الخميس، 19 يناير 2017

تكفير سيد قطب للمجتمعات"
ردُّ علي الحلبي القديم على صنيع منتداه الأثيم!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدِّين؛ أما بعد:
فقد فرح الحلبيون بعثورهم على كلمة صدرت من الشيخ الألباني رحمه الله، وذلك في محاورة جرت مع الشيخ رحمه الله فيها تقويم لسيد قطب ورد الشيخ ربيع حفظه الله عليه، وقد قال فيها الشيخ الألباني رحمه الله: ((فكُتبه كما بيَّن الدكتور جزاه الله خيراً مشحونة بالأخطاء العلمية؛ منها العقديَّة، ومنها الفقهية))، وقال: ((ولذلك: الواقع نحن مسرورون جدًّا بنشاط أخينا الدكتور العلمي؛ لكننا ننصحُه أن يستعمل الرفقَ مع هؤلاء الناس الذين انحرفوا عن دعوة الحق بدعوة رجل لا علمَ عنده، ونحن قلنا للدكتور: السيد قطب ليس بعالِم، بل ربما لا يُحشر في طلبة العلم؛ ككثير من الكُتاب - وبخاصة المصريين - يعني يكتبون ويظنُّون أنهم ممن يُحسنون صنعًا، هذا رأيي))، ولما طلب المحاورُ الشيخَ الألباني رحمه الله بالدليل على إثبات وصف الشدة في ردود الشيخ ربيع حفظه الله، ذكر الشيخ رحمه الله جملة من كتاب [أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره/ للشيخ ربيع] وهي قوله حفظه الله: ((وإصراره على رمي المجتمعات الإسلامية كلها بأنها مجتمعات جاهلية؛ أي: كافرة!))، فاعترض الشيخ الألباني رحمه الله على تفسير الشيخ ربيع لكلمة (جاهلية) بـ (كافرة)، وعدَّ ذلك دليلاً على تلك الشدة، وقال: ((فإذا السيد قطب وصف مجتمعه بأنَّ مجتمعه مجتمع جاهلي، من أين لنا أن نفسِّر وأن ننسب إليه أنه يكفِّر هذا المجتمع؟))، فكان من جواب المحاور: ((أنت تقول: فيه شدة، طيب من أين هذه الشدة؟ من هذه الكلمة مثلًا؟! أنا أقول: بناء على ما قرأه من قبل أنه مجتمعات جاهلية ولم تحكم بالإسلام؛ فسَّرها بما مضى، بشيء ماضٍ))، ثم تكلَّم الشيخ رحمه الله عن رأييه في عدم الهجر في هذا الزمان إلا ممن يخشى على نفسه أن تصيبه لوثة من المنحرفين عقائدياً أو خُلقياً، ثم قال رحمه الله في خاتمة كلامه: ((فأنا أريد والله مخلصاً لصديقنا - ولا أقول لتلميذنا قديماً -: أن يظل مستمراً في علمه وجهاده؛ ولكن أن يُليِّن قولَه مع خصومه)).
أقول:
خلاصة هذه المحاورة ثلاثة أمور:
الأول: مسألة الشدة في الردود، وهذه قد أجاب عنها الشيخ الألباني رحمه الله نفسه بعد أن وِصف بمثل هذا الوصف من أفاضل أهل العلم في زمانه بسبب بعض ردوده، وانظر غير مأمور مقالي [جواب الشيخ الألباني رحمه الله على مَنْ وصف بعض ردوده بــ (الشدة)].
الثاني: مسألة الهجر في هذا الزمان، وقد فصَّلتُ فيها القول أيضاً، وحررتُ مذهب الأئمة الثلاثة في مقالي [البرهان في نقض دعوى أنَّ الأئمة الثلاثة لا يرون هجر المبتدعة في هذا الزمان]، فليراجعه من شاء التفصيل.
الثالث: نسبة تكفير المجتمعات لسيد قطب؛ وهذه مدار موضوعنا في هذا المقال.
فأقول:
إنَّ من أغرب صنائع هؤلاء المميعة أنهم يعدون أحكام العلماء في الأعيان من قبيل مسائل الاجتهاد غير الملزمة!، وأنَّه ثمة فرق بين (حكم الثقة) و (خبر الثقة)!؛ فالأول غير ملزم والثاني ملزم لكنه يحتاج إلى تثبت!، وأنَّ الجرح المفسَّر المعتبر المقنع للجميع – سوى المجروح والمدافع عنه أو مزكيه – لا يلزم قبوله من الجميع ولو ثبت بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة!، وهذا كله دونته موثَّقاً عنهم في عدة مقالات في الرد عليهم، فليراجع من أحب كتاب [البراهين العتيدة في كشف أحوال وتأصيلات علي الحلبي الجديدة]، أو ملخصه: [إجابة السائل في تلخيص مخالفات علي الحلبي والرد عليه في الأصول والمسائل].
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن:
أين تطبيق هؤلاء لتأصيلاتهم هذه في حق وصف الشيخ الألباني رحمه الله لبعض ردود الشيخ ربيع حفظه الله أنَّ فيها شدة؟!
هل أصبح هذا الحكم - (الوصف بالشدة) - ملزماً يجب قبوله على جميع السلفيين!، وليس من باب الاجتهاد، علماً أنَّ الشيخ الألباني عدَّ ذلك رأياً منه ووجهة نظر؟!
هل كان التفسير - (براءة سيد قطب من تكفير المجتمعات) - معتبراً مقنعاً للجميع فيجب قبوله من الجميع؟!
يعني باختصار:
لماذا نلاحظ أنَّ الحلبي وحزبه يعطِّلون تأصيلاتهم في حق الشيخ ربيع!، بينما يفعِّلونها في حماية أهل البدع الظاهرين؟!
وسؤال آخر:
إذا كان الشيخ الألباني رحمه الله قد أثنى على نشاط الشيخ ربيع العلمي وجهاده في الرد على المخالفين؛ فكيف يُقال: الشيخ ربيع ليس مؤصلاً علمياً؟!
أم أنه يجب قبول وصف الشيخ الألباني لأسلوب الشيخ ربيع، ولا يجب قبول وصفه لعلمه وجهاده؛ يعني على طريقة: ((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ))؟!

وأما مسألة (تكفير سيد قطب للمجتمعات)
فلنا أن نسأل هؤلاء المميعة سؤالاً صريحاً – وعسى ألا يكون لهم محرجاً -:
هل سيد قطب يكفِّر المجتمعات التي يصفها بالجاهلية أم لا؟!
فإنْ كان جوابهم: لا يكفِّر المجتمعات!!!
عرفنا سرَّ العلاقة الجديدة مع (محمد إبراهيم شقرة) وآثارها على القوم!، وقد دافع هذا الأخير عن سيد قطب في مواضع عدة من كتابه [سيد قطب بين الغالين فيه والجافين عنه]!!.
وإن كان جوابهم: يكفِّر المجتمعات.
فأين شرط (الإقناع) عندكم في وصف الشيخ الألباني للشيخ ربيع بالشدة من خلال نفي هذه النسبة؛ والتي لا توافقون عليها الشيخ الألباني؟!
بل أين تعليقاتكم على كلام الشيخ الألباني رحمه الله في منتداكم الناشر مثل هذا الكلام!؛ الذي يستغله القطبيون في الدفاع عن سيد قطب في مسألة "تكفير المجتمعات"؟!
أم أنَّ الغاية (الطعن في الشيخ ربيع!) تبرر الوسيلة؟!
أم هو التدرج في التمييع إلى درجة الدفاع عن سيد قطب؛ هذه المرة؟!
أما السلفيون المتجردون للحجة والدليل - ولا يتعصبون لأحد من أهل العلم مهما علت مكانته - فلا يشكون أنَّ سيد قطب يكفِّر المجتمعات الإسلامية ويحكم عليها بالردة، وقد شهدت بذلك كتب سيد قطب نفسه بكلام صريح جداً!، وشهد عليه بنو جنسه من كبار الإخوان المسلمين!، بل ممن شهد على ذلك شيخكم الحلبي نفسه!، وإليكم تفصيل ذلك:

شهادة سيد قطب على نفسه
قال سيد قطب في كتابه "معالم في الطريق": ((وأخيراً؛ يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة!، ... وإذا تعين هذا؛ فإنَّ موقف الإسلام من هذه المجتمعات الجاهلية كلها يتحدد في عبارة واحدة: إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها)).
وقال: ((ثم أن يتجمَّع هؤلاء الذين يشهدون أن لا إله إلا الله على هذا النحو وبهذا المدلول في تجمع حركي بقيادة مسلمة، وينسلخوا من التجمع الجاهلي وقيادته الجاهلية!، وهذا ما ينبغي أن يتبينه الذين يريدون أن يكونوا مسلمين، فلا تخدعهم عن حقيقة ما هم فيه خدعة أنهم مسلمون اعتقاداً وتعبداً؛ فإنَّ هذا وحده لا يجعل الناس مسلمين ما لم يتحقق لهم أنهم يفردون الله سبحانه بالحاكمية، ويرفضون حاكمية العبيد، ويخلعون ولاءهم للمجتمع الجاهلي ولقيادته الجاهلية)).
وقال: ((فإنَّ الحنفاء الذين اعتزلوا عبادة الأصنام هذه وقدَّموا لله وحدة الشعائر ما اعتبروا مسلمين)).
وقال: ((والمسألة في حقيقتها مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد، مسألة جاهلية وإسلام، وهذا ما ينبغي أن يكون واضحاً، إنَّ الناس ليسوا مسلمين كما يدَّعون، وهم يحيون حياة الجاهلية، وإذا كان فيهم من يريد أن يخدع نفسه، أو يخدع الآخرين، فيعتقد أنَّ الإسلام ممكن أن يستقيم مع هذه الجاهلية، فله ذلك، ولكن انخداعه أو خداعه لا يغيِّر من حقيقة الواقع شيئاً، ليس هذا إسلاماً، وليس هؤلاء مسلمين)).
وقال سيد قطب تحت عنوان (حاضر الإسلام ومستقبله): ((ونحن ندعو إلى استئناف حياة إسلامية في مجتمع إسلامي تحكمه العقيدة الإسلامية والتصور الإسلامي كما تحكم الشريعة الإسلامية والنظام الإسلامي، ونحن نعلم: أنَّ الحياة الإسلامية – على هذا النحو – قد توقفت منذ فترة طويلة في جميع أنحاء الأرض، وأنَّ وجود الإسلام ذاته من ثم قد توقف كذلك. ونحن نجهر بهذه الحقيقة الأخيرة على الرغم مما قد تحدثه من صدمة وذعر وخيبة أمل ممن لا يزالون يحبون أن يكونوا مسلمين...، نرى أنَّ الجهر بهذه الحقيقة المؤلمة – حقيقة: أنَّ الحياة الإسلامية قد توقفت منذ فترة طويلة في جميع أنحاء الأرض، وأن وجود الإسلام ذاته من ثم قد توقف كذلك – نرى أنَّ الجهر بهذه الحقيقة ضرورة من ضرورات الدعوة إلى الإسلام، ومحاولة استئناف حياة إسلامية ضرورة لا مفر منها)).
وقال: ((ففي مثل هذا الأمر الخطير الذي يترتب عليه تقرير مفهوم لدين الله كما يترتب عليه الحكم بتوقف وجود الإسلام في الأرض اليوم، وإعادة النظر في دعوى مئات الملايين من الناس أنهم مسلمون)).
وقال: ((وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم، على ضوء هذا التقرير الإلهي لمفهوم الدين والإسلام، لا نرى لهذا الدين وجوداً...، إنَّ هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلَّت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله بالحاكمية في حياة البشر، وذلك يوم أن تخلَّت عن الحكم بشريعته وحدها في كل شؤون الحياة. ويجب أن نقرر هذه الحقيقة الأليمة، وأن نجهر بها، وأن لا نخشى خيبة الأمل التي تحدثها في قلوب الكثير الذين يحبون أن يكونوا مسلمين؛ فهؤلاء من حقهم أن يستيقنوا؛ كيف يكونون مسلمين؟!. إنَّ أعداء هذا الدين بذلوا طوال قرون كثيرة وما يزالون يبذلون جهوداً ضخمة ماكرة خبيثة؛ ليستغلوا إشفاق الكثيرين الذين يحبون أن يكونوا مسلمين، من وقع هذه الحقيقة المريرة، ومن مواجهتها في النور، وتحرجهم كذلك من إعلان أنَّ وجود هذا الدين قد توقف منذ أن تخلَّت آخر مجموعة مسلمة في الأرض عن تحكيم شريعة الله في أمرها كله، فتخلَّت بذلك عن إفراد الله سبحانه بالحاكمية)).
وقال سيد قطب: ((لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بـ (لا إله إلا الله)؛ فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن: لا إله إلا الله؛ دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم، وهي مرادف الألوهية، سواء ادعوها كأفراد، أو كتشكيلات تشريعية، أو كشعوب فالأفراد كالتشكيلات كالشعوب ليست آلهة، فليس لها إذن حق الحاكمية...، إلا أنَّ البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلا الله، فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية، ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء...، البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله؛ بلا مدلول ولا واقع...، وهؤلاء أثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيامة؛ لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد – من بعد ما تبين لهم الهدى – ومن بعد أن كانوا في دين الله!)).
وقال: ((إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها هذا العذاب - "أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ" - إلا بأن تنفصل هذه العصبة عقيدياً وشعورياً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها، حتى يأذن الله لها بقيام (دار إسلام) تعتصم بها، وإلا أن تشعر شعوراً كاملاً بأنها هي الأمة المسلمة، وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه جاهلية وأهل جاهلية)).
وقال: ((إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي)).
وقال: ((فأما اليوم؛ فماذا؟! أين هو المجتمع المسلم الذي قرر أن تكون دينونته لله وحده، والذي رفض بالفعل الدينونة لأحد من العبيد، والذي قرر أن تكون شريعة الله شريعته، والذي رفض بالفعل شريعة أي تشريع لا يجيء من هذا المصدر الشرعي الوحيد؟ لا أحد يملك أن يزعم أنَّ هذا المجتمع المسلم قائم موجود!)).
وقال: ((إنَّ هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم)).
والسؤال الآن:
هل بعد هذا النقول الصريحة في تكفير المجتمعات المسلمة نحتاج إلى تفسير أصلاً لكلمة (جاهلية) في كلام سيد قطب؟!
لا أظنُّ سلفياً منصفاً يشكك في تلك النسبة بعد مطالعة هذه النقول.

شهادة كبار الإخوان المسلمين على سيد قطب

قال القرضاوي في كتابه "أولويات الحركة الإسلامية": ((في هذه المرحلة ظهرت كتب الشهيد (!) سيد قطب، التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره، والتي تنضح بتكفير المجتمع، وتأجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي بفكرة تجديد الفقه وتطويره وإحياء الاجتهاد، وتدعو إلى العزلة الشعورية عن المجتمع وقطع العلاقة مع الآخرين، وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة، والإزراء بدعاة التسامح والمرونة، ورميهم بالسذاجة والهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية، ويتجلى ذلك أوضح ما يكون في تفسير "في ظلال القرآن" في طبعته الثانية، وفي "معالم في الطريق"، ومعظمه مقتبس من الظلال، وفي "الإسلام ومشكلات الحضارة"، وغيرها، وهذه الكتب كان لها فضلها وتأثيرها الإيجابي الكبير؛ كما كان لها تأثيرها السلبي)).
وقال في مقال بموقعه الخاص بعنوان [كلمة أخيرة حول سيد قطب]: ((هذه مرحلة جديدة تطور إليها فكر سيد قطب، يمكن أن نسميها "مرحلة الثورة الإسلامية"، الثورة على كل "الحكومات الإسلامية"، أو التي تدعي أنها إسلامية، والثورة على كل "المجتمعات الإسلامية" أو التي تدعي أنها إسلامية، فالحقيقة في نظر سيد قطب أنَّ كل المجتمعات القائمة في الأرض أصبحت مجتمعات جاهلية.
تكوَّن هذا الفكر الثوري الرافض لكل من حوله وما حوله، والذي ينضح بتكفير المجتمع، وتكفير الناس عامة؛ لأنهم "أسقطوا حاكمية الله تعالى" ورضوا بغيره حكماً، واحتكموا إلى أنظمة بشرية، وقوانين وضعية، وقيم أرضية، واستوردوا الفلسفات والمناهج التربوية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية وغيرها من غير المصادر الإسلامية، ومن خارج مجتمعات الإسلام.. فبماذا يوصف هؤلاء إلا بالردة عن دين الإسلام؟!
بل الواقع عنده أنهم لم يدخلوا الإسلام قط حتى يحكم عليهم بالردة، إنَّ دخول الإسلام إنما هو النطق بالشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهم لم يفهموا معنى هذه الشهادة، لم يفهموا أن "لا إله إلا الله" منهج حياة للمسلم، تميزه عن غيره من أصحاب الجاهليات المختلفة، ممن يعتبرهم الناس أهل العلم والحضارة.
أقول: تكوَّن هذا الفكر الثوري الرافض داخل السجن، وخصوصاً بعد أن أعلنت مصر وزعيمها عبد الناصر، عن ضرورة التحول الاشتراكي، وحتمية الحل الاشتراكي، وصدر "الميثاق" الذي سماه بعضهم "قرآن الثورة"! وبعد الاقتراب المصري السوفيتي، ومصالحة الشيوعيين، ووثوبهم على أجهزة الإعلام والثقافة والأدب والفكر، ومحاولتهم تغيير وجه مصر الإسلامي التاريخي.
هنالك رأى سيد قطب أن الكفر قد كشف اللثام عن نفسه، وأنه لم يعد في حاجة إلى أن يخفيه بأغطية وشعارات لإسكات الجماهير، وتضليل العوام.
هنالك رأى أن يخوض المعركة وحده راكباً أو راجلاً، حاملا سيفه "ولا سيف له غير القلم" لقتال خصومه؛ وما أكثرهم، سيقاتل الملاحدة الجاحدين، ويقاتل المشركين الوثنيين، ويقاتل أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ويقاتل المسلمين أيضاً الذين اغتالتهم الجاهلية فعاشوا مسلمين بلا إسلام!.
وأنا برغم إعجابي بذكاء سيد قطب ونبوغه وتفوقه، وبرغم حبي وتقديري الكبيرين له، وبرغم إيماني بإخلاصه وتجرده فيما وصل إليه من فكر، نتيجة اجتهاد وإعمال فكر - أخالفه في جملة توجهاته الفكرية الجديدة، التي خالف فيها سيد قطب الجديد سيد قطب القديم، وعارض فيها سيد قطب الثائر الرافض سيد قطب الداعية المسالم، أو سيد قطب صاحب "العدالة" سيد قطب صاحب "المعالم".
ولقد ناقشت المفكر الشهيد في بعض كتبي في بعض أفكاره الأساسية، وإن لامني بعض الإخوة على ذلك،.... وأخطر ما تحتويه التوجهات الجديدة في هذه المرحلة لسيد قطب، هو ركونه إلى فكرة "التكفير" والتوسع فيه، بحيث يفهم قارئه من ظاهر كلامه في مواضع كثيرة ومتفرقة من "الظلال" ومما أفرغه في كتابه "معالم في الطريق": أنَّ المجتمعات كلها قد أصبحت "جاهلية". وهو لا يقصد بـ "الجاهلية" جاهلية العمل والسلوك فقط، بل "جاهلية العقيدة" إنها الشرك والكفر بالله، حيث لم ترضَ بحاكميته تعالى، وأشركت معه آلهة أخرى، استوردت من عندهم الأنظمة والقوانين، والقيم والموازين، والأفكار والمفاهيم، واستبدلوا بها شريعة الله، وأحكام كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم)).
وقال فريد عبد الخالق (أحد كبار الإخوان المسلمين) في كتابه "الإخوان المسلمون في ميزان الحق": ((أمعنا فيما سبق إلى أنَّ نشأة فكر التكفير بدأت بين شباب بعض الإخوان في سجن القناطر في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، وأنهم تأثروا بفكر الشهيد سيد قطب وكتاباته، وأخذوا منها أنَّ المجتمع في جاهلية، وأنه قد كفَّر حكامه الذين تنكَّروا لحاكمية الله بعدم الحكم بما أنزل الله، ومحكوميه إذا رضوا بذلك)).
وقال: ((إنَّ أصحاب هذا الفكر وإن تعددت جماعاتهم، يعتقدون بكفر المجتمعات الإسلامية القائمة، وجاهليتها جاهلية الكفار قبل أن يدخلوا في الإسلام في عهد الرسول عليه السلام، ورتبوا الأحكام الشرعية بالنسبة لهم على هذا الأساس، وحددوا علاقاتهم مع أفراد هذه المجتمعات طبقاً لذلك، وقد حكموا بكفر المجتمع لأنه لا يطبق شرع الله، ولا يلتزم بأوامره ونواهيه، ومنهم من قال بعدم كفر مخالفيهم ظاهرياً، وقالوا بنظرية (المفاصلة الشعورية)، فأجاز هذا الفريق الصلاة خلف الإمام الذي يؤم المصلين المسلمين في سجونهم ومتابعته في الحركات دون النية، وقالوا بعدم تكفير زوجاتهم، وأجَّلوا كفرهم على أساس نظرية (مرحلية الأحكام)، وأنهم في عصر الاستضعاف – أي: العهد المكي – بأحكامه التي نزلت إبانه، فلا تحرم المشركات ولا الذبائح ولا تجب صلاة الجمعة ولا العيدين ولا يجوز الجهاد، ويكفرون من لم يؤمن بفكرهم، وأخذوا ببعض أساليب الباطنية في (التقية)؛ ألا يذكروا أسرار معتقداتهم لغيرهم، ويظهرونها لخواصهم وأتباع فكرهم، وذلك عندهم ضرورة حركية، وطائفة تمسكت بالمفاصلة الصريحة، وكفَّرت مخالفيهم ومن كان معهم، ومنهم جماعة الإخوان المسلمين ومرشدهم وآباؤهم وأمهاتهم وزوجاتهم، وهم جماعة (التكفير والهجرة)، الذين يسمون أنفسهم "جماعة المؤمنين")).
وقال علي عشماوي (وهو من كبار أصحاب سيد قطب) في كتابه [التاريخ السري للإخوان المسلمين]: ((جاءني أحد الإخوان وقال لي: بأنه سوف يرفض أكل ذبيحة المسلمين الموجودة حالياً!، فذهبت إلى سيد قطب وسألته عن ذلك؟ فقال: دعهم يأكلونها فيعتبرونها ذبيحة أهل الكتاب!؛ فعلى الأقل المسلمون الآن هم أهل كتاب؟!)).
فهذه نقول موثَّقة من أقرب الناس إلى دعوة سيد قطب، والمعظمين له المدافعين عنه، زيادة على ذلك ممن قاوم فكر التكفير في دعوة سيد قطب كل من الهضيبي وآخرين في أبحاث أشرف عليها في كتاب "دعاة لا قضاة"، وأبي الحسن الندوي في كتابه "التفسير السياسي".
تنبيه/
شهادة سيد قطب وأصحابه على وجود فكر تكفير المجتمعات عنده لخصته من مقال للشيخ ربيع حفظه الله [سيد قطب هو مصدر تكفير المجتمعات الإسلامية] – مع زيادة بعض النقول - المنشور في موقعه على هذا الرابط:
http://www.rabee.net/show_book.aspx?pid=3&bid=92&gid
أقول:
فهذه النقول كلها تؤكِّد بلا أدنى شك أنَّ وصف المجتمعات المسلمة بالجاهلية عند سيد قطب يراد به التكفير والردة، أي تكفير المسلمين والحكم عليهم بالردة، وليس المراد به جاهلية في بعض الأخلاق أو السلوك أو العقائد أو الأعمال أو الأقوال.
ونحن لا ننفي أنَّ كلمة (جاهلية) قد تطلق ولا يراد بها الكفر والردة، وقد فصَّل الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في كتابه [شرح مسائل الجاهلية] إطلاقات لفظ (الجاهلية)، وذكر أنَّ منها: جاهلية مطلقة وجاهلية مقيدة، ومنها أيضاً: جاهلية الأشخاص وجاهلية الزمان وجاهلية المكان، ثم عقَّب بعدها فقال: ((فلا يصح إطلاق من أطلق (بجاهلية القرن العشرين) أو نحوها من العبارات التي يستعملها من لم يدقق، لأنه بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم انقضت الجاهلية المطلقة، ولا يزال في أمته من ينافح عن هذا الدين ويرفع رايته، فليس ثم جاهلية منسوبة إلى زمنٍ كالقرن العشرين، وإنما تكون منسوبة إلى وقت من الأوقات فيما إذا ظهرت بعض الصفات ثم يجاهدها ويظهر عليها أهل الحق بالإنكار فلا تصبح جاهليةً يعني الزمن. فمثلاً تقول: القرن العشرين ظهرت فيه أنواع من الجاهليات كثيرة، لكن ما نطلق نقول: جاهلية القرن العشرين!، لأنَّ هذا إطلاق للزمن بكامله، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه "لاَ يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِه عَلَى الْحَقّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرّهُمْ من خالفهم ولا مَن خَذَلَهُمْ حَتّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وهم على ذلك" هؤلاء يُبينون ويَنصحون)).
فكون لفظ (جاهلية) قد وردت في بعض النصوص ولا يراد منها تكفير الأعيان وإنما مشابهة أهل الجاهلية في جزيئة من عقائدهم أو أخلاقهم أو عوائدهم، هذا لا يعني أنها في كلام سيد قطب بهذا المراد، خاصة مع تلك الشواهد الكثيرة التي تدل على أنه يريد تكفير الأعيان ولو كانوا ملايين البشر!.
ومن علم كلام سيد قطب في كتبه ومن شهادة أصحابه عليه بتكفير المجتمعات المسلمة حجة على مَنْ لم يعلم ذلك، وإلا فماذا نقول: لمن يرد على الشيخ الألباني رحمه الله - (أمثال عبدالله عزام) - الذي نسب إلى سيد قطب القول بوحدة الوجود، ويستدل هذا المعترض بأنَّ كلام سيد قطب لا يراد به ما يريده ملاحدة الصوفية من وحدة الوجود؟!، والشيخ الألباني رحمه الله مطلع على كلامه في ذلك، والحجة معه كما لا يخفى إلا على جاهل أو مكابر.
فما الفرق إذن؟!
أم أنَّ الغاية (الطعن في الشيخ ربيع بوصف الغلو والتشديد!) تبرر الوسيلة من جديد؟!

شهادة علي الحلبي على سيد قطب بأنه يكفِّر المجتمعات

إنَّ منتديات علي الحلبي نشرت كلاماً للشيخ الألباني رحمه فيه براءة سيد قطب من تكفير المجتمعات المسلمة التي أطلق عليها وصف الجاهلية!، وقد أيَّد علي الحلبي في تعليق له على ذلك المقال المنشور!!، فقال: ((ولو فكَّر الدكتور ربيع - وأتباع منهجه الشنيع - في هذا الكلام العلميّ البديع: لرجعوا عما هم فيه من منهج مسخ!، ولتابوا وأنابوا!!، ولرقعوا الفتق الذي خرقوه في الدعوة السلفية العصرية!!!، فكلام شيخنا الإمام المبرور: يقضي - من الجذور - على ذاك السبيل الهدّام ذي الفُجور!)).
ويكفينا في نقض صنيع منتداه وإقراره هذا!؛ ما كان يقوله علي الحلبي (القديم) في مثل هذه المسألة، وهذه ثلاثة نقول عنه تؤكِّد:
- موافقته التامة للشيخ ربيع حفظه الله في نسبة (تكفير المجتمعات) إلى سيد قطب.
- وأنَّ كلام سيد قطب في هذه المسألة واضح صريح وظاهر معلن لا يدع مجالاً للشك عند طلاب الحق.
- وبيِّن فيها أنَّ أهل التعصب البعيدين عن العدل والإنصاف يستدلون بكلام الشيخ الألباني رحمه الله الأول!، ويعرضون عن كلامه الأخير المحكم الذي وافق فيه الشيخَ ربيعاً حفظه الله على كل ردوده في سيد قطب، وإليكم بيان ذلك:
قال علي الحلبي في [الدرر المتلألئة (ص34-36) تحت عنوان: سيد قطب وتكفير المجتمعات – الطبعة الأولى 1423هـ/2002]: ((أقول: وهذا مع ذاك مضافان إلى ذيَّاك كله يؤكِّد كلام الدكتور يوسف القرضاوي الحركي المشهور غفر الله له في كتابه "أولويات الحركة الإسلامية" (ص101) حيث قال: "ظهرت كتب الشهيد سيد قطب وهي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره والتي تنضح بتكفير المجتمعات"، وهو به خبير فهي الخارجية المستترة، بل (الظاهرة) المعلنة، وفي مصنفات ومؤلفات أستاذنا العلامة الشيخ ربيع بن هادي جعله الله شوكة في حلوق المبتدعة والأعادي النافعة المتعددة ما يوضِّح حقيقة ذلك، ويكشفه ويُظهره بما لا يدع مجالاً لمُتشككٍ طَلَّابٍ للحق، أما المتعصِّب فليس له إلا: لعل!.. وقد!!.. ولا!!..، بقلب بارد وعقل وافد!)).
وعلَّق الحلبي على هامش كلامه هذا - عند إحالته إلى مؤلفات الشيخ ربيع - بقوله: ((انظر مثلاً كتابه "أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره" ص71-107، تحت عنوان [سيد قطب وتكفير المجتمعات]، وفي كتابه النافع "العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم" بيان كثير من المآخذ العلمية بعامة والعقائدية بخاصة عليه!!. ولقد نقلتُ بنفسي من خط أستاذنا الوالد الإمام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمة الله عليه في آخر صفحة من نسخته الخاصة من الكتاب المذكور قوله: "كل ما رددتَه على سيد قطب حق وصواب، ومنه يتبين لكل قارئ مسلم على شيء من الثقافة الإسلامية: أنَّ سيد قطب لم يكن على معرفة بالإسلام بأصوله وفروعه، فجزاك الله خير الجزاء أيها الأخ الربيع على قيامك بواجب البيان، والكشف عن جهله وانحرافه عن الإسلام" ناصر)).
] التي ردَّ فيها على الغلاة المعظِّمين لسيد قطب المدافعين عنه بالباطل، تحت عنوان [التكفير عند سيد قطب "وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا"!!] ص48-50 الطبعة الأولى 1426هـ/ 2005: ((قال الدكتور القرضاوي: "ومما آلمني كثيراً دخول بعض الإخوة في هذا الميدان وبضاعتهم مزجاة من العلم الشرعي؛ وحتى من المنطق العقلي، وظنوا أنَّ الحماس ورص الكلام يغني شيئاً في القضايا العلمية الكبيرة. لقد جاءوا بمن يمكن أن يُسمَّوا (شهود النفي في القضية)، ليقولوا: إنهم لقوا سيداً رحمه الله، ولم يجدوه يكفِّر المسلمين، أو سألوه: هل تكفِّر المسلمين؟ فنفى ذلك!، وقَالَ مَنْ قَالَ: يجب أن نضمَّ أفعال سيد إلى أقواله حتى نكون منصفين معه!!، ونسي هؤلاء ما قرره علماؤنا من (قواعد علمية) تحكم الأمور وتضبطها، من هذه القواعد: أنَّ المثبِت مقدم على النافي، وأنَّ من حفظ حجة على من لم يحفظ، فإذا جاء عشرة ثقات وقالوا: لم نسمع فلاناً يشتم فلاناً، وجاء رجل ثقة، وقال: إنه سمعه يشتمه، وكان من أهل العدالة والضبط: أُخِذ بقول هذا الواحد؛ لأنه علم ما لم يعلموا، فهم حدَّثوا بما يعلمون وهو حدَّث بما يعلم، وحفظ ما لم يحفظوا، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وما ذكره الإخوة من تعارض فعل سيد مع أقواله: قد غفلوا عن أصل مهم، وهو: أنَّ الذي يحكم على العالِمِ ويُعبِّر عن رأيه هو قوله لا فعله؛ لأنه فعل امرئ غير معصوم، فلا غرابة أن يناقض فعله قوله، وسلوكه عمله!، ما دام لا عصمة له، وقد قال بعض الأئمة: اعمل بقولي ولا تركن إلى عملي *** ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري" نقلاً عن "كلمة حق.." ص57-58!)).
ثم علَّق الحلبي في خاتمة هذا النقل بقوله: ((وهل ثمة قولٌ تكفيريٌ (أصرح) من قوله في ظلاله (2/1057: "لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بـ (لا إله إلا الله)؛ فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن: لا إله إلا الله"!!!)).
وأكَّد علي الحلبي نفسه أنَّ آخر كلام الشيخ الألباني رحمه الله هو موافقته لردود الشيخ ربيع حفظه الله - بعد مطالعته الواسعة في كتبه - في سيد قطب، فقال في رسالته السابقة ص56 -57: ((وهذا حق بيقين، لأنَّ فيه إعمالاً لقاعدة "الاعتبار بالمتقدِّم والمتأخِّر من كلامه" وما ورد في كتابهم "كلمة حق..." من كلام أستاذنا الألباني هو على هذا النحو تماماً، فكلام شيخنا المحكم - (وأشار الحلبي في الحاشية إلى ما تقدَّم من تعليق الشيخ الألباني على كتاب العواصم) - هو يقيناً آخر أقواله في سيد قطب، بل كلامه الأول نفسه المتضمن (بعض) الدفاع عما أُخِذَ به سيد قطب يحتوي على نقد له أكثر ورد أوفر، لكن إنها العصبية القاتلة التي تُعمي وتُصِم، فأين بالله أهل العدل والإنصاف؟! "كدتُ أن لا أراهم إلا في كتاب!!، أو تحت التراب!!"، فأين الحق يا هذا والصواب؟!)).
مية
منها الحكومة الإسلامية في الجزيرة العربية
==د الرفاق بمطاردة العلماء الذين يرميهم بضيق الأفق وجمود التفكير ويسخر بعمائمهم
=
قال سيد قطب:
( وبعض هذه الشبهات ناشىء من التباس صورة حكم الإسلام ببعض أنواع الحكومات التي تسمي نفسها (حكومات إسلامية) وتمثيل هذه الحكومات لحكم الإسلام كتمثيل من يسمونهم (رجال الدين ) لفكرة الإسلام ! كلاهما تمثيل مزور كاذب مشوه ، بل تمثيل النقيض للنقيض ، ولكن الجهل بحقيقة فكرة الإسلام عن الحكم حتى بين (المثقفين) لا يدع صورة للحكم الإسلامي أخرى غير هذه الصورة المزورة الشائهة الكريهة)([1]) .
فهذه الطعنات الآثمة الموجهة في الدرجة الأولى للحكومة الإسلامية الصحيحة دولة التوحيد والسنة، وعلى قمتها علماء السنة والتوحيد، التي أثبتت بواقعها الإسلامي الصحيح وبشهادة العلماء المنصفين أنها قائمة على كتاب الله وعلى سنة رسوله في عقيدتها ومنهجها وحكمها وتعليمها، وإن كان هناك نقص لم تسلم منه دولة بعد الخلافة الراشدة، فإنها هي الدولة الإسلامية الحقة والقلعة الحصينة للإسلام وندعوها إلى تلافي هذا النقص الذي يوجبه الإسلام ، ونسأل الله لها التوفيق والسداد .
والحكومة الإسلامية التي يتصورها سيد قطب لن تكون أصلح من أفسد الحكومات التي يقول: (إنها تمثل الإسلام تمثيلا مزورا مشوها)، فهي على علاتها تعتز بالإسلام وتحترم العلماء وتقوم على جوانب منه ، وأعتقد أن هذه الحكومات التي أشار اليها منها حكومة الأدارسة في ليبيا، والحكومة المتوكلية في اليمن ، فمهما قيل فيها فإنها خير من التي يتخيلها ويصورها للناس، والتي ستكون عقائدها أفسد ونظامها أبعد من الإسلام فهو يتخيل حكومة اشتراكية لا تبقي للناس سبدا ولا لبدا، وحكومة برلمانية يزعم لها أنها شورية هذا إن التزمت بذلك ، وإلا فستكون دكتاتورية مستبدة كما يلمس ذلك من الأحزاب القائمة على فكره التي لا تحتمل نقدا مهما سطع فيه نور الحق ولا توجيها إسلاميا مهما صحت دلائله وبراهينه ، سواء تعلق بالعقيدة أو تعلق بالسياسة، وحتى لو جاء به مثل أبي بكر وعمر، كما هو واقع بعض الحكومات التي قامت على منهجه وفكره .
لو كان يريد حكومة إسلامية صادقة لساند الدولة السعودية وأشاد بها ولطالب الحكومات الأخرى أن تحذو حذوها في العقيدة والمنهج والتطبيق الصحيح ، ولكنه يريد شيئا آخر نضحت به كتبه ، لا نقوله تخرصا ولا تكهنا.
قد يقال : إنه كان لا يعرف شيئا عن هذه الحكومة الإسلامية؟
فيقال : كلا، فلقد كان على معرفة واسعة بما يجري في العالم الإسلامي وغيره ، والذي يقرأ كتابه "دراسات إسلامية" مثلا يدرك أنه كان يعرف ما يجري في الاتحاد السوفييتي على المسلمين وما يجري عليهم في الصين والهند والحبشة وفي أدغال أفريقيا وآسيا([2]) ، فكيف يجهل ما يجري في جزيرة العرب بلاد الحرمين والبترول التي يعلم ما يجري فيها وما يوجد فيها من الخير عامة المسلمين وخاصتهم ، بل حتى غير المسلمين يعرف ذلك .
==
يقول سيد قطب:
(بقي الخوف من ضيق آفاق القائمين على الحكم الإسلامي وجمود تفكيرهم ، وما أحسب هذه الصورة التي قامت في أذهان هؤلاء الرفاق([1]) إلا من اقتران حكم الإسلام بعمائم الشيوخ ومسابح الدراويش.
وإذا تبين أن هؤلاء لن يكونوا إسناد حكم الإسلام في مصر بل طرداؤه ، ما لم يغيروا ما بأنفسهم ، ويعملوا عملا منتجا غير مجرد الصلوات والأذكار والتراتيل ، وإذا تبين هذا فيجب أن تخفى هذه الصورة النكدة لحكم الإسلام ما لم تكن هذه التهمة موجهة لمبادىء الإسلام في ذاتها لا للمشايخ والدراويش ، فهل إنه لكذلك ذلك الدين العظيم ؟!)([2]).
أقول:
1- نعم هناك دراويش لكن ما علاقتهم بالحكم في الإسلام ؟
ثم هل علماء الإسلام والحق على هذه الصورة المزرية التي يصورهم بها سيد؟
ثم لماذا - وهذا هو البلاء - يذكر الصلوات والتراتيل والأذكار في هذا السياق الساخر المرضي للعلمانيين وأعداء الإسلام من الرفاق ، إن هذا الأسلوب وأمثاله من سيد وأمثاله هو الذي جرأ الشباب على الطعن في العلماء واحتقارهم واحتقار علمهم وفتاواهم.
2- انظر ماذا يبيت سيد قطب للعلماء ؟ إنه يهددهم بالمطاردة، ومن هو البديل ؟ إنهم الرفاق والمثقفون من الجهلاء بالإسلام.
3- إنه سيسوقهم بسياط الجلادين إلى حقول المصانع وسائر الأعمال المنتجة، كل ذلك تنفيذا لمبادىء دولة سيد قطب التي يلبسها بقوة لباس الإسلام .
4- من المؤسف تكراره لذكر الصلوات والأذكار في هذه السياقات المشينة التي يهين فيها العلماء أشد أنواع الإهانات.

=========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق