الأحد، 24 أبريل 2016

طعنات في عثمان ـ رضي الله عنه ـ وفي سائر الصحابة وقريش بصفة خاصة
قال سيد قطب : ((وجاء عثمان ـ رضي الله عنه([1])ـ فلم ير أن يأخذ بالعزيمتين أو إحداهما .. .

1 ـ ترك الفضول لأصحابها فلم يردها ؟ .

2 ـ وترك الأعطيات كذلك على تفاوتها ، ولكن هذا لم يكن كل ما كان .

3 ـ بل وسع أولاً على الناس في العطاء فازداد الغني غنى ، وربما تبحبح الفقير قليلاً .

4 ـ ثم جعل يمنح المنح الضخمة لمن لا تنقصهم الثروة .

5 ـ ثم أباح لقريش أن تضرب في الأرض تتاجر بأموالها المكدسة فتزيدها أضعافـًا مضاعفة .

6 ـ ثم أباح للأثرياء أن يقتنوا الضياع والدور في السواد وغير السواد .

7 ـ فإذا عهد من عهود الإقطاع يسود المجتمع الإسلامي في نهاية عهده يرحمه الله))([2]).

التعليق :

أقول :

أولاً : انظر كيف يلوم عثمان على عدم أخذه بهاتين العزيمتين وقد تقدم لك أنّ شيئـًا منها لم يثبت عن عمر ـ رضي الله عنه ـ ، وعلى فرض ثبوتها عنه فلم يسلك سيد مسالك العلماء في احترام عثمان ولم يرَ مثلاً أن له حق الاجتهاد فإن علماء الأمة يرون أنه لا يحتج على مجتهد بقول مجتهد ولا يلزم مجتهدًا أن يقلد غيره ، فلماذا يرى سيد أن لأبي بكر وعمر حرية الاجتهاد ولا يرى مثل ذلك لعثمان ؟ ، لماذا يرى أن لأبي بكر أن يأخذ بمبدأ المساواة في العطاء ؟ ، ولماذا لم يحاسب عمر على مبدأ التفضيل في العطاء ؟([3]).

ولماذا يرى أن لأيّ إمامٍ من أئمة المسلمين أن يجتهد في مجال الاقتصاد الإسلامي وغيره ولا يرى مثل ذلك لعثمان ـ رضي الله عنه ـ ؟ ، ولماذا يرى لنفسه أن ينتقد ويرجح ويختار ما يوافقه من الآراء ويكتف عثمان عن كل ذلك ويغل يديه ويكبله وحده .

ثانيـًا : أضاف طعنة ثالثة فقال : ((ولكن هذا لم يكن كل ما كان بل وسع أولاً على الناس في العطاء فازداد الغني غنى ، وربما تبحبح الفقيرُ قليلاً)) .

أقول : الله أكبر ! هذا من محاسن عثمان وفضائله ـ رضي الله عنه ـ ، قال ابن شبة : حدثنا إبراهيم([4])قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة بن الزبير قال : أدركت زمن عثمان ـ رضي الله عنه ـ وما من نفسٍ مسلمة إلا ولها في مال الله حق))([5]).

هذا السند جيّد؛ لأنه من رواية عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة .

((حدثنا خالد بن خداش قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن هشام ، عن ابن سيرين قال : لم تكن الدراهم في زمان أرخص منها في زمان عثمان ـ رضي الله عنه ـ ، إن كانت الجارية لتباع بوزنها ، وإن الفرسَ ليبلغ خمسين ألفـًا مما يعطيهم))([6]).

هذان الخبران ثابتان ، وقد ساقهما عروة وابن سيرين مساق المدح لعثمان ـ رضي الله عنه ـ ولعهده الزاهر الذي ساد فيه العدل والإخاء والمحبة والجهاد ، فازدهرت حياة المسلمين ، ورفرفت على العالم الإسلامي الواسع راية الأمن والإيمان والمحبة والإخاء؛ فضاق ابن سبأ وتلاميذه وسائر أعداء الإسلام من اليهود والمجوس وغيرهم بهذه العظمة الإسلامية ، فدبّروا المؤامرات ضد الإسلام لا ضد عثمان وحده ، فأثاروا الفتن الهوجاء التي أودت بحياة الخليفة الراشد ، ثم أعقبتها الفتن التي مزّقت الأمة وجعلتهم شيعـًا وأحزابـًا لا يرفع عنها السيف إلى يوم القيامة كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن العجب العجاب : أن سيد قطب يسوق مفاخر عثمان ومزاياه مساق الذم والطعن والتشهير؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله .

ثالثـًا : ويزيد سيد طعنة رابعة بقوله : ((ثم جعل يمنح المنح الضخمة لمن لا تنقصهم الثروة)) .

أين برهانك على هذه ؟ .

وأين مصادرك التي تستقي منها هذه الدعاوي العريضة التي يضج منها الكون وتضجّ منها الملائكة والمؤمنون ؟؟! .

كم عدد هذه المنح الضخمة ؟؟ .

وكم عدد أهلها ؟! .

إن دعواك ضخمة جدًّا ، أضخم من دعاوي الثوار السبئيين وأمضّ منها .

رابعـًا : طعنة خامسة ، قوله : ((ثم أباح لقريش أن تضرب في الأرض)) .

وأقول : متى حرّم الله ومتى حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش أن تضرب في الأرض تتاجر بأموالها حتى تؤاخذ عثمان على هذه الإباحة وتريد منه أن يفرض عليهم الإقامة الجبرية ؟!! .

ثم من أين لك أنه كان لهم أموال مكدسة لا يخرجون إلا ليتاجروا فيها ؟!! .

فمن فتح الدنيا غيرَهم !؟؟ ، ومن المجاهدون حقـًّا الذين قال الله فيهم : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } إن لم يكن هؤلاء ؟؟! .

ثم متى حرّم الله على قريش التجارة وأباح لغيرهم من العرب والعجم الضرب في البر والبحر في التجارة ؟؟! .

ومن أين لك أن أبا بكر وعمر قد فرضا على قريش الإقامة الجبرية (السجن الكبير في المدينة) ؟؟! .

ومن أين لك أن أبا بكر وعمر قد حرما ما أحل الله ورسوله لقريش من التجارة؟!!.

وطعنة سادسة قوله : ((ثم أباح للأثرياء يقتنوا الضياع والدور في السواد وغير السواد ، فإذا عهدٌ من عهود الإقطاع([7])يسود المجتمع الإسلامي في نهاية عهده يرحمه الله)) .

ونقول : متى حرم الله على هؤلاء أن يقتنوا الضياع ... إلخ ؟؟! .

وهل كان يلزم عثمان أن يصادرها لو وقعت بغير علمه !!؟ .

أقول : كل هذا تنزلاً مع سيد قطب ، وإلاّ فإن الحال والواقع لم يكن على هذه الصورة ، ولا قريبـًا منها؛ وإذا كان لا بدّ من مثل هذا التهييج فليس له أيّ حقّ أن يتخطّى العصر الذي يعيشه وثلاثة عشر قرنـًا ونيّفـًا ، يتخطّى ما رآه بعينه في بلده وفي أوروبا وأمريكا إلى خير القرون وخير أمة أُخرجت للناس فيصورهم بصورة عصره الشوهاء التي شاهدها في بلدان لم تعرف الله ولا الدار الآخرة ، فلا دينَ لها ولا خلق ولا ضمير .

فما هو الإقطاع في نظر سيد قطب ؟ ، قال في كتابه ((الإسلام ومشكلات الحضارة))([8]): ((إن نظام الإقطاع في أوروبا وأمريكا لم يكن مجرّد وجود ملكيّات كبيرة ، ولكنه كان مصحوبـًا بخصائص هذا النظام الأساسية ، وأخص خصائص هذا النظام كانت :

1 ـ تبعية الفلاحين للأرض؛ حيث كان وضعهم فيها كوضع الآلات الزراعية وحيواناتها وانتقالهم مع الأرض إلى المالك الجديد كما تنتقل الآلات والحيوانات ، ولو كانوا لا يباعون كما هو الحال في نظام الرق ، ولكن تبعيتهم للأرض تحرمهم حق الانتقال منها إلى أرض أخرى كما تحرمهم بطبيعة الحال حق اختيار حرفة أخرى فردية مستقلّة .

2 ـ كما كانت إرادة السيد (الشريف) هي القانون في اقطاعتيه فهو الذي يشرع للأقنان (رقيق الأرض) وهو الذي يحدد علاقاتهم به وبالأرض وعلاقاتهم بعضهم ببعض .

وهذا هو الإقطاع كما عرفته أوروبا ، وكما ثارت عليه ـ أيضـًا ـ ، وهاتان الخاصتان تعتبران العلامتين المميزتين لهذا العهد البغيض؛ وقد ظلت أوروبا ترزح تحت وطأة هذا النظام الفظيع الذي تهدر فيه قيمة الإنسان - ابتداء - بجعله تابعـًا للأرض كالماشية وأدوات الزراعة ينتقل معها إلى المالك الجديد ، ولا يملك أن يحس بكينونتيه الإنسانية مستقلة عن الأرض ، ولا يملك أن يغادرها ولو إلى إقطاعية أخرى وإلا اعتبر آبقـًا بحكم القانون ووجب القبض عليه وردّه إلى الأرض التي يتبعها ...)) .

فإذا أطلق سيد قطب الإقطاعية على عهد عثمان فلا يعرف الناس الذين يكتب لهم من اليهود والنصارى والمنافقين العلمانيين والروافض ، بل حتى خلص المسلمين في هذا العصر إلاّ هذه الصورة الخبيثة التي ذكرها سيد هنا عن عهد الإقطاع في أوربا؛ فهل كان سيد مدركـًا جسامة الإساءة التي ارتكبها في حق أصحاب رسول الله ـ رضوان الله عليهم ـ لا سيما عثمان وقريش أسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


([1]) لا توجد جملة (رضي الله عنه) في بعض النسخ ، ولعلها من بعض الناس للتلبيس .

([2]) ((العدالة)) ( ص : 207 ) ط الخامسة ، ( ص : 173 ) ط الثانية عشر ، وفيها : ((فإذا نوعٌ من الفوارق المالية الضخمة يسود المجتمع الإسلامي ...)) . وما هذا إلاّ تغيير لللفظ مع الحفاظ على المعنى .

([3]) نقول هذا على سبيل التنزّل وإلاّ فما طريق هؤلاء الخلفاء الراشدين إلاّ الاتباع ، وقد وضّحنا ذلك فيما سلف في هذا البحث .

([4]) إبراهيم هو : ابن المنذر الحزامي : صدوق .

([5]) ((أخبار المدينة)) : ( 3/241 ) .

([6]) ((أخبار المدينة)) : ( 3/241 ) .

([7]) غَيَّر سيد هذه العبارة في بعض الطبعات الأخيرة بقوله : ((فإذا نوعٌ من الفوارق الضخمة يسود المجتمع الإسلامي في نهاية عهده يرحمه الله)) ، لكنه بقي مصرًّا على أصل الفكرة ، ومعنى العبارتين متقارب ، فلم يفعل شيئـًا ذا بال==========
: حالة قريش الاقتصادية في عهد عثمان - رضي الله عنه
إن كان لا بدّ لنا من الحديث عن حالة قريش الاقتصادية في عهد عثمان ـ رضي الله عنه وعنهم ـ فلنذكر ما رواه ابن شبّة([1])ـ رحمه الله ـ وإن كان في إسناده انقطاع :

قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر قال : حدثنا ابن وهب قال : حدثني ابن لهيعة قال : كان عثمان قد جعل لموالي قريش طعمة خمسة دنانير لكل رجل كل حول ، وذلك أن قريشـًا قالت : إنا لسنا كغيرنا ، وليس لنا مدد ، وإنما مددنا موالينا ، فجعل لهم هذه الطعمة؛ فكان يموت الرجل منهم فيكتب وليه ولدًا إن كان له ، وإن لم يكن له ولد كتب عليها من شاء ، لم يجعلها عثمان لأحدٍ من الموالي إلا موالي قريش .

فلو كانت قريش طبقة إقطاعية أتطلب هذا الطلب من عثمان ؟ ، وعثمان لا يعطي مواليهم إلا خمسة دنانير طعمة ، ثم يحرصون عليها بعد موت صاحبها .

أهذا حال الإقطاعيين ليس لهم مدد إلا مواليهم ؟ .

وقد تقدّم حال فقراء المهاجرين في حديث سابق وإن كان في إسناده كلام ، لكن إذا كان لا بدّ لنا من الحديث عن أحوالهم فنذكر ما يليق بحالهم ولا يجوز بحال أن نبحث عن الروايات الطاعنة فيهم ثم نطلق للأخيلة الباطلة العنان في تفسيرها ونضخم ما تراه الأخيلة الباطلة من مساويء .

قال الإمام الترمذي([2])ـ رحمه الله تعالى ـ : حدثنا أحمد بن الحسين ، حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثني صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن محمد([3])بن أبي سفيان عن يوسف بن الحكم([4])عن محمد بن سعد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من يُرد هوان قريش أهانه الله)) .

قال أبو عيسى : ((هذا حديث غريب من هذا الوجه)) .

وأخرجه عبد الرزاق في ((مصنفه))([5])عن معمر عن الزهري عن عمر بن سعد([6])أن سعد بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((من يهن قريشـًا يهنه الله))([7]).


([1]) ((أخبار المدينة)) : ( 3/206 ) .

([2]) ((الجامع)) : ( المناقب ، حديث رقم : 3905 ) ، وابن أبي شيبة في ((مصنفه)) : ( 12/170 ) عن إبراهيم بن سعد ( به ) .

([3]) قال الذهبي : ((الصواب : عنبسة بن أبي سفيان)) ، وقد عده بعضهم في صغار الصحابة ، ومنهم من عده في التابعين ، وأورده ابن حبان في ((الثقات)) .

([4]) هو والد الحجاج بن يوسف : قال الحافظ في ((التقريب)) : ((مقبول)) ، وقال الذهبي عن كعب بن علقمة أنه كان صالحـًا .

([5]) ( 11/58 
=========
زعم سيد أن أبا بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ كانا يتشددان في إمساك رؤوس قريش
قال سيد قطب : ((كان أبو بكر وكان عمر من بعده يتشددان في إمساك الجماعة من رؤوس قريش بالمدينة لا يدعونهم يضربون في الأرض المفتوحة احتياطـًا لأن تمتد أبصار هؤلاء الرؤوس إلى المال والسلطان حين تجتمع إليهم الأنصار بحكم قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بحكم بلائهم في الإسلام وسابقتهم في الجهاد . وما كان في هذا افتيات على الحرية الشخصية كما يفهمها الإسلام؛ فهذه الحرية محدودة بمصلحة الجماعة والنصح لها([1]).

فلما جاء عثمان أباحَ لهم أن يضربوا في الأرض .

ولم يبح لهم هذا وحده ، بل يسّر لهم وحضهم على توظيف أموالهم في الدور والضياع في الأقاليم بعدما آتى بعضهم من الهبات مئات الآلاف .

لقد كان ذلك كله برًّا ورحمة بالمسلمين وبكبارهم خاصة ، ولكنه أنشأ شرًّا عظيمـًا لم يكن خافيـًا على فطنة أبي بكر وفطنة عمر بعده أنشأ الفوارق المالية والاجتماعية الضخمة في الجماعة الإسلامية ، كما أنشأ طبقة أرستقراطية فارغة يأتيها رزقها من كل مكان دون كدٍّ ولا تعب؛ فكان الترفُ الذي حاربه الإسلام بنصوصه وتوجيهاته ، كما حاربه الخليفتان قبل عثمان وحرصا على ألا يتيحاه عندئذ ثار الروح الإسلامي في نفوس بعض الناس ، يمثلهم أشدهم حرارة وثورة أبو ذر ، ذلك الصحابي الجليل الذي لم تجد هيئة الفتوى المصرية في الزمن الأخير إلا أن تخطئه في اتجاهه وإلا أن تزعم لنفسها بصرًا بالدين أكثر من بصره بدينه))([2]).

التعليق

أولاً : نقول هنا ما قاله سيد قطب لهيكل في سياسة أبي بكر وعمر : ((وإن أعجب فعجب لرجل يعيش بفكره ونفسه في جوّ هذه الفترة من التاريخ الإسلامي ، وفي ظلّ هذه الضمائر المرهفة الحسّاسة الشديدة الحساسية من رجاله ، ثم لا يرتفع ضميره هو وشعوره بتفسير الحوادث عن هذا المستوى المستمد مباشرة من ملابسات السياسة في عصرنا المادي الحاضر ، لا من روح الإسلام وتاريخه في تلك الفترة !! إنما هذه سياسة أيامنا الحاضرة تبرر الوسيلة بالغاية ، وتهبط بالضمير الإنساني إلى مستوى الضرورات الوقتية وتحسب هذا براعة في السياسة ، ولباقة في تصريف الأمور . وما أصغر أبا بكر في هذا التصوير الذي يقول الدكتور هيكل : إنه هو التصوير الصحيح ! .

لولا أن أبا بكر كان أكبر وأبعد من مدى المجهر الذي ينظر به رجل يعيش في عصر هابط ، فلا يستطيع إطلاقـًا أن يرتفع إلى ذلك الأفق السامق البعيد ، فضلا عن الجهل الفاضح بأوليات الشريعة الإسلامية))([3]).

ثانيـًا : متى وجد أبو بكر الوقت لمثل هذا التفكير السياسي ؟ ، فقد كانت خلافته قصيرة جدًّا لا تعدو سنتين وشهرين ، خاض فيها حروب الردة في الجزيرة العربية 
========
قادة حروب الردة وفتوحات الخلافة الراشدة كانوا من قريش
كان أكثر قادة حروب الردة في عهد أبي بكر من قريش وحلفائهم واستشهد فيها منهم كثير .

ثم دفع بهم أبو بكر إلى فتح العراق ثم الشام على قصر مدة خلافته رضي الله عنه.

أسماء قادة المسلمين للقضاء على حركة الردة :

كان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ عقد أحد عشر لواء لهذه المهمة بقيادة :

1 ـ خالد بن الوليد .

2 ـ عكرمة بن أبي جهل .

3 ـ شرحبيل بن حسنة حليف بني زهرة من قريش .

4 ـ المهاجر بن أبي أمية المخزومي .

5 ـ خالد بن سعيد بن العاص .

6 ـ عمرو بن العاص .

7 ـ حذيفة بن محصن الغطفاني .

8 ـ طرفة بن حاجب .

9 ـ سويد بن مقرن .

10 ـ العلاء بن الحضرمي حليف ابن أمية([1]).

11 ـ عرفجة بن هرثمة .

12 ـ معن بن حاجز([2]).

هذا ، وقد استشهد من قريش ومن إخوانهم الأنصار كثير ـ رضي الله عنهم ـ ، منهم : زيد بن الخطّاب ، وأبو حذيفة بن عتبة الأموي .

وبعث أبو بكر لفتح الشام الجيوش الإسلامية بقيادة :

1 ـ خالد بن سعيد بن العاص .

2 ـ يزيد بن أبي سفيان ، ومعه جمهور الناس ، ومعه سهيل بن عمرو وأشباهه من أهل مكة .

3 ـ وأبا عبيدة بن الجراح .

4 ـ وعمرو بن العاص .

وأمّده أبو بكر :

5 ـ بالوليد بن عقبة .

6 ـ وبعكرمة بن أبي جهل ، وجماعة .

7 ـ وأقبل شرحبيل بن حسنة من العراق إلى الصدّيق فبعثه إلى الشام .

ثم اجتمع عند الصدّيق جماعة فأمّر عليهم :

8 ـ معاوية بن أبي سفيان ، وأرسله إلى أخيه يزيد بن أبي سفيان([3]) ، وفي المجاهدين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف رجل في وقعة اليرموك ، منهم : الزبير بن العوام ، وأبو سفيان بن حرب ، وهاشم بن عقبة بن أبي وقاص([4]).

وكانت لهم صولات وآثارٌ عظيمة في النصر والفتح ـ رضي الله عنهم ـ ، وقد عرف الصدِّيق ما فيهم من كفاءة عالية فقذف بهم المرتدين ، ثم قذف بهم فارس والروم؛ فهم يخوضون معامع الجهاد في هذه البلدان لإعلاء كلمة الله؛ فحقق الله بهم ما يشبه المعجزات .

وما كان أبو بكر ليضعهم في الأقفاص وفي السجن الإجباري خشية أن تمتد أعينهم إلى المال والسلطان؛ فهذا تفكير الماديين لا تفكير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما كانت أعينهم تمتد إلى الجنة التي وعدها الله وأعدّها للمتقين ، وتمتد إلى إعلاء كلمة الله والشهادة في سبيلِه .

وهل كان هناك وقتٌ أمام أبي بكر لهذه الحسابات الفارغة في مدته الوجيزة التي أنجز فيها هو وإخوانه من المهاجرين والأنصار ما لا يدور بالخيال .

وأما عمر ـ رضي الله عنه ـ فكان عهده عهد جهاد وفتوحات ((لقد فتح عمر العراق ، وإيران ، وأكثر مناطق إرمينية ، وأرض الشام بما فيها سورية ، ولبنان ، وشرقي الأردن ، وفلسطين ، ومصر ، وليبيا ، والنوبة .

وخاضت جيوش المسلمين في أيامه ثلاث معارك حاسمة من معارك الفتح الإسلامي : معركة القادسية ، ومعركة بابليون ، ومعركة نهاوند)) ([5]).

كان قادة الفتوحات فيها من قريش ومن الأنصار ومن غيرهم من القبائل ، والذي يهمنا هم القرشيون ، فمنهم من قادة فتح العراق وفارس :

1 ـ سعد بن أبي وقاص .

2 ـ ضرار بن الخطاب الفهري .

3 ـ أبو سبرة بن أبي رهم القرشي العامري .

4 ـ العلاء بن الحضرمي([6]).

5 ـ وهاشم بن عتبة الزهري([7]).

6 ـ وعقبة بن الوليد الأموي([8]).

ومنهم في قيادة الفتح في الشام ومصر :

1 ـ أبو عبيدة بن الجرّاح الفهري .

2 ـ وخالد بن الوليد المخزومي .

3 ـ أسامة بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

4 ـ خارجة بن حذافة العدوي .

5 ـ الزبير بن العوام .

6 ـ شرحبيل بن حسنة مولى بني زهرة .

7 ـ عبد الله بن حذافة السهمي .

8 ـ عمرو بن العاص السهمي .

9 ـ عكرمة بن أبي جهل المخزومي .

10 ـ عمير بن وهب الجمحي .

11 ـ معاوية بن أبي سفيان الأموي .

12 ـ يزيد بن أبي سفيان الأموي .

راجع ((قادة فتح الشام ومصر)) ، وبالذات ( ص : 393 ) .

قال ابن سعد عن عمر ـ رضي الله عنه ـ : ((كان يستعمل رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عمرو بن العاص ، ومعاوية بن أبي سفيان ،
والمغيرة بن شعبة ، ويدع من هو أفضل منهم مثل عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، ونظائرهم لقوة أولئك عن العمل والبصر به ، ولإشراف عمر عليهم وهيبتهم له .

وقيل له : مالك لا تولِّي الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ، فقال : أكره أن أدنسهم بالعمل))([9]).

فهذه وجهة نظر عمر وتعليله ـ رضي الله عنه ـ لا ما يقولُه سيد قطب ، بل كان هؤلاء مجلس شوراه الذين لا يستغني عن رأيهم ، بل وكان بعضهم يعرض عليه العمل فيأباه كالزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنهما ـ .

وللمسلم أن يقسم بالله أنّ ما قاله سيد قطب من أبطل الباطل ، ومن أفسد الأقوال وأبعدها عن عدالة أبي بكر وعمر وطهارة القوم ونظافتهم ، ولما أدرك سيد فساد قوله ، قال : ((وما كان في هذا افتيات على الحرية الشخصية كما يفهمها الإسلام ، فهذه الحرية محدودة بمصلحة الجماعة والنصح لها)) .

فهل كانت حرية عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف تهدد مصلحة الجماعة ؟؟! .

وهل لو رغب أحد منهم للخروج للجهاد أو التجارة مثلاً فسمح له عمر يكون في ذلك غشّ للمسلمين ؟؟! .

حاشا عمر وحاشاهم ، ألا إنه الهوى والعياذ بالله هو الذي يقود إلى مثل هذه الأقوال الضالة .

قذائف

ثم وجّه سيد قطب قذائفه إلى الخليفة الراشد عثمان - رضي الله عنه - ، فقال : ((فلما جاء عثمان أباح لهم أن يضربوا في الأرض)) .

كأنهم في نظر سيد قطب مجرمي حرب أو عصابات إجرام كانوا في معتقلات سجن الصدِّيق والفاروق فأطلق عثمان سراحهم وأباح لهم وأطلق لهم العنان أن يعيثوا في الأرض فسادًا .

ولم يكتف بهذه القذيفة فواصل قائلاً : ((ولم يبح لهم هذا وحده ، بل يسر لهم وحضّهم على توظيف أموالهم في الدور والضياع في الأقاليم بعدما آتى بعضهم من الهبات مئات الآلاف)) .

هكذا سيد يقذف بالغيب من مكان بعيد ، كأن أمر عثمان والصحابة أهون من أن يحتاج إلى التروِّي والتثبّت والاحترام ، فإذا لم يجد رواية هزيلة أو باطلة يعتمد ويتكئ عليها وجّه السهام الظالمة التي هي من صنع يده وبنات أفكاره؛ وإلاّ فمن هؤلاء القرشيون الذين كان يحظر عليهم أبو بكر وعمر الخروج من المدينة فأباح لهم عثمان الضرب في الأرض ؟ ، سموهم لنا إن كنتم صادقين .

ومن أين له أن عثمان كان يحضهم على توظيف أموالهم في الدور والضياع بعد أن آتى بعضهم مئات الآلاف - أي : (من بيت مال المسلمين) - ، ولا يخدعنك قوله : ((لقد كان ذلك كله برًّا ورحمة بالمسلمين وبكبارهم خاصة)) فلو كان يعتقد في عثمان هذا الذي يقوله الآن لما هاجمه وطعن فيه عشرات الطعنات ، وإنما هذا من ذرّ الرماد في العيون أو من إضافات غيرِه خداعـًا ومكرًا؛ وانظر في ما الكلام قبله وبعده من خبث وطعن مشين .

يقول : ((ولكنه أنشأ شرًّا عظيمـًا لم يكن خافيـًا على فطنة أبي بكر وفطنة عمر بعده أنشأ الفوارق المالية والاجتماعية الضخمة في الجماعة الإسلامية ، كما أنشأ طبقة ارستقراطية فارغة تأتيها أرزاقها من كل مكان دون كدّ ولا تعب)) . أي أن عثمان والصحابة في عهده لا فطنة ولا ذكاء لديهم ولا نظر في العواقب ، ويمكن أن يلحق بهم سيد قطب عمر فإنه طوال خلافته كان يفضّل أناسـًا على أناس؛ لأن الله قد فضّلهم .

ويمكن لو اطلع سيد قطب على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فضّل ناسـًا على أناس لمصلحة الدعوة الإسلامية لنظر إليه نظرة ذي الخويصرة وقال له : (اعدل ، فإنك لم تعدل) ، و (هذا عملٌ ما أُريدَ به وجهُ الله) .

ولو اطلع على ما عمله أبو بكر لغضب عليه وحنق؛ فقد نفَّل خالد بن الوليد سلب هرمز ، وكانت قلنسوته بمائة ألف ، وكانت مرصعة بالجوهر))([10]).

ثم نسأل سيد : من هي هذه الطبقة الارستقراطية ؟ ، أليست هي كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار مثل عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وزيد بن ثابت ، وأمثالهم من خير أمة أُخرجت للناس ؟؟! .

أتطبق عليهم اصطلاحات الماركسيين ضد الرأسماليين والإقطاعيين وأرباب المصارف والبنوك التي تسيطر على اقتصاد العالم وتمتصّ ثروات ودماء الشعوب .

ثم هل انغمس عثمان وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الترف الذي حاربه الإسلام بنصوصه وتوجيهاته ، فلا يفقهون ولا يحترمون تلك النصوص والتوجيهات ويفقهها ويحترمها سيد قطب وأحلاس الإشتراكية الرعناء ؟!! .

أما كان هؤلاء الأصحاب الكرام يزكون ويتصدّقون ويصلون الأرحام وينفقون الأموال الطائلة في الجهاد في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله إلى درجة أن يموت بعضهم مدينـًا وبعضهم يكاد تنفد أمواله . ((إن مما أدرك الناسُ من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت))


([1]) انظر : ((البداية والنهاية)) لابن كثير : ( 6
========== 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق