الجمعة، 18 ديسمبر 2015

من وراء داعش ؟ || لثلة من المشايخ حفظهم الله

فضح خوارج العصر ( داعش ) - للشيخ محمد بن رمزان الهاجري

جديد - ( حقيقةُ داعش ) لفضيلة الشيخ د. محمد بن هادي المدخلي حفظه الله

الفصل الخامس سيد قطب يصف العلمانيين والفجار بالإخلاص ويضمن لهم الحرية ويصف العلماء بالمحترفين ويسميهم رجال الدين ويتوعدهم بالإذلال والاستعباد ويقول : ( . . . وبعد، فليطمئن المخلصون من المفكرين ورجال الفنون ومن إليهم أن حكم الإسلام لن يسلمهم إلى المشانق والسجون ، ولن يكبت أفكارهم ويحطم أقلامهم وينبذهم من حمايته ورعايته ، ولا يأخذوا الصيحات التافهة التي يصيحها اليوم رجال الدين المحترفون في وجه بعض الكتب وبعض الأفكار حجة ! ! فإنما هذه الصيحات تجارة رابحة اليوم وحرفة كاسبة، لأنهم يعيشون في عهد الإقطاع الذي يقيمهم حراسا لمظالمه وجرائمه ، ولكي يبرروا وجودهم في أعين الجماهير يطلقون هذه الصيحات الفارغة بين الحين والحين ، فأما حين يكون الحكم للإسلام ، فلن يبقى لهؤلاء عمل ، فسيكونون مجندين لعمل منتج نافع ، هم وبقية المتعطلين المتمسكعين من كبار الملاك ورجال الأموال ، ومن الموظفين والمستخدمين في الدواوين ، ومن أحلاس المقاهي والمواخير والحانات ، ومن المشردين في الشوارع والطرقات أو المصطلين للشمس حول الأجران . . . وكلهم في التبطل والتسكع سواء ، بعضهم كاره مضطر، وبعضهم كسول خامل ، وبعضهم مستغل مستهتر ( ) . أقول : أولا: من هم هؤلاء المخلصون من المفكرين ورجال الفنون الذين يخافون من حكم الإسلام . . . إلخ . ثانيا: ما هي أفكارهم التي يضمن لها سيد أنها لن تكبت وأن أقلامهم لن تحطم . فهل هم مسلمون ؟ يغلب على ظني أنهم الاشتراكيون والعلمانيون والشيوعيون وسائر مرضى القلوب والنفوس. وإذا كانوا كذلك ، فهل الإسلام سيطلق لهم العنان ينشرون كفرهم وإلحادهم تسيل بهما أفواههم وأقلامهم المسمومة، وهل سيرعاهم الإسلام ويضمهم إلى كنف حمايته ورعايته؟ أما الإسلام الحق فيقول : {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}( ) ويقول : {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً}( ) ثالثا: من هم رجال الدين المحترفون ؟ وما هي الأفكار والكتب التي صاحوا في وجهها تلك الصيحات التافهة كما يزعم سيد ؟ من هم أولئك المحترفون المتاجرون ؟ من الجلي الواضح أن صيحاتهم كانت في وجه الاشتراكية الماركسية التي لبست لباس الإسلام ، وغيرها من ألوان الضلال ، وأن فيهم كوكبة من أعلام الهدى في مصر ، مثل : عبد الظاهر أبو السمح ، وعبد الرزاق حمزة، ومحمد حامد الفقي ، وعبد الرزاق عفيفي ، ومحمد خليل هراس ، وأحمد محمد شاكر، وعبد الرحمن الوكيل ، ومحب الدين الخطيب ، وأبو الوفاء درويش . وفي الجزيرة العربية مثل مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم ، والشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ العلامة عبد الرحمن ابن سعدي ، والشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي ، وتقي الدين الهلالي ، وغيره في المغرب العربي ، والشيخ العقبي ، وابن باديس ، وغيرهما من جمعية العلماء في الجزائر وعلماء أهل الحديث في الهند وباكستان ، وغيرهم ممن طار صيتهم من علماء المنهج السلفي وكانوا ضد كل ضلال وانحراف. رابعا: أليس في هؤلاء الذين يخافون حكم الإسلام مرتدون عن الإسلام من الشيوعيين والزنادقة؟ فما حكم الإسلام فيهم ؟ أما إسلام الصحابة وأبي بكر - رضي الله عنهم - فحكمه فيهم استئصال شأفتهم بالسيف ؟ لأنهم مرتدون . . . وأما إسلام سيد قطب وحكمه فيهم بالتدليل وضمان الحرية لهم ولأقلامهم وأفكارهم والحماية والرعاية لهم ولمبادئهم وكتبهم التي يصيح بها التافهون والمحترفون من قراء كتب السنة والفقه إن بقيت لهم أصوات لم تخنق ولم تكبت في دولة سيد قطب . خامسا: انظر ماذا كان يبيت سيد قطب للعلماء الذين يسميهم رجال الدين ؟! وماذا كان يبيت لأصحاب الأموال والموظفين وغيرهم لو وصل إلى دفة الحكم ؟! أي جحيم كانوا سيلقون في أتونها في هذه الحكومة ؟ إنه سيجرد العلماء من مناصبهم وسيجرد كبار الملاك ورجال الأموال من ممتلكاتهم وأموالهم وأصحاب الوظائف من وظائفهم وسيسوقهم بسياط الاستعباد والاستذلال كالحمير والبغال لعمل منتج في دولة لا تعرف الرحمة يتربع قمتها هو والمفكرون ورجال الفنون والجلادون من الضباط الاحرار الذين تربوا على فكره ونظرياته التي لا ترحم والتي يلبسها لباس الإسلام مع الأسف الشديد . سادسا: أي استهانة بالعلماء هذه التي تحشر العلماء مع أحلاس المقاهي والمواخير والحانات . . . إلخ . فإذا جاء من ينتقد سيد قطب بحق قامت الدنيا ولم تقعد واعتبر نقده إغراء على العلماء وتشذيبا لهم. الفصل السادس رمي سيد المفتين والمستفتين في المجتمعات الإسلامية عن مشكلات تواجههم بالسخرية بالإسلام ويقول : (والإسلام نظام اجتماعي متكامل تترابط جوانبه وتتساند، وهو نظام يختلف في طبيعته وفكرته عن الحياة ووسائله في تصريفها، يختلف في هذا كله عن النظم الغربية وعن النظم المطبقة اليوم عندنا، يختلف اختلافا كليا أصلا عن هذه النظم ، ومن المؤكد أنه لم يشترك في خلق المشكلات القائمة في المجتمع اليوم ، إنما نشأت هذه المشكلات عن طبيعة النظم المطبقة في المجتمع ومن إبعاد الإسلام عن مجال الحياة . ولكن العجيب بعد هذا أن يكثر استفتاء الإسلام في تلك المشكلات ، وأن يطلب لها عنده حلول ، وأن يطلب رأيه في قضايا لم ينشئها هو ولم يشترك في إنشائها. العجب أن يستفتى الإسلام في بلاد لا تطبق نظام الإسلام ، في قضايا من نوع (المرأة والبرلمان ) ، و(المرأة والعمل ) ، و(المرأة والاختلاط ) ، و(مشكلات الشباب الجنسية) وما إليها ، وأن يستفتيه في هذا وأمثاله ناس لا يرضون للإسلام أن يحكم ، بل إنه ليزعجهم أن يتصوروا يوم يجيء حكم الإسلام. والأعجب من أسئلة هؤلاء أجوبة رجال الدين ودخولهم مع هؤلاء السائلين في جدل حول رأي الإسلام وحكم الإسلام في مثل هذه الجزئيات ، وفي مثل هذه القضايا، في دولة لا تحكم بالإسلام. ما للإسلام اليوم وأن تدخل المرأة البرلمان أو لا تدخل ؟ ! ماله وأن يختلط الجنسان أو لا يختلطان ؟ ما له وأن تعمل المرأة أو لا تعمل ؟ ما له وما لأي مشكلة من مشكلات النظم المطبقة في هذا المجتمع الذي لا يدين للإسلام ولا يرضى حكم الإسلام ؟ وما بال هذه الجزئيات وأمثالها هي التي يطلب أن تكون وفق نظام الإسلام ، ونظام الإسلام كله مطرود من قوانين الدولة ، مطرود من حياة الشعب ؟! إن الإسلام كل لا يتجزأ، فإما أن يؤخذ جملة وإما أن يترك جملة. أما أن يستفتى الإسلام في صغار الشؤون ، وأن يهمل في الأسس العامة التي تقوم عليها الحياة والمجتمع ، فهذا هو الصغار الذي لا يجوز لمسلم - فضلا على عالم دين - أن يقبله للإسلام ، إن جواب أي استفتاء عن مشكلة جزئية من مشكلات المجتمعات التي لا تدين بالإسلام ولا تعترف بشرعيته أن يقال : حكموا الإسلام أولا في الحياة كلها، ثم اطلبوا بعد ذلك رأيه في مشكلات الحياة التي ينشئها هو لا التي أنشأها نظام آخر مناقض للإسلام... إنني أعتبر كل استفتاء للإسلام في قضية لم تنشأ من تطبيق النظام الإسلامي ، والإسلام كله مطرود من الحياة، إنني أعتبر كل استفتاء من هذا النوع سخرية من الإسلام ، كما أعتبر الرد على هذا الاستفتاء مشاركة في هذه السخرية من أهل الإفتاء، والذين يصرخون اليوم طالبين منع المرأة من الانتخاب باسم الإسلام ، أو منعها من العمل باسم الإسلام ، أو إطالة أكمامها وذيلها باسم الإسلام ، ليسمحوا لي مع تقديري لبواعثهم النبيلة أن أقول لهم : إنهم يحيلون الإسلام إلى هزأة وسخرية، لأنهم يحصرون المشكلة كلها في هذه الجزئيات . إن طاقاتهم كلها يجب أن تنصرف إلى تطبيق النظام الإسلامي والشريعة الإسلامية في كل جوانب الحياة. . . يجب أن يأخذوا الإسلام جملة وأن يدعوه يؤدي عمله في الحياة جملة، فهذا هو الأليق لكرامة الإسلام وكرامة دعاة الإسلام. هذا إذا كانوا جادين في الأمر، مخلصين في الدعوة . . . أما إذا كان الغرض هو الضجيج الذي يلفت النظر، وهو في ذات الوقت مأمون لا خطر فيه ، فذلك شأن آخر أحب أن أنزه عنه على الأقل بعض الهيئات والجماعات)( ) أقول: أولا: إن سيد قطب قد أداه حماسه لتطبيق الشريعة على فهمه إلى أمرين خطيرين: أحدهما: سد باب الإفتاء والاستفتاء واتهام المفتين والمستفتين بالسخرية بالإسلام. فالسؤال من أناس مسلمين يعتزون بإسلامهم ويتطلعون إلى دينهم ليعالج مشاكلهم فينفذون منه ما يستطيعون. والمفتون يفتون بما يفهمون ويعملون من حلول إسلامية لمجتمع مسلم فرضت عليه قوانين غير إسلامية فرضا من عدو مستعمر. ألا يدل هذا الإفتاء والاستفتاء على احترام الناس لدينهم وحبهم له وثقتهم فيه؟ وألا يدل على أن العلماء يعتزون بدينهم ويحرصون على ربط الناس به وفزعهم إليه عند المشكلات والملمات التي تلم بهم ؟ ثانيهما : وهو الأخطر، وهو رمي المجتمعات الإسلامية بأنها لا تدين بالإسلام ، فهذه دندنة حول تكفيرهم. انظر إلى قوله : (ما له ولأي مشكلة من مشكلات النظم المطبقة في هذا المجتمع الذي لا يدين للإسلام ولا يرضى حكم الإسلام). انظر إلى قوله : (إن جواب أي استفتاء عن مشكلة جزئية من مشكلات المجتمعات التي لا تدين بالإسلام ولا تعترف بشريعته أن يقال : حكموا الإسلام أولا في الحياة كلها ثم اطلبوا بعد ذلك رأيه في مشكلات الحياة التي ينشئها هو). وهكذا ينظر إلى المجتمعات الإسلامية بهذا المنظار ويحكم عليهم بهذه الأحكام ، لا في هذا الكتاب ، بل في كل كتبه أو جلها. ثم هل الإسلام ينشيء المشاكل ؟ حاشاه من ذلك ! إنما هو يعالج المشاكل التي ينشئها أهل الأهواء والضلال والفسوق والنفاق. ثانيا : إن معظم رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أرسلهم الله إلى أمم تعبد الأوثان وترتكب المحرمات والفواحش ليعالجوا المشاكل التي أنشأتها جاهلياتهم ووثنياتهم ، فدعوا إلى توحيد الله ونهوا عن الشرك ونهوا عن الفواحش والمحرمات التي تمارسها تلك الأمم ، وقد أنشأتها جاهلياتهم ، ويتقدمون إلى تلك الأمم الكافرة الجاحدة الكنودة بالزواجر والنواهي والتحذير والإنذار من مخالفتها، كل ذلك وأممها ترفض ذلك . كل ذلك ولم يكن لهم دول ولا أنظمة. ولم يقولوا: ما للإسلام وهذه المشكلات التي لم ينشئها ؟! وما للإسلام والفواحش والمنكرات التي لم يشارك في إنشائها ؟! ولم يقفوا مكتوفي الأيدي حتى تقوم لهم دول وحكومات ، وإنما يبلغون رسالات الله في حدود طاقاتهم . قال تعالى عن شعيب : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} هود : 84 . وقال عن لوط عليه السلام : { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ} العنكبوت : 28 وقال تعالى عن العبد الصالح لقمان : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان : 13 { يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} لقمان : 17 - 18 ولقد واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجاهلية في العهد المكي ، وهي في شركها منغمسة في كثير من الانحرافات الأخلاقية والاجتماعية، وليس له دولة، فدعا إلى التوحيد ونبذ الأوثان وخلعها، وحارب الفواحش والمنكرات والمحرمات ، ولم يقل : ما لي ولهذه المنكرات التي لم يشارك الإسلام في إنشائها ؟ ! قال تعالى لرسوله الكريم : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}( ) وقد عالجت السور المكية كثيرا من المشاكل الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، وإن كان محور الدعوة الأصيل هو التوحيد ومحاربة الشرك. ولا سيما هذه السورة المكية سورة الأنعام التي استشهدنا بالآيتين السابقتين منها، فإن فيها بالإضافة إلى ما سبق تحريم الميتة ولحم الخنزير والدم وما أهل به لغير الله. كل ما ذكرناه كان في مجتمعات جاهلية. فكيف بمجتمع يدين بالإسلام ؟ فإذا سأل سائل وأجابه مفت عالم ، استنكر ذلك سيد قطب واعتبر الاستفتاء والإفتاء سخرية بالإسلام . . . إلى آخر ما اعترض به سيد قطب على المفتين والمستفتين وإلى آخر تكفيره للمجتمعات الإسلامية. إن الله يبغض الفواحش أشد البغض ، ولا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش. عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال : قال سعد بن عبادة : لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : "تعجبون لغيرة سعد، والله لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن "( ) فكيف يقول سيد قطب : (ما للإسلام اليوم وأن تدخل المرأة في البرلمان أو لا تدخل ، وأن يختلط الجنسان أو لا يختلطان . . . إلخ). ما هكذا الدعوة إلى تطبيق نظام الإسلام بإزهاق آخر نفس للإسلام ، ثم يدعو إلى إنشاء مجتمع إسلامي جديد في خيال سيد بعد الحكم على المجتمعات الإسلامية بالكفر ما هكذا يكون الإصلاح وما هكذا يا سعد تورد الإبل ثالثا: يجب أن يفهم العقلاء نوع الحكم الذي يتحمس له سيد قطب ويكفر الناس المحكومين قبل الحكام من أجله لأنهم لم يطبقوه. إنه حكم يختلس من الديمقراطية إنشاء البرلمانات والانتخابات تحت ستار الشورى الإسلامية يشارك في قمتها وإدارة دفتها اليهود والنصارى والعلمانيون تحت ستار أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وقبلهم الروافض وغلاة الصوفية القبورية، وسيكون من علامات تقدمها إنشاء الكنائس والبيع وتشييد القبور والحسينيات ، وإنشاء مجلس أعلى للصوفية يتبعه إدارة أو إدارات للأضرحة تجبي غلال صناديق النذور ! ! ويستل من الشيوعية الحمراء الاشتراكية المدمرة التي تبدأ بالعلماء فتجردهم من مناصبهم لأنهم يساندون النظام الإقطاعي ، وينتزع من كبار الملاك أراضيهم ودورهم ، ويعرج على أصحاب الأموال يبتز أموالهم لأنهم إقطاعيون ورأسماليون ، ويطرد الموظفين والمستخدمين من وظائفهم ، ثم يسوق الجميع بسياط الاشتراكية إلى المصانع والمعامل والحقول الزراعية المؤممة ، وكل هذا وذاك سيكون باسم الإسلام ، واشتراكية الإسلام ، وعدالة الإسلام ، الإسلام الذي يقول عنه سيد قطب : (إنه يصوغ من الشيوعية والمسيحية معا مزيجا كاملا يتضمن أهدافهما ويزيد عليهما بالتناسق والتوازن والاعتدال ) . الفصل السابع وعد الرفاق بمطاردة العلماء الذين يرميهم بضيق الأفق وجمود التفكير ويسخر بعمائمهم يقول سيد قطب: (بقي الخوف من ضيق آفاق القائمين على الحكم الإسلامي وجمود تفكيرهم ، وما أحسب هذه الصورة التي قامت في أذهان هؤلاء الرفاق( ) إلا من اقتران حكم الإسلام بعمائم الشيوخ ومسابح الدراويش. وإذا تبين أن هؤلاء لن يكونوا إسناد حكم الإسلام في مصر بل طرداؤه ، ما لم يغيروا ما بأنفسهم ، ويعملوا عملا منتجا غير مجرد الصلوات والأذكار والتراتيل ، وإذا تبين هذا فيجب أن تخفى هذه الصورة النكدة لحكم الإسلام ما لم تكن هذه التهمة موجهة لمبادىء الإسلام في ذاتها لا للمشايخ والدراويش ، فهل إنه لكذلك ذلك الدين العظيم ؟!)( ). أقول: 1- نعم هناك دراويش لكن ما علاقتهم بالحكم في الإسلام ؟ ثم هل علماء الإسلام والحق على هذه الصورة المزرية التي يصورهم بها سيد؟ ثم لماذا - وهذا هو البلاء - يذكر الصلوات والتراتيل والأذكار في هذا السياق الساخر المرضي للعلمانيين وأعداء الإسلام من الرفاق ، إن هذا الأسلوب وأمثاله من سيد وأمثاله هو الذي جرأ الشباب على الطعن في العلماء واحتقارهم واحتقار علمهم وفتاواهم. 2- انظر ماذا يبيت سيد قطب للعلماء ؟ إنه يهددهم بالمطاردة، ومن هو البديل ؟ إنهم الرفاق والمثقفون من الجهلاء بالإسلام. 3- إنه سيسوقهم بسياط الجلادين إلى حقول المصانع وسائر الأعمال المنتجة، كل ذلك تنفيذا لمبادىء دولة سيد قطب التي يلبسها بقوة لباس الإسلام . 4- من المؤسف تكراره لذكر الصلوات والأذكار في هذه السياقات المشينة التي يهين فيها العلماء أشد أنواع الإهانات. الفصل الثامن طعنه في حكومات إسلامية منها الحكومة الإسلامية السلفية في الجزيرة العربية قال سيد قطب: ( وبعض هذه الشبهات ناشىء من التباس صورة حكم الإسلام ببعض أنواع الحكومات التي تسمي نفسها (حكومات إسلامية) وتمثيل هذه الحكومات لحكم الإسلام كتمثيل من يسمونهم (رجال الدين ) لفكرة الإسلام ! كلاهما تمثيل مزور كاذب مشوه ، بل تمثيل النقيض للنقيض ، ولكن الجهل بحقيقة فكرة الإسلام عن الحكم حتى بين (المثقفين) لا يدع صورة للحكم الإسلامي أخرى غير هذه الصورة المزورة الشائهة الكريهة)( ) . فهذه الطعنات الآثمة الموجهة في الدرجة الأولى للحكومة الإسلامية الصحيحة دولة التوحيد والسنة، وعلى قمتها علماء السنة والتوحيد، التي أثبتت بواقعها الإسلامي الصحيح وبشهادة العلماء المنصفين أنها قائمة على كتاب الله وعلى سنة رسوله في عقيدتها ومنهجها وحكمها وتعليمها، وإن كان هناك نقص لم تسلم منه دولة بعد الخلافة الراشدة، فإنها هي الدولة الإسلامية الحقة والقلعة الحصينة للإسلام وندعوها إلى تلافي هذا النقص الذي يوجبه الإسلام ، ونسأل الله لها التوفيق والسداد . والحكومة الإسلامية التي يتصورها سيد قطب لن تكون أصلح من أفسد الحكومات التي يقول: (إنها تمثل الإسلام تمثيلا مزورا مشوها)، فهي على علاتها تعتز بالإسلام وتحترم العلماء وتقوم على جوانب منه ، وأعتقد أن هذه الحكومات التي أشار اليها منها حكومة الأدارسة في ليبيا، والحكومة المتوكلية في اليمن ، فمهما قيل فيها فإنها خير من التي يتخيلها ويصورها للناس، والتي ستكون عقائدها أفسد ونظامها أبعد من الإسلام فهو يتخيل حكومة اشتراكية لا تبقي للناس سبدا ولا لبدا، وحكومة برلمانية يزعم لها أنها شورية هذا إن التزمت بذلك ، وإلا فستكون دكتاتورية مستبدة كما يلمس ذلك من الأحزاب القائمة على فكره التي لا تحتمل نقدا مهما سطع فيه نور الحق ولا توجيها إسلاميا مهما صحت دلائله وبراهينه ، سواء تعلق بالعقيدة أو تعلق بالسياسة، وحتى لو جاء به مثل أبي بكر وعمر، كما هو واقع بعض الحكومات التي قامت على منهجه وفكره . لو كان يريد حكومة إسلامية صادقة لساند الدولة السعودية وأشاد بها ولطالب الحكومات الأخرى أن تحذو حذوها في العقيدة والمنهج والتطبيق الصحيح ، ولكنه يريد شيئا آخر نضحت به كتبه ، لا نقوله تخرصا ولا تكهنا. قد يقال : إنه كان لا يعرف شيئا عن هذه الحكومة الإسلامية؟ فيقال : كلا، فلقد كان على معرفة واسعة بما يجري في العالم الإسلامي وغيره ، والذي يقرأ كتابه "دراسات إسلامية" مثلا يدرك أنه كان يعرف ما يجري في الاتحاد السوفييتي على المسلمين وما يجري عليهم في الصين والهند والحبشة وفي أدغال أفريقيا وآسيا( ) ، فكيف يجهل ما يجري في جزيرة العرب بلاد الحرمين والبترول التي يعلم ما يجري فيها وما يوجد فيها من الخير عامة المسلمين وخاصتهم ، بل حتى غير المسلمين يعرف ذلك . الفصل التاسع سيد يسخر بدعوة هيئة كبار العلماء في مصر إلى تغيير المنكرات ومحاربة الأخلاق الإباحية والتحلل قال سيد قطب تحت عنوان (إني أتهم) تكلم فيه بأسلوب ثوري مادي لا يشبه أساليب العلماء والمصلحين ، وكثير من عباراته لا يستطاع نقلها لثقلها على أسماع المسلمين ، بل وغير المسلمين . وفي هذا المقال تناول العلماء بأسلوب ساخر جدا، لأنهم قالوا كلمة حق تتضمن إنكار المنكرات ، قال ساخرا مع الأسف : (وهنا ينبعث السادة الأجلاء من هيئة كبار العلماء من سباتهم الطويل العميق ، ينعون الأخلاق الضائعة والفواحش الشائعة، ولا يدعون ثبورا واحدا بل ثبورا كثيرا، فلننصرف إلى السادة الأجلاء لحظة لنسمع منهم الوعظ الشريف ، ترويحا للنفس عن ذلك الجد الكريه الذي نعانيه هذه بعض عريضتهم إلى رئيس الحكومة في يوم من الأيام : وإن الناظر في حال أمتنا العزيزة، وما آل إليه أمر الدين والخلق فيها، ليهوله ما يرى، ويأخذه كثير من الحزن على حاضرها الذي صارت إليه ، ويخالجه كثير من الإشفاق على مستقبلها الذي هي مقبلة عليه ، فقد استهان الناس بأوامر الدين ونواهيه ، وجنحوا إلى ما يخالف تقاليد الإسلام ، ودخل على كثير منهم ما لم يكن يعهد من أخلاق الإباحية والتحلل ، جريا وراء المدنية الزائفة واغترارا ببريقها الخادع ، وكثرت عوامل الإفساد والإغراء في البلاد، ولا سيما أمام ناشئتها وفتيانها المرجوين للنهوض بها والأخذ بيدها في حاضرها ومستقبلها. . . فمن حفلات ماجنة خليعة يختلط فيها الرجال والنساء على صورة متهتكة جريئة يشرب فيها الخمر ويرتكب فيها ما ينافي المروءة والخلق الكريم . . . إلى أندية يباح فيها القمار، ويسكب على موائدها الذهب ، وتبرز فيها الأموال ، وتزلزل بسببها البيوت والكرامات . .. إلى ملاعب للسباق والمراهنات تنطوي على ألوان من الفساد وإضاعة المال . . . إلى مسابقات للجمال إنما هي معارض للفسوق والإثم يرتكب فيها ما يندى له جبين الدين والخلق والمروءة ويباح فيها من المحرمات أكبرها وأخطرها . . . إلى شواطىء في الصيف يخلع فيها العذار، ويطغى فيها الأشرار... إلى أخبار غير ذلك تذكر وتنشر، وتوصف وتصور، وتستثار بها كوامن الشهوات والغرائز، في غير تورع ولا حياء... إلى كثير من ألوان المنكرات وفنون الموبقات 000 )( ) قال سيد قطب معلقا في سخرية وتهكم وتعجب : وي ! وي ! أو هذا هكذا أيها العلماء الأجلاء ؟! يا سبحان الله ! ولا حول ولا قوة إلا بالله حقا إنه لأمر جلل يوجب النقمة ويستوجب اللعنة . . . ولكن ! وقد قدر لشفاهكم الكريمة أن تنفرج عن كلام في المجتمع . أفما كانت هناك كلمة واحدة تقال عن المظالم الاجتماعية الفاشية، وعن رأي الإسلام في الحكم ، ورأيه في المال ، ورأيه في الفوارق الاجتماعية التي لا تطاق؟ وما الذي كنتم تنتظرونه أيها السادة الأجلاء من أوضاعنا الاجتماعية القائمة إلا هذا الفساد التي تناولت خطبتكم الشريفة ظواهره وتجنبت خوافيه ؟! أوضاعنا الاجتماعية التي تجد منكم السند والنصير والتي يصيبكم البكم فلا تشيرون إليها عارضة من قريب أو بعيد؟ لأن السكوت عنها من ذهب : ذهب إبريز( ) هذا بعض شكوى هيئة كبار العلماء في بلده وفي عصره ، فبدل أن يشكرهم على هذا الموقف الطيب ويشجعهم على المضي قدما في معالجة الأوضاع المتردية ومحاربة المنكرات الفاشية ويطلب منهم المزيد من المواقف الطيبة بدءا بمحاربة مظاهر الشرك التي لم تخطر ببال سيد قطب ويصيبه وأمثاله البكم تجاهها وتجد فيهم السند والنصير، بدلا من تشجيعهم طفق يسخر منهم ويهون من خطوتهم الطيبة الإيجابية في طريق الإصلاح . ألأجل أنهم خالفوا منهجه الثوري فقط يسخر بهم هذه السخرية الظالمة؟ أتدري ما الذي جرته دعوتك السياسية الثورية على الإسلام والمسلمين من البوار والدمار؟ يشهد الله وملائكته والعقلاء من الناس وكبار الإخوان المسلمين أن دعوة الإخوان المسلمين السياسية التي اعتنقها سيد قطب حتى مات من أجلها أنها كانت مفتوحة الأبواب على مصاريعها لكل أرباب البدع والضلال ، من روافض ، وخوارج ، وصوفية غالية قبورية، ولكل راغب من النصارى، ولكل منافق زنديق ، ولكل عشاق المناصب ، ولكل حاقد ومتعطش للدماء وسلب الأموال إلى مآخذ أخرى لا يتسع المقام لذكرها. فيا معشر الشباب المخدوعين ! أفيقوا من سكرتكم ، واخرجوا من الزنازين المظلمة والسراديب والقماقم التي سجنكم فيها سماسرة ودهاقين السياسة الماكرة وكبلوا عقولكم بأصفاد وأغلال التبعية الخرقاء العمياء ينعقون بكم كقطعان المواشي زاعمين لكم أن هذا هو طريق الإسلام وهذا هو طريق الحرية، وما من شيء من هذا أو ذاك إلا ما ذكرته لكم ، وأمثل الإسلام عندهم ما في السودان وأفغانستان ، ولا يمكن أن تعرفوا حقيقة ذلك إلا إذا خرجتم من تلك السراديب والزنازين والقماقم وحطمتم تلك الأغلال والأصفاد ، فإن آثرتم عبودية الزنازين والقماقم والسراديب ، فلن تزروا عند الله وعند من يعرف هذه الحقائق إلا بأنفسكم ، ولن تضروا الله شيئا، وسيقول من يعرف الحقيقة والواقع: ولو أن قومي أنطقتني رماحهم نطقت ولكن الرماح أجرت وسيقول : لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي وسيصدق فيكم : ومن يكن الغراب له دليلا يمر به على جيف الكلاب الفصل العاشر كشف تواطؤ رجال الدين المحترفين ويقول سيد قطب : (فرائض غير الزكاة : ومع ذلك فالزكاة ليست وحدها حق المال وإنا لنلحظ شبه تواطؤ بين من يتحدثون عن الزكاة في هذه الأيام على اعتبارها الحد الأقصى الذي يطلبه الإسلام دائما من رؤوس الأموال ، لذلك ينبغي أن نكشف هذا التواطؤ الذي يتعمده رجال الدين المحترفون ، كما يتعمده من يريدون إظهار النظام الإسلامي بأنه غير صالح للعمل في عصر (الحضارة)( ) . إن الزكاة هي الحد الأدنى المفروض في الأموال ، حين لا تحتاج الجماعة إلى غير حصيلة الزكاة، فأما حين لا تفي فإن الإسلام لا يقف مكتوف اليدين ، بل يمنح الإمام الذي ينفذ شريعة الإسلام سلطات واسعة للتوظيف في رؤوس الأموال ؟ أي الأخذ منها بقدر معلوم في الحدود اللازمة للإصلاح ، ويقول بصريح الحديث : "إن في المال حقا سوى الزكاة" . ودائرة المصالح المرسلة وسد الذرائع دائرة واسعة تشمل تحقيق كافة المصالح للجماعة، وتضمن دفع جميع الأضرار)( ) . والشاهد من كلام سيد هذا هو طعنه في العلماء واتهامهم بأقبح أنواع الاتهام وأفظعها. ثم إن الحديث الذي احتج به ضعيف رواه الدارمي (1/385) والترمذي من طريق شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس ، وقال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بذاك ، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف ، وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله وهذا أصح ، وقال فيه الحافظ "ضعيف" انظر التقريب . ولو كان الحديث صحيحا ، لكان معناه غير ما يهدف إليه سيد قطب من الاشتراكية الظالمة. والمصالح المرسلة مختلف فيها، ولو اتفق العلماء على اعتبارها ، فلا يمكن أن يخطر ببال العلماء هذه الاشتراكية الظالمة التي يدعو إليها سيد قطب ويقررها. ويقول سيد : وقد احتج بعض المحترفين من رجال الدين ذات يوم بالقول بأن ما أديت زكاته ليس بكنز للتدليل على أن حق المال هو الزكاة وحدها، وأن لا حرج في الكنز بعد ذلك ، ولكن هناك حديثا صريحا يبين حدود الكنز، ويبين فيم يحتفظ الباقي بعد الزكاة حتى لا يكون كنزا، ذلك هو قوله صلى الله عليه وسلم : ((من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة، ولا يعده لغريم : ولا ينفقه في سبيل الله ، فهو كنز يكوى به يوم القيامة)). وقد أبان هذا الحديث ما يجوز الاحتفاظ به ، والأغراض التي يجوز الاحتفاظ به من أجلها، وما عدا هذا، فهو كنز ينطبق عليه نص التحريم ، وهكذا فليفهم الإسلام على ضوء مبادئه الكلية العامة في هذا المجال )( ) . الشاهد من هذا الكلام طعن سيد قطب في العلماء بهذا الأسلوب ، والملاحظ أنه لا يذكرهم إلا باسم رجال الدين على طريقة الأوروبيين والأمريكان ، ومن سار على دربهم . ثم إنه أحال بهذا الحديث على "تفسير القرطبي "، وهو حديث ضعيف رواه عبدالرزاق في المصنف (2/428) من طريق موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف ، ومعناه منكر لأنه يخالف نصوصا كثيرة في الكتاب والسنة منها أحاديث الزكاة ومقاديرها . لقد تعلق سيد بهذا الحديث الباطل وعارض به نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة على تحريم أموال المسلمين ، وخالف به جمهور علماء الأمة في تفسير الكنز. قال النووي - رحمه الله تعالى - قال القاضي : (واختلف السلف في المراد بالكنز في القرآن والحديث ، فقال أكثرهم : هو كل مال وجبت فيه الزكاة، فلم تؤد، فأما مال أخرجت زكاته ، فليس بكنز. قيل : الكنز: هو المذكور عن أهل اللغة، ولكن الآية منسوخة بوجوب الزكاة. وقيل : المراد بالآية أهل الكتاب المذكورون قبل ذلك . وقيل : كل ما زاد على أربعة آلاف فهو كنز، وإن أديت زكاته. وقيل : هو ما فضل عن الحاجة، ولعل هذا كان في أول الإسلام وضيق الحال. واتفق أئمة الفتوى على القول الأول ، وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم : ((ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته))( ) وذكر عقابه. وفي الحديث الآخر: "من كان عنده مال ، فلم يؤد زكاته ، مثل له شجاعا أقرع . . . "، وفي آخره : "فيقول : أنا كنزك "( ) وقال النووي أيضا في شرح حديث جابر في عقوبة من يقصر في أداء حق المال وحق الإبل ومنه: قال رجل : يا رسول الله ! ما حق الإبل : قال : "حلبها على الماء ، وإعارة دلوها ، وإعارة فحلها ، ومنيحتها ، وحمل عليها في سبيل الله( ). قال النووي : (قال القاضي : قال المازري : يحتمل أن يكون هذا الحق في موضع تتعين فيه المواساة، قال القاضي : هذه الألفاظ صريحة في أن هذا الحق غير الزكاة، قال : ولعل هذا كان قبل وجوب الزكاة، وقد اختلف السلف في معنى قول الله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} فقال الجمهور: المراد به الزكاة، وأنه ليس في المال حق سوى الزكاة، وأما ما جاء غير ذلك ؟ فعلى وجه الندب ومكارم الأخلاق . . . وقال بعضهم : هي منسوخة بالزكاة، وإن كان لفظه لفظ خبر فمعناه أمر . قال : وذهب جماعة منهم الشعبي والحسن وطاووس وعطاء ومسروق وغيرهم إلى أنها محكمة، وأن في المال حقا سوى الزكاة من فك الأسير وإطعام المضطر والمواساة في العسرة وصلة القرابة). أقول : من هذه النقول يدرك القارئ أن ما يفتي به من يسميهم سيد قطب بالمحترفين من رجال الدين هو قول جمهور علماء الأمة، واتفق عليه أئمة الفتوى، وهو القول الصحيح الراجح الذي تؤيده الأدلة، ولو أفتوا بقول مرجوح فما يحق لسيد أن يطعن فيهم هذه الطعون ، فكيف وهم يفتون بالقول الراجح . الفصل الحادي عشر الكتب الصفراء ويقول : (وكل هذه الشبهات كان يكفي في جلائها مجرد المعرفة الصحيحة للحقائق التأريخية والاجتماعية للإسلام أي أن يتلقى الجيل ثقافة حقيقية لائقة. . . أجل لائقة . . . وليست هذه الثقافة عسيرة - كما يتصور الكثيرون - حين يتصورون الكتب الصفراء، وتتمثل لهم صورة الدراسة الأزهرية بما فيها من الغاز ومعميات ! كلا إن هذا ليس هو الثقافة الإسلامية المطلوبة للجيل ، فالإسلام يسر لا عسر، وهو عقيدة بسيطة واضحة لا تعقيد فيها ولا غموض ، ونظام اجتماعي متوازن متناسق لا إقطاع فيه ، ولا ترف ولا حرمان ، ونظام للحكم ليس فيه حقوق إلهية، ولا دم أزرق ولا استبداد ولا طغيان)( ) أقول: أولا: إن الكتب الصفراء التي يسخر منها سيد قطب جلها كتب الحديث والتفسير والفقه . ثانيا: الدراسة الأزهرية على ما فيها من بدع وتصوف هي أقرب إلى الإسلام من الدراسات التي قدمتها باسم الإسلام ، فما من شيء يؤخذ على الأزهر إلا وهو عندك على أسوأ صورة، ولك زيادات باطلة يحاربها الأزهر وغيره بحق. ثالثا: كيف تحيل المثقفين بما فيهم الشيوعيين والعلمانيين على الحقائق التاريخية والاجتماعية للإسلام ، وقد شوهت كل ذلك بما كتبته في كتابك "العدالة الاجتماعية" بالطعن في الخليفة الراشد عثمان وفي حكمه وخلافته وسيرته وعهده كله. وبالطعن في الدولة الأموية والعباسية حتى أخرجتهما عن حدود الإسلام في سياسة الحكم والمال . وبالطعن في الأمة بعد ذلك وتكفيرها في "العدالة الاجتماعية" ، وفي "ظلال القرآن " ، و"معالم في الطريق " ، و"الإسلام والحضارة". رابعا: أن الإسلام يسر لا عسر كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى - رضي الله عنهما -: ((ادعوا وبشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا"( ) وكما قال : "يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا"( ) وكما قال : "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين "( ) وليس كما تصوره أنت بأنه يصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجا كاملا يتضمن أهدافهما جميعا. وهل من يسره ورحمته انتزاع الثروات والملكيات جميعا كما ينسب سيد قطب ذلك إلى الإسلام؟ وهل من يسره الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكفير المسلمين بدون ضوابط ولا ورع ؟ ! وهل من يسره السخرية بالعلماء ؟! ومداهنة الرفاق والمثقفين ؟! والشدة على المسلمين؟! وهل من يسره رقة الحديث ولينه إذا كان الحديث عن موقف المسلمين من الكفار سواء كانوا من الذميين أو غير الذميين ؟! إن في الإسلام يسرا لا تمييع فيه ، وقوة وحزما لا ظلم فيهما ولا عسف. الفصل الثاني عشر طعنه في علماء الأمة الإسلامية على امتداد عصورها ويقول سيد قطب : (ويرتب الإسلام على نظرته نتائجها، فينهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعطي قيمة لما يتمتع به بعضهم من متاع خلاب ، فإنما هو فتنة واختبار وابتلاء {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}. ويفهم بعضهم أن هذه الآية ونظائرها إنما تدعو إلى ترك الأغنياء يفتنون كما يشاءون( ) ورضى الفقراء بحرمانهم حقوقهم التي يكفلها الإسلام لهم ، وهو خاطئ لا يلتفت إلى التصور الإسلامي العام . وهو تفسير المحترفين من (رجال الدين) في عصور الاستبداد لتنويم الشعور العام وكفه عن المطالبة بالعدالة الاجتماعية ، وعليهم وزرهم ، والإسلام من تأويلهم بريء). الشاهد منه الطعن في العلماء لا في هذا العصر الحاضر، بل في العصور الإسلامية كلها بما في ذلك عصر عثمان وبني أمية وهلم جرا . لماذا ؟! لأن علماء الإسلام كلهم على خلاف منهجه الاشتراكي . فلذا هو يوجه لهم هذه الطعنة التي تلقفها عن زعماء المذهب الاشتراكي الهدام للدنيا والدين . ارجع إلى أقوال علماء الإسلام في كتب التفسير وشروح الحديث وكتب الفقه فلن تجد من يوافق سيد قطب على اشتراكيته التي يسميها بـ (العدالة الاجتماعية). ولن تجد من يوافقه على محاربة الغنى من الطرق المشروعة إذا أدوا زكاتها وأدوا الحقوق التي فرضها الله فيها، لذا فهو يطعن في العلماء. إن سيد قطب يشبه هنا حال المسلمين بحال المجتمعات الأوروبية النصرانية في عهود الظلام - ولا تزال في ظلام - والاستبداد التي قاومها الثوار وقاومها الشيوعيون والتي لا يمكن أن يقاس فيها العالم الإسلامي ، ولا يقاس علماؤه على علماء الكنائس التي كانت تساند تلك الأوضاع المظلمة التي بلغت أقصى غايات السوء، وسيد يعرف الفروق الهائلة بين هذه الأوضاع التي كانت في أوروبا وبين أوضاع المسلمين قديما وحديثا وإن حصل فيها مخالفات وخلل . قال سيد قطب نفسه في كتابه "الإسلام ومشكلات الحضارة"، قال بعد كلام عن أوضاع أوروبا والصراعات فيها : (ويجب ابتداء أن نميز بين الخصائص الأساسية المميزة للإقطاع بمعناه الاصطلاحي التاريخي الذي عرفته أوروبا وتلك المظاهر الثانوية السطحية التي ربما تكون قد وجدت في أنحاء أخرى من الأرض في عصور مختلفة، فهدا التمييز ضرورة من الناحية العلمية ومن الناحية الشعورية كذلك( ) ، إن نظام الإقطاع في أوروبا لم يكن مجرد وجود ملكيات كبيرة، ولكنه كان مصحوبا بخصائص هذا النظام الأساسي ، وأخص خصائص هذا النظام كانت : 1- تبعية الفلاحين للأرض ، حيث كان وضعه فيها كوضع آلات الزراعة وحيواناتها ، وانتقالهم - مع الأرض - إلى المالك الجديد كما تنتقل الآلات والحيوانات - ولو كانوا لا يباعون كما هو الحال في نظام الرق -، ولكن تبعيتهم للأرض تحرمهم حق الانتقال منها إلى أرض أخرى، كما تحرمهم بطبيعة الحال حق اختيار حرفة أخرى فردية مستقلة . 2- كما كانت إرادة السيد (الشريف ) هي القانون في إقطاعيته ، فهو الذي يشرع للأقنان (رقيق الأرض)، وهو الذي يحدد علاقاتهم به وبالأرض وعلاقات بعضهم ببعض . وهذا هو الإقطاع كما عرفته أوروبا وكما ثارت عليه أيضا . وهاتان الخاصيتان تعتبران العلامتين المميزتين لهذا العهد البغيض . وقد ظلت أوروبا ترزح تحت وطأة هذا النظام الفظيع الذي تهدر فيه قيمة الإنسان - ابتداء - بجعله تابعا للأرض كالماشية وأدوات الزراعة ينتقل معها إلى المالك الجديد ولا يملك أن يحس بكينونته (الإنسانية) مستقلة عن الأرض ، ولا يملك أن يغادرها - ولو إلى إقطاعية أخرى - وإلا اعتبر آبقا بحكم القانون ووجب القبض عليه ورده إلى الأرض التي يتبعها)( ) أقول : فهل كانت الأوضاع في العالم الإسلامي تشبه هذه الأوضاع في أوروبا ؟ كلا ليس الأمر كذلك ، بل الأمر يختلف تمام الاختلاف بشهادة سيد قطب وشهادة كل العقلاء من المسلمين وغيرهم . قال سيد قطب نفسه في السياق نفسه : (ظلت أوروبا ترزح تحت وطأة هذا النظام الفظيع حتى انساحت جموع الصليبيين في الشرق الإسلامي ، واحتكوا بالمجتمع الإسلامي ، وعرفوا عن كثب أوضاع حياة الناس فيه ، ورأوا نظاما آخر غير ذلك النظام الفظيع ، رأوا شريعة يتحاكم إليها الناس جميعا ، حاكمهم ومحكومهم ، غنيهم وفقيرهم ، مالكهم ومعدمهم ، صاحب الأرض والعامل فيها على السواء، شريعة ليست هي إرادة السيد صاحب الأرض ، وليست هي إرادة الأمير كذلك ، ولا السلطان ، إنما هي شريعة تجيئهم جميعا من عند الله ، ويتولى الحكم بها قضاة طالما وقفوا بها في وجه الأمراء والسلاطين عندما كان أحدهم يهم بظلم الرعية أفرادا أو جماعات . وقد ظهر في هذه الفترة بالذات أئمة أقوياء، وقفوا مرات في وجه سلاطين المماليك . وكان لوقفاتهم صداها الذي تتناقله الجماهير في الوطن الإسلامي ، وتعرفها جموع الصليبيين الذين يحتكون بهذا المجتمع خلال قرنين من الزمان . وعلى الرغم من كل ما كان قد وقع في المجتمع الإسلامي في هذا الوقت من انحرافات وعدم مراعاة لشريعة الله في بعض جزئيات الحياة، فإن المسافة بين هذا المجتمع الإقطاعي الذي جاء منه الصليببيون كانت بعيدة بعيدة )( ) ثم استمر يعدد مزايا العالم الإسلامي ويذكر الفروق بينه وبين المجتمعات في أوروبا . وإذا كان حال العالم الإسلامي وحال علماء الأمة الإسلامية كما ذكر هنا ، فهل يجوز له أن يطعن في العلماء الذين يسميهم (رجال الدين) على طريقة ثوار أوروبا من العلمانيين والشيوعيين ؟ ! وهل علماء المسلمين مثل البابوات والقسس وسائر رجال الكنيسة في مساندة الظلم والظلمة والإقطاع والإقطاعيين حتى يطعن فيهم سيد قطب بهذا الأسلوب السيئ البالغ النهاية في السوء ؟! يفعل هذا وهو يعرف هذه الفروق الشاسعة بين حال المسلمين وغيرهم . إن سيد قطب يترسم خطى الثوار في أوروبا في منهجه الثوري وأسلوبه الحماسي حذو القذة بالقذة ويلبس كل ذلك بلباس الإسلام . وكثير من شباب الأمة اليوم يترسمون خطاه حذو القذة بالقذة دون علم ولا هدى ولا كتاب منير. لقد نسي سيد كل هذه الفروق ، ثم دأب في جل مؤلفاته على أساليب ثورية تهييجية تكفيرية يعرفها كل من قرأ كتبه ، وما كتابه "معركة الإسلام والرأسمالية" إلا تهييج وثورة ثم سخرية بالعلماء في الوقت نفسه ، وذلك ركن من أركان ثورته ! وخذ مثلا واحدا من أمثلة التهييج والتثوير: لقد ختم كتابه "معركة الإسلام والرأسمالية "( ) بفصل يلهب فيه مشاعر الجماهير ويحركهم لأخذ حقوقهم - كما يزعم – بأيديهم على غرار دعوة ثوار أوروبا وماركس ولينين ومزدك قبلهم - قال فيه : والآن أيتها الجماهير. . . الآن ينبغي أن تتولى الجماهير الكادحة المحرومة المغبونة قضيتها بأيديها . . . ينبغي أن تفكر في وسائل الخلاص . . . إن أحدا لن يقدم لهذه الجماهير عونا إلا أنفسها، فعليها أن تعنى بأمرها، ولا تتطلع إلى معونة أخرى. ثم استمر في الهاب مشاعر الغوغائيين بمثل هذا الأسلوب المهيج باسم الإسلام والإسلام منه براء. . . إلى أن قال في خاتمة هذا الفصل : والآن أيتها الجماهير. . . لقد تبين أن أحدا لن يمد يده إليك ما لم تمدي أنت يدك إليك ، إن الطرق جميعا لا تؤدي إلى الخلاص الحق ، اللهم إلا طريقك الواحد الأصيل . أيتها الجماهير. . . لقد تعين لك طريق الكرامة الإنسانية، وطريق العدالة الاجتماعية، وطريق المجد الذي عرفته الأمة الإسلامية مرة، والذي تملك أن تعرفه مرة أخرى . . . لو تفيق . أيتها الجماهير. . . هذا هو الإسلام حاضر يلبي كل راغب في العزة والاستعلاء والسيادة وكل راغب في المساواة والحرية، وكل من يؤمن بنفسه وقومه ووطنه( ) ، وكل من يشعر أن له مكانا كريما في ذلك الوجود . أيتها الجماهير: . . . هذا هو الطريق). بهذا الأسلوب المهيج المثير الذي احتذى فيه أسلوب من ذكرناهم. وكل عاقل دارس يعرف أن شعارات : المساواة، والحرية، والأخوة، شعارات ماسونية ، وشعارات الثورة الفرنسية التي وضعها اليهود، كل ذلك يلبسه سيد لباس الإسلام ويهيج به الغوغاء والهمج بما فيه سواد الإخوان المسلمين . وقامت الثورة بقيادة ضباط الإخوان وبقيادة الضباط الأحرار وهم جزء من الإخوان وعلى رأسهم سيد قطب على فاروق الذي لا يماري أحد في فساد حكمه ، ولكن ليس هذا هو الطريق الصحيح . فكيف كانت النتائج لهذه الثورة ؟! لقد تحولت الأوضاع إلى أسوأ مما كانت عليه في عهد فاروق بما لا يقاس في كل ناحية من نواحي الحياة الدينية والدنيوية . وأول ما انصبت عواقب هذه الثورة الغوغائية على رؤوس مهندسيها الإخوان المسلمين ومنهم سيد قطب ، والله يعلم ماذا سيلاقون من الجزاء على هذه السنة السيئة التي سنوها للأنظمة الثورية في العراق وليبيا واليمن وغيرها، التي تحولت بها الأوضاع في هذه البلدان من سيء إلى أسوأ بما لا يقاس في كل النواحي الدينية والدنيوية، وتحولت بها الحريات المنشودة لا إلى عبودية وذل ، بل إلى جحيم ودمار لكل القيم . فليدرك العقلاء أنه ليس هذا هو الطريق ، فليس هذا هو طريق الإسلام ، بل هذا طريق ثوار أوروبا الذين انتقلوا بأهل أوروبا من الرق الروماني الشهير إلى الإقطاع إلى الرأسمالية. . . إلى الماركسية والنازية . غلو في طرف يعالجه غلو آخر في الطرف الآخر وظلم لطبقة يعالجه ظلم آخر لطبقة أخرى.....( ) إن الطريق الصحيح هو الذي شرعه الله العليم الحكيم على لسان رسوله الرحيم الذي لا ينطق عن الهوى، الطريق الذي تمسك به علماء الإسلام إلى يومنا هذا، والذي لا يعرفه الثوريون ، بل يحاربون من يرشد إليه ، ويتهمونهم بالجاسوسية والعمالة على طريقة الثوريين الأوروبيين وأذنابهم من العلمانيين والشيوعيين . . . فأفيقوا أيها الشباب ، واحترموا العلماء، وابحثوا عن طريق السداد والهدى، ولا تسيروا في طريق أهل الجهل والفتن و الغوغاء . وفي الحقيقة ليس هناك فرق كبير بين عصر المماليك والعصر الذي عاش فيه سيد قطب ، بل العصر الذي عاشه كان في الجملة خيرا من عصر المماليك ، ففي عهده قامت دولة التوحيد في الجزيرة على الكتاب والسنة، وكانت هناك دعوات سلفية قوية رافعة راية التوحيد والسنة في الهند وباكستان وبنجلاديش وشرق آسيا ، بل في مصر والسودان والجزائر والمغرب العربي ، ولم تواجه من الأذى ما واجهه شيخ الإسلام ومن معه في عهد المماليك . وما كان في عصر المماليك شيء من ذلك حتى نهض ابن تيمية - رحمه الله - وتلاميذه ، فلاقوا من الأذى والاضطهاد ما لاقوه ، ولكي تتأكد مما قلته أنقل لك ما قاله ونقله المودودي عن المقريزي . حيث قال المودودي : (. . . وكانت حال الأمراء عندئذ أن أكبر دولة كانت بقيت بأيدي المسلمين سليمة من غارات التتر وعدوانهم هي دولة المماليك في مصر والشام ، وهؤلاء المماليك كانوا قسموا قانون دولتهم على قسمين : أحدهما: قانون شخصي تنحصر دائرته في أمور النكاح والطلاق والميراث ، فكان يفصل فيها بحسب أحكام الشرع . والآخر: قانون مدني يحيط بجميع شؤون الناس الداخلية تحت قسمى الحقوق والجنايات ، ويسيطر على نظام الدولة كله ، وهو مبني تماما على الدستور الجنكيزي المتطرف ، ذلك إلى أن ما كان رائجا في البلاد من قانون الشرع الشخصي لم يكن إلا لعامة الرعايا، وأما المماليك الحاكمون ، فكانوا يتبعون حتى في أمورهم الشخصية القانون الجنكيزي لا الشرع المحمدي فى أغلب الأحوال. لكي تقدر كيفية سلوكهم المعارض للإسلام حسبك ما رواه المقريزي من أن المماليك كانوا قد أذنوا في قيام دور البغاء في بلادهم مطلقا، وكانت ضربت على البغايا ضريبة يودع دخلها في بيت مال الدولة الإسلامية، كان معظم من عاصر ابن تيمية من العلماء والصوفية عالة على هذه الدولة، فلم يحز في نفس واحد منهم كل هذه النكبة والحال السيئة التي كان فيها الدين الإسلامي ، ولكنه لما قام الإمام ابن تيمية يسعى للإصلاح ، أخذتهم الأنفة والحمية بغتة، فغدوا يفتون أن هذا الرجل ضال مضل يقول بالتجسيم والتشبيه ، منحرف عن طريقة السلف ، عدو للتصوف وأهله ، يجرؤ على الصحابة والتابعين بنقده ، ويختلق في الدين أشياء، فلا تجوز خلفه الصلاة، وأن كتبه ومؤلفاته لخليقة بأن تحرق)( ) . وبالجملة، فعصر المماليك كان فيه شر كبير وانحراف في العقيدة والشريعة والسياسة والحكم ، كما ذكر المقريزي ، ومع ذلك ، فلم يدع أحد من العلماء صالحهم وطالحهم سنيهم وبدعيهم إلى الثورات والانقلابات التي يدعو إليها سيد قطب والإخوان المسلمون ، ولم تنتشر موجات التكفير في ذلك العصر، بل لم يوجد منها شيء لا في عهد ابن تيمية وتلاميذه ولا قبله ولا بعده ، مع شدة سوء الحال في العقيدة والمنهج والدستور والقوانين . ولم يطبق العلماء على السكوت ، بل كانوا يعالجون الأمور بالعلم والحكمة والصبر . ولو واجهوا الحكام كمواجهة الإخوان المسلمين ، لزادت الأمور سوءا وشرا وفسادا . انظر إلى علاج الإخوان المسلمين لمشاكل المسلمين التي انطلقت منها دعوة سيد قطب . يقول الغزالي : (ولئن مددنا أبصارنا ، فوجدنا طريق الرجولة مفروشا بالأشواك مضرجا بالدماء، فإن عزاءنا في الدنيا - إلى جانب ما نرجوه في الآخرة - أن الخيانة والنكوص قد كلف أصحابه شططا وأذاقهم ويلا)( ) ويقول الغزالي عن نفسه وعن الإخوان المسلمين : (وعلى كل حال ، فنحن ماضون إلى غايتنا، من عمل للإسلام وعمل للأمة، سائلين الله أن يرزقنا التوفيق والسداد في هذا اللون من الجهاد). واليوم تصدر هذه الطبعة وفي الشرق دوي هائل للعمل الضخم الذي حققته عناية الله في مصر. لقد طرد مليكها الغر (فاروق ) شر طردة، وهتكت الأستار عن الفضائح المخزية التي طالما ارتكبها هذا الفاسق وأعوانه ، وتمت هذه الآية على يد الجيش الذي حسبه الطغاة سندا لهم وأبى الله إلا أن يكون هلاكا عليهم . { قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} ( ) وددنا لو انجابت ظلمات الليل المخيم على بلاد الإسلام كلها فاختفت من آفاقها الداكنة بقية الطواغيت التي ما زالت تعيث فسادا هنا وهناك!!! إنما نحس بأن كتاباتنا المتواصلة، بدأت تؤتي ثمارها، وأن سهمنا كبير في هذا النصر المبين . إن الحملات التي شنناها على الأصنام قد انتهت بتحطيم أكبر الأصنام قدرا( ) ، والجهود التي بذلناها لتجرئ الجماهير على أخذ حقوقها وتحقير جلاديها نجحت في إيغار الصدور على الباغين ، وتكثير السواد المتألب ضدهم ، وتقليل العبيد( ) الذي( ) طالما عاشوا في خدمتهم . وسوف نظل على هذا النهج الواضح ، نهتف بالحق ونشغب على الباطل قدر ما نستطيع )( ) وفي الحقيقة أن دعوة الإخوان المسلمين مستمدة من المناهج الكافرة الغربية ألبست لباس الإسلام . استمع إلى قول الغزالي : (وأرى أن بلوغ هذه الأهداف يستلزم أن نقتبس من التفاصيل التي وضعتها الاشتراكية الحديثة مثلما اقتبسنا صورا لا تزال مقتضبة - من الديمقراطية الحديثة - ما دام ذلك في نطاق ما يعرف من عقائد وقواعد، وفي مقدمة ما نرى الإسراع بتطبيقه في هذه الميادين تقييد الملكيات الكبرى وتأميم المرافق العامة)( ) . انظر إليه كيف يختبئ ويتستر ورواء الإسلام وعقائده وقواعده لإقناع السذج البلهاء بالاشتراكية والديمقراطية . ويقول : (ما أسرع ما جاء الليل وفي الليل تظهر الأشباح . . . وتنطلق المردة . . . وتولد الأساطير. . . وكان من الأساطير التي راجت عن الإسلام أن الدين الذي يدعو للأخوة العامة أصبح حملته يتعصبون لقبيلة من القبائل أو جنس من الأجناس ، وأن الدين الذي يقوم على الاشتراكيه العامة أصبح القوام عليه فئات من المترفين والعاطلين الذين لا يكن لهم هذا الدين إلا البغض والاحتقار . قال سائح أمريكي : لقد عرفت الحال عندكم ، لما شاهدت ريفكم نظام بيوتكم فيه . فقيل له : وكيف ؟ قال : قصر واحد مشيد، وأكواخ مبعثرة مهدمة، إن لهذا دلالته الصارخة. ومن عجب أن تكون هذه الصورة المزرية، صورة الأنانية المتفردة، والجماعة البائسة المنكودة، هي الصورة التي يراد أن تسود في ميدان السياسة والاجتماع والاقتصاد، وأن يكون ذلك في حماية من الدين ذي المناهج الاشتراكية التي لا ينكرها ذو عينين...) ( ) أقول : ومن أكثر افتراء على الله ممن يقول : إن الدين يقوم على الاشتراكية العامة، ويقول عن هذا الدين بأنه ذو مناهج اشتراكية، وممن يدعو إلى المساواة وهو يحمل في نفسه من التعالي والاستعلاء وينغمس في الترف الحرام والأموال التي يختلسها من الأمة تحت شعارات ودعايات لم تزد الأمة إلا فقرا وذلا وبوارا . فلقد أصبح دعاة الاشتراكية والأخوة والمساواة أثرى الناس وأنعم الناس ، وما زادت بلدانهم بهم إلا فقرا وشقاء ومذابح ودماء، لا يستفيد منها إلا هم ومن وراءهم من أعداء الإسلام . وقد سادت هذه الصورة المزرية - صورة الأنانية المتفردة والجماعة البائسة المنكودة - في ميدان السياسة والاجتماع والاقتصاد على أيديكم وتحت شعاراتكم البراقة الخلابة لعقول البلهاء، والبلدان التي نجت من سطوتكم تعيش في بحبوحة، وأنتم تبذلون جهودكم التي لا تعرف الكلل لإلحاقها بركب أخواتها. فاللهم الطف بعبادك وبلادك! وأنعم عليهم بالوعي والإدراك لكشف الألاعيب الحقيقية‍ ‍ الخاتمة نداء إلى العلماء وأساتذة الجامعات والقضاة إلى أساتذة الجامعات والمعاهد العلمية . . . إلى القضاة في المحاكم الشرعية ، وفقهم الله وسدد خطاهم وجعلنا وإياهم من شهداء الله في الأرض . أما بعد : فإني أرى نفسي - فيما أناقش فيه سيد قطب - على الحق ، وأرى أنه قد جانب الصواب . وإني أرى نفسي بهذه المحاولة أؤدي واجبا افترضه الله علي وعليكم ، ولا أدعي أنني معصوم من الخطأ. ولعل الناس قد اشرأبت أعناقهم وأصغوا بآذانهم ليسمعوا منكم كلمة الحق الفاصلة، فقوموا بواجب العبودية لله رب العالمين في نصرة الحق سواء علي أو لي . وإنني أذكركم بقول الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135] وأذكركم بقول الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (المائدة :8-9 ) فأثبتوا للعالم أنكم قوامون لله شهداء بالقسط . وأثبتوا للدنيا ميزتكم على علماء الملل الباطلة والنحل الضالة في الصدع بالحق ، ونصرته والقيام بالحق والشهادة به ، إن أنظار الأمة والشباب لتمتد "إليكم لتقولوا كلمة الحق مدوية، وإن الله مستخلفكم لينظر كيف تعلمون. ووالله ، إن هذا المسكين لجاد فيما يقول ، ويرى نفسه بارا راشدا فيما يكتبه ، وفي الوقت نفسه لا يبرئ نفسه من الخطأ. فما كان فيما كتبت من صواب فمن الله وبتوفيقه وتسديده وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان ، والله بريء من ذلك الخطأ . والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وإن نصرتكم للحق لنصرة لله. { إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} وكتبه ربيع بن هادي عمير المدخلي المدينة النبوية 1415هـ محتويات الكتاب المقدمة.......................................................... 5 الباب الأول : آراء تشريعية لسيد قطب الفصل الأول : القول بالاشراكية وإلغاء الرق ومناقشته في ذلك الفصل الثاني : الإسلام عند سيد يصوغ مزيجا من النصرانية والشيوعية قول سيد: بأن الإسلام يصوغ من المسيحية والشيوعية مزيجا كاملا يتضمن أهدافهما ومناقشته فتاوى بعض العلماء في الطعن في هذا القول الفصل الثالث : فكرة العالمية والأخوة الإنسانية، رأيه في الهندوكية رأيه في النصرانية ومناقشته في ذلك وصفه للنصرانية بالسماحة والطهر ومناقشته في ذلك الفصل الرابع: اجتياح أموال الناس بالضرائب (المكوس ) مذاهب العلماء في زكاة الأموال الظاهرة والباطنة ومخالفة سيد لهم يقول سيد : في يد الدولة أن تفرض ضرائب خاصة غير العامة (وكل ذلك مكوس ) يقول سيد: في يد الدولة أن تنزع الملكيات جميعا وتعيد توزيعها من جديد يقول سيد : فأما القاعدون (يعني التجار) الذين لا يعملون فثراؤهم حرام وأموالهم حرام ، وعلى الدولة أن تنتفع بذلك لحساب المجتمع الإسلام بريء من تحليل سيد وتحريمه سيد استقى أفكاره من النظريات الشيوعية والغربية أفكار سيد فيها ظلم واستبداد يردها نصوص القرآن والسنة الإجماع على تحريم المكوس وهي الضرائب قول ابن القيم في المكس قول الذهبي في المكس الفصل الخامس قول سيد قطب بعقيدة وحدة الوجود والحلول والجبر ودفاعه عن عقيدة النيرفانا الهندوكية البوذية. الفصل السادس : قول سيد: أن الإسلام يسمح أن تعيش الديانات في ظله على قدم المساواة دون تمييز وعليه أن يقوم بحماية حرية العبادة والعقيدة الآصرة الإنسانية تجمع المسلمين وغيرهم بلا تمييز عنصري ولا محاباة قول سيد: في عالمية الإسلام بخلاف ما يفهمه المسلمون من الإسلام ظاهر كلام سيد في غاية البطلان ويقتضي ما يبرأ منه الإسلام والمسلمون لا يقول بأقوال سيد إلا العلمانيون الديمقراطيون الشروط العمرية على أهل الذمة وجوب إزالة كل كنسية في مصر والقاهرة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد ونحوها من الأمصار التي مصرها المسلمون بأرض العنوة ينبغي تأمل الأدلة والشروط العمرية وما بناه الأئمة على ذلك من الأقوال والأحكام معاملة أهل الذمة على الوجه الصحيح الفصل السابع : حرية الاعتقاد عند سيد قطب والإسلام ثورة على التعصب الديني حكمة القتال عند سيد هي حماية الصوامع والبيع والصلوات (معابد اليهود والنصارى) ومساجد المسلمين ومناقشته في ذلك القاعدة الأساسية في الجهاد يقول سيد: (إن حرية الاعتقاد هي أول حقوق الإنسان التي يثبت له بها وصف الإنسان ) فتوى العلامة محمد بن صالح بن عثيمين فيمن يقول بحرية الاعتقاد إن سيد قطب يترسم منهجا رسمه الإخوان المسلمون من أقوال حسن البنا في هذا المجال فتوى العلامة عبد العزيز بن باز من أقوال الغزالي في هذا المجال أقوال مصطفى السباعي في هذا المجال أقوال التلمساني وحامد أبي النصر والغنوشي دعوة الترابي إلى وحدة الأديان التطبيق العملي في السودان لهذا المنهج الفصل الثامن : نظرة سيد قطب إلى الجزية وأهلها مخالفة سيد قطب في وصف الجزية بأنها صغار ومناقشته في ذلك الجزية في نظر سيد قطب قضية تاريخية وليست واقعية زعمه أن الإسلام يحتقر الذين يشغلون أنفسهم ويشغلون الناس بهذه المباحث الواقع لا يضم مجتمعا مسلما عند سيد قطب نقطة البدء الآن هي نقطة البدء في أول عهد الرسالة ( أي تكفير المسلمين) الفصل التاسع: مساواة سيد قطب بين أهل الزكاة وأهل الجزية بدون تمييز مناقشته في ذلك فرح سيد قطب بما تلقاه عن سيرت وأرنولد النصراني من أن الجزية إنما فرضت في مقابل الخدمة العسكرية مناقشته في ذلك الإسلام يدلل الأقليات غير الإسلامية في نظر سيد قطب الفصل العاشر: عالمية الإسلام في نظر سيد قطب الرابطة الإنسانية الكبرى في نظر سيد قطب تجمع البشر دون نظر إلى عقيدة أو دين أو لغة ، مناقشته في ذلك يقول سيد قطب : والإسلام لا يريد حرية العبادة لأتباعه وحدهم إنما يقرر هذا الحق لأصحاب الديانات ويكلف المسلمين أن يدفعوا عن هذا الحق للجميع ويأذن لهم في القتال تحت هذه الراية الرد عليه من خمسة وجوه يقول سيد نحن ندعوا إلى نظام إنساني يقيم علاقاته الدولية على أساس المودة بينه وبين كل من لا يحاربونه إن الجزية ما فرضت إلا في مقابل الخدمة العسكرية وليست للصغار. سيد لا يمانع في فرض الجزية على المسلمين الباب الثاني : طعون سيد قطب في العلماء الفصل الأول : تمهيد هو منطلق الدفاع الفصل الثاني : قول سيد: حكم المشايخ والدراويش مناقشته في ذلك من وجوه الفصل الثالث : العبادة عند سيد قطب ليست وظيفة حياة مناقشته في ذلك لو كان الأمر للإسلام لجند الجميع للعمل فالعمل زكاة الإرواح والأجسام مناقشته في ذلك يقول : تنمية الحياة هي العبادة وهي جواز المرور إلى الفردوس الأخروي الفصل الرابع : سخريته بالعلماء بما في ذلك قراء كتب السنة مناقشته في ذلك الفصل الخامس : سيد قطب يصف العلمانيين والفجار بالإخلاص ويضمن لهم الحرية ويصف العلماء بالمحترفين ويتوعدهم بالإذلال مناقثته في ذلك من وجوه الفصل السادس : رمي سيد المفتين والمستفتين بالسخرية مناقشته في ذلك من وجوه الفصل السابع : سيد قطب يعد الرفاق بمطاردة العلماء الذين يرميهم بضيق الأفق والجمود ويسخر بعمائمهم الفصل الثامن : طعنه في حكومات إسلامية منها الدولة السلفية في الجزيرة العربية مناقشه في ذلك الفصل التاسع : سيد يسخر من دعوة هيئة كبار العلماء في مصر إلى تغيير المنكرات، ومحاربة الإباحية والتحلل مناقشته في ذلك الفصل العاشر : قول سيد: كشف تواطؤ رجال الدين مناقشته في ذلك الفصل الحادي عثر: الكتب الصفراء مناقشته في ذلك من وجوه الفصل الثاني عشر: طعنه في علماء الأمة الإسلامية على امتداد عصورها سيد على علم بالفروق بين الأوضاع في أوروبا وبين الأوضاع في العالم الإسلامي ومع ذلك فهو ثائر على طريقة ثوار أوروبا توضيح سيد قطب لهذه الفروق مما يدينه في أساليبه الثورية والتكفيرية أساليبه الثورية التكفيرية والمهيجة للجماهير والغوغاء ثورته وثورة الإخوان والضباط الأحرار وآثارها المدمرة ليس هناك فروق كبيرة بين عصر المماليك والعصر الذي ثار عليه سيد قطب ، بل بوجود الدعوة السلفية ودولتها ودعاتها في الشرق والغرب يكون عصره أفضل كلام المقريزي والمودودي في عصر المماليك لم توجد موجات تكفير في عهد المماليك على رداءته أقوال الغزالي الثورية المهيجة والتعليق عليها الخاتمة: نداء إلى العلماء وأساتذة الجامعات والقضاة فهرس الموضوعات . نهاية كتاب العواصم .

 فكيف يخطر في البال بعد هذا أن هنالك خطرا على عقيدة المسيحيين وأحوالهم الشخصية؟ 

2- إن معنى دين الدولة الإسلام ، العداء للأديان الأخرى، وانتقاص غير المسلمين في حقوقهم والنظر إليهم نظرا يختلف عن أتباع الدين الرسمي ، وهذا خطأ بالغ أيضا، فليس الإسلام دينا معاديا للنصرانية حتى يكون النص عليه عداء لها، بل هو معترف( ) بها ومقدس لسيدنا المسيح عليه السلام ، بل هو الدين الوحيد من أديان العالم الذي يعترف بالمسيحية وينزه رسولها الكريم وأمه البتول ، وقد أمر القرآن الكريم أتباعه أن يؤمنوا بالأنبياء جميعا ومنهم عيسى عليه السلام ، فأين العداء وأين الخصام بين الإسلام والمسيحية ؟ ! 

أو ليس النص على أن الإسلام دين الدولة ( )  الرسمي يتضمن أن المسيحية دين رسمي للدولة باعتبار الإسلام معترفا بها ومحترما لها ؟


وأما توهم الانتقاص من المسيحيين ، والامتياز للمسلمين ، فأين الامتياز؟ 

أفي حرية العقيدة، والإسلام يحترم العقائد جميعا ، والدستور سيكفل حرية العقائد للمواطنين جميعا ؟ 

أم في الحقوق المدنية والتساوي في الواجبات ، والإسلام لا يفرق بين مسلم ومسيحي فيها، ولا يعطي للمسلم في الدولة حقا أكثر من المسيحي ، والدستور سينص على تساوي المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات( ) ؟ 

إني سأضع أمام القراء وأمام أبناء الشعب جميعا نص المادة المقترحة في هذا الشأن ليروا بعد ذلك أي خوف منها وأي غبن يلحق المسيحية فيها.

1- الإسلام دين الدولة . 

2- الأديان السماوية محترمة ومقدسة. 

3-  الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية. 

4- المواطنون متساوون في الحقوق لا يحال بين مواطن وبين الوصول إلى أعلى مناصب الدولة بسبب الدين أو الجنس أو اللغة. 

إني أسأل المنصفين جميعا وخاصة أبناء الطوائف الشقيقة : إذا كانت المادة التي تنص أن دين الدولة الإسلام هي التي تتضمن هذه الضمانات كلها ، فأين الخوف ، وأين الغبن ؟ وأين الامتياز للمسلمين ؟ وأين الانتقاص لغيرهم ؟

اعتراض القوميين :

ويعترض بعض القوميين بأن النص على دين معين للدولة ينفي الوحدة بين أبنائها، وأن سورية ذات أديان مختلفة فلا يصح أن ينص على دين معين . 

والواقع أنه ليس في سورية إلا مسلمون ومسيحيون وقليل جدا من اليهود، أما الطوائف فهي كلها ترجع إلى هذين الدينين وفي النص الذي ذكرناه سابقا ضمان لحقوق المواطنين جميعا وتساويهم وضمان لعقائدهم وأحوالهم الشخصية، فأي تفرقة في هذا النص؟

وهل في الدنيا دولة ليس فيها إلا دين واحد أو مذهب واحد ؟

فهل منع تعدد الأديان أو المذاهب كثيرا من الدول على أن تنص على دين معين أو مذهب معين ؟

إن الوحدة القومية بين العرب ليست باطراح عواطف ثمانية وستين مليونا وإهمال هذا الرابط الديني القوي بينهم ، وإذا كان مفهوم القوميات في أوروبا يحتم إخراج الدين من عناصرها الأساسية، فذلك لا ينطبق علينا نحن العرب.

إن ألمانيا النازية قد تجد في المسيحية دينا غريبا عنها، وإن تركيا الطورانية قد تجد في الإسلام دينا غريبا عنها، ولكن العرب لن يجدوا في الإسلام دينا غريبا عنهم ، بل هم يؤمنون بأن قوميتهم العربية لم تولد إلا في أحضان الإسلام ولولاه لما كانت ذات وجود قائم... فليفرق دعاة القومية بين أوروبا والشرق ، وبين نصرانية الغرب وإسلام العرب.

وإذا أضفنا إلى ذلك أن الإسلام يحترم المسيحية ويؤمن بها دينا سماويا، لم يبق عندنا في القومية العربية دينان يصطرعان حتى نطرحهما لتسلم لنا قوميتنا، وإنما هناك دينان يتعاونان على بناء القومية العربية بناء سليما عالميا خالدا. 

اعتراض العلمانيين: 

ويعترض دعاه العلمانية في بلادنا كما جاء في البيان المنسوب إلى خريجي الجامعات العالية بأن الشعوب التي سبقتنا في ميدان الحضارة مرت من مرحلة الدين في التنظيم والحكم حيث كان رجال الدين يسيرون أمور الدولة إلى مرحلة القومية، ثم هي تنتقل اليوم إلى مرحلة التنظيم على أساس التكتل السياسي والاقتصادي ذي الصبغة العالمية . 

ونحن نجيبهم بأن النص على دين الدولة ليس معناه أن يسير رجال الدين أمور الدولة، ولو كان كذلك لما وضعت هذه الأمم التي سبقتنا في ميدان الحضارة في دساتيرها النص  على دين الدولة. 

وفيما يلي بيان لبعض الدول الحديثة التي تنص في دساتيرها على دين معين : 

أسوج ، نرويج ، دانيمرك ، إنكلترا ، بلغاريا ، بيرو ، كوستاريكا ، باناما ، أسبانيا ، بوليفيا ، الأرجنتين ، إيرلندا ، إيطاليا ، اليونان - قبل الحرب الأخيرة -، بولونيا - قبل النفوذ الشيوعي -، جميع دول شرق أوروبا - قبل النفوذ الشيوعي -، مصر، العراق ، الأردن ، ليبيا ، إيران ، الأفغان ، باكستان ، أندونيسيا ، إسرائيل المزعومة. 

فما قول العلمانيين في صنع هذه الدول الحديثة ؟ ألا يدل على أن النص على دين الدولة لا يتنافى مع تطور الحضارة وتقدم المدنية ؟ أم يعتبرونها دولا رجعية لا تزال متأخرة؟

وأيضا فقد اعترف هؤلاء بأن الأمم انتهت من مرحلة القومية إلى مرحلة التكتل السياسي الاقتصادي ، فلماذا يرون من الأمور الطبيعية أن تتكتل بلغاريا وهنغاريا وتشكوسلوفاكيا وألبانيا ورومانيا والمجر والصين وغيرها على أساس الشيوعية، وهي عقيدة حديثة لديهم ، ولا يرون من الطبيعي أن تتكتل مصر وسورية والعراق واليمن والحجاز والأردن على أساس الإسلام وهو عقيدة هذه الأقطار؟ أليس الإسلام نظاما اجتماعيا شاملا كالشيوعية، ولكنه أسمى منها مبدأ وأنبل غاية ؟! أم أنتم لا ترونه كذلك أيها العلمانيون ؟ فلماذا لا تصارحون الشعب بسوء ظنكم بالإسلام وصلاحه  للحياة؟! 

ومن العجيب أن يحرص العلمانيون في بيانهم على الروابط التي تربط ما بين السوريين وبين المغتربين في الخارج وهي روابط نحرص عليها، ثم لا يبالون بالروابط بين السوريين وبين سبعين مليونا من إخوانهم العرب.

ولا ندري متى كان النص على دين الدولة سيقطع ما بيننا وبين إخواننا المغتربين؟ 

أليسوا يعيشون في دول قد نصت في دساتيرها على دين الدولة؟

أليسوا حريصين على قوة هذه البلاد ومصلحتها؟

ولو فرضنا أن النص سيجعل فتوراً بيننا وبينهم - وهذا فرض مستحيل - ولكنه سيربط ما بيننا وبين العرب ، فهل يريدون منا أن نغضب سبعين مليونا من العرب؟

لئن أردتم ذلك كنتم قد كفرتم بالعروبة رابطة قومية، بعد أن جحدتم الإسلام نظاما اجتماعيا صالحا. 

وأعود فأقول لهؤلاء: إن (البعبع ) الذي يخوفون به بعض المثقفين من أن النص على الإسلام دينا للدولة يجعل لرجال الدين الكلمة الأولى في البلاد، هو بعبع لا يخيف إلا من خيم الوهم والباطل على عقولهم ، فليس في الإسلام رجال دين تكون لهم الكلمة العليا، ونحن لا نريد بهذا النص أن نلغي البرلمان ونطرد ممثلي الأمة ، ونمحو القوانين.

كلا، كونوا مطمئنين ! فسيظل كل شيء على حاله ، سيبقى لنا مجلسنا ونوابنا وقوانيننا وأنظمتنا" ولكن . . . مع سمو الروح ونظافة اليد ، واستقامة الأخلاق ، وعيش الإنسان الكريم.

اعتراض الحقوقيين:

ويعترض بعض الحقوقين بأن جعل دين الدولة الإسلام يلغي القوانين الحالية ويضطرنا إلى تنفيذ الحدود الإسلامية من قطع يد السارق وجلد الزاني ، وهذا قول خاطىء، فنحن لا نفكر قطعا بالدعوة إلى تنفيذ الحدود، لأن الإسلام نظام كامل لا يظهر صلاحه إلا في مجتمع كامل ومن كمال المجتمع أن يشبع كل بطن ، ويكتسي كل جسم ، ويتعلم كل إنسان ، ويكتفي كل مواطن ، فإذا وقعت السرقة مثلا بعد ذلك وقعت شرا محضا لا يقدم عليه إلا العريقون في الإجرام، والإسلام يريد أن يرهب هؤلاء الذين لم يردعهم العلم ولا الشبع ولا العيش الكريم عن الوقوع في الجريمة . . . .

على أن الإسلام قد حف تلك الحدود بشروط شديدة جدا يكاد يكون من المتعذر تنفيذ الحكم في حادثة واحدة من بين ألف حادثة مما يدل على أن قصد الإسلام من ذلك الإرهاب والتخويف ، وحسبكم القاعدة المشهورة (ادرؤوا الحدود بالشبهات)

وخلاصة القول : إننا لا نريد انقلابا في قوانيننا الحالية، وإنما نريد التقريب بينها في التشريعات المدنية وبين نظريات الإسلام الموافقة لروح هذا العصر، ولأصدق النظريات الحقوقية السائدة فيه ، فإذا أتفق التشريع الإسلامي مع النظريات الحديثة، فهل تجدون حرجا في الأخذ به تراثا قوميا عربيا تعتزون به وتفاخرون؟

هذا مع العلم بأن مسألة التشريع غير مسألة دين الدولة، فليس لوضع دين الدولة من غرض إلا صبغ الدولة بصبغة روحية خلقية تجعل النظم والقوانين منفذة من الشعب بوازع نفسي خلقي ، ومن أغراض هذه المادة تقوية الصلات بيننا وبين إخواننا العرب والتعاون بيننا وبين الشرق الإسلامي . 

أما الحدود الإسلامية فلا تستلزمها هذه المادة بدليل أن مصر والعراق وضعتا هذه المادة في دستوريهما من ربع قرن ولم تفكرا بإقامة الحدود الإسلامية . . . هذا ما نصرح به علنا لا مجاملين ولا مواربين .

وبعد، فهذه خلاصة الأدلة التي تحتم علينا وضع هذه المادة في الدستور وخلاصة الأجوبة على ما يخاف منها، ونحن نرجوا أن يبحث هذا الأمر بحثا واقعيا بعيدا عن العصبية الطائفية والأهواء المستحكمة، ونعتقد أن الأحبار الأجلاء رؤساء الطوائف المسيحية يشعرون معنا بخطر الإلحاد على الأديان جميعا، ونحن نعلن أننا نفضل أن يكون دين الدولة المسيحية على دولة علمانية ملحدة، فهل هم يفضلون الإلحاد على الإسلام ؟ ونريد أن نذكرهم أن العلمانية لا تضمن حقوق الطوائف ولا تزيل التعصب الطائفي ، وإنما الذي يضمن ذلك الدين الذي جعل من تعاليمه أن يترك الناس وما يعتقدون ، وأن الناس جميعا عباد الله أكرمهم عنده أتقاهم وأنفعهم . 

أما إخواننا القوميون ، فنحب أن يكونوا قوميين عربا حين يبحثون هذه الناحية ، وأن لا يفضلوا مراعاة شعور وهمي محصور في ناحية ضيقة على حقيقة ثابتة شائعة في دنيا العرب جميعا، نحب أن لا يكونوا قوميين سوريين ، بل قوميين عربا. 

أما العلمانيون ، فلسنا نقول لهم بعد أكثر من أن نتوجه إليهم بالرجاء أن لا يحولوا بين هذه الأمة ومصادر قوتها. . . نحن شعب نريد أن نرجع إلى الله فلا تحولوا بيننا وبينه ، ونريد أن نمد أيدينا إلى إخواننا العرب فلا تحولوا بيننا وبينهم ، ونريد أن نستند إلى أصدقاء أقوياء فلا تحرمونا منهم ، ونريد أن نتعاون مسلمين ومسيحيين مستمعين إلى صوت السماء وتعاليم الإنجيل والقرآن ؟ فلا تملؤوا عقولنا بالباطل، ولا تصكوا أسماعنا بأغنية الشيطان ، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ}( ) .

وقال التلمساني :

يجب احترام الرأي الحر للآخرين وليس من الحرية أن أحول بين الناس وبين آرائهم)( )

وقال حامد أبو النصر:

لا مانع من وجود حزب علماني أو شيوعي في ظل الحكم الإسلامي )( )

قال الغنوشي :

إنه يجب طرح الإسلام مثل غيره ويجب احترام إرادة الشعوب ولو طالبت بالإلحاد والشيوعية)( )

دعوة الترابي إلى وحدة الأديان : 

وقد دعا الدكتور الترابي إلى ضرورة الحفاظ على الديانات وإذكاء روح الدين في المجتمعات بما يؤدي إلى تحقيق توحد الأديان موضحا أن قوة الدين لها أثر فاعل في الحكم. 

وطالب الدكتور الترابي بضرورة توفير العدل في الحياة بإزالة الفوارق الطبقية بين الناس. 

وعول الدكتور الترابي كثيرا على علماء الدين المسيحي والإسلامي ودعاهم إلى دور فاعل ومتعاظم من أجل إنقاذ البشرية وإرساء دعائم السلام وتوفير الطمأنينة ، مؤكداً بأن العالم الحالي يتجه نحو التوحد الديني بمختلف أشكاله ، وهي رسالة ينبغي أداؤها على الوجه الأكمل ، وأوضح الدكتور الترابي أن هذا المؤتمر يمكن أن يلعب دورا فاعلا ومؤثرا في توحيد الأفكار ومن ثم التوحيد على أساس إنساني بين الديانات كافة من أجل إسعاد البشرية( )  ا هـ. 

فإذا رأيت علاقة طوائف الإخوان المسلمين هنا وهناك بالأحزاب العلمانية ودخولها معها في تحالفات وولاءات.

وإذا رأيت دولة السودان الإخوانية تدعو إلى وحدة الأديان( )  وإلى قيام الحزب الإبراهيمي المكون من أدعياء الإسلام ومن اليهود والنصارى. 

وإذا رأيت تكريم دولة الإخوان في السودان للنصارى وتعيينهم في أعلى المناصب مع تشييد كنائسهم وفتح الإذاعة لهم يذيعون منها ديانتهم الباطلة. 

فلا تستغرب ، فإن كل هذا أو ذاك إنما هو تطبيق عملي لهذا المنهج الذي قام عليه تنظيم الإخوان من أول يوم ، وأكده سيد قطب في كتاباته ، وسار عليه الإخوان في كل مكان ، فإذا تحدثوا عن الولاء والبراء فإنما هو من ذر الرماد في العيون ومن التشبيع بما لم يعطوه كلابس ثوبي زور.

الفصل الثامن

نظرة سيد إلى الجزية وأهلها


ومن بوائق سيد قطب أنه يخالف ما قرره القرآن والسنة وعلماء الإسلام من أن الجزية صغار ورمز إذلال لأهل الذمة، فأينما يذكرها في أي كتاب بما في ذلك "الظلال " يذكرها في صورة تشي بإكرامهم واحترامهم ، ففي تفسير قول الله تعالى : {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} لا يذكر هذا الصغار ولا يفسره كتفسير المسلمين ، بل بأسلوب يدغدغ به عواطف المستشرقين واليهود والنصارى وغيرهم من الحاقدين على الإسلام فيقول : 

والإسلام - بوصفه دين الحق الوحيد القائم في الأرض - لا بد أن ينطلق لإزالة العوائق المادية من وجهه ، ولتحرير الإنسان من الدينونة لغير دين الحق ، على أن يدع لكل فرد حرية الاختيار بلا إكراه منه ، ولا من تلك العوائق المادية كذلك . 

وإذن ، فالوسيلة العملية لضمان إزالة العوائق المادية وعدم الإكراه على اعتناق الإسلام في الوقت نفسه هي كسر شوكة السلطات القائمة على غير دين الحق حتى تستسلم وتعلن استسلامها بقبول إعطاء الجزية فعلا، وعندئذ تتم عملية التحرير فعلا بضمان الحرية لكل فرد أن يختار دين الحق عن اقتناع ، فإن لم يقتنع بقي على عقيدته وأعطى الجزية لتحقق عدة أهداف : 

أولها: أن يعلن بإعطائها استسلامه وعدم مقاومته بالقوة المادية للدعوة إلى دين الله الحق . 

ثانيها: أن يساهم في نفقات الدفاع عن نفسه وماله وعرضه وحرماته التي يكفلها الإسلام لأهل الذمة، والذين يؤدون الجزية فيصبحون في ذمة المسلمين وضمانهم ، ويدفع عنها من يريد الاعتداء عليها من الداخل أو من الخارج بالمجاهدين من المسلمين . 

ثالثها: المساهمة في بيت مال المسلمين الذي يضمن الكفالة والإعاشة لكل عاجز عن العمل بما في ذلك أهل الذمة بلا تفرقة بينهم وبين المسلمين دافعي الزكاة( ) . 

أقول : أين معنى الصغار في هذه الأهداف فالهدف الأول لا بد منه حتى من المسلم ، فلا بد أن يعلن استسلامه لله رب العالمين ، وإذا قاوم الدولة المسلمة بالقوة المادية ، وجب قتاله وقتله ، والهدفان الآخران لصالح أهل الذمة، فهم في كليهما كالمسلمين ، بل العبء الأكبر على المسلمين ، ولأهل الذمة الغنم والراحة، لقد أضاع سيد قطب الهدف الإسلامي الأساسي من أخذ الجزية من أهل الذمة . 

وأضاع أيضا الهدف الآخر وهو ما قاله عمر رضي الله عنه : (أوصيكم بذمه الله ، فإنه ذمة نبيكم ورزق عيالكم ) . 

ثم قال : ولا نحب أن نستطرد هنا إلى الخلافات الفقهية حول من تؤخذ منهم الجزية، ومن لا تؤخذ منهم ، ولا عن مقادير هذه الجزية، ولا عن طرق ربطها، ومواضع هذا ا الربط (...) ذلك أن هذه القضية برمتها ليست معروضة علينا اليوم كما كانت معروضة على عهود الفقهاء الذين أفتوا فيها واجتهدوا رأيهم في وقتها .

إنها قضية تعتبر اليوم تاريخية وليست واقعية . 

إن المسلمين اليوم لا يجاهدون!.. ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون!.. إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي حتاج اليوم إلى علاج ! 

والمنهج الإسلامي - كما قلنا من قبل مرارا - منهج واقعي جاد، يأبى أن يناقش القضايا المعلقة في الفضاء ، ويرفض أن يتحول إلى مباحث فقهية لا تطبق في عالم الواقع - لأن الواقع لا يضم مجتمعا مسلما تحكمه شريعة الله ، ويصرف حياته ، الفقه الإسلامي - ويحتقر الذين يشغلون أنفسهم ويشغلون الناس بمثل هذه المباحث في أقضية لا وجود لها بالفعل ويسميهم (الأرائتيين )000 الذين يقولون (أرأيت ) لو أن كذا وقع فما هو الحكم ؟) . 

إن نقطة البدء الآن هي نقطة البدء في أول عهد الناس برسالة الإسلام . . . أن يوجد في بقعة من الأرض ناس يدينون دين الحق ، فيشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . .  ومن ثم يدينون لله وحده بالحاكمية والسلطان والتشريع ويطبقون هذا في واقع الحياة. . . ثم يحاولون أن ينطلقوا في الأرض بهذا الإعلان العام لتحرير الإنسان ، ويومئذ - ويومئذ فقط - سيكون هناك مجال لتطبيق النصوص القرآنية والأحكام الإسلامية في مجال العلاقات بين المجتمع المسلم وغيره من المجتمعات ، ويومئذ - ويومئذ فقط - يجوز الدخول في تلك المباحث الفقهية، والاشتغال بصياغة الأحكام والتقنين للحالات الواقعة التي يواجهها الإسلام بالفعل لا في عالم النظريات ) . 

ثم يقول : معتذرا عن تفسيره لهذه الآية على الوجه الذي قرره (وإذا كنا قد تعرضنا لتفسير هذه الآية - من ناحية الأصل والمبدأ -، فإنما فعلنا هذا لأنها تتعلق بمسألة اعتقادية وترتبط بطبيعة المنهج الإسلامي ، وعند هذا الحد نقف فلا نتطرق ،وراءه إلى المباحث الفقهية الفرعية احتراما لجدية المنهج الإسلامي وواقعيته وترفعه على هذا الهزال )( ) . 

أقول : نأسف أشد الأسف لهذا التفسير لكتاب الله من وجوه :

أولا: إغفال معنى الصغار في الجزية الذي فرضه الله في كتابه وأكده رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والخلفاء الراشدون وأئمة الإسلام وعلماء الأمة من محدثين وفقهاء. 

ثانيا : تضييع هدف تشريع هذا الصغار، وهو حمل أهل الذمة على الإسلام الذي فيه عزتهم وشرفهم في الدنيا وسعادتهم ونجاتهم من النار التي أعدت للكافرين . . . فأهل النخوة والذين ينشدون العزة والحرية منهم لا يستطيعون البقاء على الصغار، بل سيحفزهم ذلك على الخلاص منه ، لا سيما وكثير منهم يعرف أن الإسلام هو الحق ، وفيه العزة والسعادة في الدنيا والآخرة . 

أما هذا الأسلوب وهذا المنهج الذي ينتهجه سيد قطب ، فإنه يغريهم بالبقاء على كفرهم الذي فيه شقاؤهم الأبدي وهلاكهم السرمدي ذلك إن كانوا قد اقتنعوا بما تضمنه هذا الأسلوب . 

ثالثا : ماذا يريد سيد قطب بصياغة الأحكام والتقنين ؟ 

أيريد صياغة أحكام وقوانين في أمور قد قررها الله ورسوله وسار الخلفاء الراشدون وأئمة الإسلام في هدي هذا التقرير بما لا يحتاج إلى صياغة أحكام وقوانين جديدة ينشئها سيد قطب وأمثاله ؟ !

أو يريد صياغة أحكام وقوانين تميع الإسلام وتخالفه وترضي أعداءه ، كما يتحدث سيد عن الجزية في ضوء كلام سيرت ، وأرنولد من أن الجزية إنما هي في مقابل الخدمة العسكرية وأن الجزية ليست صغارا على أهل الذمة، وأن لهم أن يدفعوا الزكاة بدلا عن الجزية إذا شاؤوا ذلك ، وأنه لا مانع أن تضرب الجزية على المسلمين بدلا من الخدمة العسكرية إذا لم يقوموا بهذه الخدمة ؟ !

وبمثل هذه التشريعات الماسخة للتشريع الإسلامي يرفع سيد قطب وأمثاله عقيرتهم أن عملهم هذا من صميم حاكمية الله والذي يخالفهم يكون كافرا لأنه حكم بغير ما أنزل . 

رابعا: في أسلوب سيد في هذا الموضع وفي عشرات المواضع من كتبه قسوة وعنف على المسلمين بتكفيرهم والاستخفاف بهم . 

خامسا: استخفافه بالعلم والعلماء والفقه والفقهاء .

انظر إلى قوله : (والمنهج الإسلامي - كما قلنا من قبل مرارا - منهج واقعي جاد يأبى أن يناقش القضايا المعلقة في الفضاء . . . ويحتقر الذين يشغلون أنفسهم ويشغلون الناس بمثل هذه المباحث في أقضية لا وجود لها بالفعل ). 

وانظر إلى تعاليه في قوله : (وعند هذا الحد نقف فلا نتطرق وراءه إلى المباحث الفقهية الفرعية احتراما لجدية المنهج الإسلامي وواقعيته وترفعه على هذا الهزال ) . 

أليس في هذا صرف للناس وصد لهم عن العلم ؟! 

أليس في هذا الإرهاب الفكري ما يسوق الكثير إلى الجهل بشريعة الله الذي تحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : "إن بين يدي الساعة أيام الهرج يزول فيها العلم ويظهر فيها الجهل ( ) . 

هذا الأسلوب هو الذي ملأ أدمغة الكثير ممن يقدسون سيد قطب ، ودفعهم إلى احتقار العلم والعلماء، وإلى تسميتهم بعلماء الورقة لا علماء الحركة، وإلى وصفهم بأنهم علماء الحيض والنفاس ، وبأنهم لا يفقهون الواقع ، وبأنهم جواسيس وعملاء إلى آخر الطعون والتهم التي يوجهونها إلى أهل العلم وطلابه.

سادسا: كان في وقته دولة مسلمة في الجزيرة العربية قائمة على العقيدة الصحيحة والمنهج الإسلامي الصحيح المنبثقين من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسها أمراء وعلماء مسلمون يطبقون شريعة الله ويقيمون دين الله الحق ، فلماذا يتجاهلهم سيد ولا يعترف بهم ؟  فهل يحتقرهم هم أيضا لأنهم يشغلون أنفسهم ويشغلون الناس بمثل هذه المباحث . . . إلخ ؟ 

ليتك عشت حتى ترى تلاميذك اليوم كيف يطبقون الإسلام بعد أن قامت لهم دول هنا وهناك ، فيصدق عليهم المثل : (إنك لا تجني من الشوك العنب )، ويصدق عليهم (فاقد الشيء لا يعطيه ). . والباقون في انتظار هذا المصير الذي لا محيد لهم منه ولا محيص ، سنة الله في المناهج الفاسدة ولن تجد لسنة الله تبديلا.

فأفيقوا يا معشر العقلاء من المسلمين ! 

سابعا: إذا تحدث سيد قطب عن الجهاد فلا يجوز عنده البحث في الغنائم( )  إلى أن تقوم دولته( )  لأن الحديث سيجره إلى حرمان أهل الذمة من المشاركة في الغنائم وسيجره إلى الحديث عن الاسترقاق والتسري بنساء المغلوبين من المشركين وذلك أمر كريه ينافي كرامة الإنسان في نظره ، لأنه من دعاة الحرية والمساواة والعدالة( )  .

وإذا تحدث عن الجزية ، رأيت منه ما سبق ، ولا يدخل في التفاصيل ، بل يجب تعليقها ويجب الهجوم على الفقهاء الذين يبحثون في هذه الأمور التي تتحدث عن إذلال أهل الذمة وهو يريد إكرامهم وتدليلهم لا تذليلهم .

الفصل التاسع 

مساواة سيد بين أهل الزكاة وأهل الجزية 

ويقول سيد قطب مؤكدا هذا المنهج الذي لا يحيد عنه : 

(فإذا استسلم من يطلب السلام ، فهؤلاء هم (الذميون)، أي الذين أعطاهم الإسلام ذمته وعهده لحمايتهم ورعايتهم ، وهؤلاء لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين بنص الإسلام الصريح ، فأما ما يؤخذ منهم من الجزية، فهو مقابل ما يؤديه المسلمون من الزكاة، مساهمة في نفقات الدولة التي تحميهم كما تحمى رعاياها المسلمين سواء، والتي توفر لهم العدل المطلق بلا تفرقة ولا تمييز، وتحقق لهم ضماناتهم وتأميناتهم في حالة المرض والعجز والشيخوخة . 

ولم يشأ الإسلام أن يجبرهم على أداء الزكاة، لأن الزكاة عبادة إسلامية خاصة وحرية الاعتقاد التي يكلفها( ) الإسلام للأفراد تمنعه أن يكره الذميين على أداء عبادة إسلامية .

ولم يشأ كذلك أن يجبرهم على الجندية في الصف المسلم ، لأن المسلم إنما يجاهد في سبيل الله عبادة لله ، لهذا يأخذ منهم الضريبة تحت عنوان الجزية لا تحت عنوان الزكاة، مراعاة لهذا المبدأ العام (لا إكراه في الدين ) ، فإذا شاءوا برضاهم واختيارهم أن يؤدوا ضريبة الزكاة كالمسلمين بدل الجزية كان لهم ذلك عن رضاء واختيار، وقد اختارت قبيلة بني تغلب على عهد عمر أن تؤدي الزكاة لا الجزية فأدتها على هذا الأساس ) . 

أقول : 

أولا: ليست الغاية من إعطائهم العهد هو رعايتهم وحمايتهم ، إنما الحماية من توابع العهد الذي يعقد بينهم وبين المسلمين ، والفرق بين الأمرين واضح جدا . 

وقوله : (لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين بنص الإسلام الصريح) تقول على الإسلام صريح ، وراجع ما سبق من الأدلة والشروط العمرية . 


ثانيا: قوله : (فأما ما يؤخذ من الجزية ، فهو مقابل ما يؤدي المسلمون من الزكاة) فمغالطة مكشوفة يبرأ منها الإسلام ، فإن الزكاة تزكي أهلها المسلمين وتطهرهم ، وهي من أركان دينهم ، والجزية شعار الذل والصغار، فكيف تقابل هذا الركن العظيم والشعار الرفيع (الزكاة)، ولا أريد الاستطراد في مناقشة النص المليء بالباطل ، فقد مضى له نظائر قد ناقشتها. 

والغريب هنا قوله بتخيرهم بين الجزية والزكاة استنادا إلى قضية بني تغلب التي اعتمد فيها على النصراني سيرت وأرنولد، وسيظهر لك زيف كلامه .

روى أبو عبيد بإسناده إلى زرعة بن النعمان أو النعمان بن زرعة، أنه سأل عمر بن الخطاب وكلمه في نصارى بني تغلب ، قال : وكان عمر قد هم أن يأخذ منهم الجزية، فتفرقوا في البلاد، فقال النعمان بن زرعة لعمر: يا أمير المؤمنين ! إن بني تغلب قوم عرب يأنفون من الجزية، وليست لهم أموال ، إنما هم أصحاب حروث ومواش ، ولهم نكاية في العدو، فلا تعن عدوك عليك بهم ، قال : فصالحهم عمر على أن أضعف عليهم الصدقة واشترط أن لا ينصروا أولادهم . . . 

قال : (حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، قال : لا نعلم في مواشي أهل الكتاب صدقة إلا الجزية التي تؤخذ منهم ، غير أن نصارى بني تغلب الذين جل أموالهم المواشي يؤخذ من أموالهم الخراج ، فيضعف عليهم حتى تكون مثلي الصدقة أو أكثر)( ) . 

قال أبو عبيد: (فكذا ما يؤخذ من بني تغلب ، وهو الضعف على صدقة المسلمين ، ثم وجه فعل عمر رضي الله عنه وساق آثارا في سداد رأيه وتوفيق الله له . . . ). 

ثم قال : (وإنما استجازها فيما نرى وترك الجزية مما رأى من نفارهم وأنفهم منها ، فلم يأمن شقاقهم واللحاق بالروم ، فيكونوا ظهيرا لهم على أهل الإسلام وعلم أن لا ضرر على المسلمين من إسقاط ذلك الاسم عنهم مع استبقاء ما يجب عليم من الجزية، فأسقطها عنهم واستوفاها منهم باسم الصدقة حين ضاعفها عليهم ، فكان في ذلك رتق ما خاف من فتقهم مع الاستبقاء لحقوق المسلمين في رقابهم وكان مسددا )( ) . 

ثم قال : (فالذي يؤخذ من بني تغلب ، وإن كان يسمى صدقة، فليس بصدقة لما أعلمتك ، ولا يوضع في الأصناف الثمانية التي في سورة براءة، إنما موضعها موضع الجزية)( ) . 

فيؤخذ من هذا أن الجزية صغار نفر منه عرب بني تغلب وانفوا منه . 

2- إن عمر إنما أسقط عنهم لفظ الجزية، ولسداده وبعد نظره أخذها منهم جزية مضاعفة وإن أسقط عنهم لفظها . 

3- إن عمر لم يفعل ذلك من منطلق أن لأهل الذمة الخيار بين أن يؤدوا الجزية أو الزكاة، وإنما فعل ذلك خشية من شقاق بني تغلب واللحاق بالروم ، فيكونون ظهيرا لهم على المسلمين ، فدرأ هذا الضرر بإسقاط لفظ الجزية عنهم وإطلاق لفظ الصدقة على الجزية المضاعفة .

4- ما أخذه عمر منهم هو في حقيقته خراج كما قال الزهري ، وجزية كما قال أبو عبيد، والدليل على ذلك أنها لا تصرف في مصارف الزكاة الثمانية المنصوص عليها في سورة براءة .

والآن قارن بين ما يقوله سيد قطب وبين ما حوت قصة بني تغلب من فقه ، لترى بطلان ما يقوله هذا الرجل ، وأن تعلقه بقصة بني تغلب تعلق باطل ، وأن أهل الذمة ليسوا مخيرين بين الجزية والزكاة ولا كرامة لهم . 

ويعجب المسلم كيف يسهل تحريف الإسلام على بعض الناس ، وبمثل هذه الأفاعيل حرفت الكتب السماوية ووجد للمحرفين أتباع يعبدونهم ويقدسونهم ويقتلون من أجلهم الأنبياء والذين يأمرون الناس بالقسط والثبات على دين الله المنزل ، فاللهم رحماك . . .

فرح سيد قطب بما تلقاه عن سيرت وأرنولد النصراني من أن الجزية إنما فرضت في مقابل الخدمة العسكرية : 

فقال نقلا عنه : (ومن الواضح أن أية جماعة مسيحية كانت تعفى من أداء هذه الضريبة إذا ما دخلت في خدمة الجيش الإسلامي ، وكان الحال على هذا النحو مع قبيلة الجراجمة، وهي قبيلة مسيحية كانت تقيم بجوار أنطاكية، سالمت المسلمين وتعهدت أن تكون عونا لهم ، وأن تقاتل معهم في مغازيهم على شريطة ألا تؤخذ بالجزية، وأن تعطى نصيبها من الغنائم ، ولما اندفعت الفتوح الإسلامية إلى شمال فارس في سنة 22 هـ ، أبرم مثل هذا الحلف مع إحدى القبائل التي تقيم على حدود هذه البلاد، وأعفيت من أداء الجزية في مقابل الخدمة العسكرية) . 

ومضى ينقل عن هذا الرجل النصراني ضرب الأمثلة من هذا النوع في العصور المتأخرة، إلى أن قال (ص 59): (ومن جهة أخرى، أعفي الفلاحون المصريون من الخدمة العسكرية، على الرغم من أنهم كانوا على الإسلام ، وفرضت عليهم الجزية في نظير ذلك ، كما فرضت على المسيحيين. 

ثم قال سيد معلقا: (مما يثبت بصفة قاطعة صفة الجزية على النحو الذي قررناه من قبل، ويبطل كافة الترهات الباطلة التي يثيرها المغرضون حول هذه المسألة بصفة خاصة، وحول علاقات الإسلام بمخالفيه في العقيدة ممن يعيشون في كنفه وتظللهم رايته وعدالته )( ) . 

أقول : ليعجب العاقل من موقف سيد من هذا النقل من وجوه :

أولا: هذا التقبل لهذا النقل من هذا النصراني دون أي دليل ولا تأكد، هل هو ينقل عن ثقات المسلمين أو عن دجاجلة النصارى لغرض من الأغراض الدينية والسياسية، وإذا كان نقله عن مصدر إسلامي ، فهل له إسناد صحيح أو حسن أو في إسناده ثقة ضابط أو ضعيف أو كذاب أو متهم بالكذب ، فإن كان فيه ضعيف أو كذاب رفضه ، وإن كان ثابتا نظر من هو قائد المسلمين الذي وافقهم على إسقاط الجزية وإشراكهم مع المسلمين في الغنائم ، فإن الموضوع حساس ومهم جدا، ولا يجوز تناوله بهذه السهولة، ذلك لأنه يخالف الكتاب والسنة، ويخالف الشروط العمرية التي اتفق على قبولها والأخذ بها الخلفاء والعلماء والفقهاء من هذه الأمة المسلمة .

فإن كان الذي فعل ذلك مجتهدا ، حوكم عمله هذا واجتهاده برده إلى الله والرسول كما قال تعالى : {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}( )  . 

فإن كان موافقا لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ، وإن كان مخالفا ، رد .

وإن كان غير مجتهد ومتبعا لهواه ؟ رد تصرفه ولا كرامة . 

وغالبا أن مثل هذا التصرف لا يحصل إلا من الجهل والهوى، فمن يفهم كتاب الله ويعلم معاملة رسول الله للمشركين وأهل الكتب ، فسيجد أن هذا المجتهد قد أخطأ دون شك ، لأن الله لم يفرض على أهل الكتاب إلا الجزية لإذلالهم وإصغارهم ، لأنهم أعداؤه ، وقد رفضوا دينه الحق ، وسيجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأخذ منهم إلا الجزية، ولم يخيرهم بينها وبين الخدمة العسكرية ، عملا بمقتضى الآية، وهو المبين لمراد الله تبارك وتعالى، والصحابة والخلفاء وأئمة الإسلام لم يذكروا إلا الجزية، وهي واحد من شروط كثيرة لإنزال أهل الذمة ووضعهم حيث وضعهم الله . 

وكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال علماء الإسلام لم يرد فيها جميعا أن الجزية فرضت على أهل الكتاب في مقابل الخدمة العسكرية، فهذا لا يعرفه الإسلام ولا شرعه ، وإنما تشرعه الأنظمة العلمانية انطلاقا من قواعدها الديمقراطية والوطنية . 

ثانيا: بعد أن آمن سيد بأن الجزية إنما فرضت على القادرين من الذكور من أهل الذمة مقابل الخدمة العسكرية، آمن بجواز ضرب الجزية على المسلمين كما فرضت على المسيحيين وفرح بذلك وساقه مساق الإقرار به والتقرير له . 

ثالثا: من أعجب تفاعلاته مع كلام هذا النصراني قوله : (مما يثبت بصفة قاطعة صفة الجزية على النحو الذي قررناه )، أي من أنها في مقابل الخدمة العسكرية وأنه يستوي فيها أهل الذمة والمسلمون ! ! 

وقد علم من منهجه أنه لا يسلم بقطعية كثير من النصوص القرآنية ولا يقبل أخبار الآحاد الصحيحة ولو تلقتها الأمة بالقبول ودانت بها وبنت عليها عقائدها، بلى هو لا يبني عقائده على الأحاديث المتواترة .

وليس هذا بجديد من سيد ولا غريب ، فهو ينظر في كثير من المناسبات إلى مقررات وكلام الفلاسفة الغربيين بهذا المنظار ويتقبلها بثقة عمياء !! 

واقرأ له في "الظلال " ما يتعلق بالعلوم الكونية تجد صدق ما أقول .

سيد يرى أن الإسلام يدلل الأقليات غير الإسلامية : 

يقول : (إنني أحسب مجرد التخوف من حكم الإسلام على الأقليات القومية في بلاده نوعا من التجني الذي لا يليق ، فما من دين في العالم وما من حكم في الدنيا ضمن لهذه الأقليات حرياتها وكراماتها وحقوقها القومية كما صنع الإسلام في تاريخه الطويل . 

بل ما من حكم دلل الأقليات فيه كما دلل الإسلام من تقلهم أرضه من أقليات لا الأقليات القومية التي تشارك شعوبه في الجنس واللغة والوطن ، بل الأقليات الأجنبية عنه وعن قومه )( ) . 

نسي سيد قطب أن عداء اليهود والنصارى وسائر أصناف المشركين للإسلام عداء أصيل ، من أجل أنه الإسلام المتضمن للتوحيد والحق والهدى والنور، كسائر العداوات التي واجهت رسالات التوحيد من عهد نوح إلى خاتم الرسالات .

ولقد حاربوا محمدا صلى الله عليه وسلم منذ صدع بكلمة لا اله إلا الله محمد رسول الله قبل قيام دولة الإسلام وقبل إعلان الجهاد وقبل أن ينتصر عليهم الإسلام ويفرض عليهم الجزية. 

ولقد نزل قول الله تعالى: {وَلنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى} قبل أن تفرض عليهم الجزية وقبل أن يصطدم بالنصارى في المعارك .

نعم قد يرضون عمن يميع لهم الإسلام ويمدح لهم ديانتهم ويسميها بالرسالات السماوية رغم أنها قد أصبحت أرضية وثنية ويبادلهم ودا بود وحبا بحب .

الفصل العاشر 

عالمية الإسلام كيف يقررها سيد قطب 

ويقول : (المجتمع الإسلامي مجتمع عالمي ، بمعنى أنه مجتمع غير عنصري ولا قومي ولا قائم على الحدود الجغرافية، فهو مجتمع مفتوح لجميع بني الإنسان دون النظر إلى جنس أو لون أو لغة، بل دون نظر إلى دين أو عقيدة . . . ومن ثم تملك جميع الأجناس البشرية وجميع الألوان وجميع اللغات أن تجتمع في حمى الإسلام وفي ظل نظامه الاجتماعي ، وهي تحس آصرة واحدة تربط بينها جميعا آصرة الإنسانية التي لا تفرق بين أسود وأبيض ولا بين شمالي وجنوبي ، ولا بين شرقي وغربي ؟ لأنهم جميعا يلتقون عند الرابطة الإنسانية الكبرى) ( ) 

أقول : أولا: أن هذه هي الدعوة الماسونية العالمية، الدعوة في الظاهر إلى الإنسانية العالمية، وفي الباطن لتحقيق غايات صهيونية .

ثانيا: يحتج سيد لهذه الدعوة التي تقضي على مبدأ الولاء والبراء والبغض في الله والحب فيه الذي وردت فيه نصوص قرآنية ونبوية كثيرة، ويغرس في نفوس المسلمين الميوعة والسماجة السياسية المنافقة، فيصبح لا فرق عند المسلم الضائع بين اليهودي والنصراني والمجوسي وبين المسلم الموحد، يجمع الجميع آصرة الإنسانية، وتربط الجميع الرابطة الإنسانية الكبرى . 

وينسى سيد قطب قول الله تعالى : {يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وما جرى مجراها، وما أدري هل يعرف قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، لا تتراءى ناراهما( )  وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جرير البجلي : أبايعك على أن تعبد الله ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين ، وتفارق المشركين "( ) ، وله شاهد من حديث كعب بن عمرو بلفظه ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من جامع المشرك أو سكن معه فهو مثله "( ) . 

إن كثيرا من قيادات الحركات القطبية والإخوانية لا يهنؤون بالعيش إلا في ظل الدول النصرانية وفي عواصم أوروبا ، زعما منهم أنهم يخدمون الإسلام ، مع الأسف ، وهم في حقيقة الأمر لا ترى آثارهم إلا في تمزيق صفوف السلفيين وبعثرتها وزحزحة الشباب السلفي عن العقيدة السلفية وعن منهج السلف وتشكيكهم في صلاحيتهما. 

وكل هذا لا يخدم إلا أعداء الإسلام ، لا سيما الأوروبيين والأمريكان ، الذين يتظاهرون بالحماس ضدهم ، وفي الحقيقة أنهم لا يعملون إلا لتحقيق غاياتهم ومصالحهم . 

لأن الأوروبيين لا يخافون إلا من الإسلام الخالص الذي لا يمثله إلا المنهج السلفي ، وتعرف ذلك جيدا بريطانيا التي حاربها أهل المنهج السلفي في الهند أكثر من مائة سنة، ولذلك كانت أيام الجهاد الأفغاني لا تحذر الخرافيين من الأفغان إلا من الوهابيين على حد قولها. هذه حقائق يجب أن يتنبه لها المخدوعون ويستيقظ لها النائمون .

ويؤكد سيد قطب أقواله ودعوته إلى ما سبق فيقول : (والإسلام لا يريد حرية العبادة لأتباعه وحدهم ، إنما يقرر هذا الحق لأصحاب الديانات المخالفة، ويكلف المسلمين أن يدافعوا عن هذا الحق للجميع ، ويأذن لهم في القتال تحت هذه الراية، راية ضمان الحرية لجميع المتدينين . . . وبذلك يحقق أنه نظام عالمي حر، يستطيع الجميع أن يعيشوا في ظله آمنين متمتعين بحرياتهم الدينية على قدم المساواة مع المسلمين وبحماية المسلمين )( )

أقول : أولا: إن الإسلام لا يكتفي بحرية العبادة للمسلمين ، فقد كان المسلمون في المجتمع المدني يعبدون الله في حرية ولهم قوة وشوكة، ومع ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب إلى ملوك الدنيا يطلب منهم الدخول في الإسلام فقط كما في كتابه لقيصر ملك الروم : "أسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن أبيت ، فإنما عليك إثم الأريسيين ، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله "، وما كان يطالب هؤلاء الملوك بمنح الأقليات حرية التدين ، وقد كان النصارى من العرب والروم واليونان يمارسون عبادتهم بحرية ، ويلقى أكثرهم تشجيعا من الدولة، فما كان الإسلام مستريحا لهذه الحرية، وقد كانت بعض الكنائس تلقى اضطهادا ، وكذلك اليهود ، فلم يطالب لهم رسول الله بحرية العبادة. 

وقل مثل ذلك في سائر الممالك التي كاتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يطلب منهم إلا الدخول في الإسلام .

وقد قال تعالى : {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلهِ}( ). 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك ، فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى"( ) .

فتلك هي غاية الإسلام فقط : أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمته هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. 

أما الجزية، فمع أن فيها صغارا وإذلالا لأعداء الله ، فإنها حالة استثنائية لا غاية . 

ثالثا: من التقول على الله وعلى الإسلام أن الإسلام يكلف المسلمين بالقتال من أجل حرية الأديان الباطلة، ويأذن لهم في القتال تحت هذه الراية، إن هذا القول قد بلغ الغاية في السوء والإساءة إلى الإسلام الذي شرع لأهله قتال أهل الأديان حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وحتى لا تكون في الأرض فتنة، كما نص على ذلك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولم يشرع شيئا - والعياذ بالله - مما يدعيه سيد قطب . 

رابعا: إن مقتضى قول سيد: (فالإسلام لا يريد حرية العبادة لأتباعه وحدهم إنما يقرر هذا الحق لأصحاب الديانات المخالفة ويكلف المسلمين أن يدافعوا عن هذا الحق للجميع ). 

أنه إذا كان هناك دولة ديمقراطية تبث دعوة الماسونية في المساواة الإنسانية وفي حرية العبادة للجميع وطبقت هذا الأسلوب الماسوني فأعطت الحريات لجميع الديانات التي تعيش في ظلها، مقتضى ما يقوله سيد أنا لا ندعوها للإسلام فإنها قد حققت الغاية التي يريدها الإسلام ، وأن المسلمين لا يحق لهم إعلان الجهاد على مثل هذه الدولة، بل عليهم أن يتعايشوا معها في ظلال الأخوة الإنسانية الكبرى، وأن المسلمين إذا غزوا مثل هذه الدولة لإعلاء كلمة الله يكونون ظالمين وأهل عدوان واحتلال ، فإذا قهروهم ونفذوا فيهم الشروط العمرية يكونون ظالمين مستعبدين ، لأن المغلوبين لم يتمتعوا بحرياتهم ولم يقفوا مع المسلمين على قدم المساواة في ظل هذه الشروط ، ألا ما أضر أهل الأهواء - ولا سيما الأهواء السياسية - على الإسلام وما أخطرهم على دين المسلمين وعقائدهم . 

خامسا: على قول سيد قطب في وصف هذا المجتمع الذي اخترعه : (ولا قائم على الحدود الجغرافية فهو مفتوح لجميع الناس . . . إلخ ). لا يكون هناك دار إسلام ولا دار حرب ، ولا هناك ثغور يرابط فيها جند الله لحماية المسلمين ودارهم من مكائد الأعداء وغاراتهم ، بل لا يكون هناك جهاد على ما يقول سيد قطب .

يؤكد هذا قوله : (نحن ندعو إلى نظام إنساني يقيم علاقاته الدولية على أساس المسالمة والمودة بينه وبين كل من لا يحاربونه ولا يحادونه ولا يؤذون معتنقيه ولا يفسدون في الأرض ولا يظلمون الناس ، فهو لا يحارب إلا المعتدين المفسدين الظالمين ، نحن ندعو إلى هذا النظام ، فما الذي يخيف فردا أو طائفة أو دولة من أن يقوم مثل هذا النظام في أي بقعة من بقاع الأرض )( ) .

أقول : وهل هناك فساد أكبر من الشرك بالله والكفر به وتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبغض دينه والطعن فيه وعداوة أهله ؟! وهل تجوز موادة من حاد الله ورسوله ؟! وهل كلامك هذا لا يعني إلغاء الجهاد وقتل مبدأ الولاء والبراء ومبدأ الحب في الله والبغض فيه وتمييع النفوس والعقول التي تقبل هذا الباطل ؟! 

إن هذا النظام الإنساني الذي تدعو إليه ليس هو الإسلام وإنما هو نظام المؤسسات الماسونية التي لعبت بعقول كثير من المنتسبين إلى الإسلام ، فأفسدت عقولهم ، ودفعتهم إلى تمييع الإسلام . 

سادسا: من هوس سيد وطمعه ظنه أنه بهذا الأسلوب المميع للإسلام ولعقول أتباعه أن الدول والشعوب والطوائف الكافرة التي تعيش في بلاد الإسلام سوف يتجاوبون معه ويفتحون له الطرق والأبواب لإقامة الدولة التي يتصورها ويصورها على هذه الشاكلة، ولن يكون ذلك ، بل الذي حصل ويحصل إنما هو تمييع الإسلام وتشويهه وفتنة من لا يفهم الإسلام ولا يعقل بهذا التمييع والتشويه .

وقد وجدنا كثيرا من الناس في غير هذا البلد لا يفرق بين المسلمين واليهود والنصارى، ويعتقد أن الجنة ليست حكرا على المسلمين ! ومن هذا الصنف من يدرس في الجامعات مع شديد الأسف .

فيا لله ويا للإسلام !

الجزية عند سيد قطب فرضت على أهل الذمة في مقابل الخدمة العسكرية تقليدا لسيرت وليست عنده للصغار كما يقول القرآن والمسلمون : 

ينقل سيد قطب عن النصراني سيرت وأرنولد قوله : (وقد فرضت الجزية كما ذكرنا على القادرين من الذكور في مقابل الخدمة العسكرية التي كانوا يطالبون بأدائها لو كانوا مسلمين )( ) . 

ويفرح بهذا القول الضال ، وفي الوقت نفسه لا يأنف من ضرب الجزية على المسلمين ولا يستنكره ولا يرى في ذلك إهانة للمسلمين ولا ينكر ذلك على من يفعله من الحكام الجائرين . 

ينقل هذه المهزلة التشريعية عن نصراني أفاك ، ويطير بها فرحا، ليرد بها على المغرضين كما يدعي ، قال فيما نقله عن كتاب "الدعوة إلى الإسلام " تأليف سيرت وأرنولد : 

(ومن جهة أخرى أعفي الفلاحون المصريون من الخدمة العسكرية على الرغم أنهم كانوا على الإسلام وفرضت عليهم الجزية في نظير ذلك كما فرضت على المسيحيين )( ) . 

فطار سيد قطب فرحا بهذا الإفك والتحريف المتعمد من هذا النصراني ، واتخذ منه برهانا قاطعا على أن صفة الجزية على النحو الذي يقرره .

وقال عقب الكلام السابق الذي نقله عن سيرت : 

(مما يثبت بصفة قاطعة صفة الجزية على النحو الذي قررناه من قبل ، ويبطل كافة الترهات الباطلة التي يثيرها المغرضون حول هذه المسألة، وحول علاقات الإسلام بمخالفيه في العقيدة ممن يعيشون في كنفه وتظللهم رايته ). 

والذي قرره سيد في هذا الكتاب وغيره أن الجزية لا تعني الصغار والذلة على قوم رفضوا الإسلام ، بل سياقاته تفيد أنها تدليل لهم .

قال : (إنني أحسب مجرد التخوف من حكم الإسلام على الأقليات القومية في بلاده نوعا من التجني الذي لا يليق ، فما من دين في العالم ، وما من حكم في الدنيا، ضمن لهذه الأقليات حرياتها وكراماتها وحقوقها كما صنع الإسلام في تأريخه الطويل ، بل ما من حكم دلل الأقليات فيه كما دلل الإسلام من تقلهم أرضه من أقليات ، لا الأقليات القومية التي تشارك شعوبه في الجنس واللغة والوطن ، بل الأقليات الأجنبية عنه ، وعن قومه )( ) . 

بل إن الإسلام - في زعمه - بلغ من تدليله لهم أنه يحرم على المسلمين أشياء قد أباحها لأهل ذمته كالخنزير والخمر ويوجب " على المسلمين تكاليف يعفى أهل الذمة منها كالجهاد والزكاة( ) .

وما يدري أن الإسلام يرى في هذا أو ذاك إكراما للمسلمين ورفعا لدرجاتهم بالواجبات وتنزيها عن المحرمات والقاذورات ، وأن أهل الذمة الكفار أقل وأحقر من أن يكلفوا بتلك الواجبات العظيمة الكريمة( ) ، وأقل وأحقر من أن ينزهوا عن تلك القاذورات التي نزه عنها المسلمون .

الباب الثاني 

طعون سيد قطب في العلماء

 

الفصل الأول 

تمهيد هو منطلق الدفاع عن العلماء

لسيد قطب طعون كثيرة شديدة في العلماء ، وسخرية بهم وبفتاواهم وعلمهم وكتبهم ، وذلك مما غرس كل احتقار وازدراء في نفوس من يسمى بشباب الصحوة لعلماء السنة، وجرأهم على رميهم بأسوأ التهم . 

حينما ألف سيد قطب كتابه هذا المتضمن لهذه الطعون( )  كانت السلفية في العالم الإسلامي في أوج قوتها وانتشارها، ففي الجزيرة العربية لها دولة قائمة على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تطبق الشريعة الإسلامية تطبيقا كاملا، وراية التوحيد والسنة مرفوعة، ومظاهر الشرك والبدع قد اختفت بل محيت ، يعلم ذلك الصديق والعدو حتى عوام المسلمين والمشركين ، فكيف يتجاهل ذلك سيد قطب . 

لو كان انتقاد سيد قطب لمن يسميهم (رجال الدين ) !! منصبا على أهل البدع وبدعهم من تعطيل صفات الله تبارك وتعالى وما عندهم من تصوف وغيره ، ومنصبا على بدع من يسميهم بالدراويش ، لتعلقهم بالقبور، وتقديمهم الذبائح والنذور لها، واعتقادهم في أهلها أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون . . . ولو كان نقده نصحا لهم وبيانا لضلالهم بالحجة والبرهان لا تهكما وسخرية ، لحمده الله وأهل الحق على ذلك . 

لكنها السخرية الشاملة لهذا النوع ولغيره من علماء السنة والتوحيد .

ولكنها السخرية التي هب بها على العلماء عامة، حتى حينما يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرات الشنيعة والتحلل الأخلاقي ، والسخرية حينما يستفتون فيفتون . 

ولكنها الشماتة بهم حتى ولو اهتموا بالسنة النبوية والفقه الإسلامي . 

ولكنها السخرية بهم وإن أقاموا الصلوات في مساجد الله وذكروا الله فيها كثيرا . 

ولو كان للدراويش أذكار بدعية فيجب أن يبين ما فيها من ضلال بالأدلة والبراهين لا بالسخرية والاستهزاء، كما يجب أن يبين لهم الأدعية الشرعية، وذلك هو طريق الدعاة المصلحين دعاة الحق ، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه ، لا سيما وسيد قطب يشارك المبتدعين في كثير من بدعهم الضالة، وإنكاره عليهم وسخريته بهم إنما هما من منطلق اشتراكي وسياسي يرضي بتلك السخريات من يسميهم بالرفاق والمثقفين العلمانيين . 

لو كان سيد قطب مصلحا حقا لوضع يده في أيدي أنصار السنة المحمدية التي كانت في عهده في أوجها من القوة في الدعوة إلى توحيد الله وإلى هدم الشرك والبدع وتطهير الأرض منها في الوقت الذي ما كانت دعوتهم تغفل الدعوة إلى تحكيم شريعة الله والتطبيق الشامل الكامل للإسلام . 

وكان على رأس دعاة أنصار السنة أعلام أفذاذ لهم المؤلفات النافعة والمقالات القوية والخطب المجلجلة والتحقيقات النافعة لكتب السنة والتفسير وكتب أئمة التوحيد والسنة إلى جانب مجلتهم (الهدي النبوي ) التي نفع الله بها لا في مصر وحدها، بل في سائر أنحاء الدنيا.

ومن هؤلاء الأفذاذ : العلامة محب الدين الخطيب ، والعلامة محمد حامد الفقي رئيس أنصار السنة، والشيخ أحمد محمد شاكر، والعلامة مصطفى درويش ، والشيخ عبد الرزاق حمزة، والشيخ عبد الرزاق عفيفي ، والشيخ أبو السمح إمام الحرم المكي ، والشيخ محمد خليل هراس ، والشيخ عبد الرحمن الوكيل ، وغيرهم في بلد سيد قطب مصر، وما كان أكثر أهل السنة في الهند وباكستان والشام والسودان وشرق آسيا . 

فكيف يتجاهل سيد كل ذلك ويصور لأعداء الإسلام علماء الإسلام في هذه الصور المزرية ؟! 

فإذا كنا نأخذ على سيد قطب سخريته برجال الدين واستهزاءه بهم ، فإنما ننطلق من الدفاع عن هؤلاء وعن دعوتهم الإسلامية الصحيحة الحقة، ومن منطلق الدفاع عن كتب السنة والفقه الإسلامي والفتاوى الإسلامية التي سخر منها سيد كما سترى نماذج من ذلك فيما سيأتي . 

وإذا كان يدخل فيمن يسميهم رجال الدين رجال مبتدعون ، فنحن نستنكر اعتراضه على ما يقومون به من عبادات في مساجد الله وعلى ما يقومون به من جوانب إسلامية من مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن مقاومة الشيوعية والاشتراكية ودعائهما ونستنكر سكوته عن بدعهم وضلالهم ، بل نرى أن هذا السكوت عن تلك البدع والضلالات إنما كان لأحد أمرين واقعين . 

أحدهما: كونه شريكا قويا في كثير منها . 

وثانيهما: عدم مبالاته بما يفرض أنه لم يقع فيه . 

فليعرف هدفنا الإسلامي الأصيل الصادق إن شاء الله من هذا الدفاع .

وأخيرا : فإن سخرية سيد بمن يسميهم رجال الدين ما كانت إلا من منطلق اشتراكي وانتصارا للاشتراكيين الذين قاومهم العلماء وقاوموا الاشتراكية والشيوعية، فطعنه فيهم من أجل أنهم قالوا كلمة الحق في المنهج الاشتراكي والشيوعي . 

والشيوعيون والاشتراكيون إنما كانوا يهاجمون الإسلام ويهاجمون العلماء، فالسخرية بمن يسميهم (رجال الدين )إ!

ويصفهم بالأوصاف الشنيعة التي لم يصف بها الشيوعيين إنما كانت انتصارا لهؤلاء الملاحدة شاء أم أبى . 

فلا بد من محاسبة سيد، ولا بد من نقده ؟ نصرا للحق ونصرا للمظلومين من أهل السنة ومن شاركهم وأيدهم في الدفاع عن الإسلام .

الفصل الثاني 

حكم المشايخ والدراويش 

قال سيد قطب : 

(حكم المشايخ والدراويش .

هناك آخرون يتصورون أن حكم الإسلام معناه حكم المشايخ والدراويش ! 

من أين جاءوا بهذا التصور؟ من الثقافة السطحية الناقصة، ومن ملابسات الواقع في هذا الجيل . . . فأما الإسلام الحقيقي الصحيح ، فلا يعرف هذا الوضع لا في أصوله النظرية، ولا في واقعه التأريخي حتى تلك الأزياء الخاصة للمشايخ والدراويش . . . إنها ليست شيئا في الدين ، فليس هناك زي إسلامي وزي غير إسلامي ، والإسلام لم يعين للناس لباسا، فاللباس مسألة إقليمية ومجرد عادة تأريخية 000 )( ) .

أقول : 

أولا: هذه سخرية متعالية على علماء المسلمين تغري أذناب الإفرنج باحتقارهم واحتقار الإسلام نفسه . 

وقد اعتاد سيد أنه لا يذكر العلماء في كثير من الأحيان في هذا الكتاب إلا ويقرنهم بالدراويش ؟ كما لا يذكر العبادات الإسلامية في هذا الكتاب في عدد من المناسبات إلا ويقرنها بالدروشة والبدع . . . لماذا؟ 

ثانيا: أما قوله : (أما الإسلام الحقيقي الصحيح فلا يعرف هذا الوضع لا في أصوله النظرية ولا في واقعه التأريخي . . . ) . 

أسأل سيدا وغيره : هل الإسلام الحقيقي الصحيح يطارد العلماء من تسيير دفة الحكم ويسلمها للجهلة والمتفرنجين ؟ 

لقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ومعاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري وغيره من علماء الصحابة، وكذلك خلفاؤه الراشدون لا يولون إلا الأكفاء . 

وأول ميزاتهم العلم والوعي . 

وواقع الإسلام التأريخي لا يعتمد على الجهلة في تولية مناصب الدولة، وإنما يعتمد على العلماء، وقد يحصل قصور وشذوذ ولكن هذه هي القاعدة. 

ثالثا: لعل الإسلام الحقيقي الصحيح عند سيد هو ذلك المزيج من المسيحية والشيوعية( ) 

ولعله لو قامت دولته لاشترك في تسييرها المسيحيون والشيوعيون والمتفرنجون من أدعياء الإسلام التقدميين . 

ولما أقوله شواهد وأدلة واقعية في السودان وأفغانستان ، ومؤشرات في غيرهما ، فليفقه أولو العقول والأبصار والأذهان . 

رابعا : أن سيدا كان يحلق لحيته ويلبس بدلة إفرنجية وكرفتة ويعتز بذلك ويتعالى عن التشبه في لباسه بمن يسميهم هو (رجال الدين ) فيقول ساخرا من كل شيء يتصل بهم ، من ثقافتهم (أي علمهم ) وصورهم وهيئاتهم ولباسهم : 

(وبعض هذه الشبهات ناشىء عن التباس فكرة الدين ذاته بمن يسمون في هذا العصر رجال الدين وهو التباس مؤذ للإسلام ولصورته في نفوس الناس ، فهؤلاء - الرجال الدين( )  أبعد خلق الله عن أن يمثلوا فكرته ، ويرسموا صورته ، لا بثقافتهم ، ولا بسلوكهم ، ولا حتى بزيهم وهيئتهم ، ولكن الجهل بحقيقة هذا الدين والثقافة المدرسية الباقية من عهد الاحتلال ، والتي ما يزال يشرف عليها الرجال الذين صنعهم الاحتلال والأدوات التنفيذية التي صاغها بيده لتسد مسده بعد رحيله ، هذا الجهل الناشيء عن تلك الثقافة لا يدع للناس صورة عن الإسلام يرونها إلا في هؤلاء الذين يعرفونهم (رجال الدين )، وهي أسوأ صورة ممكنة للإسلام ولأي دين من الأديان)( ) .

فأي تحقير وأي تشذيب للعلماء أشد من هذا التشذيب والتحقير؟ !

ومن هنا لا ترى لأتباع سيد أي تقدير وأي احترام للعلماء وإن بالغوا في التستر فإن هذا هو واقعهم . 

خامسا: الإسلام لم يغفل عن توجيه المسلمين في قضايا الزي واللباس ، فلقد حبب إليهم النظافة والتجمل والتطيب ، ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ، ونهى الرجال عن لباس الذهب والحرير، ونهى عن إسبال الإزار وجره خيلاء، وتوعد على ذلك وعيدا شديدا، ونهى عن حلق اللحى وعن التشبه بالكفار، وأمر بقص الشوارب . 

وقد خصص المؤلفون كتبا في اللباس في ثنايا مؤلفاتهم ، ولم يكل الناس في كثير منه إلى عادتهم ، بل تدخل في ذلك لينقلهم إلى الأفضل والأكمل .


الفصل الثالث 

العبادة ليست وظيفة حياة عند سيد قطب


ويقول سيد: (والإسلام عدو التبطل باسم العبادة والتدين ، فالعبادة ليست وظيفة حياة، وليس لها إلا وقتها المعلوم ، (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ). 

وتمضية الوقت في التراتيل والدعوات بلا عمل منتج ينمي الحياة أمر لا يعرفه الإسلام ، ولا يقر عليه الألوف المؤلفة في مصر التي لا عمل لها إلا إقامة الصلوات في المساجد أو تلاوة الأدعية والأذكار في الموالد)( ) . 

أقول : 

أولا: العبادة هي وظيفة الحياة . 

قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}( ) . 

وقال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}( ).

وقال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} ( ).

وقال تعالى : {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} ( ). 

وقال تعالى : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون وبالأسحارِ يستغفرون * وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} ( ) . 

ففي هذه الآيات بيان أن العبادة هي وظيفة الحياة ، وثناء عاطر على من يذكرون الله قياما وقعودا وفي جميع أحوالهم وعلى العباد الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ولا يهجعون من الليل إلا قليلا لتعلق قلوبهم الطاهرة بالله . 

فهم عباد أتقياء وفي الوقت نفسه أغنياء أسخياء يؤدون الحقوق في أموالهم وسماهم محسنين لا متبطلين ولم يحرض الدولة على أخذ أموالهم ولا على سوقهم بالعصي إلى المعامل والعمل المنتج .

والإسلام يحث على الرباط في المساجد وعلى انتظار الصلاة بعد الصلاة، وسيد يزهد في ذلك ، لا سيما في هذا العصر الذي يندر فيه المتعبدون ، لا سيما في وقته. 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات " . قالوا بلى يا رسول الله ، قال : "إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط " . 

قال الإمام مسلم : وليس في حديث شعبة ذكر الرباط " وفي حديث مالك ثنتين : "فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط " ( ) .

والآيات والأحاديث في الحث على كثرة الصلاة والذكر كثيرة جدا، وهذا يعرفه ويعتني به علماء المسلمين من مفسرين ومحدثين وفقهاء، ويعرفه حتى عوام المسلمين، وهناك أحاديث صحيحة كثيرة تحث على الصيام وتبين فضل المتقربين إلى الله بهذه العبادة العظيمة ، ومنها : " أفضل الصيام صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى)( ) . 

ولم يهمل الرسول صلى الله عليه وسلم معالجة من يتشدد في العبادة إلى درجة الإرهاق للنفس ويضيع الحقوق . 

ومع ذلك فقد ركز على الترغيب فيها والحث عليها قولا وعملا، لأن النفس البشرية في الغالب ميالة إلى حب الدنيا والانشغال بها أكثر من إقبالها على العبادة، وميالة إلى الراحة والكسل ، قال تعالى : {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ *حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ} ، وقال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ}( ) 

ولم يقل مثل هذا فيمن يشغلهم ذكر الله وعبادته عن الدنيا، ولا مجال للإطالة في هذا، وكتب السنة والزهد والفقه مليئة به . 

ثانيا: انظر إلى هذا التخبط والخلط من سيد قطب حيث لا يفرق بين المشروع الذي رغب فيه الإسلام وحث عليه وبين المبتدع الممنوع . 

لا يفرق بين إقامة الصلوات في المساجد وعبادة الله وذكره فيها {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} النور : 36 - 37 ، وبين البدع والموالد حول الأضرحة والمشاهد.

إن تمضية الكثير والكثير من الوقت لذكر الله والصلاة في المساجد أمر مشروع مرغب فيه يعرفه الإسلام ولا ينكره ، وصرف لحظة واحدة في البدع من موالد وغيرها سواء كانت في المساجد أو في المشاهد أمر لا يعرفه الإسلام وينكره ويحاربه حربا لا هوادة فيها ، فكيف يقرن سيد بين المشروع والممنوع؟ 

ثم إنه لا يحارب الممنوع من الجهة التي حاربه منها الإسلام ، وهي كونه ابتداعا في الدين ، وإنما أنكره من الجهة التي ينكره منها الاشتراكيون ، لأنهم يرون أن على الناس جميعا إلا حزبهم أن يكونوا عمالا كادحين وعبيدا مسخرين . 

ويقول سيد: (ولو كان الأمر للإسلام لجند الجميع للعمل فإن لم يجدوا فالدولة حاضرة، وحق العمل كحق الطعام ، فالعمل زكاة للأرواح والأجسام وعبادة من عبادات الإسلام )( )  

أقول : إن الإسلام قد حث على العمل وعلى الكسب الحلال وترك للناس حرياتهم ولم يجبر الجميع على العمل ، ولم يخرجهم من المساجد إلى الحقول والمناجم كرها، فهذا إنما هو أسلوب لينين وستالين ، وانظر إلى سيد كيف يرفع من شأن العمل من أنه زكاة للأرواح والأجسام . . . إلخ ؟ مع أنه لم يقل مثل هذا في الصلاة والزكاة والصيام والحج والذكر التي امتلأ الكتاب والسنة بمدحها ومدح أهلها وترتيب الجزاء العظيم في الدنيا والآخرة عليها( ).

فإذا كان دافعه إلى ذلك تقصير الناس في العمل الذي يغلو فيه ، فلماذا لا يدفعه الفساد العقائدي من تعطيل صفات الله وعبادة القبور واعتقاد أن أهلها يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون والفساد العملي بما في ذلك ترك الصلاة والصيام وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام والاستخفاف بالدين وغير ذلك من الأمور المتفشية في عهده والتي يقع فيها أناس أضعاف المقبلين على العبادة والعقائد الصحيحة وأضعاف المتعطلين عن العمل المنتج الذي يتحمس له ويرفع من شأنه فوق العبادات التي خلق الله الجن والإنس من أجلها .

الفصل الرابع 

سخريته بالعلماء بما في ذلك قراء كتب 

السنة والفقه تزلفا للعلمانيين


ويقول : (والذين يخشون - لو حكم الإسلام - أن يبصروا فيروا على رأس الجيش مثلا في المعركة أو في مصلحة الكيمياء أو الطب الشرعي أو في وزارة الأشغال أو المالية شيخا مطمطما أو درويشا معمما لمجرد أنه قرأ كتب الفقه أو السنة أو حفظ المتون أو الحواشي والشروح أو التراتيل الدينية ودلائل الخيرات ، أولئك فليطمئنوا فواقع الإسلام التأريخي كأصوله النظرية لا يعترف إلا بالكفاية الخاصة في العمل الخاص، ولكل وجهة هو موليها)( ). 

أقول : إذا كان واقع الإسلام التأريخي كأصوله النظرية لا يعترف إلا بالكفاية الخاصة في العمل الخاص فما الداعي للسخرية بمن يقرأ كتب الفقه أو السنة أو حفظ المتون والحواشي إن كان هذا مبتدعا ضالا فيناقش في بدعته ويدعى إلى السنة والحق ، وإن كان من أهل السنة والحق فلماذا تجعله سخرية أمام الملاحدة والزنادقة ؟؟ 

ويقال للملاحدة والعلمانيين : {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}( ) ولا يشاركون في الاستهزاء بعلماء المسلمين لا سيما حملة السنة ودعاتها.

والإسلام يحترم الكفاءات حقا .

وقد نفذ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون ومن بعدهم ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن أشراط الساعة، قال : "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة . قال : كيف إضاعتها قال : ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة))( ) . 

وإن العلماء بالكتاب والسنة لهم  الأكفاء في الإمرة والقضاء والإفتاء والرئاسات العلمية، وهم مع الأمراء ولاة الأمر وأهل الحل والعقد، وأنت تريد أن يكونوا في طليعة الطرداء الى الأعمال المنتجة. 

أليس من ينظر إلى العلماء هذه النظرة المزرية وينوي مطاردتهم إلى ميادين العمل المنتج أشد الناس خطرا وأخلق بتضييع الأمانة الذي هو من علامات الساعة