؟
مناقشة أدلة القطبية
في الإنكار العلني على الولاة
واعلم ـ أخي الكريم ـ أنّ من وسائل
التهييج عندهم: الإنكار العلني على الولاة، والإكثار من غمزهم ولمزهم، ونشر
أخطائهم على الملأ والعامّة، ليوغروا بذلك صدور العامّة على الولاة، فيتمنّوا زوالهم
إن لم يسعوا في ذلك بأيديهم وأرجلهم.
وقد استدلّ هؤلاء السياسيون ببعض
الآثار، زاعمين أنّها تدلّ على ما يريدون من الإنكار العلني على
الولاة، وسأبيِّن ـ بعون الله ـ ما
وقعوا فيه من التدليس والتلبيس، فأقول:
قال سلمان العودة في شريطه <لماذا نخاف من النقد>: <من ذلك مثلاً: أنّ بعض الناس شكَّكوا في
قسمة النبي r للمال ـ وهذا موجود في كلِّ زمان ـ، وأنَّها قسمة ما أريد بها وجه الله، فقال
النبي r: <رَحِمَ اللهُ أَخِي مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ
بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ>.
والثابت في الصحيح أنّ النبي r لم يأمر بالقبض على هذا الرجل الذي
قال تلك الكلمة وشكّك في القيادة العليا ـ قيادة النبي r ـ لم يأمر
بالقبض عليه قطّ، ولا أودعه في السجن، ولا فتح محاضرة للتحقيق معه، ولا حكم بسجن
مؤبّد، ولا بغير مؤبّد، ولا شهّر به، ولا فضحه أبدًا، وإنّما تركه حرًّا طليقًا لم
يتعرّض له بشيء، سوى أنَّه r قال: <رَحِمَ اللهُ أَخِي مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ
بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ>، وهو r رسول الله، الصادق المصدوق، المبرء
المُنَزَّه.. هذا المنهج التربوي النبوي العظيم ظلّ هو السنّة المتبعة للمسلمين
قرونًا طويلة، من بعد النبي r، سواءً كانوا من الخلفاء والحكام، أو من
العلماء والدعاة، أو من عامَّة الناس..>. اﻫ
ولي مع هذا الكلام وقفات:
الوقفة الأولى: يا سلمان: هل تقول إنَّ فعل الرجل وقوله كان جائزًا، أم
لا ؟ فإن كان الجواب ﺑ «لا» ـ وهذا ظنِّي فيك ـ إذًا
فلا حجّة لك فيه.
وإن قلت بالثانية فتلك مصيبة !!!
الوقفة الثانية: يقول العلماء: إنّ
ذلك الرجل كان هو البذرة الأولى للخوارج، فهل تسوغ لك نفسك بأن يكون قائدك البذرة
الأولى للخوارج ؟!!
الوقفة الثالثة: سلَّمت لك
جدلاً أنّ هذا الحديث يدلّ على جواز الإنكار العلني على الولاة، لأنَّه إذا جاز
ذلك في حقّ النبي r فما عداه من باب أولى.
لكن، الرجل هنا جاء إلى الرسول r وجهًا لوجه، ومن ثَمّ أنكر على
المصطفى r، فأين هذا مِمّا تفعلون من
الذهاب إلى المساجد، سواءً في خطب الجمع، أو إلقاء المحاضرات العامَّة في
المناطق البعيدة، ومن ثَمّ طرح وإلقاء ما ترونه من المنكر الذي وقع فيه
الولاة على مسامع الناس، لا على مسامع الولاة.
فأنتم في هذه الحال لم تنكروا على
الولاة، بل ذكرتم ما عندهم للعامَّة، وفرق كبير بين الإنكار عليهم، وبين
ذكر ما عندهم للغير.
فإن أردتم النصح لهم فاذهبوا إليهم
مباشرة، أو بواسطة، ومن ثَمّ أسمعوهم ما تريدون، ونحن لا نخالفكم ـ والحال هذه ـ من النصح لهم.
لكن قد يقول ملقَّن ـ يهرف بما لا يعرف ـ: إنّ الكلام في
المحاضرات العامَّة وخطب الجُمَع، والأشرطة المسجلة تبلغ هؤلاء، بل
إنَّ كشف أخطائهم عند العامَّة يردعهم
عن التمادي في باطلهم.
فأقول له: هل أنت مصلح تريد الإصلاح،
أو لا ؟ فإن كنت مصلحًا فاسلك طريق الشرع، لأنَّه سبيل المصلحين، والشرع قد ورد فيه
قول الرسول الكريم r: <سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ، وَرَجُلٌ
قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ>.
وإن كنت مفسدًا، فلا كلام لي مع
المفسدين.
وأزيدك شيئًا آخر لم تفطن له، وهو: ما
يدريك من أنَّ نصحك الذي نصحت به في شريطك، أو
محاضرتك، أو خطبتك، قد وصلت للولاة على وجهها الصحيح من غير تحريف فيها ولا تبديل،
لا سيما وأنتم لكم أعداء يتربّصون بكم الدوائر ـ كما تزعمون ـ كالعلمانيين،
والقوميين، والنفعيين، وغيرهم ؟!!
فلماذا لا تكون فطنًا نبيهًا مفوتًا على أولئك
خططهم، لا سيما وأنت الفقيه بالواقع، العالم بسبل المجرمين وخططهم
وأهدافهم ؟!!
إذا فهمت ذاك الجواب، فهمت الجواب عن
كلّ ما استدلّوا به من الآثار الدالة على جواز الإنكار العلني على الولاة، كالذي
ذكره سلمان في كتابه <من وسائل دفع الغربة> ص (149 ـ 151): <ومن ذلك أنّ مروان بن الحكم لَمّا أخرج
المنبر يوم العيد، وبدأ بالخطبة قبل الصلاة، مخالفًا بذلك سنّة النبي r، قام إليه رجل، وقال له
بصريح العبارة: يا مروان: خالفت السنّة، أخرجت المنبر في يوم عيد، ولم يكن يخرج
فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، فأيّده على هذا الإنكار أبو سعيد الخدري t وقال: <أمَّا هذا فقد قضى ما عليه> أي: أنَّه قام بالواجب الذي يقتضيه حديث: <مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا...>.
وكان لأبي سعيد نفسه t موقف أقوى من موقف هذا الرجل، ولعلّه
كان قبل هذه الحادثة.
فعن أبي سعيد الخدري t قال: كان رسول الله يخرج يوم الفطر
والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثمّ ينصرف، فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على
صفوفهم، فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثًا، قطعه، أو يأمر
بشيء، أمر به، ثمّ ينصرف.
قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على
ذلك، حتى خرجتُ مع مروان ـ وهو أمير المدينة ـ في
أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى، إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان
يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجذبت بثوبه، فجذني، فارتفع، فخطب قبل الصلاة، فقلت
له: غيّرتم والله. فقال: أبا سعيد ! قد ذهب ما تعلم فقلت: ما أعلم ـ والله ـ خيرٌ مِمّا لا أعلم،
فقال: إنّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلناها قبل الصلاة>. اﻫ
اعلم ـ أخي الكريم ـ بأنَّ الاحتساب على الولاة كغيرهم من
المسلمين، يسلك في ذلك الشرع بلا إفراط ولا تفريط، فمَن رأى من أميره منكرًا فليأمره بالمعروف
الذي تركه، وينهاه عن المنكر الذي فعله، ولو كان بحضرة الأمير بعض الناس، كما في
الآثار السابقة ـ إذا كان يحقّق مصلحة راجحة ـ.
أمّا أن تكون في مكان، والوالي في
مكان آخر، لا يسمعك ولا يراك، أو قد يسمع صوتك المسجل، ولكن بتحريف وتغيير لكلامك،
فليس هذا من الإنكار في شيء، بل هو عبث وسفه، لِمَا يترتّب على ذلك من المفاسد الكبيرة
الكثيرة.
وعلى فرض التسليم بصحة ما ادَّعوه، فإنّي سأقول
لهم: إذا جاز الإنكار على الولاة علنًا، فلأن يجوز الإنكار على أولئك الدعاة من
باب أولى.
فإن قال قائل: هذا لا يصح، لأنّ
الإنكار على الدعاة علنًا يسبب الفرقة ويعيق الدعوة، ويشتت الكلمة، ويورث الشحناء
والبغضاء، ويشكّك فيما يحملون من الحقّ.
فسأقول: إنّ المفاسد المترتبة من
الإنكار العلني على الولاة، أعظم وأعظم من المفاسد المترتبة على الإنكار العلني
على الدعاة.
بل أقول له: لماذا يغضبون إذا أنكر
بعض علمائنا على داعية من الدعاة، أو على جماعة من الجماعات في شريط له، أو
كتاب وزع على الشباب والناس، ليحذَروا ما عند ذلك الداعية وتلك الجماعة
من خطأ وباطل.
ـ وأيضًا ـ فإنّ العلّة التي
أجازت لعلمائنا الإنكار، هي العلّة التي تعلّلون بها الإنكار على الحكام والولاة،
وهي قولكم: <إنّ المنكر متفشٍّ منتشر، فلابدّ من إنكاره علنًا>. فلماذا تأخذون بهذا المبدأ حين يكون لكم،
وتتركونه إذا كان ضدّكم ؟!!
بل الالتزام بهذا المنهج يسبب الفوضى،
لأنّ الموظف سينكر على مديره علنًا، والطالب سينكر على شيخه علنًا، والجندي سينكر
على قائده علنًا و... الخ.
الوقفة الرابعة: قوله: <وشكّك في القيادة العليا...>.
اعلم أخي القارئ بأنّ القيادة العليا
في الإسلام هي القيادة الشرعية السياسية، ممثَّلة في الحاكم وولي الأمر، وتحت هذه
القيادة قيادات أخرى من أولاها: القيادة العلمية الشرعية، ممثلة في أهل العلم ـ كهيئة كبار العلماء عندنا ـ.
وسلمان يقول: إذا جاز التشكيك في
القيادة العليا، قيادة النبي r جاز التشكيك فيما دونها من القيادات
من باب أولى.
فأقول لسلمان: أرأيت لو أنّك التزمت
بذلك المبدأ لفسدت الدنيا، ولفسد الدين، لأنَّ الصوفية سيقومون ويشككون في تلك القيادة العليا
وما دونها من القيادات، وكذا الرافضة، وكذا العلمانيون، وكذا كلّ المبطلين، فإذا
حصل هذا، أليس هو الفساد والإفساد بعينه ؟!!
بل قد يقول قائل: إذا جاز ذلك، جاز
التشكيك فيكم من باب أولى، فإن قبلتم ذلك كان فيه عليكم من المشقة ما الله به
عليم، وإن منعتم ذلك، نقضتم أصلكم الذي أصّلتم.
الوقفة الخامسة: قوله: <لم يأمر بالقبض عليه قطّ، ولا أودعه في السجن،
ولا فتح محاضر التحقيق معه، ولا حكم عليه بسجن مؤبّد، ولا بغير مؤبّد، ولا شهّر
به، ولا فضحه أبدًا، وإنّما تركه حرًّا طليقًا لم يتعرّض له بشيء...>.
قلت: عفا الله عنَّا وعنك يا
سلمان، ألم تسمع قول النبي r عن هذا الرجل حينما أدبر: <..إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا أَوْ فِي عَقِبِ
هَذَا قَوْمًا يَقْرَأُونَ القُرآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ
مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ
الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ
قَتَلْتُهُمْ قَتْلَ عَادٍ> سنن أبي داود (5/122).
وهذا النبي r يقول: <لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ قَتَلْتُهُمْ قَتْلَ عَادٍ>.
فهو عليه الصلاة والسلام يريد قتل ذرّيّة ذلك الرجل
وفروعه، أفلا ترى بأنّه عليه الصلاة والسلام لو تمكّن وقدر على قتل الذي هو أساسهم
وأصلهم لفعل، لكنَّ منعه من ذلك خشية أن يقول الناس: إنّ محمّدًا
يقتل أصحابه.
فهل يصلح بعد ذلك أن تقول: لم يأمر
بالقبض عليه..، ولا شهّر به، ولا فضحه.. ؟! بل قد شهّر به، وفضحه، بل شهّر
ذريّته ـ أيضًا ـ وفضحهم، بل
وأمر بقتلهم، وبيّن أنّهم شرُّ قتلى على وجه الأرض، فماذا بعد هذا من التشهير
والفضيحة ؟!!
الوقفة السادسة: لو طبَّق هذا المنهج، لكانت حياتنا أشبه
بالحياة الديمقراطية، فتدبّر وتنبّه !!!
ثالثًا: من الإرهاصات الدالة على خروجهم: طعنهم في العلماء والتهوين من
شأنهم، ومنزلتهم عند العامّة والخاصّة.
وذلك بوصفهم بأنّهم علماء سلطان، وأنَّهم حاشية
حكام، لا أنَّهم ﻛ <سلطان العلماء>: العزّ بن عبد السلام.
يوضّح ما قلت لك ما يأتي:
أ) قول سلمان في شريطه <وقفات مع إمام دار الهجرة>، حيث قال فيه: <... في بلاد العالم الإسلامي اليوم جهات كثيرة
جدًّا، لم يبق لها من أمر الدين ـ وقد تكون مسئولة عن
الفتيا ـ أحيانًا ـ أو عن الشؤون الدينية ـ لم
يبق لها إلاّ أن تعلن عن دخول شهر رمضان أو خروجه>. اﻫ
فمَن هم المعنيون بقول سلمان: <جهات كثيرة...> ؟!
لا أراه يقصد بذلك إلاّ هيئة كبار
العلماء في بلد التوحيد، ومَن كان على شاكلتهم من غيرهم في البلاد الأخرى.
وإليك البرهان:
ب) جاء في حوار مجلة: <الإصلاح> الإماراتية مع سلمان العودة، عدد (223)، ص (11)، قوله: <.. الأحداث التي حدثت في الخليج لم تزد على أنّها
كشفت النقاب عن علل، وأدواء خفية كان المسلمون يعانون منها، وأكّدت على أنَّهم ليسوا
على مستوى مواجهة مثل هذه الأحداث الكبيرة، وكشفت كذلك عن عدم وجود مرجعية علمية
صحيحة وموثوقة للمسلمين، بحيث أنَّها تحصر نطاق الخلاف، وتستطيع أن تقدّم لهم حلاًّ جاهزًا
صحيحًا، وتحليلاً ناضجًا...>. اﻫ
ج) قال عائض القرني في قصيدته: <دع الحواشي واخرج>، في كتابه <لحن الخلود> ص (46 ـ 47):
يا رياض الخير قد جئت وفي لا تحدثني عن العمران في أنا لا أرغب سكنى القصر ما صل ما شئت وصم فالدين لا أنت قسيس من الرهبان ماتترك الساحة
للأوغاد ماأو دعيٍّ فاجر أوقع فيلا تخادعني بزي الشيخ ما أنت تأليفك للأموات ما كلّ يوم تشرح المتن علىوالحواشي السود
أشغلت بها لا تقل شيخي كلاما
وانتظر والسياسات حمى محذورة
|
|
جعبتي أبها بلقياك تسامى أرضكم يا صاح والأهل يتامى دام قلبي في حثى الذل مسامايعرف
العابد مَن صلى وصاما
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق