الجمعة، 18 ديسمبر 2015

الباب الأول

آراء تشريعية لسيد قطب

الفصل الأول

قول سيد قطب بالاشتراكية وبجواز إلغاء الرق

مع أن سيدا يكفر من لم يحكم بما أنزل الله مطلقا، ويتشدد في ذلك ، فإنه يرى أنه يجوز لغير الله أن يشرع قوانين لتحقيق حياة إسلامية صحيحة، قال : 

(فإذا انتهينا من وسيلة التوجيه الفكري ، بقيت أمامنا وسيلة التشريع القانوني لتحقيق حياة إسلامية صحيحة تكفل فيها العدالة الاجتماعية للجميع . 

وفي هذا المجال لا يجوز أن نقف عند مجرد ما تم في الحياة الإسلامية الأولى، بل يجب الانتفاع بكافة الممكنات التي  تتيحها مبادئ الإسلام العامة وقواعده المجملة. 

فكل ما أتمته البشرية من تشريعات ونظم اجتماعية ولا تخالف أصوله أصول الإسلام ، ولا تصطدم بفكرته عن الحياة والناس ، يجب أن لا نحجم عن الانتفاع به عند وضع تشريعاتنا، ما دام يحقق مصلحة شرعية للمجتمع أو يدفع مضرة متوقعة .

ولنا في مبدأ المصالح المرسلة ومبدأ سد الذرائع ، وهما مبدآن إسلاميان صريحان ما يمنح ولي الأمر سلطة واسعة لتحقيق المصالح العامة في كل زمان ومكان )( ) 

وعلى هذا مآخذ : 

1- كأن سيدا يرى أن الإسلام غير كامل ولا واف بمتطلبات الأمة الإسلامية . 

2-  يمكن لأي دولة تنتمي للإسلام أن تأخذ كل ما تهواه من القوانين الوضعية بحجة تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وبحجة أنها لا تتنافى مع أصول الإسلام ، ولو كانت مصادمة لأصوله ونصوصه .

3- يرى سيد أخذ كل ما أتمته البشرية من تشريعات ونظم اجتماعية إذا لم تخالف أصول تلك التشريعات وأصول تلك التنظيمات أصول الإسلام ولا تصطدم بفكرته عن الحياة، أي لا تحرم التشريعات والنظم الكافرة على المسلمين إلا في حالة مصادمة أصولها أصول الإسلام ، فإذا خالفت أصول التشريعات الكافرة والتنظيمات الكافرة نصوص الإسلام من الكتاب والسنة والأمور الفرعية التي دلت عليها تلك النصوص ، فلا حرج فيها، ولا تحريم ، بل يجب الأخذ والحال هذه بتلك التشريعات والتنظيمات الكافرة .

وكذلك ، إذا خالفت تفريعات تلك القوانين والنظم أصول الإسلام ، فلا حرج فيها، بل يجب الأخذ بها، لأنها فروع صادمت أصول الإسلام ، وذلك لا يضر، وإنما الضرر فقط في مصادمة الأصول الكافرة للأصول الإسلامية. 

وبهذا التأصيل والتقعيد الذي يضعه سيد تنفتح أبواب التلاعب بدين الله لكل طاغية يريد التلاعب بالإسلام وبالأمة الإسلامية، فيمكنه جلب قوانين أوروبا وأمريكا تحت ستار هذه التأصيلات التي وضعها سيد قطب . 

وانطلاقا من هذه القواعد التي وضعها سيد: 

1- أخذ بالاشتراكية الغالية، فتوصل إلى أنه بيد الدولة أن تنتزع كل الممتلكات والثروات من أهلها، وتعيد توزيعها من جديد، ولو قامت على أسس إسلامية . 

2- ومن هذا المنطلق يرى أنه لا مانع من وضع نظام دولي يلغي الرق الذي شرعه الاسلام ، فيقول في تفسير سورة التوبة : 

{ وفى الرقاب }( )  ، وذلك حين كان الرق نظاما عالميا تجري المعاملة فيه على المثل في استرقاق الأسرى بين المسلمين وأعدائهم ، ولم يكن للإسلام بد من المعاملة بالمثل ، حتى يتعارف العالم على نظام آخر غير الاسترقاق . 

وهكذا يرى سيد أنه يجوز قيام نظام عالمي ينسخ ما قرره الإسلام في الكتاب والسنة، وأجمع على مشروعيته المسلمون في أبواب الجهاد والزكاة والكفارات والفضائل وغيرها في الرق وعتق الرقاب ! 

لماذا ؟! لأن هذا كله لم يصطدم بأصل من أصول الإسلام في زعمه .

أما مصادمتها لنصوص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على حرمة أموال المسلمين فهذا أمر هين عند سيد قطب ، فلا يلتفت إليه .

وكل هذا مجاراة لأهواء الغربيين ، وما أكثر وأشد ما يقع في هذا الميدان (أي مجاراة الغربيين). 

ولو قامت له ولأمثاله دولة، لرأيت العجب العجاب من القوانين والتشريعات التي تحل الحرام، وتحرم الحلال ، انطلاقا من هذه القواعد التي تؤدي إلى هدم الإسلام باسم الإسلام ، وبرأ الله الإسلام من ذلك . 

فأين التركيز على أنه لا حاكم إلا الله ؟! ولا مشرع إلا الله ؟!.

وأين ما قام على هذا من تكفير المجتمعات الإسلامية كلها لأنها تخضع لغير حاكمية الله وتشريعاته في نظره ؟!

فاعتبروا يا أولي الألباب ! ! 

ملاحظة :

يجب على المسلمين جميعا أن يدينوا ويعتقدوا أنه لا مشرع إلا الله ، فلا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا واجب إلا ما فرضه ، ولا مندوب ولا مكروه إلا ما قام عليه دليل من كتاب الله وسنة رسوله . 

فمن أبطل واجبا، أو أحل حراما، فقد جعل نفسه ندا لله ، ورد ما شرعه الله - إذا كان عالما بذلك متعمدا -، وخرج بهذا التشريع من دائرة الإسلام . 

أما الأمور الدنيوية المباحة، فإذا احتاج المسلمون حكاما ومحكومين إلى تنظيمها وضبطها، فلا مانع من ذلك ، وعلى ذلك أدلة :

منها قوله صلى الله عليه وسلم في تأبير النخل : "أنتم أعلم بدنياكم " . 

ومنها إنشاء عمر للدواوين في هذا المجال ما لم تصطدم بنص من نصوص القرآن والسنة أو إجماع الأمة .

الفصل الثاني

الإسلام - عند سيد - يصوغ مزيجا من النصرانية والشيوعية

يقول سيد قطب - مع الأسف -: 

( ولا بد للإسلام أن يحكم ، لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجا كاملا يتضمن أهدافهما جميعا ويزيد عليهما التوازن والتناسق والاعتدال)( ) 

أقول : 

أولا: هذا الكلام ليس ببعيد عن القول بوحدة الأديان ، فإن تنـزلنا جدلا فإنه يسلك في أقوال من يقول بجواز تعدد مصادر التشريع من العلمانيين الذين يعارضهم من يعارضهم من المسلمين بأن المصدر الوحيد للتشريع هو الإسلام فقط ، ولا يسلمون للعلمانيين حتى بالقول بأن المصدر الرئيسي للتشريع هو الإسلام . 

إن كلام سيد قطب هنا مطلق فلم يقيده بالجانب التشريعي ، فإذا تأوله المتأولون وتمحل له المتمحلون فيقال لهم : 

اعترفوا على الأقل أن كلامه هنا يفيد أن المسيحية والشيوعية مصدران رئيسان للتشريع ، فإن أصروا وعاندوا فنقول لهم : تأولوا  كلام كل أهل الضلال جميعا ، فإنهم كلهم يدعون الإسلام ، ولا يقبل منكم تأويل أباطيل سيد قطب وحده إلا بوحي من الله تعالى يخصصه ويميزه على كل من يقول الباطل ويتكلم بالهوى، ولا وحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأخبروني بعد ذلك أي فرق بين من يتأول كلام وأباطيل سيد قطب وبين من يتأول لغلاة الروافض ، والصوفية، وطه حسين ، وغيرهم من أهل الضلالات الكبرى . 

ثانيا: في أي واد طوحت بك السياسة يا سيد قطب عن احترام الإسلام وتنزيهه عن مثل هذا القول الباطل . 

أين أنت من قول الله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِينًا}. 

أين أنت من قول الله تعالى : { ألا لله الدين الخالص} . 

أين أنت من قول الله تعالى :  {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}.

أين أنت من قول الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؟. أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب ، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب فقال : "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني "( ) 

أين أنت من كمال الإسلام وشموليته التي يدركها ويؤمن بها كل فقيه مسلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . 

أهذه هي الحاكمية التي تدعو إليها: المزج الكامل بين الشيوعية والنصرانية ثم تطبيقها على المسلمين . 

إن المصلحين من علماء الإسلام ليدعون جاهدين إلى  تخليص الإسلام مما شابه من أخطاء المسلمين بل من أخطاء علماء المسلمين ، فكيف يأتي سيد قطب بمثل هذه الدعاوى الخطيرة التي بلغت النهاية في خطورتها ومن أشدها هذه الدعوى بأن الإسلام يصوغ من الشيوعية والنصرانية . . . إلخ . 

وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -حفظه الله ومتع بحياته -:

ما رأيكم فيمن يقول : 

لا بد للإسلام أن يحكم لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجاً كاملا يتضمن أهدافهما ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال والتوازن )؟ ! 

فقال - حفظه الله - مجيبا : 

نقول له : إن المسيحية دين مبدل مغير من جهة أحبارهم ورهبانهم ، والشيوعية دين باطل لا أصل له في الأديان السماوية، والدين الإسلامي دين من الله عز وجل منزل من عنده لم يبدل ولله الحمد، قال الله تعالى : 

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}( ) 

ومن قال : إن الإسلام مزيج من هذا وهذا فهو إما جاهل بالإسلام ، وإما مغرور بما عليه الأمم الكافرة من النصارى والشيوعيين ) . 

وكذلك سئل العلامة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري عن هذه المقالة فاعتبرها دعوة إلى وحدة الأديان ، وهذا نص السؤال والجواب وعليه ختمه وتوقيعه : 

بسم الله الرحمن الرحيم . 

فضيلة الشيخ المحدث إسماعيل بن محمد الأنصاري حفظكم الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: 

ما رأيكم في رجل يدعي العلم ودرس في الغرب يقول : 

"إن الإسلام هو العقيدة التي تصوغ من الشيوعية والمسيحية مزيجا كاملا يحقق أهدافهما ويزيد عليهما بالتوازن والاعتدال "؟ 

ما حكم هذا القول ؟ 

"بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد : 

فإن كلمة ذلك المدعي المذكور كلمة تدعو إلى وحدة الأديان وإلى التقريب بينها، وقد رد أئمة العلماء على القائل بها في كتبهم المعتبرة ومن ضمن تلك الكتب ما يلي :

(1) كتاب "الرد على المنطقيين " لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 282 ).

(2) الجزء الأول من "الفتاوى الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية(ص4،5) في الرد على من قال : (كل يعمل في دينه الذي يشتهي ). 

(3) الاقتضاء" في( )  الرد على البكري (ص 215) من قال : (المعبود واحد وإن اختلفت الطرق ) 

(4) مدارج السالكين " لابن القيم (ج 3 ص 48 4 ). 

(5) منهاج السنة" لابن تيمية . 

(6) رسالة الحميدية في زمن السلطان عبد الحميد" 

(7) رد العراقي على الدعوة إلى وحدة الأديان " (ص 111 ) من مصرع التصوف . 

                                       

                      

إسماعيل بن محمد الأنصاري 

الأحد 12/11/ 1414 أهـ 

وسئل الشيخ حماد بن محمد الأنصاري عن هذه المقالة فأجاب : 

(إن كان قائل هذا الكلام حيا فيجب أن يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل مرتدا، وإن كان قد مات فيجب أن يبين أن هذا كلام باطل ولا نكفره لأننا لم نقم عليه الحجة)( ) . 

وسئل علماء آخرون عنها وكانت لهم إجابات قوية . 

ثالثا: ومما تجدر الإشارة إليه أن سيد قطب - وإن كان قد يطعن في النصارى واليهود وغيرهما ، فغالبا ما يكون هذا الطعن من الناحية السياسية، ولكنه في نفس الوقت إذا أغرق في السياسة يظهر منه أمور قد تكون مترسبة في نفسه لم يستطع الخلاص منها مثل قوله في مدح الإسلام في زعمه : (فكرة الإسلام عن وحدة البشرية، ونفيه لعصبية الجنس واللون والوطن ، واعتقاده في وحدة الدين في الرسالات كافة، واستعداده للتعاون مع شتى الملل والنحل في غير عزلة ولا بغضاء، وحصره لأسباب الخصومة والحرب في الدفاع عن حرية الدعوة، وحرية العقيدة والعبادة)( )   

فما المراد بوحدة البشرية هنا؟

والجواب: أنه لا يتحدث عن وحدة البشرية القائمة على دين الإسلام.

وما المقصود من وحدة الدين في الرسالات كافة؟ هل هو يتحدث عن أخوة الأنبياء في عقيدة التوحيد أو يريد استمالة اليهود والنصارى في هذا العصر، كما يتحدث ساسة اليهود والنصارى إلى المسلمين بمثل هذا الأسلوب؟ يؤكد ما أقول قول سيد: (واستعداده- أي الإسلام- للتعاون مع شتى الملل والنحل في غير عزلة ولا بغضاء) أي في تلاحم ومحبة وود.

الفصل الثالث

فكرة العالمية أو الأخوة الإنسانية

ويتحدث عن الهندوكية فلا يقدح فيها من جهة شركها ووثنيتها ، وإن كان في بعض الأحيان قد يطعن في هذه الوثنية لكن حديثه هنا عجيب إنه يدعو إلى فكرة الماسونية فكرة الأخوة  الإنسانية . 

فيقول( ) : (والمجتمع الهندوكي بدوره يكاد يكون مجتمعا مقفلا كالمجتمع اليهودي ، لأن تقسيم البرهمية للطبقات في هذا المجتمع وعزلها كل طبقة عن الأخرى عزلا كاملا، بحيث لا يمكن اجتياز الفواصل الحديدية بين هذه الطبقات . . . لا يسمح لغير الهنود أن يعتنقوا الديانة الهندوكية ولا يسمح بفكرة الأخوة العالمية، التي تهيئ لقيام مجتمع عالمي مفتوح للجميع). 

وهكذا يرى أكبر نقص في المجتمع الهندوكي أنه مجتمع مقفل وكذلك المجتمع اليهودي ، وكأنه يشجعهما على الانفتاح ونشر ديانتهما في العالم انطلاقا من حرية الأديان . 

وكذلك يأخذ على الهندوكية أنها لا تسمح بفكرة الأخوة العالمية التي يدعو إليها سيد قطب . 

ويقول سيد قطب عن المسيحية : 

(أما المجتمع المسيحي -إذا صح هذا التعبير - فالمسيحية لا تحكمه ، والنظم فيه لا تعتمد على العقيدة، إنما تعتمد أساسا على القوانين الوضعية، حيث تقف العقيدة في عزلة عن المجتمع ، تحاول أن تعمل في ضمير الفرد وحده ، وبدهي أن قوة النظام الاجتماعي لا تمهل الفرد يستمع إلى صوت الضمير ما لم يكن هذا النظام ذاته قائما على العقيدة التي تعمر الضمير. . .

وهذا الانعزال بين العقيدة والنظام في العالم الذي يسمى العالم المسيحي ، يحرم الفرد ذلك التناسق الذاتي بين ضميره والنظام الذي يعيش في ظله ، كما يحرم المجتمع تلك الإيحاءات السامية المنبعثة من روح الدين . . . وعلى أي حال فهذا موقف اضطراري في العالم المسيحي ، لأن المسيحية لم تتضمن شريعة تنظم المجتمع عن طريق القانون ، ومن هنا ذهبت كل دعوات المسيحية إلى السماحة الإنسانية هباء، وغلبتها روح الاستعمار الخبيثة، المنبعثة من النعرة القومية المنعزلة داخل الحدود الجغرافية )( ) .

أقول : لو حكمت العقيدة الإسلامية سيد قطب لما تحدث بهذا الأسلوب عن الهندوكية المغرقة في عبادة كل شيء من الأوثان والقردة والفروج والأشجار والأحجار والحيات والديدان . 

فأي دمار سيحيق بالبشرية لو انفتحت على العالم تنشر عقيدتها وتدعو إلى الأخوة العالمية تخلصا مما يأخذه سيد قطب وأمثاله من دعاة الإنسانية، وخروجا من معرة هذا العار؟ ! 

ولو حكمت العقيدة الإسلامية سيد قطب لما تحدث عن النصرانية الكافرة بهذا الأسلوب السمج المتملق - إن أحسنا به الظن -.

إنه لا يتحدث عن الدين الذي جاء به رسول الله عيسى صلى الله عليه وسلم المتضمن للتوحيد والمؤيد للتوراة المنزلة على موسى صلى الله عليه وسلم وفيهما جميعا الهدى والنور والتشريع المنظم للحياة . 

قال تعالى : {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}( )   بعد أن قال عن التوراة : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} ( ) 

وإنما يتحدث سيد قطب عن الديانة النصرانية المحرفة عن التوحيد إلى الوثنية وعن الحكم بما أنزل الله إلى الحكم بالطاغوت .

فماذا يريد سيد قطب بقوله في حديثه عن المجتمع المسيحي : (فالمسيحية لا تحكمه والنظم فيه لا تعتمد على العقيدة إنما تعتمد أساسا على النظم الوضعية) ؟! 

فلو اعتمدت نظمها على عقيدتها الوثنية التي قال الله في شأنها {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} ( )  

وقال : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}( )  ، وقال :  {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَانِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا}( )  ، ولو اعتمدت نظمها على عقيدتها الوثنية بنص القرآن أتكون على حق وسداد وهدى ؟ 

إن عدم التزامهم بهذه العقيدة قد يكون أخف خبثا وشرا . 

وماذا استفاد العالم الإسلامي وغيره من التعصب الوثني الصليبي ؟ وماذا لقيت أسبانيا من هذا التعصب الخبيث المتوحش ؟! 

سيد قطب يعرف هذا تماما.

ماذا يريد سيد قطب بقوله : (وبدهي أن قوة النظام الاجتماعي لا تمهل الفرد ليستمع إلى صوت الضمير ما لم يكن هذا النظام ذاته قائما على العقيدة التي تعمر الضمير)؟!

فهل العقيدة النصرانية تعمر الضمير أو تفسده وتخربه وتملؤه حقدا وتعصبا ضد الحق والهدى والنور الذي أُرْسِل به محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين ، فأبته هذه العقيدة وحاربته أشد من اليهود والفرس والهندوك وغزت المسلمين في عقر دارهم وتعاونت مع كل الأديان ضدهم وضد إسلامهم . 

ماذا يريد سيد بقوله : (وهذا الانعزال بين العقيدة والنظام في العالم الذي يسمى العالم المسيحي يحرم الفرد ذلك التناسق الذاتي بين ضميره والنظام الذي يعيش في ظله ، كما يحرم المجتمع تلك الإيحاءات السامية المنبعثة من روح الدين ) ؟! 

فهل يحصل للفرد النصراني عابد الصليب تناسق بين ضميره والنظام الناشىء على تلك العقيدة أو أنهما جميعا تورثانه التمزق والضياع والقلق( )  ؟ !

وما هي الإيحاءات السامية المنبعثة من روح الدين الوثني الصليبي ؟! أليست الفجور والبغضاء والحقد على محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته وأمته ؟ !

ثم بعد هذا الكلام التائه يخبط في تيه التناقض فيقول :  وعلى أي حال فهذا موقف اضطراري في العالم المسيحي، لأن المسيحية لم تتضمن تنظيم المجتمع عن طريق القوانين ). 

فهل هذا إعذار للمسيحيين عن تشريعهم لقوانين لا ترتبط بعقيدتهم فهم بذلك معذورون أمام الله ؟ وهل المسيحية التي لم تتضمن قوانين هي المنزلة أو المبدلة؟ 

إن كان يقصد المنزلة وهو المتبادر، فهذا أمر خطير يصادم قول الله : {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}( ) ، ثم هم ملزمون بالأحكام المنزلة في التوراة ثم القرآن . 

وإن كان يقصد المسيحية الوثنية المبدلة فما فائدة هذا الكلام الباطل الذي يغضب الله عز وجل والذي يدل على الفساد العقائدي والهوى السياسي وهما أمران خطيران كثيرا ما يجران من أصيب بهما إلى المهالك . 

بل يذهب سيد قطب إلى أبعد من هذا فيصف النصرانية المبدلة بالسماحة والطهر فيقول : 

وكثيرا ما ذهبت إلى هذه الكنائس واستمعت إلى الوعاظ في الكنيسة وإلى الموسيقى والتراتيل والأدعية ، وكثيرا ما استمعت إلى إذاعة الآباء في محطات الإذاعة في الأعياد المسيحية . . . .

دائما يحاول الآباء أن يعقدوا الصلة بين قلب الفرد وبين الله ، ولكن واحدا منهم لم أسمعه يقول كيف يمكن أن يكون مسيحيا في واقع الحياة اليومية، ذلك أن المسيحية إنما هي مجرد دعوة للتطهير الروحي ، ولم تتضمن تشريعا للحياة الواقعة بل تركت ذلك لقيصر.

وكان من أثر هذا في العالم المسيحي أن أصبحت المسيحية في جانب والحياة الواقعة في جانب ، وعلى توالي الأزمان أصبحت المسيحية محصورة داخل الكنيسة والحياة من حولها أبعد ما تكون عن روحها السمحة المتطهرة، فلما نشطت الكنيسة في السنوات الأخيرة للاتصال بالمجتمع من جديد لم يكن همها أن ترفع الناس إليها، بل كانت طريقها أن تهبط هي إلى الناس . 00)( )  

هكذا يصور سيد قطب النصرانية المحرفة الوثنية النجسة  عقائدها المؤلهة للبشر بأنها دعوة إلى التطهر الروحي ، وأن روحها سمحة متطهرة، ولا مؤاخذة على الكنيسة إلا أنها أهملت السياسة ووضع القوانين التي تحكم الحياة . 

وهذا يذكر القارئ بمدح سيد للصوفية أهل وحدة الوجود  من حيث عقيدتهم الوحدوية، ومؤاخذته لهم من جهة تقصيرهم في الجانب السياسي في الإسلام فقط . 

وكل هذه الضلالات يجب على الأمة أن تحني رؤوسها أمام عظمة سيد وأن تتلمس له التأويلات والمعاذير، أما السلفي فيا ويله إن أخطأ، بل يا ويله إن قال الحق وبرهن عليه بالأدلة والبراهين الواضحة .

الفصل الرابع

اجتياح أموال الناس بفرض الضرائب

يقول سيد قطب في كتابه "معركة الإسلام والرأسمالية"( ) 

( أئذا فرضت الدولة اليوم ضريبة للتعليم ، جعلت حصيلتها خاصة بالأغراض التعليمية البحتة، من بناء للدور، وأداء للأجور، وإنفاق على أدوات الطلاب ، وكتبهم وغذائهم كذلك . . . قيل : إن هذا النظام للتسول والشحاذة، يهين كرامة المعلمين والطلاب ، لأن هذه الأموال مأخوذة من أموال الأثرياء ، منفقة في شؤون الفقراء . 

أئذا سنت الدولة قانونا يجبي 5ر 2 % من كل ثروة كثرت أو قلت لتكوين الجيش وتسليحه ، وجعلت هذه الضريبة وقفا على هذا الباب من أبواب النفقات العامة، قيل : 

إن الجيش يتسول ، وإن كرامته تستذل لأن الدولة أخذت نفقته من أموال الأثرياء والثري والفقير في أدائها سواء.

إن الزكاة ضريبة كهذه الضرائب تجبيها الدولة، ثم تنفقها في وجوه معينة، تجبيها كلا، ثم تنفقها أجزاء... وليست إحسانا فرديا يخرج بعينه من يد ليعطى بعينه إلى يد)( ).

أقول : إن الزكاة ركن من أركان الإسلام وعبادة عظيمة من العبادات يتقرب بها إلى الله عز وجل، وإهمالها إهمال لركن عظيم من أركان الإسلام وأسسه، والضرائب التي يحشر سيد قطب في ثناياها هذه الزكاة وهذا الركن العظيم للإسلام، بل يقيسها عليها، هي مكوس من أشد أنواع الظلم ومن أكبر أنواع المعاصي، خصوصا إذا أخذت طابع التشريع، وألزمت به وأرهقت به الأمة على الوجه الذي عرضه سيد قطب .

ثم استمر سيد يتحدث عن الزكاة باعتبارها ضريبة من الضرائب إلى أن قال:

ولكن هذا ليس كل حقوق الإسلام في المال ، إن هذا إنما يجري حين يكون المجتمع متوازنا لا اضطراب فيه ولا اختلال ، وعندما لا تكون هناك حاجات استثنائية للمجتمع لمواجهة الطوارئ الداخلية أو الخارجية، فأما حين تتغير الأحوال وتبرز الحاجات ، فحق المجتمع مطلق في المال ، وحق الملكية الفردية لا يقف في وجه هذا الحق العام .

والإسلام يعطي هذه السلطات للدولة - ممثلة المجتمع - لا لمواجهة الحاجات العاجلة فحسب ، بل لدفع الأضرار المتوقعة، وحماية المجتمع من الاعتداء الخارجي ، كحمايته من التخلخل الداخلي سواء، في منح هذا الحق للدولة لتتصرف في الملكيات الفردية بلا حدود ولا قيود إلا حدود الحاجات الاجتماعية والصالح العام .

في يد الدولة أن تفرض أولا ضرائب خاصة غير الضرائب العامة - كما تشاء -، فتخصص ضريبة للجيش ، وضريبة للتعليم ، وضريبة للمستشفيات ، وضريبة للضمان الاجتماعي . . . ، وضريبة لكل وجه طارىء من أوجه الإنفاق لم يحسب حسابه في المصروفات العامة أو تعجز الميزانية العادية عن الإنفاق عليه عند الاقتضاء( ) .

وفي يد الدولة أن تنزع الملكيات وأن تأخذ من الثروات - بنسب معينة - كل ما تجده ضروريا لتعديل أوضاع المجتمع أو لمواجهة نفقات إضافية ضرورية لحماية المجتمع من الآفات : 

آفات الجهل، وآفات المرض، وآفات الحرمان، وآفات الترف، وآفات الأحقاد بين الأفراد والجماعات ، وسائر ما تتعرض له المجتمعات من آفات( ).

بل في يد الدولة أن تنزع الملكيات والثروات جميعا وتعيد توزيعها على أساس جديد، ولو كانت هذه الملكيات قد قامت على الأسس التي يعترف بها الإسلام ونمت بالوسائل التي يبررها، لأن دفع الضرر عن المجتمع كله أو اتقاء الأضرار المتوقعة لهذا المجتمع أولى بالرعاية من حقوق الأفراد . 

فنظرية الإسلام في التكافل الاجتماعي لا تجعل هناك تعارضا بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع ، وكل ضرر يصيب المجتمع يعده الإسلام ضررا يقع على كل أفراده، ويحتم على الدولة أن تقي هؤلاء الأفراد( )من أنفسهم عند الاقتضاء( ) .

( ) قال في "لسان العرب " في مادة ضرب ( 1 / 555) ، وانظر "القاموس " ( 1 / 96) : (والضريبة واحدة ضرائب التي تؤخذ في الأرصاد والجزية ونحوها، ومنه ضريبة العبد: وهي غلته . وفي حديث الحجام كم ضريبتك ؟ الضريبة ما يؤدي العبد إلى سيده من الخراج المقرر عليه ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، وتجمع على الضرائب ، ومنه حديث الإماء اللاتي كان عليهن لمواليهن ضرائب ، يقال : كم ضريبة عبدك في كل شهر؟ والضرائب ضرائب الأرضين ، وهي وظائف الخراج وضرب على العبد الإتاوة ضربا أوجبها عليه بالتأجيل والاسم الضريبة). وهكذا يريد سيد قطب أن يحول المجتمعات الإسلامية إلى عبيد مستذلين مقهورين يؤدون المكوس والضرائب المخزية التي تجعل المسلمين في أدنى دركات الذل والعبودية لدولته التي يسميها بالإسلامية ، وكم يشيد هذا الرجل بالحرية وهو يهدف إلى استعباد المسلمين واستذلالهم ، ومن عجائبه أنه حينما يتحدث عن الجزية على  أهل الذمة من اليهود والنصارى يلمعها ويصورها كأنها مكرمة لهم وينفي عنها معنى الصغار الذي نص عليه القران                                         ===قال في "لسان العرب " في مادة ضرب ( 1 / 555) ، وانظر "القاموس " ( 1 / 96) : (والضريبة واحدة ضرائب التي تؤخذ في الأرصاد والجزية ونحوها، ومنه ضريبة العبد: وهي غلته . وفي حديث الحجام كم ضريبتك ؟ الضريبة ما يؤدي العبد إلى سيده من الخراج المقرر عليه ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، وتجمع على الضرائب ، ومنه حديث الإماء اللاتي كان عليهن لمواليهن ضرائب ، يقال : كم ضريبة عبدك في كل شهر؟ والضرائب ضرائب الأرضين ، وهي وظائف الخراج وضرب على العبد الإتاوة ضربا أوجبها عليه بالتأجيل والاسم الضريبة). وهكذا يريد سيد قطب أن يحول المجتمعات الإسلامية إلى عبيد مستذلين مقهورين يؤدون المكوس والضرائب المخزية التي تجعل المسلمين في أدنى دركات الذل والعبودية لدولته التي يسميها بالإسلامية ، وكم يشيد هذا الرجل بالحرية وهو يهدف إلى استعباد المسلمين واستذلالهم ، ومن عجائبه أنه حينما يتحدث عن الجزية على  أهل الذمة من اليهود والنصارى يلمعها ويصورها كأنها مكرمة لهم وينفي عنها معنى الصغار الذي نص عليه القران في قوله {حتى يعطوا الجزية عن يديهم صاغرون} ( ) ===بل في يد الدولة أن تنزع الملكيات والثروات جميعا وتعيد توزيعها على أساس جديد، ولو كانت هذه الملكيات قد قامت على الأسس التي يعترف بها الإسلام ونمت بالوسائل التي يبررها، لأن دفع الضرر عن المجتمع كله أو اتقاء الأضرار المتوقعة لهذا المجتمع أولى بالرعاية من حقوق الأفراد . 

فنظرية الإسلام في التكافل الاجتماعي لا تجعل هناك تعارضا بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع ، وكل ضرر يصيب المجتمع يعده الإسلام ضررا يقع على كل أفراده، ويحتم على الدولة أن تقي هؤلاء الأفراد( )من أنفسهم عند الاقتضاء

========هذا السلب والنهب هو الذي يورث هذه الآفات ولا سيما الأحقاد، ثم إن الزكاة والصدقات عبادات يتقرب بها إلى الله وأخذها من أصحابها قهرا يفوت عليهم حسن النية والإخلاص لله .

( ) (معركة الإسلام والرأسمالية) (ص 43 - 44)

((  هذا سؤال ورد للشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز حفظه الله تعالى عن حكم من يطالب بتحكيم المبادىء الاشتراكية والشيوعية ؟ 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه . أما بعد : 

فقد ورد إلي سؤال من بعض الأخوة الباكستانيين هذا ملخصه : 

ما حكم الذين يطالبون بتحكيم المبادىء الاشتراكية والشيوعية، ويحاربون حكم الإسلام ؟ وما حكم الذين يساعدونهم في هذا المطلب ، ويذمون من يطالب بحكم الإسلام ، ويلمزونهم ويفترون عليهم ؟ وهل يجوز اتخاذ هؤلاء أئمة وخطباء في مساجد المسلمين ؟ 

والجواب : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ، لا ريب أن الواجب على أئمة المسلمين وقادتهم أن يحكموا الشريعة الإسلامية في جميع شئونهم ، وأن يحاربوا ما خالفها، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء الإسلام ، لي========                                                                                                      بل في يد الدولة أن تنزع الملكيات والثروات جميعا وتعيد توزيعها على أساس جديد، ولو كانت هذه الملكيات قد قامت على الأسس التي يعترف بها الإسلام ونمت بالوسائل التي يبررها، لأن دفع الضرر عن المجتمع كله أو اتقاء الأضرار المتوقعة لهذا المجتمع أولى بالرعاية من حقوق الأفراد . 

فنظرية الإسلام في التكافل الاجتماعي لا تجعل هناك تعارضا بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع ، وكل ضرر يصيب المجتمع يعده الإسلام ضررا يقع على كل أفراده، ويحتم على الدولة أن تقي هؤلاء الأفراد( )من أنفسهم عند الاقتضاء( ) .

ويقول : (أما المجتمع الإسلامي هو مجتمع آخر، كل فرد فيه مضمون الرزق عاملا أو متعطلا، قادرا أو عاجزا، صحيحا أو مريضا، ويأخذ ما متوسطه نصف العشر كل عام من رؤوس الأموال لا من أرباحها لبيت المال ، ثم يأخذ بعد ذلك بلا قيد ولا شرط من المال كل ما تحتاجه الدولة لحماية المجتمع من الآفات )( ).

ويقول : (والإسلام عدو التبطل الناشئ عن تكدس الثراء، فلا جزاء إلا على الجهد ولا أجر إلا على العمل ، فأما القاعدون الذين لا يعملون ، فثراؤهم حرام وأموالهم حرام، وعلى الدولة أن تنتفع بذلك الثراء لحساب المجتمع ، ولا تدعه لذلك المتبطل الكسلان)( ). 

وهكذا يحلل ويحرم هذا الرجل بهواه ولا دليل له ولا برهان في هذا التحليل والتحريم ، إلا ما خدع به من أساليب كتاب ودعاة الاشتراكية والماركسية الحاقدة على كل من آتاهم الله من فضله( ).

وإن الإسلام لبريء مما ينسبه إليه سيد قطب من هذه الحلول والمعالجات البغيضة القائمة على الحقد والحسد . 

إن الإسلام ليفرض على أغنياء المسلمين زكاة تؤخذ منهم فترد إلى فقرائهم ويفرض على الغني والفقير النفقات على من تجب لهم النفقات من أقارب وزوجات وغيرهم ، ويوجب الصلة والبر لذوي الأرحام ، والبذل في سبيل الله عند داعي الجهاد، أما أن يسلط المجتمع ويسلط الدولة ممثلة المجتمع على الأثرياء تبتز أموالهم تحت شعار أنهم كسالى، وأن ثراءهم حرام ، وأموالهم حرام ، وأن المال للمجتمع ، وغير ذلك من الدعاوى الباطلة، فلا والله ثم لا والله ما في شريعة الإسلام من ذلك شيء ، وحتى الديانات الفاسدة والمبدلة وحكامها المستبدين لم يصل بهم الظلم والجبروت إلى هذا المنحدر السحيق . 

ولقد أصبح اليوم أولياء سيد قطب من أعظم الناس ثراء في بلاد المسلمين ، بل لعلهم أثرى الناس ، فليخرجوا من أموالهم ولينـزلوا إلى الحقول والمصانع والمناجم ليعملوا فيها بجد وجلد حتى يبرهنوا للناس أنهم هم المؤمنون حقا بهذا الإسلام الذي يقرره سيد قطب ، وإلا فليخجلوا من التعصب المقيت لسيد قطب وأفكاره المنسوبة ظلما إلى الإسلام ، والإسلام منها براء . 

ثم أقول : 

أولا: إن الإسلام أرحم وأعدل من أن يشرع مثل هذه التشريعات المدمرة التي ينسبها سيد قطب إلى الإسلام . 

فهذه الصورة الكريهة في أدنى أحوالها كسروية قيصرية، وفي أشدها ماركسية، والإسلام والرسالات كلها بريئة من هذا العنف والجبروت والاستعباد للبشر بسلب ثرواتهم وامتصاص جهودهم وتحويل الناس إلى قطعان من المواشي مسخرة لأغراض هذه الدولة التي يشرع لها سيد قطب ، نسأل الله أن يقي المسلمين شرها و خطرها .

ثانيا: إن هذا التشريع الذي ينسبه سيد قطب إلى الإسلام إنما استقاه من المبادىء والنظريات الشيوعية والغربية التي استفحلت في حياته ، بل كان قد تشرب هو نفسه بها، وبقيت مترسبة في نفسه وعقله إبان كتاباته باسم الإسلام ، لا سيما وقد تسنم قمة الثورة الناصرية الطاغية التي ارتكزت في تطبيقها للاشتراكية على نظرية سيد قطب وأمثاله( ) الذين ألبسوا اشتراكية ماركس لباس الإسلام فسحقت بذلك الإسلام والمسلمين . 

ثالثا: أين البراهين من الكتاب والسنة على أن في يد الدولة تلك الضرائب الخاصة والعامة؟ حاشا دين الله وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من هذا الظلم الأسود الحالك والدكتاتورية المدمرة، إن تشريع الله الرحيم العادل ليحرم ما هو دون ما أباحه سيد قطب للدولة بعشرات المراحل وإن هذا الذي يقرره سيد قطب وأمثاله من الاشتراكيين لتشريع لم يأذن به الله ، والله يقول :{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}( ) ، وما قالوه وقرروه لم يأذن به الله في أي شريعة فضلا عن شريعة الإسلام السمحة التامة الكاملة .

والله تعالى قد نزه نفسه عن الظلم فقال : مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ }( )  وحرم على نفسه وعلى عباده الظلم ، فقال في الحديث القدسي : "يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا" ( ).

وهؤلاء ينسبون إلى الله هذه التشريعات الظالمة الباطلة . 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اتقوا الظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم( ) ، وقال صلى الله عليه وسلم "والظلم ظلمات يوم القيامة" ( ) . ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن أمره بالدعوة إلى التوحيد والى شرائع الإسلام ، ثم قال : ". . . فإن هم أطاعوك لذلك ، فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوك لذلك ، فإياك وكرائم  أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب "( ). 

قد يرى الساعي أن من مصلحة الفقراء أخذ كرائم الأموال من الأغنياء للفقراء، وقد يرى أن هذا أبلغ في تطهير أهل الزكاة من الأغنياء، ولكن الإسلام يرفض مثل هذه التعللات ولو باسم المصلحة تحت أي شعار أو تحت أي تأويل ، ويعتبر ذلك من الظلم البغيض إلى الله وفي شرعه .

إن الإسلام الذي يبلغ إلى هذه الدرجة من الشفافية في تحريم الظلم لا يمكن أن يشرع مثل هذه التشريعات الأثيمة الظالمة، سواء كانت باسم الضرائب أو باسم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية التي يدعو إليها ويروج لها سيد قطب . 

ولقد تهاوت هذه الادعاءات الكاذبة في روسيا وفي غيرها من البلدان الاشتراكية شأن كل باطل يذهب جفاء . 

ولقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم التسعير ظلما يخشى المطالبة به أمام الله عز وجل يوم القيامة، وهو رسول الله أعدل الناس وأرحم الناس بالناس ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رجلا جاء فقال : يا رسول الله ! سعر، فقال : "بل أدعو"، ثم جاءه رجل فقال : يا رسول الله ! سعر، فقال : "بل الله يخفض ويرفع ، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة"( ). وعن أنس رضي الله عنه قال الناس : يا رسول الله ! غلا السعر، فسعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال" ( ). 

إن العاقل ليعجب من سيد قطب الذي يحارب الربا أشد الحرب ويكفر به ! كيف يشرع مثل هذه الضرائب المهلكة؟! وكيف يشرع للدولة التي يسميها مسلمة أن تنتزع الملكيات والثروات جميعا وتعيد توزيعها على أساس جديد؟! وذلك من أشد أنواع الظلم وأفظعه ، وهذه الضرائب التي ينسبها إلى الإسلام أشد من المكس الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقبيحه وبيان فظاعته وخطره : "مهلا يا خالد، فوالذي نفسي بيده ! لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له( ) . قاله في شأن الغامدية التي رجمت بعد أن طلبت تطهيرها من الزنا .

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن صاحب المكس في النار"( ).

وعنه صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة صاحب مكس " يعني العشار( ) . 

والحديثان يشد بعضهما بعضا، فيرتقيان إلى درجة الحسن أو الصحيح ، لا سيما وقد صحح الأخير كل من ابن خزيمة والحاكم ، انظر "حاشية الدارمي " ( 1 / 330) . 

وعن عبد الله بن عمرو قال : (إن صاحب المكس لا يسأل عن شيء يؤخذ كما هو فيرمى به في النار). أخرجه أبو عبيد في "الأموال"( ) ، إن المكس ظلم ظاهر، أما الاشتراكية وهذه المكوس فقد أضفى عليها سيد قطب صبغة الإسلام ونسبها إلى دين الله ، فيا للعجب كل العجب !! 

ولقد خالف سيد قطب كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على تحريم أموال المسلمين . 

أما الأدلة من الكتاب والسنة، فقد ذكرنا طرفا منها . 

ومن السنة أيضا، قول النبي صلى الله عليه وسلم : "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، فلا ترجعن بعدي كفارا (أو ضلالا) يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه "، ثم قال : "ألا هل بلغت "( ) . 

الإجماع على تحريم المكوس وهي الضرائب : 

وأما الإجماع ، فقال ابن حزم رحمه الله : 

(واتفقوا أن المراصد الموضوعة للمغارم على الطرق وعند أبواب المدن وما يؤخذ في الأسواق من المكوس على السلع المجلوبة من المارة والتجار، ظلم عظيم وحرام وفسق ، حاشا ما أخذ على حكم الزكاة وباسمها من المسلمين من حول إلى حول مما يتجرون به ، وحاشا ما يؤخذ من أهل الحرب وأهل الذمة مما يتجرون به من عشر أو نصف عشر، فإنهم اختلفوا في ذلك ، فمن موجب أخذ كل ذلك ومن مانع من أخذ شيء منه إلا ما كان في عهد صلح أهل الذمة مذكورا مشترطا عليهم فقط )( ). 

وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: 

(فصل : وأما أموالهم التي يتجرون بها من بلد إلى بلد، فإنه يؤخذ منهم نصف عشرها إن كانوا أهل ذمة، وعشرها إن كانوا أهل هدنة، وهذه مسألة تلقاها الناس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ونحن نذكر أصلها وكيف كان ابتداء أمرها واختلاف الفقهاء فيما اختلفوا فيه من أحكامها بحول الله وقوته وتأييده بعد أن نذكر مقدمة في المكوس وتحريمها والتغليظ في أمرها وتحريم الجنة على صاحبها، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ، وأن قياسها على ما وضعه عمر رضي الله عنه على أهل الذمة من الخراج أو العشر كقياس أهل الشرك الذين قاسوا الربا على البيع ، والميتة على المذكى ) . 

ثم ساق أحاديث ذكر منها ما أسلفناه ، وآثارا منها أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطاة : (أن ضع عن الناس الفدية، وضع عن الناس المائدة، وضع عن الناس المكس ، وليس بالمكس ولكنه البخس الذي قال الله تعالى : {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}( ) فمن جاءك بصدقة فاقبلها ومن لم يأتك بها فالله حسيبه)( ).

وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في كتاب "الكبائر" ( ). 

الكبيرة السابعة والعشرون : المكاس ، وهو داخل في قول الله تعالى : {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}( ) ، والمكاس من أكبر أعوان الظلمة، بل هو من الظلمة أنفسهم ، فإنه يأخذ ما لا يستحق ويعطيه لمن لا يستحق ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة صاحب مكس " رواه أبو داود، وما ذاك إلا لأنه يتقلد مظالم العباد، ومن أين للمكاس يوم القيامة أن يؤدي للناس ما أخذ منهم ، إنما يأخذون من حسناته - إن كان له حسنات -، وهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أتدرون من المفلس ؟". قالوا: يا رسول الله ! المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . قال : "إن المفلس من أمتي من يأتي بصلاة وزكاة وحج ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه ، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار"، وفي حديث المرأة التي طهرت نفسها بالرجم : "لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له أو لقبلت توبته "، والمكاس فيه شبه من قاطع الطريق ، وهو من اللصوص ، وجابي المكس وكاتبه وشاهده وآخذه من جندي وشيخ وصاحب رواية شركاء في الوزر، آكلون للسحت الحرام . . . والسحت : كل حرام قبيح الذكر يلزم منه العار. . . 



الفصل الخامس

قول سيد قطب بعقيدة وحدة الوجود والحلول والجبر ودفاعه عن عقيدة النيرفانا الهندوكية البوذية.


أطوار سيد قطب في وحدة الوجود :

أولاً ـ نعق بها وهو في سن الكهولة في حدود عام 1935م أي في حدود 1355هـ في ديوانه الشعري حيث يقول في قصيدته إلى الشاطئ المجهول والتي منها هذه الأبيات :

حننْتُ لمرآه إلى الضفة الأخرى

( إلى الشاطئ المجهول والعالم الذي


معالم للأزمان والكون تُستَقْرى

إلى حيث لاتدري إلى حيث لاترى


إلى حيث تنسى الناسَ والكونَ والدّهرا

إلى حيث ( لاحيث) تميز حدوده!


وتمزج في الحس البداهة والفكرا

وتشعر أنّ( الجزء) و( الكل) واحد


ولا(اليوم) فالأزمان كالحلقة الكبرى

فليس هنا أمس) وليس هنا ( غد)


هنا الوحدة الكبرى( )  التي احتجبت سرا)

وليس هنا ( غير) وليس هنا (أنا)( )


ديوان سيد قطب (ص 123).

يقول سيد قطب في شرحه لهذه الأبيات في مقدمة كتابه ديوان سيد قطب ( ص 30 ـ 31) : 

  الجسم والزمن والوحدة :

( القُوى الروحية ـ عند الشاعر ـ هي التي تربطه بالوحدة الكونية الكبرى( )  كما تقدم، في حين تَقصُرُ القوى العقليةُ عن ذلك، وهو يرى أن الشعورَ بالزمن ؛ نتيجةٌ لوجودِ الجسمِ والقوى الواعية ؛ وأن الروح تحسُّ بالوجود المطْلقِ( )  ؛ لا يقيده الزمن ؛ وبالبداهة لا يقيده المكان.

ولذلك فهو حينما خَلعَ الجسم وخلع الحِجا في ( الشاطئ المجهول) رأى أنْ ليس هناك ( حيث) ولا ( أمس) ولا ( اليوم) ولا ( الغد) ولا ( غير) ولا ( أنا) … إلخ 

 ولكنه رأى ( الأزمان) كالحَلْقَةِ الكبرى) ورأى ( الوحدة التي احتجبت سراً). وكذلك في قصيدة ( الليلات المبعوثة)( )  حين تجرد لم يَرَ للزمان مَعْلَماً ولا رسماً ورأى كلّ شئ كرمز الدّوام.

وله أبيات في ص91 من ديوانه عنوانها ( عبادة جديدة) نعق بها في عام 1937م 

منها :            

لك أنت وحدك يا جمال

لك يا جمال عبادتي


ومنها  :   

حي بالعبادة في جلال

وأرى الألوهة فيك تُو


منها تُوشِّيهِ بالعبادة في جلالْ

ما أنت  إلاّ مظْهرٌ


يا حُسْنُ  مِنْ أهل الضّلال

فإذا عَبدتُكَ لم أكنْ


ـدةِ في الحقيقةِ والخيالْ

بل كنتُ محمود العقيـ


كلُ النفوسِ بلا مثالْ

أعْنُو لمن تعنُو له


شتى المرائي  والخِلالْ( )

مُتفرِّقا   في الكون  في


بطلَ التَّمحّلُ والجِدالْ

فإذا تركّز  ها   هُنا


وفي شيخوخته في حدود سنة 1946 م أو سنة1947 م تحمس للدفاع عن عقيدة النيرفانا فمدحها وذبّ عنها وعن أهلها وهي تتضمن أخبث عقائد الوثنيين الهندوك والبوذيين من مثل وحدة الوجود وعقيدة التناسخ( ) تحت عنوان   (سندباد عصري) انتقد سيد قطب الدكتور حسين فوزي فقال بعد مقدمة تحدث فيها عن السندباد والسندبادات ثم قال : والدكتور حسين فوزي هو سندبادنا اليوم وهو رجل ندب لرحلة علمية في البحر الأحمر والمحيط الهندي ضمن بعثة عالمية لدراسة أحياء البحر الأحمر والمحيط وقد طوّف ـ مع البعثة ـ على باخرة مصرية طوال تسعة أشهر في البحر والبر في الجزر والقارة وزار معابد الهند وسيلان وسواها من الجزر المنثورة في المحيط ثم عاد) وتحدث عن كتاب ألفه في هذه الرحلة سماه ( سندباد عصري) أودعه ملاحظاته الإنسانية وانفعالاته الوجدانية واستجاباته العاطفية … الخ 

ثم ذهب يتكلم عن هذا الرجل بكلام يطول ذكره ولا فائدة في ذكره والذي يهمنا من هذا المقال هو حديثه عن النيرفانا ودفاعه عنها وعن أهلها علما بأن كلامه هذا في مرحلة إسلامياته كما يصفه أنصاره ومحبوه.

قال : 1ـ (وإذا شاهد فيلماً هنديا يمثل الروح الهندية المتسامحة التي تنتهي من الصراع على الحقوق الخاصة، إلى الزهد في أعراض الدنيا والاتجاه إلى عبادة الروح الأعظم قال : ( أدركت ناحية من نواحي الضعف في بعض الحركات الروحية حين تدخل ميدان السياسة العملية).

في هذا المقطع مدح للروح الهندية الضالة الملحدة بالتسامح والزهد في أعراض الدنيا والاتجاه إلى عبادة الروح الأعظم، وفي وصف الله بأنه الروح الأعظم ضلال مبين يرفضه الإسلام، وفي وصف الهنادك بأنهم يعبدون الله واعتداده بعبادتهم ضلال آخر.

2 ـ ثم قال : ( وإذا سمع زميله الانجليزي يقول عن ( النيرفانا) أي الفناء في الروح الأعظم ـ وهو الغاية التي يطمح إليها الهندي من وراء حرمانه وآلامه : ( دعنا من هذا فلا قبل لي بهذا الهجص وتلك الشعوذة يا عم حسن) لم يجد في نفسه أية حماسة للرد على هذا الكلام. وهكذا و هكذا مما قد يبالغ فيه فيصل إلى حدّ الزراية والسخط الشديدين على الروح الشرقية بوجه عام.

في هذا المقطع تعريف للنيرفانا بأنها الفناء في الروح الأعظم أي بأنها وحدة الوجود ولوم وعذم للدكتور حسين فوزي على إقراره لزميله الانجليزي على الطعن في هذه العقيدة واعتباره إياها هجصا وشعوذة قال : فلم يجد في نفسه أي حماسة للرد على هذا الكلام فالنصراني على كفره وضلاله أدرك تفاهة هذه العقيدة وخسّتها وقد أقره حسين فوزي على هذا الوصف الذي لا يكفي في ذم هذه العقيدة الملحدة.

وسيد قطب تأخذه الغيرة لها فيعذم الرجلين على نقدها والاستهانة بها فيقول المسكين متألما لهذه العقيدة : ( وهكذا و هكذا) الخ 

3 ـ ثم يقول :ومهما افترضنا للسندباد من الأعذار في قسوة الأوضاع الاجتماعية والمظاهر البائسة التي شاهدها في الهند، فقد كنّا نرجو أن يكون أوسع أفقا وأكثر عطفا وأعمق اتصالا بروح الشرق الكامنة وراء هذه المظاهر والأوضاع، والروح الصوفية المتسامحة المشرقة بنور الإيمان. 

في هذا المقطع  يبين في أسى شديد ما كان ينتظره ويرجوه من حسين فوزي فيقول فقد كنا نرجوا أن يكون أوسع أفقا، ثم ويا للهول يصف سيد قطب أخبث عقيدة وأكفرها بأنها المتسامحة المشرقة بنور الإيمان.

4 ـ ثم يقول : ( إنه يقول عن لوحة الكنج المقدس : لم يكن الاغريقي ليصور نبعاً مقدسا.الخ) أجل ‍‍‍‍‍! وهذا هو مفرق الطريق بين الشرق والغرب. في الشرق قداسة تمت إلى القوة العظمى المجهولة، وفي الغرب حيوية تمت إلى المشهود الحاضر المحسوس.

وليس لي أن أفضل هذا أو ذاك. فكلاهما جانب من جوانب النفس الإنسانية الكبيرة التي تهش لكليهما على السواء ؛ إن لم تؤثر في حسابها الروحي والفني جانب المجهول على جانب المشهود.)  


في هذا المقطع يصف الكنج وهو نهر يعبده الهنادك بأنه نهر مقدس ويصف عبادة الهنادك وطقوسها الكافرة بالقداسة التي تمت إلى القوة العظمى المجهولة فيصف الله بالقوة العظمى المجهولة فلا حول ولا قوة إلا بالله، وفي قوله وليس لي أن أُفضل هذا أو ذاك نوع من الاعتراف بوحدة الأديان، وقد قال في مناسبة أخرى: ((إن الإسلام يصوغ من الشيوعية والمسيحية معاً مزيجاً كاملاً يتضمن أهدافهما ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال)) [ معركة الإسلام والرأس ماليّة (ص:61)] وله في السلام العالمي مدح للعقيدة النصرانية.

5 ـ ثم يقول :وهو يسخر بعقيدة ( النيرفانا) كسخرية زميله الانجليزي الذي يقول : ما كنت أحسب أن دينا يعد بنعمة الفناء ! ووجه الخطأ هو اعتبار (النيرفانا) فناء ! إنها كذلك في نظر الغربي الذي يصارع الطبيعة وينعزل عنها، فأما الهندي الذي يحس بنفسه ذرة منسجمة مع الطبيعة، ويعدها أما رؤوما، فيرى في فنائه في القوة العظمى( )  حياة وبقاء وخلودا. وعلينا أن نفهم هذا ونعطف عليه ولا نراه بعين الغربيين، وهو يبدو في أرفع صورة في ( ساد هانا تاجور)فلنقف خشعا أمام هذا السموّ الإلهي، ولو لحظات !!

في هذا المقطع تأخذ سيد قطب الغيرة على النيرفانا وأهلها ويأخذه الحماس فيرى نقد حسين فوزي والإنجليزي للنيرفانا سخرية ويخطّئ نظرتهما إليها، ويريد أن يبين وجه الخطأ بل قام في زعمه ببيان هذا الخطأ فيقرر بذكائه وحدة الوجود ويمدحها ويمدح أهلها بأسلوبه الغريب فتصل به عاطفته الجياشة بالحنان والعطف على هذه الديانة وأهلها إلى قوله ( وعلينا أن نفهم هذا ونعطف عليه) …الخ   وهكذا يقرر سيد قطب النيرفانا ويمدحها ويمدح أهلها ويعتبر كفرهم وزندقتهم وإلحادهم سموا إلهيا، ويدعو نفسه والناس إلى الوقوف أمام هذا السمو الإلهي خاشعين).

وبعد هذا أريد أن يعرف الناس ما هي النيرفانا ثم ليحكم العقلاء المنصفون على سيد قطب وعلى حماسه لها ولأهلها ودفاعه عنها وعنهم.

وفي حدود سنة 1951م تظاهر بنفي القول بوحدة الوجود في أول تفسير سورة البقرة في ظلال القرآن بأسلوب بارد لا ندري ما باعثه.

 وفي نهاية الخمسينات( )  عاد مع الأسف إلى تقرير عقيدة وحدة الوجود والقول بالحلول والجبر في أواخر تفسيره الظلال في تفسير سورة الحديد فقال في تفسير قول الله تعالى : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم).

1- قال سيد قطب : ( وما يكاد يفيق من تصور هذه الحقيقة الضخمة، التي تملأ الكيان البشري وتفيض، حتى تطالعه حقيقة أخرى لعلها أضخم وأقوى، حقيقة أن لا كينونة لشيء في هذا الوجود على الحقيقة، فالكينونة الواحدة الحقيقية هي لله وحده سبحانه، ومن ثم فهي محيطة بكل شيء عليمة بكل شيء، فإذا استقرت هذه الحقيقة الكبرى في القلب ؛ فما احتفاله بشيء في هذا لكون غير الله سبحانه وتعالى ؟! وكل شيء لا حقيقة له ولا وجود، حتى ذلك القلب ذاته، إلا ما يستمده من تلك الحقيقة الكبرى، وكل شيء وهم ذاهب، حيث لا يكون ولا يبقى إلا الله، المتفرد بكل مقومات الكينونة والبقاء، وإن استقرار هذه الحقيقة في قلب ليحيله قطعة من هذه الحقيقة، فأما قبل أن يصل إلى هذا الاستقرار ؛ فإن هذه الآية القرآنية حسبه ليعيش في تدبرها وتصور مدلولها، ومحاولة الوصول إلى هذا المدلول الواحد.


 

الفصل السادس

زعم سيد أن الإسلام يسمح أن تعيش الديانات في ظله على قدم المساواة وبدون تمييز

وعليه أن يقوم بحماية حرية العقيدة والعبادة


ويقول : (إن النظام الاجتماعي الإسلامي هو النظام الوحيد في العالم اليوم الذي يقوم على أساس فكرة (العالمية) بمعناه الصحيح ، لأنه النظام الوحيد الذي يسمح بأن تعيش في ظله جميع الأجناس وجميع اللغات وجميع العقائد في سلام . . . وذلك إلى جانب تحقيق العدالة المطلقة بين جميع الأجناس وجميع اللغات وجميع العقائد. . . إننا ندعو إلى نظام تستطيع جميع العقائد الدينية أن تعيش في ظله بحرية وعلى قدم المساواة ويتحتم فيه على الدولة وعلى جماعة المسلمين القيام بحماية حرية العقيدة( )  وحرية العبادة للجميع ، وأن يلجأ غير المسلمين في أحوالهم الشخصية إلى ديانتهم كذلك ، وأن يكون لجميع المواطنين( ) فيه حقوق وتبعات متساوية بدون تمييز. . . وأن يرتكز هذا كله على عقيدة في الضمير لا على مجرد التشريعات والنصوص التي لا تكفي وحدها للتنفيذ السليم ، إننا ندعو إلى نظام ، يملك جميع أجناس العالم من سود وبيض وحمر وصفر أن تعيش في ظله بحرية وعلى قدم المساواة بلا تفريق بين العناصر والألوان واللغات ، لأن الآصرة الإنسانية تجمعهم ، بلا تمييز عنصري ، ولا محاباة فيه )( ).

أقول : لعل سيد قطب أخذ ما يزعم أنه فكرة (عالمية الإسلام ) بمعناه الصحيح على حد قوله وعلى الوجه الذي فصله من نصوص القران الكريم ، مثل قوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}( ) 

فهل عالمية الإسلام هي كما ذكر سيد قطب ؟ 

الجواب : حاشا وكلا، فإن القرآن قطعا لا يدل على ذلك ، والصحابة الذين فتحوا الدنيا لم تدر بخلدهم هذه الصورة أو هذه الصور التي ينسبها سيد قطب إلى الإسلام ، فقد ذكر ابن جرير في تفسير قول الله : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} قولين لا ثالث لهما: 

أولهما: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : (من آمن بالله واليوم الآخر كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف). 

وثانيهما: عن ابن وهب عن زيد قال : (العالمون من آمن به وصدقه وأطاعه )( )، ورجح ابن جرير القول الأول . 

وقد راجعت عدة من كتب التفسير فوجدتها لا تخرج عن هذين القولين . 

كيف يعيش الإسلام مع اليهودية والنصرانية والمجوسية والهندوكية والبوذية في ظل الإسلام على قدم المساواة . 

الظاهر أن سيد قطب يرى أنه يجب على الدولة المسلمة أن تشيد الكنائس( ) والبيع والصوامع لليهود والنصارى، ومعابد الأوثان للبوذية والهندوكية ، بل الأصنام والتماثيل المعبودة ، كما تشيد المساجد للإسلام على قدم المساواة، والظاهر أنه يريد بقوله : (وأن يكون لجميع المواطنين فيه حقوق وتبعات متساوية بدون تمييز)، أن تقسم مناصب الدولة ووظائفها بين أهل الديانات المذكورة جميعا على حد سواء دون تمييز بين مسلم وغيره ( )،

والظاهر أن سيد قطب يرى أنه على هذه الدولة التي يتخيلها للإسلام أن تضع ميزانيات لمعابد هذه الديانات ومدارسها مع المساجد على قدم المساواة دون تمييز بين مساجد الله التي قال فيها : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}( )، وقال : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ }( )  يؤكد هذا قوله عن أهل الذمة : (وهؤلاء لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين بنص الإسلام الصريح )( ) ، ولا ندري ما هو هذا النص وأين هو؟! 

أين سيد قطب من قول الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }( )  

كيف يقف النجس الوثني مع طهر الإسلام والتوحيد على قدم المساواة "سبحان الله إن المسلم لا ينجس "، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : لا ينجس حسا ولا معنى ؟! 

أين سيد من قول الله :{ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ( ) ، وقول الله تعالى { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ}( )، وقول الله تعالى : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ( ).

أين سيد قطب من قول الله تعالى : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}( ).

فأين الصغار المشروع لإذلال هؤلاء إذا كانوا يقفون مع المسلمين على قدم المساواة وإذا كانوا يتساوون معهم باسم المواطنة في الحقوق والتبعات؟ 

ومن قال بهذه المساواة من أئمة الإسلام المعتبرين ؟ 

لا يقول بهذا إلا العلمانيون الديمقراطيون الذين يلبسون ديمقراطيتهم لباس الإسلام.

أين سيد من قول الله تعالى : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}( ).

فأين عزة الإسلام والمسلمين إذا وقفوا مع أعداء الله على قدم المساواة بدون تمييز؟ 

أين سيد قطب من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب "( ) .

وقوله صلى الله عليه وسلم : "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما"( ).

وقوله صلى الله عليه وسلم : "لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام ، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه "( ). 

فأين المساواة المدعاة وأين هو حق المواطنة؟ ! 

ثم لماذا تختفي هذه النصوص عند الحديث عن حقوق اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الذمة، بل وغيرهم ممن لا تقبل منهم الجزية . 

فهذه النصوص القرآنية والنبوية تبين حقيقة موقف الإسلام من الديانات الباطلة وأهلها، وأنه لا علاقة بينه وبينها إلا أنه الأعلى العزيز وهي الأدنى والأحط والأذل ، وأهلها كذلك ، وكيف يستحق الإكرام من كفر بالله وباليوم الآخر وكذب رسله وكتبه ويكن للمؤمنين به العداوة والبغضاء ويتربص بهم الدوائر، إن إذلالهم لهو الحق والعدل بعينه ، وهل يستحق المجرمون الإكرام ؟ 

أين سيد قطب من الشروط العمرية التي تملي على أهل الذمة من اليهود والنصارى والمجوس الذل والصغار في كل ميدان من ميادين حياتهم ؟ ! 

الشروط العمرية : 

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في "أحكام أهل الذمة"( ) : (قال الخلال في كتاب "أحكام أهل الملل ": أخبرنا عبدالله بن أحمد فذكره( ) ، وذكر سفيان الثوري عن مسروق عن عبد الرحمن ابن غنم قال : كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام ، وشرط عليهم ألا يحدثوا في مدينتهم ولا في ما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ، ولا يجددوا ما خرب ، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال ، يطعمونهم ، ولا يؤوا جاسوسا، ولا يكتموا غشا للمسلمين ، ولا يعلموا أولادهم القرآن ، ولا يظهروا شركا ، ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوه ، وأن يوقروا المسلمين ، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم ، ولا يكتنوا بكناهم ، ولا يركبوا سرجا، ولا يتقلدوا سيفا ، ولا يبيعوا الخمور، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم ، وأن يلزموا زيهم حيث ما كانوا ، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ، ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طرق المسلمين ، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيفا، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ، ولا يخرجوا شعانين ، ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم ، ولا يظهروا النيران معهم ، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت فيه سهام المسلمين. 

فإن خالفوا شيئا مما شرطوه ، فلا ذمة لهم ، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق ). 

ثم قال ابن القيم : (وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم ، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم ، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها، ثم ذكر أقوال الأئمة في أحكام الكنائس ) . 

ثم قال : (ومتى انتقض عهدهم ، جاز أخذ كنائس الصلح منهم ، فضلا عن كنائس العنوة، كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان لقريظة والنضير لما نقضوا العهد، فإن ناقض العهد أسوأ من المحارب الأصلي ) . 

ثم قال : (ولا يمكنون من إحداث البيع والكنائس كما شرط عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الشروط المشهورة عنه : (ألا يجددوا في مدائن الإسلام ولا فيما حولها كنيسة ولا صومعة ولا ديرا ولا قلاية)، امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تكون قبلتان في بلد واحد" رواه أحمد( ) ، وأبو داود( ) بإسناد جيد ، ولما روي عن عمر رضي الله عنه : (لا كنيسة في الإسلام ) وهذا مذهب الأئمة الأربعة في الأمصار ومذهب جمهورهم في القرى . 

وما زال من يوفقه الله من ولاة أمور المسلمين ينفذ ذلك ويعمل به ، وذكر منهم : عمر بن عبدالعزيز، وأنه أمر بهدم الكنائس في اليمن ، وذكر عن الحسن أنه قال : من السنة أن تهدم الكنائس في الأمصار القديمة والحديثة، وذكر من الخلفاء: الرشيد والمتوكل ، وأنه استفتى العلماء في وقته فأجابوه فبعث بأجوبتهم إلى الإمام أحمد، فأجابهم بهدم كنائس السواد وذكر الآثار عن الصحابة والتابعين ) . 

ثم قال ابن القيم : (وملخص الجواب أن كل كنيسة في مصر والقاهرة والكوفة والبصرة وواسط وفي بغداد ونحوها من الأمصار التي مصرها المسلمون بأرض العنوة، فإنه يجب إزالتها إما بالهدم أو غيره ، بحيث لا يبقى لهم معبد في مصر مصره المسلمون بأرض العنوة، سواء كانت تلك المعابد قديمة أو محدثة، لأن القديم منها يجوز أخذه ويجب عند المفسدة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجتمع قبلتان بأرض ، فلا يجوز للمسلمين أن يمكنوا أن يكون بمدائن الإسلام قبلتان إلا لضرورة؛  كالعهد القديم ، لا سيما وهذه الكنائس التي بهذه الأمصار محدثة يظهر حدوثها بدلائل متعددة، والمحدث يهدم باتفاق الأئمة)( ) .

ومن عدل الإسلام أن ينزل المسلمين منزلتهم وأن ينزل الكافرين منزلتهم ، فشتان ما بين المسلمين والكفار. 

ومن الحيف والجور المساواة بينهم في الدماء وغيرها، قال صلى الله عليه وسلم : "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم .. . ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده "( ) . وعن علي رضي الله عنه مرفوعا: (وأن لا يقتل مسلم بكافر)( ) .

وقد أحل الله للمسلمين نكاح الكتابيات ، وحرم على المشركين والكتابيين نساء المسلمين ، قال تعالى : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} ( )  .

وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "دية المعاهد نصف دية الحر"( ).

تأمل هذه الأدلة والشروط العمرية وما بني على ذلك كله من أقوال أئمة الإسلام في معاملة أهل الذمة في كنائسهم ولباسهم وركوبهم وسائر ما ذكر من شؤون حياتهم ، وقارن بين ذلك وبين ما يقرره سيد قطب من المساواة بين الإسلام والأديان الباطلة ومن المساواة بين المسلمين وأهل هذه الأديان ، وتساءل من أين جاء سيد قطب بهذه التشريعات التي ينسبها إلى الإسلام ؟ 

نعم ، إذا وفى أهل الذمة بالعهد والشروط المضروبة عليهم ، وأدوا ما عليهم فإن على المسلمين أن يوفوا بعهودهم ، وتحرم حينئذ دماؤهم وأموالهم ، كما تجب على المسلمين حمايتهم من العدوان الداخلي والخارجي . 

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما"( ).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : (ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله ، فقد أخفر بذمة الله ، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا)( )

وفي وصية عمر رضي الله عنه لمن يأتي بعده من الخلفاء: (وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعهدهم ، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوهم إلا طاقتهم )( ).

قال جويرية بن قدامة : (سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه (يعني عند موته ). . . قلنا: أوصنا يا أمير المؤمنين : قال : أوصيكم بذمة الله ، فإنه ذمة نبيكم ورزق عيالكم)( ).

وهذا من محاسن الإسلام ومزاياه وعلو شأنه في الأمور التي لا يلحق فيها من العدل واحترام العهود  والمواثيق ، ولو كان مع أشد الأعداء وأحقر الحقراء. 

الفصل السابع

حرية الاعتقاد عند سيد قطب


ويقول سيد قطب :)))))))))))

(وكانت (يعني رسالة الإسلام ) ثورة على طاغوت التعصب الديني ، وذلك منذ إعلان حرية الاعتقاد في صورتها الكبرى : { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا } ، { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.

لقد تحطم طاغوت التعصب الديني ، لتحل محله السماحة المطلقة، بل لتصبح حماية حرية العقيدة وحرية العبادة واجبا مفروضا على المسلم لأصحاب الديانات الأخرى في الوطن الإسلامي . 

وحينما شرع القتال في الإسلام . وعرض القرآن حكمة القتال ، قال : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} الحج : 39 - 40 . 

والصوامع : معابد الرهبان . 

والبيع : كنائس النصارى . 

والصلوات : معابد اليهود. 

والمساجد: مصليات المسلمين . 

وقد قدم الصوامع والبيع والصلوات في النص على المساجد توكيدا لدفع العدوان وتوفير الحماية لها) ( )

أقول : 

أولا: في هذا الكلام حرب شديدة على مبدأ الولاء والبراء، والحب في الله والبغض فيه المفروض على المسلمين بنص الكتاب والسنة حيث يصفه بالطاغوت وبالتعصب الديني . 

قال تعالى : { لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ}( ) 

وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}( ) 

وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}( )

وقال تعالى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}( ) 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله ، والمعاداة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله "  . 

ثانيا: يستنكر منه هذه المبالغة والتهويل في قوله : (وكانت ثورة على طاغوت التعصب الديني ، وذلك منذ إعلان حرية الاعتقاد في صورتها الكبرى : {لا إكراه في الدين}. فسبب نزول الآية أن بعض أولاد الأنصار تربوا في الجاهلية في أحضان اليهود فتهودوا، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير، خرجوا معهم ، فأراد آباؤهم أن يجبروهم على الإسلام ، فأنزل الله الآية المذكورة . 

وبعض المفسرين يرى أن هذه الآية خاصة بهم ، وبعضهم يرى عمومها وشمولها لأهل الكتاب ، ثم يذهب إلى أنها منسوخة بآية الجزية في سورة براءة. 

ورجح ابن جرير أن الآية تتناول فقط أهل الكتاب ومن في حكمهم ممن يقبل منهم الجزية . 

لا تتناول العرب وغيرهم من الوثنيين من سائر أمم الأرض ، وإذن فليس الأمر كما يصوره سيد قطب ويهول به . 

ثالثا: تضخيم حرية الاعتقاد بهذه الصورة لا يعرفه الإسلام ولا المسلمون .

فالله شرع القتال حتى لا تكون فتنة. ويكون الدين لله ، والفتنة الشرك . 

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك ، فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ". 

فالقاعدة الأساسية جهاد الكفار والمشركين حتى تتحقق هذه الغاية الكبرى، وقضية قبول الجزية من أهل الكتاب استثنائية من هذه القاعدة الأصيلة الكبيرة . 

فإن لم يؤدوا الجزية وهم صاغرون ، يقاتلون لكفرهم وتغنم أموالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم . 

فأين هي حرية الاعتقاد التي يدعي سيد أن الإسلام أعلنها على شاكلة إعلان هيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، وعلى شاكلة دعاوى العلمانيين الديمقراطيين . 

فالناس عباد الله في نظر الإسلام خلقوا لعبادته ، فإن تمرد بعضهم عن القيام بهذه الغاية، لا يستحق إلا الهوان في الدنيا والآخرة .

وإذن ، فلا يجوز لسيد قطب أن يعرض موقف الإسلام من أهل الكتاب إذا أدوا الجزية أذلاء صاغرين في هذه الصورة الضخمة العامة لهم ولغيرهم ، والتي تلغى فيها القيود الثقال التي تجعلهم تحت مستوى العبيد، وتلغى فيها القاعدة الأساسية التي ذكرناها آنفا، والتي تتجاهل الشروط العمرية المعتبرة عند فقهاء الإسلام ، والتي عامل بها المسلمون - وعلى رأسهم خلفاؤهم - عاملوا بها أهل الكتاب . 

رابعا: من المستنكر قوله : (بل لتصبح حماية حرية العقيدة وحرية العبادة واجبا مفروضا على المسلم لأصحاب الديانات الأخرى في الوطن الإسلامي ). بهذه الصورة الشاملة للديانات الباطلة كلها، كأن الدولة الإسلامية والأمة المسلمة أصبحت مجندة لحماية هذه الحريات الباطلة التي يدعيها سيد للديانات وعبادتها ومعابدها .

بل إن حماية معابدها مقدمة على حماية المساجد في نظره ، فهذا الأسلوب فيه دفن لعزة الإسلام والمسلمين وإهانة الكفر والكافرين ، كما أن فيها دفنا لمبدأ الولاء والبراء وبغض الكفار وعداوتهم المفروضة كما في النصوص التي سبق ذكرها . 

لا يظن القارئ أن هذا سبق قلم من سيد بل هذه عقيدة ثابتة يقررها ويكررها في كتبه كثيرا . 

ففي تفسير قول الله تعالى : {لا إكراه في الدين} الآية 

يقول : (وفي هذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان واحترام إرادته وفكره ومشاعره ، وترك أمره لنفسه فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد، وتحميله تبعة عمله وحساب نفسه .

وهذه أخص خصائص التحرر الإنساني ، التحرر الذي تنكره على الإنسان في القرن العشرين مذاهب متعسفة ونظم مذلة، لا يسمح لهذا الكائن الذي كرمه الله باختياره لعقيدته أن ينطوي ضميره على تصور للحياة ونظمها غير ما عليه الدولة بشتى أجهزتها التوجيهية وما تمليه عليه بعد ذلك بقوانينها وأوضاعها( ) ، فإما أن يعتنق مذهب الدولة هذا - وهو يحرمه من الإيمان بإله للكون يصرف هذا الكون -، وإما أن يتعرض للموت بشتى الوسائل والأسباب .

إن حرية الاعتقاد: هي أول حقوق الإنسان التي يثبت له بها وصف الإنسان . 

فالذي يسلب إنسانا حرية الاعتقاد إنما يسلبه إنسانيته ابتداء ... ومع حرية الاعتقاد حرية الدعوة للعقيدة( ) ، والأمن من الأذى والفتنة، وإلا فهي حرية بالاسم ، لا مدلول لها في واقع الحياة .

والإسلام وهو أرقى تصور للوجود وللحياة وأقوم منهج للمجتمع الإنساني بلا مراء - هو الذي ينادي بأن {لا إكراه في الدين} وهو الذي يبين لأصحابه قبل سواهم أنهم ممنوعون من إكراه الناس على هذا الدين ، فكيف بالمذاهب والنظم الأرضية القاصرة المتعسفة وهي تفرض فرضا بسلطان الدولة ولا يسمح لمن يخالفها بالحياة ؟( ) .

وهذه فتوى للشيخ محمد بن عثيمين فيمن يجيز حرية الاعتقاد والتدين بما شاء من الأديان . 

وسئل فضيلة الشيخ : نسمع ونقرأ كلمة (حرية الفكر) وهي دعوة إلى حرية الاعتقاد، فما تعليقكم على ذلك ؟ 

فأجاب بقوله : (تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الاعتقاد، يعتقد ما شاء من الأديان فإنه كافر، لأن كل من اعتقد أن أحدا يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه كافر بالله عز وجل ، يستتاب ، فإن تاب وإلا وجب قتله . 

والأديان ليست أفكارا، ولكنها وحي من الله عز وجل ، ينزله على رسله ، يسير عباده عليه ، وهذه الكلمة - أعني كلمة فكر - التي يقصد بها الدين ، يجب أن تحذف من قواميس الكتب الإسلامية، لأنها تؤدي إلى هذا المعنى الفاسد . . . 

وخلاصة الجواب : أن من اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء، وأنه حر فيما يتدين به ، فإنه كافر بالله عز وجل ، لأن الله تعالى يقول : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}( ) ويقول : {إن الدين عند الله الإسلام}، فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن دينا سوى الإسلام جائز، يجوز للإنسان أن يتعبد به ، بل إذا اعتقد هذا، فقد صرح أهل العلم بأنه كافر كفرا مخرجا عن الملة)( )

وهذا سؤال أيضا وجه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين : 

يا شيخ ! ما رأيكم فيمن يقول : (الإسلام لا يقرر حرية العبادة لأتباعه وحدهم إنما يقرر هذا الحق لأصحاب ديانات مخالفة ويكلف المسلمين أن يدافعوا عن هذا الحق للجميع ، ويأذن لهم في القتال تحت هذه الراية - راية ضمان الحرية لجميع المتدينين -، وبذلك يحقق أنه نظام عالمي حر يستطيع الجميع أن يعيش في ظله آمنين مستمتعين بحرياتهم الدينية على قدم المساواة مع المسلمين وفي حماية المسلمين )؟ 

فأجاب فضيلته قائلا: 

(الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . 

هناك قاعدة شرعية وعقلية تقول : من ادعى شيئا فعليه الدليل .

فهذا الرجل الذي يدعي أن الناس أحرار في أديانهم وأنهم يختارون من الأديان ما يريدون ، وأنهم إذا اختاروا دينا غير الإسلام فهم كأهل الإسلام ، لأن كلا له حريته ، نقول له : هذه دعوى فأت لها بدليل ، فإن لم تأت بدليل فإنها باطلة بالنص والإجماع . 

قال الله تبارك وتعالى : { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ( ) وقال تعالى : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقأ لا يستتون . . . }، وقال تعالى : {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}( ) ، وقال الله تبارك وتعالى في المؤمنين أنفسهم : {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}( ) 

فهذا القائل لهذه المقالة نقول : إنه مدع ، والمدعي عليه البينة، وهذه الدعوى مردودة بالقرآن وبإجماع المسلمين على ذلك ، صحيح أن الإنسان لا يجبر على الدين الإسلامي إذا بذل الجزية واستكان للدين الإسلامي وذل أمامه ، فإننا لا نلزمه أن يتدين ، ولكننا نعلم أن مأواه جهنم وبئس المصير، أما إذا نابذ ولم يخضع لحكم الإسلام في بذل الجزية وعدم العدوان على الإسلام وأهله ، فإننا نقاتله حتى تكون كلمة الله هي العليا، نقاتله بأمر ربنا الذي خلقنا والذي خلقهم ، والله عز وجل يقول : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسلام دِينًا}( ) وقال : {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}( ) وكل من دان بغير دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم فهو خاسر، ولا ينفعه تدينه هذا، بل هو من أصحاب النار، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن اليهود والنصارى مع أنهم أهل كتاب : إذا سمعوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم لم يؤمنوا ويتبعوه فإنهم يكونون من أصحاب النار، فعلى هذا القائل أن يراجع نفسه ، وأن يحكم عقله ، وأن يتقي ربه ، وألا يكون جمادا لا يفرق بين الخبيث والطيب ، وبين المؤمن التقي والكافر الشقي ) . 

يا شيخ ! ما حكم من يقول هذا؟ 

)حكمه أن يبلغ ويبين له الحق ، فإن اهتدى، فذلك المطلوب ، وإن لم يهتد، فلولاة الأمور أن يجروا عليه ما يقتضيه الشرع الإسلامي ، ما يقتضيه الدين الإسلامي) اهـ . 

وليس هذا أمرا مرتجلا من سيد ولا زلة قلم ، وإنما هو يسير على منهج رسمه الإخوان المسلمون . 

فهذا مرشد الإخوان يضع آخر لبنات هذا المنهج آخر حياته .

احتفل الإخوان المسلمون بمرور عشرين عاما على إنشاء الجماعة، وفي هذا الحفل خطب حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين خطبة قال فيها: 

(وليست حركة الإخوان موجهة ضد أي عقيدة من العقائد أو دين من الأديان أو طائفة من الطوائف ، إذ أن الشعور الذي يهيمن على نفوس القائمين بها أن القواعد الأساسية للرسالات جميعا قد أصبحت مهددة الآن بالإلحادية ، وعلى الرجال المؤمنين بهذه الأديان أن يتكاتفوا ويوجهوا جهودهم إلى إنقاذ الإنسانية من هذا الخطر، ولا يكره الإخوان المسلمون الأجانب النزلاء في البلاد العربية والإسلامية، ولا يضمرون لهم سوءا، حتى اليهود المواطنين لم يكن بيننا وبينهم إلا العلائق الطيبة)( )

وقبلها في عام 1946 اختطب أمام لجنة أمريكية بريطانية بشأن قضية فلسطين ، فقال : 

والناحية التي سأتحدث عنها نقطة بسيطة من الوجهة الدينية ، لأن هذه النقطة قد لا تكون مفهومة في العالم الغربي ، ولهذا فإني أحب أن أوضحها باختصار، فأقرر أن خصومتنا لليهود ليست دينية ، لأن القرآن الكريم حض على مصافاتهم ومصادقتهم ، والإسلام شريعة إنسانية قبل أن يكون شريعة قومية، وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقا {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وحينما أراد القرآن الكريم أن يتناول مسألة اليهود تناولها من الوجهة الاقتصادية والقانونية، فقال تعالى وهو أصدق القائلين : {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ }( )  ونحن حين نعارض بكل قوة الهجرة اليهودية، نعارضها لأنها تنطوي على خطر سياسي ، وحقنا أن تكون فلسطين عربية) . 

وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء عن هذا الكلام : 

ما حكم الشرع فيمن يقول : إن خصومتنا مع اليهود ليست دينية، وقد حث القرآن على مصافاتهم ومصادقتهم ، وجعل بيننا وبينهم اتفاقا فقال : {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، والإسلام شريعة إنسانية قبل أن يكون شريعة قومية، وحينما أراد القرآن أن يتناول قضية اليهود تناولها من وجهة اقتصادية وسياسية فقال : {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا ... إلى نهاية الآية } . 

ما حكم الشرع في هذه المقولة يا شيخنا؟ 


فأجاب سماحة الشيخ بقوله : 

(هذه مقالة باطلة خبيثة، اليهود من أعدى الناس للمؤمنين ، هم من أشر الناس ، بل هم أشد الناس عداوة للمؤمنين مع الكفار، كما قال تعالي : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} ، فاليهود والوثنيون هم أشد الناس عداوة للمؤمنين .

وهذه المقالة مقالة خاطئة، ظالمة، قبيحة، منكرة . . . والدعوة إلى الله بالحسنى ليست خاصة باليهود ولا بغيرهم ، بل الدعوة إلى الله مع اليهود ومع الوثنيين ومع الشيوعيين ومع غيرهم ، يقول الله جل وعلا{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، هذا عام للكفار ولغير الكفار قال تعالى : {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}،  ليس خاصا بهم ، ولكن من باب التنبيه على أنهم وإن كانوا يهودا أو نصارى فإنهم يجادلون بالتي هي أحسن ، لأن هذا أقرب إلى دخولهم في الإسلام وإلى قبولهم الحق ، إلا إذا ظلموا  . . . {إلا من ظلم} ، الظالم له ما يستحق من الجزاء. 

فالحاصل : أن الدعوة بالتي هي أحسن عامة لجميع الكفار ولجميع المسلمين ، الدعوة بالتي هي أحسن ليست خاصة باليهود ولا بالنصارى ولا بغيرهم . 

فهذا الكلام الذي نقلته عن هذا الشخص، هذا غلط . 

نسأل الله للجميع الهداية ( ) .

وكذلك سئل الشيخ السؤال التالي : 

هل يكفر من يدخل كنائس النصارى، ويحترمهم ، ويقول لهم : يا سماحة البابا، ويا قداسة البابا، ويقول لهم : يا صاحب السيادة لحاخام اليهود، ويقول إنه ليس بيننا وبين اليهود أية عداوة دينية، بل القرآن حث على حبهم ومصافاتهم ، أنبئونا عن ذلك جزاكم الله خيرا؟ 

فأجاب :

(هذا جهل كبير، فلا يجوز هذا الكلام ، لكنه لا يكون ردة عن الإسلام عندما يسلم عليه أو يدخل عليه إنما معصية. أما إذا قال : ليس بين الإسلام وبين اليهود شيء ، فهذا كفر وردة، والله سبحانه وتعالي يقول : {لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالذِينَ أَشْرَكُوا} ، فبيننا وبينهم عداوة عظيمة، فمن يقول : إن الدين واحد ولا بيننا وبينهم عداوة ، فهذا جاهل مركب ، وضال مضل كافر، فالذي بيننا وبينهم العداوة، واليهود من أكفر الناس وأضلهم وأخبثهم وأشدهم عداوة للمسلمين )( ) . 

ويقول محمد الغزالي : 

(والواقع أن المسلمين - كأصحاب المثل - تطغى عليهم طيبة القلب ، وصفاء الطوية، فينشدون السلامة ويحسنون الظن ، ثم يفاجئهم ما ليس في الحسبان فيعلمون أنهم مهما أحبوا مكروهين . 

ومن ثم يقول الله لهم : {هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلوْا عَضُّوا عَليْكُمْ الأَنَامِل مِنْ الغَيْظِ} ومع ذلك التأريخ السابق ، فإننا يجب أن نمد أيدينا وأن نفتح آذاننا وقلوبنا إلى كل دعوة تؤاخي بين الأديان وتقرب بينها ، وتنتزع من قلوب أتباعها أسباب الشقاق . 

إننا نقبل مرحبين على كل وحدة توجه قوى المتدينين إلى البناء لا الهدم ، وتذكرهم بنسبهم السماوي الكريم وتصرفهم إلى تكريس الجهود لمحاربة الإلحاد والفساد وابتكار أفضل الوسائل لرد البشر إلى دائرة الوحي( )  بعد ما كادوا يفلتون منها إلى الأبد)( )

أقول : لم يستفد الغزالي من توجيه الله للمسلمين في كتابه الحكيم ، ولم يستحضر آيات الولاء والبراء التي تجعل من يتولى اليهود والنصارى فهو منهم ، ولو في أقل من الصورة التي يدعو إليها الغزالي وأصغر منها . 

فمتى دعا القرآن والسنة أو الصحابة أو علماء الإسلام - عياذا بالله - إلى هذه الأخوة بين أهل الديانات ، وإلى هذه الوحدة التي لا قدوة للغزالي فيها غير الماسونية الملحدة؟

خلا لك الجو فبيضي واصفري            ونقري ما شئت أن تنقري 

فيا غربة الإسلام؟


وقال مصطفى السباعي في معركة الدستور( ) 

( اعتراض الطوائف المسيحية):

يتضح مما قرأناه لرؤساء الطوائف المسيحية، ومما سمعناه منهم أن اعتراضهم ينصب على ناحيتين اثنتين:

1- إن معنى دين الدولة الإسلام ، أن أحكام الإسلام ستطبق على المسلمين والمسيحيين ، ولما كانت للمسيحيين عقائد وأحكام وأحوال شخصية تختلف عن الإسلام ، فكيف يجبرون على أحكام الإسلام؟

وهذا الفهم خاطيء من نواح عدة، أهمها : أن الإسلام يحترم المسيحية كدين سماوي ويترك لأهلها حرية العقيدة والعبادة دون أن يتدخل في شؤونهم.

 أما أحوالهم الشخصية فلا يتعرض لها بحال ، ولا يمكن أن يطبق عليهم أي من الأحكام التي تخالف شريعتهم أو تقاليدهم ، وأحكام الإسلام في ذلك واضحة، وكتب التشريع الإسلامي بين أيدينا، ووقائع التاريخ لا ينكرها إلا مكابر، وقد ظل المسيحيون العرب منذ عصر الإسلام حتى الآن يتمتعون بعقيدتهم وعبادتهم ، وأحوالهم الشخصية لم تتعرض لها دولة ولا حكومة، في الوقت الذي كان الحكم فيه للإسلام خالصا، فكيف يتوهم الآن أن يطبق عليهم أحكام تخالف دينهم ونحن في دولة برلمانية شعبية الحكم فيها للشعب ممثلا في نوابه المسلمين والمسيحيين ؟ 

ونزيد على ذلك أنه مع احترام الإسلام لكل ما ذكرناه فنحن لم نكتف بذكر هذه في الدستور، بل اقترحنا أن تنص على احترام الأديان السماوية وقدسيتها واحترام الأحوال الشخصية للطوائف الدينية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق