قال سيد قطب :
((هناك ما يصحُّ أن نُطلق عليه باطمئنان روح الإسلام؛ هذا الروح يستشعره من يتتبع
طبيعة هذا الدين وتاريخه على السواء ، ويحسه كامنـًا وراء تشريعاته وتوجيهاته
.
هذا الروح هو الذي يرسم الأفق الأعلى الذي يتطلب من معتنقيه أن يتطلعوا
إليه ، وأن يحاولوا بلوغه لا بتنفيذ الفرائض والتكاليف فحسب ، ولكن بالتطوع الذاتي
لما هو فوق الفرائض والتكاليف؛ وهذا الأفق عسير المرتقى([1]) ، وأعسر من ارتقائه
الثبات عليه؛ لأن نوازع الحياة البشرية وضغط الضرورات الإنسانية لا يطوعان للأكثرين
من الناس أن يرقوا إلى هذا الأفق العالي ولا أن يصبروا عليه طويلاً ، إن ارتقوا
إليه في فورة من فورات الشوق والتطلع؛ فلهذا الأفق تكاليفه العسرة ، وهي تكاليف في
النفس والمال وفي الشعور والسلوك؛ ولعل أشدّ هذه التكاليف مؤنةً هو تلك اليقظة
الدائمة التي يفرضها الإسلام على ضمير الفرد والحساسية المرهفة التي يثيرها في
شعوره تجاه الحقوق والواجبات لذاته وللجماعة التي يعيشُ فيها وللإنسانية التي ينتسب
إليها ، وللخالق الذي يراقبُه في الصغيرة والكبيرة ويعلم سرّه ونجواه .
ولقد
كان لذلك الروح الذي أشرنا إليه أثر في واقع الإسلام التاريخي ، فاستحال الإسلام
وهو عقيدة وتصوّر إلى شخصيّات ووقائع ولم يعد نظريات مجرّدة ولا مجموعة إرشادات
ومواعظ ولا مثلاً وأخيلة ، إنما عاد نماذج إنسانية تعيش : ووقائع عملية تتحقّق ،
ولن نكون مخطئين حين نرد انبعاث هذه العبقريات كلها وبروز تلك البطولات جميعها إلى
فعل ذلك الروح القوي؛ فهو حركة كونيّة شاملة تتوافى مع هذه الطاقات الفردية في
الظاهر ، الكونية في الحقيقة ، ومقياس عظمة كل عبقرية منفردة هو استعدادها لتلقِّي
ذلك الفيض الكوني)) .
ثم ضرب أمثلة([2]):
1 ـ بالنبي صلى الله عليه
وسلم .
2 ـ ثم بلال .
3 ـ ماعز .
4 ـ الغامدية .
5 ـ
خالد بن الوليد وقصة عزله .
6 ـ أبو عبيدة .
7 ـ أبو حنيفة
.
8 ـ يونس بن عبيد .
ولكل من هؤلاء قصة .
ثم تعرّض للمساواة
المطلقة([3])بين بني الإنسان في الإسلام والتحرر الوجداني المطلق من جميع القيم
وجميع الاعتبارات التي تخدش هذه المساواة ، وذكر أثر هذه الروح في شخصيّات ، منها :
عمر بن الخطّاب .
ثم سفيان الثوري في مواجهة المنصور .
وأحد
المتكلِّمين([4])في مواجهة الخليفة الواثق .
وبكار القاضي في مواجهة أحمد بن
طولون .
وابن عبد السلام في مواجهة الملك إسماعيل الأيوبي .
والنووي
في مواجهة الظاهر ببيبرس .
وحسن الطويل في مواجهة الخديو توفيق .
ثم
تحدّث عن منهج الإسلام في البرّ والتكافل الاجتماعي الشامل بين القادرين والعاجزين
وبين الأغنياء والفقراء ، وضرب أمثلةً من أبي بكر ، وعمر ، وعثمان قبل الخلافة ،
ومن قبيلة الطوارق([5]).
ثم قال ـ وهو يتحدّث عن سياسة الحكم والمال ـ :
((فأما سياسة الحكم والمال من الوجهة الرسمية في الدولة فقد شهد الواقع التاريخي
عنها فترة فريدة في حياة الإسلام لم تعمر طويلاً مع الأسف الشديد .
ثم تحدّث
عن استخلاف أبي بكر وعمر وعثمان بكلامٍ عليه فيه مآخذ ، ثم قال : ((فلما جاء
الأمويّون وصارت الخلافة الإسلاميّة مُلْكـًا عضوضـًا في بني أميّة لم يكن ذلك من
وحي الإسلام ، إنما كان من وحي الجاهليّة الذي أطفأَ إشراقة الروح
الإسلامي))([6]).
ثم تكلّم عن معاوية ويزيد بكلامٍ فيه إساءة كبيرة إلى
معاوية ، ونسب إلى يزيد أشياءَ يصعُب ذكرُها ، وهي ـ لا شكّ ـ تُرضي الروافض
.
ثم قال : ((وفي سبيل تبرئة الإسلام روحه ومبادئه من ذلك النظام الوراثي
الذي ابتدع ابتداعـًا في الإسلام نقرِّرُ هذه الحقائق ، لتكون واضحةً في تصوّر
الحكم الإسلامي على حقيقتِه؛ ومما ضاعف الكارثة : أنّ هذا الانحراف باكر الإسلام
ولم تنقض إلاّ ثلاثون سنة على سننه الرفيعة ، فلم تتح له فرصة الثبات والاستقرار
وتكوين التقاليد العميقة والأوضاع النظامية التي يصعب فيما بعد الخروج عليها؛ وهو
سوء حظٍّ لا شكّ فيه ، ولكنه في الواقع ليس المصادفة السيئة الأولى؛ فلقد كانت أسوأ
مصادفة هي تأخير عليّ وتقديم عثمان وهو شيخٌ ضعيف ، وتسلُّم مروان بن الحَكم الأموي
مقاليد السلطان . فلو شاء حسن الطالع أن يتقدّم عليّ بعد الشيخين لاستمرّت تقاليد
الإسلام فترة أخرى ، ولاستطردت موجته عهدًا ثالثـًا ، ولكان غير ما كان من طمس روح
الإسلام؛ فإنّ استقرار التقاليد الإسلامية فترة أخرى وقيام أوضاع نظاميّة محددة من
شأنه أن يجعل النكسة أصعب على من يحاولها([7]).
ولكي ندرك عمق هذه الحقيقة
يجب أن نستعرض صورًا من سياسة الحكم والمال([8])في العهود المختلفة على أيدي أبي
بكر ، وعمر ، وعلى أيدي عثمان ، ومروان ، وعلى يدي علي الإمام([9]) ، ثم على أيدي
الملوك من بني أميّة ، ومن بعدهم من بني العباس بعد أن خنقت روح
الإسلام))([10]).
ثم قال : ((حينما ندب المسلمون أبا بكر ليكون خليفة رسول
الله لم تزد وظيفتُه في نظره على أن يكون قائمـًا بتنفيذ دين الله وشريعته بين
المسلمين ، فلم يخطر له أنّ هذه الوظيفة تُبيحُ له شيئـًا لم يكن مباحـًا له ، وهو
فردٌ من الرعيّة ، أو تمنحُه حقـًّا جديدًا لم يكن له أو تسقط عنه تكليفـًا واحدًا
مما كان يكلفه سواء لنفسه أو لعشيرته أو لإلـهه !)) .
ثم ذكر خطبة أبي بكر
الشهيرة ، وذكر مِن سيرتِه ، وزهده ، وتعفّفه ما هو لائقٌ بمكانته .
ولكنك
إذا قرأت ما كتبه في عثمان تُدرك أنه يعرِّضُ بعثمان ، وأنه على نقيض هذه الخصال
الكريمة التي كان يتّسمُ بها أبو بكر .
ثم قال : ((هذه لمحةٌ مِن تصوُّر أبي
بكرٍ للحكم ، فلما أن خلفه عمر لم يختلف هذا التصوُّر ، ولم يفهم عمر أنّ منصبَه
الجديد يرتِّبُ له حقوقـًا جديدة من أيِّ نوع غير أن يزيدَ في تبعاتِه في القيام
بتنفيذ شرع الله))([11]).
وذكر له ولعمر خطبـًا وأقوالاً ومواقف كُلُّها
تليقُ بهذين الخليفتين الراشدين ، ولكن هدف (سيد) منها أن يبيِّن أنّ عثمان على
النقيض من ذلك ، وأن هناك تفاوُتـًا عظيمـًا بين الخليفتين أبي بكر وعمر وبين عثمان
دفع سيدًا إلى إسقاط خلافة عثمان ، واعتبارها فجوةً بين خلافتيهما وخلافة عليّ ـ
رضي الله عنهم جميعـًا ـ .
لقد ذكر شخصيّات تأثرت بروح الإسلام وارتقت إلى
الآفاق العليا التي رسمها الإسلام؛ ومن تلك الشخصيّات : ماعز ، والغامدية ، ويونس
بن عبيد ، وأبو حنيفة ، والعزّ بن عبد السلام ، والنووي ، وحسن الطويل
.
ولكنه بعد ذلك تحدّث عن عثمان وعهده وعن عددٍ من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم بما يُشعر القارئ بأنهم لم يرتقوا إلى هذا الأفق الذي ارتقت إليه تلك
الشخصيّات التي اختارها نماذج تسنّمت ذلك الأفق العالي؛ فلا حولَ ولا قوّة إلاّ
بالله . وسيأتيك هذا النبأُ المفزع .
ثم تحدّث عن سياسة عمر فقال : ((لقد
كان يرى أن يحرم نفسه حرمان رعيته ليحسّ بما يمسّها كما قال ، ولأنه في أعماق نفسه
ما كان يرى أن قيامه بالحكم يجعل له حقوقـًا وامتيازات ليست لسائر الناس ، وأنه إن
لا يعدل في هذا فما هو بمستحقّ طاعة الرعيّة؛ وقصة البرود اليمانية وإقراره بسقوط
طاعته حتى يثبت عدله قد سبق أن ذكرناها ، وهي تقرّر مبدأ من مبادئ الحكم في الإسلام
: أن لا طاعة لإمامٍ غير عادل ( ولو كان يقرّ أن الحاكمية لله وحدَه ويحكم بشريعة
الله ، ولكنه لا يعدل في الأحكام) )) ([12]).
([1]) ((العدالة الاجتماعية)) ( ص : 144 ـ 145 ،
ط : خامسة ) ، و ( ص : 126 ـ 127 ، ط : الثانية عشرة ) .
أقول : لقد بيّن
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مراتب الدين بأنها الإسلام ، والإيمان ، والإحسان
، وقال في الإحسان : ((أن تعبد الله كأنك تراه))؛ فإذا عبدَ اللهَ الإنسان بإخلاص
متمسّكـًا بهديه فإنه يكون قد وصل إلى هذا المرتقى . ولا داعي لهذا التعقيد
والتكلُّف الذي يسلكه سيد قطب .
([2]) انظر : ((العدالة)) ( ص : 130 ـ 137 ،
ط : الثانية عشرة ) .
([3]) في هذا نظر يخالف قول الله تبارك وتعالى : {
أفنجعل المسلمين كالمجرمين } وغيرها من توجيهات الإسلام التي تفرّق بين المسلم
والكافر .
([4]) الصواب أنه أحدُ أهل السنة .
([5]) ((العدالة)) ( ص
: 150 ـ 151 ) .
([6]) ((العدالة)) ( ص : 154 ) ، و ط خامسة : ( ص 178 ـ 180
) .
([7]) هذا المقطعُ تضمّن بالإضافة إلى سوء معتقد سيد قطب : طعناتٍ في
خلافة عثمان ، منها : الانحراف الذي باكر الإسلام ، ومنها : طمس روح الإسلام ،
ومنها : طعنُه في استخلاف عثمان نفسه . فلا حولَ ولا قوّة إلا بالله .
([8])
كلمة ((المال)) من الطبعة الثانية عشرة .
([9]) تخصيص عليّ بالإمامة في
سياقٍ فيه أبو بكر وعمر وعثمان له دلالة لا شكّ فيها لمن ينظر بعمق ، خصوصـًا وهو
في سياق تبرئة الإسلام من سياسة عثمان وبني أميّة .
([10]) ((العدالة)) ط
خامسة ، ( ص : 182 ) ، و ط ثانية عشرة ( ص : 156 ) ، وفيها : ((بعد هذه الهزة
المبكرة في تاريخ الإسلام)) .
([11]) ((العدالة)) ط خامسة ( ص : 183 ) ، و ط
ثانية عشرة ( ص : 157 ) .
([12]) ((العدالة)) ( ص : 158 ) ط ثانية عشرة ، و
( ص 185 ) ط خامسة . وما بين القوسين من الطبعة الثانية عشرة=========
عثمان بن عفان ما كان يرى أنّ قيامه بالحكم يجعل له حقوقـًا
وامتيازات
|
|
أقول : رضي الله
عن عمر ، وما هذا بمستغرَب منه إن ثبت عنه ، وقد روي عنه أنه كان يحرم نفسه من بعض
الأدم في عام الرمادة الذي حصلت فيه مجاعة ، وهو أمرٌ لا يلزمه به الإسلام ، ولو
حصل عام مثله في عهد عثمان لأشفق على الأمة وأهمّه أمرها كما أهمّ أخاه عمر ـ رضي
الله عنهما ـ؛ لأنهما من مدرسة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولعثمان
من البذل والتضحيات الشيء الكثير في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي
خلافته ، وخلافة أبي بكر وعمر .
وقد بذل الكثير والكثير في أحوال الشدّة
والأزمات التي كانت تواجه المسلمين ، ولا يُنسى ما بذله في غزوة تبوك عام العسرة
وغيرها .
أما أنّ عمر في أعماق نفسه ما كان يرى أنّ قيامه بالحكم يجعل له
حقوقـًا وامتيازات ليست لسائر الناس . فإنّ أخاه عثمان كان كذلك؛ ولا يقول فيه غير
هذا إلاّ ظالمٌ معتد طعّان في عدالة عثمان الخليفة العادل الراشد .
وقول سيد
: ((وأنه إن لا يعدل فما هو بمستحقّ طاعة الرعية)) ، وقوله عن عمر : ((وإقراره
بسقوط طاعته حتى يثبت عدله
|
|
================================
سيد قطب يقرِّرُ مذاهب الفرق الضالة ويوهم أنها مذهب
عمر
|
|
فإن (سيدا) إنما
يقرّر هنا مذاهب الفرق الضالة من الخوارج والمعتزلة والرافضة ، ولا يلتفت إلى ما
قرّره الرسول صلى الله عليه وسلم وقرّره أهلُ السنة والجماعة بناء على توجيهات رسول
الله صلى الله عليه وسلم التي منها ما أخرجه مسلم وغيرُه من حديث أبي هريرة ـ رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((عليك السمع والطاعة في عسرك ،
ويُسرك ، ومنشطك ، ومكرهك ، وأثرة عليك))([1]) .
وما أخرجه مسلم وغيرُه من
حديث عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال : ((بايعنا رسولَ الله صلى الله
عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا
، وعلى أن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه ، وعلى أن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله
لومة لائم)) ، وزاد مسلم بعد قوله : ((وأن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه)) قال : ((إلا أن
تروا كفرًا بواحـًا عندكم فيه من الله برهان))([2]).
وما رواه مسلم وغيرُه
عن سلمة بن يزيد الجعفي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((اسمعوا وأطيعوا ،
فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم))([3]).
ومن حديث حذيفة :
((يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم
قلوب الشياطين في جثمان إنس)) قال : قلت : كيف أصنعُ يا رسول الله إن أدركتُ ذلك ؟
، قال : ((تسمع وتطيع ، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالَك فاسمع وأطع))([4]).
وحديث
ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((ستكون أثرة وأمورٌ تنكرونَها)) ، قالوا
: يا رسولَ الله فما تأمرُنا ؟ ، قال : ((تؤدُّون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله
الذي لكم))([5]).
ففي هذه الأحاديث وجوب طاعة الإمام على الأمة مهما ظلم
الإمام وخالف هدْي الإسلام حتى ترى الأمة في هذا الإمام الكفرَ البواح المخرج عن
دائرة الإسلام .
لم يستضي (سيد) بهذه التوجيهات النبوية ، ولم يلتفت إلى
مذهب أهل السنة والجماعة ، وذهب يقرِّرُ ما هو أشدُّ من مذهب الخوارج والفرق الضالة
الأخرى ، ثم ينسب ذلك إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ أنه يرى
هذا المذهب الرديء أنه لا يستحق طاعة الرعية إلا إذا كان في غاية العدل ، ولقد أشار
إلى قصة البرود اليمانية .
وهي كما قصّها سيد في ( ص 141 ) من ((العدالة)) :
((وغنم المسلمون أبرادًا يمانية فخصّه برد ، وخصّ ابنه عبد الله برد كأيّ رجل من
المسلمين ، ولما كان الخليفة في حاجة إلى ثوب فقد تبرّع له عبد الله ببرده ليضمّه
إلى برده فيصنع منها ثوبـًا ، ثم وقف يخطب الناس وعليه هذا الثوب ، فقال : ((أيها
الناس اسمعوا وأطيعوا)) ، فوقف سلمان فقال : لا سمع ولا طاعة ، قال عمر : ولِمَ ؟ ،
قال سلمان : من أين لك هذا الثوب وقد نالك برد واحد وأنت رجل طوال ؟ ، قال : لا
تعجل ، ونادى : يا عبد الله ، فلم يجبه أحد ـ فكلُّهم عبد الله ـ ، قال : يا عبد
الله بن عمر ، قال : لبّيك يا أمير المؤمنين ، قال : ناشدتك الله ! البرد الذي
اتزرتُ به أهو بردك ؟ ، قال : اللهم نعم ، قال سلمان : الآنَ مُر نسمع ونطع))
.
فهذه القصة تحمل في طيّاتها الكذب وتنطوي على رفض ذلك المنهج الذي قرّره
رسول الله وتلقّاه أصحابه ، ففقهوه وعلموه الأمة .
إن هذه القصة المزيّفة
تصوّر الصحابة في صورة لا يقوم عليها دين ولا دولة .
أبمجرّد أن يرى أحد من
الصحابة على أمير المؤمنين ثوبـًا يحتاجه يقول : لا سمعَ لك علينا ولا طاعة ، ويقع
الخليفة في قفص الاتّهام ، لا يُخرجُه منه إلاّ شاهد عدل أنه قد تبرّع بهذا الثوب ،
فكيف ستكون النتيجة لو كان عبد الله بن عمر غائبـًا في غزوة أو غيرها ؟!!
.
ثم ألا يرى (سيد) أن هذه القصة تخالف مذاهب عمر وأصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم في التفضيل في العطاء ، فيعطي بعضهم خمسة آلاف وبعضهم أربعة ، وبعضهم
اثني عشرة ألفـًا ، وبعضهم خمسمائة وثلاثمائة على أساس الرجل وبلاؤه في الإسلام ،
والرجل وقدمه في الإسلام ، والرجل وحاجته في الإسلام؛ فبلاء عمر في الإسلام وقدمه
فيه وحاجته ومكانته كلُّ ذلك لم يشفع لعمر في ثوبٍ يحتاجُه لا عند سلمان ولا عندَ
غيرِه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسوا كلُّهم الأحاديث الآمرة بالطاعة
للأمير ما دام في دائرة الإسلام ، ونسوا ما اتّفقوا عليه من جواز التفضيل مراعاة
لمنازل الرجال ؟!! .
كيف يتبنّى سيد هذا المبدأ الثوري الخطير الذي لا تعيش
عليه أمة ، ولا يقومُ عليه دين على هذه القصة الباطلة ، لعلّها من صياغة أعداء
الإسلام لتدمير الإسلام والمسلمين========= قال سيد قطب : ((ولقد كان هذا الشعور
الإسلامي عميقـًا في نفسه ، مصاحبـًا له في كلّ ملابسةٍ ؛ فقد ساوم رجلاً على فرس ،
ثم ركبَه ليجرِّبَه فعطب ، فأراد أن يردَّه إلى صاحبه ، فأبى ، فتحاكما إلى شريح
القاضي ، فسمع حُجّة كلٍّ منهما ، ثم قال : يا أمير المؤمنين خذ ما ابتعت أو ردّ
كما أخذت ، فقال عمر : ((وهل القضاء إلا هكذا)) ؟ ثم أقام شريحـًا على قضاء الكوفة
جزاء ما قضى بالحق والعدل)) ([1]) .
أقول : بحثتُ كثيرًا عن هذه القصة فلم
أجدها .
وسواء صحّت أو لم تصحّ فإن عمر بن الخطّاب الخليفة الراشد فوقَ هذا
المستوى ، وكان وقّافـًا عند كتاب الله كما شهد له ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ ،
وقد ملأ هذا الخليفة العادل العبقري الدنيا عدلاً؛ فهذا قليلٌ في حقِّه ـ رضي الله
عنه ـ .
ولأخيه الخليفة الراشد عثمان من الكمال والصفات الحميدة والعدل
والإنصاف ما يجعله رديف أخيه عمر في العدل والإنصاف وسائر الخلال الحميدة؛ وبهذه
الخلال اختارته الأمة عن رضى وحبّ واغتباط .
وله قصة طريفة في باب العدل
والإنصاف لا تقلَّ طرافةً عن قصة عمر هذه :
روى ابن شبَّة بإسناده قال : دخل
عثمان بن عفان على غلام له يعلف ناقة ، فرأى في علفها ما كره ، فأخذ بأذن غلامه
فعركها ، ثم ندم فقال لغلامه اقتص ، فأبى الغلام ، فلم يدعه حتى أخذ بإذنه فجعل
يعركها ، فقال له عثمان شدّ ، حتى ظنّ أنه قد بلغ منه مثل ما بلغ منه ، ثم قال
عثمان ـ رضي الله عنه ـ : واهـًا لقصاص قبل قصاص الآخرة)) . وفي إسناد القصة
انقطاع([2]) ولكنها لا تستكثر على عثمان ، ولا تستبعد لعدله وإنصافه وتواضعه ـ رضي
الله عنه ـ ، كما لا تستبعد تلك القصة ولا تستكثر على أخيه عمر بن الخطاب
.
أما الفضل والعفو والحلم والصفح عمن يعتدّى عليه فقد برز فيه ـ رضي الله
عنه ـ ، وقد رويت قصص عنه تنبئ عن نفسٍ كريمة بلغت غاية السماحة :
منها : ما
رواه ابن شبَّة : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا سلام بن مسكين ، عن عمران بن
عبد الله بن طلحة : أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ خرج لصلاة الغداة ، فدخل من الباب
الذي كان يدخل منه ، فزحمه الباب ، فقال : انظروا ، فنظروا فإذا رجل معه خنجر أو
سيف فقال له عثمان ـ رضي الله عنه ـ : ما هذا ؟ ، قال : أردت أن أقتلك ، قال :
سبحان الله ! ويحك علامَ تقتلني ؟ ، قال : ظلمني عمّالك باليمن ، قال : أفلا رفعتَ
ظلامتك إليَّ فإن لم أنصفك وأعديك على عاملي أردتَ ذلك مني ، فقال لمن حوله : ما
تقولون ؟ ، فقالوا : يا أمير المؤمنين عدوٌّ أمكنك الله منه ، فقال : عبدٌ هَمَّ
بذنبٍ فكفَّه الله عني . ائتني بمن يكفل بك لا تدخل المدينة ما وليت أمر المسلمين ،
فأتاه برجل من قومِه فكفل به ، فخلَّى عنه . قال عمران : فوالله ما ضربه سوطـًا ،
ولا حبسه يومـًا([3]).
وفي إسناده انقطاع ، ويتقوّى بروايات قبله ، فيرتقي
إلى درجة الحسن أو الصحة؛ وقد أشار إلى ذلك المحقق ـ رحمه الله تعالى ـ
.
فلِمَاذا تُغفل مكرمات عثمان ـ رضي الله عنه ـ ويركّز على الحطِّ منه
اعتمادًا على إفك الروافض والحاقدين والمغرضين ؟ .
وهل يجوز أن تُذكر محاسنُ
عمر ـ رضي الله عنه ـ ليُتوصَّل منها إلى الحطِّ من أخيه عثمان ؟ ، ولماذا لا يقال
في عثمان ـ رضي الله عنه ـ ما قيل في عمر ؟ .
لقد كان هذا الشعور الإسلامي
عميقـًا في نفسه ، مصاحبـًا له في كلِّ ملابسة ، وتذكر تطبيقات ذلك في حياتِه كما
ذكرت في حياة أخيه عمر . رضي الله عن كل أصحاب رسول الله ولا سيّما الخلفاء
الراشدين المهديين ، والعشرة المبشّرين بالجنة؛ فقد كانت حياتهم كلها تطبيقـًا
صحيحـًا للإسلام رغم أنوف الحاقدين============
كان عثمان رضي الله عنه يقيم العدل على نفسه وبين
رعيته
|
|
قال سيد :
((فإذا فهم عمر الحكم على أساس هذا التصوّر فلا مجال لأن يكون لقرابة الحاكم
امتيازات ما على سائر أفراد الرعية . فإذا تناول ابنُه عبد الرحمن الخمر فلا بدّ من
الحد ، وقصّته في ذلك معروفة ، وإذا عدا ابن عمرو بن العاص على المصري فلا بدّ من
القصاص .
فأما في المال فعمّاله مسئولون عن كل ما زاد في أموالهم بعد
الولاية خشية أن يكون نموّها على حساب مال المسلمين ، أو بسبب من جاه الولاية . و (
من أين لك هذا ؟ ) كان قانونه الذي عامل به عمّاله واحدًا واحدًا كلما وجد مبرّرًا
لأن يعاملهم به؛ فقد قاسم عمرو بن العاص واليه في مصر وسعد بن أبي وقاص واليه في
الكوفة كما ضم مال أبي هريرة واليه في البحرين))([1]).
أقول : في هذا الكلام
نظرات :
الأولى : أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ فهم الحكم على أساس هذا التصوّر
كما فهم أخواه عمر وأبو بكر ـ رضي الله عنهم ـ .
وإذا كان عثمان قد ولى
أحدًا من قرابته فلكفائتهم التي قلَّ أن تتوفّر في غيرهم أولاً
.
وثانيـًا : فلا يعرف بطن من بطون قريش فيها عمال لرسول الله صلى الله عليه
وسلم أكثر من بني عبد شمس؛ لأنهم كانوا كثيرين ، وكان فيهم شرف
وسؤدد([2]).
وكذلك استعمل منهم أبو بكر ، وعمر ، وسيأتي استكمال هذا في
موضعه .
الثانية : إذا كان عمر قد أقام الحدّ على ولده بل وصهره فإنّ الشيءَ
من معدنه لا يستغرب ، فكذلك أخوه عثمان أقاد من نفسه ـ كما تقدم ـ ، وأقام الحدّ
على أخيه لأمه وابن عمه الوليد بن عقبة([3]) الأمير المجاهد الشجاع السخي
.
والثالثة : في مقاسمة عمر لعماله في أموالهم؛ فإنّ هذه دعوى عريضة لا
أساسَ لها ، ولم يفعل ذلك رسول الله ، ولا أبو بكر ، ولم يول عمر ، ومن قبله إلا
الأكفاء الأمناء ـ رضي الله عنهم ـ .
وقد ذكر ابن سعد في ((طبقاته))([4]):
أن عمر قاسم غير واحد منهم ماله إذا عزله ، منهم : سعد بن أبي وقاص ، وأبو هريرة .
ولم يذكر أي إسناد ولن يجد ، وهذان أروع وأشرف وأنبل من أن يرتعوا في أموال
المسلمين .
أما سعد بن أبي وقاص فهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ((وأحد
الستة أهل الشورى ، وكان مجاب الدعوة ، مشهورًا بذلك ، وهو أحد الفرسان الذين كانوا
يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه ، وهو الذي كوّف الكوفة ، وتولّى
قتال فارس ، وفتح الله على يديه القادسية ، وكان أميرًا على الكوفة لعمر ، ثم عزله
، ثم أعاده ، ثم عزله ، وقال في مرضه : ((إن وليها سعد فذاك وإلا فليستعن به الوالي
فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة؛ ومناقبُه كثيرة جدًّا))([5]).
وقصته في
((الصحيحين)) عن جابر بن سمرة قال : شكى أهلُ الكوفة سعدًا إلى عمر ـ رضي الله عنه
ـ فعزله ، واستعمل عليهم عمّارًا ، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلِّي ، فأرسل
إليه فقال : يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي قال أبو إسحاق : أما
أنا والله فإني كنتُ أصلِّي بهم صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها :
أصلِّي صلاة العشاء فأركد في الأوليين ، وأحذف في الأخريين . قال : ذاك الظنُّ بك
يا أبا إسحاق ، فأرسلَ معه رجلاً ـ أو رجالاً ـ إلى الكوفة ، فسأل عنه أهل الكوفة
ولم يدع مسجدًا إلاّ سأل عنه ، ويثنون معروفـًا حتى دخل مسجدًا لبني عبس فقام رجل
منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة فقال : أما إذا نشدتنا فإنّ سعدًا كان
لا يسير بالسرية ، ولا يقسم بالسوية ، ولا يعدل في القضية . قال سعد : أما والله
لأدعونّ بثلاث : اللهم إن كان عبدك هذا كاذبـًا قام رياءً وسمعة فأطل عمره ، وأطل
فقرَه ، وعرِّضه بالفتن؛ فكان بعد إذا سُئل يقول : شيخ كبير مفتون ، أصابتني دعوة
سعد))([6]).
فهل مثل هذا الصحابي الجليل يتّهمه عمر بأخذ ما ليسَ له من
أموال المسلمين أو التحايل في الوصول إلى الإثراء على حساب أموال المسلمين ؟ ، كلا
، ثم كلا .
وأما أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ فهو الإمام الفقيه المجتهد
الحافظ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سيد الحفّاظ الأثبات ـ رضي الله عنه ـ؛
قال الذهبي في ((السير))([7]): ((معمر عن أيّوب ، عن محمد : أن عمر استعمل أبا
هريرة على البحرين فقدم بعشرة آلاف ، فقال له عمر : استأثرت بهذه الأموال يا عدو
الله وعدوّ كتابه ؟ ، فقال أبو هريرة : فقلت : لستُ بعدو الله وعدوّ كتابه ، ولكني
عدوّ مَن عاداهما ، قال : فمن أين هي لك ؟ ، قلت : خيل نتجت ، وغلّة رقيق لي ،
وأعطية تتابعت؛ فنظروا فوجدوه كما قال . فلما كان بعد ذلك دعاه عمر ليوليه ، فأبى ،
فقال : تكره العمل وقد طلب العملَ مَن كان خيرًا منك : يوسف ـ عليه السلام ـ ؟ ،
فقال : يوسف نبيٌّ ابن نبي ابن نبي ، وأنا أبو هريرة بن أميمة ، وأخشى ثلاثـًا
واثنتين ، قال : فهلاّ قلت : خمسـًا ؟ ، قال : أخشى أن أقول بغير علم وأقضي بغير
حلم ، وأن يضرب ظهري ، وينتزع مالي ، ويشتم عرضي)) .
قال الذهبي : ((رواه
سعد بن الصلت عن يحيى بن العلاء ، عن أيوب متصلاً بأبي هريرة ، وروى نحو هذه القصة
ابن سعد([8]) ، وفيها : فقبضها منه ، وليس والله أبو هريرة بالخائن ولا عمر بالظالم
، ولكنه اجتهاد من عمر ـ رضي الله عنه ـ يردع به العمال.
ولو كان أبو هريرة
متّهمـًا عند عمر لما رغب في توليته مرّة أخرى ، وقد روى نحو هذه القصة البلاذري ،
وفيها : ((فكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضلَ من ذلك))([9]).
وذلك الظنُّ بهذا
الخليفة العادل ـ رضي الله عنه وعن إخوانه الطيّبين ـ .
وأما عمرو بن العاص
فهو الصحابي المجاهد ، فاتح مصر وطرابلس ، وأمير فلسطين والأردن في عهد عمر ، ثم
وجهه إلى مصر ففتحها ، وبقي أميرًا عليها أيام عمر وسنين من عهد عثمان .
فلم
يعزله عمر ـ رضي الله عنه ـ لكفاءته العالية .
ولم أرَ في أيّ مصدر أنّ عمر
قاسمه مالَه .
وإنما تابعت هذه الدعوى إبعادًا لأصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن التهم ، وحمايةً لأعراضهم ، وصيانةً لها من أن يرتع فيها من في قلبه
مرض وغلّ من أهل الأهواء والجهل .
أما أبو هريرة : فقد ذكر ابن الجوزي أنه
قدم على عمر من البحرين بمال : قال : فقدمت عليه ، فصليت العشاء معه ، فلما رآني
سلّمت عليه ، فقال : ما قدمت به ؟ ، قلت : قدمتُ بخمسمائة ألف ، قال : أتدري ما
تقول ؟ ، قلت : مائة ألف ، ومائة ألف ، ومائة ألف ، حتى عددت له خمسـًا؛ قال : إنك
ناعس ، ارجع إلى بيتك فنم ، ثم اغد عليّ ، قال : فغدوتُ عليه ، فقال : ما جئتَ ؟ ،
قلت : خمسمائة ألف وقال : أطيب ؟ ، قلت : نعم ، لا أعلم إلاّ ذلك ، فقال للناس :
إنه قدم عليَّ مال كثير ، فإن شئتم إن نعد لكم عدًا ، وإن شئتم أن نكيله لكم كيلاً
، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين إني قد رأيتُ هؤلاء الأعاجم يدوّنون ديوانـًا؛
يعطون الناس عليه ، فدوّن الديوان؛ ففرض للمهاجرين في خمسة آلاف وللأنصار في أربعة
آلاف ، وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في اثنى عشر
ألفـًا))([10]).
وأورد ابن الجوزي في كتابه ((تاريخ عمر))([11])عن أبي هريرة
ـ رضي الله عنه ـ يقول : قدمتُ على عمر بن الخطّاب من عند أبي موسى الأشعري
بثمانمائة ألف درهم ، فقال لي : بماذا قدمت ؟ ، قلت : إنما قدمت بثمانمائة ألف درهم
، قال : إنما قدمت بثمانين ألف درهم ، قال : قلت : إنما قدمتُ بثمانمائة ألف درهم ،
قال : ألم أقل لك إنك يماني أحمق ، إنما قدمت بثمانين ألف درهم ، فعددت مائة ألف
ومائة ألف حتى عددت له ثمانمائة ألف ، فقال : أطيِّبٌ ويلك ! ، قلت : نعم؛ فبات عمر
ليلته أرقـًا حتى نودي لصلاة الصبح ...)) وذكر تمام القصة .
وأنت ترى أنه
ليس للقصتين إسناد؛ فإن كان المرءُ لا بدّ متحدِّثـًا بروايات بدون أسانيد عن أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرام فلا يذكر منها ما فيه ثلبهم وانتقاصهم ،
والأولى به إن كان متحدِّثـًا عنهم فليذكر ما فيه محاسنُهم وما يليقُ بمكانتهم
وينسجم مع أخلاقهم وواقعهم الوضّاء المشرق ـ رضي الله عنهم ـ ، مثل هاتين القصتين
وما يشابهما؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم وحشرنا في زمرتهم .
قال سيد : ((ولقد
كان قوام تصوّر الحكم في نفس عمر باختصار هو : الطاعة والنصح في حدود الدين من
الرعية ، والعدل والحسنى كذلك من الراعي .
ولقد قبل من رجل من رعيته أن يقول
له : لو وجدنا فيك اعوجاجـًا لقوّمناه بسيوفنا؛ فأقرّ بذلك مبدأ حق الرعية في تقويم
الراعي ، كما خطب الناس يومـًا فقال : ((إني لم أستعمل عليكم عمّالي ليضربوا
أبشاركم ، وليشتموا أعراضكم ، وليأخذوا أموالكم ، ولكني استعملتهم ليعلموكم كتاب
ربكم وسنة نبيكم؛ فمن ظلمه عامل بمظلمة فلا إذن له عليّ ليرفعها إليّ حتى أقصه
منه))؛ فأقرّ بذلك حدود الحاكم على الناس لا يتعداها))([12]).
أقول :
1 ـ ما كان عند عمر من تصوّر للحكم فإنه عند أخيه عثمان ـ رضي الله عنهما ـ
الطاعة والنصح من الرعية في حدود الدين ، والعدل والحسنى كذلك من الراعي؛ فما كان
عثمان غافلاً عن هذا التصوّر ، وما ظلَم أحدًا من رعيّته في دينٍ ولا عرض ولا مال
.
فقد كان ـ رضي الله عنه ـ بارًّا ، عادلاً ، خليفة ، راشدًا كأخيه عمر ـ
رضي الله عنه ـ؛ عمر بعدله وقوّته وهيبته ، وعثمان بلينه ولطفه وعدله .
2 ـ
قول سيد : ((ولقد قبل من رجل من رعيته أن يقول له : لو وجدنا فيك اعوجاجـًا
لقوّمناه بسيوفنا)) .
فلا أدري كيف يقبل مسلم عاقل مثلَ هذا الكلام الثوري
الذي يؤدِّي إلى الفوضى وسفك الدماء وضياع الإسلام دينـًا ودولة؛ إن أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أعقلُ وأسمى أخلاقـًا وأشدّ وعيـًا لتوجيهات رسول الله صلى
الله عليه وسلم التي تحضّهم على طاعة أولي الأمر والصبر عليهم ولو جاروا ممن هو دون
عمر ـ رضي الله عنه ـ فكيف بمثل عمر ـ رضي الله عنه ـ .
معقول : أن يضع عمر
نصب عينيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إنما الطاعة في المعروف)) ، وقوله
: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبَّ وكره إلاّ أن يؤمر بمعصية؛ فإن أُمر
بمعصية فلا سمعَ ولا طاعة)) ، فيقول لهم : أطيعوني إن أطعتُ اللهَ ، فإن عصيتُه فلا
طاعةَ لي عليكم . أي : في المعصية ، وتبقى طاعته وطاعة الأمراء فيما يأمرون به من
طاعة الله ، لا كما يفهم الخوارج أنه بمجرّد أن يقع في معصية أيّ معصية فقد سقط
عنهم حقّ طاعته فوجب إسقاطه .
على كل حال : هذا الكلام لم يثبت ، ولم أقف له
على إسناد ، وفي الوقت نفسه معناه غيرُ لائق بأدب الصحابة وفقههم وتوقيرهم لعمر ـ
رضي الله عنه ـ؛ وعمر ـ رضي الله عنه ـ في غاية العدل والاستقامة لا خوفـًا من
السيوف والرماح ، وإنما ذلك منه خوفـًا من الله ومراقبة لله ، ولو كان ذلك العدلُ
منه خوفـًا من الناس لما كان له ولا لعدله كبير قيمة ولا منزلة عند الله ولا عند
الناس .
وإذا كان قد ورد عن أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ ما استمدّاه من
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إنما الطاعة في المعروف)) ، و ((لا طاعة
لمخلوق في معصية الخالق)) .
فإن لعثمان ـ رضي الله عنه ـ من الأقوال
والمواقف ما ينظمه معهما في سلسلة الخلفاء الراشدين المهديين :
فقد روى عبد
الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) عن سويد : ثنا إبراهيم بن سعد : حدثني أبي عن
أبيه قال : قال عثمان ـ رضي الله عنه ـ : ((إن وجدتم في كتاب الله عز وجل أن تضعوا
رجلي في القيد فضعوها))([13]).
قال سيد : ((ولشعوره العميق بتبعات الحكم لم
يشأ أن يحملها اثنان من أسرة الخطاب؛ فمنع أن يكون ابنه مرشّحـًا لها ، وإن جعله من
أهل الشورى ، وقال قولته المشهورة التي تنطق بحقيقة تصوّره للخلافة : لا أربَ لنا
في أموركم ، وما حمدتها فأرغب فيها لأحدٍ من أهل بيتي؛ إن كان خيرًا فقد أصبنا منه
، وإن كان شرًّا فحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجلٌ واحد))([14]).
أقول : وكذلك
عثمان ـ رضي الله عنه ـ يشعر بتبعات الحاكم فلم يرشّح للخلافة أحدًا من أبنائه ولا
من أقاربِه ولا عقد العهد لأحدٍ منهم .
ولم يقل سيد هذا الكلام مدحـًا لعمر
، ولكنه تعريض بعثمان؛ إذ يرى أنه مكَّن لبني أميّة ومهَّد لقيام ملكهم ، فهو يقول
: ((كانت الولايات تُغْدَقُ على الولاة من قرابة عثمان ، ومنهم معاوية الذي وسع
عليه في الملك فضمّ إليه فلسطين وحمص ، وجمع له قيادة الأجناد الأربعة ، ومهّد له
بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة عليّ))([15]).
([1])
((العدالة)) ( ص : 158 ) ط ثانية عشر .
([2]) ((العواصم من القواصم)) ( ص :
88 ـ حاشية ) .
([3]) روى مسلم ( رقم 1707 ، في الحدود ) .
([4]) (
4/282 ) .
([5]) انظر : ((تهذيب التهذيب)) : ( 3/284 ) .
([6]) أخرجه
البخاري : ( 10 ، كتاب الأذان : 95 ، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم ، حديث
: 755 ) ، وأخرج مسلم نحوه في ( 4 ـ كتاب الصلاة ، حديث : 453 ) .
([7]) (
2/612 ) .
([8]) ((الطبقات)) : ( 4/335 ) .
([9]) ((فتوح البلدان)) (
ص : 93 ) .
)) : ( 7/227 ) ، وقال :
((رجاله رجال الصحيح)) .
أقول : في إسناده سويد بن سعيد : صدوقّ ، تغيَّر
.
([14]) ((العدالة)) ( ص : 159 ) ، و ( ص 186 ) ط الخامسة .
([15])
((العدالة)) ( ص : 159 ) ، ط ثانية عشرة ، و ( ص : 187 ) ط خامسة .====
اتهام سيد لعثمان ـ رضي الله عنه ـ بأنه باكر الإسلام الناشئ بالتمكين للمبادئ
الأموية المجافية لروح
الإسلام
|
|
ويقول : ((ولقد
كان من جرّاء مباكرة الدين الناشيء بالتمكين منه للعصبة الأموية على يدي الخليفة
الثالث ...))([1])إلخ .
ويقول : ((مضى عثمان إلى رحمة ربِّه وقد خلّف الدولة
الأموية قائمة بالفعل بفضل ما مكّن لها في الأرض وبخاصة في الشام ، وبفضل ما مكّن
للمبادئ الأموية المجافية لروح الإسلام من إقامة الملك الوراثي والاستئثار بالمغانم
والأموال))([2]).
أقول : لو جهد الخميني وغلاة الروافض في الطعن على عثمان
لَمَا استطاعوا أن يقولوا أشدَّ من هذه المطاعن في الخليفة الراشد المظلوم
.
وما أظنُّ سيدًا يقلُّ حقدًا وبغضـًا لبني أمية عن أشدّ الغلاة؛ فترى
عبارته تنضح بذلك ، ونعوذ بالله من هذا الداء ، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عنهم : ((لا يزال الإسلام عزيزًا ما ولي أمرُ هذه الأمة اثنا عشر خليفة)) ؟
.
قال ابن كثير : ((وفيها ( أي : في سنة ثلاث وتسعين ) افتتح محمد بن القاسم
ـ وهو ابن عم الحجاج بن يوسف ـ مدينة الدبيل وغيرها من بلاد الهند ، وكان قد ولاّه
الحجاج غزو الهند وعمره سبع عشرة سنة؛ فسار في الجيوش فلقوا الملك داهر ـ وهو ملك
الهند ـ في جمع عظيم ومعه سبعة وعشرون فيلاً منتخبة ، فاقتتلوا فهزمهم الله وهرب
الملك داهر ، فلما كان الليل أقبل الملك ومعه خلْق كثير جدًّا ، فاقتتلوا قتالاً
شديدًا ، فقتل الملك داهر وغالب من معه ، وتبع المسلمون من انهزم من الهنود فقتلوه
.
ثم سار محمد بن القاسم فافتتح مدينة الكبرج وبرها ، ورجع بغنائم كثيرة
وأموال لا تحصى كثرة من الجواهر والذهب وغير ذلك؛ فكانت سوق الجهاد قائمة في بني
أمية ، ليس لهم شغل إلاّ ذلك ، قد علت كلمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ،
وبرها وبحرها؛ وقد أذلّوا الكفرَ وأهلَه ، وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين
رعبـًا ، لا يتوجّه المسلمون إلى قطر من الأقطار إلا أخذوه؛ وكان في عساكرهم
وجيوشهم في الغزو الصالحون والأولياء والعلماء من كبار التابعين في كلّ جيش منهم
شرذمة عظيمة ينصر الله بهم دينَه؛ فقتيبة بن مسلم يفتح في بلاد الترك ، يقتل ويسبي
ويغنم ، حتى وصل إلى تخوم الصين ، وأرسل إلى ملكه يدعوه ، فخاف منه وأرسل له هدايا
وتحفـًا وأموالاً كثيرة هديّة ، وبعث يستعطفه مع قوته وكثرة
جنده))([3]).
قارن بين هذا الكلام المنصف الذي يوضِّحُ عزة الإسلام ومكانة
بني أمية الذين أعزّ الله بهم الإسلام قارن بينَه وبين كلام سيد قطب الآتي
:
((لقد اتسعت رقعة الإسلام فيما بعد ، ولكن روحه انحسرت بلا جدال . وما
قيمة الرقعة إذا انحسرت الروح ؟ ، ولولا قوة كامنة في طبيعة هذا الدين وفيض عارم في
طاقته الروحية لكانت أيام أميّة كفيلة بالقضاء عليه القضاء
الأخير))([4]).
وسوف يتبدّد هذا الخرص والخبط الذي يدور في دوامته سيد قطب ،
ستتبدد هذه الأوهام والمزاعم التي لا يسندها عقل ولا نقل حين يعلم القارئ أن عثمان
والأمة وبني مروان أنفسهم ما كان يدور في خلدهم شيء من هذا الأوهام التي ملأت دماغ
سيد قطب حول عثمان وبني أمية .
فقد روى البخاري من طريق هشام بن عروة عن
أبيه قال : أخبرني مروان بن الحكم قال : ((أصاب عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ
رعاف شديد سنة الرعاف حتى حبسه عن الحج وأوصى ، فدخل عليه رجلٌ من قريش قال :
استخلف ، قال : وقالوه ؟ ، قال : نعم ، قال : ومَن ؟ ، فسكت ، فدخل عليه رجلٌ آخر ـ
أحسبه الحارث ـ فقال : استخلف ، فقال عثمان : وقالوا ؟ ، فقال : نعم ، قال : ومن هو
؟ ، فسكت ، قال : فلعلهم قالوا إنه الزبير ؟ ، قال : نعم ، قال : أما والذي نفسي
بيده إنه لخيرُهم ما علمت ، وإن كان لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم))
.
وروى من طريق أبي أسامة عن هشام أخبرني أبي : سمعت مروان بن الحكم : ((كنت
عند عثمان أتاه رجل فقال : استخلف ، قال : نعم ، الزبير ، قال : أما والله إنكم
لتعلمون أنه خيركم ثلاثـًا))([5]).
خليفة طاهر مؤمن ، ومجتمع طاهر مؤمن لا
يدور في خلدهم حول الاستخلاف وغيره إلاّ ما كان يدور في عهد عمر ـ رضي الله عنه ـ
من أهميّة الاستخلاف ، بل تجاوز الأمر ذلك إلى ترشيح رجل معيّن هو في نظرهم أفضل
الصحابة الموجودين .
فطابق ذلك ما في نفس الخليفة عثمان ـ رضي الله عنه ـ
فيدلي بشهادته مؤكِّدًا صواب اختيارهم وترشيحهم .
ومن يحثه على الاستخلاف
وتنفيذ رغبة الأمة ؟ ، أنه مروان بن الحكم وأخوه . فأين التمكين لبني أمية ؟ ، وأين
هي الدولة الأمويّة القائمة بالفعل ؟ .
ولَمّا ثار أهل الفتنة على عثمان كان
أشدّ المحرِّضين والمتآمرين وأقواهم هو محمد بن أبي حذيفة الأموي ، ولما استشهد
عثمان تمّت البيعة في العالم الإسلامي إلا الشام لعلي بن أبي طالب الهاشمي لا
الأموي .
وقد عرضت على غيره كطلحة بن عبيد الله التيمي ، والزبير بن العوام
الأسدي ، ولم تعرض على أحدٍ من بني أمية؛ فأين التمكين لبني أميّة .
وهناك
خبرٌ مضمونُه أن عثمان كتب العهد لعبد الرحمن بن عوف : قال ابن شبة([6]): حدثنا
إبراهيم بن المنذر قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن يحيى
بن سعيد ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر ، عن أبيه ، عن جدِّه :
أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ اشتكى رعافـًا فدعى حمران فقال : اكتب لعبد الرحمن العهد
من بعدي ، فكتب له ، فانطلق حمران فقال لي البشرى ؟ ، قال : لك البشرى وذاك ماذا ؟
، قال : إن عثمان قد كتب لك العهد من بعدِه ، فأقبل عبد الرحمن إلى عثمان فقال :
أكان يصلح لك أن تكتب لي العهد من بعدك؛ والله يعلم أني أخشى أن يحاسبني في أهلي
ألاّ أكون أعدل بينهم فكيف بأمة محمد ؟! ، فقال عثمان ـ رضي الله عنه ـ : عزمتُ
عليك أَحُمران أخبرك ؟ ، قال : نعم ، قال : يا حمران فأعاهد الله ألا تساكنني أبدًا
، فأخرجه ، وأما أنتَ يا أبا محمد فهل وليتني هذا الأمر يوم وليته وأنت تقدر على أن
تصرف ذلك إلى نفسك أو توليه من بدا لك وفي القوم من هو أمسّ بك يومئذ رحمـًا مني
إلا رجاء الصلة والإحسان فيما بيني وبينك ؟ ، فقال عبد الرحمن : وليتك ما وليتك
والله يعلم أني قد اجتهدت ولم آلُ أن أجد خير عباده ، أما أنا فكان يعلم الله موضعي
ما لم أكن لأليها ، وأما أنا فاجتهدت لأمة محمد فوليت أمرهم خيرهم ، فإذا سألني
قلتُ : يا رب وليت أمرهم خيرهم ( فيما )أعلم ، قال عثمان : فاجتهدت أنت لنفسك وحرصت
وأنا والله ما آلو أن أجتهد وأحرص في أفضل من أعلم والله لا أفتك هذا من رقبتك
أبدًا . فلما رأى ذلك عبد الرحمن انصرف ، فقام بين المنبر والقبر فدعى فقال : اللهم
إن كان من تولية عثمان إيَّاي ما ولاني فأمتني قبل عثمان ، فلم يمكث إلا ستة أشهر
حتى قبضه الله))([7]).
هذا إن ثبت فيحتمل أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ عرض
الأمرَ على الزبير فرفض أن يكون خليفة؛ لأنه كان يرفض الولايات من أيام عمر ، ثم
ترجّح له أن يكتب لعبد الرحمن ويكتم ذلك عنه .
وفي هذا الخبر ثناء عبد
الرحمن على عثمان في آخر حياته ، وأنه خيرُ أصحاب محمد بعد أبي بكر وعمر ، وفيه
ثناء عثمان على عبد الرحمن واعتقاده أنه أفضل من يعلم .
وهذه النصوص من أعظم
الشواهد أن الأمة في عهد عثمان لم تبعد عما كانت عليه في عهد عمر ، وأنهم خير
القرون كما شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنّ تصوّر حقيقة الحكم لا يزال
كما هو في عهد عمر لم يتغيّر لا في أذهان الأمة ولا في ذهن عثمان ولا في ذهن أحدٍ
من بني أمية ، ولا يقول بخلاف ذلك إلاّ أهل الأغراض والأحقاد من الروافض ومَن سار
على دربهم من أهل الفتن .
([1]) ((العدالة)) ( ص : 161 ) ط : ثانية عشرة ،
و ( ص : 187 ) ط خامسة .
([2]) ((العدالة)) ( ص : 161 ) .
([3])
((البداية والنهاية)) ( ج 9 ، ص 87 ) ط السعادة .
([4]) ((العدالة
الاجتماعية)) ( ص : 194 ) ط الخامسة .
([5]) كتاب ((المناقب)) حديث : ( 3717
ـ 3718 ) .
([6]) ((أخبار المدينة)) : ( 3/247 ـ 248 ) .
([7])
((أخبار المدينة)) : ( 3/247 ـ 248============
إظهار عثمان في صورة ظالم
متجبِّر
|
|
قال سيد : ((منح
عثمان من بيت المال زوج ابنته الحارث بن الحكم يوم عرسه مئتي ألف درهم ، فلما أصبح
الصباح جاءه زيد بن أرقم خازن مال المسلمين وقد بدا في وجهه الحزن وترقرقت في عينيه
الدموع ، فسأله أن يعفيه من عمله ، ولما علم منه السبب وعرف أنه عطيته لصهره من مال
المسلمين قال مستغربـًا : (أتبكي يا ابن أرقم أن وصلتُ رحمي ؟) ، فرد الرجل الذي
يستشعر روح الإسلام المرهف : (لا يا أمير المؤمنين ، ولكن أبكي لأني أظنك أخذت هذا
المال عوضـًا عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
والله لو أعطيته مائة درهم لكان كثيرًا ، فغضب عثمان على الرجل الذي لا يطيقُ ضميره
هذه التوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين ، وقال له : (ألق بالمفاتيح
يا ابن أرقم فإنا سنجد غيرك) ))([1]).
انظر إلى هذا الرجل الذي يتقبل بكل
لهف هذه المطاعن الفاجرة في رجلٍ من أعظم رجال الإسلام ومن أعظم أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومن أمسِّ الناس به رحمـًا ، وممن بذل الكثيرَ والكثير لإعلاء
كلمة الله ونصرة الله ورسوله ونصرة الإسلام؛ فلم يبق لهذا الرجل العظيم الخليفة
الراشد في نفس سيد قطب ومشاعره أيّ رصيد من الاحترام وحسن الظنّ يكذّب به هذه
المطاعن الفاجرة ويدفعها عن عرضه الكريم .
أين مصدر هذا الإفك ؟!
.
لماذا لا يذكره سيد ليعرف المسلمون من أين يستقيه ؟! .
أين
أسانيدها ؟!! .
وأين التحرِّي لأجل حماية عرض من أشرف الأعراض وأحقّها
بالتحرِّي والحماية والاستماتة في الذبّ والدفع عنه ؟؟! .
صدّق سيد قطب هذا
الإفك واستروح إليه بدل أن يدفعَه أو يعتذر أو يتأوّل له إن كان قد خدع بهذا الكذب
لم يتحرّك ضمير عثمان لحزن زيد بن أرقم ولم يهيّج مشاعره الإسلامية بكاؤه فيتذكّر
ويعتبر ويرجع إلى الله في نظر سيد قطب .
بل بلغ في قسوة القلب وبرودة
المشاعر أن يستغرب هذا البكاء ويقول مغالطـًا : (أتبكي يا ابن أرقم أن وصلت رحمي)
.
قال سيد متفاعلاً مع هذا المشهد الذي تتفطّر له الأفئدة وقد بلغ منه كل
مبلغ : ( فردّ الرجل الذي يستشعر روح الإسلام المرهف ) أي : أن عثمان قد فقد روح
الإسلام المرهف .
( ولكن أبكي لأني أظنك أخذت هذا المال عوضـًا عما كنت
أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله ، والله لو أعطيته مائة درهم لكان كثيرًا )
فلم يُجد الحزن ولا البكاء ولا هذه الموعظة العظيمة التي تلين لها الصخور؛ لأن
عثمان لم يبق في نفسه شيء يؤثّر فيه ، ويذكّره بالله أو يخاف به على عمله العظيم أن
يحبط؛ لأنه فقد روح الإسلام المرهف في نظر سيد ، بل بدل أن يتعظ ويتذكّر أخذته
العزّة بالإثم فغضب على الرجل الذي لا يطيقُ ضميرُه هذه التوسعة من مال المسلمين
على أقارب خليفة المسلمين وقال له : ( ألق بالمفاتيح يا ابن أرقم فإنا سنجد غيرك )
!! .
كأن سيدًا يقول : يا للجبروت ويا للقسوة ويا للجرأة في عثمان ، هكذا
يصدر هذا التصرف من هذا الشيخ الكبير الذي فقد روح الإسلام المرهف ونسي طبيعته
الرخية فوصل إلى هذا الحد المرعب وسيبحث عن خازن جامد المشاعر فلا يستشعر روح
الإسلام المرهف ويطيق ضميره الخرب هذه التوسعات في أموال المسلمين لأقارب عثمان !!
.
انظر إلى القصة تقول : إن عثمان لو كانت عطيته مائة درهم لكان كثيرًا
.
حاشا زيد بن أرقم أن يصل إلى هذه الدرجة من الشغب وهو يعلم أنّ رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يعطي بسخاء مما أثار بعض شباب الأنصار تارة وذا الخويصرة
تارة أخرى ، وقد أعطى أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ بسخاء ولا شكّ أن ذلك كان
يغيظ أمثال ذي الخويصرة .
والله لو أعطى عثمان بسخاء لكان بارًّا راشدًا وما
أظنّ زيد بن أرقم الصحابي الجليل يستنكر ذلك ولا غيره من الصحابة الأجلاّء غير أن
تلاميذ ذي الخويصرة والروافض لا يزالون يحترقون إلى اليوم من خلافة عثمان نفسها
فضلاً عن عطائه للمستحقين من الصحابة وغيرهم .
وهناك قصة تبيّن أن هذه القصة
التي تعلق بها سيد قطب قصة باطلة ، وهي ما رواه ابن شبة في ((أخبار المدينة))([2])
:
حدثنا محمد بن سلام([3]) ، عن أبيه([4])قال : قال عبد الله بن خالد لعبد
الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : كلِّم أمير المؤمنين عثمان ـ رضي الله عنه ـ فإن
لي عيالاً وعليَّ دَينـًا ، فقال : كلِّمه فإنك تجده برًّا وصولاً فكلمه فزوجه
ابنته ، وأعطاه مائة ألف ، فولدت له عثمان بن عبد الله ، فكان لا يكلم إخوته كبرًا
بعثمان .
وروى الفاسي في ((العقد الثمين))([5])هذه القصة من طريق الزبير
بهذا الإسناد ، وفيها : ((كلم لي أمير المؤمنين فإنّ لي عيالاً ودَينـًا ، قال :
كلمه ، فإنك ستجده برًّا واصلاً ...)) إلى آخر القصة .
وفي هذه القصة ما
يبيِّن زيف تلك القصة من جهات :
الأولى : أن في هذه القصة أنّ العطاء كان
مائة ألف ، وفي تلك مائتي ألف .
والثانية : أن في تلك أن العطاء كان من
عثمان لزوج ابنته الحارث بن الحكم ، أي : شقيق مروان .
وهذا الحارث لم أجد
له ذكرًا في كتب التراجم بعد بحثٍ في مصادر كثيرة ، وله ذكرٌ في بعض متون البخاري
.
والغرض من القصة بيان سيطرة بيت الحكَم على عثمان ، واندفاع عثمان في
تحقيق مآربهم إلى أبعد الحدود التي لا ترضي الله ولا المسلمين .
والثالثة :
أن في القصة الثانية أن عبد الله بن خالد على قرابته من عثمان كان يشكو دَيْنـًا
وعيالاً ، ومع ذلك ما كان يجرؤ أن يشكو لعثمان هذه الأعباء التي أثقلت كاهله؛ فذهب
يبحث عن واسطة يكلّم له عثمان ـ رضي الله عنه ـ ، فشجّعه هذا الواسطة ـ وهو عبد
الله بن عمر وكان أعرفَ بسجايا هذا الخليفة البار الراشد ـ فقال لابن خالد : كلمه
فإنك ستجده برًّا واصلاً ، ولقد كلمه فوجده كذلك .
الرابعة : أن تلك القصة
تقول في أسلوب مثير : منح زوج ابنته ، أي : أنه أجزل له العطاء لأمرين لأنه ابن
الحكم أخو مروان ، ولأنه زوج ابنته . وهذه القصة أن عبد الله بن خالد لما كلم عثمان
تجاوب معه وقام ببره على أحسن الوجوه التي يحمد عليها وتذكر في محاسنه ـ رضي الله
عنه ـ .
فزوجه ابنته ووصله بما يعينه على زواجه وعلى تسديد دَينه وعلى نفقة
عياله ، وذلك مائة ألف ، ولقد كان هذا القدْر قليلاً؛ لأن المال كان قد فاض في عهد
عثمان إلى درجة عظيمة .
الخامسة : أن ابن عمر كان يرى عثمان في تصرفاته
بارًّا واصلاً وهو الذي لا يجامل ولا يحابي ولم تمل به الدنيا ولم يمل بها
.
وقد كان صديقـًا لعبد الله بن خالد هذا دهرًا طويلاً حتى مات في داره ،
ولو كان ممن يستحل أموال المسلمين لما صادقه طوال حياته([6]).
السادسة : في
القصة الواهية من التزيّد ونسبة الشغب إلى زيد بن أرقم ـ وحاشاه ـ ما قد عرفت
.
وفيها : عدم مبالاة عثمان بالتذكير وتصرفات لا تصدر إلا من شخص قد ضعف أو
زال إيمانه { وإذا ذُكِّروا لا يَذكرون } .
وأعاذ الله عثمان المؤمن الشهيد
من ذلك .
السابعة : أن القصة الثانية تفيد أنه أعطاه مائة ألف ولم تقل من
بيت المال ، ودون إثبات أنها من بيت المال خرط القتاد ، لا سيما وعثمان كان جوادًا
سخيـًّا معطاءً بارًّا وصولاً فلا يتكامل برّه ووصله إلاّ إذا كان عطاؤه من صلب
ماله ، ولا يَستكثرُ عليه ذلك إلا حاقد مغرِض .
([1]) ( ص : 159 ) ((العدالة)) ، ( ص : 181 ـ 187
) ط خامسة .
([2]) ( 3/240 ) .
([3]) محمد بن سلام قال فيه صالح بن
محمد جزرة الحافظ : ((صدوق)) ، وقال أبو الفضل الرقاشي : ((أحاديث محمد بن سلام
عندنا مثل حديث أيوب عن محمد عن أبي هريرة)) . ((تاريخ بغداد)) : ( 5/823 )؛ وردّ
أبو خيثمة حديثَه لأنه يرمى عنده بالقدَر . ((تاريخ بغداد)) : الموضع المشار إليه
.
([4]) أما أبوه فلم أقف له على ترجمة ، لكن القصة أقرب إلى أخلاق الصحابة
وسيرتهم .
([5]) ( 5/135 ) .
([6]) انظر : ((أخبار مكة)) للفاكهي : (
3/89 ، 278
|
|
==========
اتهام عثمان بأنه قد توسع في المنح
والعطايا
|
|
قال سيد
قطب([1]): ((والأمثلة كثيرة في سيرة عثمان على هذه التوسعات؛ فقد منح الزبير ذات
يوم ستمائة ألف ، ومنح طلحة مائتي ألف ، ونفل مروان بن الحكم خُمس خراج إفريقية .
ولقد عاتبه في ذلك ناسٌ من الصحابة على رأسهم علي بن أبي طالب ، فأجاب : إن لي
قرابةً ورحمـًا ، فأنكروا عليه وسألوه : فما كان لأبي بكر وعمر قرابة ورحم ، فقال :
إن أبا بكر وعمر كان يحتسبان في منع قرابتها وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي؛ فقاموا
عنه غاضبين يقولون : فهديُهما والله أحبُّ إلينا من هديك . نعم ( وأحب إلى الإسلام
، وأقرب إلى حقيقة الإسلام )([2]) ، وغير المال كانت الولايات تغدق على الولاة من
قرابة عثمان وفيهم معاوية الذي وسع عليه في الملك ، فضم إليه فلسطين وحمص ، وجمع له
قيادة الأجناد الأربعة ، ومهّد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة عليّ وقد جمع
المال والأجناد . وفيهم الحكم بن العاص طريد رسول الله ( الذي آواه عثمان وجعل ابنه
مروان بن الحكم وزيره المتصرِّف )([3]) ، ( وفيهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح
أخوه من الرضاع ... )) إلخ .
مناقشة هذا المقطع :
أولاً : لا أدري
على أيِّ منهج ارتكزت مناقشات سيد قطب للخليفة الراشد عثمان ـ رضي الله عنه ـ ؟
.
ولا أدري هل خطر بباله قول الله : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ
بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قومـًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } فإذا كان لا
بدّ له من التشهير بهذا الخليفة الراشد ولا بدّ له من الإعراض عن منهج أهل السنة
والجماعة في السكوت عما جرى بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتبارهم
مجتهدين فيما حدَث بينهم حتى من القتال .
وإذا كان يرى أن لا بدّ له من
الخوض في هذا الميدان على ما فيه من خطر وضلال فلقد كان يجب عليه أن يتحلّى بشيءٍ
من العدل والإنصاف بناءً على قول الله تعالى : { ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا
تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } ، وكان لا بدّ له إن كان مدفوعـًا إلى هذه الحملات
بسبب ضغط نفسي أو خارجي أن يتبع المنهج العلمي في نقده([4])وبحثه ودراسته ، خصوصـًا
وقد شاع في وقته احترام المنهج العلمي في البحث والدارسة خصوصـًا في مثل هذا
الميدان الذي خاضه .
ثانيـًا : نسأله بناءً على ما أسلفناه فنقول
:
أين أدلتك وبراهينك على هذه الأمثلة الكثيرة في سيرة عثمان على هذه
التوسّعات ؟؟ .
وهل تستطيع أنت أو أشد خصوم عثمان وإخوانه أن تثبتوا في ضوء
المنهج العلمي شيئـًا من هذه الاتهامات والادعاءات الظالمة ؟؟ .
ثالثـًا :
زعمتَ أن عثمان منح الزبير ستمائة ألف ، ومنح طلحة مائتي ألف ، ونفل مروان بن الحكم
خُمس خراج إفريقية .
1 ـ فهل تستطيع إثبات هذه الدعاوي ؟؟ .
2 ـ ألا
ترى أنّ في دعواك هذه طعنـًا في عثمان والزبير وطلحة إذا كان في عطائه لهما ابتزاز
لأموال المسلمين ؟؟ .
فإذا كانت حرامـًا وظلمـًا فإنه لا يجوزُ لهما أن
يقبلا هذا العطاء فإنّ فيه تعاونـًا على الإثم والعدوان وتعاونـًا على ابتزاز أموال
المسلمين ونهبها وفتحـًا لأبواب الفتن وللطعن في الإسلام نفسه .
لقد دافع
سيد عن أبي بكر وعمر فيما حصل بين أبي بكر وعمر من خلاف في خالد بن الوليد في شأن
مالك بن نويرة وتزوّج خالد لزوجة مالك بعد قتله ، وفي عزل عمر لخالد بعد ذلك
.
ففسّر (هيكل) وجهات نظر أبي بكر وعمر تفسيرًا سياسيـًّا يناسب سياسة هذا
العصر ، فاستنكر سيد هذا التفسير من هيكل فقال([5]): ((هذا هو التصوير الصحيح للأمر
في نظر الدكتور هيكل ! وإن أعجب فعجب لرجل يعيش بفكره ونفسه في جوّ هذه الفترة من
التاريخ الإسلامي ، وفي ظلّ هذه الضمائر المرهفة الحساسة الشديدة الحساسية من رجاله
ثم لا يرتفع ضميره هو وشعوره بتفسير الحوادث على هذا المستوى المستمد مباشرة من
ملابسات السياسة في عصرنا المادي الحاضر لا من روح الإسلام وتاريخه في تلك الفترة
إنما هذه سياسة أيامنا الحاضرة تبرّر الوسيلة بالغاية وتهبط بالضمير الإنساني إلى
مستوى الضرورات الوقتية ، وتحسب هذا براعة في السياسة ولباقة في تصريف الأمور
.
وما أصغر أبا بكر في هذا التصوير الذي يقول الدكتور هيكل : إنه هو التصوير
الصحيح لولا أنّ أبا بكر كان أكبر وأبعد من مدى المجهر الذي ينظر به رجل يعيشُ في
عصرٍ هابط ، فلا يستطيع إطلاقـًا أن يرتفع إلى ذلك الأفق السامق البعيد ، فضلاً عن
الجهل الفاضح بأوليّات الشريعة الإسلامية)) .
ثم ناقش سيد قطب هيكلاً مرة
أخرى في عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ، ووبّخه بمثل ما وبّخه في حقّ أبي بكر
.
وهو كلامُ حقٍّ وصدْق ، وأنا أؤيّده فيه ويؤيّدُه كلّ مسلم ، ولكن ألا يرى
سيد أنه قد نال من عثمان وإخوانه طلحة والزبير ومعاوية وغيرهم أشد وأنكى مما نال
هيكل من أبي بكر وعمر .
ألا يحق لنا أن نقول لسيد كما قال لهيكل : ((وإن
أعجب فعجب لرجل يعيش بفكره ونفسه في جوّ هذه الفترة من التاريخ الإسلامي وفي ظلّ
هذه الضمائر المرهفة الحساسية من رجاله ثم لا يرتفع بضميره هو وشعوره بتفسير
الحوادث عن هذا المستوى المستمد مباشرة ( من أحقاد الروافض والاشتراكيين الثوريين
والمؤيد للثورة الفاجرة التي قادها اليهودي اللعين ابن سبأ)) .
ويحقُّ لنا
مرة أخرى أن نقول :
((ما أصغر عثمان وإخوانه العظماء الكبار النبلاء في هذا
التصوير الذي صورهم به سيد قطب لولا أنهم كانوا أكبر وأبعد من مدى المجهر الذي ينظر
به رجل يعيش في عصر هابط فلا يستطيع إطلاقـًا أن يرتفع إلى ذلك الأفق السامق البعيد
، فضلاً عن الجهل الفاضح بمكانة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقوقهم التي
اعتبرها المسلمون من الأساسيات في عقائدهم وفي ولائهم وبرائهم وحبهم وبغضهم واحتقار
وتبديع وتضليل من ينال من أحد منهم ، لا سيما الكبراء الذي أساءَ إليهم سيد قطب ،
وصوّرهم ذلك التصوير القبيح المشهوّه)) .
وقال سيد بعد دفاعه الجيِّد عن أبي
بكر وعمر : ((وبعد : فقد أسهبتُ في عرض هذا اللون من التفكير وتفنيده لأصحح الخطأ
العميق الذي يقع فيه من يريدون تصوير طرائق التفكير والشعور في عصر ارتفاع الروح
الإسلامي على ضوء التفكير والشعور في عصرنا المادّي البعيد عن ذلك الروح المرهف وما
يجرُّه هذا الخطأ من سوء الفهم لحقائق الضمير البشري وطاقته في السمو والحساسية ،
وما أريد أن ألبس أولئك الرجال ثوبـًا فضفاضـًا ، ولا أن أصورهم معصومين من كلّ
ضعفٍ بشري ، ولكنما أريد أن أرد الثقة بالضمير البشري إلى نفوس الناس ، كما أريد أن
أصور هذه الفترة من حياة المسلمين في صورتها الصحيحة التي يستشعرها بقوة كل ضمير
فيه استعداد للتطلّع إلى هذا الأفق البعيد))([6]).
أقول : ثم ماذا فعل سيد
بعد ذلك ؟ ، هل مضى في هذا التصحيح لهذا الخطأ العميق ؟ ، أم أوقعَه التفكير
والشعور في عصرنا المادي البعيد عن ذلك الروح المرهف في هوّة أعمق وأبعدَ مما وصل
إليه هيكل وأمثالُه في حقَّ الصدِّيق وعمر ـ رضي الله عنهما ـ ؟؟! .
فهل من
يهبط بعثمان وإخوانه الكرام إلى المستوى الهابط الذي صوّره سيد قطب يرى أنهم شاركوا
الصدِّيق وعمر الفاروق في ارتفاع الروح الإسلام في ذلك العصر ؟!! .
أفمن
يصوّرهم في تلك الصور المزرِية يكون قد صحّح ذلك الخطأ وسوء الفهم عن ذلك الروح
المرهف ؟؟ .
أمن يصورهم في تلك الصورة الشوهاء يرد الثقة بالضمير البشري إلى
نفوس الناس أم يقضي عليها ويصيب الأمة بالإحباط ؟؟ .
أمن يصور عهد عثمان
وإخوانه وعماله الشرفاء في الصورة المظلمة التي صورها هذا الرجل يكون قد صوّر تلك
الفترة من حياة المسلمين في صورتها الصحيحة التي يستشعرها بقوة كل ضمير فيه استعداد
للتطلع إلى ذلك الأفق البعيد ؟؟.
3 ـ ألا يرى أنّ هذا الزعم بأن عثمان أعطى
مروان خُمس خراج إفريقية طعنـًا في عثمان والصحابة الذين يقرّونه من الأباطيل التي
يتعلّق بها أهل الأهواء في الطعن على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أين
إسنادها الذي يعتمد عليه الهائجون على عثمان ـ رضي الله عنه ـ ؟!! .
وقد ذكر
ابن جرير([7])بإسناد فيه سيف بن عمر ـ وهو ضعيف ـ : أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح
لما فتح إفريقية قسم عبد الله ما أفاء الله عليهم على الجند وأخذ خُمس الخمس وبعث
بأربعة أخماسه إلى عثمان ... ووفد وفدًا فشكوا عبد الله فيما أخذ ، فقال لهم : أنا
نفلتُه وكذلك كان يصنع ، وقد أمرت له بذلك ، وذاك إليكم الآن ، فإن رضيتم فقد جاز ،
وإن سخطتم فهو رد . وكتب إلى عبد الله بردّ ذلك واستصلاحهم ، قالوا : فاعزله
عنا فإنا لا نريد أن يتأمّر علينا وقد وقع ما وقع ، فكتب إليه أن استخلف على
إفريقية رجلاً ممن ترضى ويرضون واقسم الخمس الذي كنت نفلتك في سبيل الله ، فإنهم قد
سخطوا النفل . ففعل ، ورجع عبد الله بن سعد إلى مصر وقد فتح أفريقية ، وقتل الأجل؛
فما زالوا من أسمع أهل البلدان وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك أحسن أمة
سلامـًا وطاعة ، حتى دبّ إليهم أهل العراق ، فلما دبّ إليهم دعاة أهل العراق
واسثاروهم شقّوا عصاهم وفرّقوا بينهم إلى اليوم)) .
وذكر لهم قصة مع أهل
الأهواء ثم مع هشام .
فالذي يعامل فاتح إفريقية هذه المعاملة كيف يصدُق فيه
ذلك الإفك بأنه أعطى مروان وهو نائمٌ في المدينة خمس خراج إفريقية !! .
فهذه
الحادثة ((إن صحّت فإنها هي وأمثالها مما ينسجم مع سجايا عثمان وحسن أخلاقه وكريم
شيمه ، وتنسجم مع أخلاق وتصرفات أخويه أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ؛
ومثلها يمكن التسامح في نقله بخلاف تلك المطاعن والمثالب الظالمة التي استروح إليها
سيد وأكثرَ مِن تِردادِها .
وذكر ابن أعثم([8]): ((أن عثمان ـ رضي الله عنه
ـ نشط لغزو إفريقية فاستشار الصحابة ، فشجّعوه ، فجهّز جيشـًا من المدينة ومصر
بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فدارت معارك انتهت بالصلح بين الملك جرجين
وبين عبد الله على أن يدفع جرجين ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف
دينار ، على أنّ عبد الله يكفّ عنه ويخرج عن بلده؛ فأخذ عبد الله بن سعد منه هذا
المال ، فأخرج منه الخُمس ليوجه به إلى عثمان ، وقسّم باقي ذلك في المسلمين))
.
قال : ((ورجع عبد الله بن سعد بالمسلمين إلى أرض مصر ، وكتب إلى عثمان
يخبره بفتح إفريقية وسلامة المسلمين ، ووجه إليه بالخمس من أموال إفريقية ، فقسّمه
عثمان في أهل المدينة ، وحمد الله عز وجل على ذلك؛ فله الحمد على ذلك دائمـًا
والشكر ، وحسبنا الله ونعم الوكيل)) .
هذا ما نقله هذا المؤرّخ الشيعي ، فلم
يتجنَّ على عثمان ، ولم يذكر أنه نفل عبد الله بن سعد خمس الخمس .
وذكر
الذهبي([9])مصالحة ابن سعد على المال ، ولم يذكر تنفيل ابن سعد؛ وما ذكره أمثلُ
وأشدُّ قربـًا إلى واقع عثمان وشمائله الطيّبة ، وأبعد عن التهويش على أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم .
وأما ما تزعمه القصة من أن عثمان أعطى طلحة مائتي
ألف فقد روى ابن جرير عن موسى بن طلحة قال : كان لعثمان على طلحة خمسون ألفـًا ،
فخرج عثمان يومـًا إلى المسجد ، فقال له طلحة : قد تهيّأ مالك فاقبضه ، فقال : هو
لك يا أبا محمد معونة على مروءتك))([10]).
وروى بإسناده إلى الحسن أن طلحة
بن عبيد الله باعَ أرضـًا له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فقال طلحة إن رجلاً
تتسق هذه عنده وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله عز وجل لغرير بالله سبحانه؛
فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسمها حتى أصبح ، فأصبح وما عنده درهم
.
فلا يبعد أن يكون راوي القصة قد سمع مثل هاتين الروايتين المشرّفتين التي
تدلّ كل واحدة منهما على كرم أصحاب رسول الله وبذلهم الأموالَ في ذات الله ، وتدلّ
على شرفهم وكمال مروءتهم؛ فيخترع نقيضها للطعن فيهم والحطُّ من مكانتهم
.
ألا ترى أنّ الراوية الأولى تنصّ على أن عثمان تنازل عن ماله لطلحة الجواد
الكريم صاحب المروءة والبذل السخي معونةً له على مروءته ؟؟ .
والثانية : تنص
على أن هذا المبلغ الكبير كان ثمنـًا لأرض دفعه عثمان إلى طلحة لا اختلاسـًا من بيت
مال المسلمين أو نهبـًا واغتصابـًا؛ فما كان لطلحة أن يطيقها فتبيت عنده فبادر إلى
إنفاقها في سبيل الله .
لماذا لا يبحث سيد عن هذه الصور المشرقة لأصحاب رسول
الله فيسوقها للأجيال التي عاصرها لتعتزّ بها وتتخذ منها أسوة وليعيد الثقة إلى
أبناء المسلمين بدينهم لأنه أخرجَ هذه النماذج العليا من البشر ؟ .
وأما ما
تزعمه القصة بأن عثمان أعطى الزبير ستمائة ألف فهذا من الأكاذيب التي يسارعُ إلى
تصديقها أعداء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومما يؤكّد كذبها : أن الزبير
كان قد أخرج نفسه من الديوان استغناء وتعفّفـًا فكيف يخرج نفسه من الديوان ثم يقبل
مثل هذا العطاء المزعوم ؟!! .
([1]) ((العدالة)) ( ص : 159 ) ط ثانية عشرة ، و
( 187 ) ط خامسة .
([2]) ما بين القوسين من ((العدالة)) ( ص : 187 ) ط خامسة
.
([3]) ما بين القوسين في ((العدالة)) ( ص : 159 ) ط الثانية عشر
.
([4]) معلوم أنّ لسيد قطب كتابـًا في النقد الأدبي
|
|
===========
سيد قطب يرى أن الثورة التي قادها ابن سبأ اليهودي أقرب إلى روح الإسلام من عثمان
بن عفان
|
|
قال سيد قطب :
((وأخيرًا ثارت الثائرة على عثمان ، واختلط فيها الحقُّ بالباطل ، والخير بالشر ،
ولكن لا بدّ لمن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام ويستشعر الأمور بروح الإسلام أن
يقرّر أن تلك الثورة في عمومها كانت أقربَ إلى روح الإسلام واتجاهه من موقف عثمان ،
أو بالأدق من موقف مروان ومِن ورائه بنو أمية))([1]).
وهكذا يصدر هذا الحكم
وهذا القرار على عثمان بأن الثورة الجاهلية الهمجية التي قادها ابن سبأ في عمومها
أقرب إلى روح الإسلام واتجاهه؛ لأنه هو والسبئيين والروافض ينظرون إلى الأمر بعين
الإسلام ويستشعرون بروح الإسلام .
أما الصحابة والتابعون لهم بإحسان من
علماء الأمة فقهاء ومحدِّثين وأئمة العقيدة لم ينظروا إلى الأمور بعين الإسلام ولم
يستشعروا بروح الإسلام ، ولذلك فهم يعتبرون أن عثمان ثالث الخلفاء الراشدين والأئمة
المهديين ويعتبرونه شهيدًا مظلومـًا ، ويعتبرون هذه الثورة من أخبث الثورات وأفجرها
، وأنّ أهلها خوارج آثمون ظالمون ، قد تخللهم زنادقة ، ومنهم ابن سبأ والغلاة الذين
قتلهم علي حرقـًا بالنار .
والأمة الإسلامية تمقتهم من ذلك العهد وإلى يوم
التلاق ، ولقد فتحوا على الأمة من الفتن والشرور ما لا يعلم مداه إلا الله
.
هذه نظرة الأمة الإسلامية إلى الروافض والخوارج الذين يرى سيد أنه وإياهم
ينظرون بروح الإسلام ويستشعرون بروح الإسلام؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار
.
ولا يغرنك قوله : ((دون إغفال لما كان وراءها من كيد اليهودي ابن سبأ عليه
لعنة الله))([2]) فإنه لو كان ناقمـًا على هذا الكيد وصاحبه لصبّ جام غضبه عليه
وعلى أتباعه ، ولكشف عوارَهم ، وتحمّس لإبراز جريمتهم وفضحها ، ولكانت هذه الحملة
التي وجهها إلى عثمان وإخوانه موجهةً إليهم .
فقولته إنما هي لذرّ الرماد في
العيون .
قال سيد : ((واعتذارنا لعثمان ـ رحمه الله ـ : أنّ المصادفات
السيئة قد ساقت إليه الخلافة متأخرة ، فكانت العصبة الأموية حوله وهو يدلف إلى
الثمانين واهن القوى ، ضعيف الشيخوخة؛ فكان موقفه كما وصفه صاحبه علي بن أبي طالب :
إني إن قعدت في بيتي ، قال : تركتني وقرابتي وحقي ، وإن تكلمت فجاء ما يريد ، يلعب
به مروان؛ فصار سيقة له حيث شاء بعد كبر السن وصحبته لرسول الله صلى الله عليه
وسلم))([3]).
وهكذا يكون الإيمان بالقدر ، وهكذا يكون الاعتذار (عذر أقبح من
فعل) على حد قول القائل : (فليتك لم تزني ولم تتصدقي) ، وهكذا يكون احترام أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ! .
وانظر إلى هذا الاعتذار لعثمان الذي يحق
أن يقال فيه : إنه عذر أقبح من فعل ، فما الذي فعله عثمان حتى توجه إليه هذه
المطاعن الآثمة الظالمة ؟؟! ، ثم تعتذر له هذا العذر المريض ؟! .
بل هو طعن
جديد في شخصيّة هذا الخليفة العادل النبيل ، بل إنّ هذا طعن فيه وفي عقول الصحابة
ودينهم؛ حيث اختاروا للنهوض بأعباء الخلافة شخصـًا يدلف إلى الثمانين ، ثم أفسحوا
المجال للعصبة الأموية تلعب به وتبتزّ المناصب والأموال وتستأثر بها؛ الصحابة الذي
قالوا لعمر في قوته وبأسه : (لو وجدنا فيك اعوجاجـًا لقوّمناه بحدّ سيوفنا) ـ كما
يزعم سيد ـ فأين هم ؟ ، وأين حدّ سيوفهم ؟ ، وكيف يتركون عثمان سيقةً لمروان ؟
.
ثم كيف يرضى عثمان لنفسه وعقله ودينه أن يكون سيقة ولعبة لمروان ؟
.
والله لا يقبل مثل هذه الأقوال والطعون الرافضية في أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلا لعبة وسيقة للروافض والاشتراكيين .
([1]) ((العدالة)) ( ص : 189 ) ط خامسة ، ( ص :
160 ـ 161 ) ط ثانية عشرة .
وقد تغير هذا النص شيئـًا من التغيير مع الإصرار
على مضمونه ، وصرّح أن هذه الثورة من كيد ابن سبأ اليهودي .
([2]) هذه
العبارة من ط الثانية عشرة ( ص : 161 ) .
([3]) ((العدالة)) ( ص : =================
: تضخم الثروات نتيجة لسياسة
عثمان
|
|
قال سيد قطب
مواصلاً طعونَه وحملاته : ((ولقد كان من جرّاء مباكرة الدين الناشيء بالتمكين منه
للعصبة الأموية على يدي الخليفة الثالث في كبرته أنّ تقاليده العملية لم تتأصل على
أسس من تعاليمه النظرية لفترة أطول ، وقد نشأ عن عهد عثمان الطويل في الخلافة أن
تنمو السلطة الأموية ويستفحل أمرها في الشام وفي غير الشام ، وأن تتضخم الثروات
نتيجة لسياسة عثمان ( كما سيجيء ) وأن تخلخل الثورة على عثمان بناء الأمة الإسلامية
في وقت مبكر))([1]).
أقول : واضحٌ أن سيداً ينطلق في تجنيه ونفث سمومه من
منطلقين :
الأول : منطلق اشتراكي قد تشبّع به غرس في نفسه الحقد الدفين على
من يظن أنهم من طبقة الإقطاعيين والرأسماليين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومن بني أمية .
والثاني : تشبعه بروح التشيّع وأحقاده على أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم؛ فلم تكن مواقفه هذه التي تقطر حقدًا على خيرة الناس من
أصحاب رسول الله من رجلٍ سليم الفطرة حسن النية ، ولكنها وليدة دراسة وقائمة على
منهج راسخ متأصّل في أعماق سيد قطب ، قد تشربتها روحه ورسخت في أعماقه؛ فصبّ ذلك
سمومـًا قاتلة في هذه الصفحات السوداء .
وفي هذا النص يرى سيد أن الإسلام قد
أصيب في مقاتله؛ فهو دين ناشيء باكره عثمان بالتمكين للعصبة الأموية ، فلم تتأصل
تقاليده العملية على أسس من تعاليمه النظريّة .
إذ السياسة في الإسلام في
نظر سيد تقوم على المساواة المطلقة وعلى الحريّة المطلقة ، أي : أنها تفوق
الديمقراطية في هذا المجال .
وتقوم في الاقتصاد على أن المال للجماعة ، وأن
أصحاب المال لا يعدون أن يكونوا وكلاء وموظفين .
والإسلام يوجب التوازن في
المال ، ويقضي على الفوارق بين طبقات المجتمع .
فالإسلام إذًا يفوق
الاشتراكية في هذا المجال ، لكن عثمان باكر هذا الدين في طور النشوء فضربه في مقتله
بالتمكين للعصبة الأموية قبل أن تتأصل تقاليده الديمقراطية الاشتراكية !!!
.
كأن بني أمية عصبة يهودية أحكمت التدابير والمؤامرات لضرب الإسلام في طور
النشوء ! .
لقد استغلت هذه العصبة عهد عثمان الطويل فنمت سلطتها واستفحل
أمرُها وتضخّمت ثرواتها ، فأصبحوا من أعظم الطبقات الإقطاعية والرأسمالية ،
بالإضافة إلى استيلائها على المناصب في الدولة نتيجة لسياسة عثمان ، فتحولت الخلافة
إلى ملك وراثي ، وتحوّل الاقتصاد إلى رأسمالية وإقطاعية .
أين الأدلة
والبراهين لإثبات هذه الدعاوي ؟ .
الجواب : أغمض عينيك وردد :
وما
أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد
أو قل رغم أنفك
:
إذا قالت حذام فصدقوها
فإن القولَ ما قالت حذام
ولو كان
طعنـًا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفي غيظ قلوب الروافض ويدمي قلوب
المؤمنين .
([1]) ((العدالة)) ( ص : 161 ) ، وفي الطبعة
الخامسة ( ص : 189 ـ 190 ) ما يلي :
قال سيد قطب : ((ألا إنه لسوء الحظ فلقد
كان من جرّاء مباكرة الدين الناشيء بالتمكين منه للعصبة الأموية على يدي الخليفة
الثالث في كبرته أن تقاليده العملية لم تتأًصل في البيئة العربية على أسس من
تعاليمه النظرية لفترة أطول . ولو تقدم الزمن بعثمان لكان الخير ، حيث لم تضعف قوته
بعد ، ولو تأخر به فوليها علي بعد الشيخين قبل أن تنموا البذرة الأموية ويستفحل
أمرُها في الشام وفي غير الشام ، وقبل أن تتضخم الثروات نتيجة لسياسة عثمان ( كما
سيجيء ) ، وقبل أن تخلخل الثورة على عثمان بناء الأمة الإسلامية وارتباطها بروح
الدين ... لو كان هذا لتغير وجه التاريخ الإسلامي ، ولسار في طريق غير الذي سار فيه
.
وليس في هذا القول مبالغة ولا تضخيم لدور الفرد في الأحداث العامة؛ فمن
الواضح أن اتجاه الخليفة الثالث في توزيع الأموال واتجاه مستشاره مروان وتوليته
معظم المناصب لبني أمية؛ هذا كله أنشأ أوضاعـًا وأحوالاً عامة كان لها أثرها في خطّ
سير التاريخ؛ فلم تعد دور فرد إنما انتهت إلى أن تكون أوضاعـًا لها ثقل ولها دفع .
وهذا هو المعنى الذي قصدت إلى تقريره في هذا المجال))
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|