من المشروعات المستقبلية لكم في توسيع الحرمين الشريفين، والإضافة إليهما، إلى عدد من المشروعات الكبيرة))أقول: مما يؤسف له أن هذه المشاريع العظيمة والإصلاحات المتنوعة التي يفرح بها كل مسلم جاءت في رسالة الشيخ يوسف مؤخرة غير مقدمة وتابعة غير متبوعة فكان ذكرها عَرضاً وتبعاً، وقد سبقها بسنوات إصلاحات مهمة من خادم الحرمين من أبرزها افتتاح الجامعات في جميع مناطق المملكة وبعض مدنها مما يسَّر لطلابها الدراسة عند أهليهم دون حاجة إلى سفر، ولم نسمع عن الشيخ تنويها بشيء من ذلك.
3. وقال: ((وإني إذ أبعث إليكم بتهنئتي هذه وتعبيري عن مدى فرحي وتقديري لتصريحاتكم وقراراتكم، لأرجو من الله أن يكون خير البلاد والعباد على أيديكم، وأن يتم في بلدكم العزيز السماح للمرأة المسلمة بمزاولة القيادة واستقلال السيارة بالضوابط الشرعية كغيرها في بلاد المسلمين))أقول: عبَّر في هذه الفقرة عن مدى فرحه بما فرح به خصوصاً كما عبَّر في الفقرة الأولى عن فرح غيره من أمثاله عموما، أما أنا فيعلم الله أنني فوجئت بسماع النبأ وحزنت له حزناً شديداً وسألت الله عز وجل أن يحفظ بلاد الحرمين حكومةً وشعباً من كل شر وأن يوفقها لكل خير، وقد زاد الطين بلة بتمنيه ورغبته في أن تقود المرأة السيارة في هذه البلاد بالضوابط الشرعية كغيرها في بلاد المسلمين، فهل يريد الشيخ يوسف أن تكون المرأة في مكة والمدينة وغيرهما من بلاد الحرمين مثل غيرها في البلاد الأخرى وهو يعلم أن أول امرأة مسلمة في مصر كشفت وجهها هدى شعراوي في القرن الماضي؟! وقد لا يخفى عليه أن أول كشفٍ للوجه من امرأة مسلمة حصل في بلاد الشام من وكيلة مدرسة ثانوية في القرن الماضي كما جاء في ذكريات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله (5/226)، وبعد مضي عشرات السنين آل أمر النساء في مصر والشام إلى ما هو مشاهد ومعاين من التبرج والسفور في هذه الجاهلية الجديدة بأسوأ مما كانت عليه في الجاهلية الأولى التي قال الله عز وجل فيها: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)، وأما الضوابط الشرعية التي ذكرها الشيخ يوسف والتي يدندن حولها التغريبيون فلا تعدو عند الانفلات وانفراط العقد أن تكون حبراً على ورق.. وقال: ((إن الحرام ما حرمه الله في كتابه، أو على لسان نبيه نصا صريحا، والحلال كذلك، والأصل في الأشياء أنها حلال ما لم يرد إلينا نص صريح بتحريمه))أقول: من المعلوم أن شريعة الله كاملة مستوعبة لكل ما يحتاج إليه العباد، وذلك بنصوصها وعموماتها وقواعدها؛ ففي صحيح البخاري (5598) عن أبي الجويرية قال: ((سألت ابن عباس عن الباذق، فقال: سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق، فما أسكر فهو حرام، قال: الشراب الحلال الطيب، قال: ليس بعد الحلال الطيب إلاّ الحرام الخبيث))، والباذق نوع من الأشربة، والمعنى أن الباذق لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم ، ولكن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مستوعب له وغيره، وذلك في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما أسكر فهو حرام))، فإن عموم هذا الحديث يدل على أن كل مسكر مما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم أو وجد بعد زمنه ـ سواء كان سائلاً أو جامداً ـ فهو حرام، وأن ما لم يكن كذلك فهو حلال.
ومن قواعدها المشهورة قاعدة سد الذرائع إلى المحرمات، وقد أورد شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه ((بيان الدليل على بطلان التحليل)) (ص283) ثلاثين دليلاً على اعتبار هذه القاعدة، وأوصلها ابن القيم في كتابه ((إعلام الموقعين)) (3/149ـ171) إلى تسعة وتسعين دليلاً، منها قوله: ((الوجه الحادي عشر: أنه صلى الله عليه وسلم حرَّم الخلوة بالأجنبية ولو في إقراء القرآن، والسفر بها ولو في الحج وزيارة الوالدين؛ سداً لذريعة ما يحاذر من الفتنة وغلبات الطباع، الوجه الثاني عشر: أن الله تعالى أمر بغض البصر وإن كان إنما يقع على محاسن الخلقة والتفكر في صنع الله؛ سدا لذريعة الإرادة والشهوة المفضية إلى المحظور))، ومنها قوله: ((الوجه السابع والخمسون: أنه نهى المرأة إذا خرجت إلى المسجد أن تتطيب أو تصيب بخوراً؛ وذلك لأنه ذريعة إلى ميل الرجال وتشوُّفهم إليها؛ فإن رائحتها وزينتها وصورتها وإبداء محاسنها تدعو إليها، فأمرها أن تخرج تفلة وأن لا تتطيب، وأن تقف خلف الرجال، وأن لا تسبح في الصلاة إذا نابها شيء، بل تصفق ببطن كفها على ظهر الأخرى، كل ذلك سداً للذريعة وحماية عن المفسدة))، وقد كتبت في ذلك كلمة بعنوان: ((قاعدة سد الذرائع إلى المحرمات ومقاومتها من هواة الانفلات المتبعين الشهوات)) نشرت في 14/11/1431هـ، وقيادة المرأة السيارة يقودها إلى أن تذهب بسيارتها متى شاءت من ليل أو نهار وتختلط بمن شاءت وتدخل على من شاءت وتسافر بغير محرم وغير ذلك من المحاذير، وقد كتبت في هذا الموضوع رسالة بعنوان: ((لماذا لا تقود المرأة السيارة في المملكة العربية السعودية؟!)) ذكرت فيها فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وفتوى الشيخين الجليلين عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله في منع ذلك، وهما من العلماء الربانيين الذين تطمئن النفوس المؤمنة إلى فتاواهم، وأخذ ولاة الأمور بها أولى من الالتفات إلى كلام الشيخ القرضاوي وأمثاله، وقد كتبت في ذلك أيضاً كلمة بعنوان: ((قيادة المرأة السيارة يقودها إلى الانفلات)) نشرت في 8/7/1430هـ.. لقيت رسالة الشيخ القرضاوي قبولاً في الديوان الملكي، ولهذا جاء الرد عليها سريعاً وهو منشور معها في شبكة المعلومات، وأما رسائلي الثمان التي بعثت بها إلى خادم الحرمين حفظه الله في انفلات النساء والتي أشرت إليها في كلمة ((إن هدى الله هو الهدى فماذا بعد الحق إلا الضلال يا دعاة التغريب؟!)) والتي نشرت في 19/12/1432هـ فلا أدري عن مصيرها وما فُعل بها في الديوان، والله المستعان وإليه المشتكى.
6. الشيخ القرضاوي من علماء الإخوان المسلمين، وقد قال عن حزبهم مؤسسه الشيخ حسن البنا رحمه الله مخاطباً أتباعه: ((فدعوتُكم أحقُّ أن يأتيها الناس ولا تأتي أحداً ... إذ هي جِماعُ كلِّ خير، وغيرها لا يسلم من النقص!!)). (مذكرات الدعوة والداعية ص 232، ط. دار الشهاب)، وقال أيضاً: ((وموقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر ففرَّقت القلوبَ وبلبلت الأفكار، أن نزنها بميزان دعوتنا، فما وافقها فمرحباً به، وما خالفها فنحن براء منه، ونحن مؤمنون بأنَّ دعوتنا عامة لا تغادر جزءاً صالحاً من أيَّة دعوة إلا ألمت به وأشارت إليه !!!)) (مجموعة رسائل حسن البنا ص240، ط. دار الدعوة سنة 1411هـ)، وبمقتضى كلام مؤسس هذه الحزب الذي تبرأ فيه ممن لا يوافقهم فإنه لا تلاقي بين دعوتهم والدعوة السلفية التي قامت عليها الدولة السعودية وهي تحكيم الكتاب والسنة وفقاً لما كان عليه سلف الأمة، ومن مهمات حزبهم الوصول إلى السلطة ولم يظفروا بها، وأما الدولة السعودية فقد مضى على تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود بتأييد وتسديد من الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله ما يقرب من ثلاثة قرون، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وليس لعُبَّاد أصحاب القبور الذين يدعونهم ويستغيثون بهم ويسألونهم قضاء الحاجات وكشف الكربات ـ فيما أعلم ـ نصيب من دعوة الإخوان المسلمين، ومثلهم جماعة التبليغ إلا أنهم لا دعوة لهم إلى انفلات النساء.7. لما حصلت المظاهرات في بعض البلاد العربية في هذا العام فرح بها الإخوان المسلمون وأصدرت لجنة الفتوى عندهم في مصر فتوى بتأييدها، وقد رد عليها الدكتور عبد العزيز السعيد في كتابه ((النقض على مجوزي المظاهرات والاعتصامات))، وكان الشيخ يوسف القرضاوي من مؤيديها، وبمناسبة تلك الأحداث تحرى دعاة التغريب المتبعون الشهوات في البلاد السعودية شراً، فحصل منهم كتابات تنادي باتخاذ إصلاحات في بلاد الحرمين تتفق مع أهوائهم، ومنها أن تكون الدولة دستورية وفقاً لما عليه الدولة البريطانية! وفيهم من يدعو في كتابته إلى انفلات النساء، ومما كُتب بهذه المناسبة رسالة موجهة إلى خادم الحرمين عنوانها: ((نحو دولة الحقوق والمؤسسات))، ومن بين الموقعين عليها أحد زملاء الشيخ يوسف في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المزعوم صاحب ((الإسلام اليوم))، ولو كتب الشيخ يوسف لخادم الحرمين تأييداً وتثبيتا في هذه المناسبة لكان أولى من كتابته فيما يتعلق بأمر النساء، وقد كتبت بهذه المناسبة كلمتين بعنوان: ((خطورة الإفساد في بلاد الحرمين بعد إصلاحها)) و((من أسوأ المفسدين في بلاد الحرمين تركي الحمد)) نشرتا في 3 و 4/4/1432هـ، وأيضاً كلمة بعنوان: ((الأحداث الأخيرة أظهرت لولاة بلاد الحرمين الناصح والماكر والعدو والصديق)) نشرت في 30/6/1432هـ.
وفي ختام هذه الكلمة أوصي الشيخ يوسف القرضاوي بأن يتقي الله في نفسه وفي غيره ممن يصغون إلى كلامه وأن يعنى بحراسة الفضيلة وأن لا يحصل منه فتاوى أو كلمات يلحق بها الضرر بغيره وتعود تبعاتها عليه في الدنيا والآخرة، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياه وسائر طلبة العلم إلى تحصيل العلم النافع والعمل الصالح، وأن يعيذ الجميع من العلم الذي لا ينفع الذي يكون حجة على صاحبه لا له، وأن يوفق هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين لكل خير وأن يقيها كل شر، إنه سميع مجيب.وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.==========قرضاوي شترط الأدلة المتواترة و القطعية الدلالة في كل أمور الشرع, ولكنيستدل بالأدلة الضعيفة و الأقوال الشاذة إذا كانت في صالح العوام و الدهماء مثل إستدلاله بمسألة جواز الغناء لإبن حزم

[quote name='احمد المالكي']أجرة مجلة ( لها ) الأسبوعية الهابطة العدد (107) 2/8/1423هـ الموافق 9/10/2002م ص 42 ، ص 44 ، ص 46 التي تصدر عن دار الحياة لقاء مع الدجال يوسف القرضاوي والذي بدوره وكعادته لم يتورع من اللقاء والظهور في مثل هذه المجلات المنحرفة وذات الأفكار الهدامة والتي زادها بلة بفتاواه الفاسدة . وقد كان الحوار التالي :المفكر الإسلامي الكبير الدكتور يوسف القرضاوي له آراء جريئة تعتمد على التيسير ورفض الفتوى الجاهزة القائمة على المبالغة .التقيناه وعرضنا عليه أهم القضايا النسائية التي يتشدد فيها العلماء الذين يستدلون بأحاديث موضوعة أو اساؤوا فهمها وتوضيفها مثل مصافحة النساء وأن المرأة أكبر فتنة للرجل وأنها بلاء لابد منه ويجب حبسها في المنزل لأن اختلاطها بالرجال حرام وصوتها عورة . وقد وضع القرضاوي النقاط على الحروف حيث فند آراء البعض من الذين ظلموا المرأة المسلمة وأعطوا أعداء الإسلام فرصة ذهبية للطعن فيه.س / أثارت فتوى لأحد كبار علماء الأزهر ثورة عارمة في الرأي العام . ليس في مصر فقط بل في العالم الإسلامي عامة.إذ أفتى بأن مصافحة المرأة حرام وتعد مقدمة للزنا . بل أنها أحيانا لا تقل عن الزنا. فما رأي فضيلتكم في تلك القضية الشائكة؟القرضاوي / تحقيق الحكم الشرعي في تلك القضية لابد أن يكون بعيدا عن التزمت والترخص حتى يتحرر المفتي من ضغطالأفكار المستوردة والأفكار المتوازنة جميعا إذا لم يكن يسندها كتاب ولا سنة. وقبل الدخول في البحث والمناقشة أود أن أخرجصورتين من مجال النزاع أعتقد أن حكمها لا خلاف عليه بين متقدمي الفقهاء في ما أعلم.الأولى : تحريم المصافحة إذا اقترنت بها الشهوة والتلذذ الجنسي من أحد الطرفين أو خيفت الفتنة من وراء ذلك في غالب الظن. وذلك أن سد الذريعة إلى الفساد واجب ولا سيما إذا لاحت علامته وتهيأت أسبابه حتى ولو كان ذلك من لمس الرجل لإحدى محارمه المباحة أصلا فإنها تنتقل إلى دائرة الحرمة إذا تحركت الشهوة أو خيفت الفتنة وخصوصا في بنت الزوجة أو الحماة أو امرأة الأب أو أخت الرضاع.الثانية : الترخيص في مصافحة المرأة العجوز التي لا تثير ومثلها البنت الصغيرة التي لا تثير وكذلك إذا كان المصافح شيخا كبيرا لا يثير .ما عدا هاتين الصورتين فهو محل كلام وموضع بحث ، والحقيقة أني بحثت عن دليل مقنع منصوص عليه في تحريم مصافحة المرأة إذا لم تكن لشهوة فلم أعثر على ما أنشده وأقوى ما يستدل به هنا هو سد باب الذريعة إلى الفتنة وهذا مقبول من غير شك عند تحرك الشهوة أو خوف الفتنة بوجود إماراتها ولكن عند الأمن من ذلك _ وهذا يتحقق في أحيان كثيرة _ فما من وجه للتحريم.س / ولكن هؤلاء المتشددين استدلوا بترك النبي صلى الله عليه وسلم للمصافحة وأنه لم يصافح امرأة قط ؟القرضاوي / ترك النبي للمصافحة لا يحمل دليلا على حرمتها ، ولابد من دليل آخر لمن يقول بها على أن ترك النبي للمصافحة في البيعة ليس موضع اتفاق ، فقد جاء عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها ما يدل على المصافحة في البيعة خلافا لما صح عن أم المؤمنين عائشة حيث أنكرت ذلك وأقسمت على نفيه.
س / وما قولكم وما قولكم في استدلال البعض بحديث يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له )) ؟القرضاوي / هذا الحديث لي عليه ملاحظات أهمها : أئمة الحديث لم يصرحوا بصحته ولم يخرجه أحد من أصحاب الدواوين المشهورة كما لم يستدل به أحد من الفقهاء في الأزمنة الأولى على تحريم المصافحة . فقها الحنفية وبعض فقها المالكية قالوا التحريم لا يثبت إلا بدليل قطعي لا شبهة فيه مثل القرآن والأحاديث المتواترة أو المشهورة . فأما ما كان في ثبوته شبهة فلا يفيد أكثر من الكراهة مثل أحاديث الآحاد الصحيحة فكيف بما شك في صحته ؟على فرض تسليمنا بصحة الحديث وإمكان أحد التحريم من مثله اجد أن دلالة الحديث على الحكم المستدل عليه غير واضحة . فكلمة (( يمس امرأة لا تحل له )) لا تعني مجرد لمس البشرة للبشرة دون شهوة كما يحدث في المصافحة العادية ، فقد جاءت كلمة (( المس )) في بعض الآيات لتعني الجماع أو ما دون الجماع من القبلة والعناق والمباشرة أو مقدمات الجماع.وخلاصة القول في تلك القضية إنه ينبغي التأكيد على أمرين هما : الأول : أن المصافحة إنما تجوز عن عدم الشهوة أو أمن الفتنة فإذا خيفة الفتنة الفتنة على أحد الطرفين أو وجدة الشهوة والتلذذ من أحدهما حرمت المصافحة بلا شك.الثاني : ينبغي الاقتصار في المصافحة في موضع الحاجة كالأقارب والأصهار الذين بينهم خلطة وصلة قوية يحسن التوسع في ذلك سدا للذريعة وبعدا عن الشبهة وأخذا بالأحوط واقتداء بالنبي . وأفضل للمسلم المتدين والمسلمة المتدينة ألا يبدأ أحدهما بالمصافحة ولكن إذا صوفح صافح . وقد قررنا الحكم ليعمل به من يحتاج إليه دون أن يشعر أنه يفرط في دينه ولا ينكر عليه من رآه يفعل ذلك ما دام أمرا قابلا للاجتهاد.س / حاول البعض إساءة الظن بالمرأة واعتبارها مصدر كل فتنة وبلاء منذ بداية الخليقة حتى يوم القيامة ، لهذا يجب جعلها حبيسة المنزل حتى الموت . واستدلوا على ذلك بحديث نبوي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) . فماذا تقولون لهؤلاء ؟
القرضاوي / لا توجد قضية التبس فيها الحق بالباطل واختلط فيها الصواب بالخطأ ووقع فيها الغلو والتقصير مثل قضية المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية . فالحق أنه لا توجد ديانة سماوية أو أرضية ولا فلسفة مثالية أو واقعية كرمت المرأة وأنصفتها وحمتها مثل الإسلام الذي كرمها وأنصفها إنسانا وأنثى وبنتا وزوجة وأما وعضوا نافعا في المجتمع . كرم الإسلام المرأة إنسانا حين أعتبرها مكلفة مسؤولة كاملة المسؤولية الأهلية كالرجل مجزية بالثواب والعقاب مثله حتى أن أول تكليف إلهي صدر للإنسان رجل كان أو امرأة حيث قال تعالى للإنسان الأول ( آدم وزوجه ) في القرآن الكريم (( أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )) . وحتى يذكر هنا أن الإسلام ليس في نصوصه الثابتة نص يحمل المرأة تبعة إخراج آدم من الجنة وشقاء ذريته من بعده كما جاء ذلك في أسفار العهد القديم ، بل أن القرآن يؤكد أن آدم هو المسؤول الأول حيث قال تعالى (( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما )) وقال أيضا : (( وعصى آدم ربه فغوى . ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى )) .وللأسف الشديد فإن بعض المسلمين ظلموا المرأة ظلما كبيرا وجاروا على حقوقها وحرموها ما قرره الشرع لها باعتبارها إنسانا أو أنثى أو ابنة أو زوجة أو أما . والعجيب أن كثيرا مما وقع عليها من ظلم وافتئات وقع باسم الدين وهو منه براء . وقد نسبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأن النساء (( شاوروهن وخالفوهن )) وهو حديث موضوع لا قيمة له ولا وزن من الناحية العلمية والعملية . فقد شاور الرسول زوجته أم سلمة في أمر من أهم أمور المسلمين وأشارت عليه فأخذ برأيها راضيا مختارا وكان في رأيها الخير والبركة .أتعجب أن يقولوا ذلك عن المرأة ويظلموها وهم يقرأون القرآن ولا يلاحظون أنه قرن المسلمات بالمسلمين والمؤمنات بالمؤمنين والقانتات بالقانتين في كل الأحكام الشرعية .س / ولكن بعض هؤلاء يقول إن صوت المرأة عورة ولا يجوز لها أن تتكلم مع رجل غير زوج ولا محرم لأن صوتها بطبيعته الناعمة يغري بالفتنة ويوقظ في القلب الشهوة .القرضاوي / سبق أن دخلت في مواجهات معهم وسألتهم ما دليلكم ؟ فلم يقدموا دليلا مقنعا ، وأني لأتعجب وأتساءل : ترى هل جهل هؤلاء أن القرآن أجاز سؤال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب على رغم التغليظ في أمرهن حتى حرم عليهن ما لم يحرم على غيرهن ؟ ومع هذا قال تعالى (( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب )). والسؤال يقتضي جوابا وهو ما كانت تفعله أمهات المؤمنين حيث كن يفتين من استفتاهن ويروين الأحاديث لمن يريد أن يتحملها عنهن . وقد كانت المرأة تسأل النبي صلى الله عليه وسلم في حضرة الرجال ولم تجد في ذلك حرجا ولم يمنعها النبي صلى الله عليه وسلم . وأقول لهؤلاء : أين أنتم من المرأة التي ردت على عمر بن الخطاب رأيه وهو يخطب على المنبر فلم ينكر عليها بل اعترف بصوابه وخطئه وقال (( كل الناس أفقه من عمر )) فالممنوعات في صوت المرأة هو التكسر والتميع في الكلام الذي يراد به إثارة الرجل وإغراؤه وهو ما عبر عنه القرآن باسم (( الخضوع بالقول )) وذلك في قوله تعالى (( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولن معروفا )) .س / ولكن ماذا يعني الحديث الذي ذكرناه في السؤال السابق ؟ ألا يعني ذلك أن النساء أخطر فتنة على الرجال أم أن له معنى آخر ؟
القرضاوي / هذا الحديث من الأحاديث التي اساؤوا فهمها حيث توهموا وأوهموا أن الفتنة هنا تعني أنهن شر ونقمة أو مصيبة يبتلى بها الإنسان كما يبتلى بالفقر والمرض والجوع والخوف ، وغفلوا عن شيء مهم وهو أن الإنسان إنما يفتن بالنعم أكثر مما يفتن بالمصائب . وقد قال تعالى (( ونبلوكم باشر والخير فتنة )) . وليس أدل على ذلك من اعتبار القرآن للأموال والأولاد وهما من أعظم نعم الحياة الدنيا وزينتها فتنة يحذر منها حيث قال تعالى (( إنما أموالكم وأولادكم فتنة )) . وقال أيضا (( ,اعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة )) ، وفتنتها أنها قد تلهي الإنسان عن واجبه تجاه ربه وتشغله عن مصيره وفي هذا يقول تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون )) . لذلك أقول فإنه كما يخشى على الناس أن يفتنوا بالأموال والأولاد يخاف عليهم أن يفتنوا بالنساء فيغرين الرجال عن البذل والجهاد أو الاشتغال بالمصالح الخاصة عن الواجبات العامة . وفي هذا جاء التحذير وفي هذا جاء التحذير القرآني (( إن من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم )) ، فالنساء تصبحن فتنة إذا أصبحن أدوات للإثارة وتحريك الشهوات وتأجيج نيران الغرائز في صدور الرجال ، وهذا الخطر الأكبر الذي يخشى من ورائه تدمير الأخلاق وتلويث الأعراض وتفكيك الأسر والجماعات .
س / حرم البعض نظر المرأة إلى الرجل سواءً بشهوة أو بدون شهوة واستدلوا بحديثين نسبوهما إلى النبي ، الأول يقول أن النبي سأل ابنته فاطمة رضي الله عنها (( أي شيء اصلح للمرأة ؟ )) قالت : (( ألا ترى رجلاً ولا يراها رجل )) . فقبلها النبي وقال : (( ذرية بعضها من بعض )) . والحديث الثاني عن أم سلمة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم قالت : (( كنت عند رسول الله وعنده ميمونة فـأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال النبي : احتجبا منه فقلنا : يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال النبي : أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه ؟ )) فما رد فضيلتكم على هؤلاء ؟
القرضاوي / خلق الله الأحياء كلها أزواجا بل خلق الكون كله أزواجا فقال تعالى (( سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما نبت الأرض ومن أنفسكم ومما لا يعلمون )) . وقال أيضا : (( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون )) . ولهذا لا يتصور أن يعيش الرجل وحده بعيدا عن المرأة لا يراها ولا تراه فالحياة قائمة على تعاون الجنسين في أمور المعاش والمعاد فقال تعالى (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) . وأقول لهؤلاء : أن القرآن جعل إمساك المرأة في البيت بحيث لا تخرج منه عقوبة للمرأة التي ترتكب الفاحشة علانية حتى يشهد عليها أربعة من الرجال المسلمين وذلك قبل استقرار التشريع وإيجاب الحدود المعلومة فقال تعالى : (( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا )) . وهناك حقيقة يجب أن تذكر وهي أن الله غرس في فطرة كل واحد من الجنسين قابلية الانجذاب إلى الجنس الآخر والميل إليه ميلا شهويا غريزيا بسببه يحدث اللقاء والإنجاب وبقاء النوع وعمران الأرض ، ولهذا لا يقبل من بعض الناس أن يدعوا لأنفسهم انهم اكبر من أن تؤثر فيهم الشهوات أو تستأثر فيهم الغرائز أو يضحك عليهم الشيطان . أما بالنسبة إلى الحديثين الواردين في السؤال فأقول أن الحديث الأول لم أره في أي كتاب من كتب أدلة الأحكام ولا استدل به فقيه من الفقهاء حتى المتشددون الذين منعوا المرأة من النظر إلى الرجل لم يذكروه وإنما ذكره الإمام الغزالي في (( الأحياء )) وقال الحافظ العراقي في تخرجه : (( رواه البزار والدار قطني في الأفراد )) من حديث بسند ضعيف . أما الحديث الآخر فنجد الرد عليه في ما ذكره ابن قدامه في تلخيص الرأي في المسألة حيث قال في (( المغنى )) فأوجزوا احسن : فأما نظر المرأة للرجل ففيه روايتان إحداهما أن لها النظر بما ليس بعوره ، والأخرى أنه لا يجوز لها النظر من الرجل الا مثل ما ينظر إليه منها . وقد اختاره أبوبكر وهذا أحد قولي الشافعي ، ولان الله أمر النساء بغض أبصارهن كما أمر الرجال به ويحقق أن المعنى المحرم بالنظر خوف الفتنه وهذا في المرأة ابلغ فإنها اشد شهوة واقل عقلا فتسارع الفتنة إليها اكثر ، ولكن عندي ادله وملاحظات لابد من ذكرها عند الحديث الثاني : · قول الرسول لفاطمة بنت قيس ((اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فلا يراك )) .· قالت عائشة : (( كان رسول الله يسترني بردائه وأنا انظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد )) . · يوم فرغ النبي من خطبة العيد (( مضى إلي النساء فذكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة )) .
بالنسبة لراوي الحديث الوارد في السؤال ويدعى نبهان فقد قال عنه احمد : نبهان روى حديثين عجيبين ، يعني هذا الحديث وحديث (( إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحجب منه )) ، وكأنه أشار إلى ضعف حديثه إذ لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول . وقال ابن عبد البر : نبهان مجهول لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج النبي هذا قاله احمد وأبو داوود . وفي النهاية أقول أن نظر المرأة للرجل إلا إذا تحولت النظرة إلى وسيلة للإثارة وحركة الشهوة فعند إذ عليها غض البصر ، ويزداد الأمر خطراً إذا بادلها الرجل النظر بالرغبة والشهوة نفسهما ، وعليهما رجالاً ونساءً امتثال الأمر الإلهي (( قل للمؤمنين أن يغضوا أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن )) .
س / يحرم البعض أي صورة لاختلاط الجنسين سواء للعمل أو الدراسة ، ويستندون في ذلك إلى قول للسيدة عائشة أم المؤمنين تقول فيه (( لو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما احدث النساء بعده لمنعهن من المساجد )) ؟
القرضاوي / مشكلتنا في اكثر القضايا الاجتماعية والفكرية أننا نقف بين طرفي الإفراط والتفريط وقلما نهتدي إلى التوسط الذي يمثل إحدى الخصائص العامة والبارزة لامة الإسلام ، وأقول أن اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته ليس حراما بل هو جائز ومطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل أو غير ذلك مما يتطلب جهودا متضافرة بين الجنسين وتعاونا بينهما ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما وتنسى القيود الشرعية للقاء . فهناك مجموعة ضوابط شرعيه أهمها : الالتزام بغض النظر من الطرفين فلا ينظر إلى عورة ولا ينظر بشهوة ولا يطيل النظر في غير حاجه ، والالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين ولا يشف ولا يصف ، والالتزام بأدب المسلمة في كل شيء وخصوصا في التعامل مع الرجال سواء في الكلام أو المشي أو الحركة بحيث لا تؤدي إلى الإغراء والإثارة والفتنة ، الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك وقالت (( إن ثالثهما الشيطان )) وخصوصا إذا كانت الخلوة مع أحد أقارب الزوج وان يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية ويعرضها للقيل والقال أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأبناء