الثلاثاء، 17 مارس 2015

من هم أسباب الفتن وأسسها ورؤوسها ومثيروها)

الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه ومن اتبع هداه.

أما بعد: فقد أسلفتُ مِن رَدي على مقال "السبب (الأساس) وراء إثارة الشيخ ربيع المدخلي للفتن بين السلفيين" حلقة أولى بينتُ فيها بالأدلة الواضحة بطلان دعواهم القائمة على الهوى وقلب الحقائق وجعلهم الظالم مظلومًا، وبينتُ بالأدلة الواضحة أن الحلبي والمأربي وعصابتهما هم أسباب الفتن ومثيروها بداية ونهاية، وأنهم يسعون في الأرض بالفساد وتفريق شباب السنة وإفساد كثير منهم، وبعض ما بينته من فتن هذه العصابة كافٍ في إدانتهم -عند ذوي الدين والعدل والعقل والشرف- بالبغي والسعي في الأرض بالفساد.

أما أهل الأهواء والتبعية العمياء فلا يؤمنون بالحق الواضح والحجج الساطعة فلهم نصيب من قول الله تعالى في أهل الضلال: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) ونسأل الله أن يجعل الكثير منهم ممن استثنى الله.

واليوم أقدم للقراء الحلقة الثانية من الرد على مقالهم السالف الذكر، وفيه من الحجج ما يدحض أباطيلهم ويدفع ظلمهم وتشويههم القائم على الجهل والهوى القاتل.

1- قالوا في طليعة مقالهم: " الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على رسوله الأمين , وصحابته أجمعين .

أما بعد:

فإن ما تعايشه الدعوة السلفية من تمزق وتناحر بين أبنائها والمنتسبين إليها واقع لا يجحده إلا مكابر ؛ فأمثلته عديدة ، ومحاوره كثيرة ، وأطرافه متشعبة ، ومراتبه متفاوتة .

ومن أمثلة هذا الواقع المرير: ما جرى بين الشيخ ربيع المدخلي وأتباعه وأنصاره من جهة، ومخالفيه من المشايخ السلفيين وأتباعهم وأنصارهم من جهة أخرى ، وذلك على مدى أكثر من عقد ونصف من الزمان ؛ فكنّا نسمع بـ (فتنة عرعور)! و(فتنة المغراوي)! و(فتنة ألمأربي)! و(فتنة العيد شريفي)! و(فتنة الحربي)! وأخيراً –ولا نظنّه آخراً- (فتنة الحلبي)!".

التعليق:

أقول: انظر إلى قولهم : " ومن أمثلة هذا الواقع المرير: ما جرى بين الشيخ ربيع المدخلي وأتباعه وأنصاره من جهة، ومخالفيه من المشايخ السلفيين وأتباعهم وأنصارهم من جهة أخرى".

انظر هذا المكر الحزبي:

أ- كيف جرد هؤلاء المشرفون أو علي الحلبي ربيعاً وإخوانه من السلفية، وأضفوا وصف السلفية على مخالفيهم، فوصفوهم بالمشايخ السلفيين وربيع وإخوانه لم يحاربوا أي سلفي لا من المشايخ ولا من طلاب العلم، وإنما خالف ربيعاً وإخوانه من المشايخ السلفيين قوم لا علاقة لهم بالمشيخة السلفية من قريب ولا من بعيد.

إنما هم قوم تخرجوا من الشوارع، ولعلهم من المسارح، إلا المغراوي الذي ضموه إلى صفهم لخفة عقله، وما عرفوا إلا بالشغب على السلفية والسلفيين نيابة ودفاعاً عن أهل البدع.

ب- صوروا المشايخ السلفيين -الذين أدانوا عصابتهم الظالمة- بأنهم أتباع وأنصار ربيع، وهذا من مكرهم واستهانهم بعلماء السنة، بل من إسقاطهم لهم وتصويرهم بأنهم مجرد أتباع مقلدين للشيخ ربيع، وحاشاهم ثم حاشاهم مما يرميهم به المبطلون.

2- قولهم أو قول الحلبي : " فكنّا نسمع بـ (فتنة عرعور)! و(فتنة المغراوي)! و(فتنة ألمأربي)! و(فتنة العيد شريفي)! و(فتنة الحربي)! وأخيراً –ولا نظنّه آخراً- (فتنة الحلبي)!".

أقول: هل كنتم تعيشون في المريخ أو في عالم آخر؟، لو كنتم سلفيين ما كنتم بعيدين عن سماع هذه الفتن وإدراكها على حقيقتها، ومن هم أهلها ومثيروها.

وإضافتكم هذه إلى عرعور ورفاقه إضافة حقيقية وواقعة فعلاً جاءت من حيث لا تشعرون.

ألم تعلموا أن عدنان هو الذي بدأ الفتنة أولاً من أجل سيد قطب لما كتب ربيع كتابه "أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره"، ومن ضمن عقائد سيد قطب وحدة الوجود والحلول والجبر، وعدم قبول الأحاديث النبوية في العقائد؛ لأنها عنده من أخبار الآحاد، ومن ضمن عقائده السخرية والطعن في نبي الله موسى –عليه السلام- والطعن في الخليفة الراشد عثمان –رضي الله عنه- وإسقاط خلافته وأنه حطم روح الإسلام، وطعون كثيرة في هذا الخليفة الراشد، ثم الطعن في باقي الصحابة –رضي الله عنهم- في عصره .

ومن عقائده تعطيل صفات الله -عزّ وجل- والقول بأزلية الروح، إلى بدع أخرى كثيرة.

فذهب يحارب هذا الكتاب ويحارب السلفيين حتى تناول في ذلك الإمام أحمد بن حنبل ومن الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته.

ويدّعي أن السلفيين لا أخلاق لهم ولا أصول عندهم.

وذهب يشيد بسيد قطب وكتبه وتأصيله ويقرن بينه وبين الإمام ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب في بيان التوحيد بما في ذلك الأسماء والصفات.

وذهب يحارب أصول أهل السنة بأصول باطلة اخترعها للدفاع عن أهل البدع. وقد أبطل منهجه وأصوله ثلاثة عشر عالماً([1])، على رأسهم العلامة ابن عثيمين، فسخر منهم وطعن فيهم، ولم يرجع عن أباطيله وتأصيلاته الفاسدة إلى يومنا هذا.

ومع كل هذه المخازي يقف الحلبي إلى جانبه ، يدافع عنه بطريقة ماكرة، ويحكم له بالسلفية، ثم يقول: لكن عنده أخطاء ، يعني أخطاء اجتهادية قد يؤجر عليها ولا تهز مكانته العظيمة في السلفية في منهج الحلبي الذي يسع أصناف أهل الضلال.

أما المأربي فحدث عنه ولا حرج من دفاعه الظالم الباطل عن سيد قطب الذي أسلفنا قبل بعض ضلالاته الكبرى وعن جماعة التبليغ وعن الإخوان المسلمين وحتى عن دعاة وحدة الأديان وحرية الأديان وأخوة الأديان([2])، ويؤصل لهذا الدفاع أصولاً كثيرة، عرفها أهل السنة، وعلى رأسها المنهج الواسع الأفيح، الذي يسع أهل السنة أي جماعة التبليغ والإخوان المسلمين، ويسع الأمة كلها، والحلبي يقف إلى جانبه مهوناً من بوائقه، ومشجعاً له واصفاً له بالسلفي .

وقبل أبي الحسن المغراوي الذي يسير على أصول الخوارج، ويهذي بالتكفير هذيان المجانين، فالأمة عنده تعبد العجول.

وقد اجتمعت كلمة ثلاثة عشر عالماً من علماء السنة على إدانة هذين الرجلين وأصولهما، فسخرا منهم وأسقطاهم.

ومع ذلك يقف الحلبي إلى جانبهما يدافع عنهما ويحكم لهما بالسلفية.

ومن أغرب الغرائب أن الحلبي يتظاهر بحرب التكفيريين، ويقف هذا الموقف من المغراوي الذي أُلِّف كتابان في بيان تكفيره الخطير، والذي يهذي به هذيان المجانين.

فلو كان الحلبي يحارب التكفير انطلاقاً صادقاً من منهج السلف لما فعل هذا.

والظاهر الآن لي أنه إنما يحارب التكفير إرضاءً لجهات سياسية ولأهداف مصلحية مادية ومعنوية.

وأولاً وأخيراً فالفتن التي فرقت السلفيين، وكانت سبباً في انحراف كثير منهم في شتى البلدان وفساد أخلاقهم ومناهجهم إنما منابعها هذه الفئة، وعلى رأسهم الحلبي، الذي يتباكى تباكي التماسيح على السلفية وما آل إليه أمر السلفيين وأدعياء السلفية.

أما ربيع فكان هدفاً دائماً لهؤلاء المجندين لحرب السلفية والسلفيين، هذا هو الواقع أما ربيع فيقول: والله إني لأتمنى أن ترجع الأمة كلها وتجتمع على كتاب ربها وسنة نبيها –صلى الله عليه وسلم-، ويسعى جاهداً للم شمل السلفيين وجمع كلمتهم بأقواله وأفعاله، وإذا رأى أي خلاف بين السلفيين لا يهدأ له بال، فيسعى لرأب الصدع بالمصالحة هنا وهناك، وهذا دأبه، وهو أمر معروف جداً عند السلفيين في كل مكان، وقد لا يتم له ما يريده ويسعى فيه لأن الواقع يصدق عليه:

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

فقد كثر الهدامون، وأخطرهم هذه الفئة؛ الحلبي وعرعور والمأربي ومن وراءهم.

3- قالوا أو قال الحلبي: " والشيخ ربيع المدخلي امتاز بتعظيمه لكثيرٍ مِن مسائلِ الخلاف التي وقعت بينه وبين غيره من الدعاة والعلماء السلفيين؛ والتي -غالباً- لا تخرج عن كونها: إما مسائل علمية ساغ فيها الاجتهاد وتباينت فيها أقوال السلف؛ وذلك -كما هو معلوم- لعدم ورود ما يجعل الحكم عليها قطعيًّا، أو مسائل أقرب لأن تصنَّفَ من قضايا الأعيان التي مجال الاجتهاد فيها أوسع من القسم الأول؛ كما هو شأنُ كثيرٍ مِن أحكامه على الرجال".

أقول: لا يقول هذا الكلام إلا من لا يحترم الحق ولا يحترم المنهج السلفي، ولا يقوله إلا مسفسط مكابر .

فالدفاع عن أهل البدع الكبرى عندهم وبميزانهم أمر صغير لا ينبغي إنكاره، فإن إنكاره تعظيم لمسائل الخلاف، فلا بد أن يكون السلفيون ديمقراطيين، يستوعبون الخلاف بكل أنواعه، بما في ذلك الدفاع عن أهل وحدة الأديان وحرية الأديان ومساواة الأديان، وأخوة وحرية الأديان، والطعن في السلفيين ورميهم بالغلو والشذوذ ...الخ، مع تنـزيه المذاهب كلها، بما فيها مذاهب الروافض والخوارج وغلاة الصوفية والقبورية؛ لأن هذه أمور هينة، ينبغي تقبيل رؤوس وأيدي هؤلاء المحامين الديمقراطيين لأجل محاماتهم هذه.

فالديمقراطية تعترف بكل المذاهب والأديان، وتقول بحرية التدين، فالذي يخرج عنها غال ومعظم ومهول للخلافات التي يستوعبها الديمقراطيون أهل المنهج الواسع الأفيح.

وإن شئت فسمهم إخوان مسلمين، والذين من أصولهم التهوين من مسائل الخلاف، بما فيها خلافات الروافض والخوارج وغلاة الصوفية، ويجعلون تكفير الصحابة والطعن في زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتحريف القرآن وتأليه أئمة أهل البيت من الخلافات الفرعية؛ لأن الجميع يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وكلنا نصلي ونصوم ونحج، هذه هي الأصول، وما عداها فإنه من الفروع لا يجوز أن نتفرق من أجلها.

هذا مقتضى هذا المقطع القائم على الظلم وطمس الحقائق والواقع والقائم على التلبيسات التي لا تنطلي إلا على الأغبياء الصم البكم الذين لا يعقلون.

فلو كنتم صادقين في سلفيتكم وعلى طريقة الصحابة الذين قال قائلهم وهو أنس ابن مالك -رضي الله عنه- يخاطب غير الصحابة الذين استنكر أعمالهم:

"إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا([3]) هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُوبِقَاتِ"([4])، لما فعلتم تلك الأفاعيل، ولما هونتم من فظاعة البدع الكبرى، ولما قلتم هذه الأقاويل، لكنكم بعيدون عن منهج السلف، فلذا ترون عظائم البدع أدق في أعينكم ومنهجكم من الشعر وأصغر، فتحامون عن أهلها، وتحاربون السلفيين إذا أنكروها، فيصدق عليكم على الأقل قول الله تعالى: ( كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [سورة المائدة:79].

ولقد ساق القوم قاصدين تشويهي عدداً من الأمثلة التي كنت أضطر إلى قولها لدفع ظلم الخصوم وبغيهم، فإنني على المنهج الذي أسير عليه وعلى ما تضمنته مؤلفاتي من حق ونصر لهذا الحق، أفعل هذا مضطراً لرد بغيهم وكيدهم وتشويههم، وأرجو الله ألا يكون هذا العمل مني تفاخراً وتعالياً، وأعوذ بالله من ذلك.

1- قالوا:

"يقول في مجموع الكتب والرسائل (9/204) –جازما- : "إني والله لعلى منهج أهل السنة في الدقيق والجليل -ما استطعت إلى ذلك سبيلا-" .

أقول: هذا الكلام قلته رداً على من افترى عليَّ عدداً من الافتراءات، ومنها أنني حدادي.

فاختطافكم لهذا الكلام مفصولاً عن أسبابه وعن سباقه ولحاقه خيانة مخزية، ومن جعلِ الحق باطلاً لغرض التشويه به، انظر (9/404) من "مجموع الكتب والرسائل" وما قبلها وما بعدها.

ولي أسوة حسنة في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يصف نفسه الكريمة بما فيها عند الحاجة.

وهو الذي يزجر من يمدحه فيقول: " يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ".

أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (3/153، 241).

وروى البخاري -رحمه الله- في "صحيحه" حديث (3148) عن جُبَيْر بْن مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ النَّاسُ مُقْبِلًا مِنْ حُنَيْنٍ، عَلِقَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَعْطُونِي رِدَائِي، فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا".

وروى البخاري في "صحيحه" حديث (3150) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ، قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ".

وأخرج الإمام أحمد في "مسنده" حديث (12469) من طريق يونس عن الليث ابن سعد عن يزيد بن الهاد عن عمرو عن أنس -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنِّي لَأَوَّلُ النَّاسِ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْ جُمْجُمَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأُعْطَى لِوَاءَ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ..".

وأخرجه الدارمي في "مسنده" (1/31) من طريق عبد الله بن صالح به، وأخرج الترمذي نحوه حديث (3615) من حديث أبي سعيد –رضي الله عنه-، وفي إسناده علي ابن زيد بن جدعان ضعيف، لكن حديثه حسن في الشواهد، وصحح الألباني هذا الحديث بشواهده، انظر "الصحيحة" حديث (1571).

ولي أسوة في الخليفة الراشد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- الذي أثنى على نفسه عند الحاجة إلى ذلك.

قال –رضي الله عنه- في خلاف جرى بين العباس عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين علي -رضي الله عنهما- حول ما أفاء الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ورفعا هذا الخلاف إلى عمر -رضي الله عنه-، فقال عمر -رضي الله عنه- بعد كلام عن هذه الصدقة، وأن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا نورث ما تركنا صدقة".

قال: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"، يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ؟، قَالُوا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ ( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) إِلَى قَوْلِهِ: (قَدِيرٌ ) فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلَا اسْتَأْثَرَهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَقَسَمَهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ هَذَا الْمَالُ مِنْهَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ فَعَمِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيَاتَهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَبَضَهُ أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ.

ثم قَالَ: تَذْكُرَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهِ كَمَا تَقُولَانِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهِ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ فَقَبَضْتُهُ سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهِ صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ".

أخرجه البخاري في "المغازي" حديث (4033)، ومسلم في "الجهاد" حديث (1757).

فهذا ثناء من عمر –رضي الله عنه- على نفسه في هذه المناسبة دعت إليه الحاجة، ومعروف عنه التواضع وأنه مع فتوحاته وعدله الذي هو مضرب المثل كان يتمنى أن الله يكتب له عمله وجهاده مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لا يريد من أعماله في خلافته إلا الكفاف، لا له ولا عليه.

وهذا عثمان بن عفان الخليفة الراشد، يأتيه عبيد الله بن عدي بن الخيار ينصحه فيقول له عثمان: مَا نَصِيحَتُكَ؟ قال: فَقُلْتُ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتَ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لَا وَلَكِنْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا.

قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ فَكُنْتُ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ كَمَا قُلْتَ وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعْتُهُ فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ".

أخرجه البخاري في "فضائل الصحابة" حديث (3696).

فهذا الخليفة الراشد يذكر في هذه المناسبة أنه ممن استجاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآمن بما بعث به، وأنه هاجر الهجرتين، وصحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبايعه، وأنه ما عصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا غشه حتى توفى، ثم أبو بكر مثله، ثم عمر مثله.

ويرى أن له من الحق على المسلمين مثل الذي لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر من الطاعة والاحترام والوفاء ببيعته.

قال هذا لضرورة دعت إلى ذلك.

وعن أبي عبد الرحمن السلمي أَنَّ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حيثَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ وَلَا أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، فَحَفَرْتُهَا أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَجَهَّزْتُهُ قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ".

أخرجه البخاري في "الوصايا" حديث (2778)، وأخرجه الترمذي حديث (3699) من طريق آخر إلى أبي عبد الرحمن بلفظ أوسع.

ومنه "هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: اثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد".

وفيه قوله: "وأشياء عددها".

فهذا ظرف استدعى من هذا الخليفة الراشد أن يذكر عن نفسه هذه المناقب على مشهد من الناس .

وهذا سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أحد العشرة المبشرين بالجنة يقول سعيد بن المسيب -رحمه الله-: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الْإِسْلَامِ".

أخرجه البخاري في "فضائل الصحابة" حديث (3727)و (3728).

وفي حديث آخر يصف نفسه رضي الله عنه أنه أول رمى بسهم في سبيل الله، فقد أخرج البخاري عن قَيْسٌ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ إِنِّي لَأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَأَيْتُنَا نَغْزُو وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الْحُبْلَةِ وَهَذَا السَّمُرُ وَإِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ مَا لَهُ خِلْطٌ ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الْإِسْلَامِ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ سَعْيِي. (حديث 6453).

قال هذا عندما طعن فيه وفي عدله وفي صلاته بعض المنحرفين من أهل العراق.

وهذه المواقف التي تبرز مكانة هؤلاء الصحب الكرام النبلاء يسر بها المؤمنون الصادقون ويرونها من فضائلهم.

وينقم عليهم بها أعداء الله وأعداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الروافض والباطنية وتغيضهم وتحرق أكبادهم.

والعلماء قد يحتاج أحدهم إلى الثناء على نفسه إذا تكالب عليه أهل الباطل مثل تكالبهم على العلامة الألباني –رحمه الله-، فيرد على طعن وتشويه هذا، وطعن وتشويه ذاك، أمر يعرفه طلاب العلم فضلاً عن العلماء.

2- قالوا في (ص19):

"ويقول الشيخ ربيع المدخلي –جازماً- في مجموع الكتب والرسائل (9/196) : "لو وقف المعلمي على مؤلفاتي في نصر السنة لأيدها ؛ كما أيدها إخوانه من أئمة السنة ولا سيما صديقه الألباني".

أقول: هذا الكلام كان رداً على طعون كاذبة من أحد الخصوم بيّنتُ انطباقها عليه ثم عقبها بقوله:

"أقول : ما أدري ماذا يقول المعلمي في ربيع وأتباعه لو اطلع على تلاعبهم بنصوص أهل العلم التي([5]) سبق أن بيَّنـته([6]) هل يستحق ربيع عنده وصف إمام الجرح والتعديل أو وصف ربيع السنة أو لقب الناصح الصادق أم يستحق لقباً آخر".

فقلت رداً على هذا التشويه:

"أقول : إن ربيعاً لا يُحِبُّ أن يُوصَفَ بهذه الأوصاف ,ولكنه هل يستحق أن يوصف بالكذب والخيانة وبتر النصوص وهل يُحذِّرُ من نقوله سلفي يحترم المنهج السلفي ؟!! لاسيما ونقول ربيع كلها في خدمة المنهج السلفي والذَّبِّ عنه وعن أهله وقد جهد خصوم الدعوة السلفية أن يجدوا عليه مآخذ في نقله فعجزوا بحمد الله تعالى .

وأعتقد أنهم مع خصومتهم لا يلحقون فلاناً في الجرأة على الكذب والتكذيب وأنَّ عندهم ما لا يوجد عند فلان من الحياء والمروءة".

أقول: وهذه خيانة ثانية من هؤلاء تدل على نهاية الفجور في الخصومة ومناصرة أمثالهم من أهل الكذب والأهواء بطريقة ملتوية، فلو أتوا بسياق الكلام وسباقه وما بني عليه كلامي لظهر لكل سلفي منصف أنه كلام حق لا عيب فيه، للمسلم أن يقوله لدفع الظلم عن نفسه .

3- قالوا في (ص19):

"ويقول الشيخ ربيع في مجموع الكتب والرسائل (11/113) : "وكتبي قد حكم فيها العلماء وأيدوها".

أقول:

هذا الكلام حق، قلته رداً على دعاوى عدنان عرعور الباطلة، وقد اختطف القوم هذا الكلام فاصلينه عن سياقه وسباقه.

وهذا نص كلامي وسياقه كما في "المجموع" (11/113-115):

" الحادي والعشرون: حقيقة المطالبة بالمحاكمة.

تشدق عدنان كثيراً بقصة المطالبة بالمحاكمة، وكذب كذبات في عرضها على الناس، وفي تصويرها على خلاف حقيقتها وواقعها، وزيف فيها هنا وهناك.

والقصة طويلة يعرفها الواسطة بيني وبينه، وأنها أخذت مراحل من ضمنها أنه استعد لكتابة ما أريد، ومن ذلك تردده في المحاكمة إلى الفوزان والعباد.

ثم استقر رأيي وترجح لي أنه من غير اللائق الدخول مع هذا الملبس المموه في محاكمات، وكتبي قد حكم فيها العلماء وأيدوها.

فمن السخف إدخالها في متاهات ودهاليز لا نهاية لها، وقد حسم فيها الأمر.

فما على عدنان إلا أن يسير وراء العلماء، ومنهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في تأييدها، واعترافه بخطئه.

ثم قلت: "سقوط القواعد التي يريد عدنان أن يقيم عليها الطائفة العدنانية القطبية التي يسميها ظلماً بالطائفة المنصورة ويريد بها أن يقيم عليها الدولة الإسلامية.

وقد ساق الله عدنان إلى القول بأنه يرضى التحاكم إلى الشيخ محمد بن صالح العثيمين، حيث قال في شريط الجلسة في أسبانيا مع المغراوي:

« أرضى الشيخ ابن عثيمين، نذهب إليه مباشرة الآن، أقطع زيارتي ودوراتي([7]) في أوربا، وأذهب إلى الشيخ نحتكم.

أقول: أنا قلت نصحح ولا نجرح، أنا قصدي تربية الشباب أن لا يدخلوا في التجريح، لأنه ليس هذا سبيل »([8]).

ثم ساق الله بعض الشباب الذين يعيشون في أوربا، فوجه أسئلة إلى الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن بعض قواعد عدنان، ومنها قاعدة " نصحح ولا نجرح "، فأجاب الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله بما يهدمها ويستأصل شأفتها.

وإليكم نص الأسئلة:

قال السائل:

1- ما قيل في أخطاء أهل البدع: " نصحح ولا نجرح ".

فأجاب الشيخ -حفظه الله-: هذا غلط بل نجرّح من عاند الحق.

2- " من حَكَمَ حُكِمَ عليه ".

فأجاب -حفظه الله-: هذه قواعد مداهنة.

3- " لا علاقة للنية بالعمل لا من قريب ولا من بعيد ".

فأجاب -حفظه الله-: هذا كذب، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات".

4ـ " يشترط بعض الناس في جرح أهل البدع وغيرهم أن يثبت الجرح بأدلة قطعية الثبوت ".

فأجاب - حفظه الله-: هذا ليس بصحيح.

5ـ " يشترط بعضهم في من يسمع من شخص خطأ أو وقف على أخطاء في كتاب أن يستفصل أو ينصح قبل أن يحكم، وقبل أن يبين هذه الأخطاء، وقال: من خالف هذا فقد اتصف بصفة من صفات المنافقين ".

فأجاب -حفظه الله-: هذا غلط.

6ـ " أنه من العدل والإنصاف عند النصيحة والتحذير أن تذكر حسناتهم إلى جانب سيئاتهم ".

فأجاب -حفظه الله-: أقول لك: لا، لا، لا، هذا غلط، اسمع يا رجل: في مقام الرد ما يحسن أني أذكر محاسن الرجل وأنا رادّ عليه، إذن ضَعُف ردّي.

قال السائل: حتى ولو كان من أهل السنة شيخنا؟

فأجاب -حفظه الله-: من أهل السنة وغير أهل السنة، كيف أردّ وأروح أمدحه، هذا معقول؟!!!

انتهى كلامه -حفظه الله-([9]).

وبهذا انهارت القواعد الباطلة التي اخترعها عدنان عرعور، لحماية البدع وأهلها، ولمقاومة أهل السنة وكمّ أفواههم بها، وانهار كذلك ما بني عليها.

(ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين).

(أفمن أسس بيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفى جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين).

(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

هذا نقد العلامة ابن عثيمين –رحمه الله- لأصول عدنان عرعور، وبقية العلماء؛ الفوزان والعباد والنجمي وزيد بن محمد هادي وباقي علماء المدينة وعلماء اليمن كلهم أيدوا كتاباتي في إبطال أصول عدنان ومنهجه الفاسد الذي ينطلق منه إلى الطعن في أهل السنة وتشويههم، ويهدف إلى إسقاط كلامهم في أهل البدع، ولا سيما كلامهم في بدع سيد قطب.

4- قالوا في (ص19):

"ويقول في مجموع الكتب والرسائل (13/428) : "وهل لربيع أصول فاسدة وأفكار منحرفة؟

وهل تأييد كبار علماء السنة لأصول ربيع وكتاباته كان خيانة وتبييت حملة ضد الإسلام؟".

أقول:

هذا الكلام قلته أثناء مناقشتي لأبي الحسن المأربي ردًّا لحملاته حملاته الشعواء على أصول السلف التي يسميها بأصول ربيع زورًا وبهتانًا.

وكلامي هذا حق، وتأييد العلماء لكتاباتي القائمة على الأدلة من الكتاب والسنة وأصول السلف الصالح تأييدهم واضح، ولم يعارضها إلا أهل الأهواء المدافعين عن أهل البدع والعقائد الفاسدة من وحدة الوجود إلى وحدة الأديان، إلى تعطيل صفات الله، إلى العقائد الشركية، إلى غير ذلك من الضلالات الكبرى.

فلماذا تسلكون هذه المسالك الخائبة في بتر الكلمات عن سياقها وسباقها وما يبين أسبابها التي يعطي لقائلها الحق أن يقولها، راجع الصحيفة التي اختطفوا منها هذه الكلمات وما قبلها.

5- قالوا في (ص32):

"قال الشيخ ربيع المدخلي في مجموع الكتب والرسائل (13/268) متعقباً الشيخ أبا الحسن المأربي في قوله : (ولا أجيز لنفسي ولا لغيري أن يمتحنوا أحداً من المسلمين بحب أو بغض شخص) ؛ بالقول : "فهمت في ذلك الوقت أنه يقاوم من يدافع عن ربيع ومقبل وأمثالهما من دعاة المنهج السلفي الذابين عنه والقامعين لأهل الأهواء، فلم أصارحه بذلك بل تلطفت معه كما ترى" .

ثم قال في صلب الكتاب (13/269) –بعد كلام له- : "وما المانع من اتهام من يطعن في أعلام السنة في هذا العصر كما كان سلفنا يتهمون من يطعن في حماد بن سلمة وحماد بن زيد والأوزاعي وأمثالهم، ما المانع والعلة واحدة , فإذا كان الأولون يتهمون لأنهم يطعنون في هؤلاء الأعلام من أجل أنّهم متمسكون بالسنة , فما المانع من إلحاق ورثتهم بهم" .

التعليق:

أصل هذا الكلام في الموضع المشار إليه:

" قلتم بارك الله فيكم:

(( ولا أجيز لنفسي ولا لغيري أن يمتحنوا أحداً من المسلمين بحب أو بغض شخص أو طائفة أو مقالة مطلقاً، فمن وافقهم عليها أحبوه وقربوه، ومن خالفهم فيها أبغضوه وهجروه إلا إذا كان الشخص علماً من أعلام السنة وطبق ذكره الأرض، فلنا أن نقول من أبغض فلاناً فاتهمه على الإسلام كما قالوا في حماد بن سلمة وغيره... )) الخ.

أقول رحمك الله أبا الحسن: استثنيت من الأشخاص ولم تستثن من المقالات ولا من الطوائف.

فكان يجب أن تستثني طائفة أهل الحق أهل الحديث الطائفة المنصورة تقول فمن يبغض مقالة سلفنا الصالح: (( ومن علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر )) وتقول قريباً على الأقل من قول الإمام أحمد بن حنبل في ابن أبي قتيلة الشاتم لأهل الحديث: (( زنديق زنديق زنديق )) قال ابن تيمية: لأنه عرف مغزاه.

وما المانع من اتهام من يطعن في أعلام السنة في هذا العصر كما كان سلفنا يتهمون من يطعن في حماد بن سلمة وحماد بن زيد والأوزاعي وأمثالهم، ما المانع والعلة واحدة.

فإذا كان الأولون يتهمون لأنهم يطعنون في هؤلاء الأعلام من أجل أنّهم متمسكون بالسنة.

فما المانع من إلحاق ورثتهم بهم، بل هؤلاء الخلوف أحق بالاتهام؛ لأنهم سلكوا كل الطرق الشيطانية واستخدموا كل ما يستطيعونه من وسائل النشر والإذاعة والإشاعة في تشويه أهل السنة وأعلامهم، ثم إن هؤلاء الخلوف هم الذين جعلوا مقالاتهم الفاسدة وشيوخهم المنحرفين مواضع امتحان واختبار لأهل السنة، وعلى مقالاتهم الفاسدة وشيوخهم المنحرفين يوالون ويعادون.

أرجو صياغة هذه الفقرة على مقتضى ما كان عليه أسلافنا واعتبار هذا الميزان ميزاناً صحيحاً؛ لأنه منبثق من الشرع وصالح لكل زمان، فالسنة اليوم هي السنة بالأمس والولاء والبراء عليها وعلى طائفتها وأعلامها موجباته قائمة ثابتة لا تتغير حتى يتغيروا هم ويفارقونها، وحينئذ يستحقون ما قيل فيهم، وأرى أن تكتفي بما قلته في الفقرة ( 145)".

فماذا صنع هؤلاء الخونة؟

أ- إنهم حذفوا قوله بعد كلمة "شخص" ما يأتي:

"أو طائفة أو مقالة مطلقاً، فمن وافقهم عليها أحبوه وقرَّبوه، ومن خالفهم فيها أبغضوه وهجروه، إلا إذا كان الشخص علماً من أعلام السنة، وطبق ذكره الأرض، فلنا أن نقول: مَن أبغض فلاناً فاتهمه على الإسلام، كما قالوا في حماد بن سلمة وغيره ...إلخ".

حذفوا هذا الكلام أولاً خيانة على طريقتهم الخائنة المعهودة.

ثانياً- لأن في هذا الكلام ما يدين أبا الحسن، فإنه لم يستثن إلا شخصاً علماً من أعلام السنة طبق ذكره الأرض، ولم يمثل بأحد من أعلام هذا العصر؛ لأنهم لا قيمة لهم عنده، ولما ظهرت فتنته، وبيَّن العلماء ضلاله وأدانوه في أباطيله وتأصيلاته الفاسدة أسقطهم عن بكرة أبيهم، وهم من أعلام العصر، ولهم جهود في الدعوة إلى التوحيد والسنة ومنهج السلف الصالح والذب عن ذلك، ولهم في ذلك المؤلفات الكثيرة، وهم رجال عصرهم، الذين يمتحن بهم، رغم أنوف الجهلة الحاقدين والحاسدين، ففي هذا الكلام إسقاط لهم.

قال الإمام ابن قتيبة مخاطباً أهل السنة في عصره تشجيعاً لهم:

"فإن قيل إن الثوري وابن عيينة وابن المبارك وأشباههم لم يقفوا.

قلنا: لكل زمان رجال، فأنت ثوري زماننا وابن عيينتنا".

انظر "الاختلاف في اللفظ" (ص247) ضمن "مجموع عقائد السلف".

وهؤلاء العلماء المعاصرون هم الوراث لابن باز والألباني وابن عثيمين ومن سبقهم من علماء السلف.

قال -صلى الله عليه وسلم-: " لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس".

أخرجه مسلم في "صحيحه" حديث (1037).

وهذا الحديث لا يتناول الحلبي وأبا الحسن ومن على نهجهما.

ب- لم يستثن أبو الحسن المقالات السلفية.

جـ-لم يستثن الطائفة المنصورة.

د- من أين له تحريم الامتحان وهو ثابت بالكتاب والسنة، وهو من صميم منهج السلف، قال تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ال==============================================(

وقد انبرى العالِم الفاضل والشيخ المجاهد: ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ورعاه ـ لبيان فساد تلك الدعوى، رادًّا على قائليها بالحجَّة والبرهان، في كتابه: <منهج أهل السنَّة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف>، فكفاني وكفى غيري ـ جزاه الله عنّا خير الجزاء ـ الردَّ على هذا المبدأ وقائليه.
بل خصّص له ـ لخطورته ـ كتابًا مستقلاًّ أسماه: <المحجَّة البيضاء في حماية السنّة الغراء من زلات أهل الأخطاء وزيغ أهل الأهواء>.
فقول زيد: <العدل( ) حينئذ يقتضي أن يذكر الحسنات والسيّئات معًا، فليس من الإنصاف في شيء لِمَن ينصح جماعة من الجماعات الإسلامية ومن ثَمَّ لسائر الأمّة الإسلامية؛ أن يذكر الأخطاء، والانحرافات والمساوئ فحسب، إنّ هذا كما هو مجاوز للعدل فهو عرض مضلِّل لحقيقة الجماعة...>. اﻫ
ولي معه في قوله هذا وقفات:
الأولى: أنّ قوله: <يقتضي>، يعني يلزم، يوضِّح ذلك قوله: <فليس من الإنصاف في شيء... الخ>.
وعلى هذا يكون مَن اقتصر على ذكر السيّئة ـ وهي سيّئة في نفس الأمر ـ لشخص أو جماعة أو شريط... الخ، لم يعدل، بل جار في حكمه، بل يلزم على هذا القول بأنَّ مَن اقتصر على ذكر الحسنة هو جائر ـ أيضًا ـ وهذه لوازم فاسدة، ولوازم القول إذا فسدت، دلّت على فساد القول نفسه، يوضّح ذلك قوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ... [المائدة، آية 73].
حيث ذكر سيّئتهم ولم يقرنها بأيِّ حسنة لهم، فهل هذا عدل، أم جور ؟! لكنَّ الجماعة حينما كان من منهجهم الإجمال، أجمل، ليَنْفُقَ ما يريد.
الثانية: أنّ أهل الحقّ خاضعون للحقّ منقادون له، يدورون مع الحقّ أينما دار، سواءً كان ذلك الحقّ كتابًا أو سنّة، أو آثارًا سلفية، بخلاف أهل الباطل، والزيغ والضلال، فإنّهم يعتقدون أوّلاً أشياء فاسدة ـ يزعمون أنّها الحقّ ـ ثمّ يبحثون بعدئذٍ عن أيّ شيء يؤيّد ما يقولون، من الكتاب أو السنّة أو أقوال السلف، فإذا عثروا عليه، تمسّكوا به، فإذا جاءهم ما يبيِّن فساد ما هم عليه، وقفوا في صدره بالردّ إن استطاعوا، وبالتأويل الفاسد إن لم يستطيعوا، فضلّوا وأضلّوا.
وسأوضّح ما قلت لك، بأمثلة تبيّن لك ما أريد، ثمّ أعود بعد ذلك لِمَا ذكره الزيد.
لَمَّا كان من عقيدة المعتزلة ومَن سار على منهجهم أنّ العقيدة وما شابهها لا تَثبُت إلاّ بقطع، نتج عن ذلك عدم قَبولهم لأخبار الآحاد في هذا الباب، فذهبوا ينقبون ويبحثون لعلّهم يجدون ما يؤيّد مذهبهم، قالوا: الله أكبر، النبي هو إمامنا في ذلك، ألم يقل له ذو اليدين في شأن الصلاة: يا رسول أقصرت الصلاة أم نسيت ؟... فقال الرسول : <مَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ ؟> قالوا: صدق، لم تصلِّ إلاّ ركعتين... الحديث( ).
قال المعتزلة: فها هو رسول الله لم يقبل خبره فيما يجب فيه القطع، ونحن لأثره مقتفون متَّبِعون.
أرأيت ـ أخي الكريم ـ هذا الموقف، مع أنّ هذا الحديث عليهم وليس لهم، لأنّه بعد أن سأل أبا بكر وعمر، فأقرَّا مقولة ذي اليدين، لم يخرجه ذلك عن كونه خبر آحاد، وعلى فرض خروجه فأين هم من قبول الرسول شهادة ابن عمر برؤية هلال رمضان( ) ؟ وأين هم من بعثه معاذ بن جبل إلى اليمن ليعلّمهم الدين أجمعه( ) ؟ لكنَّهم قوم لا يعقلون، لأنَّهم اعتقدوا أوّلاً، ثمّ بحثوا ثانيًا، عن أيِّ شيء يؤيّد ما يعتقدونه، على قاعدة <أَسِّسْ ثمّ استدل>، ولو أنَّهم استسلموا وسلَّموا لله ورسوله وداروا حيثما دار الحقّ، لأصابوا.
ولَمَّا اعتقد الخوارج أنّ مَن فعل كبيرة من الكبائر، ثمّ مات عليها قبل أن يتوب منها، فإنَّه كافر، خالد في نار جهنّم، ذهبوا يبحثون عن أيِّ شيء يؤيّد مقولتهم، فقالوا: قلنا بقول الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ... [النساء، آية: 93].
وغفلوا أو تغافلوا عن قوله سبحانه: ..فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيِْهِ بِإِحْسَانٍ.. [البقرة، آية: 178]، فسمَّى الله تعالى القاتل والمقتول وأولياءهما إخوة. وعن قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ.. [النساء، آية: 48].
ولولا خشية الإطالة لتوسَّعت في هذه الأمثلة، مع مناقشة المخالفين فيها بتوسُّع، ولكنَّ المقام مقام إشارة، واللبيب بالإشارة يفهم.
ولهذا ـ أخي الكريم ـ قد يقع حدثٌ ما في زمان سابق أو لاحق، فتفسّره كلّ طائفة بحسَب ما تعتقده، لتؤيّد به معتقدها.
إذا فهمت ذلك فهمًا جيّدًا، فسأعود معك ـ بإذن الله ـ إلى ما ذكره الزيد وغيره ـ هدانا الله وإيَّاهم جميعًا ـ.
وذلك أنَّهم حينما وجدوا كتب الجرح والتعديل ذَكَرَتْ بعضًا من الرواة الذين اختُلِف في تعديلهم وتجريحهم، أو الرواة المبتدعة، وأنَّها قرنت بين تعديلهم وجرحهم، طاروا بذلك فرحًا معمّمين الحكم، قائلين: <إنّ منهج السلف يقتضي ذكر الحسنات والسيّئات>، ففسّروا ذلك الفعل بما يوافق هواهم، ويؤيّد مذهبهم.
والجواب عن هذا أتركه للشيخ الفاضل ربيع بن هادي ـ حفظه الله ـ حيث قال في كتابه «منهج أهل السنّة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف» ص (28 ـ 30): <خامسًا: الرواة والشهود إذا كانوا مجروحين، جاز جرحهم بإجماع المسلمين، بل هو واجب، قـال ذلك وحكاه النووي وابن تيمية ـ رحمهما الله ـ.
(أ) فإذا اتَّفق أئمّة الجرح والتعديل على جرح راوٍ بالكذب، أو فحش في الغلط، أو قالوا: متروك الحديث، واهي الحديث، وما شاكل ذلك، جاز لكلّ باحث وناقل أن ينقل ذلك ويرويه ولا يلزمه ـ من قريب ولا من بعيد ـ ذكر شيء من محاسنه، فضلاً عن البحث عن كلّ محاسنه ثمّ ذكرها.
(ب) وأمّا الرواة المختلف في تعديلهم وتجريحهم، أو الرواة المبتدعون.
فالنوع الأول يترتَّب على تقديم جرحه والأخذ به، دون التفات إلى قول مَن عدّله؛ إسقاط شيء من الدين، ومِمَّا ثبت عن سيّد المرسلين.
وهذا إفساد عظيم، وتضييع شيء من الدين يجب علينا حفظه، وهو أمانة في أعناق العلماء، فيجب حينئذ لمصلحة الدين وحفظه، ولأجل المصلحة العامَّة للمسلمين، أن نتحرَّى الحقيقة، ونوازن بين أقوال أئمّة الجرح والتعديل، ونأخذ بالراجح من الجرح أو التعديل كلُّ ذلك لأجل هذه المصلحة، لا من أجل وجوب الموازنة لذات ذلك الرجل المجروح، فإذا ثبت جرحه بعد الدراسة جاز حكاية جرحه دون موازنة، ولا يقول عالم بوجوبها.
وأمَّا المبتدع: فإذا كنّا في مقام التحذير من البدع، حذّرنا منه، ذاكرين بدعته فقط، ولا يجب علينا ذكر شيء من محاسنه، وإذا كنّا في باب الرواية فيجب ذكر عدالته وصدقه إذا كان عدلاً صادقًا، لأجل مصلحة الرواية وتحصيلها، والحفاظ عليها لا من أجل شيء آخر، كوجوب ذكر جوده، وعلمه، وشجاعته، وجهاده، وأخلاقه، وغير ذلك مِمّا لا علاقة له بالرواية.
ولقد كان من السلف مَن يجانب الرواية عن أهل البدع وعن أهل التهم، قال ابن عباس : <إنَّا كنَّا مرَّة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله ، ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه آذاننا، فلمَّا ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلاّ ما نعرف>.
وقال ابن سيرين: <لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمَّا وقعت الفتنة، قالوا: سَمُّوا لنا رجالكم، فيُنظَر إلى أهل السنّة، فيؤخذ حديثهم، ويُنظَر إلى أهل البدع، فلا يؤخذ حديثهم>.
وكلام ابن عباس وابن سيرين يحتمل أنّ هذا كان مذهبًا عامًّا للسلف في عهد بقية الصحابة ومَن بعدهم من التابعين.
ولعلّ هذا كان منهم بسبب إدراكهم بأنّهم في غُنْيَةٍ عن الرواية عن المبتدعين، فوقفوا منهم هذا الموقف الحازم الحاسم، فلمّا اضطرّ من بعدهم إلى الرواية عن الصادقين من أهل البدع، أخذوها عنهم بشروط وتحفّظات، تضمن أخذ السوي منها، وردِّ معوجّها ومدسوسها.
قال الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ـ رحمه الله ـ: <ومنهم زائغ عن الحقّ صادق اللهجة، قد جرى في الناس حديثه، إذ كان مخذولاً في بدعته، مأمونًا في روايته، فهؤلاء عندي ليس فيهم حيلة إلاّ أن يؤخذ من حديثهم ما يُعرَف إذا لم يُقوِّ به بدعته>. انتهى
وبعد ذلك، اعلم ـ أخي القارئ ـ بأنّ الزيد ومَن وافقه ـ هدانا الله وإيَّاهم ـ قد استدلّوا ببعض الأحاديث، وببعض الآثار السلفية على صحّة دعواهم، من أنّ العدل يقتضي ذكر الحسنات والسيّئات، وسأذكر بعضًا من أدلّتهم، مع ذكر وجه الاستدلال الذي ذكروه، ومن ثَمَّ مناقشتهم فيما استدلّوا به، معرضًا عن بعض أدلّتهم الأخرى، لأنِّي قد اعتبرت ما ناقشتهم فيه أصلاً ومثالاً يُحتذَى به، في سائر ما تركت من أدلّتهم، وذلك خشية الإطالة، فإنّ الطريق ما زال طويلاً وعرًا، فالصبر الصبر.
قال الزيد: <ولقد علّمَنا القرآن الكريم، والسنّة النبوية هذا المنهج، ومن ذلك: قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَ يُؤَدِّهِ إِلَيْك إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران، آية: 75].
فالذمُّ هنا مقرون، بل مسبوق بالمدح، وبيان حقيقة بعض أهل الكتاب واعتراف بوفاء بعضهم بالأمانة>. اﻫ
فالجواب عن وجه الاستدلال هنا، هو أن يقال:
على فرض التسليم لك بأنّ هذه الآية قد دلّت على ضرورة ذكر الحسنة والسيّئة معًا، فما قولك في قوله تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ [المائدة، آية: 78]. إذ لعنهم الله، وحكم بكفرهم، ولم يذكر لهم حسنة، فهل هذا عدل أو جور ؟!!
كيف وما ذكرته ـ يا زيد ـ هنا لا يدلّ على ما تريد، بل يدلّ على ضدّ ما أردت، فاستمع إلى بيان ذلك:
إنّ قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، أي: بعض أهل الكتاب، وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ، أي: بعضهم الآخر.
وإذا كان ذلك كذلك، فإنّ الله حينما ذكر البعض ـ أو الصنف الأول ـ ذكر حسنتهم، ولم يذكر سيّئة لهم، وحينما ذكر البعض الآخر ـ أو الصنف الثاني ـ ذكر سيّئتهم، ولم يذكر حسنةً واحدةً لهم.
فكيف حَمَّلْتَ كتاب الله ما لم يحتمل ؟ وقوَّلته ما لم يقل به ؟ أليس في ذلك ترك للكتاب نفسه، وترك لفهم السلف الصالح ؟! إذ لو كنت تعتمد فهم السلف الصالح مطلقًا، لَمَا وقعت في هذا الخطأ، وسيأتي مثله بعد قليل.
قال الصويان: <وقال الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ، قُلْ فِيهِماَ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة، آية: 219].
فالله سبحانه وتعالى أثبت النفع في الخمر والميسر، ولكنَّه حرَّمهما لغلبة المفاسد على المحاسن>. اﻫ
فالجواب هو قولي:
أوّلاً: سبحان الله !
وثانيًا: مَن ذا الذي نازعك في أنّ في الخمر نفعًا وضرًّا، خيرًا وشرًّا، بل مَن نازعك في أنّه لا يوجد في الدنيا شيء إلاّ وفيه خير وشرّ، فإنّ الخير المحض لا يكون إلاّ في الجنّة، والشرّ المحض لا يكون إلاّ في النار، وأمّا دار الابتلاء ففيها الخير والشرّ ممتزجان، والحكم للغالب منهما.
ولكن أُخَيَّ: إنّما نازعتك في أنّ الخير الذي عند الجماعات الإسلامية ـ لا سيما ما كان في مناهجها أو عقائدها أو مؤلَّفاتها ـ أهو خير اختصَّت به دون منهج السلف الصالح، وأئمَّة الدعوة السلفية، القدامى منهم والمحدثين ؟ أم هو موروث عنهم ؟
فإن قلت بالأوّل، فتلك ضلالة وبدعة، إذ لو كان خيرًا، لكان السلف أسبق الناس إليه.
وإن قلت بالثانية ـ وهذا أملي فيك ـ فلا حاجة بنا إلى خير امتزج بشرٍّ كثير، فعندنا منهج مستقيم، وأئمّة مهتدون، وكتب صحيحة سليمة مصفاة، فلماذا لا ننهل من العذب الصافي، ونترك الكدر ؟!!
وهنا نقطة لابدّ من توضيحها، لأنّ أصحاب الإجمال والتلميع والتصنيع يسلكون فيها مسالك ملتوية، قد لا يفهمها كثير من الشباب؛ فوجب النصح لهم:
قال الزيد( ): <وأنّ مَن يعيب جماعة من الجماعات الإسلامية لخطأ بعض أفرادها، فمثله كمثل مَن يعيب الإسلام بخطأ بعض المسلمين...>. اﻫ
قلت: سبحان الله ! أرأيت ـ يا أخي ـ كيف ساوى بين مناهج الجماعات الإسلامية، والإسلام، إنّ هذا لشيء عجيب حقًّا !!
يريد الزيد أن يقول: <هناك فرق بين المنهج، والقائم على المنهج، كما أنّ هناك فرقًا بين الإسلام والمسلم، فخطأ المسلم لا يدلّ على فساد الإسلام كمنهج ربّاني، فكذا خطأ التبليغي ـ مثلاً ـ لا يدلّ على فساد المنهج التبليغي، وخطأ الفرد الإخواني لا يدلّ بالضرورة على فساد المنهج الإخواني، وخطأ الفرد الأشعري لا يدلّ بالضرورة على فساد المنهج الأشعري، وخطأ المعتزلي لا يدلّ على فساد المنهج المعتزلي... الخ>.
فهل يقول بذلك مَن يعلم حال الجماعات والفرق الإسلامية ؟!
فإن كان لا يعلم فتلك مصيبة، وإن كان يعلم فالمصيبة أعظم.
اعلم ـ أُخَيَّ ـ بأنّ المنهج السلفي حقّ محض لا باطل فيه، إذ هو الإسلام، والشخص السلفي أو المسلم قد يحسن وقد يسيء، فإذا أحسن ولم يقع منه خلل ولا زلل، فحسنه واستقامته إنّما هي مستمدّة من منهجه السلفي، الذي هو الإسلام، بخلاف المناهج البدعية الأخرى، فإنَّها منحرفة، فيها حقّ، وفيها باطل، فإذا أخذ شخص من تلك المناهج أو أحدها، فإنّه بلا شكّ سينحرف بقدر ما في ذلك من انحراف؛ لأنّ تلك المناهج منحرفة من أصلها، و<فاقد الشيء لا يعطيه>، كما أنّهم لا ينازعون في فساد المنهج الأشعري، والجهمي، والمعتزلي ـ أيضًا إن شاء الله ـ لا ينازعون في أنّ مَن سلك أي منهج منها فإنّه سيضلّ بقدر سلوكه على ذلك المنهج؛ فإذا كان ذلك كذلك، فلماذا لا يجرون ذلك على مناهج الجماعات الإسلامية ؟ هل لأنّها تَسَمَّتْ بالجماعات الإسلامية دون الفرق؟ أو لأنَّها قالت: نحن جماعات إسلامية ؟! فتلك فِرَق إسلامية ـ أيضًا ـ أو أنَّهم يقولون: إنَّها متَّفقة من حيث المنهج العام، كما هو حال الأئمَّة الأربعة، مختلفون في الفروع فقط ؟
فأقول لهم: ما قولكم ـ أيُّها الإخوة ـ في منهج جماعة كجماعة الإخوان المسلمين، والتي تضمّ تحت كنفها الفرق الإسلامية كلّها، فتجد فيهم الجهمي، والمعتزلي، والأشعري، والماتريدي، والصوفي، والقبوري، والرافضي... الخ ؟
أو ما قولكم في منهج جماعة كجماعة التبليغ، والتي تقول عن نفسها: نحن نبايع على أربع طرق صوفية، الجشتية، والنقشبندية، والقادرية، والسهروردية ؟
فإن كنتم لا تعلمون ذلك، فلستم بأهل لقيادة الأمّة إلى عليائها ورفعتها، لأنّ <فاقد الشيء لا يعطيه>، لا سيّما مع دعواكم العريضة بأنّكم فقهاء الواقع !!
وإن كنتم تعلمون ذلك، فتلك خيانة عظمى، وغِشٌّ كبير، لا يجوز لكم كتمه عن شباب الأمّة خاصّة، وعن الناس عامّة.
لكنَّكم ـ يا إخوتاه ـ إنَّما تدعون في الحقيقة شباب هذا البلد الطيب ـ ومَن كان على شاكلته في البلدان الأخرى ـ فتنقلونهم عمّا هم عليه، وفيه من المنهج السليم القويم، إلى مناهج وطرق تلك الجماعات المنحرفة، التي فشلت في إصلاح نفسها، وإصلاح مجتمعاتها التي انطلقت منها، فهلاَّ سعيتم يا إخوتاه في نقل أصحاب تلك الجماعات إلى المنهج السلفي، بدلاً من العكس ؟
سبحان الله ! ما أشبه هذا الفعل بعملية التقريب بين السنّة والشيعة، والتي تولَّى كِبْرَها جماعة <الإخوان المسلمون> !!
وبعد هذا التطواف الطويل الممتع، أعود وإيَّاك ـ أخي الكريم ـ إلى مناقشة ما ذكره الصويان. فأقول: ـ وبالله التوفيق ـ:
إنَّه حينما ذكر تلك الآية الكريمة، إنَّما أراد منها أن يقول: إذا أثبت الله النفع في الخمر والميسر مع وجود الضرِّ، فالدعاة والجماعات الإسلامية أطيب وأشرف من الخمر، فلماذا لا يثبت لهم الخير والشرّ ؟!
قلت: أنا أوافقك ـ أُخَيَّ ـ على أنّ الجماعات الإسلامية فيها خير وفيها شرّ، وأنت قد قست الجماعات الإسلامية ودعاتها على الخمر، وأنت تعلم أنَّ الفرع يأخذ حكم الأصل إذا اتَّحدا في العلة، وقد اتَّحدا هنا، فحكم الخمر التحريم، فكذا حكم الانتماء إلى الجماعات الإسلامية واتباع دعاتها التحريم؛ لأنّ هذا هو ما يؤدِّي إليه القياس.
فإن أبيت إلاّ التمادي، فسأقول لك: ألم تعلم بأنّ هذه الآية التي استدللت بها منسوخة ؟ فكيف تستدلّ بآية منسوخة الحكم، على إثباته بالآية الأخرى، وهي قوله تعالى: إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ؟ [المائدة، آية: 90].
فإذا كان الخمر رجسًا، وحكمه وجوب اجتنابه، فقياسك الجماعات ودعاتها عليه يقتضي أن تأخذ حكم الخمر الذي هو وجوب الاجتناب، فإذن وجب اجتناب تلك الجماعات ودعاتها كاجتناب الخمر، وهذا هو موقف السلف من المبتدعة.
وأظنّ أنّ هذه المناقشة كافية لِمَن ألقى السمع وهو شهيد، وإلاّ ففيه إلزامات أخرى تركتها خشية الإطالة.
قال الزيد: <إنّ النبي قال لأبي هريرة في حديث فضل آية الكرسي، في شأن الشيطان الذي جاءه يحثو من الصدقة، ويمسكه أبو هريرة ثمّ يطلقه، وفي الثالثة أطلقه بعد أن علّمه فضل آية الكرسي، قال الرسول عنه: <أَمَا إِنَّهُ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ>. اﻫ
فقد ذكر الرسول الحسنات ـ هكذا يا زيد !! ـ وأثبت له الصدق، وإن كانت صفة الكذب ملازمة له، ولم يمنعه كثرة كذب الشيطان من ذكر صدقه في هذه المرَّة>.
قال الصويان: <فالنبي أثبت الصدق للشيطان الذي ديدنه الكذب، فلم يمنع ذلك من تقبُّل الخير الذي دلّ عليه>. اﻫ
إخوتاه: أسألكم بالله مَن مِن الناس نازعكم في أنّ الكذّاب قد يصدق، كما صدق إبليس ؟
ومَن مِن الناس نازعكم في أنّ الجماعات الإسلامية فيها خير وفيها شرّ ؟
أم أنَّكم تريدون منَّا ومن الشباب العائد إلى الله أن يجثو على رُكَبِه بين يدي الكذَّابين، والشياطين، والدجَّالين، والمبتدعين، والضالِّين المضلِّين، لينهل من علمهم الكدر النكد ؟!
علمًا بأنّ رواية الشياطين والكفار والكذابين لا تُقبَل! فكيف تطالبوننا بأخذ الدين عنهم ؟!! بل كيف للغرّ أن يميِّز بين الحقّ والباطل، وبين الصحيح والسقيم ؟!! إنّ هذا لشيء عجاب.
وهل خلت الأرض من الصالحين والمصلحين، الثقات الأثبات، أهل السنّة والجماعة، أتباع السلف الصالح، حتى يطلب العلم عند المبتدعة، والمخرفين، والمنحرفين ؟!!! <سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك>.
يا إخوتاه: نحن في بلد طيّب، رايته سلفية، وعلماؤه سلفيون، أمثال الشيخ العامل العالم: عبد العزيز بن باز، والشيخ: محمّد بن عثيمين، والشيخ ابن غديان، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ: ابن غصون، والشيخ صالح اللحيدان، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وغيرهم كثير من داخل البلاد وخارجها، أمدّ الله في أعمارهم، وبارك في أعمالهم، وجعلهم ذخرًا للعباد والبلاد، اللهمَّ آمين.
فلماذا يا إخوتاه نلتفت إلى النطيحة والمتردية، وما أكل السبع ؟!!
ولكن لحاجة في نفوس هؤلاء، والله المستعان على ما يصفون.
وبعد هذا، فلنعد ـ أخي الكريم ـ إلى ما كتبه الزيد والصويان لننظر معك فيما قالاه، أهو صواب أم خطأ ؟
قال الزيد: <فقد ذكر الرسول الحسنات، وأثبت له الصدق، وإن كانت صفة الكذب ملازمة له...>. اﻫ
فقوله: <الحسنات>، خطأ، لأنّه لم يذكر له إلاّ حسنة واحدة، وهو صدقه في هذه المرّة.
وأمّا الصويان، فقد قال: <فالنبيُّ أثبت الصدق للشيطان الذي ديدنه الكذب، فلم يمنع ذلك من تقبّل الخير الذي دلّ عليه>. اﻫ
فقوله: <أثبت الصدق للشيطان>، فهل <أل> التي في <الصدق>، لاستغراق الجنس، أو ماذا ؟
وقوله: <فلم يمنع ذلك من تقبُّل الخير الذي دلّ عليه>.
فأقول: أرأيت يا أخي لو أنّ أبا هريرة لم يلق النبي حتى قبض، فهل سيروي أبو هريرة تلك الحادثة على أنّها شرع يتقرب به إلى الله، ونتقرّب به إليه أو لا ؟!! لا شكّ أنّ الجواب هو الأخير، علمًا بأنّ أبا هريرة لم يعلم بأنّه شيطان، إلاّ بعد إخبار الرسول .
فإذا كان ذلك كذلك، امتنع قبول ذلك الخير المزعوم، لأنّه ليس بخير والحال هذه.
إذن، فمتى كان ذلك خيرًا ؟ كان ذلك خيرًا بعد قول الرسول : <صدقك وهو كذوب>، بل في قوله : <وهو كذوب> التحذير من قبول قوله.
وكما قلت لك، قد يصدق الكاذب والكافر، والدجال والمشعوذ، فهل إذا أخبرنا أحد من هؤلاء نقبل خبره ؟ أو أنّنا نتثبّت، ونمحّص، وندقّق تلك الأقوال المنقولة، وذلك بعرضها على الشرع، فإن خالَفَتْه رمينا بها ولا كرامة، وإن وافقَتْه، عملنا بها، لأنَّها من الشرع، لا على أنّ هؤلاء هم الذين أنشأوا ذلك وأتوا به من عند أنفسهم ؟
فتنبه لهذه النكتة، تسلم ـ بإذن الله ـ من كثير من الخلط والتلبيس.
إذن، فمعنى قول رسول الله : <صدقك>: أي وافق الحقّ، لا أنّه أنشأه.
يوضّح ذلك قول الرسول عن الكاهن الذي يسترق السمع من السماء، قال: <تلك الكلمة الحقّ، يخطفها فيقذفها في أذن وليِّه، ويزيد فيها مئة كذبة> [مسلم 4/1750].
فهذا الكاهن أو الساحر قال تلك الكلمة الحقّ، فصدق في مقولته تلك، لأنّه موافق للحقّ، لا أنّه أنشأه.
كما لو قال لك رجل مشهور بالكذب: هذا الحديث رواه البخاري، فقلت له: أخرجه لي من صحيح البخاري، فقال لك: انظر هنا، فوجدته كما أخبرك، فإنّه في هذه الحال يكون صدقك وهو كذوب.
وإنِّي هنا ـ أُخَيَّ ـ بصدد مناقشة طويلة لهذا المبدأ؛ لأنِّي كما أخبرتك أنّ غايتهم من هذا المبدأ هو صهر الجماعات الإسلامية في بوتقة ما أَسْمَوه ﺑ <جماعة أهل السنّة والجماعة>، لإقامة الخلافة الراشدة ـ بزعمهم ـ واستئناف الحياة الإسلامية.
إنّ الوصول إلى هذا الهدف لا يمكن تحقيقه على يد جماعة واحدة، بل لابدّ من تجميع تلك الجماعات تحت راية واحدة، ومن خلالها تُوحَّد الصفوف والقُوى، وتُوجَّه إلى الهدف المنشود تحقيقه.
وهذا الأمر بالطبع لن يتمّ لهم بهذه السهولة، ولهذا قاموا بإبراز هذا المبدأ، <مبدأ العدل والإنصاف>، وعرضوه عرضًا مجملاً غير مفصّل، لأنّ بالإجمال يحصل التجميع ـ أي بين المحقّ والمبطل ـ وبالتفصيل يحصل التفريق ـ أي الفرقان بين الحقّ والباطل ـ.
ولهذا سَطَوْا على ما كان من باب الضرورة عند السلف، ألا وهو الجمع بين الجرح والتعديل في الرجل المختلَف فيه، والمبتدع، فعمّموه وجعلوه هو الأصل، وما كان هو الأصل عند السلف جعلوه بمثابة الضرورة، بل قالوا: ليس هذا من منهجهم.
فسبحان الله !! ما أعظم جهلهم بمنهج السلف، وفِرْيَتِهم عليه في الوقت نفسه !!!
ولهذا قالوا: العدل: يقتضي أن تذكر الحسنات مع السيّئات.
فمَن لم يفعل فما عدل وأنصف، بل جار وخان !
والغريب أنّ هؤلاء قد اعتمدوا في تقرير مذهب السلف ـ بزعمهم ـ على <سير أعلام النبلاء> للذهبي، مستخلصين منه مبدأ الموازنات، مع العلم بأنّ <سير أعلام النبلاء> هو أشبه بكتب التاريخ، فهو أشبه بكتاب <البداية والنهاية> لابن كثير ـ رحمهما الله تعالى ـ غافلين أو متغافلين عن كتب الذهبي التي سارت على منهج المحدّثين، في عدم الموازنة بين الحسنات والسيّئات، ﻛ <ميزان الاعتدال>، و<المغني>، و<الكاشف>، ونحوها.
وعلى فرض التسليم الجدلي لهم بصحّة ما ذهبوا إليه، فإنّي أطالبهم بأن يذكروا لنا حسنات وسيّئات الجماعات الإسلامية، والكتب الفكرية، والأشرطة الإسلامية، والأعمال الدعوية الجماعية، والفردية، وكذا حسنات وسيّئات الدعاة إلى الله تعالى مفصّلة، لنكون على بصيرة، فنعرف ما نأخذ، ونعرف ما نذر.
والدليل ـ أيضًا ـ على ما أقول هو:
أنّه لا وجود للتفصيل عندهم، لا في كتبهم، ولا في رسائلهم، بل ولا في أشرطتهم، ولا في الأجوبة الصادرة عنهم، على بعض الأسئلة الموجّهة إليهم، بل نراهم يصرّحون بالضدّ.
وهنا ـ أخي الكريم ـ سأنقل لك كثيرًا من أقوالهم في الثناء على الجماعات الإسلامية المختلفة، وعلى قادتها، ومؤسِّسيها، وسأنقل ـ أيضًا ـ عنهم أنّهم يرون أنّ الخلاف بين الجماعات الإسلامية إنّما هو من باب خلاف التنوع لا خلاف التضاد.
وسأنقل ـ أيضًا، إن شاء الله ـ عنهم دعوة الجماعات الإسلامية إلى الانضمام إلى جماعتهم <جماعة الأمّ>، جماعة <أهل السنّة والجماعة>، أي: <القطبية>.. وإليك ذلك مفصّلاً:

فصل
في أقوال القطبية في الثناء على الجماعات الإسلامية المختلفة
ودعوة تلك الجماعات للانضمام إلى جماعتهم
قال المصري في <معالم الانطلاقة الكبرى> (ص 6): <.. إلى جميع المسلمين المخلصين.. أفردًا وجماعات، الذين يتطلّعون إلى ميلاد فجر صادق، وبدء مرحلة جديدة، وانطلاقة حقيقية تجاه الهدف الإسلامي المنشود، إلى جميع المسلمين الواعين.. أفرادًا.. وجماعات الذين يدركون أنّ إحياء الأمّة الإسلامية من سُباتِها العميق، والدفع بها إلى مكانها الطبيعي لتقود نفسها أوّلاً، وتقود البشرية جمعاء مرّة أخرى ـ بأمر الله ـ لن يتحقّق من خلال جهود أفراد مهما كثروا، أو تجمّعات صغيرة، أو كبيرة، مهما تعدّدت، طالما أنّ كلاًّ منها تغلق بابها، وتحيط نفسها بسياج من الأوهام، يمنعها من التعاون، والتشاور، وتبادل النصيحة مع الآخرين، وتحذر نفسها بدعوى مظنونة: أنّها هي وحدها على الحقّ، وهي وحدها الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، وما عداها باطل، وأنّ نصر الله لها وحدها آت... إلى جميع المسلمين من أهل السنّة والجماعة.. أفرادًا.. وجماعات...>. اﻫ
وقال ـ أيضًا ـ في ص (187): <إنّ هذا يقودنا إلى موقف بعض الجماعات الإسلامية المنتشرة في البلاد، التي تنتسب إلى السنّة، ويدين أكثر أهلها على الجملة بعقائد أهل السنّة ـ وهي غالب الدول المنتشرة على طول العالم الإسلامي باستثناء إيران ـ. إنّ موقف هذه الجماعات لعجيب حقًّا، سواءً منها الجماعات التقليدية في الساحة، أو التجمعات الأخرى التي تنتشر في ميدان العمل الإسلامي. فالناظر في شعارات بعض هذه الجماعات تصدمه حقيقة أولية، وهي: عدم وجود أيَّة فوارق حقيقية بين شعارات بعض هذه الجماعات، تبرّر أن تهاجم كلّ منها الأخرى، وتُسفِّه أفكارها>. اﻫ
وقال ـ أيضًا ـ في ص (188 ـ 189): <فلماذا لا يترك كلٌّ منهم الآخر يسير في طريقه ويقف منه موقفًا محايدًا ـ على أقل تقدير ـ بدلاً من أن يهاجم، ويفاصل، ويتَّهم ـ دون دليل من شرع أو أثارة من علم أو عقل، وما الضرر على دين كلٍّ منهم إذا تعاون مع أخيه ـ كلٌّ بجماعته ـ فيما يستطيعون فيه أن يتعاونوا، مع استقلال كلٍّ منهم بأسلوبه، وأدواته، وجماعته ؟
إنّنا لا ننكر أنّ كلَّ جماعة ـ أو تجمّع ـ في الساحة الإسلامية لها اجتهادها الخاصّ في تقدير الواقع المحيط على الجملة، وفي تقدير الطرق والأساليب التي يمكن أن يبدأ منها الحلّ الإسلامي لمشكلات هذا الواقع، ـ وأيضًا ـ لا ننكر أنّ الاختلاف في هذه الاجتهادات الخاصّة لكلّ جماعة، تصبغ حركة الجماعة بصبغة حركية خاصّة ـ وليست فكرية أو سلوكية ـ بمعنى: أنّ الكلّ قد يكون متفقًا على الالتزام بفكر وسلوك <أهل السنّة والجماعة> ابتداءً، وأمام الاختلاف في تقدير مشكلات الواقع، وتقدير طريق المواجهة، يبدأ الاختلاف في أسلوب العمل:
فهذه الجماعة تركز على جانب العقائد، ونشرها بين المسلمين.
وهذه تركز على جانب التربية والإعداد.
وهذه تركز على العمل السياسي، ونشر الوعي الحركي.
وهذه تركز على الدعوة للسنّة، ومحاربة البدع، في السلوك والآداب.
وهذه تركز على نشر المفاهيم الإسلامية بين عامّة الناس، ودعوتهم للالتزام بتعاليم الدين.
وهذه تركز على جانب الإعداد العسكري والمواجهة مع الباطل..
إلى آخر هذه الاجتهادات التي ترى أنّ الساحة الإسلامية في حاجة لها جميعًا، بل إنّها تكمّل بعضها بعضًا، وتصبُّ في النهاية في مصبٍّ واحد، وهو إيقاظ الأمَّة المسلمة من سباتها العميق، وتحريك هذا الجسد النائم، ليفيق من غفوته، ويفرز قيادته الحقيقية، التي تقوده نحو ممارسة دوره المطلوب منه في هذه الحياة الدنيا بأمر الله>. اﻫ
وقال ـ أيضًا ـ في ص (190 ـ 191): <إنّ المرء قد يتساءل أمام هذه الحقائق إذا كان الأمر كذلك، فما هو المبرِّر الحقيقي لوجود مخاصمة بين كثير من هذه الجماعات، التي ترفع كلّها شعار <السنّة والجماعة> ؟...
إنّ الفكرة السائدة بين كثير من هذه الجماعات: وهي اعتقاد كلّ منها أنّها هي وحدها <جماعة أهل السنّة..>. اﻫ
وقال ـ أيضًا ـ في ص (193): <إنّ العمل للإسلام من خلال هذه الجماعات أمر لا غبار عليه، لا شرعًا، ولا عقلاً...>

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق