السبت، 21 يناير 2017

 مفهوم الحرية عند الإخوان المسلمين)
(عنوان1 الحلقة الثانية)
[size=5]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله r وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد : فهذه هي الحلقة الثانية من " مفهوم الحرية عند الإخوان المسلمين " ونواصل فيها ـ بمشيئة الله تعالى ـ ذكر أقوال زعمائهم وعلمائهم ومنظريهم ومفكريهم, ومن هؤلاء :
[U][align=center]@ : سيد قطب[/align][/U]
قال سيد قطب : " وكانت ( يعني رسالة الإسلام ) ثورة على طاغوت التعصب الديني, وذلك منذ إعلان حرية الاعتقاد في صورتها الكبرى : {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا } {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } . لقد تحطم طاغوت التعصب الديني, لتحل محله السماحة المطلقة, بل لتصبح حماية حرية العقيدة وحرية العبادة واجباً مفروضاً على المسلم لأصحاب الديانات الأخرى في الوطن الإسلامي ا.هـ " من دراسات إسلامية ص ( 13) .
وقال في ظلال القرآن ( 1/291 ) عند تفسير قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين ) الآية :
" وفي هذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان واحترام إرادته وفكره ومشاعره, وترك أمره لنفسه فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد وتحميله تبعة عمله وحساب نفسه . وهذه أخص خصائص التحرر الإنساني ، التحرر الذي تنكره على الإنسان في القرن العشرين مذاهب متعسفة ونظم مذلة، لا يسمح لهذا الكائن الذي كرمه الله باختياره لعقيدته , أن ينطوي ضميره على تصور للحياة ونظمها غير ما عليه الدولة بشتى أجهزتها التوجيهية وما تميله عليه بعد ذلك بقوانينها وأوضاعها , فإما أن يعتنق مذهب الدولة هذا ـ وهو يحرمه من الإيمان بإله الكون الذي يصرف هذا الكون ـ وإما أن يتعرض للموت بشتى الوسائل والأسباب .
إن حرية الاعتقاد هي أول حقوق الإنسان التي يثبت له بها وصف الإنسان.فالذي يسلب إنساناً حرية الاعتقاد إنما يسلبه إنسانيته ابتداءً ...
ومع حرية الاعتقاد حرية الدعوة للعقيدة , والأمن من الأذى والفتنة , وإلا فهي حرية بالاسم , لا مدلول لها في واقع الحياة " ا.هـ
@ [U]سئل الشيخ ابن عثيمين [/U]هذا السؤال : فضيلة الشيخ : نسمع ونقرأ كلمة " حرية الفكر" , وهي دعوة إلى حرية الاعتقاد , فما تعليقكم على ذلك ؟
فأجاب بقوله : تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الاعتقاد, يعتقد ما شاء من الأديان فإنه كافر , لأن كل من اعتقد أن أحداً يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد r , فإنه كافر بالله ـ U ـ يستتاب , فإن تاب وإلا وجب قتله .
والأديان ليست أفكاراً, ولكنها وحي من الله ـ U ـ ينزله على رسله, ليسير عباده عليه, وهذه الكلمة ـ أعني كلمة فكر ـ التي يقصد بها الدين . يجب أن تحذف من قواميس الكتب الإسلامية ؛ لأنها تؤدي إلى هذا المعنى الفاسد , وهو أن يقال عن الإسلام : فكر, والنصرانية فكر, واليهودية فكر ـ وأعني بالنصرانية التي يسميها أهلها بالمسيحية ـ فيؤدي إلى أن تكون هذه الشرائع مجرد أفكار أرضية يعتنقها من شاء من الناس, والواقع أن الأديان السماوية أديان سماوية من عند الله ـ Uـ يعتقدها الإنسان على أنها وحي من الله تعبد بها عباده, ولا يجوز أن يطلق عليها " فكر " .
وخلاصة الجواب : أن من اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء وأنه حر فيما يتدين به فإنه كافر بالله U ؛ لأن الله تعالى يقول : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } ويقول : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُِ } . فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن ديناً سوى الإسلام جائز يجوز للإنسان أن يتعبد به بل إذا اعتقد هذا فقد صرح أهل العلم بأنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة . ا.هـ " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (3/99ـ100) رقم (459).
# :[B][U][align=center]التلمساني[/align][/U][/B]
قال التلمساني : " يجب احترام الرأي الحر للآخرين , وليس من الحرية أن أحول بين الناس وبين آرائهم . " نقلاً من " الطريق إلى الجماعة الأم " ص ( 183) .
$ : [B][U][align=center]محمد الغزالي[/align][/U][/B]
قال الغزالي : " فإننا يجب أن نمد أيدينا وأن نفتح آذاننا وقلوبنا إلى كل دعوة تؤاخي بين الأديان وتقرب بينها , وتنتزع من قلوبها أسباب الشقاق. إننا نقبل مرحبين على كل وحدة توجه قوى المتدينين إلى البناء لا الهدم, وتذكرهم بنسبهم السماوي الكريم وتصرفهم إلى تكريس الجهود لمحاربة الإلحاد والفساد وابتكار أفضل الوسائل لرد البشر إلى دائرة الوحي بعد ما كادوا يفلتون منها إلى الأبد " ا.هـ من كتاب " من هنا نعلم" ص (150)
%: [U][B][align=center]حامد أبو نصر[/align][/B][/U]
قال حامد أبو نصر : " لا مانع من وجود حزب علماني أو شيوعي في ظل الحكم الإسلامي . ا.هـ " نقلاً من " الطريق إلى الجماعة الأم " ص(183)=========
وعليه أن يقوم بحماية حرية العقيدة والعبادة
ويقول : (إن النظام الاجتماعي الإسلامي هو النظام الوحيد في العالم اليوم الذي يقوم على أساس فكرة (العالمية) بمعناه الصحيح ، لأنه النظام الوحيد الذي يسمح بأن تعيش في ظله جميع الأجناس وجميع اللغات وجميع العقائد في سلام . . . وذلك إلى جانب تحقيق العدالة المطلقة بين جميع الأجناس وجميع اللغات وجميع العقائد. . . إننا ندعو إلى نظام تستطيع جميع العقائد الدينية أن تعيش في ظله بحرية وعلى قدم المساواة ويتحتم فيه على الدولة وعلى جماعة المسلمين القيام بحماية حرية العقيدة([1]) وحرية العبادة للجميع ، وأن يلجأ غير المسلمين في أحوالهم الشخصية إلى ديانتهم كذلك ، وأن يكون لجميع المواطنين([2]) فيه حقوق وتبعات متساوية بدون تمييز. . . وأن يرتكز هذا كله على عقيدة في الضمير لا على مجرد التشريعات والنصوص التي لا تكفي وحدها للتنفيذ السليم ، إننا ندعو إلى نظام ، يملك جميع أجناس العالم من سود وبيض وحمر وصفر أن تعيش في ظله بحرية وعلى قدم المساواة بلا تفريق بين العناصر والألوان واللغات ، لأن الآصرة الإنسانية تجمعهم ، بلا تمييز عنصري ، ولا محاباة فيه )([3]).
أقول : لعل سيد قطب أخذ ما يزعم أنه فكرة (عالمية الإسلام ) بمعناه الصحيح على حد قوله وعلى الوجه الذي فصله من نصوص القران الكريم ، مثل قوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}([4])
فهل عالمية الإسلام هي كما ذكر سيد قطب ؟
الجواب : حاشا وكلا، فإن القرآن قطعا لا يدل على ذلك ، والصحابة الذين فتحوا الدنيا لم تدر بخلدهم هذه الصورة أو هذه الصور التي ينسبها سيد قطب إلى الإسلام ، فقد ذكر ابن جرير في تفسير قول الله : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} قولين لا ثالث لهما:
أولهما: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : (من آمن بالله واليوم الآخر كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف).
وثانيهما: عن ابن وهب عن زيد قال : (العالمون من آمن به وصدقه وأطاعه )([5])، ورجح ابن جرير القول الأول .
وقد راجعت عدة من كتب التفسير فوجدتها لا تخرج عن هذين القولين .
كيف يعيش الإسلام مع اليهودية والنصرانية والمجوسية والهندوكية والبوذية في ظل الإسلام على قدم المساواة .
الظاهر أن سيد قطب يرى أنه يجب على الدولة المسلمة أن تشيد الكنائس([6]) والبيع والصوامع لليهود والنصارى، ومعابد الأوثان للبوذية والهندوكية ، بل الأصنام والتماثيل المعبودة ، كما تشيد المساجد للإسلام على قدم المساواة، والظاهر أنه يريد بقوله : (وأن يكون لجميع المواطنين فيه حقوق وتبعات متساوية بدون تمييز)، أن تقسم مناصب الدولة ووظائفها بين أهل الديانات المذكورة جميعا على حد سواء دون تمييز بين مسلم وغيره ([7])، والظاهر أن سيد قطب يرى أنه على هذه الدولة التي يتخيلها للإسلام أن تضع ميزانيات لمعابد هذه الديانات ومدارسها مع المساجد على قدم المساواة دون تمييز بين مساجد الله التي قال فيها : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}([8])، وقال : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ }([9]) يؤكد هذا قوله عن أهل الذمة : (وهؤلاء لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين بنص الإسلام الصريح )([10]) ، ولا ندري ما هو هذا النص وأين هو؟!
أين سيد قطب من قول الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }([11])
كيف يقف النجس الوثني مع طهر الإسلام والتوحيد على قدم المساواة "سبحان الله إن المسلم لا ينجس "، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : لا ينجس حسا ولا معنى ؟!
أين سيد من قول الله :{ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ([12]) ، وقول الله تعالى { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ}([13])، وقول الله تعالى : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ([14]).
أين سيد قطب من قول الله تعالى : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}([15]).
فأين الصغار المشروع لإذلال هؤلاء إذا كانوا يقفون مع المسلمين على قدم المساواة وإذا كانوا يتساوون معهم باسم المواطنة في الحقوق والتبعات؟
ومن قال بهذه المساواة من أئمة الإسلام المعتبرين ؟
لا يقول بهذا إلا العلمانيون الديمقراطيون الذين يلبسون ديمقراطيتهم لباس الإسلام.
أين سيد من قول الله تعالى : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}([16]).
فأين عزة الإسلام والمسلمين إذا وقفوا مع أعداء الله على قدم المساواة بدون تمييز؟
أين سيد قطب من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب "([17]) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما"([18]).
وقوله صلى الله عليه وسلم : "لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام ، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه "([19]).
فأين المساواة المدعاة وأين هو حق المواطنة؟ !
ثم لماذا تختفي هذه النصوص عند الحديث عن حقوق اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الذمة، بل وغيرهم ممن لا تقبل منهم الجزية .
فهذه النصوص القرآنية والنبوية تبين حقيقة موقف الإسلام من الديانات الباطلة وأهلها، وأنه لا علاقة بينه وبينها إلا أنه الأعلى العزيز وهي الأدنى والأحط والأذل ، وأهلها كذلك ، وكيف يستحق الإكرام من كفر بالله وباليوم الآخر وكذب رسله وكتبه ويكن للمؤمنين به العداوة والبغضاء ويتربص بهم الدوائر، إن إذلالهم لهو الحق والعدل بعينه ، وهل يستحق المجرمون الإكرام ؟
أين سيد قطب من الشروط العمرية التي تملي على أهل الذمة من اليهود والنصارى والمجوس الذل والصغار في كل ميدان من ميادين حياتهم ؟ !
الشروط العمرية :
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في "أحكام أهل الذمة"([20]) : (قال الخلال في كتاب "أحكام أهل الملل ": أخبرنا عبدالله بن أحمد فذكره([21]) ، وذكر سفيان الثوري عن مسروق عن عبد الرحمن ابن غنم قال : كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام ، وشرط عليهم ألا يحدثوا في مدينتهم ولا في ما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ، ولا يجددوا ما خرب ، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال ، يطعمونهم ، ولا يؤوا جاسوسا، ولا يكتموا غشا للمسلمين ، ولا يعلموا أولادهم القرآن ، ولا يظهروا شركا ، ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوه ، وأن يوقروا المسلمين ، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم ، ولا يكتنوا بكناهم ، ولا يركبوا سرجا، ولا يتقلدوا سيفا ، ولا يبيعوا الخمور، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم ، وأن يلزموا زيهم حيث ما كانوا ، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ، ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طرق المسلمين ، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيفا، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ، ولا يخرجوا شعانين ، ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم ، ولا يظهروا النيران معهم ، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت فيه سهام المسلمين.
فإن خالفوا شيئا مما شرطوه ، فلا ذمة لهم ، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق ).
ثم قال ابن القيم : (وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم ، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم ، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها، ثم ذكر أقوال الأئمة في أحكام الكنائس ) .
ثم قال : (ومتى انتقض عهدهم ، جاز أخذ كنائس الصلح منهم ، فضلا عن كنائس العنوة، كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان لقريظة والنضير لما نقضوا العهد، فإن ناقض العهد أسوأ من المحارب الأصلي ) .
ثم قال : (ولا يمكنون من إحداث البيع والكنائس كما شرط عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الشروط المشهورة عنه : (ألا يجددوا في مدائن الإسلام ولا فيما حولها كنيسة ولا صومعة ولا ديرا ولا قلاية)، امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تكون قبلتان في بلد واحد" رواه أحمد([22]) ، وأبو داود([23]) بإسناد جيد ، ولما روي عن عمر رضي الله عنه : (لا كنيسة في الإسلام ) وهذا مذهب الأئمة الأربعة في الأمصار ومذهب جمهورهم في القرى .
وما زال من يوفقه الله من ولاة أمور المسلمين ينفذ ذلك ويعمل به ، وذكر منهم : عمر بن عبدالعزيز، وأنه أمر بهدم الكنائس في اليمن ، وذكر عن الحسن أنه قال : من السنة أن تهدم الكنائس في الأمصار القديمة والحديثة، وذكر من الخلفاء: الرشيد والمتوكل ، وأنه استفتى العلماء في وقته فأجابوه فبعث بأجوبتهم إلى الإمام أحمد، فأجابهم بهدم كنائس السواد وذكر الآثار عن الصحابة والتابعين ) .
ثم قال ابن القيم : (وملخص الجواب أن كل كنيسة في مصر والقاهرة والكوفة والبصرة وواسط وفي بغداد ونحوها من الأمصار التي مصرها المسلمون بأرض العنوة، فإنه يجب إزالتها إما بالهدم أو غيره ، بحيث لا يبقى لهم معبد في مصر مصره المسلمون بأرض العنوة، سواء كانت تلك المعابد قديمة أو محدثة، لأن القديم منها يجوز أخذه ويجب عند المفسدة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجتمع قبلتان بأرض ، فلا يجوز للمسلمين أن يمكنوا أن يكون بمدائن الإسلام قبلتان إلا لضرورة؛ كالعهد القديم ، لا سيما وهذه الكنائس التي بهذه الأمصار محدثة يظهر حدوثها بدلائل متعددة، والمحدث يهدم باتفاق الأئمة)([24]) .
ومن عدل الإسلام أن ينزل المسلمين منزلتهم وأن ينزل الكافرين منزلتهم ، فشتان ما بين المسلمين والكفار.
ومن الحيف والجور المساواة بينهم في الدماء وغيرها، قال صلى الله عليه وسلم : "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم .. . ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده "([25]) . وعن علي رضي الله عنه مرفوعا: (وأن لا يقتل مسلم بكافر)([26]) .
وقد أحل الله للمسلمين نكاح الكتابيات ، وحرم على المشركين والكتابيين نساء المسلمين ، قال تعالى : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} ([27]) .
وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "دية المعاهد نصف دية الحر"([28]).
تأمل هذه الأدلة والشروط العمرية وما بني على ذلك كله من أقوال أئمة الإسلام في معاملة أهل الذمة في كنائسهم ولباسهم وركوبهم وسائر ما ذكر من شؤون حياتهم ، وقارن بين ذلك وبين ما يقرره سيد قطب من المساواة بين الإسلام والأديان الباطلة ومن المساواة بين المسلمين وأهل هذه الأديان ، وتساءل من أين جاء سيد قطب بهذه التشريعات التي ينسبها إلى الإسلام ؟
نعم ، إذا وفى أهل الذمة بالعهد والشروط المضروبة عليهم ، وأدوا ما عليهم فإن على المسلمين أن يوفوا بعهودهم ، وتحرم حينئذ دماؤهم وأموالهم ، كما تجب على المسلمين حمايتهم من العدوان الداخلي والخارجي .
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما"([29]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : (ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله ، فقد أخفر بذمة الله ، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا)([30])
وفي وصية عمر رضي الله عنه لمن يأتي بعده من الخلفاء: (وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعهدهم ، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوهم إلا طاقتهم )([31]).
قال جويرية بن قدامة : (سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه (يعني عند موته ). . . قلنا: أوصنا يا أمير المؤمنين : قال : أوصيكم بذمة الله ، فإنه ذمة نبيكم ورزق عيالكم)([32]).
وهذا من محاسن الإسلام ومزاياه وعلو شأنه في الأمور التي لا يلحق فيها من العدل واحترام العهود والمواثيق ، ولو كان مع أشد الأعداء وأحقر الحقراء.

--------------------------------------------------------------------------------
([1]) سئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله : (نسمع ونقرأ كلمة (حرية الفكر) كثيرا، وهي دعوة إلى حرية الاعتقاد، فما تعليقكم عليه ؟ فأجاب بقوله : تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الاعتقاد يعتقد ما شاء من الأديان فهو كافر. . . )، ثم شرع يفصل ويوضح رأيه . "فتاوى ابن عثيمين " (3/99 : 100)
([2]) وهذا من الإيمان بالوطنية .
([3]) دراسات إسلامية" (ص 80 - 81) .
([4]) سورة الأنبياء 107
([5]) التفسير" (17 - 156 ) .
([6])في السودان الإخوانية اليوم تشاد الكنائس وتشجع الحكومة الإخوانية وتشارك في ذلك .
([7]) وفي السودان اليوم وزراء من النصارى، بل نائب رئيس الجمهورية الإخوانية من النصارى، ويشارك عدد كبير من النصارى في مجلس الشورى وفي الجيش وغيره ، وهذا تطبيق عملي لمنهج الإخوان وسيد قطب ، وسوف ترون المزيد والمزيد مما يكنه الإخوان المسلمون ، فلا تخدعوا بالشعارات السياسية أيها المسلمون ! !================ـ و
قول سيد قطب بالاشتراكية وبجواز إلغاء الرق==الإسلام - عند سيد - يصوغ مزيجا من النصرانية والشيوعية
مع أن سيدا يكفر من لم يحكم بما أنزل الله مطلقا، ويتشدد في ذلك ، فإنه يرى أنه يجوز لغير الله أن يشرع قوانين لتحقيق حياة إسلامية صحيحة، قال :
(فإذا انتهينا من وسيلة التوجيه الفكري ، بقيت أمامنا وسيلة التشريع القانوني لتحقيق حياة إسلامية صحيحة تكفل فيها العدالة الاجتماعية للجميع .
وفي هذا المجال لا يجوز أن نقف عند مجرد ما تم في الحياة الإسلامية الأولى، بل يجب الانتفاع بكافة الممكنات التي تتيحها مبادئ الإسلام العامة وقواعده المجملة.
فكل ما أتمته البشرية من تشريعات ونظم اجتماعية ولا تخالف أصوله أصول الإسلام ، ولا تصطدم بفكرته عن الحياة والناس ، يجب أن لا نحجم عن الانتفاع به عند وضع تشريعاتنا، ما دام يحقق مصلحة شرعية للمجتمع أو يدفع مضرة متوقعة .
ولنا في مبدأ المصالح المرسلة ومبدأ سد الذرائع ، وهما مبدآن إسلاميان صريحان ما يمنح ولي الأمر سلطة واسعة لتحقيق المصالح العامة في كل زمان ومكان )([1])
وعلى هذا مآخذ :
1- كأن سيدا يرى أن الإسلام غير كامل ولا واف بمتطلبات الأمة الإسلامية .
2- يمكن لأي دولة تنتمي للإسلام أن تأخذ كل ما تهواه من القوانين الوضعية بحجة تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وبحجة أنها لا تتنافى مع أصول الإسلام ، ولو كانت مصادمة لأصوله ونصوصه .
3- يرى سيد أخذ كل ما أتمته البشرية من تشريعات ونظم اجتماعية إذا لم تخالف أصول تلك التشريعات وأصول تلك التنظيمات أصول الإسلام ولا تصطدم بفكرته عن الحياة، أي لا تحرم التشريعات والنظم الكافرة على المسلمين إلا في حالة مصادمة أصولها أصول الإسلام ، فإذا خالفت أصول التشريعات الكافرة والتنظيمات الكافرة نصوص الإسلام من الكتاب والسنة والأمور الفرعية التي دلت عليها تلك النصوص ، فلا حرج فيها، ولا تحريم ، بل يجب الأخذ والحال هذه بتلك التشريعات والتنظيمات الكافرة .
وكذلك ، إذا خالفت تفريعات تلك القوانين والنظم أصول الإسلام ، فلا حرج فيها، بل يجب الأخذ بها، لأنها فروع صادمت أصول الإسلام ، وذلك لا يضر، وإنما الضرر فقط في مصادمة الأصول الكافرة للأصول الإسلامية.
وبهذا التأصيل والتقعيد الذي يضعه سيد تنفتح أبواب التلاعب بدين الله لكل طاغية يريد التلاعب بالإسلام وبالأمة الإسلامية، فيمكنه جلب قوانين أوروبا وأمريكا تحت ستار هذه التأصيلات التي وضعها سيد قطب .
وانطلاقا من هذه القواعد التي وضعها سيد:
1- أخذ بالاشتراكية الغالية، فتوصل إلى أنه بيد الدولة أن تنتزع كل الممتلكات والثروات من أهلها، وتعيد توزيعها من جديد، ولو قامت على أسس إسلامية .
2- ومن هذا المنطلق يرى أنه لا مانع من وضع نظام دولي يلغي الرق الذي شرعه الاسلام ، فيقول في تفسير سورة التوبة :
{ وفى الرقاب }([2]) ، وذلك حين كان الرق نظاما عالميا تجري المعاملة فيه على المثل في استرقاق الأسرى بين المسلمين وأعدائهم ، ولم يكن للإسلام بد من المعاملة بالمثل ، حتى يتعارف العالم على نظام آخر غير الاسترقاق .
وهكذا يرى سيد أنه يجوز قيام نظام عالمي ينسخ ما قرره الإسلام في الكتاب والسنة، وأجمع على مشروعيته المسلمون في أبواب الجهاد والزكاة والكفارات والفضائل وغيرها في الرق وعتق الرقاب !
لماذا ؟! لأن هذا كله لم يصطدم بأصل من أصول الإسلام في زعمه .
أما مصادمتها لنصوص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على حرمة أموال المسلمين فهذا أمر هين عند سيد قطب ، فلا يلتفت إليه .
وكل هذا مجاراة لأهواء الغربيين ، وما أكثر وأشد ما يقع في هذا الميدان (أي مجاراة الغربيين).
ولو قامت له ولأمثاله دولة، لرأيت العجب العجاب من القوانين والتشريعات التي تحل الحرام، وتحرم الحلال ، انطلاقا من هذه القواعد التي تؤدي إلى هدم الإسلام باسم الإسلام ، وبرأ الله الإسلام من ذلك .
فأين التركيز على أنه لا حاكم إلا الله ؟! ولا مشرع إلا الله ؟!.
وأين ما قام على هذا من تكفير المجتمعات الإسلامية كلها لأنها تخضع لغير حاكمية الله وتشريعاته في نظره ؟!
فاعتبروا يا أولي الألباب ! !
ملاحظة :
يجب على المسلمين جميعا أن يدينوا ويعتقدوا أنه لا مشرع إلا الله ، فلا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا واجب إلا ما فرضه ، ولا مندوب ولا مكروه إلا ما قام عليه دليل من كتاب الله وسنة رسوله .
فمن أبطل واجبا، أو أحل حراما، فقد جعل نفسه ندا لله ، ورد ما شرعه الله - إذا كان عالما بذلك متعمدا -، وخرج بهذا التشريع من دائرة الإسلام .
أما الأمور الدنيوية المباحة، فإذا احتاج المسلمون حكاما ومحكومين إلى تنظيمها وضبطها، فلا مانع من ذلك ، وعلى ذلك أدلة :
منها قوله صلى الله عليه وسلم في تأبير النخل : "أنتم أعلم بدنياكم " .
ومنها إنشاء عمر للدواوين في هذا المجال ما لم تصطدم بنص من نصوص القرآن والسنة أو إجماع الأمة .
=====
يقول سيد قطب - مع الأسف -:
( ولا بد للإسلام أن يحكم ، لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجا كاملا يتضمن أهدافهما جميعا ويزيد عليهما التوازن والتناسق والاعتدال)([1])
أقول :
أولا: هذا الكلام ليس ببعيد عن القول بوحدة الأديان ، فإن تنـزلنا جدلا فإنه يسلك في أقوال من يقول بجواز تعدد مصادر التشريع من العلمانيين الذين يعارضهم من يعارضهم من المسلمين بأن المصدر الوحيد للتشريع هو الإسلام فقط ، ولا يسلمون للعلمانيين حتى بالقول بأن المصدر الرئيسي للتشريع هو الإسلام .
إن كلام سيد قطب هنا مطلق فلم يقيده بالجانب التشريعي ، فإذا تأوله المتأولون وتمحل له المتمحلون فيقال لهم :
اعترفوا على الأقل أن كلامه هنا يفيد أن المسيحية والشيوعية مصدران رئيسان للتشريع ، فإن أصروا وعاندوا فنقول لهم : تأولوا كلام كل أهل الضلال جميعا ، فإنهم كلهم يدعون الإسلام ، ولا يقبل منكم تأويل أباطيل سيد قطب وحده إلا بوحي من الله تعالى يخصصه ويميزه على كل من يقول الباطل ويتكلم بالهوى، ولا وحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأخبروني بعد ذلك أي فرق بين من يتأول كلام وأباطيل سيد قطب وبين من يتأول لغلاة الروافض ، والصوفية، وطه حسين ، وغيرهم من أهل الضلالات الكبرى .
ثانيا: في أي واد طوحت بك السياسة يا سيد قطب عن احترام الإسلام وتنزيهه عن مثل هذا القول الباطل .
أين أنت من قول الله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِينًا}.
أين أنت من قول الله تعالى : { ألا لله الدين الخالص} .
أين أنت من قول الله تعالى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}.
أين أنت من قول الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؟. أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب ، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب فقال : "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني "([2])
أين أنت من كمال الإسلام وشموليته التي يدركها ويؤمن بها كل فقيه مسلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
أهذه هي الحاكمية التي تدعو إليها: المزج الكامل بين الشيوعية والنصرانية ثم تطبيقها على المسلمين .
إن المصلحين من علماء الإسلام ليدعون جاهدين إلى تخليص الإسلام مما شابه من أخطاء المسلمين بل من أخطاء علماء المسلمين ، فكيف يأتي سيد قطب بمثل هذه الدعاوى الخطيرة التي بلغت النهاية في خطورتها ومن أشدها هذه الدعوى بأن الإسلام يصوغ من الشيوعية والنصرانية . . . إلخ .
وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -حفظه الله ومتع بحياته -:
ما رأيكم فيمن يقول :
لا بد للإسلام أن يحكم لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجاً كاملا يتضمن أهدافهما ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال والتوازن )؟ !
فقال - حفظه الله - مجيبا :
نقول له : إن المسيحية دين مبدل مغير من جهة أحبارهم ورهبانهم ، والشيوعية دين باطل لا أصل له في الأديان السماوية، والدين الإسلامي دين من الله عز وجل منزل من عنده لم يبدل ولله الحمد، قال الله تعالى :
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}([3])
ومن قال : إن الإسلام مزيج من هذا وهذا فهو إما جاهل بالإسلام ، وإما مغرور بما عليه الأمم الكافرة من النصارى والشيوعيين ) .
وكذلك سئل العلامة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري عن هذه المقالة فاعتبرها دعوة إلى وحدة الأديان ، وهذا نص السؤال والجواب وعليه ختمه وتوقيعه :
بسم الله الرحمن الرحيم .
فضيلة الشيخ المحدث إسماعيل بن محمد الأنصاري حفظكم الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
ما رأيكم في رجل يدعي العلم ودرس في الغرب يقول :
"إن الإسلام هو العقيدة التي تصوغ من الشيوعية والمسيحية مزيجا كاملا يحقق أهدافهما ويزيد عليهما بالتوازن والاعتدال "؟
ما حكم هذا القول ؟
"بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :
فإن كلمة ذلك المدعي المذكور كلمة تدعو إلى وحدة الأديان وإلى التقريب بينها، وقد رد أئمة العلماء على القائل بها في كتبهم المعتبرة ومن ضمن تلك الكتب ما يلي :
(1) كتاب "الرد على المنطقيين " لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 282 ).
(2) الجزء الأول من "الفتاوى الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية(ص4،5) في الرد على من قال : (كل يعمل في دينه الذي يشتهي ).
(3) الاقتضاء" في([4]) الرد على البكري (ص 215) من قال : (المعبود واحد وإن اختلفت الطرق )
(4) مدارج السالكين " لابن القيم (ج 3 ص 48 4 ).
(5) منهاج السنة" لابن تيمية .
(6) رسالة الحميدية في زمن السلطان عبد الحميد"
(7) رد العراقي على الدعوة إلى وحدة الأديان " (ص 111 ) من مصرع التصوف .
إسماعيل بن محمد الأنصاري
الأحد 12/11/ 1414 أهـ
وسئل الشيخ حماد بن محمد الأنصاري عن هذه المقالة فأجاب :
(إن كان قائل هذا الكلام حيا فيجب أن يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل مرتدا، وإن كان قد مات فيجب أن يبين أن هذا كلام باطل ولا نكفره لأننا لم نقم عليه الحجة)([5]) .
وسئل علماء آخرون عنها وكانت لهم إجابات قوية .
ثالثا: ومما تجدر الإشارة إليه أن سيد قطب - وإن كان قد يطعن في النصارى واليهود وغيرهما ، فغالبا ما يكون هذا الطعن من الناحية السياسية، ولكنه في نفس الوقت إذا أغرق في السياسة يظهر منه أمور قد تكون مترسبة في نفسه لم يستطع الخلاص منها مثل قوله في مدح الإسلام في زعمه : (فكرة الإسلام عن وحدة البشرية، ونفيه لعصبية الجنس واللون والوطن ، واعتقاده في وحدة الدين في الرسالات كافة، واستعداده للتعاون مع شتى الملل والنحل في غير عزلة ولا بغضاء، وحصره لأسباب الخصومة والحرب في الدفاع عن حرية الدعوة، وحرية العقيدة والعبادة)([6])
فما المراد بوحدة البشرية هنا؟
والجواب: أنه لا يتحدث عن وحدة البشرية القائمة على دين الإسلام.
وما المقصود من وحدة الدين في الرسالات كافة؟ هل هو يتحدث عن أخوة الأنبياء في عقيدة التوحيد أو يريد استمالة اليهود والنصارى في هذا العصر، كما يتحدث ساسة اليهود والنصارى إلى المسلمين بمثل هذا الأسلوب؟ يؤكد ما أقول قول سيد: (واستعداده- أي الإسلام- للتعاون مع شتى الملل والنحل في غير عزلة ولا بغضاء) أي في تلاحم ومحبة وود===هبَّ شيعة سيِّد قطب رحمه الله ورحمهم، يدافعون عنه، ولما كانت أقواله في تفسيره (أو تظليله) سورتي الحديد والإخلاص موبقةً إلى درجة لا يسهل الدفاع عنها؛ ادَّعت شيعة سيِّد ومنهم الدكتور عبد الله عزام رحمه الله، أن سيِّد قطب رجع عن قوله بوحدة الوجود في الطبعة الثانية للظلال في تفسيره سورة البقرة، ===ي بأن الأستاذ صلاح الخالدي ـ أبرز مؤيدي سيِّد قطب ومؤرخي سيرته والمدافعين عنه ـ وَكَّد في كتابه:(مدخل إلى ظلال القرآن) (ص 48-50) أن سيِّد قطب فسَّر الأجزاء الأخيرة من القرآن [ومنها سورة الإخلاص التي صرح فيها بأحدية الوجود] على أساس منهجه الحركي الجديد، ثم أعاد النظر فيما قبلها على هذا الأساس. ثم إنَّ الظلال طبع في حياة سيِّد مرات، وطبع بعد موته عشرات المرات بإشراف أخيه محمد، دون تغييرٍ، وبكل إصرارٍ؛ فالحق والعدل والصواب في أن يقال: إنه نفى لفظ الوحدة في تفسيره سورة البقرة، ثم أثبت لفظ الأحديّة في تفسير سورتي الحديد والإخلاص.
ج ـ وسبق للشيخ د. ربيع، ثمَّ لي التنبيهُ إلى أن ابن عربي (قبل سيِّد بثمانية قرون) نفى لفظ (وحدة الوجود) في أول (الفتوحات) ولم أجد ذكرًا (لوحدة الوجود) بهذا اللفظ في بقية (الفتوحات) و(فصوص الحِكم) لابن عربي، ولا في بقية (الظلال) لسيِّد قطب، بل ولا في تائية ابن الفارض (شرِّ الثلاثة)، بل إن ابن الفارض تبرأ من لفظ (الحلول)، كما تبرأ ابن عربي وسيِّد قطب من لفظ (الوحدة)؛ فقال:
(وَلِي من أتمِّ الرُّؤيتين إشارةٌ *** تُنَزِّهُ عن دعوى الحلول عقيدتي)
ولكن الثلاثةُ أُلزموا بدعوى (وحدة الوجود)؛ والحقيقة أن مصطلحات: الوحدة، والاتحاد، والحلول، والأحدية، كلها كفر لنفيها الوَحدانية؛ وإن كنا لا نعرف على وجه الدقة ما مات عليه أصحابها. ولعل وِحْدة الحُكْم عليها بالكفر أجازت لمنكريها من علماء السنة والتصوف اختيار مصطلح (وحدة الوجود) دون غيره غالبًا.
د ـ وقد اختار سيِّد قطب مصطلح (الأحَدِّية) في مثل قوله: (إنها أحدية الوجود، فليس هناك حقيقة إلا حقيقته، وليس هناك وجود إلا وجوده)، يعني: حقيقة الله، ووجود الله، (في ظلال القرآن، ط دار الشروق، بعد عشرات السنين من تاريخ وفاته، تجاوز الله عنه)؛ بل استدلَّ عليها بمثل ما استدل به ابن عربي وابن الفارض: قول الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].
وبيَّن سيِّد قطب وحده ـ فيما أعلم ـ سبب اختياره مصطلح الأحدية، فقال في المرجع نفسه والصحيفة نفسها (6/4002): (وهو لفظ أدقُّ من لفظ: واحد، لأنه يضيف إلى معنى: واحد؛ أن لا شيء غيره معه). وهذا هو ما دعا ابن الفارض إلى تنزيه عقيدته من دعوى الحلول، وما دعا المنكرين على هذه المصطلحات وأهلها الجمع بين اثنين أو أكثر حَلَّ أحدهما في الآخر، أو اتّحد معه والضّلال عن توحيد الواحد الأحد سبحانه وتعالى.
ولربما جمع جَهْلي (بالتصوف) وجهل سيِّد (بشرع الله والفقه في دينه) بيني وبين سيِّد قطب فغلب على ظنِّي مثله: أن لفظ الأحدية أدق من لفظ الوحدة، فما دونه من لفظ الحلول والاتحاد؛ وليت الله طهَّره كما طهَّرني بفضله من الوقوع في حبائل الفلسفة (أو السَّفسطة الصوفية الكافرة بجميع ألفاظها ومصطلحاتها، ولكنَّه ـ عافانا الله مما ابتلاه به ـ بلغ به الجهلُ والتخبّط والتناقض إلى الدعوة إلى اتخاذ (ما وافق ابن عربي على تسميته) الأحدية (منهجًا يربط بين القلب البشري وبين كلِّ موجود برباط الحبِّ والأنس والتعاطف والتجاوب… فكلها خارجة من يد الله… فكلها إذن حبيب (6/4003)، [ولو كان خِنِزيرًا، أو ما دونه: وثنيًّا ينتمي إلى البوذية أو اليهودية أو النصرانية أو الإسلام]؟ إذن فلا عجب من اختياره أحدية الوجود.
هـ ـ واختار ابن عربي لفظ (الأحدية) على (الوحدة) في مثل قوله: (وجود الحقِّ [أي: الله] كانت الكثرة له، وتعداد الأسماء بما ظهر عنه في العالم الذي يطلب بنشأته حقائق الأسماء الإلهيَّة؛ فثبت به، وبخالقه أحدية الكثرة، وقد كان أحَدِيَّ العين من حيث ذاته… فكان مَجْلَى صُوَر العالم مع الأَحَديَّة المعقولة) فصوص الحكم ص: 200.
ويزيد هذا النصَّ الكفري وضوحًا قولُ ابن عربي: (وأعظم مَجلى عُبد فيه [الله] وأعلاه: الهوى، كما قال: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23]… والعارف المكمَّل من رأى كلَّ معبود مَجْلى للحق [أي: الله] يُعبد فيه؛ ولذلك سمَّوه كلهم: إلهًا، مع اسمه الخاصِّ بحجر أو شجر أو حيوان أو إنسان أو ملك أو كوكب). فصوص الحكم ص: 194-195. يقول هذا، ومثله يملأ كتابه (فصوص الحكم) بخاصة، وغيره بعامة؛ بينما هو ينفي مصطلح (وحدة الوجود)، كما قدَّمت.
و ـ واختار ابن الفارض مصطلح (الاتحاد)، وإن أصرَّ الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله على أنه يعني (الوحدة لا الاتحاد).
(وجُلْ في فنون الاتحاد ولا تَحِدْ *** إلى فئةٍ في غيره العُمْر أفْنَت)
(وجاء حديث في اتحادي ثــابت *** روايته في النقل غير ضعيفة)
يعني بالحديث: «من عادى لي وليًّا»، وفيه «فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به…» إلخ؛ ولو كان هذا الحديث ـ لو صحَّ ـ يعني الاتحادَ لما كان للمتنفِّل ومحبة الله له مزية، لأنهم يعتقدون حلول الله أو اتحاده أو وحدته أو أحديَّته مع كل مخلوق، كما قال ابن الفارض:
(وإن عَبَد النَّـــارَ المـجوسُ ومـا انـطفت *** كما جاء في الأخبار من ألف حجَّة)
(فما عبدوا غيري وإن كان قصدهم سِوَا *** يَ وإن لم يعقدوا عَقْدَ نيَّتــــــــــي)
وابن عربي أيضًا اتكأ على هذا الحديث؛ وهو يقول ـ إضافة إلى ما سبق ـ: (قال [موسى] له [للسامريِّ]: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} [طه: 97]، فسمَّاه [أي: العجلَ] إلهاً بطريق التنبيه للتعليم، لما علم أنه بعض المجالي الإلهية) فصوص الحكم ص: 192. وسيِّد قطب يردِّد معهم: (وهذه درجة يرى القلب فيها يد الله في كل شيء، ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئًا في الكون إلا الله) (في ظلال القرآن) 6/4003 دار الشروق الطبعة الشرعية بزعمهم.
زـ ويتذكر الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله ممَّا تعلمه في صغره، من صلوات ابن بشيش: (زُجْ بي في بحار الأحدية، وانشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أُحِسَّ إلا بها)؛ مصرع التصوف للبقاعي رحمه الله، تحقيق الوكيل، (1372هـ) ص: 243.
وفي هذا النَّصِّ الأخير جَمْع بين الأحدية والوحدة بمعنى واحد لا يختلف، وكلاهما استعمل لنشر الباطل من موبقات الشبهات، ولولا أني لا أختار الحكم على القلوب بما ظهر على الجوارح ودلت عليه القرائن؛ لقلتُ: إنَّ ابن عربي بمثل قوله: (فهو [أي: الله] عين ما ظهر وعين ما بطن… وهو المسمى أبا سعيد الخرَّاز وغير ذلك من أسماء المحدثات)؛ فصوص الحكم ص: 77، ولقلت: إن ابن الفارض بمثل قوله:
(وقد جاءني منِّي رسولٌ عليه ما *** عَنِتُّ عزيزٌ بي حريص لرأفتي)
(إليَّ رسولًا كنتُ منِّي مرســــــلًا *** وذاتي بآياتي عليَّ استدـــــلَّت)
(وفي الصَّحو بعد المَحْو لم أكُ غيرها *** وذاتي بذاتي إذ تَحَلَّتْ تجلَّت)
وإلحاحُهما على هذا الضلال في عشرات بل مئات النصوص؛ إنما يريدان زعزعة الإيمان بالله في قلوب عباده، وإضلالهم عن الصراط المستقيم. أما سيِّد قطب فلعله يَهْرِفُ بما لا يَعْرِف، وإنما سمع فقال. وهو أقرب ـ في رأيي ـ إلى ابن الفارض، فكلاهما شاعر، والشعراء يتبعهم الغاوون، ولعلهم يتبعون الغاوين أيضًا دون تثبت.
أما ابن عربي فهو أعلمهم، وقد يكون ممن أضله الله على علم، ومن طلاب العلم بل من علماء السلف من خُدع بما في (الفتوحات) من حقٍّ، وخيرُهم شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فقد ذكر في رسالته للمنبجي: (كنتُ قديمًا ممن يحسِّنَ الظنّ بابن عربي ويعظمه لما رأيت في الفتوحات من فوائد، ولم نكن اطلعنا على الفصوص ونحوه)؛ انظر ـ إن شئت ـ «مجموعة الرسائل والمسائل»، ط: محمد رشيد رضا، 1/171، لتعرف نص كلامه رحمه الله، فقد أُمْلِي عليَّ من مكان بعيدٍ، وكتبتُ المقصودَ منه. ورأيتُ ابن القيم رحمه الله اقتبس لميميَّته شطر بيت من تائية ابن الفارض، وابن القيم يحثُّ على استعمال ألفاظ الكتاب والسنة للجمع بين الحكم ودليله، إضافة إلى صحة اللغة، ولكن ابن آدم خطَّاء.
ح ـ أما الشيخ د. ربيع المدخلي فيرى أن لسيِّد قطب علاقةً بالتصوف منذ مرحلة (شكِّه وارتيابه وضياعه، بلفظ صلاح الخالدي في كتابه عنه «سيِّد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد» ص: 214-215، يقول سيِّد:
(1) (وليس هنا غيرٌ، وليس هنا أنا *** هنا الوحدةُ الكبرى التي احتجبتْ سرًّا)
(2) (لكَ يا جمالُ عبادتي *** لك أنتَ وحدك يا جمالُ)
(فإذا عبدتُك لم أكن *** يا حُسْنُ من أهل الضلال)
(بل كنتُ محمود العقيــ *** ــدة في الحقيقة والخيال)
(3) ويقول دفاعًا عن (النيرفاتا) في عقيدة الوثنية الهندوسية، ويصفها بأنها (الفناء في الرُّوح الأعظم): (كنا نرجو أن يكون [حسين فوزي] أوسع أُفقًا، وأكثر عطفًا، وأعمق اتصالًا بروح الشرق الكامنة وراء هذه المظاهر والأوضاع، والصوفية المتسامحة المشرقة بنور الإيمان).
(4) ويقول في مدح الصوفية الهندية، أُمِّ الصوفية المبتدعة في كل مكان وزمان بعدها: (الهندي الذي يحسُّ بنفسه ذرَّة منسجمة مع الطبيعة، فيرى في فنائه في القوة العظمى حياة وبقاء وخلودًا، وعلينا أن نفهم هذا ونعطف عليه… فلنقف خشَّعًا أمام هذا السموِّ الإلهي ولو لحظات).
وللراغب في معرفة التفاصيل الرجوع إلى «مجموع كتب ورسائل وفتاوى فضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي عمير المدخلي» ط: دار الإمام أحمد، 1431هـ، 6/116-133، و7/167-173، وديوان سيِّد قطب، تجاوز الله عن كل مسلم موحِّد يفرد الله بالعبادة وينفيها عن غيره.
ط ـ وجناية الفكر وزخرف الأسلوب (شعرًا ونثرًا) على سيِّد قطب (وابن عربي وابن الفارض) تجاوزت حدود ضلالهم عن هدي الوحي والفقه فيه من أهله إلى أن أضلَّت بهم عددًا من المسلمين لا يحصيه إلا الله، وهم ومؤيدوهم: {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104].
ولكن الله يوظِّف بعض عباده العلماء لإثبات الحقِّ ونفي الباطل؛ فقد جمع الشيخ برهان الدين البقاعي (ت: 885) رحمه الله، أقوال وفتاوى كثير من العلماء بين عصره وعصر ابن عربي وابن الفارض في كتاب «تنبيه الغبي إلى كفر ابن عربي» و«تحذير العباد من أهل بدعة الاتحاد»، ويقال: إن السيوطي رحمه الله ردَّ الحق بمؤلَّفه: «تنبيه الغبي في تنزيه ابن عربي»، وحقَّق الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله كتابَي البقاعي ونشرهما بعنوان: «مصرع التصوف» تجنبًا للتعريض بالقارئ، وهذَّبتُ تحقيقه بعنوان: «فلسفة ابن عربي وابن الفارض في حكم علماء القرون الوسطى وأكثرهم متصوفة» لأن من الظلم أخذ جميع المتصوفة بجريرة اثنين منهم.
ووظَّف الله الأستاذ محمود شاكر والشيخ عبد الله الدويش والشيخ د. ربيع المدخلي لبيان الضلال في فكر سيِّد قطب.
وقُرئ على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء وَصفُ سيِّد قطب (معاوية وعمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ بالكذب والغش والخدعة والنفاق والرشوة) فأجاب: (هذا كلام باطنيٍّ خبيثٍ، أو يهوديٍّ لعين، ما يتكلَّم به مسلم، ومعاوية وعمرو من فضلاء الصحابة رضي الله لهم الدِّين، ولا يشك فيهم مسلم، وما فعلوا شيئًا يعاب عليهم، وكل ما قاله أولئك [إشارة لما قرئ على الشيخ من كتاب: كتب وشخصيات، لسيّد قطب، ص 242، ط: دار الشروق ـ طبعة شرعية بزعمهم] فريةٌ وتضليل، وعنوان نفاق ممن قاله)، عن محاضرات التوحيد بالطائف صيف عام (1426هـ)، في جامع والدة خادم الحرمين أثابها الله الجنَّة.
وقُرئ كلام سيِّد نفسه على سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في سبِّ معاوية وعمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ فقال: (هذا كلام قبيحٌ، وكلام منكر… وإن سبّه لبعض الصحابة منكر وفسق يستحق أن يؤدب عليه، ولكن إذا سبَّ أكثرهم وفسّقهم: يرتدُّ؛ لأنهم حملة الشرع، فإذا سبَّهم قدح في الشرع). «براءة علماء الأمة من تزكية أهل البدع» للشيخ د. عصام السناني، الأستاذ بجامعة القصيم، ص: 31.
ولم يرض بقول سيِّد قطب غير دولة إيران الشيعية فكافأته وأجزلتْ.
وقرئ على الشيخ ابن باز رحمه الله وصف سيِّد قطب نبيَّ الله موسى صلى الله عليه وسلم بأنه (الزعيم المندفع العصبي المزاج) ووصفه له بـ: (التعصب القومي والانفعال العصبي) التصوير الفني في القرآن ط: الشروق، ص: 200. فأجاب: (الاستهزاء بالأنبياء ردَّةٌ مستقلة). «البراءة» ص: 29.
وسئل معالي الشيخ صالح اللحيدان عن كتاب سيِّد (في ظلال القرآن)؟ فأجاب: (هو مليءٌ بما يخالف العقيدة الصحيحة) وعن بقية كتبه؟ فأجاب: (لا تُعلِّم العقيدة الصحيحة، ولا تقرر الأحكام، ولا يعتمد عليها في ذلك). «البراءة» ص: 52.
وقُرئ على الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله قول سيِّد عن الإسلام بأنه: (العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معًا مزيجًا كاملًا يضمن أهدافهما جميعًا ويزيد عليهما التوازن والتناسق والاعتدال) معركة الإسلام والرأسمالية ط: الشروق، ص: 61؟ فأجاب: (لو كان حيًّا فيجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل مرتدًّا، ولو كان ميتًا فيجب أن يبيَّن أنَّ هذا الكلام باطل؛ ولا نكفِّره، لأننا لم نُقم عليه الحجة) العواصم مما في كتب سيِّد قطب من القواصم للمدخلي، وعنه البراءة للسناني، ص: 60.
ولا أعرف أحدًا من علماء السنة كفَّر سيِّد قطب (فضلًا عن الشيعة فهم يقدسونه وأصدروا في إيران طابع بريد باسمه ورسمه، وأطلقوا اسمه على سبعة شوارع وطرق، مكافأة له على سبِّه الصحابة ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ)، وليس التكفيرُ مطلبًا لأحدٍ، بل المهمُّ: التحذيرُ من قوله على الله وأوليائه بغير علمٍ. والله الموفق.
حقيقة براءة الاسلام من الاخوان المفلسين والخوارج القطبيين التكفريين
قول سيد قطب بعقيدة وحدة الوجود والحلول والجبر ودفاعه عن عقيدة النيرفانا الهندوكية البوذية
أطوار سيد قطب في وحدة الوجود :
أولاً ـ نعق بها وهو في سن الكهولة في حدود عام 1935م أي في حدود 1355هـ في ديوانه الشعري حيث يقول في قصيدته إلى الشاطئ المجهول والتي منها هذه الأبيات :
حننْتُ لمرآه إلى الضفة الأخرى
( إلى الشاطئ المجهول والعالم الذي
معالم للأزمان والكون تُستَقْرى
إلى حيث لاتدري إلى حيث لاترى
إلى حيث تنسى الناسَ والكونَ والدّهرا
إلى حيث ( لاحيث) تميز حدوده!
وتمزج في الحس البداهة والفكرا
وتشعر أنّ( الجزء) و( الكل) واحد
ولا(اليوم) فالأزمان كالحلقة الكبرى
فليس هنا أمس) وليس هنا ( غد)
هنا الوحدة الكبرى([1]) التي احتجبت سرا)
وليس هنا ( غير) وليس هنا (أنا)([2])
ديوان سيد قطب (ص 123).
يقول سيد قطب في شرحه لهذه الأبيات في مقدمة كتابه ديوان سيد قطب ( ص 30 ـ 31) :
الجسم والزمن والوحدة :
( القُوى الروحية ـ عند الشاعر ـ هي التي تربطه بالوحدة الكونية الكبرى([3]) كما تقدم، في حين تَقصُرُ القوى العقليةُ عن ذلك، وهو يرى أن الشعورَ بالزمن ؛ نتيجةٌ لوجودِ الجسمِ والقوى الواعية ؛ وأن الروح تحسُّ بالوجود المطْلقِ([4]) ؛ لا يقيده الزمن ؛ وبالبداهة لا يقيده المكان.
ولذلك فهو حينما خَلعَ الجسم وخلع الحِجا في ( الشاطئ المجهول) رأى أنْ ليس هناك ( حيث) ولا ( أمس) ولا ( اليوم) ولا ( الغد) ولا ( غير) ولا ( أنا) … إلخ
ولكنه رأى ( الأزمان) كالحَلْقَةِ الكبرى) ورأى ( الوحدة التي احتجبت سراً). وكذلك في قصيدة ( الليلات المبعوثة)([5]) حين تجرد لم يَرَ للزمان مَعْلَماً ولا رسماً ورأى كلّ شئ كرمز الدّوام.
وله أبيات في ص91 من ديوانه عنوانها ( عبادة جديدة) نعق بها في عام 1937م
منها :
لك أنت وحدك يا جمال
لك يا جمال عبادتي
ومنها :
حي بالعبادة في جلال
وأرى الألوهة فيك تُو
منها تُوشِّيهِ بالعبادة في جلالْ
ما أنت إلاّ مظْهرٌ
يا حُسْنُ مِنْ أهل الضّلال
فإذا عَبدتُكَ لم أكنْ
ـدةِ في الحقيقةِ والخيالْ
بل كنتُ محمود العقيـ
كلُ النفوسِ بلا مثالْ
أعْنُو لمن تعنُو له
شتى المرائي والخِلالْ([6])
مُتفرِّقا في الكون في
بطلَ التَّمحّلُ والجِدالْ
فإذا تركّز ها هُنا
وفي شيخوخته في حدود سنة 1946 م أو سنة1947 م تحمس للدفاع عن عقيدة النيرفانا فمدحها وذبّ عنها وعن أهلها وهي تتضمن أخبث عقائد الوثنيين الهندوك والبوذيين من مثل وحدة الوجود وعقيدة التناسخ([7]) تحت عنوان (سندباد عصري) انتقد سيد قطب الدكتور حسين فوزي فقال بعد مقدمة تحدث فيها عن السندباد والسندبادات ثم قال : والدكتور حسين فوزي هو سندبادنا اليوم وهو رجل ندب لرحلة علمية في البحر الأحمر والمحيط الهندي ضمن بعثة عالمية لدراسة أحياء البحر الأحمر والمحيط وقد طوّف ـ مع البعثة ـ على باخرة مصرية طوال تسعة أشهر في البحر والبر في الجزر والقارة وزار معابد الهند وسيلان وسواها من الجزر المنثورة في المحيط ثم عاد) وتحدث عن كتاب ألفه في هذه الرحلة سماه ( سندباد عصري) أودعه ملاحظاته الإنسانية وانفعالاته الوجدانية واستجاباته العاطفية … الخ
ثم ذهب يتكلم عن هذا الرجل بكلام يطول ذكره ولا فائدة في ذكره والذي يهمنا من هذا المقال هو حديثه عن النيرفانا ودفاعه عنها وعن أهلها علما بأن كلامه هذا في مرحلة إسلامياته كما يصفه أنصاره ومحبوه.
قال : 1ـ (وإذا شاهد فيلماً هنديا يمثل الروح الهندية المتسامحة التي تنتهي من الصراع على الحقوق الخاصة، إلى الزهد في أعراض الدنيا والاتجاه إلى عبادة الروح الأعظم قال : ( أدركت ناحية من نواحي الضعف في بعض الحركات الروحية حين تدخل ميدان السياسة العملية).
في هذا المقطع مدح للروح الهندية الضالة الملحدة بالتسامح والزهد في أعراض الدنيا والاتجاه إلى عبادة الروح الأعظم، وفي وصف الله بأنه الروح الأعظم ضلال مبين يرفضه الإسلام، وفي وصف الهنادك بأنهم يعبدون الله واعتداده بعبادتهم ضلال آخر.
2 ـ ثم قال : ( وإذا سمع زميله الانجليزي يقول عن ( النيرفانا) أي الفناء في الروح الأعظم ـ وهو الغاية التي يطمح إليها الهندي من وراء حرمانه وآلامه : ( دعنا من هذا فلا قبل لي بهذا الهجص وتلك الشعوذة يا عم حسن) لم يجد في نفسه أية حماسة للرد على هذا الكلام. وهكذا و هكذا مما قد يبالغ فيه فيصل إلى حدّ الزراية والسخط الشديدين على الروح الشرقية بوجه عام.
في هذا المقطع تعريف للنيرفانا بأنها الفناء في الروح الأعظم أي بأنها وحدة الوجود ولوم وعذم للدكتور حسين فوزي على إقراره لزميله الانجليزي على الطعن في هذه العقيدة واعتباره إياها هجصا وشعوذة قال : فلم يجد في نفسه أي حماسة للرد على هذا الكلام فالنصراني على كفره وضلاله أدرك تفاهة هذه العقيدة وخسّتها وقد أقره حسين فوزي على هذا الوصف الذي لا يكفي في ذم هذه العقيدة الملحدة.
وسيد قطب تأخذه الغيرة لها فيعذم الرجلين على نقدها والاستهانة بها فيقول المسكين متألما لهذه العقيدة : ( وهكذا و هكذا) الخ
3 ـ ثم يقول :ومهما افترضنا للسندباد من الأعذار في قسوة الأوضاع الاجتماعية والمظاهر البائسة التي شاهدها في الهند، فقد كنّا نرجو أن يكون أوسع أفقا وأكثر عطفا وأعمق اتصالا بروح الشرق الكامنة وراء هذه المظاهر والأوضاع، والروح الصوفية المتسامحة المشرقة بنور الإيمان.
في هذا المقطع يبين في أسى شديد ما كان ينتظره ويرجوه من حسين فوزي فيقول فقد كنا نرجوا أن يكون أوسع أفقا، ثم ويا للهول يصف سيد قطب أخبث عقيدة وأكفرها بأنها المتسامحة المشرقة بنور الإيمان.
4 ـ ثم يقول : ( إنه يقول عن لوحة الكنج المقدس : لم يكن الاغريقي ليصور نبعاً مقدسا.الخ) أجل ‍‍‍‍‍! وهذا هو مفرق الطريق بين الشرق والغرب. في الشرق قداسة تمت إلى القوة العظمى المجهولة، وفي الغرب حيوية تمت إلى المشهود الحاضر المحسوس.
وليس لي أن أفضل هذا أو ذاك. فكلاهما جانب من جوانب النفس الإنسانية الكبيرة التي تهش لكليهما على السواء ؛ إن لم تؤثر في حسابها الروحي والفني جانب المجهول على جانب المشهود.)
في هذا المقطع يصف الكنج وهو نهر يعبده الهنادك بأنه نهر مقدس ويصف عبادة الهنادك وطقوسها الكافرة بالقداسة التي تمت إلى القوة العظمى المجهولة فيصف الله بالقوة العظمى المجهولة فلا حول ولا قوة إلا بالله، وفي قوله وليس لي أن أُفضل هذا أو ذاك نوع من الاعتراف بوحدة الأديان، وقد قال في مناسبة أخرى: ((إن الإسلام يصوغ من الشيوعية والمسيحية معاً مزيجاً كاملاً يتضمن أهدافهما ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال)) [ معركة الإسلام والرأس ماليّة (ص:61)] وله في السلام العالمي مدح للعقيدة النصرانية.
5 ـ ثم يقول :وهو يسخر بعقيدة ( النيرفانا) كسخرية زميله الانجليزي الذي يقول : ما كنت أحسب أن دينا يعد بنعمة الفناء ! ووجه الخطأ هو اعتبار (النيرفانا) فناء ! إنها كذلك في نظر الغربي الذي يصارع الطبيعة وينعزل عنها، فأما الهندي الذي يحس بنفسه ذرة منسجمة مع الطبيعة، ويعدها أما رؤوما، فيرى في فنائه في القوة العظمى([8]) حياة وبقاء وخلودا. وعلينا أن نفهم هذا ونعطف عليه ولا نراه بعين الغربيين، وهو يبدو في أرفع صورة في ( ساد هانا تاجور)فلنقف خشعا أمام هذا السموّ الإلهي، ولو لحظات !!
في هذا المقطع تأخذ سيد قطب الغيرة على النيرفانا وأهلها ويأخذه الحماس فيرى نقد حسين فوزي والإنجليزي للنيرفانا سخرية ويخطّئ نظرتهما إليها، ويريد أن يبين وجه الخطأ بل قام في زعمه ببيان هذا الخطأ فيقرر بذكائه وحدة الوجود ويمدحها ويمدح أهلها بأسلوبه الغريب فتصل به عاطفته الجياشة بالحنان والعطف على هذه الديانة وأهلها إلى قوله ( وعلينا أن نفهم هذا ونعطف عليه) …الخ وهكذا يقرر سيد قطب النيرفانا ويمدحها ويمدح أهلها ويعتبر كفرهم وزندقتهم وإلحادهم سموا إلهيا، ويدعو نفسه والناس إلى الوقوف أمام هذا السمو الإلهي خاشعين).
وبعد هذا أريد أن يعرف الناس ما هي النيرفانا ثم ليحكم العقلاء المنصفون على سيد قطب وعلى حماسه لها ولأهلها ودفاعه عنها وعنهم.
وفي حدود سنة 1951م تظاهر بنفي القول بوحدة الوجود في أول تفسير سورة البقرة في ظلال القرآن بأسلوب بارد لا ندري ما باعثه.
وفي نهاية الخمسينات([9]) عاد مع الأسف إلى تقرير عقيدة وحدة الوجود والقول بالحلول والجبر في أواخر تفسيره الظلال في تفسير سورة الحديد فقال في تفسير قول الله تعالى : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم).
قال سيد قطب : ( وما يكاد يفيق من تصور هذه الحقيقة الضخمة، التي تملأ الكيان البشري وتفيض، حتى تطالعه حقيقة أخرى لعلها أضخم وأقوى، حقيقة أن لا كينونة لشيء في هذا الوجود على الحقيقة، فالكينونة الواحدة الحقيقية هي لله وحده سبحانه، ومن ثم فهي محيطة بكل شيء عليمة بكل شيء، فإذا استقرت هذه الحقيقة الكبرى في القلب ؛ فما احتفاله بشيء في هذا لكون غير الله سبحانه وتعالى ؟! وكل شيء لا حقيقة له ولا وجود، حتى ذلك القلب ذاته، إلا ما يستمده من تلك الحقيقة الكبرى، وكل شيء وهم ذاهب، حيث لا يكون ولا يبقى إلا الله، المتفرد بكل مقومات الكينونة والبقاء، وإن استقرار هذه الحقيقة في قلب ليحيله قطعة من هذه الحقيقة، فأما قبل أن يصل إلى هذا الاستقرار ؛ فإن هذه الآية القرآنية حسبه ليعيش في تدبرها وتصور مدلولها، ومحاولة الوصول إلى هذا المدلول الواحد.

--------------------------------------------------------------------------------
([1]) الوحدة الكونية الكبرى هي وحدة الوجود.
([2]) السوية والغيرية اصطلاحان صوفيان مأخوذتان من كلمتي: سوى وغير والصوفي الحق في دين الصوفية من يوقن أنه لا سوى ولا غير أي يرى الكل عيناً واحدة. [ انظر هذه هي الصوفية (ص:15).
والقارئ يرى أن سيد قطب قد أضاف اصطلاحات أخرى، فليس هنا أمس وليس هنا عند وأن الكل والجزء واحد ولا حيث إلخ.
([3]) انظر التعليق السابق.
([4]) هذه العبارة يقولها أهل وحدة الوجود.
([5]) هذه القصيدة لا ندري متى قالها وهي واحدة من الأدلة على لهج سيد قطب بوحدة الوجود.
([6]) فسر الخلال بقوله: الخلال: منفرج ما بين الشيئين جاسوا خلال الديار، ساروا وترددوا بينها والمراد منتشر في كل ما نرى وما بين الأشياء وبعضها.
([7]) عُرفت الينرفانا في الموسوعة الميسرة (2/1170-1711) الصادرة عن الندوة العالمية للشباب:
(( النيرفانا: كلمة غامضة معناها النجاة ويعني بها نجاة الروح التي ظلت على صلاحها أثناء دورتها التناسخية المتعاقبة حيث لم تعد في حاجة إلى تناسخ جديد وبذلك يحصل لها النجاة من الجولان وتتحد بالخالق الذي صدرت عنه وتفني فيه. والنرفانا أو الحصول على النجاة من أسمى الأهداف للحياة عند الهندوس والبوذيين. يقول كرشنا: (( من يعرف ظهوري وأعمالي التجاوزية لا يولد ثانية عند تركه الجسد في هذا العالم المادي، بل يدخل مقامي السرمدي)).
ويذكر الدكتور محمد ضياء الأعظمي في فصول من أديان الهند أنه من ثمرات النرفانا فناء الشخصية والاتحاد بالجوهر الذاتي ((برم آتما)) ومن هنا جاء إحراق الموتى تخلصاً من الجسم المادي لتعلوا الروح إلى العالم العلوي، والنار هي إحدى مظاهر الألوهية ((أكني)) وهي بدورها تقرب إلى ((برميشور)) الذات العليا. ولا يحصل على النرفانا عند البوذية إلا بعد اقتلاع الشهوة اقتلاعاً تاماً. يقول بوذا في آخر دروسه: ((الذي يؤمن بالبوذية والجماعة والدين يحل له النرفانا))، بل كان يحث أتباعه على تحصيلها حتى آخر لحظات حياته فيقول في آخر وصاياه: ((فعليكم أيها التلاميذ مجاهدة النفس جهاد المخلص الجاد للحصول على الرفانا))، أما الجينين فيعتقدون أنه بحصول الأرواح على النرفانا تبلغ درجة الإله وهذا الأمر يفسر انتشار الرهبنة في هذه الديانات. وقد تأثر غلاة المتصوفة أمثال: الحلاج وابن عربي ومن تابعهما بهذه العقيدة الوثنية الباطلة التي تلغي اليوم الآخر والثواب والعقاب بالإضافة إلى إلغاء توحيد الله جل وعلا، وقد أظهروا مقالات كفرهم بالقول بالفناء والاتحاد ووحدة الوجود))ا.هـ.
وانظر [ فصول في أديان الهند (ص:124)، والثقافة الإسلامية - المستوى الرابع - تأليف: محمد قطب، ومحمد المبارك، ومصطفى كامل- (ص:119)].
([8]) وهذا تصريح بالقول بوحدة الوجود.
([9]) انظر كتاب (سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد) للخالدي (ص:546)، حيث ذكر إكمال سيد قطب لتفسيره في ظلال القرآن في نهاية الخمسينات.=======

بعض بدع وضلالات سيد قطب ( ملخص )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه ، أمابعد: أخي يا من تريد سبيل السنة، والنجاة من البدع والحزبيات ، هذه بعض الأقوال جمعت لك لتكون على بينة من أمرك ، وبصيرة في دينك ، ولتحذر من الوقوع في هذا الغزو الفكري الآثم ، الذي تمتلأ به كتب من يعرف بالمفكرين الإسلاميين أمثال سيد قطب الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين ( وقد أفتى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز قبل وفاته بسنتين ، بأن جماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ من الإثنتين والسبعين فرقة الهالكة ، كما ورد في " شرح حديث افتراق الأمة من شريط شرح المنتقى ") وسيد قطب حذر منه علماء السنة الكبار أمثال الشيخ بن باز والشيخ بن عثيمين والشيخ صالح الفوزان (( راجع شريط: أقوال العلماء في مؤلفات سيد قطب ، تسجيلات منهاج السنة بحي السويدي بالرياض )) ومن الأمثلة على بدعه وانحرافاته العقدية:(عنوان1 تفسير كلام الله بالموسيقى والأنغام والأناشيد)
1ـ قال سيد قطب في كتابه " في ظلال القرآن "(الطبعة 25 عام 1417هـ ) عند تفسيره لسورة النجـم (6/3404) :" هذه السورة في عمومها كأنها منظومة موسيقية علوية منغمة يسري التنغيم في بنائها اللفظي كما يسري في إيقاع فواصلها الموزونة المقفاة "
2 ـ وقال في تفسيره سورة النازعات (6/3811):" يسوقه في إيقاع موسيقي "، ثم قال بعد ذلك " فيهدأ الإيقاع الموسيقي ".
3 ـ وقال عن سورة العاديات (6/3957) :" والإيقاع الموسيقي فيه خشونة ودمدمة وفرقعة ؟؟ ".
4ـ قال في الظلال (5/3018):" إن داود الملك النبي ، كان يخصص بعض وقته للتصرف في شؤون الملك ، وللقضاء بين الناس ، ويخصص البعض الآخر للخلوة والعبادة وترتيل أناشيده تسبيحا لله في المحراب ".(عنوان1 القول بخلق القرآن)
1ـ قال في الظلال (1/38) متحدثا عن القرآن :" والشأن في هذا الإعجاز هو الشأن في خلق الله جميعا وهو مثل صنع الله في كل شيء وصنع الناس ".
2ـ وقال في ظلاله (5/2719) بعد أن تكلم عن الحروف المقطعة:" ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها مثل هذ الكتاب ، لأنه من صنع الله لا من صنع إنسان ".
3ـ وقال في تفسير سورة "ص" (5/3006) : وهذا الحرف " صــاد" يقسم به الله سبحانه ، كما يقسم بالقرآن ذي الذكر ، وهذا الحرف من صنعة الله فهو موجده ، موجده صوتا في حناجر البشر ". قال الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله في كتابه " المورد العذب الزلال في التنبيه على أخطاء تفسير الظلال " ردا على هذا الكلام ص180 :" وقوله هذا الحرف من صنعة الله وموجده ، هذا قول الجهمية والمعتزلة القائلين أن القرآن مخلوق ، وأما أهل السنة فيقولون القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ".
4ـ وقال في كتابه الظلال :(4/2328):" إن القرآن ظاهرة كونية كالأرض والسماوات ".
(عنوان1 طعنه في نبي الله موسى عليه السلام)
قال في كتابه " التصوير الفني في القرآن " ص200:" لنأخذ موسى إنه مثال للزعيم المندفع العصبي المزاج .... " . قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله معلقا على هذا الكلام :" الإستهزاء بالأنبياء ردة مستقلة ". (من شريط أقوال العلماء في مؤلفات سيد قطب : تسجيلات منهاج السنة السمعية بالرياض ) .(عنوان1 طعنه في الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين)
1ـ قال في كتابه العدالة الإجتماعية ص 206 :" ونحن نميل إلى اعتبار خلافة علي رضي الله عنه امتدادا طبيعيا لخلافة الشيخين قبله ، وأن عهد عثمان كان فجوة بينهما ". نسأل الله العافية .
2ـ قال في " كتب وشخصيات " ص242 :" إن معاوية وزميله عمرا لم يغلبا عليا لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس ، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب ، ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح ، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع ، وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل فلا عجب ينجحان ويفشل ، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح ". قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله معلقا على هذا الكلام :" كلام قبيح ، هذا كلام قبيح ، سب لمعاوية ، وسب لعمرو بن العاص ". وقال عن هذه الكتب:" ينبغي أن تمزق " ( من شريط أقوال العلماء في مؤلفات سيد قطب : تسجيلات منهاج السنة بالرياض ).
3ـ تكفيره للصحابي أبي سفيان رضي الله عنه، قال :" أبو سفيان هو ذلك الرجل الذي لقي الإسلام منه والمسلمون ما حفلت به صفحات التاريخ ، والذي لم يسلم إلا وقد تقررت غلبة الإسلام ، فهو إسلام الشفة واللسان لا إيمان القلب والوجدان ، وما نفذ الإسلام إلى قلب ذلك الرجل ". ( المرجع : مجلة المسلمون : العدد الثالث سنة 1371 هـ )(عنوان1 القول بوحدة الوجود)
قال في الظلال عند تفسير سورة الإخلاص ( 6/4002 ) :" إنه أحدية الوجود ، فليس هناك حقيقة إلا حقيقته ، وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده ، وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي ، ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة الذاتية وهي من ثم أحدية الفاعلية فليس سواه فاعلا لشيء أو فاعلا في شيء في هذا الوجود أصلا ، وهذه عقيدة في الضمير ، وتفسير للوجود أيضا " قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله ردا على سؤال عن تفسير الظلال في مجلة الدعوة ( عدد 1591 في 9/1/1418 هـ ) فكان جوابه :"قرأت تفسيره لسورة الإخلاص وقد قال قولا عظيما فيها مخالفا لما عليه أهل السنة والجماعة حيث إن تفسيره لها يدل على أنه يقول بوحدة الوجود وكذلك تفسيره للإستواء بأنه الهيمنة والسيطرة "(عنوان1 تفسيره الإستواء بالهيمنة)
قال في تفسيره سورة طه (4/2328) عند قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى ) قال :" وهو المهيمن على الكون كله ( على العرش استوى ) والإستواء على العرش كناية عن غاية السيطرة والإستعلاء ". قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله معلقا على كلامه : معناه إنكار الإستواء المعروف وهو العلو على العرش وهذا باطل يدل على أنه مسكين ضائع في التفسير ". ( من شريط أقوال العلماء في مؤلفات سيد قطب : تسجيلات منهاج السنة بالرياض ).(عنوان1 وصفه الله سبحانه بالإلتفات)
قال في الظلال ( 6/3936) :" إن الله جل جلاله العظيم الجبار القهار المتكبر ، مالك الملك كله ، قد تكرم في عليائه فالتفت إلى هذه الخليقة المسماة بالإنسان "(عنوان1 رده لأحاديث الآحاد في العقيدة )
قال في الظلال (6/4008):" وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة والمرجع هو القرآن ". (عنوان1 تكفيره للمجتمعات الإسلامية)
1ـ قال في الظلال (4/2122): ( إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي ). ومعنى كلامه أن بلاد الحرمين التي منذ أن قامت وهي تحكم شرع الله ولله الحمد ، أنها ليست دولة مسلمة .
2ـ وقال في الظلال (3/1634):" إن المسلمين الآن لا يجاهدون !! .. إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلى علاج ".
3ـ وقال في الظلال (2/1057) :" لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله ، فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله .....".
4ـ وقال أيضا في الظلال (4/2009) :" إن هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم ".(عنوان1 شذوذه ومخالفته العلماء في تفسير معنى لا إله إلا الله )
1ـ قال في الظلال (5/2707) في سورة القصص عند قوله تعالى (( وهو الله لا إله إلا هو )):( أي فلا شريك له في خلق ولا اختيار ) ، ففسر معناها بتوحيد الربوبية تاركا معناها الذي يجب ان تفسر به في الدرجة الأولى وهو توحيد الألوهية .
2ـ قال في العدالة الإجتماعية ص182 :( إن الأمر المستيقن في هذا الدين : أنه لا يمكن أن يقوم الضمير عقيدة ولا في واقع الحياة دينا إلا أن يشهد الناس أن لا إله إلا الله ، أي : لا حاكمية إلا لله ، حاكمية تتمثل في شرعه وأمره ) . ففسرها بتوحيد الحاكمية فقط .(عنوان1 جعله الخلاف في قضية توحيد الربوبية )
قال في الظلال عند تفسيره سورة هود (4/1846 ) :" فقضية الألوهية لم تكن محل خلاف ؟!! إنما قضية الربوبية هي التي كانت تواجهها الرسالات !! وهي التي كانت تواجهها الرسالة الأخيرة ".(عنوان1 الإسلام في نظره يصوغ مزيجا من النصرانية والشيوعية )
قال في كتابه المعركة ص 61 :" ولا بد للإسلام أن يحكم لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجا كاملا يتضمن أهدافهما جميعا ويزيد عليهما التوازن والتناسق والإعتدال ".
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن هذا الكلام فقال :( نقول له : إن المسيحية دين مبدل مغير من جهة أحبارهم ورهبانهم ، والشيوعية دين باطل لا أصل له في الأديان السماوية والدين الإسلامي دين من الله عزوجل منزل من عنده لم يبدل ولله الحمد ، قال الله تعالى :{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ومن قال إن الإسلام مزيج من هذا وهذا فهو إما جاهل بالإسلام ، وإما مغرور بما عليه الأمم الكافرة من النصارى والشيوعيين ) كتاب العواصم للشيخ ربيع بن هادي حفظه الله تعالى ص 22 .(عنوان1 القول بحرية العقيدة)
قال في كتابه دراسات إسلامية ص 13 :" وكانت ثورة على طاغوت التعصب الديني وذلك منذ إعلان حرية الإعتقاد في صورتها الكبرى ، قال تعالى { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } وقال تعالى { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } لقد تحطم طاغوت التعصب الديني لتحل محله السماحة المطلقة ، بل لتصبح حماية حرية العقيدة وحرية العبادة واجبا مفروضا على المسلم لأصحاب الديانات الأخرى في الوطن الإسلامي ". وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : نسمع ونقرأ كلمة " حرية الفكر " ، وهي دعوة إلى حرية الإعتقاد ، فما تعليقكم على ذلك ؟؟
فأجاب :" تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الإعتقاد ، يعتقد ماشاء من الأديان فإنه كافر ، لأن كل من اعتقد أن أحدا يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه كافر بالله عزوجل يستتاب ، فإن تاب وإلا وجب قتله ".
من مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد العثيمين (3/99) .(عنوان1 الإستهزاء بكتب السنة ووصفها بالصفراء)
قال في كتابه معركة الإسلام والرأسمالية ص 64 :" وكل هذه الشبهات كان يكفي في جلائها مجرد المعرفة الصحيحة للحقائق التاريخية و الإجتماعية للإسلام ، أي أن يتلقى الجيل ثقافة حقيقية لائقة .. أجل لا ئقة .. وليست هذه الثقافة عسيرة كما يتصور الكثيرون ، حين يتصورون الكتب الصفراء "(عنوان1 الإستهزاء بعلماء السنة ووصفهم بالدراويش)
قال في " معركة الإسلام والرأسمالية "ص69 :" هناك آخرون يتصورون أن حكم الإسلام معناه حكم المشايخ والدراويش ، من أين جاؤوا بهذا التصور ؟ ".(عنوان1 اشتراكية سيد قطب
قال في كتابه معركة الإسلام والرأسمالية " ص 44 ":( بل في يد الدولة أن تنزع الملكيات والثروات جميعا ، وتعيد توزيعها على أساس جديد ، ولو كانت هذه الملكيات قد قامت على الأسس التي يعترف بها الإسلام ونمت بالوسائل التي يبررها لأن دفع الضرر عن المجتمع كله أو اتقاء الأضرار المتوقعة لهذا المجتمع أولى بالرعاية من حقوق الأفراد ) . ــــ( وهذه الأشتراكية بعينها )ــــ(عنوان1 التربية على القيام بالإنقلابات والثورات)
1ـ قال في العدالة الإجتماعية ص160 " وأخيرا ثارت الثائرة على عثمان ، واختلط فيها الحق والباطل ، والخير والشر ، ولكن لابد لمن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام ، ويستشعر الأمور بروح الإسلام ، أن يقرر أن تلك الثورة في عمومها كانت فورة من روح الإسلام ".
2ـ قال في الظلال (3/1451) :" وإقامة حكومة مؤسسة على قواعد الإسلام في مكانها ، واستبدالها بها .. وهذه المهمة .. مهمة إحداث انقلاب إسلامي عام غير منحصر في قطر دون قطر ، بل مما يريده الإسلام ويضعه نصب عينيه ، أن يحدث هذا الإنقلاب الشامل في جميع المعمورة ، هذه غايته العليا ومقصده الأسمى ، الذي يطمح إليه ببصره ، إلا أنه لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم بإحداث الإنقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها ".
3ـ قال في العدالة الإجتماعية ص210 :( لا بد من إدراك البواعث الحقيقية لتصرفات الناس من خلال هذه الحياة التاريخية الإسلامية ، وعلاقة هذه البواعث بالحوادث والتطورات والإنقلابات ، ولا بد من ربط هذا كله بطبيعة العقيدة الإسلامية وما فيها من روح ثورية )... هكذا يزكي زعيم جماعة الإخوان المسلمين قتلة عثمان رضي الله عنه ، ويحرض على إثارة الفتنة ، وسفك الدماء في بلاد الإسلام ، وسلفه في ذلك الخوارج الضلال ، فأي جماعة هذه ؟!!(عنوان1 وشهد شاهد من أهله)
1ـ يشهد على سيد قطب بتكفيره المجتمعات الإسلامية يوسف القرضاوي ( الإخواني ) في كتابه " أولويات الحركة الإسلامية " ص 110 حيث قال : " في هذه المرحلة ظهرت كتب سيد قطب التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره الذي ينضح بتكفير المجتمع ....... وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة ".
2ـ وقال فريد عبدالخالق أحد قادة الإخوان في كتابه " الإخوان المسلمين في ميزان الحق "ص115 :" إن نشأة فكرة التكفير بدأت بين بعض شباب الإخوان في سجن القناطر في أواخر الخمسينات وبداية الستينات وأنهم تأثروا بفكر سيد قطب وكتاباته وأخذوا منها أن المجتمع في جاهلية ، وأنه قد كفر حكامه الذين تنكروا لحاكمية الله بعدم الحكم بما أنزل الله ، ومحكوميهم إذا رضوا بذلك ".
3ـ كما قال علي عشماوي في كتابه " التاريخ السري للإخوان المسلمين " ص 80 :" وجاءني أحد الإخوان وقال لي إنه سوف يرفض أكل ذبيحة المسلمين الموجودة حاليا ، فذهبت إلى سيد قطب وسألته عن ذلك فقال : دعهم يأكلونها فيعتبرونها ذبيحة أهل الكتاب فعلى الأقل المسلمون الآن هم أهل كتاب ؟؟".
4ـ وقال علي عشماوي في نفس الكتاب ص112 وهو يصف زيارته لسيد قطب ومقابلته له :" وجاء وقت صلاة الجمعة فقلت لسيد قطب دعنا نقم ونصلي وكانت المفاجأة أن علمت ــ ولأول مرة ــ أنه لا يصلي الجمعة ؟؟ ، وقال إنه يرى أن صلاة الجمعة تسقط إذا سقطت الخلافة ، وأنه لا جمعة إلا بخلافة ".
(قرآن
فالحذر الحذر أيها الشباب من هذا الفكر الخطير ((التكفير والتفجير ))
)
(عنوان1 وتذكروا قول الله عزوجل)
(قرآن
هآأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا
)
(عنوان1 فيا أهل التوحيد والسنة )
(عنوان1 اتقوا الله ، وانصروا عقيدة سلفكم الصالح تفلحوا )
(عنوان1 والحذر الحذر من البدع ودعاتها)
(حاشية إخواني هذه بعض البدع والضلالات عند سيد قطب ، ومن أراد الإستزادة فليرجع إلى كتب الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى مثل كتاب مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكتاب الحد الفاصل ، وكتاب نظرات في كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم ، وكتاب العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم ، ففيها البيان الشافي بإذن الله تعالى لمن له أدنى عقل وبصيرة وتجرد للحق ، وأما من أتبع نفسه هواها فليس عليك من هداه شيء إن عليك إلا البلاغ ، والتوفيق من عند الله تعالى هو ربنا ونعم الوكيل . (( ملاحظة : عملي في هذه النقاط والكلمات السابقة هو الكتابة ، وادعوا الله لجامعها بالتوفيق والصلاح ))) ====PM 09:20 | 2006 Feb 06==
حرية الاعتقاد عند سيد قطب
ويقول سيد قطب :
(وكانت (يعني رسالة الإسلام ) ثورة على طاغوت التعصب الديني ، وذلك منذ إعلان حرية الاعتقاد في صورتها الكبرى : { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا } ، { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.
لقد تحطم طاغوت التعصب الديني ، لتحل محله السماحة المطلقة، بل لتصبح حماية حرية العقيدة وحرية العبادة واجبا مفروضا على المسلم لأصحاب الديانات الأخرى في الوطن الإسلامي .
وحينما شرع القتال في الإسلام . وعرض القرآن حكمة القتال ، قال : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} الحج : 39 - 40 .
والصوامع : معابد الرهبان .
والبيع : كنائس النصارى .
والصلوات : معابد اليهود.
والمساجد: مصليات المسلمين .
وقد قدم الصوامع والبيع والصلوات في النص على المساجد توكيدا لدفع العدوان وتوفير الحماية لها) ([1])
أقول :
أولا: في هذا الكلام حرب شديدة على مبدأ الولاء والبراء، والحب في الله والبغض فيه المفروض على المسلمين بنص الكتاب والسنة حيث يصفه بالطاغوت وبالتعصب الديني .
قال تعالى : { لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ}([2])
وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}([3])
وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}([4])
وقال تعالى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}([5])
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله ، والمعاداة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله "[6] .
ثانيا: يستنكر منه هذه المبالغة والتهويل في قوله : (وكانت ثورة على طاغوت التعصب الديني ، وذلك منذ إعلان حرية الاعتقاد في صورتها الكبرى : {لا إكراه في الدين}. فسبب نزول الآية أن بعض أولاد الأنصار تربوا في الجاهلية في أحضان اليهود فتهودوا، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير، خرجوا معهم ، فأراد آباؤهم أن يجبروهم على الإسلام ، فأنزل الله الآية المذكورة .
وبعض المفسرين يرى أن هذه الآية خاصة بهم ، وبعضهم يرى عمومها وشمولها لأهل الكتاب ، ثم يذهب إلى أنها منسوخة بآية الجزية في سورة براءة.
ورجح ابن جرير أن الآية تتناول فقط أهل الكتاب ومن في حكمهم ممن يقبل منهم الجزية .
لا تتناول العرب وغيرهم من الوثنيين من سائر أمم الأرض ، وإذن فليس الأمر كما يصوره سيد قطب ويهول به .
ثالثا: تضخيم حرية الاعتقاد بهذه الصورة لا يعرفه الإسلام ولا المسلمون .
فالله شرع القتال حتى لا تكون فتنة. ويكون الدين لله ، والفتنة الشرك .
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك ، فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ".
فالقاعدة الأساسية جهاد الكفار والمشركين حتى تتحقق هذه الغاية الكبرى، وقضية قبول الجزية من أهل الكتاب استثنائية من هذه القاعدة الأصيلة الكبيرة .
فإن لم يؤدوا الجزية وهم صاغرون ، يقاتلون لكفرهم وتغنم أموالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم .
فأين هي حرية الاعتقاد التي يدعي سيد أن الإسلام أعلنها على شاكلة إعلان هيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، وعلى شاكلة دعاوى العلمانيين الديمقراطيين .
فالناس عباد الله في نظر الإسلام خلقوا لعبادته ، فإن تمرد بعضهم عن القيام بهذه الغاية، لا يستحق إلا الهوان في الدنيا والآخرة .
وإذن ، فلا يجوز لسيد قطب أن يعرض موقف الإسلام من أهل الكتاب إذا أدوا الجزية أذلاء صاغرين في هذه الصورة الضخمة العامة لهم ولغيرهم ، والتي تلغى فيها القيود الثقال التي تجعلهم تحت مستوى العبيد، وتلغى فيها القاعدة الأساسية التي ذكرناها آنفا، والتي تتجاهل الشروط العمرية المعتبرة عند فقهاء الإسلام ، والتي عامل بها المسلمون - وعلى رأسهم خلفاؤهم - عاملوا بها أهل الكتاب .
رابعا: من المستنكر قوله : (بل لتصبح حماية حرية العقيدة وحرية العبادة واجبا مفروضا على المسلم لأصحاب الديانات الأخرى في الوطن الإسلامي ). بهذه الصورة الشاملة للديانات الباطلة كلها، كأن الدولة الإسلامية والأمة المسلمة أصبحت مجندة لحماية هذه الحريات الباطلة التي يدعيها سيد للديانات وعبادتها ومعابدها .
بل إن حماية معابدها مقدمة على حماية المساجد في نظره ، فهذا الأسلوب فيه دفن لعزة الإسلام والمسلمين وإهانة الكفر والكافرين ، كما أن فيها دفنا لمبدأ الولاء والبراء وبغض الكفار وعداوتهم المفروضة كما في النصوص التي سبق ذكرها .
لا يظن القارئ أن هذا سبق قلم من سيد بل هذه عقيدة ثابتة يقررها ويكررها في كتبه كثيرا .
ففي تفسير قول الله تعالى : {لا إكراه في الدين} الآية
يقول : (وفي هذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان واحترام إرادته وفكره ومشاعره ، وترك أمره لنفسه فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد، وتحميله تبعة عمله وحساب نفسه .
وهذه أخص خصائص التحرر الإنساني ، التحرر الذي تنكره على الإنسان في القرن العشرين مذاهب متعسفة ونظم مذلة، لا يسمح لهذا الكائن الذي كرمه الله باختياره لعقيدته أن ينطوي ضميره على تصور للحياة ونظمها غير ما عليه الدولة بشتى أجهزتها التوجيهية وما تمليه عليه بعد ذلك بقوانينها وأوضاعها([7]) ، فإما أن يعتنق مذهب الدولة هذا - وهو يحرمه من الإيمان بإله للكون يصرف هذا الكون -، وإما أن يتعرض للموت بشتى الوسائل والأسباب .
إن حرية الاعتقاد: هي أول حقوق الإنسان التي يثبت له بها وصف الإنسان .
فالذي يسلب إنسانا حرية الاعتقاد إنما يسلبه إنسانيته ابتداء ... ومع حرية الاعتقاد حرية الدعوة للعقيدة([8]) ، والأمن من الأذى والفتنة، وإلا فهي حرية بالاسم ، لا مدلول لها في واقع الحياة .
والإسلام وهو أرقى تصور للوجود وللحياة وأقوم منهج للمجتمع الإنساني بلا مراء - هو الذي ينادي بأن {لا إكراه في الدين} وهو الذي يبين لأصحابه قبل سواهم أنهم ممنوعون من إكراه الناس على هذا الدين ، فكيف بالمذاهب والنظم الأرضية القاصرة المتعسفة وهي تفرض فرضا بسلطان الدولة ولا يسمح لمن يخالفها بالحياة ؟([9]) .
وهذه فتوى للشيخ محمد بن عثيمين فيمن يجيز حرية الاعتقاد والتدين بما شاء من الأديان .
وسئل فضيلة الشيخ : نسمع ونقرأ كلمة (حرية الفكر) وهي دعوة إلى حرية الاعتقاد، فما تعليقكم على ذلك ؟
فأجاب بقوله : (تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الاعتقاد، يعتقد ما شاء من الأديان فإنه كافر، لأن كل من اعتقد أن أحدا يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه كافر بالله عز وجل ، يستتاب ، فإن تاب وإلا وجب قتله .
والأديان ليست أفكارا، ولكنها وحي من الله عز وجل ، ينزله على رسله ، يسير عباده عليه ، وهذه الكلمة - أعني كلمة فكر - التي يقصد بها الدين ، يجب أن تحذف من قواميس الكتب الإسلامية، لأنها تؤدي إلى هذا المعنى الفاسد . . .
وخلاصة الجواب : أن من اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء، وأنه حر فيما يتدين به ، فإنه كافر بالله عز وجل ، لأن الله تعالى يقول : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}([10]) ويقول : {إن الدين عند الله الإسلام}، فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن دينا سوى الإسلام جائز، يجوز للإنسان أن يتعبد به ، بل إذا اعتقد هذا، فقد صرح أهل العلم بأنه كافر كفرا مخرجا عن الملة)([11])
وهذا سؤال أيضا وجه لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
يا شيخ ! ما رأيكم فيمن يقول : (الإسلام لا يقرر حرية العبادة لأتباعه وحدهم إنما يقرر هذا الحق لأصحاب ديانات مخالفة ويكلف المسلمين أن يدافعوا عن هذا الحق للجميع ، ويأذن لهم في القتال تحت هذه الراية - راية ضمان الحرية لجميع المتدينين -، وبذلك يحقق أنه نظام عالمي حر يستطيع الجميع أن يعيش في ظله آمنين مستمتعين بحرياتهم الدينية على قدم المساواة مع المسلمين وفي حماية المسلمين )؟
فأجاب فضيلته قائلا:
(الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
هناك قاعدة شرعية وعقلية تقول : من ادعى شيئا فعليه الدليل .
فهذا الرجل الذي يدعي أن الناس أحرار في أديانهم وأنهم يختارون من الأديان ما يريدون ، وأنهم إذا اختاروا دينا غير الإسلام فهم كأهل الإسلام ، لأن كلا له حريته ، نقول له : هذه دعوى فأت لها بدليل ، فإن لم تأت بدليل فإنها باطلة بالنص والإجماع .
قال الله تبارك وتعالى : { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ([12]) وقال تعالى : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقأ لا يستتون . . . }، وقال تعالى : {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}([13]) ، وقال الله تبارك وتعالى في المؤمنين أنفسهم : {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}([14])
فهذا القائل لهذه المقالة نقول : إنه مدع ، والمدعي عليه البينة، وهذه الدعوى مردودة بالقرآن وبإجماع المسلمين على ذلك ، صحيح أن الإنسان لا يجبر على الدين الإسلامي إذا بذل الجزية واستكان للدين الإسلامي وذل أمامه ، فإننا لا نلزمه أن يتدين ، ولكننا نعلم أن مأواه جهنم وبئس المصير، أما إذا نابذ ولم يخضع لحكم الإسلام في بذل الجزية وعدم العدوان على الإسلام وأهله ، فإننا نقاتله حتى تكون كلمة الله هي العليا، نقاتله بأمر ربنا الذي خلقنا والذي خلقهم ، والله عز وجل يقول : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسلام دِينًا}([15]) وقال : {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}([16]) وكل من دان بغير دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم فهو خاسر، ولا ينفعه تدينه هذا، بل هو من أصحاب النار، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن اليهود والنصارى مع أنهم أهل كتاب : إذا سمعوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم لم يؤمنوا ويتبعوه فإنهم يكونون من أصحاب النار، فعلى هذا القائل أن يراجع نفسه ، وأن يحكم عقله ، وأن يتقي ربه ، وألا يكون جمادا لا يفرق بين الخبيث والطيب ، وبين المؤمن التقي والكافر الشقي ) .
يا شيخ ! ما حكم من يقول هذا؟
)حكمه أن يبلغ ويبين له الحق ، فإن اهتدى، فذلك المطلوب ، وإن لم يهتد، فلولاة الأمور أن يجروا عليه ما يقتضيه الشرع الإسلامي ، ما يقتضيه الدين الإسلامي) اهـ .
وليس هذا أمرا مرتجلا من سيد ولا زلة قلم ، وإنما هو يسير على منهج رسمه الإخوان المسلمون .
فهذا مرشد الإخوان يضع آخر لبنات هذا المنهج آخر حياته .
احتفل الإخوان المسلمون بمرور عشرين عاما على إنشاء الجماعة، وفي هذا الحفل خطب حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين خطبة قال فيها:
(وليست حركة الإخوان موجهة ضد أي عقيدة من العقائد أو دين من الأديان أو طائفة من الطوائف ، إذ أن الشعور الذي يهيمن على نفوس القائمين بها أن القواعد الأساسية للرسالات جميعا قد أصبحت مهددة الآن بالإلحادية ، وعلى الرجال المؤمنين بهذه الأديان أن يتكاتفوا ويوجهوا جهودهم إلى إنقاذ الإنسانية من هذا الخطر، ولا يكره الإخوان المسلمون الأجانب النزلاء في البلاد العربية والإسلامية، ولا يضمرون لهم سوءا، حتى اليهود المواطنين لم يكن بيننا وبينهم إلا العلائق الطيبة)([17])
وقبلها في عام 1946 اختطب أمام لجنة أمريكية بريطانية بشأن قضية فلسطين ، فقال :
والناحية التي سأتحدث عنها نقطة بسيطة من الوجهة الدينية ، لأن هذه النقطة قد لا تكون مفهومة في العالم الغربي ، ولهذا فإني أحب أن أوضحها باختصار، فأقرر أن خصومتنا لليهود ليست دينية ، لأن القرآن الكريم حض على مصافاتهم ومصادقتهم ، والإسلام شريعة إنسانية قبل أن يكون شريعة قومية، وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقا {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وحينما أراد القرآن الكريم أن يتناول مسألة اليهود تناولها من الوجهة الاقتصادية والقانونية، فقال تعالى وهو أصدق القائلين : {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ }([18]) ونحن حين نعارض بكل قوة الهجرة اليهودية، نعارضها لأنها تنطوي على خطر سياسي ، وحقنا أن تكون فلسطين عربية) .
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء عن هذا الكلام :
ما حكم الشرع فيمن يقول : إن خصومتنا مع اليهود ليست دينية، وقد حث القرآن على مصافاتهم ومصادقتهم ، وجعل بيننا وبينهم اتفاقا فقال : {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، والإسلام شريعة إنسانية قبل أن يكون شريعة قومية، وحينما أراد القرآن أن يتناول قضية اليهود تناولها من وجهة اقتصادية وسياسية فقال : {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا ... إلى نهاية الآية } .
ما حكم الشرع في هذه المقولة يا شيخنا؟
فأجاب سماحة الشيخ بقوله :
(هذه مقالة باطلة خبيثة، اليهود من أعدى الناس للمؤمنين ، هم من أشر الناس ، بل هم أشد الناس عداوة للمؤمنين مع الكفار، كما قال تعالي : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} ، فاليهود والوثنيون هم أشد الناس عداوة للمؤمنين .
وهذه المقالة مقالة خاطئة، ظالمة، قبيحة، منكرة . . . والدعوة إلى الله بالحسنى ليست خاصة باليهود ولا بغيرهم ، بل الدعوة إلى الله مع اليهود ومع الوثنيين ومع الشيوعيين ومع غيرهم ، يقول الله جل وعلا{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، هذا عام للكفار ولغير الكفار قال تعالى : {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، ليس خاصا بهم ، ولكن من باب التنبيه على أنهم وإن كانوا يهودا أو نصارى فإنهم يجادلون بالتي هي أحسن ، لأن هذا أقرب إلى دخولهم في الإسلام وإلى قبولهم الحق ، إلا إذا ظلموا . . . {إلا من ظلم} ، الظالم له ما يستحق من الجزاء.
فالحاصل : أن الدعوة بالتي هي أحسن عامة لجميع الكفار ولجميع المسلمين ، الدعوة بالتي هي أحسن ليست خاصة باليهود ولا بالنصارى ولا بغيرهم .
فهذا الكلام الذي نقلته عن هذا الشخص، هذا غلط .
نسأل الله للجميع الهداية ([19]) .
وكذلك سئل الشيخ السؤال التالي :
هل يكفر من يدخل كنائس النصارى، ويحترمهم ، ويقول لهم : يا سماحة البابا، ويا قداسة البابا، ويقول لهم : يا صاحب السيادة لحاخام اليهود، ويقول إنه ليس بيننا وبين اليهود أية عداوة دينية، بل القرآن حث على حبهم ومصافاتهم ، أنبئونا عن ذلك جزاكم الله خيرا؟
فأجاب :
(هذا جهل كبير، فلا يجوز هذا الكلام ، لكنه لا يكون ردة عن الإسلام عندما يسلم عليه أو يدخل عليه إنما معصية. أما إذا قال : ليس بين الإسلام وبين اليهود شيء ، فهذا كفر وردة، والله سبحانه وتعالي يقول : {لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالذِينَ أَشْرَكُوا} ، فبيننا وبينهم عداوة عظيمة، فمن يقول : إن الدين واحد ولا بيننا وبينهم عداوة ، فهذا جاهل مركب ، وضال مضل كافر، فالذي بيننا وبينهم العداوة، واليهود من أكفر الناس وأضلهم وأخبثهم وأشدهم عداوة للمسلمين )([20]) .
ويقول محمد الغزالي :
(والواقع أن المسلمين - كأصحاب المثل - تطغى عليهم طيبة القلب ، وصفاء الطوية، فينشدون السلامة ويحسنون الظن ، ثم يفاجئهم ما ليس في الحسبان فيعلمون أنهم مهما أحبوا مكروهين .
ومن ثم يقول الله لهم : {هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلوْا عَضُّوا عَليْكُمْ الأَنَامِل مِنْ الغَيْظِ} ومع ذلك التأريخ السابق ، فإننا يجب أن نمد أيدينا وأن نفتح آذاننا وقلوبنا إلى كل دعوة تؤاخي بين الأديان وتقرب بينها ، وتنتزع من قلوب أتباعها أسباب الشقاق .
إننا نقبل مرحبين على كل وحدة توجه قوى المتدينين إلى البناء لا الهدم ، وتذكرهم بنسبهم السماوي الكريم وتصرفهم إلى تكريس الجهود لمحاربة الإلحاد والفساد وابتكار أفضل الوسائل لرد البشر إلى دائرة الوحي([21]) بعد ما كادوا يفلتون منها إلى الأبد)([22])
أقول : لم يستفد الغزالي من توجيه الله للمسلمين في كتابه الحكيم ، ولم يستحضر آيات الولاء والبراء التي تجعل من يتولى اليهود والنصارى فهو منهم ، ولو في أقل من الصورة التي يدعو إليها الغزالي وأصغر منها .
فمتى دعا القرآن والسنة أو الصحابة أو علماء الإسلام - عياذا بالله - إلى هذه الأخوة بين أهل الديانات ، وإلى هذه الوحدة التي لا قدوة للغزالي فيها غير الماسونية الملحدة؟
خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري
فيا غربة الإسلام؟
وقال مصطفى السباعي في معركة الدستور([23])
( اعتراض الطوائف المسيحية):
يتضح مما قرأناه لرؤساء الطوائف المسيحية، ومما سمعناه منهم أن اعتراضهم ينصب على ناحيتين اثنتين:
1- إن معنى دين الدولة الإسلام ، أن أحكام الإسلام ستطبق على المسلمين والمسيحيين ، ولما كانت للمسيحيين عقائد وأحكام وأحوال شخصية تختلف عن الإسلام ، فكيف يجبرون على أحكام الإسلام؟
وهذا الفهم خاطيء من نواح عدة، أهمها : أن الإسلام يحترم المسيحية كدين سماوي ويترك لأهلها حرية العقيدة والعبادة دون أن يتدخل في شؤونهم.
أما أحوالهم الشخصية فلا يتعرض لها بحال ، ولا يمكن أن يطبق عليهم أي من الأحكام التي تخالف شريعتهم أو تقاليدهم ، وأحكام الإسلام في ذلك واضحة، وكتب التشريع الإسلامي بين أيدينا، ووقائع التاريخ لا ينكرها إلا مكابر، وقد ظل المسيحيون العرب منذ عصر الإسلام حتى الآن يتمتعون بعقيدتهم وعبادتهم ، وأحوالهم الشخصية لم تتعرض لها دولة ولا حكومة، في الوقت الذي كان الحكم فيه للإسلام خالصا، فكيف يتوهم الآن أن يطبق عليهم أحكام تخالف دينهم ونحن في دولة برلمانية شعبية الحكم فيها للشعب ممثلا في نوابه المسلمين والمسيحيين ؟
ونزيد على ذلك أنه مع احترام الإسلام لكل ما ذكرناه فنحن لم نكتف بذكر هذه في الدستور، بل اقترحنا أن تنص على احترام الأديان السماوية وقدسيتها واحترام الأحوال الشخصية للطوائف الدينية.
فكيف يخطر في البال بعد هذا أن هنالك خطرا على عقيدة المسيحيين وأحوالهم الشخصية؟
2- إن معنى دين الدولة الإسلام ، العداء للأديان الأخرى، وانتقاص غير المسلمين في حقوقهم والنظر إليهم نظرا يختلف عن أتباع الدين الرسمي ، وهذا خطأ بالغ أيضا، فليس الإسلام دينا معاديا للنصرانية حتى يكون النص عليه عداء لها، بل هو معترف([24]) بها ومقدس لسيدنا المسيح عليه السلام ، بل هو الدين الوحيد من أديان العالم الذي يعترف بالمسيحية وينزه رسولها الكريم وأمه البتول ، وقد أمر القرآن الكريم أتباعه أن يؤمنوا بالأنبياء جميعا ومنهم عيسى عليه السلام ، فأين العداء وأين الخصام بين الإسلام والمسيحية ؟ !
أو ليس النص على أن الإسلام دين الدولة ([25]) الرسمي يتضمن أن المسيحية دين رسمي للدولة باعتبار الإسلام معترفا بها ومحترما لها ؟
وأما توهم الانتقاص من المسيحيين ، والامتياز للمسلمين ، فأين الامتياز؟
أفي حرية العقيدة، والإسلام يحترم العقائد جميعا ، والدستور سيكفل حرية العقائد للمواطنين جميعا ؟
أم في الحقوق المدنية والتساوي في الواجبات ، والإسلام لا يفرق بين مسلم ومسيحي فيها، ولا يعطي للمسلم في الدولة حقا أكثر من المسيحي ، والدستور سينص على تساوي المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات([26]) ؟
إني سأضع أمام القراء وأمام أبناء الشعب جميعا نص المادة المقترحة في هذا الشأن ليروا بعد ذلك أي خوف منها وأي غبن يلحق المسيحية فيها.
1- الإسلام دين الدولة .
2- الأديان السماوية محترمة ومقدسة.
3- الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية.
4- المواطنون متساوون في الحقوق لا يحال بين مواطن وبين الوصول إلى أعلى مناصب الدولة بسبب الدين أو الجنس أو اللغة.
إني أسأل المنصفين جميعا وخاصة أبناء الطوائف الشقيقة : إذا كانت المادة التي تنص أن دين الدولة الإسلام هي التي تتضمن هذه الضمانات كلها ، فأين الخوف ، وأين الغبن ؟ وأين الامتياز للمسلمين ؟ وأين الانتقاص لغيرهم ؟
اعتراض القوميين :
ويعترض بعض القوميين بأن النص على دين معين للدولة ينفي الوحدة بين أبنائها، وأن سورية ذات أديان مختلفة فلا يصح أن ينص على دين معين .
والواقع أنه ليس في سورية إلا مسلمون ومسيحيون وقليل جدا من اليهود، أما الطوائف فهي كلها ترجع إلى هذين الدينين وفي النص الذي ذكرناه سابقا ضمان لحقوق المواطنين جميعا وتساويهم وضمان لعقائدهم وأحوالهم الشخصية، فأي تفرقة في هذا النص؟
وهل في الدنيا دولة ليس فيها إلا دين واحد أو مذهب واحد ؟
فهل منع تعدد الأديان أو المذاهب كثيرا من الدول على أن تنص على دين معين أو مذهب معين ؟
إن الوحدة القومية بين العرب ليست باطراح عواطف ثمانية وستين مليونا وإهمال هذا الرابط الديني القوي بينهم ، وإذا كان مفهوم القوميات في أوروبا يحتم إخراج الدين من عناصرها الأساسية، فذلك لا ينطبق علينا نحن العرب.
إن ألمانيا النازية قد تجد في المسيحية دينا غريبا عنها، وإن تركيا الطورانية قد تجد في الإسلام دينا غريبا عنها، ولكن العرب لن يجدوا في الإسلام دينا غريبا عنهم ، بل هم يؤمنون بأن قوميتهم العربية لم تولد إلا في أحضان الإسلام ولولاه لما كانت ذات وجود قائم... فليفرق دعاة القومية بين أوروبا والشرق ، وبين نصرانية الغرب وإسلام العرب.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن الإسلام يحترم المسيحية ويؤمن بها دينا سماويا، لم يبق عندنا في القومية العربية دينان يصطرعان حتى نطرحهما لتسلم لنا قوميتنا، وإنما هناك دينان يتعاونان على بناء القومية العربية بناء سليما عالميا خالدا.
اعتراض العلمانيين:
ويعترض دعاه العلمانية في بلادنا كما جاء في البيان المنسوب إلى خريجي الجامعات العالية بأن الشعوب التي سبقتنا في ميدان الحضارة مرت من مرحلة الدين في التنظيم والحكم حيث كان رجال الدين يسيرون أمور الدولة إلى مرحلة القومية، ثم هي تنتقل اليوم إلى مرحلة التنظيم على أساس التكتل السياسي والاقتصادي ذي الصبغة العالمية .
ونحن نجيبهم بأن النص على دين الدولة ليس معناه أن يسير رجال الدين أمور الدولة، ولو كان كذلك لما وضعت هذه الأمم التي سبقتنا في ميدان الحضارة في دساتيرها النص على دين الدولة.
وفيما يلي بيان لبعض الدول الحديثة التي تنص في دساتيرها على دين معين :
أسوج ، نرويج ، دانيمرك ، إنكلترا ، بلغاريا ، بيرو ، كوستاريكا ، باناما ، أسبانيا ، بوليفيا ، الأرجنتين ، إيرلندا ، إيطاليا ، اليونان - قبل الحرب الأخيرة -، بولونيا - قبل النفوذ الشيوعي -، جميع دول شرق أوروبا - قبل النفوذ الشيوعي -، مصر، العراق ، الأردن ، ليبيا ، إيران ، الأفغان ، باكستان ، أندونيسيا ، إسرائيل المزعومة.
فما قول العلمانيين في صنع هذه الدول الحديثة ؟ ألا يدل على أن النص على دين الدولة لا يتنافى مع تطور الحضارة وتقدم المدنية ؟ أم يعتبرونها دولا رجعية لا تزال متأخرة؟
وأيضا فقد اعترف هؤلاء بأن الأمم انتهت من مرحلة القومية إلى مرحلة التكتل السياسي الاقتصادي ، فلماذا يرون من الأمور الطبيعية أن تتكتل بلغاريا وهنغاريا وتشكوسلوفاكيا وألبانيا ورومانيا والمجر والصين وغيرها على أساس الشيوعية، وهي عقيدة حديثة لديهم ، ولا يرون من الطبيعي أن تتكتل مصر وسورية والعراق واليمن والحجاز والأردن على أساس الإسلام وهو عقيدة هذه الأقطار؟ أليس الإسلام نظاما اجتماعيا شاملا كالشيوعية، ولكنه أسمى منها مبدأ وأنبل غاية ؟! أم أنتم لا ترونه كذلك أيها العلمانيون ؟ فلماذا لا تصارحون الشعب بسوء ظنكم بالإسلام وصلاحه للحياة؟!
ومن العجيب أن يحرص العلمانيون في بيانهم على الروابط التي تربط ما بين السوريين وبين المغتربين في الخارج وهي روابط نحرص عليها، ثم لا يبالون بالروابط بين السوريين وبين سبعين مليونا من إخوانهم العرب.
ولا ندري متى كان النص على دين الدولة سيقطع ما بيننا وبين إخواننا المغتربين؟
أليسوا يعيشون في دول قد نصت في دساتيرها على دين الدولة؟
أليسوا حريصين على قوة هذه البلاد ومصلحتها؟
ولو فرضنا أن النص سيجعل فتوراً بيننا وبينهم - وهذا فرض مستحيل - ولكنه سيربط ما بيننا وبين العرب ، فهل يريدون منا أن نغضب سبعين مليونا من العرب؟
لئن أردتم ذلك كنتم قد كفرتم بالعروبة رابطة قومية، بعد أن جحدتم الإسلام نظاما اجتماعيا صالحا.
وأعود فأقول لهؤلاء: إن (البعبع ) الذي يخوفون به بعض المثقفين من أن النص على الإسلام دينا للدولة يجعل لرجال الدين الكلمة الأولى في البلاد، هو بعبع لا يخيف إلا من خيم الوهم والباطل على عقولهم ، فليس في الإسلام رجال دين تكون لهم الكلمة العليا، ونحن لا نريد بهذا النص أن نلغي البرلمان ونطرد ممثلي الأمة ، ونمحو القوانين.
كلا، كونوا مطمئنين ! فسيظل كل شيء على حاله ، سيبقى لنا مجلسنا ونوابنا وقوانيننا وأنظمتنا" ولكن . . . مع سمو الروح ونظافة اليد ، واستقامة الأخلاق ، وعيش الإنسان الكريم.
اعتراض الحقوقيين:
ويعترض بعض الحقوقين بأن جعل دين الدولة الإسلام يلغي القوانين الحالية ويضطرنا إلى تنفيذ الحدود الإسلامية من قطع يد السارق وجلد الزاني ، وهذا قول خاطىء، فنحن لا نفكر قطعا بالدعوة إلى تنفيذ الحدود، لأن الإسلام نظام كامل لا يظهر صلاحه إلا في مجتمع كامل ومن كمال المجتمع أن يشبع كل بطن ، ويكتسي كل جسم ، ويتعلم كل إنسان ، ويكتفي كل مواطن ، فإذا وقعت السرقة مثلا بعد ذلك وقعت شرا محضا لا يقدم عليه إلا العريقون في الإجرام، والإسلام يريد أن يرهب هؤلاء الذين لم يردعهم العلم ولا الشبع ولا العيش الكريم عن الوقوع في الجريمة . . . .
على أن الإسلام قد حف تلك الحدود بشروط شديدة جدا يكاد يكون من المتعذر تنفيذ الحكم في حادثة واحدة من بين ألف حادثة مما يدل على أن قصد الإسلام من ذلك الإرهاب والتخويف ، وحسبكم القاعدة المشهورة (ادرؤوا الحدود بالشبهات)
وخلاصة القول : إننا لا نريد انقلابا في قوانيننا الحالية، وإنما نريد التقريب بينها في التشريعات المدنية وبين نظريات الإسلام الموافقة لروح هذا العصر، ولأصدق النظريات الحقوقية السائدة فيه ، فإذا أتفق التشريع الإسلامي مع النظريات الحديثة، فهل تجدون حرجا في الأخذ به تراثا قوميا عربيا تعتزون به وتفاخرون؟
هذا مع العلم بأن مسألة التشريع غير مسألة دين الدولة، فليس لوضع دين الدولة من غرض إلا صبغ الدولة بصبغة روحية خلقية تجعل النظم والقوانين منفذة من الشعب بوازع نفسي خلقي ، ومن أغراض هذه المادة تقوية الصلات بيننا وبين إخواننا العرب والتعاون بيننا وبين الشرق الإسلامي .
أما الحدود الإسلامية فلا تستلزمها هذه المادة بدليل أن مصر والعراق وضعتا هذه المادة في دستوريهما من ربع قرن ولم تفكرا بإقامة الحدود الإسلامية . . . هذا ما نصرح به علنا لا مجاملين ولا مواربين .
وبعد، فهذه خلاصة الأدلة التي تحتم علينا وضع هذه المادة في الدستور وخلاصة الأجوبة على ما يخاف منها، ونحن نرجوا أن يبحث هذا الأمر بحثا واقعيا بعيدا عن العصبية الطائفية والأهواء المستحكمة، ونعتقد أن الأحبار الأجلاء رؤساء الطوائف المسيحية يشعرون معنا بخطر الإلحاد على الأديان جميعا، ونحن نعلن أننا نفضل أن يكون دين الدولة المسيحية على دولة علمانية ملحدة، فهل هم يفضلون الإلحاد على الإسلام ؟ ونريد أن نذكرهم أن العلمانية لا تضمن حقوق الطوائف ولا تزيل التعصب الطائفي ، وإنما الذي يضمن ذلك الدين الذي جعل من تعاليمه أن يترك الناس وما يعتقدون ، وأن الناس جميعا عباد الله أكرمهم عنده أتقاهم وأنفعهم .
أما إخواننا القوميون ، فنحب أن يكونوا قوميين عربا حين يبحثون هذه الناحية ، وأن لا يفضلوا مراعاة شعور وهمي محصور في ناحية ضيقة على حقيقة ثابتة شائعة في دنيا العرب جميعا، نحب أن لا يكونوا قوميين سوريين ، بل قوميين عربا.
أما العلمانيون ، فلسنا نقول لهم بعد أكثر من أن نتوجه إليهم بالرجاء أن لا يحولوا بين هذه الأمة ومصادر قوتها. . . نحن شعب نريد أن نرجع إلى الله فلا تحولوا بيننا وبينه ، ونريد أن نمد أيدينا إلى إخواننا العرب فلا تحولوا بيننا وبينهم ، ونريد أن نستند إلى أصدقاء أقوياء فلا تحرمونا منهم ، ونريد أن نتعاون مسلمين ومسيحيين مستمعين إلى صوت السماء وتعاليم الإنجيل والقرآن ؟ فلا تملؤوا عقولنا بالباطل، ولا تصكوا أسماعنا بأغنية الشيطان ، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ}([27]) .
وقال التلمساني :
يجب احترام الرأي الحر للآخرين وليس من الحرية أن أحول بين الناس وبين آرائهم)([28])
وقال حامد أبو النصر:
لا مانع من وجود حزب علماني أو شيوعي في ظل الحكم الإسلامي )([29])
قال الغنوشي :
إنه يجب طرح الإسلام مثل غيره ويجب احترام إرادة الشعوب ولو طالبت بالإلحاد والشيوعية)([30])
دعوة الترابي إلى وحدة الأديان :
وقد دعا الدكتور الترابي إلى ضرورة الحفاظ على الديانات وإذكاء روح الدين في المجتمعات بما يؤدي إلى تحقيق توحد الأديان موضحا أن قوة الدين لها أثر فاعل في الحكم.
وطالب الدكتور الترابي بضرورة توفير العدل في الحياة بإزالة الفوارق الطبقية بين الناس.
وعول الدكتور الترابي كثيرا على علماء الدين المسيحي والإسلامي ودعاهم إلى دور فاعل ومتعاظم من أجل إنقاذ البشرية وإرساء دعائم السلام وتوفير الطمأنينة ، مؤكداً بأن العالم الحالي يتجه نحو التوحد الديني بمختلف أشكاله ، وهي رسالة ينبغي أداؤها على الوجه الأكمل ، وأوضح الدكتور الترابي أن هذا المؤتمر يمكن أن يلعب دورا فاعلا ومؤثرا في توحيد الأفكار ومن ثم التوحيد على أساس إنساني بين الديانات كافة من أجل إسعاد البشرية([31]) ا هـ.
فإذا رأيت علاقة طوائف الإخوان المسلمين هنا وهناك بالأحزاب العلمانية ودخولها معها في تحالفات وولاءات.
وإذا رأيت دولة السودان الإخوانية تدعو إلى وحدة الأديان([32]) وإلى قيام الحزب الإبراهيمي المكون من أدعياء الإسلام ومن اليهود والنصارى.
وإذا رأيت تكريم دولة الإخوان في السودان للنصارى وتعيينهم في أعلى المناصب مع تشييد كنائسهم وفتح الإذاعة لهم يذيعون منها ديانتهم الباطلة.
فلا تستغرب ، فإن كل هذا أو ذاك إنما هو تطبيق عملي لهذا المنهج الذي قام عليه تنظيم الإخوان من أول يوم ، وأكده سيد قطب في كتاباته ، وسار عليه الإخوان في كل مكان ، فإذا تحدثوا عن الولاء والبراء فإنما هو من ذر الرماد في العيون ومن التشبيع بما لم يعطوه كلابس ثوبي زور.

--------------------------------------------------------------------------------
([1]) دراسات إسلامية" (ص 13 – 14)
([2]) المجادلة 22
([3]) المائدة 51
([4]) الممتحنة 13
([5]) الممتحنة 4
(([6] حسنه الألباني في الصحيحة رقم (1728) بمجموع طرقه
([7]) إذا كان سيد ينكر هذا على الدولة الشيوعية، فهل يستنكر على الإسلام أن يسخر كل أجهزته ووسائله ليسلم الناس لرب العالمين ، الظاهر أنه يستنكر ذلك ، لأنه ينافي مبدأ الحرية في الاعتقاد على مذهبه.
([8]) الظاهر أن سيدا يرى أنه لا مانع أن يدعو في ظل دولته كل أصحاب الديانات إلى أديانهم بكل حرية بما في ذلك دعوة المسلمين أنفسهم إلى هذه الديانات التي يعطي سيد لأهلها حرية الدعوة إلى دياناتهم ، فنعوذ بالله من هذا الهوس التحرري .
([9]) في ظلال القرآن " ( 1 / 291) .
([10]) آل عمران 85
([11]) "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3/99 رقم 459)
(([12] القلم : 35-36.
([13]) المائدة 100
([14]) الحديد 10
([15]) المائدة 3
([16]) آل عمران 85
([17]) قافلة الإخوان " للسيسي (1/311) ، كان هذا الاحتفال وهذه الخطبة في 5/9/1948
([18]) النساء 160-161
([19]) نقلا عن شريط مسجل بتاريخ (28/7/1412هـ) للشيخ عبدالعزير بن باز.
([20]) نقلا عن مجلة الدعوة، العدد رقم (1402 )، وتاريخ (17 صفر 1414 هـ.
([21]) يبدو أن الغزالي يرى أن الرجوع إلى اليهودية والنصرانية المحرفتين رجوع إلى دائرة الوحي .
([22]) "كتاب من هنا نعلم (ص 150)
([23]) مجلة حضارة الإسلام العدد الخاص بالحديث عن حياة السباعي (ص 117 – 122)
([24]) ما هذا الاعتراف ، والله يقول :{ لقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} {لقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} وهل بجوز هذا الربط بين امة كافرة بالله وبين رسول كريم .
([25]) نعود بالله من هذا التقول على الإسلام ، كيف تكون النصرانية المحرفة إلى الكفر والوثنية دينا رسميا للدولة الإسلامية . إن كانت دولة السباعي كذلك فهي دولة مرتدة.
([26]) هذا الكلام فيه افتراء كبير على الله وعلى الإسلام ومصادمة لنصوص كثيرة في القرآن والسنة، ولما علمه وقرره علماء المسلمين من أهل السنة وغيرهم ، فاي تحريف يفوق هذا التحريف عياذا بالله
([27]) الضلال والهوى واضح جدا في كلام هذا الرجل ، فلهذا تحاشيت التطويل بالتعليق عليه.
([28]) الطريق إلى الجماعة الأم " (ص 183)
([29])جريدة النور الصادرة في ربيع الأول 1407 نقلا عن الطريق إلى الجماعة الأم (ص183)
([30]) الطريق إلى الجماعة الأم " (ص 183 )
([31]) انظر صحيفة السودان الحديث ، العدد 2 0 2 1 بتاريخ (9 2/ 4/ 1993 م)
([32]) انظر صحيفة السودان الحديث ، العدد 2 0 2 1 بتاريخ (9 2/ 4/ 1993 م ) (ص 2 وفيها دعوة واضحة إلى وحدة الأديان ).========================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق