الثلاثاء، 17 مارس 2015


والقائل: <وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّة وَاحِدَة، فقيل له: ما الواحدة ؟ قال: مَا أَنَا عَلَيْهِ اليَوْمَ وَأَصْحَابِي > الحاكم (1/128 ـ 129)( ). وبعد:
فإنّه قد كثر الكلام في هذه الأيام حول ما يسمّى ﺑ <الجماعات الإسلامية>، وانقسم غالبية المتكلّمين فيها إلى قسمين: قادح، ومادح؛ لاختلاف غايات النقد، ولذا أحببت أن أتكلّم حول جماعتين منها، لأبيّن ما أعتقد أنّه الصواب، ولأبيّن بعض الإشكالات التي يستشكلها بعض الإخوة الفضلاء، ولأجيب على بعض التساؤلات التي تدور في أذهان كثير من الشباب، رابطًا الفروع بالأصول التي تنطلق منها تلك الجماعات، فأقول وبالله التوفيق:
تمهيد:
اعلم أخي ـ وفّقني الله وإيّاك لكلّ خير ـ بأنّ الدعوة الحقّ هي الدعوة المتمسّكة بالكتاب والسنّة على فهم السلف الصالح، وأنّ أيّ دعوة تركت شيئًا ممّا سبق فهي دعوة منحرفة عن طريق الحقّ والصواب بقدر ما تركت من ذلك.
الفروق بين الدعوات الباطلة والدعوة الحقّ:
واعلم ـ أيضًا ـ بأنّ كلّ الدعوات تدَّعي التمسّك بالكتاب والسنّة، فيا تُرى ما هي الفروق بين هذه الدعوات والدعوة الحقّ ؟
الفروق كثيرة جدًّا، أهمّها:
أوّلاً: أنّ الدعوة الحقّ هي المتمسّكة بالكتاب والسنّة على فهم السلف الصالح.
أمّا الدعوات الأخرى، فهي متمسّكة بفهم مَن أنشأها ـ وقد يدَّعي هو أو تدّعي لنفسها أنّها بذلك تتمسّك بالكتاب والسنّة ـ فالجهمية متمسّكة بفهم الجعد بن درهم، وجهم بن صفوان.
والأشعرية متمسّكة بفهم أئمّتهم المنتسبين لأبي الحسن الأشعري( )، والتبليغية متمسّكة بفهم مؤسّسها محمّد إلياس، والإخوانية بفصائلها ـ ومنها القطبية ـ متمسّكة بفهم مؤسّسها <حسن البنّا> و<سيّد قطب> و<الهضيبي> وغيرهم.
ثانيًا: أنّ الدعوة الحقّ أصحابها يأخذون علمهم عن أئمّة الدعوة السلفية في كلّ عصر، ويتتلمذون على أيدي الأحياء منهم، ويقرأون للميّت منهم ـ جيلاً بعد جيل ـ بخلاف أصحاب الدعوات الباطلة؛ فإنّهم أعداء لأئمّة السلف، الأحياء منهم والأموات، بل هم خلف كلّ مخالف لأولئك، وإن ادَّعوا ظاهرًا بأنَّهم متّبعون لهم.
ثالثًا: أصحاب الدعوة الحقّ يهتمّون بالكتب السلفية، وذلك بقراءتها وحفظها وفهمها وتحقيقها ونشرها( ) والذبّ عنها، بخلاف أصحاب الدعوات الباطلة، فإنّهم مبغضون لتلك الكتب، بل ومحاربون لها، ولنشرها، وهم ساعون ـ أيضًا ـ لربط أتباعهم بكتب مؤسسي تلك الجماعات.
وبعد: فقد يقول قائل: مَن هم السلف ؟ وما هي مؤلّفاتهم ؟
فالجواب: السلف هم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين. فهؤلاء هم سلفنا، ومَن سار على نهجهم فهو سلفي.
وأمّا مؤلّفات السلف فكثيرة جدًّا، أذكر بعضًا منها:
مسند الإمام أحمد، صحيح البخاري، صحيح مسلم، السنن الأربعة، تفسير ابن جرير الطبري، تفسير البغوي، تفسير ابن كثير، ردّ الإمام الدارمي على بشر المريسي، ردّ الإمام أحمد على الجهمية، خلق أفعال العباد للبخاري، الشريعة للآجري، الإيمان لابن منده، التوحيد لابن خزيمة، السنّة للإمام أحمد بن حنبل، السنّة للخلال، السنّة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، الإبانة لابن بطة، السنّة للبربهاري، شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة للآلكائي، كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ، كلّها بلا استثناء، وكذا كتب تلميذه ابن القيّم ـ رحمه الله تعالى ـ، وكتب أئمّة الدعوة النجدية السلفية، ككتاب التوحيد للإمام محمّد بن عبد الوهاب، وشروحه مثل: تيسير العزيز الحميد، وفتح المجيد، وقرّة عيون الموحّدين، والدرر السنّية، وغيرها كثير، ممّا كتب على منهج أولئك الكرام من السابقين واللاّحقين.
إذا علمت هذا، فاعلم بأنّي سأتكلّم عن جماعتين ـ كما أشرت لك سابقًا ـ من تلك الجماعات، جاعلاً إحداهما فرعًا، والأخرى أصلاً، أو بعبارة أخرى، جاعلاً إحداهما أصلاً ليفهم القارئ من خلاله الجماعة الأخرى، وإليك البيان وعلى الله التكلان:
الجماعة الأولى: جماعة التبليغ( ):
لهذه الجماعة منهج تسير عليه، وأصول ترجع إليها، تسمّى بالأصول الستّة، وهي كالآتي:
1 ـ تحقيق الكلمة الطيّبة <لا إله إلاّ الله محمّدًا رسول الله >.
2 ـ الصلاة ذات الخشوع الخضوع.
3 ـ العلم مع الذكر.
4 ـ إكرام المسلمين.
5 ـ تصحيح النية وإخلاصها.
6 ـ الخروج في سبيل الله.
انتبه أخي القارئ الكريم لهذه الأصول الستة، وانظر فيها، وتفكّر في معنى كلّ أصل، ثمّ تعال معي لآخُذ لك بعض هذه الأصول؛ لأبيّن لك ما الذي يعنونه بها، ثمّ ننظر بعد ذلك، هل هم على طريقة السلف في فهمهم لهذه الأصول وتطبيقها والدعوة إليها أوْ لا ؟
كلمة السر في منهج جماعة التبليغ:
وقبل المناقشة، لا بدّ أن تفهم أُخَيَّ أنّ لهذه الأصول الستة كلمة سرٍّ، إذا فهمتها استطعت ـ بإذن الله تعالى ـ أن تفهم جميع أقوال وأفعال هذه الجماعة، عندما ترجع بتلك الأقوال والأفعال إلى كلمة السر التي قامت عليها أصولهم الستَّة.
فإن كنت على استعداد لتفهم تلك الأصول وكذا كلمة السر، فهَلُمَّ إليّ ـ وفّقني الله وإيَّاك لكلّ خير وصَرَف عنِّي وعنك كلّ شر ـ:
كلمة السرِّ يا أخي هي: أنّ كلّ شيء يسبب النُّفرَة، أو الفُرقَة، أو الاختلاف بين اثنين ـ ولو كان حقًّا ـ؛ فهو مبتور، مقطوع، ملغى من منهج الجماعة.
هل فهمت كلمة السر ؟ أرجو منك تَكرار النظر مع الفهم الجيّد. كرّر مرّة أخرى. هل كرّرت ؟ إذًا تعال معي لنأخذ الأصل الأوّل من أصول هذه الجماعة وهو: تحقيق الكلمة الطيبة <لا إله إلاّ الله>. هل تدري ما معنى تحقيق الكلمة الطيبة <لا إله إلاّ الله> ؟
تحقيق الكلمة الطيبة <لا إله إلاّ الله> معناها: تحقيق التوحيد بأنواعه الثلاثة، توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ في فتح المجيد (ص 48): <قوله: <باب مَن حقّق التوحيد دخل الجنّة بغير حساب> أي: ولا عذاب. قلت: تحقيقه؛ تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي> انتهى كلامه رحمه الله.
وقد يتبادر إلى ذهنك ـ أخي القارئ ـ سؤال، وهو: إذا كان هذا هو معنى تحقيق الكلمة الطيبة، فلماذا نختلف معهم إذًا ؟
اسمع الجواب ـ بعد أن تتذكّر كلمة السرّ ـ تذكّرت ؟ فاسمع الآن: نعم.. هم قالوا: الأصل الأوّل: تحقيق الكلمة الطيبة <لا إله إلاّ الله>، ولكن ما مرادهم بتحقيقها ؟ مرادهم بتحقيقها هو الكلام حول توحيد الربوبية ! لماذا ؟ لأنّه لا يسبّب النفرة، ولا الفرقة، ولا الاختلاف بين اثنين من المسلمين. وذلك حينما لا ينظر إلى لازمه من استحقاق الله سبحانه للعبادة دون سواه.
أمّا الكلام في توحيد الأسماء والصفات؛ فإنّه يسبّب الفرقة، والنفرة، والاختلاف، لأنّ هناك أشعرية، وماتريدية، وجهمية، حلولية، واتحادية، وهؤلاء كلّهم مختلفون في هذا الباب، ومخالفون لعقيدة السلف فيه، والأصل الذي تسير عليه الجماعة ـ كلمة السر ـ: أنّ أيّ شيء يسبّب النفرة، أو الفرقة، أو الاختلاف بين اثنين، فحكمه البتر والإلغاء من منهج الجماعة.
وكذا القسم الثالث من أقسام التوحيد، وهو توحيد الألوهية، فإنّ الكلام فيه ممنوع ـ أيضًا ـ وحكمه في منهج الجماعة البتر والقطع والإلغاء، لأنّه يسبّب الفرقة والاختلاف والنفرة، فهذا سلفي، وهذا خلفي قبوري، فالأوّل لا يجيز شدّ الرحال للقبور، ولا الصلاة عندها، ولا إليها، ولا الطواف بها، ولا التوسّل بالصالحين من أصحابها، ولا الاستغاثة بهم، ولا.. ولا..، بخلاف الثاني، فكلّ ذلك جائز عنده، بل كلّ ما ذكرت لك إنَّما هو من صلب الدين عنده.
ولهذا ـ يا أخي الكريم ـ إذا قام قائمهم ليبيّن هذا الأصل لا يقول إلاّ: الحمد لله الذي خلقنا ورزقنا وأنعم علينا.. و.. و..، ممّا يتعلّق بتوحيد الربوبية فقط.
قال أخي: هلاَّ طبّقت كلمة السرّ على أصل آخر لهم ؟
قلت له بكلّ سرور: نعم. وهل أردت لك إلاّ الخير ؟!
تعال نأخذ الأصل الثالث: العلم مع الذكر.
أنا وإيَّاك نعلم بأنّ العلم هو: قال الله، قال رسوله، قال الصحابة، سواء في العقائد، أو العبادات، أو المعاملات، أو الأخلاق.. الخ، فما مرادهم بالعلم ؟
يقولون: إنّ العلم نوعان: علم فضائل، وعلم مسائل.
هل تذكّرت كلمة السرّ ؟ أُذكِّرك: <أي شيء يسبّب النفرة، أو الفرقة، أو الاختلاف بين اثنين؛ فإنّ حكمه في منهج الجماعة البتر والقطع والإلغاء>.
إذًا لنعد إلى تقسيمهم العلم نوعان: علم فضائل، وهذا لنا (أي للجماعة). وعلم مسائل، فهذا لأهل العلم، كلّ منكم ـ أي الخارجين معهم ـ يطلبه عند علماء بلده.
هل انتبهت لهذا التقسيم ؟ ولماذا أجازوا الكلام في علم الفضائل، ومنعوه في علم المسائل، بل يطلبون من الذين يخرجون معهم ـ كما تقدّم ـ أن يأخذوه عن علماء بلدهم ؟ لأنّ الأوّل لا يسبّب الفرقة، ولا اختلافًا، بخلاف الثاني.
أخي القارئ: هل تسمح لي بطرح سؤال آخر اختباري؛ لأعلم هل فهمت كلمة سرّهم أو لا ؟
السؤال هو: هل سيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ؟
سيكون الجواب على ضوء كلمة السرِّ: لا. لماذا؟ لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسبّب النفرة، والوحشة ـ في زعمهم ـ بين الآمر والمأمور، إذن حكمه البتر من منهج الجماعة.
سؤال آخر: إذن كيف سيأمرون وينهون ؟
الجواب: يَعرضون الأحاديث والآيات المرغبة في الفعل أو الترك، غير متطرّقين للجانب العقدي، فيقولون لتارك الصلاة مثلاً: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ... ويقولون قال رسول الله : <ما من عبد مسلم يُصلِّي لله تعالى في كلّ يوم ثِنْتَيْ عشرة ركعة تطوعًا غير الفريضة، إلاّ بنى الله له بيتًا في الجنّة>. هذا فضل التطوع، فكيف بفضل الفريضة ؟ وهكذا.
ولهذا فإنّ من منهجهم: عدم الإنكار على متعاطي المعصية المجاهر بها بينهم، فلا ينكرون على شارب الدخان ونحوه، بل ربّما أعانوه على الحصول عليه أو اشتروه له، وكذا شارب الخمر، ورُبّما حملوا له زجاجته !! وإذا أراد حلق لحيته أعطوه الموسى ! أو ذهبوا به إلى الحلاق !! وهكذا. قد تقول يا أخي هذه مبالغة.
فأقول ـ هداني الله وإيَّاك ـ: <ليس الخبر كالمعاينة>، فارجع إلى الكتب التي انتقدتهم تَرَ العجب العجاب.
فإنْ أبيت إلاّ، فسأذكر لك القليل من قصصهم ـ علمًا بأنَّ تعليمهم لمبادئهم إنَّما هو بطريق القصة ـ مبيِّنًا تأويلاتهم:
حينما قسَّموا العلم إلى علم فضائل، وعلم مسائل، وقالوا للخارجين معهم إنّ طلب علم المسائل إنَّما يكون عند علماء بلدة كلّ خارج، خشوا وخافوا أن يدخل هذا الكلام إلى عقول وقلوب أولئك، لأنَّهم إن تعلَّموا تركوا الجماعة، ولهذا جعلوا بعض العوائق التي تعيقهم عن طلب علم المسائل، وتعينهم على طلب علم الفضائل، حتى لو سمعوا آية أو حديثًا فيه للعلم وفضله نزّلوه على علم الفضائل.
اعلم ـ رحمك الله ـ بأنّ لهم جلستين: جلسة ليلة الثلاثاء، وجلسة ليلة الأربعاء.
الجلسة الأولى: للعائدين من الخروج، يُحضر لهم مَن يريدون تشجيعه للخروج معهم، أو التأثير عليه.
والجلسة الثانية: الترتيب للخروج عصر الأربعاء؛ فيقول أمير تلك الجلسة لأحد الخارجين ـ ليُعْلِمَ الجددَ من المستمعين ـ: كم يومًا خرجت ؟ فيجيبه الخارج: خرجت أربعة أشهر في سبيل الله. فيقول له: ما شاء الله، أين قضيتها ؟ فيقول له الخارج: قضيت عشرة أيام في الدول الخليجية، وعشرين يومًا في أدغال إفريقيا، وشهرًا في أوروبا، وشهرًا في أمريكا الجنوبية، وشهرًا في شرق آسيا والهند وباكستان، فيقول له أمير الجلسة ـ وانتبه ـ: ما شاء الله أنت داعية، والداعية مثل السحاب يَمرُّ على الناس في أرضهم فيسقيهم، بخلاف العلماء، فإنَّهم أشبه بالآبار إذا أصابك الظمأ على بعد مسافة ميل، قد يقتلك العطش قبل أن تأتي تلك الآبار، بل قد لا تشرب؛ لأنَّ الدلو التي تلقى فيها غير موجودة، فإذا أردت الشرب فلابدّ من الحضور عند حافة البئر، ثمّ تلقي الدلو، ثمّ تجذب حتى تشرب.
هل انتبهت لِمَا انقدح في نفسك ـ كما انقدح في نفوس السامعين له ـ من تفضيل الداعية على العالم ؟
فإذا أراد أحدهم أن يجلس لطلب العلم تذكّر تلك القصّة؛ فأراد أن يكون سحابًا لا أن يكون بئرًا من الآبار.
وحتى لا أجعلك في حيرة من هذه القصة، فلابدّ من بيان زيفها، فأقول وبالله التوفيق: اعلم ـ أرشدني الله وإياك لكلّ خير وحقّ ـ أنّ السحاب لا يُنبِت إلاّ كلأ البهائم غالبًا، ولا ينبت إلاّ الكلأ الموسمي، بل إنّه إن نزل بأرض سبخة أو نزل في غير وقته لم ينفع، وقد يكون في ذلك السحاب الدمار والهلاك.
بخلاف مياه الآبار فإنَّه يسقى منها، ويزرع، والمنطقة التي فيها آبار تكون الحياة فيها مستقرّة غالبًا، لأنّ أهلها سيزرعون، ومن ثَمَّ يسقون، ومن ثَمَّ يحصدون، وهكذا، ولأنَّ الآبار ينتفع منها القاطن والعابر سواءً لأنفسهم، أو لدوابهم، أو لزروعهم، أو للتزوّد منها عن طريق حملها معهم في قِربهم وآنيتهم.
ولأنّ الآبار كلّما نُزِحَ منها، كلّما حسن ماؤها، وصفي لونها، وطاب ريحها، فهل فطنت للفرق ؟
ولا يَرِدُ على ما قلت: تشبيه النبي ما بعثه الله به من الهدى والعلم بالغيث، لأنّ ما جاء به هو من عند الله، وهو دينه الذي ارتضاه للناس كافة، فهو خير وحقّ محض وغيث نافع، بخلاف تلك الجماعة، فإنّه خليط من الحقّ والباطل، والخير والشرّ، بل باطله وشرّه والجهل الذي فيه أكثر وأعظم من الحقّ والخير الذي فيه. فشتَّان ما بين الغيثين: غيث الوحي وغيث أولئك.
وإليك ـ أيضًا ـ قصة أخرى، لعلّك تزداد بهم بصيرة:
يقول أحدهم ـ بحضور المبتدئين ـ لرجل يريد طلب العلم الشرعي: إلى أين تذهب يا فلان ؟ قال له الآخر: سأذهب لطلب العلم. فيجيبه الأوّل: لماذا ؟ فيقول الآخر: لأعرف الحلال من الحرام. فيقول الأوّل: سبحان الله، أنت لا تعرف الحلال من الحرام ؟! ألم تسمع قول النبي : <استفت قلبك وإن أفتاك المفتون>. سبحان الله ! إلى الآن لا تعرف الحلال من الحرام وكثير من الدواب يعرف ذلك ؟! ألا ترى إلى أنّ القطة حينما تضع طعامك في مكان ثمّ تذهب عنه ثمّ تعود إليه بعد حين، فترى القطة تأكل منه فإنَّها ما إن تراك إلاّ وتهرب، بخلاف ما إن جلست على مائدة طعامك ثمّ وضعت لها بجوارك شيئًا من الطعام فإنّها ستأتي حتى تأكله عندك.
فالأولى علِمَت أنَّها وقعت في حرام، فلذا هربت منك، والثانية علِمت أنَّها وقعت في حلال، ولذا أكلت معك. يا أخي العقول المؤمنة تميّز بين الحلال والحرام، <استفت قلبك وإن أفتاك المُفتون>. فيا أُخَيَّ: هل يرضيك هذا التمثيل وهذه النظرة ؟!!
أقول إذا كانت الحيوانات تعلم الحلال من الحرام ـ كما يزعمه هؤلاء ـ فلا حاجة إذن للبشرية من إرسال الرسل وإنزال الكتب.
خذ قصّة ثالثة:
يقول المتحدّث عنهم لِمَن يستمع إليه: حينما يريد الترغيب في الخروج معهم، وترك الأوطان، والأهل، والأولاد، والمال، وغير ذلك: يا أخي إنَّك إذا وضعت في كأس الشاهي سكرًا، ثمّ صببت عليه الشاهي، ثمّ قمت بشربه، من غير تحريك السكر؛ لم تذق حلاوة السكر، فإذا حرَّكته ذُقْت حلاوته، فكذا الإيمان في قلب كلّ إنسان هو موجود لا يمكن أن يذوق حلاوته صاحبه إلاّ بعد تحريكه بالخروج مع الجماعة.
وإنِّي أظنُّك يا أخي الكريم ستبادر بإنكار هذه القصة، وهذا المثل: قائلاً: سبحان الله ! الإيمان موجود في قلب كلّ إنسان ! حتى في قلوب المنافقين والكفار والمرتدين ؟!
وستقول أيضًا: سبحان الله ! إذن مَن لم يخرج من العلماء وطلبة العلم، والدعاة، والعامَّة من الرجال والنساء لم يذق حلاوة الإيمان.
وستقول ـ أيضًا ـ: سبحان الله ! ألم يقل النبي : <ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ>. [مسلم (1/66)].
وأخيرًا وليس آخرًا، أختم لك أخي الحبيب بهذه القصة، لتنظر فيها ولتعجب من تلاعبهم بالشرع وعقل المستمع معًا:
يقوم أمير الخروج صباح يوم الخميس بتقسيم الخارجين معه إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: تلزم المسجد بتكوين حلقة ذكر مستمر حتى تعود جميع مجموعات المجموعة الثانية.
والمجموعة الثانية: تنقسم بدورها إلى مجموعات صغيرة، مكوّنة من ثلاثة أشخاص فأكثر، مهمّتها طرق أبوب البيوت المجاورة للمسجد، يدعونهم للحضور والمشاركة في برنامج الجماعة، وليحضروا البيان الذي بعد المغرب إلى العشاء.
وقبل تفرُّق الجميع يحكي الأمير لهم قصة تعليمية؛ فيقول: في إحدى المرَّات خرجت جماعة إلى منطقة كذا وكذا، وبعد تقسيمهم إلى مجموعتين، مكثت المجموعة الأولى في المسجد، وخرجت المجموعة الثانية بعد تقسيمها إلى مجموعات إلى البيوت المجاورة للمسجد، وكلَّما طرق الخارجون بابًا من الأبواب لم يجدوا الجواب المناسب، ولا الاستجابة الطيبة، فما زالوا يطرقون الأبواب ولا يُستجاب لهم، فقال بعضهم لبعض: تفقَّدوا إيمانكم يا أحبَّة، فتفقّد كلٌّ منهم إيمانه فلم يجد به بأسًا!! فتفطّن أحدهم وقال: لعلّ إخواننا الذين تركناهم في المسجد غفلوا عن ذكر الله، فقالوا بأجمعهم: دَعُونَا نذهب ونرى، فلمّا دخلوا عليهم المسجد، وجدوهم قد غفلوا عن ذكر الله.
أخي: هل انقدح في قلبك وعقلك ـ كما انقدح في قلب وعقل مستمعيه ـ بأنَّك لو كنت خارجًا معهم، ثمّ جعلوك في حلقة المسجد، هل كنت حين سماعك لهذه القصة ستغفل عن ذكر الله ؟ أم أنَّك ستجتهد فيه، لعلَّ الله أن يوفِّق إخوانك الذين في الخارج من المجموعة الثانية، حتى تعود بأسرها ؟
لا شكّ أنّ هذا هو الذي سيكون، لا سيما إذا أسند ذلك بقوله بعد تلك القصة: قال رسول الله : <مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ>. [مسلم (4/2074)].
فأهل المسجد أشبه بمولِّد الكهرباء، والجماعة الثانية أشبه بالمصباح في آخر السلك، إذا اشتغل مولّد الكهرباء أنار ذلك المصباح، وإذا انطفأ، انطفأ.
بل قد يكلّفون بذلك واحدًا ـ من غير الخارجين في الجولة ـ بعينه يُسمُّونه <الدينمو>.
هل سمعت يا أخي الكريم بمثل هذا المثل ؟ وهل رأيت استدلالاً ـ مثل هذا الاستدلال ـ ؟!!
وما ذكرت ذلك لك إلاّ بُغيَة تنبيهك وتحذيرك من مثل هذه التُّرَّهات والخرافات، فانتبه يا مريد الحقّ والصواب والخير والسداد.
وقد أخبرتك من قبل بأنِّي لا أريد دراسة هذه الجماعة دراسة موسعة، بل جئت بها لكي تفهم الجماعة الأخرى، فإنَّها أدقّ وأخفى من تلك، فهيّء نفسك لفهمها فهمًا حسنًا، وإن شئت فاسترح برهة، ثمّ تعال معي لأطوف بك على غاية هذه الجماعة، والوسائل المحقّقة لها، مبيّنًا كلمة سرّها ومفتاح رمزها، مناقشًا لأفكارها معتمدًا في ذلك كلّه على الله تعالى أوّلاً، ثمّ على كتب القوم ومقالاتهم وأشرطتهم ثانيًا، وعلى أقوال الذين تركوهم بعد أن كانوا معهم ثالثًا. فأقول وبالله التوفيق:


تمهيد
لَمَّا اعتدى طاغية العراق القومي البعثي عميل روسيا على دولة الكويت وشعبها، وتشريد أهلها، وغَصْبِ أموالها وأموالهم، وهتك أعراض نسائهم، وقتل رجالهم وسجنهم، لجأ أهل الكويت إلى الله أوّلاً، ثمّ إلى دولة التوحيد، طالبين منهم الإعانة والنصرة لرفع الظلم النازل بهم، فاستجاب حكامها وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين ـ وفَّقه الله ـ وعلماؤها، وعلى رأسهم هيئة كبار العلماء ـ حفظهم الله ـ وعامة أهلها ـ تبعًا لقادتهم ـ لنجدة إخوانهم، قائلين لهم: إنّ العقل والشرع، وأصحاب العقول الراجحة والضمائر النبيلة الحية، يجيزون لكم الاستعانة بِمَن فيه القدرة على صدّ عدوان هذا الملحد الظالم الغاشم ـ رفعًا لِمَا نزل بكم، وحماية لنا من أن ينزل بنا ما نزل بكم ـ ولو كان من المشركين.
فانبرى بعض السياسيين فقهاء الواقع إلى اتخاذ موقف مغاير لِمَا عليه هذا البلد وحكامه وعلماؤه وعامة أهله، قائلين:
لا يجوز الاستعانة بالمشركين، لأنّ هؤلاء القادمين محتلون، لا مناصرون مؤيدون.
ثمّ لم يكفهم ذلك، بل روّجوا الأشرطة المختلفة، ووزّعوا منها أعدادًا لا تحصى، لتأييد موقفهم، ولبيان خطأ أهل العلم ـ بزعمهم ـ في فتواهم، وقد صحب ذلك كله توتر شديد بين الشباب أنفسهم، ووجدت فجوة بينهم وبين أهل العلم، بسعي أولئك في التشكيك في مواقف بعض العلماء، قائلين: بأنَّ فلانًا لم يعلم، والآخر لم يحضر، والثالث تراجع، والرابع توقَّف. وهكذا حتى جعلوا الشباب في حيرة من صحة فتوى العلماء، ومن بقائهم عليها، بل ظهر أولئك السياسيون بثوب الحريص على سلامة البلد وأهله، وأنَّهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وأنَّهم الكاشفون لخطط الأعداء، وألاعيبهم، ومكرهم، وكيدهم بالإسلام وأهله، فارتقى هؤلاء مرتقًا صعبًا.
ولم أزل في حيرة من هول الأزمة، وموقف هؤلاء، ومن ورائهم الشباب الذين لم يبلغوا من العلم الشرعي إلاّ القليل القليل، يدفعهم إلى ذلك الموقف حسن ظنّهم بأولئك القوم، وحماس الشباب وعنفوانه، وما يرونه ويشاهدونه من وجود القوَّات الأجنبية، إلاّ أنَّه كما قد قيل: <رُبَّ ضارَّة نافعة>. إذ قد كشفت هذه الأزمة عن كذب دعاوى القوميين، والبعثيين، والعلمانيين من العرب، حيث انقسم هؤلاء إلى فريقين: فريق يؤيِّد الطاغية، وفريق يؤيِّد أهل الحقّ.
وكشفت ـ أيضًا ـ عن عداء كثير من الجامعات لحكام هذا البلد وعلمائه، الذين هم على المنهج السلفي.
وكشفت ـ أيضًا ـ عن أنَّ هاهنا جماعة قائمة مباينة لِمَا عليه علماء هذا البلد، لها غاية ولها وسائل تحقِّق بها تلك الغاية.
وبعد هذه المقدمة التذكيرية أبدأ معك أخي الكريم بتوضيح ما ألّفت هذا الكتاب من أجله، وما دفعك إلى قراءته، وأسأل الله التوفيق والسداد والرشاد، فأقول:

فصل
في اسم هذه الجماعة
إن سألت عن اسم هذه الجماعة، فإنَّهم يُسمَّون ﺑ <أهل السنَّة والجماعة>، كما جاء ذلك في مقال محمَّد محمَّد بدري في مجلّة: <البيان> في عددها رقم: (28) لشهر شوال عام 1410ﻫ. حيث قال في ص (15): <وهي هي الجماعة التي ندعوا فصائل الحركة الإسلامية إلى الالتزام بها، <جماعة أهل السنة>، الجماعة العامة الواسعة.
ويقول في ص (18): <... ولِنَسِيرَ جميعًا إلى أهدافنا تحت راية أهل السنَّة والجماعة>. وانظر أيضًا السلسلة التي تصدرها دار الوطن للنشر تحت عنوان: <رسائل ودراسات في منهج أهل السنَّة>، وأحيانًا <الجماعة>.
ولا يفوتك النظر إلى كتابهم العمدة: <أهل السنَّة والجماعة معالم الانطلاقة الكبرى>، لمحمّد عبد الهادي المصري.
وإلى ما قاله عايض القرني في شريطه: <فِرَّ من الحزبية فرارك من الأسد>، حيث قال: <بل نحن أهل السنّة ليس لنا اسم إلاّ أهل السنّة... ولا يجوز امتحان الناس، هل أنت إخوانيًّا، أو سلفيًّا، أو سروريًّا، أو تبليغيًّا، وما هي جماعتك التي تنتسب ؟ ولابدّ لك من جماعة، بل جماعتك أهل السنّة والجماعة...>. اﻫ
هذا هو اسمها التي تنتسب إليه، وسأرى معك ـ إن شاء الله ـ هل هذا الاسم مطابق لمسمَّاه، أم أنّه مُفرَغ من أعظم محتواه ؟! وأنّ هذه إنَّما هي دعوى عريضة لا واقع لها في الحقيقة ـ وفّق الله الجميع لطاعته ـ.


فصل
في غاية هذه الجماعة
غاية هذه الجماعة: هي إيجاد جماعة المسلمين، ومن ثَمَّ إمامهم ودولتهم !
يوضّح ذلك ما جاء في نشرة مركز بحوث تطبيق الشريعة الإسلامية، العدد رقم (4)، والمعنونة ﺑ <شرعية الانتماء إلى الأحزاب والجماعات الإسلامية>، حيث جاء في ص (34)، عنوان هو: <الجماعات الإسلامية خطوات مرحلية في الطريق إلى جماعة المسلمين>.
وفي الصفحة نفسها قوله: <إنّ الجهاد لنصبة الإمام، وإقامة الدين، وتحكيم الشريعة، فرض على الكافة في هذه الحالة... في هذه المرحلة يأتي دور الجماعات الإسلامية باعتبارها تجمُّعات مرحلية في الطريق إلى جماعة المسلمين... وغاية هذه الجماعات أن تتولَّى إعداد الطليعة المجاهدة والقاعدة الإيمانية الصلبة... لقد سبق أنّ الأصل عن( ) انعدام السلطة الشرعية، هو انتقال هذه السلطة إلى الأمّة، ممثلة في أهل الحلّ والعقد منها، وأنَّ على هؤلاء أن يجمعوا كلمة الأمَّة حول متبوع مطاع، تنتظم به الكلمة، وتتوحّد به الراية، ويبدأ من خلاله الجهاد في سبيل الله...>. اﻫ
وجاء في العدد رقم (12) من نفس السلسلة السابقة والمعنون ﺑ <مدخل إلى ترشيد العمل الإسلامي في مسيرة الجماعات الإسلامية> في ص (116) قولهم: <والأصل في ذلك كلّه أنَّ الحركات الإسلامية اليوم بمثابة الجيوش، التي ينبغي أن تنتظم بها الأمّة كلّها على اختلاف مذاهبها( ) ومشاربها، لدفع فتنة الكفر وردّ خطره عن دار الإسلام؛ فهي البديل عن الدولة الإسلامية، التي كانت تجنّد كافّة المسلمين إذا داهم العدوّ دار الإسلام، ولا تحجب أحدًا ممّن ثبت له عقد الإسلام من الاشتراك في هذا الجهاد، ولا تمنعه منه الغنيمة والفيء ما دامت يده مع المسلمين>. اﻫ
وقال حسين بن محمّد بن علي جابر في كتابه <الطريق إلى جماعة المسلمين> ص (11): <هدف البحث أن أبيّن للأمّة الإسلامية أنّ جماعة المسلمين غير موجودة.
وأنّه واجب على المسلمين كافّة إقامتها، وأنّ هذا الواجب هو فرض العصر على كلّ الأمّة، حتى تقوم دولة الإسلام وتترعرع>.
وقال في ص (15 ـ 17): <من الحوافز التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع ما يلي:
أ ـ غياب جماعة المسلمين عن حياة الأمّة الإسلامية، ووجوب إقامتها...
ج ـ لإقصاء الإسلام وأحكامه عن حياة البشرية، بل عن حياة الأمّة الإسلامية...
ﻫ ـ جهل عامّة الأمّة الإسلامية بوجوب إقامة جماعة المسلمين...
ز ـ الفتنة أو الشقاء، والضياع، التي تعيشها البشرية كافّة لغياب الدولة الإسلامية>.
وقال ـ أيضًا ـ في (ص 32): <هل في الأرض جماعة المسلمين؟! والجواب ليس في الأرض جماعة المسلمين بمفهومها الشرعي>.
والذي يمكن أن نقول بوجوده بهذا المفهوم، وعلى وجه الحقيقة، والواقع هي جماعة من المسلمين، ودولة لبعض المسلمين، وليس جماعة المسلمين ولا دولة المسلمين.
وقال ـ أيضًا ـ في ص (35): <هذه الأدلّة تدلّ على عدم وجود جماعة المسلمين في حياة الأمّة الإسلامية، وعليه فواجب الأمّة الإسلامية كافة أن تسعى لإيجاد هذه الجماعة ـ أهل الحلّ والعقد في الأمّة يتفقون على أمير لهم ـ فتكون الحكومة الإسلامية والخلافة الإسلامية...>.
وقال مناع قطان( ) في مقابلته في مرآة الجامعة عدد (175) الصادرة في يوم الاثنين 9 من شوال 1414ﻫ حيث جاء فيها: <شبابنا إلى متى سيبقى حالهم هكذا ؟
ـ إلى أن يأذن الله بقيادة إسلامية رشيدة تضمُّه بين جناحيها.
أمنية تتمنَّونها ؟
ـ أن تقوم دولة الإسلام العالمية وتستعيد ماضيها وتقود البشرية، مؤدية رسالتها، حتى يكون الدين كلُّه لله...>.
ويقول سلمان العودة في شريطه <الأمَّة الغائبة>: <فالشعوب الإسلامية تعيش في وادٍ، وحكامها يعيشون في وادٍ آخر، لأنَّهم لا يعبرون عن حقيقة مشاعرها التي في قلبها، ولا يمثلون حقيقة الدين الذي تنتسب إليه... ويؤسفني جدًّا أن أقول في مقابلة ذلك: هناك دول قامت على أساس قناعة الناس بها، فكانت راسخة عميقة ممكَّنة.
أمَّا دولة الإسلام التي تحكم المسلمين منذ عهد الخلافة الراشدة، فهذا أمر واضح لا يحتاج إلى بيان.
فقد ظلَّت دولة الخلافة قائمة قرونًا تزيد على ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، تحميها القلوب قبل الأيدي، وتحميها الدعوات قبل المعارك والضربات.
أمّا في واقعنا اليوم، فالمؤسف أنَّ الأمثلة التي تتَّجه إليها الأنظار غالبًا هي أمثلة غير إسلامية>. اﻫ
ألم تر أخي كيف سَمَّى هذه الأمَّة ﺑ <الغائبة> ـ والغائبة ضدّ الحاضرة والموجودة ـ إذن فهي أمَّة لم تأت بعد.
وكيف قال: <إنّ دولة الخلافة استمرّت أكثر من ثلاثة عشر قرنًا من الزمان>، ويعني بذلك: <الخلافة العثمانية>، وبعدها زالت الخلافة والإمامة العامّة.
وانظر ـ أيضًا ـ إلى جواب سلمان العودة في شريطه <لماذا يخافون من الإسلام>، حيث سئل: لا يخفى عليكم نظام الحكم في ليبيا، وما فيها من محاربة للإسلام والمسلمين، فما هو واجب المسلمين هناك؟ أَوَ يَفرُّون بدينهم ؟
فأجاب بقوله: <هذا في كلّ بلد...>. اﻫ
وانظر إلى ما قاله سفر الحوالي في شرح الطحاوية رقم (266/2): <فشوقنا كبير أن تكون أفغانستان النواة واللَبِنَة الأولى للدولة الإسلامية، وما ذلك على الله بعزيز>. اﻫ
وإلى ما قـاله سلمـان ـ أيضًا ـ في شريطه <يـا لجراحات المسلمين>: <...الرايات المرفوعة اليوم في طول العالم وعرضه إنَّما هي رايات علمانية...>. اﻫ
وإلى ما قاله عبد العزيز الجليل في رسالته الرابعة <إنّ ربَّك حكيم عليم>، ص (43)، وكتابه <وقفات تربوية> ص (116)، حيث قال فيهما: <أي أنَّنا نريد منهجًا دعويًّا يقوم على سلفية المنهج وعصرية المواجهة... حيث لا نقصد بالسلفية الوقوف فحسب عند القضايا العقدية، التي واجه بها سلفنا الصالح انحرافات عصرهم، وكانت فريضة الوقت يومئذ، ثمّ نتخلى عن المعارك الطاحنة التي تديرها الجاهلية في المجتمعات المعاصرة، حيث ضاعت إسلامية الراية وإسلامية النُّظُم>. اﻫ


فصل
في وسائل هذه الجماعة للوصول إلى غايتها
بعد أن أوقفتك ـ أخي الكريم ـ على اسم هذه الجماعة وغايتها، فإنّك قد تقول: هل لهذه الجماعة من وسائل لتحقيق ما تصبو إليه ؟
فسأجيبك واثقًا هادئًا ﺑ <نعم>.
وسأذكر لك هذه الوسائل مختصرًا أولاً، ثمّ أعود عليها ـ بعون الله وتوفيقه ـ بالتفصيل الشافي الرافع الدافع لكلّ لبس في نفسك ـ إن شاء الله تعالى ـ ثانيًا، فهل أنت على استعداد لأن تسمع ؟
إذن استمع لِمَا يُلقَى إليك من الحقائق والبراهين.
بيان الوسائل على وجه الاختصار:
من خلال قراءتي لرسائل هؤلاء، واستماعي لأشرطتهم، والتقائي بكثير مِمَّن تركهم، وقراءتي للردود عليهم، خلصت إلى أنّ لهذه الجماعة ثلاث وسائل رئيسية لتحقيق غايتهم، وهي:
<العدل والإنصاف>، و<فقه الواقع>، و<التثبُّت>.
علمًا بأنّ هذه الوسائل تُعرَض على المدعويين والقراء بثوب مُجْمَل، في غاية من الإجمال ـ وهذه هي كلمة السرِّ عندهم، كما بيّنت لك من قبل كلمة السرّ عند جماعة التبليغ، فتنبّه ! حتى يتسنّى لهم التوفيق والجمع بين الموافق والمخالف، فإذا حصل ذلك تكوّنت لهم جماعة المسلمين.
فالوسيلة الأولى: لإدخال الجماعة الإسلامية في جماعة واحدة، أطلقوا عليها <أهل السنَّة الجماعة>، وأَطلَق عليها غيرُهم <القطبية>.
والوسيلة الثانية: لرفع مَنْزلة دعاتهم إلى مصاف الأئمَّة والعلماء، والحطّ من شأن العلماء، لأنَّهم لا يفقهون الواقع...
والثالثة: لترويج ما يقولونه من شائعات، وتقريرات، وتصّورات لأنَّهم أوهموا الناس بأنَّهم أهل التثبُّت، وفي الوقت نفسه للدفع عن جماعتهم وأفرادهم ودعاتهم، كلّ ردّ ونقد ـ ولو كان حقًّا محضًا ـ إذا وُجِّه إليهم.
إلاّ أنّه قبل الكلام على تلك الوسائل مفصَّلاً، يحسن بنا أن نتبيّن موقف السلف من الألفاظ ===============المجملة؛ حتى تتسنَّى لنا المقارنة بين الموقفين منها: موقف 


فصل

في بيان موقف السلف من الألفاظ المجملةقال الإمام ابن القيم الجوزية ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه: <الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطِّلة> (3/925 ـ 928): <إنّ هؤلاء المعارضين للكتاب والسنَّة بعقلياتهم، التي هي في الحقيقة جهليات، إنَّما يبنون أمرهم في ذلك على أقوال مشتبهة محتملة، تحتمل معاني متعدّدة، ويكون ما فيها من الاشتباه في المعنى، والإجمال في اللفظ يوجب تناولها بحقّ وباطل، فبما فيها من الحقّ يَقبَل ـ مَن لم يُحِط بها علمًا ـ ما فيها من الباطل، لأجل الاشتباه والالتباس، ثمّ يعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء، وهذا منشأ ضلال مَن ضلّ من الأمم قبلنا، وهو منشأ البدع كلّها، فإنَّ البدعة لو كانت باطلاً محضًا لَمَا قبلت، ولبادر كلّ أحد إلى ردّها وإنكارها، ولو كانت حقًّا محضًا لم تكن بدعة، وكانت موافقة للسنَّة، ولكنّها تشتمل على حقّ وباطل، ويلتبس فيها الحقّ بالباطل، كما قال تعالى: وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 42].فنهى عن لبس الحقّ بالباطل وكتمانه، ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر، ومنه التلبيس، وهو التدليس والغشّ، الذي يكون باطنه خلاف ظاهره، فكذلك الحقّ إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحقّ، وتكلّم بلفظ له معنيان: معنى صحيح، ومعنى باطل، فيتوهَّم السامع أنَّه أراد المعنى الصحيح، ومراده الباطل،فهذا من الإجمال في اللفظ.وأمّا الاشتباه في المعنى فيكون له وجهان، هو حقّ من أحدهما، وباطل من الآخر، فيوهم إرادة الوجه الصحيح، ويكون مراده الباطل، فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة، والمعاني المشتبهة، ولا سيما إذا صادفت أذهانًا مخبطة، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصُّب ؟ فسَلْ مثبّت القلوب أن يثبّت قلبك على دينه، وأن لا يوقعك في هذه الظلمات. قال الإمام أحمد في خطبة كتابه في الردّ على الجهمية: <الحمد لله الذي جعل في كلّ زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون مَن ضلّ إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بكتاب الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه ضالّ قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن الكتاب تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب متفقون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلَّمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جُهَّال الناس بِمَا يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلِّين>. وهذه الخطبة تلقاها الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب، أو وافقه فيها>. اﻫبيان تلك الوسائل على وجه التفصيل:إذا تبيّن لك أخي الكريم ما ذكرته آنفًا، فلا بأس من أن نمضي سويًّا قُدُمًا للوقوف على تفصيل القول في كلّ وسيلة بالحجّة والبرهان، لكن بعد أن نتذكّر سويًّا بأنّ كلمة سرّهم هي: <أنّ أيّ وسيلة أو فكرة أو مقولة يراد لها أن تُروَّج بين الناس؛ فلابدّ من عرضها بثوب مُجْمَل ليقف منها الجميع ـ الموافق والمخالف ـ موقف الحياد على أقل تقدير>.فالوسيلة الأولى: العدل والإنصاف.قد ذكرت لك أنَّهم سلكوا هذه الوسيلة، ونادوا بها كي يُدْخِلوا الجماعات الإسلامية في جماعتهم المقترح إنشاؤها، مع بقاء كلّ فرد ضمن جماعته، ولكن يتعاون الجميع في المصالح المشتركة العامَّة، والأمور التي تحقّق الخير؛ فإذا حصل ذلك تكوّنت الجماعة العامَّة أو الجماعة الأمّ.فهم ينظرون إلى الخلاف بين الجماعات الإسلامية على أنّه خلاف تنوُّع، لا خلاف تضاد، خلاف في الجزئيات والفرعيات، لا في الكلّيات والأصول.وهذا لا شكّ جهل بواقع الجماعات الإسلامية القائمة ومناهجها ـ علمًا بأنّهم يزعمون أنّهم فقهاء واقع !هذا إذا لم يكونوا يعلمون، أمّا إن كانوا عالمين بفساد مناهج تلك الجماعات، ومع ذلك أدخلوا خلافهم ضمن الخلاف السائغ، فهذه خيانة عظمى، وغشّ لعامّة المسلمين، والله المستعان.واعلم ـ هديتُ وإيّاك للرشد ـ بأنّه قد تكلّم عن هذا المبدأ كثير من الكُتَّاب، والخطباء، والمحاضرين، في رسائل عديدة، وأشرطة كثيرة.فمن الرسائل: رسالة أحمد بن عبد الرحمن الصويان بعنوان: <منهج أهل السنَّة والجماعة في تقويم الرجال ومؤلّفاتهم>، وهشام بن إسماعيل الصيني في رسالة بعنوان: <منهج أهل السنَّة والجماعة في النقد والحكم على الآخرين>. وسلمان العودة في كتابه وشريطه: <من أخلاق الداعية>، وزيد الزيد في رسالته: <ضوابط رئيسة في تقويم الجماعات الإسلامية>، والمقطري في: <قواعد الاعتدال لِمَن أراد تقويم الجماعات والرجال>، وغيرها كثير.ولنأخذ منها رسالة تكون هي مدار البحث والمناقشة، مع تطبيق <كلمة السرّعلى النقاط المبحوثة، ولتكن رسالة: <ضوابط رئيسة في تقويم الجماعات الإسلاميةللزيد( )، إذ هي خلاصة تلك الرسائل.قال ـ وفّقه الله لكلّ خير ـ: <الضابط الأول: المرجع الأول لكلّ اختلاف كتاب الله وسنّة رسوله >.ثمّ ذكر الآيات والأحاديث الدالّة على وجوب إرجاع أيّ اختلاف وتنازع إلى كتاب الله وسنّة رسوله .وهذا الكلام فيه إجمال، لأنّ كلّ الجماعات الإسلامية تنادي بذلك، وتدّعي كلٌّ منها أنّها متمسّكة بالكتاب والسنّة، ومرجعة كلّ خلافها واختلافها إليهما.فالواجب أن يقال: <المرجع الأول لكلّ اختلاف؛ كتاب الله وسنّة رسوله على فهم السلف الصالح>.وإلاّ فالأشاعرة ـ بزعمهم ـ يرجعون إلى الكتاب والسنّة لكن بفهم أئمّتهم الأشعرية، وكذا الماتريدية، والجهمية، والمعتزلة، بل والرافضة ـ هذه دعواهم ـ كلّ يرجع إليهما، لكن بفهم شيخه وأصحاب طريقته، والجماعات الإسلامية كذلك يفعلون، لكن لَمّا أراد إدخال الجميع رفع هذا القيد، ولو أنّه صرّح به لخرجت جميع الطوائف، وبقيت الدعوة الصحيحة، لكنّه أجمل حتى يوافقه الجميع.قال الزيد: <الضابط الثاني: الاعتماد في التقويم على نصوص الجماعة وأنظمتها، لا على أقوال المنتسبين إليها...إنّ دراسة الجماعة والحكم عليها وتقويمها ينبغي أن يستند إلى نصوص نظامها ومستنداتها الرسمية فحسب.وليس من العدل والإنصاف أن تنتقص من جماعة لخطأ وقع فيه أحد أفرادها.وفرق كبير جدًّا بين رأي الفرد المنتسب إلى الجماعة، ورأي الجماعة، بل هناك فرق كبير بين رأي قائد الجماعة بصفته الشخصية، وصفته الرسمية، فما قاله بصفته الشخصية لا ينسب إلى الجماعة بحال من الأحوال.أليس الرسول يقول: ما روى ذلك أنس أنّه مرّ بقوم يلقحون، فقال: <لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلَحَ>. قال: فخرج شيصًا، فمرّ بهم فقال: <مَا لِنَخْلِكُمْ ؟>، قالوا: قلت: كذا وكذا، قال: <أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ>.فهذا قول الرسول وقد قاله بصفته الشخصية فقط، ونحن متعبّدين( ) بما قاله بصفته: <بشرًا رسولاًيُبلِّغ عن الله سبحانه وتعالى، ولذلك جاء في الرواية الأخرى، فقال: <إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ>. اﻫولنا مع هذا الكلام وقفات:الأولى: هذا الكلام أعطى لكلّ مبطل شبهة يدفع بها النقد الموجّه لجماعته ـ ولو كان النقد حقًّا ـ إذ لا يعسر عليه أن يقول: يا أخي هذا الكلام لم تقل به الجماعة، وليس هو من منهجها، بل هو قول ذلك الشخص وذلك القائد، لأنّه إنّما تكلّم بصفته الشخصية، لا الرسمية.فإذا قالوا ذلك، قلنا: فَلِمَ لم تأمر الجماعة ذلك الشخص بالمعروف وتنهه عن المنكر ؟ بل يجب على تلك الجماعة أن تتبرأ من تلك الأقوال المخالفة للشرع، وإلاّ كانت مقرَّة لها معتقدة إيَّاها.الثانية: هذا القول أشبه بقول بعض التبليغيين حينما قلت لهم: إنّ في كتابكم <تبليغي نصابمن الشركيات والبدع والأحاديث الموضوعة ما الله به عليم، فلماذا تعتمدونه، وتروِّجونه بينكم وبين غيركم ؟فقال لي أحدهم: يا أخي هذا الكتاب كتبه رجل محبّ للجماعة، لا أنّه من الجماعة.فقلت لهم: أرأيتم لو أنَّ دار الإفتاء قامت بطبع ونشر كتب علوي مالكي الخبيثة، أكان يغني في الذبّ عن فساد منهج الدار القول بأنّ كاتب هذه الكتب محبٌّ للدار، لا أنّه من أهلها ؟! الجواب: لا. فكذا فيما قلتم.وبالمناسبة، ينبغي أن تعلم أخي الكريم أنّ عند جماعة التبليغ مصطلحًا يميِّزون به بين الخارجين معهم، لا سيما إذا كان بينهم مَن هو مخالف لهم في المنهج، والأفكار، فإنّهم يقولون عنه حينما تسنح فرصة للتعارف: فلان محبٌّ للجماعة.ويقولون لِمَن كان منهم: فلان من الجماعة.ولهذا إذا أطلق المصطلح الأول على شخص ما، فإنّ صافرات الإنذار ـ غير المرئية وغير المسموعة ـ تنطلق، فيعامَل هذا الشخص معاملة معيَّنة، ومن أشخاص معيّنين، حتى تنتهي فترة خروجه، حفاظًا على الذين خرجوا معهم من أن يفسد عليهم عقولهم !!!الثالثة: قوله: <فهذا قول الرسول ، وقد قاله بصفته الشخصية فقط، ونحن متعبدين ـ هكذا ـ بما قاله بصفته بشرًا رسولاً>. اﻫ كلام باطل. إذ نحن متعبدون بكلّ ما قاله أو فعله أو أقرّه، إلاّ ما استثناه الدليل، ولهذا فإنّ الصحابة حينما سمعوا قوله: <لو لم تفعلوا لصلح>، لم يقولوا له: هل قلت هذا الكلام يا رسول الله بصفتك الشخصية ـ فنحن في حلّ ـ أو بصفتك الرسالية ـ إن صحّ التعبير ـ فنحن ممتثلون لك. بل بمجرّد سماعهم له تركوا التأبير، واستمرّوا على هذا الأمر حتى جاءهم البيان، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: <أنتم أعلم بأمر دنياكم>.الرابعة: أنّ هذا القياس إمّا فاسد، أو لا يؤدّي إلى ما يريد.توضيحه: أنّ الأصل في أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام وأفعاله وتقريراته: التشريع، لا ينتقل من هذا الأصل إلاّ بدليل ـ كما أوضحنا أدلّته ـ؛ فإذا كان ذلك كذلك، فقياس أيّ قائد جماعة على الرسول يجعل الأصل فيه أنّه إذا تكلّم أو فعل أو قرّر يُحمَل على صفته الرسمية، لا ينتقل من ذلك الأصل إلى صفته الشخصية إلاّ ببيان.وهذا القياس لا يؤدّي إلى ما يريد الزيد، لأنّه لم يلحق تلك الأقوال والأفعال ما ينقلها إلى الصفة الشخصية أي بيان، بخلاف قول المصطفى : <لو لم تفعلوا لصلح>، فإنّه لحقه البيان، وهو قوله: <أنتم أعلم بأمر دنياكم>.فَإِنْ جعل الأصل في الأمير الصفة الشخصية، فسد عليه القياس؛ لاختلاف الأصلين، إذ الأصل في الرسول عليه الصلاة والسلام الصفة التشريعية الرسالية، والأصل في الأمير الصفة الشخصية عنده.الوقفة الخامسة: هب أنَّا سلَّمنا لكم ذلك، فلماذا تتعلَّقون بشخص قال الباطل ودعا إليه وأمر به ؟ ولماذا لا نتَّحد وإيّاكم في ردعه ؟ ببيان فساد مقولته، والأخذ على يده وتحذير الناس من الاغترار به وبباطله، وذلك بتوجيههم إلى الحقّ وأهله، أمّا أن يسكت عنه، بل يعلِّق الشباب به، وذلك بتلميعه، وتمجيده، وتبرير أخطائه، فهذا موقف لا يحمده الشرع ولا العقل، لكونه غشًّا وخيانة.الوقفة السادسة: أنّ هذا قياس مع الفارق، إذ الحادثة التي قال فيها الرسول : <لو لم تفعلوا لصلح>، حادثة دنيوية، لا دينية، بخلاف زعمائكم، فإنَّهم لا يتكلّمون في أمر الدنيا، بل في أمر الدين، فافترقا، فلم يصحّ القياس، فتنبَّه !!!الوقفة السابعة: إذا قارن القارئ بين ما حكاه عن النووي ـ رحمه الله ـ في هذه الرسالة، وبين ما ذكره النووي ـ رحمه الله ـ في شرحه لصحيح مسلم (15/166)، يجد فرقًا بين الكلامين، لا يدلّ على ما ذكره الزيد، فليُرجَع إليه.قال الزيد:<الضابط الثالث: لا تتعرض للنقد إلاّ إذا كان يحقّق مصلحة راجحة>. اﻫاعلم ـ أخي الكريم ـ أنّ الخلاف بين الجماعات الإسلامية ليس من باب الخلاف السائغ، أو خلاف الفروع، إنَّما هو من خلاف التضاد والخلاف في الأصول.إذن ليس الخلاف بيننا وبين الجماعات من باب نقل الشخص من المنزلة المفضولة إلى المنزلة الفاضلة، وكذا العكس، بل نحن نحاول نقله من الضلالة إلى الهدى، ومن البدعة إلى السنّة، ومن الشرك والكفر إلى التوحيد والإيمان.فهل بعد هذا يصح أن يقال: لا تتعرّض للنقد إلاّ إذا كان يحقّق مصلحة راجحة ؟ فأين المصلحة الراجحة إذا تعارضت الضلالة مع الهدى، والبدعة مع السنَّة، والشرك مع التوحيد ؟لكن لَمَّا كان عرض أفكار هذه الجماعة بألفاظ مجملة، وجب التفصيل ليتضح الحقّ والصواب ـ بإذن الله تعالى ـ.إذا اتَّضح ذلك، فاعلم ـ أخي الكريم ـ أنّ ما نقله الزيد عن شيخ الإسلام لا يدلّ على ما يريد، إذا كان الخلاف من باب الخلاف في الأصول، لا الخلاف في الفروع، لكن لَمّا جعل الزيد كلامه مجملاً تسنّى له أن ينقل كلام شيخ الإسلام، لكنّك إذا أنزلته على واقع الجماعات الإسلامية اليوم، اتضح ما قلت لك سابقًا.فكلام شيخ الإسلام مُنْصَبٌّ على مَن نقل شخصًا من طريقة مفضولة إلى طريقة فاضلة، يوضّح ذلك قوله رحمه الله: <...فإنّ بعض المتفقّهة يدعون الرجل إلى ما هو أفضل من طريقته عندهم، وقد يكونون مخطئين، فلا سلك الأول، ولا الثاني، وبعض المتصوفة المريد يعتقد أنّ شيخه أكمل شيخ على وجه الأرض، وطريقته أفضل الطرق وكلاهما انحراف، بل يؤمر كلّ رجل أن يأتي من طاعة الله ورسوله بما استطاعه، ولا ينقل (تنبّه) من طاعة الله ورسوله بطريقته، وإن كان فيها نوع نقص أو خطأ، ولا يبيِّن (تنبّه) له نقصها، إلاّ إذا نقل إلى ما هو أفضل منهما، وإلاّ فقد ينفر قلبه عن الأولى (المفضولة وإن كانت حقًّا) بالكلّية، حتى يترك الحقّ الذي لا يجوز تركه، ولا يتمسّك بشيء آخر>. اﻫ [مجموع الفتاوى (14/433)].واعلم ـ أيضًا ـ أنّ ما نقله عن العزّ بن عبد السلام لا يدلّ على ما يريد، لأنّ الخلاف بين الجماعات خلاف في الأصول، لا في الفروع، وما ذكره العزّ إنّما هو من باب المسائل الفرعية، حيث قال: <الكذب مفسدة محرّمة، إلاّ أن يكون فيه جلب مصلحة أو درء مفسدة، فيجوز تارة ويجب أخرى، وله أمثلة:أحدها: أن يكذب لزوجته لإصلاحها، وحسن عشرتها، فيجوز...الثاني: أن يختبئ عنده معصوم من ظالم يريد قطع يده، فيسأله عنه، فيقول: ما رأيته: فهذا الكذب أفضل من الصدق...>.واعلم أنّ ما نقله عن ابن القيم ـ رحمه الله ـ قد حذف منه كلامًا هامًّا، يخلّ حذفه بمعنى المنقول، لأنَّه لو ذكره لفسد عليه ما يريد إثباته، فتعال معي ـ أخي الكريم ـ لتقف على حقيقة الأمر بنفسك.قال الزيد: <يقول ابن القيم الجوزية ـ يرحمه الله تعالى ـ إنّ النبي شرع لأمّته إيجاب إنكار المنكر، ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبُّه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله: فإنّه لا يسوغ إنكاره، وإن كان يبغضه ويمقت أهله...>. إلى أن قال: <ومَن تأمّل ما جرى على الإسلام من الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على المنكر، فطلب إزالته، فتولّد منه ما هو أكبر منه...>. ثمّ قال: <فإنكار المنكر أربع درجات:الأولى: أن يزول ويخلفه ضدّه.الثانية: أن يَقِلَّ وإن لم يزل بجملته.الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.الرابعة: أن يخلفه ما هو شرٌّ منه.فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرّمة.فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج، كان إنكارك من عدم الفقه والبصيرة، إلاّ إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحبّ إلى الله ورسوله، كرمي النشاب وسباق الخيل ونحو ذلك.وإذا رأيت الفسَّاق قد اجتمعوا على لهو ولعب، أو سماع مكاء وتصدية، فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله، فهو المراد، وإلاّ كان تركهم فيه شاغلاً، خيرًا من أن تفرغهم لِمَا هو أعظم من ذلك، فكان ما هم فيه شاغلاً لهم عن ذلك. وكما إذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون ونحوها، وخِفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر، فدعه وكتبه الأولى>.ولي معه في هذا النقل وقفتان:الأولى: حذفه لكلام هام جدًّا من كلام ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما أسلفت ـ حيث حذف بعد قوله: <فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنَّه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهلهقوله: <وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنّه أساس كلّ شرّ وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابة رسول الله في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم ؟ فقال: <لاَ، مَا أَقَامُوا الصَّلاَةَوقال: <وَمَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَصْبِرْ، وَلاَ يَنْزِعنَّ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِ>.وحذف: ـ أيضًا ـ بعد قوله: <فطلب إزالته فتولّد منه ما هو أكبر منه>، قوله: <فقد كان رسول الله يرى بمكة أكبر المنكرات، ولا يستطيع تغييرها، بل لَمّا فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت، وردِّه على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك ـ مع قدرته عليه ـ خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد، لِمَا يترتّب عليه من وقوع ما هو أعظم منه، كما وجد سواء>.والداعي في نظري ـ والله أعلم ـ لحذفه هذا الكلام المهمّ جدًّا هو أنّه لو نقله لفسدت عليه قاعدته التي ذكر، لأنّ مفسدة الإنكار على الجماعات الإسلامية، ليست كمفسدة الإنكار على الحكام والولاة، بل الأخيرة أعظم، لأنّ الإنكار على الجماعات الإسلامية يحقّق مصلحة لا مفسدة فيها، إذ ليس فيها إراقة دماء، ولا ذهاب مال وولد وبلد، وليس فيها فتنة في الدين والدنيا، بل فيها ردّ لهؤلاء من الضلالة إلى الهدى، ومن البدعة إلى السنّة، ومن الشرك إلى التوحيد، فأيُّ مفسدة في ذلك ؟ بخلاف الإنكار على الولاة بالخروج عليهم، ففيه فساد وإفساد للدين والدنيا، وذهاب الأمن والأمان، وفيه انتشار الهرج والمرج، فكانت مفسدته أعظم من مصلحته؛ فلذا لم يشرعه الشارع.وانظر في كلام ابن القيم حيث قال: <وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنّه أساس كلّ شرّ وفتنة إلى آخر الدهر>.ومن أسباب حذفه لهذا الكلام ـ أيضًا ـ هو: أنّه لو نقله لرآه وقرأه الشباب، ومن ثَمَّ وقر في قلوبهم عدم الخروج على الولاة، فإثباته لا يتناسب مع منهج مَن يريد إيجاد جماعة المسلمين وإمامهم ودولتهم، فوجب حينئذ حذفه.الوقفة الثانية: أنّ ما أثبته من كلام ابن القيم لا يؤدِّي إلى ما يريده، بل يؤدِّي إلى ضدّه.انظر إلى قوله ـ رحمه الله ـ: <فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج...>. اﻫ، فهل ترى ـ أخي الكريم ـ الجماعات الإسلامية لاعبة بالشطرنج فقط، كالفسَّاق الذين ذكرهم الإمام ابن القيم ؟ أو أنَّهم واقعون في البدع والضلالة ـ لا سيّما كبراءهم ـ كالقول بالحلول، والاتحاد، والتصوف، والدعوة إلى بعض أنواع الشرك، والدعوة إلى وحدة الصف مع الرافضة، بل مع الأديان السماوية ـ هكذا يزعمون ـ وبعضهم يدعو لترك الجهاد، والجهاد عنده عبارة عن الخروج والسياحة في الأرض، وآخرون منهم يرون الخروج على كلّ حاكم مسلم، أو غير مسلم، وأغلب الجماعات الإسلامية معادية لأهل التوحيد في هذه البلاد وفي غيرها.وما جرى لأهل كُنَر وأنصار السنَّة في السودان ليس منّا ببعيد بل ما جرى لنا في أزمة الخليج من وقوف الجماعات الإسلامية بأجمعها في الداخل والخارج مع طاغية العراق ـ أيضًا ـ ما هو منّا ببعيد.واسمح لي ـ أخي العزيز ـ بهمسة صادقة في أذنك؛ لعلَّنا نفيق ممّا نحن فيه:اعلم ـ أخي الكريم ـ بأنّ هذه الجماعات قد فشلت في تصحيح الأوضاع في بلادها التي انطلقت منها، فإذا كان ذلك كذلك، فليس لنا حاجة في تلك الدعوات الفاشلة، لا سيّما وقد أغنانا الله عنها بدعوة سلفية صحيحة، قامت على يد أئمّة صادقين، صالحين، مصلحين ـ ولا زالت ولله الحمد والمنَّة ـ تحميها دولة إسلامية، رافعة لراية التوحيد منذ وجدت إلى الآن، وبعده ـ إن شاء الله ـ؛ فما بالنا أُخَيَّ نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ؟!وإن أردت أَصْرَح من ذلك، فاعلم أنّه حينما قامت دولة التوحيد والدعوة السلفية التي سَمَّاها خصومنا في ذلك الوقت ﺑ <الدعوة النجديةأو ﺑ <الدعوة الوهابية>، لينفِرُّوا عنها المسلمين، وحينما فشل التحذير العلني من تلك الدعوة، أنشأوا طرقًا وجماعات دعوية، ليسهل لهم نقل فسادهم المنهجي والعقدي إلى هذه الدعوة وأهلها، مطبِّقين المقولة الفارسية الخبيثة: <أشغلوا هذا الرجل في عقر داره>.فجاءوا متسلِّلين، ومتسترين، متخفين، متمسّكنين، حتى إذا تمكّنوا، رفعوا عقيرتهم ورؤوسهم، عن طريق أبنائنا، وإخواننا، وآبائنا، الذين هم من بني جلدتنا، فدبَّ إلينا الخلاف، والشقاق، والفرقة، فأصبحنا جماعات وفرقًا وأحزابًا، بعد أن كنّا أمّة واحدة، على منهج سواء، فيا لِهول المصيبة وعِظم الخطب، فالله المستعان، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.إذا علمت هذا فاعلم ـ أيضًا ـ بأنّ كلام ابن القيم ـ رحمه الله ـ: <وإذا رأيت الفسَّاق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية...>. اﻫ، لا يدلّ على ما يريده الزيد ـ هدانا الله وإيَّاه ـ.أمّا كلام ابن القيم: <وكما إذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون ونحوها، وخِفْت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر، فدعه وكتبه الأولى>. اﻫ. فهو مؤدّ لضدّ ما يريده الزيد، بل هذا الكلام صادق على موقفنا حينما ننكر على الجماعات الإسلامية، إذ نحن ننكر عليهم الاشتغال بالكتب البدعية، والشركية، والضالَّة، ونريد أن ننقلهم منها إلى كتب السنّة، والتوحيد، والهدى.أمّا هم، فإنّهم ساعون في نقل فسَّاقنا ممّا هم عليه من المجون إلى البدع والضلالة، بل هم ناقلون صالحينا إلى ذلك.فالواجب عليهم حينئذ تجاه فسَّاقنا وصالحينا؛ تركهم على ما هم عليه، لا نقلهم إلى كتب الشرك، والبدع، والضلالة، والشعوذة.فتنبّه جيّدًا أخي الكريم، ولا تغرّنّك الشعارات البرَّاقة الجوفاء !!قال الزيد: <الضابط الرابع: بيان الحقّ دون التعرض للمخطئ>. اﻫتذكَّر ـ أخي الكريم ـ بأنّ هذا المنهج قائم على الإجمال، حين إرادة عرض منهجه ووسائله وأساليبه.إذا تذكّرت ذلك، فإنّه ينبغي أن تعلم بأنّ منهج السلف الصالح في الإنكار على المخالف له طريقتان:الطريقة الأولى: التصريح باسم المخطئ.الطريقة الثانية: التلميح.فليس منهج السلف التصريح بإطلاق، ولا التلميح بإطلاق، بل بحسَب الحاجة، فأحيانًا يكفي التلميح، وأخرى لابدّ من التصريح، فمنهج السلف شامل للنوعين والطرقيتين، وهؤلاء القوم يأخذون ما يخدم منهجهم من طريق السلف، فيعمّمون أو يخصّصون على نحو ما يريدون.وهذه الجماعة ـ كما أخبرتك ـ طرقها خفية جليّة، خفيّة على الجاهل، وصاحب النظرة السطحية ومحسن الظنّ، جلية على مَن عرف منهج السلف معرفة جيّدة، وعرف الطرق المخالفة له.ولأنّ هذه الجماعة تدَّعي أنَّها هي <جماعة أهل السنّة والجماعة>، وفي الوقت نفسه تذكر بعض أقوال السلف وتتمسّك بها، فهي أشبه بالأشاعرة في خفائها على بعض الناس، وعدم التمييز بينها وبين أهل السنَّة والجماعة من جهة، وعدم بعدها عن الحقّ ـ في الظاهر ـ على خلاف الفرق الواضحة، فلذا التبس أمرهم على كثير من الشباب.قال الزيد: <الضابط الخامس: العدل في النقد، بذكر الحسنات والسيئات...فالعدل حينئذ يقتضي أن يذكر الحسنات والسيّئات معًا.فليس من الإنصاف في شيء لِمَن ينصح جماعة من الجماعات الإسلامية، ومن ثمّ سائر الأمّة الإسلامية، أن يذكر الأخطاء والانحرافات والمساوئ فحسب، إنّ هذا كما هو مجاوز للعدل، فهو عرض مضلِّل لحقيقة الجماعة...>. اﻫ

وهذا الضابط ـ أخي الكريم ـ قلت لك من قبل: إنّهم نادوا به ورفعوه ليتسنَّى لهم الجمع بين الجماعات الإسلامية في جماعتهم المزعومة=========السلف، وموقف السياسيين.

5 أشخاص تم الوصول إليهم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق