الأربعاء، 18 مارس 2015

وقت خروجهم:

وأمّا ساعة صفرهم فأظنّها كانت في أزمة الخليج، حيث كانوا يعدُّون تلك اللحظة لحظة انطلاقهم، فلمّا جاءت الأمور في أزمة الخليج على غير ما كانوا يتوقّعون أرادوا العودة إلى السرِّية، إلاّ أنَّهم لم يستطيعوا ذلك، لأنّ الأمر قد خرج من أيديهم.

ـ قبل احتلال الكويت بشهرين ـ تقريبًا ـ ألقى ناصر العمر في الرياض محاضرة بعنوان: <أسباب سقوط الأندلس>، فجعلنا كالأندلس.

ـ وبعد وقع الاحتلال مباشرة، وبعد إفتاء هيئة كبار العلماء بجواز الاستعانة بالمشركين، انبرى سفر في الردّ عليهم في شريطه المعروف: <فستذكرون ما أقول لكم>، الذي أصبح ـ فيما بعد ـ كتابًا أسماه ﺑ <وعد كيسنجر>، بيّن فيه أنّ هذه الحادثة حادثة مفتعلة لاحتلال هذه البلاد. ومعلوم أنّ الدولة المحتلة يسقط وجودها الحقيقي، فينتج من ذلك أنَّه لا سمع ولا طاعة في أعناقهم لها لكونها قد سقطت، فوجب الدفاع، وحمل السلاح، والجهاد.

يدلّك على ذلك قوله للهيئة في ص (127 ـ 128): <.. أمَّا من جهة الواقع فالمناط مختلف جدًّا، وعلينا معرفته ومدارسته، والخروج بما يبرئ الذمَّة، ويسقط المؤاخذة، ويدفع عذاب الله عنَّا...>. اﻫ

فمناطه عند الهيئة <الاستعانة>، ومناطه عند سفر <احتلال>، فالحكم إذن مختلف، فالهيئة الحكم عندهم: الجواز، وسفر الحكم عنده: التحريم.

وانظر ـ أيضًا ـ إلى قوله في التفرقة بين الحكمين، وأنّ الهيئة في واد وهو في وادٍ آخر، قوله في كتاب <وعد كيسنجر> ص (131 ـ 134): <نستطيع الوصول إلى الحقيقة التي تبرأ بها الذمّة إن شاء الله:

ـ هل من الاستعانة أن يكون المستعان به جيوشًا غفيرة، ورايات كثيرة، لدول عظمى طامعة، تتحيَّن الفرصة لاقتحام المنطقة من سنين، ويصبح عددهم ثمانية أضعاف الجيش المستعين، أمَّا العدَّة والآلة فلا نسبة بين الفريقين ؟!

ـ هل من الاستعانة أن يصبح زعيم الجيوش المتحالفة، <بوش>، وهو صاحب الأمر والنهي في القضية، سلمًا أو حربًا إن شاء، وإن رفض التنازل مطلقًا ـ مع رضى صاحب القضية ـ آل الصباح ـ وبه، وكذا غيره من حكام المنطقة وربَّما قبل الصلح مطلقًا مع صدام؟

ـ كيف نوافق بين تقييد الضرورة زمانًا ومكانًا، وكمًّا، وكيفًا، وبين الواقع ؟

فمن جهة الزمن: لا تحديد لهم ولا يحدّه الأيام، والناس يعلمون أنّ الأمريكان يستأجرون المجموعات السكنية وغيرها بعقود طويلة، هذا مع قولهم إنّ الحرب قد تنشب.

ومن جهة المكان: هل تركوا مطارًا أو قاعدة عسكرية لم يَنْزلوها ؟

ومن جهة الكمّ: يسمع الناس كلهم أنَّهم كلّ يوم في ازدياد ألوفًا مؤلّفة، الأمريكان وحدهم سيزيدون عن (400000) ؟

ومن جهة الكيف: هم أصحاب القضية، وبيدهم زمام الموقف، فلا يقال لهم: كيف ؟ لا ندري أيقبلون أن يستعينوا بالجيوش العربية، ولو في بعض الأمور أم لا ؟

4 ـ هل من الاستعانة أن يكون الجندي المسلم شبه أعزل، والجندي الكافر المستعان به مدجّجًا بأحدث الأسلحة، من رأسه إلى أخمص قدميه، وتحسب الرصاصات على المسلم كلّما دخل أو خرج ؟

ـ هل من الاستعانة: أن يتحقّق ما خطّط له الأمريكان منذ عشر سنوات، وهو أن يكون للقوَّات السعودية والأمريكية قيادة مشتركة، ونظام اتصال موحّد، ونظام إنذار مبكّر موحّد، بحيث أصبحتا وكأنّهما شخصية معنوية واحدة ؟

ـ هل من الاستعانة: أن تقوم الجيوش المستعان بها بعمل المتاريس، ولاستحكامات على المنشئات البترولية، وشبهها، ويبنون قواعد عسكرية داخل المدن، ولسان حالهم يقول: إنَّما نحرسها من أهلها ؟ ولا يهمُّنا من البلد إلاّ هي ؟

7 ـ هل من الاستعانة: ما صرَّحت به بعض دول الحلفاء الكبرى ـ كفرنسا وروسيا ـ من أنَّها لن تدخل الحرب إلاّ بموافقة مجلس الأمن الدولي، أي: دون النظر إلى رغبة دول المنطقة ورأيها ؟

8 ـ هل من الاستعانة: أن يصرّح المستعان به بأنّ مهمّته هي تغيير البلد المسلم المستعين؛ لتصبح حياته على النمط الغربي سياسيًّا، واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وخاصة ما يتعلّق بالمرأة. واسمعوا إن شئتم إذاعة <صوت أمريكا>، واقرأوا صحفها كلّ يوم تقريبًا ؟

ـ هل من الاستعانة: أن تأتي إلى بلادنا جيوش لم نطلب نحن مجيئها وعونها، وإنَّما طلبتها أمريكا، حتى إنّ الدولة التي تتلكأ تؤنبها أمريكا، والدولة التي تريد سحب جيوشها أو تبديلها تستأذن أمريكا ؟

10 ـ هل من الاستعانة: أن يكون من أغراض نزول القوات المستعان بها في أرض الإسلام حماية أمن اليهود، كما صرّح بذلك زعماء أمريكا، وللعلم نقول: إنّ القائد العام لجيوش التحالف ـ نورمان شوارسكوف ـ يهودي !!

11 ـ هل من الاستعانة: أن تطالعنا صحافة الدول المستعان بها كلَّ يوم بانتقاص هذه البلاد، وتحقيرها، والسخرية من دينها، وشعوبها، وعلمائها، وحكامها، وهو ما لم تكن تفعله بهذه الكثرة من قبل، ومن ذلك ما نشرت التايم في 3 سبتمبر الماضي، من أنَّهم علَّقوا شعارًا على أحد الخطوط السعودية في أمريكا، يقول: <خذوا بترولهم واضربوا أدبارهم> ؟

12 ـ أَيُعقَل أن يكون موقفنا أمام صدام أضعف من موقف إخواننا المجاهدين الأفغان أمام الروس، ونحن أثرى بلد في العالم، وشعبنا معدن الشجاعة في الدنيا، وأرضنا قارة؟ هذا وصدام لم يهاجمنا، بل هو يردّد أنَّه لم يفكِّر في ذلك، أمَّا الروس فقد ملكوا البلاد كلَّها بالفعل، وحاربوا بأسلحة الدمار المحرَّمة دوليًّا بكلّ أنواعها ـ ما عدا النووي منها ـ وكان مصيرهم ما يعلمه العالم كلّه ؟

13 ـ لقد استطاع المجرم صدام بناء أسوار هائلة من الرمال، والحواجز، والألغام، تجعل اختراق الدبابات الأمريكية المتطورة صعبًا للغاية، أكان يعجزنا أن نفعل مثلها لنصدّ دبابته ؟ أمّا سلاح الجوّ فأستطيع الجزم بتفوُّق جيشنا فيه.

14 ـ ألم تستسلم عشرات الدبابات العراقية للمملكة، ولو لا الحواجز لتدفّق المزيد ؟ فلو كنَّا صادقين مع الله، معادين لأعداء الله، فاضحين لحزب البعث، مواسين لإخواننا المسلمين في العراق، فيما يعانونه، لاطمأنُّوا لنا، ولَمَا كان دخولهم حدودنا، لو أمر به صدام إلاّ استسلامًا لنا، بل ربَّما حولناهم إلى فاتحين للعراق، محرِّرين له من الكفر البعثي ؟

15 ـ وأخيرًا نسأل: أليس وقوع ما حذّر منه الناصحون، وأخبر به الصادقون، كما حذّروا، وأخبروا، دليلاً على أنّ الرائد لا يكذب أهله ؟ فلماذا لا يتاح لهم فرصة المزيد من النصح والتحذير ؟>. اﻫ

اعلم أخيّ ـ هديتُ وإيَّاك للرشد ـ بأنّ في كلامه السابق تجاوزات، ومجازفات، ومبالغات، بيَّنت الحرب كذبها، وبعدها عن الواقع؛ فلا داعي لمناقشتها.

ولكنَّ العجيب الغريب أنّ شريطه ذلك لم يدع بيتًا من الوبر ولا المدر إلاّ دخله، ومع ذلك يقول أتباعه: إنّ المسألة مسألة خلافية، وفي الوقت نفسه يلزمون الناس بتبنِّي رأيهم، ويشنعون النكير عليهم، بل لم ألتق بأحد على فكر هؤلاء، إلاّ وهو يعتقد أنّ المسألة <احتلال>، لا أنَّها مسألة استعانة، فقلت: سبحان الله، هذا موقف منهجي حركي منظَّم، لا أنَّه موقف شرعي؛ إذ لو كان موقفًا شرعيًّا لكان ـ على أقلّ تقدير ـ هناك خلاف بينهم، فمنهم مَن يجيز، ومنهم مَن لا يجيز، لكنَّني وجدتها مسألة اتِّفاقية، فعلمت أنَّه موقف منهجي حركي، دالٌّ على تنظيمهم، لا غير.

ـ وبعد شهر من أزمة الخليج ألقى ناصر العمر محاضرة في المنطقة الشرقية في الدمام، بعنوان: <لحوم العلماء مسمومة>. وذلك لأنّ سفرًا حينما خالف هيئة كبار العلماء، بدأ بعض الناس يتكلّم فيه، فأحبَّ الدفاع عنه، مبيّنًا أنّ المسألة خلافية على أبلغ تقدير، وما كان هذا شأنه فلا تثريب على من خالف.

قلت: حكم القاضي يرفع الخلاف بلا خلاف، فكيف إذا استفتى الوالي أو الحاكم علماءه في مسألة خلافية فاختلفوا عليه، ثمّ اختار أحد القولين؛ فهل يبقى للآخر ـ الآن ـ الكلام، ونشر خلافه، أم الواجب في حقّه السكوت بعد أن أدّى ما عليه، لا سيما والمسألة خلافية، والحاكم قد قضى بالعمل بأحد هذين القولين ؟!! فكيف إذا لم يحصل بين علمائه خلاف ؟!! أَوَ يَحِقُّ لأحد الآن تفريق كلمتهم ؟!!

وأتركك ـ أخي القارئ الكريم، بعد أن بيّنت لك ـ مع ناصر العمر قائلاً: <ثالثًا: قد يفتي بعض العلماء بفتوى لها أسبابها، فيخالفهم فيها آخرون من العلماء أو طلبة العلم، فيطعن في المخالف، ويتَّهم بإثارة الفتنة، وحب الظهور، وسرقة الأضواء، وقلة العلم... الخ.

وهذا تصرّف غير سليم، فعلينا أن ننتبه في هذا الأمر لِمَا يلي:

(أ) أنّ كلاًّ يؤخذ من قوله ويُردّ ـ وكذا أنتم ـ إلاّ رسول الله r، وما جاء به.

(ب) أنّ المخالِفين علماء، كما أنّ المخالَفين علماء، فيجب تقدير المخالِفين، وحفظ أعراضهم، وعدم أكل لحومهم.

(ج) أن نعلم أنّ الرجال يُعرَفون بالحقّ، وليس الحقّ يُعرَف بالرجال.

(د) أن نتثبّت من صحّة الفتوى، واكتمال شروطها عند كلّ فريق من الفريقين، فالمهم هو صحّة الفتوى، واكتمال شروطها، بغضّ النظر عن الفريق الذي صدرت منه من الفريقين>. اﻫ

قلت: ما شاء الله يا ناصر، أصبحت حكمًا على العلماء، فتعرف مَن أصاب الحقّ ومَن أخطأه، لأنَّك قد عرفت مَن توفّرت في فتواه شروط صحّتها واكتمالها !!!

(ﻫ) أنّ مسائل الاجتهاد يسوغ فيها الخلاف، ولقد وقع الخلاف بين الصحابة في فهم قول الرسول r: <لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمُ العَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ> رواه البخاري، ووقع الخلاف بينهم بعد وفاة الرسول r، لكنَّ ذلك لم يؤدّ بهم إلى الفتنة والطعن في الأعراض.

فيجب إذن: ألاَّ نضيِّق على أنفسنا، وأن تتَّسع صدورنا للخلاف في المسائل الاجتهادية.

(و) أنّ المخالفة ليست خطأ، ولا عبرة هنا بصغر سنّ المخالف أو كبره، بل العبرة بتوافر شروط الفتوى، ولم يزل العلماء قديمًا وحديثًا يخالف صغيرُهم كبيرَهم، وقد يكون الحقّ مع الصغير.

ومن أمثلة ذلك أنّ ابن تيمية !!! ـ رحمه الله ـ خالف علماء بلده مِمّن هو أكبر منه سنًّا وثبت أنّ الحقّ معه>. اﻫ

قلت: فكذا سفر على حدّ قوله هذا !!!

3 ـ وبعد شهر آخر من أزمة الخليج، وبعد إلقائه لتلك المحاضرة، قام ناصر العمر ـ أيضًا ـ بإلقاء محاضرة أخرى له في <أَبْها> بعنوان: <فقه الواقع>، فرفع فيها من شأن السياسيين، وحطّ فيها من أقدار أهل العلم الكبار، ـ بل وصف بعض أهل العلم بالعلمنة الفكرية كما في شريطه، فالله المستعان على ما يصفون ـ مشيرًا بذلك إلى أنّ فتوى هيئة كبار العلماء لم تكن مطابقة للواقع، بخلاف غيرهم مِمّن خالفهم؛ لكونه فقيهًا بالواقع.

4 ـ وبعد شهر آخر من أزمة الخليج قام سلمان العودة بإلقاء محاضرة له في الرياض، بعنوان: <أسباب سقوط الدول>، فذكر فيها أسبابًا طبَّقها على واقعنا.

5 ـ وحينما وقعت فتنة النساء اللاتي خرجن في الرياض، هاج وماج كثير من الشباب، وكادت أن تقع فتن لو لا أنّ الله سلّم. وفي ذلك الوقت قام ناصر العمر بإلقاء محاضرة بعنوان: <السكينة السكينة> !!

وتذكّر ـ أخي القارئ ـ قول القائل لسلمان: <نريد بطئًا ولكن أكيد المفعول>.

ولَمّا انكشفت الغمّة، وطُرِد صدام من الكويت، وعاد أهلها إليها، وانسحبت القوات الأجنبية من الجزيرة، أُسْقِط في أيدي القوم، فقيل لهم: أين ما كنتم تزعمون من الاحتلال ؟

قال لسان حالهم ومقالهم: أنتم اعتقدتم أنّه احتلال عسكري، هذا من سوء فهمكم !!! وإنَّما عنينا به الاحتلال الاقتصادي، والسياسي، والفكري... الخ !!!

قلت: هذه التربية الصوفية الباطنية بعينها، فَلِمَ لا تعترفون بأنَّكم ـ كنتم ـ مخطئون ؟!!

ـ وبعد تحرير الكويت قام السياسيون بذكر بعض الآثار المترتبة على الاستعانة بالمشركين؛ ليبيِّنوا للناس أنّ الهيئة، هيئة كبار العلماء لم تكن موفَّقة حينما أجازت الاستعانة بالمشركين، لا من حيث الأدلة الشرعية، إذ مناط الحكم مختلف، ولا من حيث ترجيح المصالح على المفاسد، فما ترتّب على الاستعانة بهم من الفساد أعظم من المصالح، فالهيئة مخطئة في كلا الحالين.

فألقى سلمان العودة محاضرةً بعنوان: <هشيم الصحافة الكويتية>، بيَّن فيها أنّ الصحافة الكويتية لم ترتدع عن غيّها، بل ازدادت سوءًا فوق سوئها الأوّل، فهذه واحدة.

وألقى ـ أيضًا ـ بعد ذلك محاضرة باسم <تحرير الأرض أم تحرير الإنسان>، قائلاً لِمَن أجاز الاستعانة بالمشركين: أنتم حينما جئتم بهؤلاء وصرفتم عليهم الأوقات والأموال الكثيرة، هل كان هدفكم طرد طاغية العراق، وجعل طاغية آخر مكانه هو طاغية الكويت ؟ فإنَّكم حينئذٍ لم تصنعوا شيئًا، إذ ليس هذا هو المقصود من التحرير <تحرير الأرض>، وإنَّما المقصود من التحرير هو تحرير الإنسان من عقائده الفاسدة، وربطه بالله، وإقامة حكم الله في تلك الأرض، ولم يحصل شيء من ذلك.

قلت: وأنتم حينما وقفتم مع الأحزاب الظالمة، والمبتدعة، والضالّة المضلّة، ضدّ الموحّدين من أهل كنر، وحصل ما حصل من انتهاك الحرمات، وسفك الدماء، ومن ثَمّ توجّهت تلك الأحزاب ـ بزعمكم ـ إلى إسقاط كابل بعد سقوط خوست، هل كان المقصود <تحرير الأرض، أم تحرير الإنسان> ؟!!

يا سلمان: هل المقصود تحريرها من الشيوعيين الروس، مع بقاء الشيوعيين الأفغان إلى جانب الصوفية، والباطنية، والرافضة ؟!! أو المقصود <تحرير الإنسان> وتعلقيه بربِّه، وطرد الشيوعيين، وإعطاء الأرض للموحّدين ليقيموا حكم الله هناك ؟!!

ـ وقام سلمان ـ أيضًا ـ بإلقاء محاضرة تكلَّم فيها عن التنصير في جزيرة العرب، أرعد فيها وأبرق، وبالغ فيها ما شاء الله له أن يبالغ، ولم يذكر أنّ محمّد العكَّاس ـ موظف في أرامكو ـ قد أسلم على يديه أكثر من (2000) عسكري أمريكي، وعقد دورات ومجالس مناظرة في المنطقة الشرقية، وعلى كلٍّ فأنا لا أختلف معه في أنَّه يجب أن يمنع هؤلاء النصارى من السعي في بثّ سمومهم، والدعوة إلى دينهم، لا هنا، ولا في بلاد المسلمين الأخرى.

ولكن أين هذا الموقف من حكومة البشير والترابي ـ التي تمدحونها ليل نهار ـ والتي نائب الرئيس فيها نصراني، وفي مجلس حكومته عشرات من النصارى؟!! بل أين الكلام عليها حينما استقبلت البابا، وهو رافع لصليبٍ طوله أكثر من عشرة أمتار ؟!!

بل أين الكلام عن دعوة السودان لوحدة الأديان، ورعايتها لهذا المؤتمر في أرضها ؟!! بل أين الكلام على مَن استحلّ دماء المسلمين من أنصار السنّة في بيت من بيوت الله بعد صلاة الجمعة، كما استحلّ اليهود دماء المسلمين في فلسطين ؟!!

بل أقول له: هذه شركة تنقيب النفط <أرامكو> فيها نصارى، ولها أكثر من خمسين عامًا تنقب عن النفط في المملكة؛ فأتني يا سلمان بسعودي تنصَّر في الخمسين سنة.

ومِمّا تكلّموا عنه ـ أيضًا ـ <مؤتمر السلام>، و<البث المباشر>، وغيرهما، زاعمين بأنّ هذه الآثار السيئة إنّما كانت بسبب الاستعانة بالمشركين، فما هي المصالح التي حقّقناها يا ترى ؟!!

واعلم أخيّ ـ هُديت للرشد ـ بأنّ مشايخنا ـ حفظهم الله ورعاهم وسدّد لكلّ خير خطاهم آمين ـ حينما وقعت أزمة الخليج وقفوا خلف علمائنا الكبار أهل العلم والفضل، وخلف وُلاَّتنا وقادتنا، ناصحين لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمّة المسلمين، وعامّتهم، مناصحين لأولئك السياسيين بأشرطة، ورسائل، وكتب، وغيرها، رادّين عليهم ما رأوه باطلاً من أقوالهم، وكتاباتهم، وأشرطتهم، لعلّهم يرجعون إلى الحقّ، ولعلّهم يفيقون مِمّا هم فيه. فلم يزدهم ذلك الفعل، وذلك الموقف؛ إلاّ نفورًا، وتماديًا في الكيد لأولئك الكرام الفضلاء النبلاء.

فارتاب مشايخنا من ذلك الموقف، وعلموا أنّها مواقف سياسية، منهجية، حزبية، لا شرعية.

ثمّ لَمّا حصلت حادثة كُنَر، لم يفاجئهم شيء أغرب من موقف أولئك السياسيين، حيث نادوا قائلين: <إنّنا لا ندري حقيقة الأمر، وما يجري بين المجاهدين، ولا ندري حقيقة مَن المظلوم من الظالم ؟ بل كلّ ما نعرفه هو معلومات عامّة عن هذا أو ذاك، بل تلك فتنة حفظ الله منها أيدينا فلنحفظ منها ألسنتنا، وإنّنا ندعو الجميع بالالتزام لما يقرّره علماؤنا. وهذا نداء من إخوانكم في الهيئة العامّة لاستقبال التبرعات يطلب منكم ذلك فأجيبوه>.

قال مشايخنا ـ حفظهم الله ـ سبحان الله ! كانوا عالمين بفقه الواقع في أزمة الخليج، وأنّه كان يخطّط لهذه الأزمة منذ أكثر من عشر سنوات، وأنّهم فعلوا، وفعلوا، وفعلوا... إلى ذلك الهذيان الصحفي.

أمّا الجهاد الأفغاني، الذي له أكثر من عشر سنوات ـ أيضًا ـ وهو جهاد في جملته حقّ، لم يفقهوا واقعه، ولا واقع تلك الأحزاب، وتلك الجماعات، ولم يعلموا السنِّي منهم من البدعي، ولا المحقّ من المبطل، وهم العلماء بفقه الواقع!!! إنّ هذا لشيء عجيب غريب مريب.

وفي أزمة الخليج خالفوا العلماء قاطبة، وهنا يدعون الناس إلى الوقوف خلفهم !!!

وهنا يعترفون بأنَّهم لا يعلمون المحقّ من المبطل، ولا الظالم من المظلوم، ومع ذلك ينادون بجمع التبرعات لهم، فهل هذا هو الموقف الشرعي، والحال هذه، أو أنّه موقف سياسي ـ أيضًا ـ ؟!!

وأيضًا لِمَن مِن هؤلاء ستعطون التبرعات، وأنتم لا تعلمون المظلوم من الظالم ؟!!

ومِمّا سبق ـ ومن غيره ـ أصبح لدى مشايخنا ـ الفضلاء النبلاء الشرفاء الكرماء ـ قناعة تامّة بأنّ لهؤلاء أهدافًا، وغايات، ومناهج، وسياسات، وارتباطات فكرية، يقام بتوجيهها من الخارج.

ولَمّا علم أولئك السياسيون بأنّ أولئك المشايخ قد وقفوا على حقيقة أمرهم، خشوا من أن يفضحوهم عند العلماء وعند العامّة، فقاموا ساعين في التشكيك فيهم عند أولئك، فرموهم بالجاسوسية([1])، وبالعمالة، وبأنّ دافعهم في الكلام في الدعاة إنّما هو الحسد والحقد الدفين، وأنّهم بهذا الصنيع ساعون في تفريق الأمّة، وتمزيق وحدتها، وتشتيت شملها؛ فيسهل على الأعداء اقتناصها حينئذ، فأجلبوا على مشايخنا بخيلهم ورجلهم، وما أوتوا من قوة في التدليس، والتلبيس، والتشويه، حتى لا تقوم لهم قائمة، ولا يسمع أحد منهم قولاً، ولا نصحًا، بل لعلّها أن تخرس ألسنتهم، وتكفّ أيديهم عن الكتابة فيهم.

فسَعَوا في استصدار بيان من الشيخ عبد العزيز بن باز ـ حفظه الله ورعاه ـ فيهم، وبعد إلحاح شديد أصدر الشيخ بيانًا عامًّا، قام أولئك السياسيون فيما بعد بشرحه، وبيانه، وتَنْزيله على مشايخنا، حيث أوهموا العامّة، بأنّ الشيخ إنّما كان قصده الدفاع عن أعراض الدعاة ـ أي: هم ـ حينما تطاول عليها المتطاولون المعتدون ـ هكذا بزعمهم.

وإليك ـ أخي القارئ الكريم ـ بعضًا من أقوال أولئك السياسيين في مشايخنا الكرام، مردفًا تلك الأقوال بالبيان الشافي الكافي من صاحب البيان الأوّل ـ أي: الشيخ عبد العزيز ـ لتعلم حينئذ الصادق من الكاذب، والمحقّ من المبطل.

فإذا عرفت ذلك، فاتبع الصادق المحقّ، واترك الكاذب المبطل.

قال سلمان في شريطه <تحرير الأرض أم تحرير الإنسان>:<...يا أخي: الخطاب الذي قرأته عليكم، نحن اقترحنا على الشيخ عبد العزيز إخراجه منذ ثلاثة أشهر، وكان مقتنعًا بإخراجه، لكنَّ كثرة مشاغل الشيخ حالت دون ذلك... والواقع أنّه أبدًا الموضوع بكامله أنا على علم به، منذ أن كان هذا الخطاب فكرة، ومشروع، وكيفية صياغته، وتوقيع الشيخ عليه، وما يتعلّق به وأبعاده !!! والمقصود به بعض المرجفين في المدينة>([2]). اﻫ

وسأله شخص قائلاً: لِمَ لا يتمّ... فضح الأشخاص الذين تكلّموا على العلماء والدعاة ما دام أنَّهم على باطل ؟!!

فأجاب بقوله: <يكفيك ما سوّد الله به وجوههم من خلال خطاب الشيخ عبد العزيز...>.

وقال محمّد سعيد القحطاني في أحد دروسه، في شرح <مختصر معارج القبول>، في مدينة جدة، حيث قال: <..يأتي هؤلاء السفهاء فيروِّجون بأشرطة مأجورة للطعن، ويجيدون كتابة التقارير في الخلف على هؤلاء العلماء.. وهم شرذمة ـ ولله الحمد ـ ومعروفين ـ هكذا ـ ولا ننجِّس هذا المجلس بذكر أسمائهم.

هم معروفين (هكذا !!)، فرفضوا نصيحة الشيخ، ثمّ تكرر هذا الأمر منهم ـ حفظه الله ـ معهم ـ فأبوا إلاّ العناد، والتشهير، والتشكيك، فكتب ـ حفظه الله ـ هذه النصيحة..>. اﻫ

ومِمّن شرح هذا البيان شرحًا تفصيليًّا سفر الحوالي، ولا أطيل بنقل كلامه إذ هو كسابقه.

وبعد: إليك ـ أخي الكريم ـ الردّ الصارم المنكي على تلك الترهات والشنشنات، والطنطنات، فاستمع للحقّ واتَّبعه، فإنّ الحقّ أحقّ أن يتبع.

سئل سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ حفظه الله ـ عن مراده بالبيان الصادر عن سماحته، فأجاب سماحته في تاريخ 28/7/1412ﻫ، في مكة المكرمة بما نصه <وذلك عن شريط مسجّل>:

<بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله على رسوله، وعلى آله وأصحابه، أمَّا بعد:

فالبيان الذي صدر منا، المقصود منه دعوة الجميع، جميع الدعاة والعلماء، إلى النقد البناء، وعدم التعرض بالتجريح لأشخاص معينين من إخوانهم الدعاة، بل كلّ واحد ينصح لله ولعباده، وإذا علم من أخيه خطأ ناصحه بالله عزّ وجلّ، بالمكاتبة، أو بالمشافهة، من دون تجريح في أشرطة، أو صحافة، أو غير ذلك، حتى تبقى القلوب مستقيمة، ومستمرّة على المحبَّة، والولاء، والتعاون على البرّ والتقوى، وليس المقصود إخواننا أهل المدينة من طلبة العلم والمدرسين والدعاة، وليس المقصود غيرهم في مكة أو الرياض أو في جدة، وإنَّما المقصود العموم.

وإخواننا المشايخ المعروفون في المدينة ليس عندنا فيهم شكّ، هم من أهل العقيدة الطيِّبة، ومن أهل السنَّة والجماعة، مثل الشيخ محمَّد أمان بن علي، ومثل الشيخ ربيع بن هادي، ومثل الشيخ صالح بن سعد السحيمي، ومثل الشيخ فالح بن نافع، ومثل الشيخ محمّد بن هادي، كلّهم معروفون لدينا بالاستقامة، والعلم، والعقيدة الطيِّبة، نسأل الله لهم المزيد من خير، والتوفيق لِمَا يرضيه.

ولكن دعاة الباطل، وأهل الصيد في الماء العكر، هم الذي يشوّشون على الناس، ويتكلّمون في هذه الأشياء، ويقولون: المراد كذا، والمراد كذا !! وهذا ليس بجيِّد، الواجب حمل الكلام على أحسن المحامل، وأنّ المقصود: التعاون على البرّ والتقوى، وصفاء القلوب، والحذر من الغيبة التي تُسبِّب الشحناء والعداوة.

نسأل الله للجميع التوفيق والهداية>. انتهى

وهذا نصّ جواب سماحة الشيخ العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ حفظه الله ـ على سؤال ألقي عليه حول البيان السابق، وذلك في برنامج <نور على الدرب>.

نص السؤال: من المواطن <ع. ف. غ>، يقول: صدر من سماحتكم بيان منذ أسبوعين تقريبًا، حول ما ينبغي للدعاة والعلماء من النقد البناء، وعدم تجريح الأشخاص، فتأوّله بعض الناس على أناس معيَّنين، فماذا ترون في هذا التأويل ـ جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم ـ ؟

نص الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلَّى الله على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه، أمّا بعد: فهذا البيان الذي أشار إليه السائل، أردنا منه نصيحة إخواني العلماء والدعاء، بأن يكون نقدهم لإخوانهم فيما يصدر من مقالات، أو نصيحة، أو محاضرة، أو ندوة، أن يكون نقدًا بنّاءً بعيدًا عن التجريح، وتسمية الأشخاص، لأنّ هذا يسبِّب شحناء وعداوة بين الجميع، وكان من عادة النبي r وطريقته، إذا بلغه عن أصحابه شيء لا يوافق الشرع نبَّه على ذلك بقوله r: <مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا>، ثمّ يبيِّن الأمر الشرعي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ومن ذلك: أنّه بلغه أنّ بعض الناس قال: أمَّا أنا فأصلي ولا أنام، وقال آخر: أمّا أنا فأصوم ولا أفطر، وقال آخر: أمّا أنا فلا أتزوّج النساء، خطب الناسَ r، وحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: <مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي>. والمقصود هو ما قاله النبي r.

مقصودي بأنَّ التنبيه يكون بمثل هذا الكلام، وبعض الناس يقول كذا، وبعض الناس قال كذا، والواجب كذا، والشرع كذا، يكون الانتقاد بغير تجريح لأحد معيّن، ولكن من باب الأمر الشرعي، أنّ الواجب كذا، وأنّ المشروع كذا، وينبغي كذا، ومن غير أن يقال: فعل فلان، وقال فلان، حتى تبقى المودّة والمحبَّة بين الإخوان، وبين الدعاة وبين العلماء، ولست أقصد بذلك أناسًا معيَّنين، وإنَّما قصدت العموم، قصدت جميع الدعاة، وجميع في الداخل والخارج.

نصيحتي للجميع: أن يكون التخاطب فيما يتعلّق بالنصيحة والنقد من طريق الإبهام، لا من طريق التعيين، إذ المقصود التنبيه على الخطأ والغلط، والتنبيه على ما ينبغي في هذا المقام من بيان الصواب والحقّ، من دون حاجة إلى تجريح فلان أو فلان، هذا هو المقصود، وليس المقصود أحدًا معيّنًا بذلك دون غيره، وفّق الله الجميع>. انتهى

وبعد أن قرأت ـ أخي الكريم ـ بيان الشيخ  ـ حفظه الله ـ لبيانه الأول، وعلمت الصادق من الكاذب، والمحقّ من المبطل؛ أزف إليك خطاب هيئة كبار العلماء في إيقاف أولئك السياسيين عن المحاضرات، والندوات، والخطب، والدروس العامَّة، والتسجيلات، معلّلين لك سبب ذلك، بقولهم: <حماية للمجتمع من أخطائهما>. فاقرأ، وافهم ـ هُديتُ وإيَّاك لكلّ خير آمين ـ [انظر الخطاب في الصفحة التالية].




([1]) اعلم ـ أخي القارئ ـ أنّه لَمّا اعتقدت كلّ جماعة أنّها هي جماعة المسلمين أو هي جزء منها، وحكمت على الحكام بأنّهم كفار وطواغيت لتحكيمهم القوانين الوضعية ـ بزعمهم، وإلاّ فنحن في هذا البلد الطيب يحكمنا الشرع ونحكم به ـ وكان هناك كثير من العلماء وطلبة العلم والعامة لم يدخل في تنظيمهم، رموهم بالجاسوسية، لا سيما إذا نصحوا لله ورسوله وأئمّتهم من المسلمين، وذلك ببيان أخطاء وانحرافات هؤلاء الحزبيين، لأنّ هؤلاء في نظر الحزبيين والحال هذه مظاهرين للكفار والمنافقين ـ أي الحكام ـ على المسلمين وجماعتهم، فإذا وصفوا شخصًا بأنّه جاسوس، فكأنّهم حكموا بردّته والعياذ بالله.
([2]) قال عائض القرني في معالمه ص (17 ـ 18): <وحرام الكذب على عباد الله عزّ وجل، والكذب على العلماء أشدّ، كتحميل أقوالهم ما لا تحتمله، ونسبة ما لم يقولوه إليهم، والانقطاع من كلامهم ما يوافق هوى المتكلّم، دون أن يكون هذا الكلام مقصودًا>. اﻫ
قلت: وممن نزّل بيان الشيخ عبد العزيز على أهل المدينة عائض نفسه !!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق