التاريخ السري للجرائم الاخوان الثاني======سيد قطب يكفر المجتمعات الإسلامية ؟
وأقول أخيراً: إن بداية افتتان هؤلاء الشباب بهذه الأفكار، كان سببه وفادتها عليهم من قِبَل ( الإخوان المسلمين ) بعد أن أثاروا زوابع القلاقل في أمصارهم، سواء أكانت هذه الإخوانيةُ مصريةً قطبيةً تكفيريةً، أم كانت سوريةً صوفيةً!! فلما شُرِّد هؤلاء وضُرب عليهم جميعاً بيد من حديد، فرّوا ولجأوا إلى البلاد التي يُكِنّون لها العداء الأكبر؛ ألا وهي الدولة الوهابية ـ كما يُسمّونها! ـ واستغلوا في ذلك كون هذه الدولة هي الوحيدة في العالم الإسلامي التي تدعم قضايا المسلمين رسميا، كما استغلوا حسن ظنّ أهلها بهم ومحبتهم للمسلمين، وبدلاً من أن يأخذوا التوحيد الفطري من عجائز نجد، فضلاً عن أن يتعلّموه على أيدي علمائها، وبدلاً من أن يحمدوا الله الذي آواهم ثم يشكروا لصاحب الدار إكرامه لهم، جعلوا ينشرون أفكارهم المنحرفة بألسنة سحّارة، وبسطوا نفوذهم حتى تصدَّروا المجالس وتسلَّموا الإدارات بشهادات غرّارة، فما زالوا بأبناء جزيرة التوحيد حتى رَبَّوا منهم أشكالا غريبة! منهم أولئك الذين بيَّنا حيرتهم العقدية آنفا في أصل التوحيد! فماذا بعد العقيدة يا قوم؟!====التاريخ السري لجرائم الاخوان=حتى إن فؤاد سراج الدين حين أخرج من السجن فـى سـنة 1950
كافأوه بأن نظموا مظاهر ة حاشدة وكان كل فخرهم أن الداخلية فوجئت بتلـك
المظاهرة .. وهكذا يزايدون على الجميع .
لقد انفض عنهم الجميع نتيجة لسلوكهم مع الكـل .. تحـالف .. ثـم
نقض العهد والطعن فى الظهر حتى إنهم استبعدوا من الحوار الوطني ومـن
تجمعات الأحزاب حتى إن بعض الأحزاب قالوا لا نريد الإصلاح الـسياسي
ولسنا متحمسين له الآن حتى لا يستفيد منه الإخوان، انظـر إلـى أى مـدى
صارت الأمور وأن هذه الأمور التى وضعوا أنفسهم فيها جعلـتهم يحـسون
بالعزلة والإهمال، وهذا شعور خطير إذا أصاب جماعة فى قـوتهم وحـسن
تنظيمهم، فهم يتصرفون الآن وظهرهم إلى الحائط وليس أمامهم إلا السير فى
الطريق الذى رسمه الإخوان وينفذه مركز بن خلدون، إنـه طريـق إحـداث
الفوضى فهى تحقق عدة أهداف، إنها تربك الأمن وتكسر حـاجز الخـوف،
وتشجع كل نائم أن يستيقظ ويهب للحركة ثم إنه قد يـشجع بعـض القـوى
الشعبية التى ترفضهم على الاقتراب منهم والتعاون معهم .
لقد ورد فى النشرة التى يصدرها مركز ابن خلودن باسـم المجتمـع
المدنى عدد 120 السنة العاشرة نوفمبر 2004 ورد فى كلمة المحرر شريف
منصور تحت عنوان " هل بدأ العصيان المدنى ؟ " تمر خطير فى ضوء عـدة
متغيرات غير مسبوقة الأحزاب المصرية تتحد مع بعضها البعض فى جبهـة
وفاق وطنى . مجموعة متزايدة من تكتلات الجمعيـات الأهليـة والحقوقيـة
المصرية تتشكل التنسيق يتصاعد بوتيرة منتظمة بين الأحـزاب ومنظمـات
المجتمع المدنى والحركة الشعبية الناشـئة للتغييـر، الإخـوان والجماعـات
الإسلامية المعتدل منها والمتطرف يعلن مراجعة نقدية للـذات ويمـد بدايـة
للمشاركة فى الحياة السياسية من جديد ؟ وهكذا يظهـر التنـسيق بـين ابـن==خلدون والإخوان، بل والاتفاق على خطة عمل واحدة لحساب الأمريكان، فلم
يعد الأمر سراً، ولكن الأمور قد اتضحت بلا لبس أو غموض .
إنهم يزايدون على الجميع وتلك إحدى وسائلهم المشهورة، المزايـدة
والتصعيد وأنهم يستغلون أية بادرة حرية وبـدلاً مـن أن يـدعموه تجـدهم
يتسابقون لاستغلاله وهم بذلك يخيفون من يريـد أن يفـتح نافـذة للحريـة
والديمقراطية وعندهم المعادلة الشهيرة للتغيير ليضعوها موضع التنفيذ .
لقد بدأوا يحركون قوى الإخوان فى كل مكان للغط لمساعدة المخطط
الأمريكى بالمنطقة فإخوان سوريا الذين خرجوا من السجون بعـد دفـوعهم
للحركة من جديد مطالبين الإدارة السورية بالإصلاح الديمقراطى، حتـى وإن
جاءت هذا التحرك من مجموعة إخوان سوريا الموجودين بـإنجلترا إلا أنـه
يثير للسجون داخل سوريا أو يعيدهم للسجون مرة ثانية .
وهم قد أتتهم ال فرصة للمزايدة على الجميع فى موضـوع الأقـصى،
إنهم يطالبون بفتح باب التطوع لإنقاذ الأقصى وما أشبه الليلة بالبارحة، ففتح
باب التطوع يعنى فتح معسكرات التدريب، ومعناه فتح باب التبـرع لجمـع
المال من جديد ثم شراء السلاح ثم تخزينه لحساب الإخوان وتتكدس خزانـة
الإخوان بالأموال من تبرعات المسلمين من كل الدول الإسلامية يتكـرر مـا
حدث سنة 1948 وأكثر بكثير فهذه المرة عندهم التجربة الـسابقة بـسلبياتها
وإيجابياتها، وهم هذه المرة لن يتركوا الفرصة السانحة تمر، المهـم انتهـاز
جميع الفرص الممكنة لإحداث الفوضى وإثارة البلبلة ومن ثم النفاذ إلى هدفهم
وهو إحكام السيطرة على مقدرات هذا البلد .
حدثنا التاريخ عن أن التنظيمات والحركات الباطنية الفكر والاعتقـاد
مثل جماعة الإخوان المسلمين بكثرة الشللية، وكثرة الدسـائس والمـؤتمرات
بغية السيطرة والقفز على مراكز القيادة، وإحكام السيطرة على الأفراد وهـم====جانب تكتيكات الشلل والمؤامرات، فهم يستعملون شـعارين فـى غايـة
الأهمية بغية السيطرة هما السمع والطاعة، وقد ترض هذا الطرح لكثير مـن
النقد والهجوم على الجماعة وعلى قادتها عبر تاريخ طويل .
لذلك فقد انتهز القيادى البارز فى الجماعـة، الـصاعد كالـصاروخ
الدكتور محمد ا لسيد حبيب النائب الأول للمرشد العام فرصة إحدى النـدوات
التى أقيمت مؤخراً بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تحت عنوان "هل
الإخوان رصيد للإصلاحيين أم خصم متهم ؟ " للرد على الكثير من تـساؤلات
الإخوان الحاضرين فى تلك الندوة، ولكنه لم يـستطيع الـرد علـى جميـع
التساؤلات من خلال الندوة، فأكمل الحديث فى إحـدى صـحف المعارضـة
وكان موضوع الرد هو السمع والطاعة . وحاول تثبيت المعنى فـى نفـوس
الإخوان وتعميقه خشية أن يتأثر تحت معاول الهجوم المتصل من الآخـرين
على هذا المعنى حيث قال "من بين الأسئلة التى أثبتت مسألة السمع والطاعة
فى الجماعة والتى لا تعنى عند البعض ـ ممن لا يعرفون الإخوان ـ سوى
جندية عمياء وقيادة متجبرة، المرء الذى لا يتناسب مع الظروف الحالية التى
نعيشها والتطور والتقدم الذى ننشده، فضلاً عن أن ذلك يورث أفراد الجماعة
فقدان الشخصية وعدم القدرة على الابتكار والإبداع والقدرة الفرصـى فـى
إفراز عناصر متميزة يمكن أن تفيد الجميع فى الفكر والحركات والاستشراف
نحو المستقبل، والحقيقة أن السمع والطاعة فى الجماعة أمر ضرورى ومهـم
لتحقيق أهدافها وبلوغ غاياتها، والشعار الثانى المـستعمل للـسيطرة علـى
الآخرين هو " دعنا نتعاون فيما نتفق عليه ويعذر بع ضنا بعضاً فيمـا اختلفنـا
فيه " ، وسوف نتطرق للحديث عن هذا الشعار كثيراً فى الحلقات القادمة . أقول
إن تلك الشلل وهذه الصراعات التى تتم بغية السيطرة على الجماعة حـدثت
وحسن عشماوي ومنير الدلة لتعيين حسين الهضيبي الذى أتـوا بـه لتـولى عدة مرات من أبرزها المؤامرات التى تمت من قبل الثلاثي صـلاح شـادي====== منصب المرشد بعد اغتيال حسن البنا، وسوف أشرحه لاحقاً، أما ما يحـدث
الآن فلا ينبغى أن يمر دون شرح وتبيان فلقد تم تعيين المرشد الحالي الأستاذ
مهدي عاكف كمرحلة انتقالية لفترة لن تزيد على سنتين أو ثلاث على الأكثر
لإعطاء الفرصة لتلميع وإظهار شخص آخر وإعداده لتولى هذا المصب بعـد
ذلك، استبعاداً لآخرين كان يمكن أن تظهر أسماؤهم لتولى هذا المنصب همـا
عبدالمنعم أبو الفتوح وعصام العريان لأن المطلوب هو تلميع وإظهار وإعداد
الدكتور محمد السيد حبيب النائب الأول الحالى للمرشد العام الأسـتاذ محمـد
مهدى عاكف، فهو المؤهل لتولى منصب المرشد العام بعد أن يستقيل الأستاذ
الزمن لإعداد المرشد الجديد، فسوف يتولى بعـد ذلـك دون أى عنـاء ولا عاكف حين وصوله إلى سن الثمانين، ما صر من قبل . فإنهم فى صراع مـع
انتخابات ولا أى إجراء من الإجراءات المعادة فى مثل تلك الظروف، فسوف
يتولى بسهولة بفترته الحالية كنائب أول للمرشد .
وهكذا تم تنفيذ المخطط للاستيلاء على مقـدرات الجماعـة بـسهولة
ويسر هذه المرة، وبأقل الخسائر استفادة من الدرس السابق الذى حدث مـع
صلاح شادى حينما أحضر الأستاذ حسن الهضيبي مـن خـارج الجماعـة،
ضرباً بخصومه المرشحين لتو لى منصب المرشد العام بعد اغتيـال الأسـتاذ
حسن البنا وهم الشيخ صالح عشماوى أو الشيخ الباقورى أو الـشيخ محمـد
الغزالى، وهم على علاقة جيدة مع عدوه اللدود عبدالرحمن السندى والنظـام
الخاص الذى كان فى صراع مستمر مع صلاح شادى ورفاقه خاصة منيـر
الدلة الذى كان حديث عهد بالإخوان حيث دخل فى عام 1947 وقد وصـف
دخوله الجماعة وقتها أنه إدخال للكاديلاك والارستقراطية إلى قلب الحركة ،
وكان الدلة قد ساهم بالكثير من ثروته كأحد كبار ملاك الوجه القبلى، وكـان
لهذه الأسباب مسموع الصوت فى اختيار حسن الهضيبي من خارج الجماعةرغم أنه ليس عضواً فى مكتب الإرشاد، ولا حتى فى الهيئة التأسيسية وكـأن=====من اختاروه يظنون أنه سيكون واجهة لهم يوجهونه كيف يشاءون، وقد عمل
صلاح شادى الذى كان شديد التسلط والدكتاتورية على تصفية خصومه مـن
أعضاء التنظيم الخاص، فقد استغلوا كراهية حسن الهضيبي للعنف والقتـل،
وصورا له هؤلاء الخصوم على أنهم قتلة وسفاحون، حتى إنـه رفـض أن
يقابل مجموعة من المفرج عنهم، وأن تلتقط معهم صورة تذكارية، فقال أنا لا
أقابل القتلة وكان لهذا التصريح عمل السحر فى تحفيز أعضاء النظام الخاص
ضد الهضيبي .
وكان من نتيجة ذلك وتمرد رجال السندى على القيادة الجدي دة أن تـم
فصل السدى ومعه أحمد عادل كمال، أحمد زكى ومحمـود الـصباغ وهـم
يمثلون قيادة النظام الخاص .
وقام أتباعهم بعد ذلك باحتلال المركز العام، ووصل الأمر إلى حـد
ذهاب بعضهم إلى منزل الهضيبي وقيام بعضهم بوضع المسدس فـى رأسـه
ليجبره على إلغاء قرار الفصل، إلا أن حسن الهضيبي كان أكثر صلابة ممـا
تصور الجميع وقام بفصل مجموعة أخرى حوالى ستين عضواً كان أبرزهم
الشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق والشيخ يوسف القرضاوى وغيرهم.
هكذا كانت المؤامرات التى دبرت للقفز على قيادة الجماعة وما أتـت
به من آثار سيئة كان أخرها دخول الإخوان إلى السجن .
فهل تنجو الجماعة هذه المرة من الآثار السلبية التى قد تحـدث مـن
جراء القفز على قيادة الجماعة، خاصة أن الدكتور حبيب لا يتـرك فرصـة
حتى يصحح للمرشد أقواله، ويرجع تصريحاته إلا أنهم قد أخذوا على غـرة
حين سئلوا لأول مرة عن المفاوضات مع الأمريكان، فقد صرح عـاكف أولاً
بأنه مرح بكل من يريد أن يتفاوض معهم ولكن الدكتور حبيب وغيره قـاموا
بتصحيح أقوال عاكف، وكانت كلها ردوداً غير مدروسة إلى أن عثروا فيمـا
بينهم على الإجابة المثلى وهى أنهـم إذا أراد الأمريكـان أو الأوربيـين أن===== يتفاوضوا معهم فلن يحدث ذلك إلا إذا أتى عن طريق وزارة الخارجية وهذا
القول فيه الكثير من الخداع والمغالطة وهو قول مـردود عليـه لأنـه مـن
المعروف للجميع أن الأمريكان حين يفاوضون جمعيات أهلية فإنهم يرسـلون
أفراداً من خارج السلطة أو من الاستخبارات .
يا ترى هل ستنجح القيادة الحالية فى تفادى السلبيات التى حدثت سنة
1954 أم أن التاريخ سيعيد نفسه وتحدث مشاكل وانقسامات داخل الجماعـة،
وإذا حدث داخل الجماعة، وحيث حدث وتفادت القيـادة الجديـدة المـشاكل
المفترضة فإننى ألمح نفس الأخطاء السياسية التى حدثت سـنة 1954 فقـد
تميزت تلك الفترة بنوعية معينة من التصعيد الـسياسي فـى الـصدام مـع
الحكومة، فإن نفس الخطوات قد بدأت الآن، المظاهرات ومحاولـة التحـالف
مع القوى المعارضة والتصاعد بالأحداث حتى تـصل إلـى حـد العـصيان
المدنى، ولكن هذه المرة فهناك الدعم الخارجى الواضح والذى يدفع أية فئـة
على مدى التاريخ بالعمالة والتعاون مع القوى الخارجيـة ضـد الـشرعية،
ولست تلك التحركات وهل هى محسوبة جيداً أم سيكون المصير هـو نفـس
المصير ؟ !
أرجو ألا يتورطوا فى أخطاء تضاف إلى أخطائهم وتـدمغهم مـدى
الحياة أن مكتب الإرشاد الحالى مطعم بمجموعة من الـشباب إلـى جانـب
الحرس القديم، وما كنت أتصور أن ينظم إلى مكتب الإرشاد مجموعـة مـن
فضيلة سنة 1965 منهم الدكتور محمود عزت إبراهيم والشيخ محمد الخطيب
إلى جانب بعض رؤساء المناطق مثل السيد نزيلي محمد وغيره، وأذكـر أن
الأستاذ صلاح شادى حين أبلغ فى سنة 1965 بوجود هذا التنظـيم غـضب
وأصدر أوامره إلى المهندس مراد الزيات أن يبلغ البوليس عن هذا التنظيم !!
إلى هذا الحد كان القرار غير مستند إلى شرع أو عقل ولكـن إلـى
الهوى الشخصى فكان المهم فى نظرهم الطاعة والاستئذان أولاً وإلا إبـلاغ==البوليس، لقد حدثت من قبل محاولات عدة للإنقلاب على الأستاذ البنا نفـسه
وهو مؤسس الجماعة، ولكنها جميعاً باءت بالفشل وأدت إل ى فصل أصـحابها
كما حدث مع أحمد السكرى فى أولى مراحل قيام الجماعة حيث كان السكرى
يطمع فى قيادة الجماعة ووصل الأمر إلى فصله من الجماعة وكذلك انفصال
عالم إسلامي جليل، فكان يدرس لهم الإسلام من جديد وكان يقول لهم حـين مجموعة شباب محمد الذين كانوا على علاقة بالأستاذ محمود شـكرى وهـو
يلقاهم أخلعوا الأفكار التى عملها لكم البنا مع أحذيتكم خارج المنـزل . وبعـد
فلقد تمرد عليه مصطفى مؤمن حتى أدى الأمر فى النهاية إلى فصله، وهكـذا
فإن الطبيعة البشرية غلابة مهما قيل من أسباب فإن الصحابة قد اختلفوا، بـل
اقتتلوا، ولن يكون الإخوان أحسن من ذلك فهذا تاريخهم مملـوء بالعلامـات
الواضحة التى تؤرخ للخلافات الشديدة والبأس بين الأفراد، حتى وإن أدعـوا
غير ذلك وحاولوا الظهور بالملائكية، فإن الحقيقة تظهر دائماً صارخة للعيان
وأنا فى انتظار نتيجة الأوضاع سواء داخل الجماعة، أم فى صـراعهم مـع
النظام، فلقد هدد نائب المرشد الحالى والمرشد المتوقع بتنظيم مظاهر كبـرى
تتكون من عشرات الآلاف وهو فى طريق التصعيد وزيادة الضغط المـستمر
على الحكومة حتى يصل إلى تحقيق ما يريد، وهو بذلك يجر الآلاف المؤلفة
من شباب الإخوان باسم السمع والطاعة لي حيث يريد، فيـا ليـتهم يعلمـون
فكرهم وعقولهم ويضيفون إلى مبدأ السمع والطاعة كلمة أخـرى وهـى أن
تصبح السمع والطاعة والمبصرة بدلاً من أن تكون عمياء .
إن من يتصدى لحكم بالإسلام عليه أولاً أن يعى أن الحكم الإسـلامى
كان نتاج مجتمع مسلم تربى لمدة 23 سنة على القرآن يـستوعب أيـة بعـد
الأخرى، وكان نزول القرآن بهذه الصورة مقصوداً مـن الحـق ـ تبـارك
وتعالى ـ لتربية الأفراد من المسلمين رجالاً ونساء ،حيث قال تبارك وتعالى
(وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً " .. وهكذا ترى أن====الفرق كان مقصوداً وأن المكث كان مقصوداً، وذلك لتربية أجيال المـسلمين
حضرت هذه المرحلة مع رسول االله صلى االله عليه وسلم .
هذه الأمة التى ترتب على هذا الشكل من أبرز صفاتها أنهم مجبولون
على الخير والالتزام ومراعاة حقوق الآخرين، دون تذكير أو جهد كبير فـى
التوجيه والحكم ولذلك أقول أن قيام حكم إسلامى يلزم له أمران .
شعب نربى على الإسلام، ثم أحكام شرعية ولهذا كان حكم الخلفاء الراشـدين
إلى جانب حكم عمر بن عبدالعزيز هو أقرب الحكومات إلى الإسلام .
وأن هذا الأمر لن يتكرر كثيراً لأن شروطه صعب وواجبات الحاكم
فيها أصعب، وبرغم ذلك فإن حكم الراشدين قد تخللته فتن ودسائس لم يكـن
لها أن تحدث فى عهد الصحابة، فما حدث فى عهد عثمان، وما حـدث فـى
الانقسامات والدسائس، والمؤامرات إن حدثت فى الـصفوف فالنتيجـة هـى عهد على من فتن يوقف الإنسان أمام فتن من الـصعب التغلـب عليهـا لأن
الانهيار والتشرذم، وهذا ما حدث تاريخاً مما يجعلنى فى قناعة مرة ثانيـة أن
الحكم الإسلا مى كما أفهمه لن يعود ثانية لأنه أقرب إلى مجتمع الملائكة منـه
إلى بنى البشر ولو رجعنا إلى التاريخ لوجدنا أن الحدود قد أقيمت مرات قليلة
جداً فى هذه الحكومات، لأن الناس لا يفعلون المعصية إلا لماماً، ولكنهم قـد
أتوا من الفرقة والانقسامات التى يجد فيها المرجفون و المتربصون الفرصـة
السانحة للنفخ فى النار سواء كانوا من ضعاف النفوس من المسلمين أم كانوا
من فئات أخرى يزعجهم قيادة الإسلام ونجاح المسلمين على هذا النحو .
ولقد ظلم الإخوان أنفسهم، وظلموا المسلمين والإسلام حيث تـصدوا
لهذا الأمر وهم يعلمون من تاريخهم الملئ بالانقسامات والفتن والدسائس مـا
تضيق له الصدور، فلو تتبعنا الفتنة التى حصلت بينهم من أول مؤامرة تعيين
الأستاذ حسن الهضيبي من قبل مجموعة أرادت أن تقـوم بـانقلاب داخـل===الجماعة، وقد تم لهم ما أرادوا، حيث جمع الأستاذ منيـر الدلـة المجموعـة
المرشحة لتولى قيادة الجماعة بعد وفاة الأستاذ البنا وهم صـالح عـشماوى
والشيخ الباقورى والأستاذ جمال البنا والأستاذ عبدالحكيم عابدين والذى كانت
عليه بعض التهم الشخصية التى تجعله غير مؤهل لهذا المنـصب، وفـاتحهم
الأستاذ منير الدلة بأنه من المطلوب اختيار مرشد خلفـاً للمرشـد الراحـل،
ولكنهم تعففوا جميعاً، فهم جميعاً راغبون فى المنصب إلا أنهم وكلهـم كـذلك
يريدون أن يختارهم الآخرون لأن طالب الولاية لا يولى، واسـتغل الأسـتاذ
منير تلك الحالة وفاجأهم بعرض اسم الأستاذ الهضيبي، ولم يكن معروفاً بين
الإخوان، ولكنهم لم يعترضوا حياء مع الاحتفاظ بالضغينة فى داخلهم، ونتيجة
لهذا السلوك العجيب الذى يعتبر الصراحة، ولكنهم يريدون للأمور أن تـأتى
لهم، ولكن بطريق ملتو وغير صريح، وقد تمت الموافقة على اسم الهضيبي،
وأخذت موافقة الهيئة التأسيسية بالتمرير، وكان هذا أول نجاح يحرزه صلاح
شادى فى صراع مع السندى حيث لم يكن يحبه وكانت المنافسة بينهما كبيرة
حتى أن صلاح شادى قد أنشأ له جهازاً سرياً خاصاً بـه سـمى مجموعـة
وحدات تولى الأستاذ الهضيبي القيادة وأحاط نفسه بمجموعته المكونـة مـن
صلاح شادى ومنير الدلة وحسن عشماوى وعبدالقادر حلمى وغيرهم، ولمـا
خرج إخوان السيارة الجيب من السجون، ودعى الأس تاذ الهضيبي للقاء هؤلاء
قولته الشهيرة : أنا لا أقابل المجرمين والقتلة، وكان لهذا التصريح عمل النار
فى الهشيم بين أفراد النظام الخاص، وبدأت حركة غير طبيعية بـين هـؤلاء
الإخوان، وكان قد تم تعيين السيد فايز رئيساً للنظام فى غياب السندى ولمـا
بلغ السندى أن السيد فايز قد وضع ولاءه للمرشد الجديد اشتاط غضباً، وكان
شخصية دكتاتورية لا يجب أن ينازعه أحد أو ينافسه أحد، وكان يقضى على
جميع منافسيه حتى لا يكون على الساحة غيره، فأرسل للسيد فايز من يقتلـه
فأرسلت له علبة حلوى فى منزله انفجرت حين فتحها، وكـان هـذا نـذيرا====== للهضيبي أن المجموعة لن تتركه، ولكنه كان صلباً عنيداً جداً، فأصدر قراراً
بفصل الأربعة رؤساء النظام عبدالرحمن السندي وأحمد زكي وأحمد عـادل
ومحمود الصباغ، ثم تلاها بكشف آخر به حوالى ستين من القيادات المواليـة
للسندى منهم الشيخ الغزالي والسيد سابق ويوسف القرضاوي وغيـرهم مـن
المناوئين، ترتب على ذلك اجتماعات من طرف مجموعـة الـسندى لخلـع
الهضيبي . وفى نفس الوقت كان أفراد القيادة السابقة للنظام يتخوفون على ما
لديهم من أسرار، فذهب أحمد عادل كمال إلى أحد مرؤوسيه وكان مـسئولاً
عن النظام فى شبرا وهو الأخ سيد عبده وترك عنده شنطة وجد بها جوازات
سفر مصرية بدون أسماء وتقارير لمخابرات الإخوان عن حركـة الجـيش،
وتحركات الجيش وتحركات السفارتين الأمريكية والبريطانية وتقـارير عـن
تحركات الشيوعيين، وهكذا ترى كيف يفكر وماذا يبحثونه، وبعـدها عمـل
أحمد عادل على تجميع مجموعة من الإخوان للذهاب عن أسباب الفصل، فإذا
لم يجب إجابة واضحة طالبوه بالاستقالة، ثم تذهب مجموعـة أخـرى إلـى
المركز العام للاعتصام هناك ومحاولة اختيار مرشد جديد، وكان من هـؤلاء
صالح عشماوى ومحمد الغزالى وعبدالعزيز جـلال وسـيد سـابق، وكـان
المفروض أن يختاروا صالح عشماوى مرشداً جديداً ذهب إلى منزل المرش د
حوالى عشرين من شباب النظام الخاص من بينهم على صديق وفتحى البوز
ومحمود زينهم وعلى المنوفى اتفقوا لأنه أكثرهم هدوءاً، زيادة أم مظاهرة ؟ !
فقالوا : زيادة ثم بدأ على المنوفى بالكلام فقال : جئنا نسألك عن فـصل قـادة
النظام، ثم قال محمد حلمى فرغل نحن لم نحضر للسؤال ، ولكننا فقط تعبنـا
منك لأنك لا تعرف كيف تقود الجماعة ونحن نطالبك بالاستقالة، فلمـا هـم
بتركهم والخروج من الغرفة تصدى له محمد أحمد ـ وكان سكرتير الـسندى
ـ وفتحى البوز ومنعاه من الدخول وخلعا سماعة الهاتف فحاول الخروج من
الباب المطل على السلم فلحق به على صديق ومحمود زينهم وقـام محمـود==========زينهم بحمله وإعادته للغرفة، وهكذا تعاملوا مع الرجل الـذى كـان رمـزاً
للجماعة ومرشداً لها، أردت أن أروى هذا المشهد بالتفـصيل حتـى يـرى
القارئ وفى تسوية أمورهم مع بعضهم البعض، فكيف يكون أخلاقهـم مـع
الآخرين، وكيف هم إن حكموا، وما الذى يفعلونه م ع الناس وهم حكام، إنـه
الدم والظلم والاستبداد باسم االله !
ثم تم احتلال المركز العام بقيادة النظام والاعتـصام بداخلـه حتـى
يستقيل المرشد، وأدعى بعض أن الشيخ سيد سـابق ذهـب لمقابلـة جمـال
عبدالناصر، وقد عاد من عنده ليخبر الجميع أن جمال يؤيد الانقـلاب علـى
الهضيبي وأنه لن يتدخل فى الأمر، كذلك ذهب سعيد رمضان مكلفاً من قبـل
المرشد لمقابلة صلاح سالم وزير الإرشاد يطلب منه عدم نشر هذه الأحـداث
فى الصحف، وقد وافق صلاح سالم إلا أن عبدالناصر تنشر ما تـشاء، وقـد
ذكر أحمد أبو الفتوح أن جمال عبدالناصر سمح له بالنشر، والمهم فـى هـذه
الملحمة التى شارك فيها المرشد ورجاله وصلاح شادى ورجاله، والـسندى
ورجاله، وكلهم كان يخاطب جموع الإخوان عن السمع والطاعة حتى انتهـى
احتلال المركز العام بقيام المجموعات التابعة للأستاذ صلاح شادى بـدخول
المركز العام وطرد المتمردين منه وانتهت الأزمة ونجح صلاح شـادى فـ ى
تدعيم مركزه داخل الجماعة عن طريق المرشد الذى اختاروه، إنى حين أقرأ
تاريخ الإخوان أشعر بالفزع حين يتحدثون عن العمل بالـسياسة أو تكـوين
حزب سياسي، ولهذه الأسباب أولها أن هذا تاريخهم مع بعـضهم الـبعض،
ثانيها أن فكرهم السياسي ضحل جداً، ورؤيتهم السياسية قصيرة النظر وثالثها
أنهم ليس لديهم الفكر والدراسات اللازمة للعمل السلطوي فهم ليـسوا رجـال
سلطة لأنهم حالمون ورومانسيون أكثر منهم عمليون والنجاح فى الحكم غير
النجاح فى قيادة جماعة، هذا إن كانوا يريدون أن يعـدلوا بـين النـاس وأن
يخدموا الناس . وقد كان فى صدر الإسلام رجال طيبون عابدون ولكنهم لـم===
قال سيد قطب في كتابه “معالم في الطريق”: ((وأخيراً؛ يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة!، … وإذا تعين هذا؛ فإنَّ موقف الإسلام من هذه المجتمعات الجاهلية كلها يتحدد في عبارة واحدة: إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها)).
وقال: ((ثم أن يتجمَّع هؤلاء الذين يشهدون أن لا إله إلا الله على هذا النحو وبهذا المدلول في تجمع حركي بقيادة مسلمة، وينسلخوا من التجمع الجاهلي وقيادته الجاهلية!، وهذا ما ينبغي أن يتبينه الذين يريدون أن يكونوا مسلمين، فلا تخدعهم عن حقيقة ما هم فيه خدعة أنهم مسلمون اعتقاداً وتعبداً؛ فإنَّ هذا وحده لا يجعل الناس مسلمين ما لم يتحقق لهم أنهم يفردون الله سبحانه بالحاكمية، ويرفضون حاكمية العبيد، ويخلعون ولاءهم للمجتمع الجاهلي ولقيادته الجاهلية)).
وقال: ((فإنَّ الحنفاء الذين اعتزلوا عبادة الأصنام هذه وقدَّموا لله وحدة الشعائر ما اعتبروا مسلمين)).
وقال: ((والمسألة في حقيقتها مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد، مسألة جاهلية وإسلام، وهذا ما ينبغي أن يكون واضحاً، إنَّ الناس ليسوا مسلمين كما يدَّعون، وهم يحيون حياة الجاهلية، وإذا كان فيهم من يريد أن يخدع نفسه، أو يخدع الآخرين، فيعتقد أنَّ الإسلام ممكن أن يستقيم مع هذه الجاهلية، فله ذلك، ولكن انخداعه أو خداعه لا يغيِّر من حقيقة الواقع شيئاً، ليس هذا إسلاماً، وليس هؤلاء مسلمين)).
وقال سيد قطب تحت عنوان (حاضر الإسلام ومستقبله): ((ونحن ندعو إلى استئناف حياة إسلامية في مجتمع إسلامي تحكمه العقيدة الإسلامية والتصور الإسلامي كما تحكم الشريعة الإسلامية والنظام الإسلامي، ونحن نعلم: أنَّ الحياة الإسلامية – على هذا النحو – قد توقفت منذ فترة طويلة في جميع أنحاء الأرض، وأنَّ وجود الإسلام ذاته من ثم قد توقف كذلك. ونحن نجهر بهذه الحقيقة الأخيرة على الرغم مما قد تحدثه من صدمة وذعر وخيبة أمل ممن لا يزالون يحبون أن يكونوا مسلمين…، نرى أنَّ الجهر بهذه الحقيقة المؤلمة – حقيقة: أنَّ الحياة الإسلامية قد توقفت منذ فترة طويلة في جميع أنحاء الأرض، وأن وجود الإسلام ذاته من ثم قد توقف كذلك – نرى أنَّ الجهر بهذه الحقيقة ضرورة من ضرورات الدعوة إلى الإسلام، ومحاولة استئناف حياة إسلامية ضرورة لا مفر منها)).
وقال: ((ففي مثل هذا الأمر الخطير الذي يترتب عليه تقرير مفهوم لدين الله كما يترتب عليه الحكم بتوقف وجود الإسلام في الأرض اليوم، وإعادة النظر في دعوى مئات الملايين من الناس أنهم مسلمون)).
وقال: ((وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم، على ضوء هذا التقرير الإلهي لمفهوم الدين والإسلام، لا نرى لهذا الدين وجوداً…، إنَّ هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلَّت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله بالحاكمية في حياة البشر، وذلك يوم أن تخلَّت عن الحكم بشريعته وحدها في كل شؤون الحياة. ويجب أن نقرر هذه الحقيقة الأليمة، وأن نجهر بها، وأن لا نخشى خيبة الأمل التي تحدثها في قلوب الكثير الذين يحبون أن يكونوا مسلمين؛ فهؤلاء من حقهم أن يستيقنوا؛ كيف يكونون مسلمين؟!. إنَّ أعداء هذا الدين بذلوا طوال قرون كثيرة وما يزالون يبذلون جهوداً ضخمة ماكرة خبيثة؛ ليستغلوا إشفاق الكثيرين الذين يحبون أن يكونوا مسلمين، من وقع هذه الحقيقة المريرة، ومن مواجهتها في النور، وتحرجهم كذلك من إعلان أنَّ وجود هذا الدين قد توقف منذ أن تخلَّت آخر مجموعة مسلمة في الأرض عن تحكيم شريعة الله في أمرها كله، فتخلَّت بذلك عن إفراد الله سبحانه بالحاكمية)).
وقال سيد قطب: ((لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بـ (لا إله إلا الله)؛ فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن: لا إله إلا الله؛ دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم، وهي مرادف الألوهية، سواء ادعوها كأفراد، أو كتشكيلات تشريعية، أو كشعوب فالأفراد كالتشكيلات كالشعوب ليست آلهة، فليس لها إذن حق الحاكمية…، إلا أنَّ البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلا الله، فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية، ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء…، البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله؛ بلا مدلول ولا واقع…، وهؤلاء أثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيامة؛ لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد – من بعد ما تبين لهم الهدى – ومن بعد أن كانوا في دين الله!)).
وقال: ((إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها هذا العذاب – “أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ” – إلا بأن تنفصل هذه العصبة عقيدياً وشعورياً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها، حتى يأذن الله لها بقيام (دار إسلام) تعتصم بها، وإلا أن تشعر شعوراً كاملاً بأنها هي الأمة المسلمة، وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه جاهلية وأهل جاهلية)).
وقال: ((إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي)).
وقال: ((فأما اليوم؛ فماذا؟! أين هو المجتمع المسلم الذي قرر أن تكون دينونته لله وحده، والذي رفض بالفعل الدينونة لأحد من العبيد، والذي قرر أن تكون شريعة الله شريعته، والذي رفض بالفعل شريعة أي تشريع لا يجيء من هذا المصدر الشرعي الوحيد؟ لا أحد يملك أن يزعم أنَّ هذا المجتمع المسلم قائم موجود!=لخوارج الأوائل كانت قضيتهم كما لا يخفى على أحد تدور حول مسألة "الحكم" وتكفير الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله مطلقاً من دون تفصيل، وكفَّروا عثمان رضي الله عنه بسبب بعض الاجتهادات، وكفَّروا علياً ومعاوية وكافة الصحابة لأنهم رضوا بتحكيم الحكمين وإنهاء الفتنة بالصلح بين الفئتين المؤمنتين.
وجاء سيد قطب بعد قرون طوال وأعاد منهج الخوارج جذعاً، وجعل "الحاكمية" هي أخص خصائص الألوهية، وفسَّر"لا إله إلا الله" بلا حكم إلا لله، وفسَّر الربوبية بالحاكمية، وجعل الصراع بين المرسلين وأقوامهم حول الحاكمية، وكفَّر الحكام الذين لا يحكمون بشريعة الإسلام، وعرَّف التوحيد بأنه الثورة الشاملة على حكَّام الأرض، وكفَّر الشعوب والمجتمعات بدعوى الجاهلية ولأنها رضيت بهؤلاء الحكام ولم يخرجوا عليهم، وكفَّر المساجد وأهل الصلاة وجعلها معابد جاهلية لأنهم لم يفهموا معنى لا إله إلا الله كما فهمه هو، وحكم على أهل الأرض بالردة من قرون عدة بدعوى أنهم يرددون كلمة التوحيد ولا يفهمون معناها ولا يعملون بمقتضها وهي الحاكمية في نظره، بل زاد على منهج الخوارج فبنى أحكام الردة والجاهلية على عادات وتقاليد وأمور من المباحات.
ثم جاء بعده أصحابه الذين ساروا على طريقته في التكفير والحكم بالردة على الحكام المعاصرين والحكم بالإرجاء وغلاة الجهمية على العلماء المعاصرين كالأئمة الثلاثة واتهامهم بأنهم علماء السلاطين أو عبيدهم أو عملاؤهم أو بأنهم مداهنون أو منافقون أو مجنَّدون من قبل طواغيت العصر ومنهم من حكم عليهم بالردة، ومن أمثال هؤلاء: عبد الله عزَّم وعبدالقادر عبدالعزيز وأبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وأبو بصير عبدالمنعم مصطفى حليمة وأبو عبيدة عبدالكريم الشاذلي ومحمد بو النيت المراكشي وأيمن الظواهري وأسامة بن لادن...إلى آخرهم.
وكل هؤلاء يدندنون حول اتهام العلماء المعاصرين بفرية الإرجاء في رسائلهم، بل منهم من يغمز الأئمة المتقدمين بالتناقض والخطأ والقصور والإرجاء أحياناً، ثم جاء دور محمد قطب الذي نظَّر لهذا الفكر التكفيري وأدخله في بعض الجامعات السلفية على حين غفلة، وزعم أنَّ سبب تسلُّط هؤلاء الحكام وتنحية الشريعة من الحكم والخنوع إلى العلمانية: هو الفكر الصوفي الإنهزامي والفكر الإرجائي التبريري، وألَّف في تفصيل ذلك كتابه "واقعنا المعاصر"، وأكثر فيه من تسليط الضوء على الفكر الإرجائي، واتهم الأمة في هذا العصر تارة بالجاهلية وتارة بالإرجاء، بدعوى أنها لم تعمل بما تقتضية كلمة "لا إله إلا الله"، ومقتضاها هو ما فهمه أخوه منها وهي الحاكمية، وزعم أنَّ أخاه قام بأفضل نوع من أنواع التربية مع أصحابه من الإخوان المسلمين في هذا العصر لكنه لم يكمل لأنَّ الأجل توفاه.
قال محمد قطب في "واقعنا المعاصر": ((إنَّ الذين يقولون: ربينا بما فيه الكفاية، يغفلون عن حقائق كثيرة واقعة في الساحة، ربما كان أفضل لون من التربية قام في الساحة حتى اليوم هو الذي قام به الإمام الشهيد بين "الإخوان العاملين" الذين رباهم على عينه، وأفضل جوانب هذه التربية هو الأخوة المتينة التي رباها في أتباعه، والروح الفدائية الصادقة التي طبعهم بها، والجندية الملتزمة التي زرعها في نفوسهم، ثم تحرير لا إله إلا الله في حسهم من تواكل الصوفية وتواكل الفكر الإرجائي، وتحويلها في سلوكهم إلى حركة واقعية وعمل، ولكنا رأينا كم من الجوانب كان ينقص هذه التربية ذات الطابع الأصيل العميق، وكم أثَّر هذا النقص في خطوات العمل الإسلامي بعد مقتل الإمام الشهيد بصفة خاصة، ولا ندري كم من هذه الجوانب كان الإمام الشهيد قمينا بإضافته أو تصحيحه لو امتد به العمر)).
ثم جاء دور السرورية وزعيمهم محمد سرور زين العابدين ومحمد المسعري وسعد الفقيه وعبدالرحمن عبدالخالق ودور جمعية إحياء التراث وفروعها ودور سفر الحوالي وسلمان العودة ومحمد أبو رحيم، فحاول هؤلاء السروريون أن يجمعوا بين عقيدة سيد قطب في التكفير وشرك الحكم والقصور والنظرة إلى المجتمعات المعاصرة وبين ما أخذوه من المشايخ السلفيين من أهمية توحيد الألوهية والتحذير من شرك العبادة والقبور، ولكنهم في مآلهم رجعوا إلى إحياء الفكر القطبي وتكفير الحكام المعاصرين واتهام العلماء بالإرجاء والمداهنة والعمالة وعبيد السلطان.
وكان من أبرز هؤلاء السروريين دوراً في إثارة تهمة الإرجاء واتهام العلماء بذلك: هو سفر الحوالي، وقد أخذ هذا الفكر التكفيري من أستاذه محمد قطب، والذي ثمَّن جهوده في رسالته "العلمانية" قائلاً: ((وكان من هؤلاء الرجال: الشيخ الفاضل محمد أمين المصري رحمه الله "الرئيس السابق لقسم الدراسات العليا بكيلة الشريعة بمكة المكرمة" الذي بذل جهده لإدخال مادة "المذاهب الفكرية" ضمن برنامج الدراسات العليا لفرع العقيدة، وكان من توفيق الله تعالى أن عهد بتدريس هذه المادة إلى علم من أعلام الفكر الإسلامي المعاصر، هو الأستاذ " محمد قطب" حفظه الله، وكان من توفيقه سبحانه لكاتب هذا البحث أن يلتحق بفرع العقيدة، وأن يختار رسالته لنيل درجة التخصص الأولى "الماجستير" في هذه المادة وعلى يد ذلك الأستاذ... إلى أن قال: وقد عرفتُ منذ اللحظة الأولى أن مهمتي ليست بيسيرة، وأن عليَّ أن أخوض في ميادين بعيدة عن مجال دراستي الشرعية البحتة، جاعلاً كل قراءاتي السابقة في الفكر الغربي بمثابة التمهيد فقط لما يجب علي أن أنهض به، وفعلاً خصصتُ نصف المدة المحددة للرسالة تقريباً في اطلاع دائب وقراءة متواصلة، مسترشداً بالتوجيهات القيمة والآراء السديدة التي كان أُستاذي الفاضل يزودني بها باستمرار، فاطلعتُ على أمهات النظريات والاتجاهات في السياسة والاقتصاد والعلم والاجتماع والأدب والفن)).
وقال في مقدِّمة رسالته "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي": ((هذا ولا يفوتني أن أتقدَّم بخالص الشكر وعظيم التقدير إلى أستاذي الكريم الأستاذ محمد قطب؛ الذي بذل من الوقت الثمين والرأي الصائب ما كان له أثره البالغ في إنجاز هذه الرسالة وتقويمها)).
وما كتبه سفر الحوالي من رسالتيه "العلمانية" و "ظاهرة الإرجاء" إنما كان بإختيار مدروس ومخطط له من قبل أستاذه، فرسالة العلمانية الغاية منها تكفير الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من غير تفصيل، قال الحوالي فيها: ((إنَّ العلمانية تعني بداهة: الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا هو معنى قيام الحياة على غير الدين، ومن ثم فهي بالبديهة أيضاً: نظام جاهلي لا مكان لمعتقده في دائرة الإسلام، بل هو كافر بنص القرآن الكريم: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ"))، ووصف سفر الحوالي الأمة في رسالته "العلمانية" بالجاهلية، واتهم الأمة بالكامل أو شبه الكامل بأنها لم تفهم مدلول لا إله إلا الله أيضاً فقال في بداية مقدمة العلمانية: ((ثم أخذ شأن الأمة الإسلامية في الانحطاط وحضارتها في الذبول، وفقدت شيئاً فشيئاً مركزها المرموق ومنزلتها السامية، ولم يكن لذلك من سبب إلا أن نور "لا إله إلا الله" قد خفت، ومقتضياتها قد أهملت، ومدلولاتها قد انحسرت، ولما كانت كلمة "لا إله إلا الله" هي روح هذه الأمة وسر وجودها ومنبع حياتها، فإنها ظلت تفقد من ذاتيتها وأصالتها بمقدار ما تفقد من نور هذه الكلمة العظيمة، حتى آل الأمر في العصور الأخيرة إلى الفقدان الكامل أو شبه الكامل))، وعاد الحوالي بتفسير التوحيد والشرك إلى الحكم من جديد بطريقة اللف والدوران فقال: ((وعلى هذا نستطيع القول: بأنَّ الشرك - ذنب البشرية الأكبر ومدار الصراع بين الأمم والرسل - هو عبادة الطاغوت مع الله أو من دونه في أمرين متلازمين: "الإرادة والقصد" و "الطاعة والاتباع".
أما شرك الإرادة والقصد: فهو التوجه إلى غير الله تعالى بشيء من شعائر التعبد؛ كالصلاة والقرابين والنذور والدعاء والاستغاثة تبعاً للسذاجة الجاهلية القائلة: "مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"، وطاغوت هذا النوع هو الصنم أو الوثن أو الجني أو الطوطم ... إلخ.
وأما شرك الطاعة والاتباع: فهو التمرد على شرع الله تعالى وعدم تحكيمه في شئون الحياة بعضها أو كلها، وهو مفرق الطريق بين الإسلام والجاهلية، كما أنه السمة المشتركة بين الجاهليات كلها على مدار التاريخ، وبه استحقت أن تسمى جاهلية مهما بلغ شأنها في الحضارة والمعرفة: "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ"، "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه"، وطاغوت هذا النوع هو الزعماء والكهان والكبراء والأنظمة والأوضاع والتقاليد والأعراف والقوانين والدساتير والأهواء ... إلخ.
والواقع أنَّ كلا النوعين من الشرك مردهما إلى أصل واحد: وهو تحكيم غير الله والتلقي عنه، فإنَّ مقتضى تحكيمه وحده ألا تتوجه البشرية إلى غيره بأي نوع من أنواع العبادة والقربات، وألا تتوجه وتسير في حياتها كلها إلا وفق ما شرع لها في كتبه وعلى لسان رسله، قال تعالى: "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ"، فرد الأمر كله إلى الله واتخاذه وحده حكماً في كل شيء هو بعينه العبادة التي أمر الله ألا يصرف شيء منها لغيره، وهذا هو ذات الدين القيم الذي لا يرضى الله تعالى سواه، وإن جهله أكثر الناس على مدار التاريخ.
إذا تقرر هذا: فكل ما يجابه هذه الحقيقة أو جزءاً منها فهو طاغوت؛ في أي صورة كان، وفى أي عصر ظهر، ولا يكون الإنسان فرداً أو مجتمعاً شاهداً ألاَّ إله إلا الله حقيقة إلا بالكفر بهذا الطاغوت والبراءة منه وأهله.
من أجل ذلك: كان العربي الذي يقول هذه الكلمة على عهد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينخلع عن الجاهلية انخلاعاً تاماً، وينسلخ من كل أعرافها وأوضاعها وقيمها وموازينها وإيحاءاتها وينضم إلى موكب الإيمان وهو متجرد لله منقاد لأوامره بلا تردد أو استثناء)).
وقد بيَّن سفر الحوالي أنَّ السبب الذي يعود إلى انتشار العلمانية في الأمة الإسلامية هو الفكر الإرجائي، ولهذا اختار موضوع الإرجاء في رسالة الدكتوراه، وقد قال في مقدمة "ظاهرة الإرجاء": ((وقد بدأتُ ذلك برسالة "التخصص الأولى" التي كان موضوعها "العلمانية: نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية"، ثم ثنيتُ بهذه الرسالة لنيل درجة التخصص العليا، فكانت الأولى: تعالج فصل الدين عن الحياة، والأخرى تعالج فصل الإيمان عن العمل، كلتاهما على ضوء هذه العقيدة, ومن هنا كانتا تعبران عن قضية واحدة وإن تباعد موضوعاهما ظاهراً، وقد كانت الأولى بلا ريب طريقاً للأخرى؛ فمن خلال الدراسة لأسباب العلمانية الطاغية على الحياة الإسلامية المعاصرة رأيتُ رأي العين أنَّ سبب كل انحراف وذل وهزيمة وفرقة في حياتنا لا يزيد عن شيء واحد هو البعد عن منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك وسبيل الإصلاح)).
وقد حكم سفر الحوالي على عموم الأمة بالإرجاء فقال في مقدمة رسالته: ((ومن هنا انصب الاهتمام على "ركن العمل" وضرورته للإيمان والدعوة، وكيف تخلت الأمة عنه مكتفية من الإيمان بالاسم والإقرار.
وهنا لا بد من بيان حقيقة مهمة كان لها أثرها البالغ في منهج البحث: وهي أنَّ الإرجاء لم يكن - في الأصل - دعوة واعية مقصودة لترك العمل والتفلت من الطاعات، وإنما كان تفسيراً ضالاً لحقيقة الإيمان أنتجته أسباب تاريخية شرحناها في موضعها.
ولكن الأمة وهي تتراخى عن العمل بالتدريج وتنفلت من الواجبات وتنحدر عن قمة الامتثال رويداً رويداً فكانت تجد في الإرجاء تفسيراً مريحاً يبرر لها تراخيها وتفريطها، وهذه حقيقة نفسية معروفة؛ فكل ما انحسر عنه العمل واقعياً ستره ثوب الإرجاء الواسع نظرياً.
ولهذا لم يكن المرجئة القدماء بحاجة إلى أكثر من كشف شبهاتهم النظرية وردهم بالدليل العلمي الصريح، ولكن الحال تغير بعد انتشار الظاهرة وسيطرتها؛ إذ أصبحت الأمة في القرون الأخيرة تتبنى الإرجاء عقيدة ومنهجاً، وتعد مخالفه خارجاً مارقاً، وتضبط دينها وأحكام إيمانها بأصوله وقواعده.
فصارت تعتقد أنَّ التصديق القلبي المجرد من قول اللسان وعمل الأركان هو حقيقة الإيمان الذي أنزل به الله الكتب وبعث به الرسل وجعله مناط النجاة من عذابه في الآخرة، وتبني على ذلك لوازم وأحكاماً، أهونها تخطئه السلف في إجماعهم على أنه قول وعمل وعدم تكفير طوائف من المرتدين، وأصبح معنى كون الصلاة والزكاة والصيام والحج أركاناً للإسلام هو اعتقاد وجوبها والإقرار به وإن لم يعمل من ذلك شيئاً، ونحو ذلك مما يستغربه الناظر أول وهلة، ثم يتأمل فإذا هو عندهم حقيقة واقعة.
والأدهى من ذلك أن تقوم بعض اتجاهات الدعوة الإسلامية - التي عملها وغرضها في الأصل إعادة الناس إلى حقيقة الإيمان اعتقاداً وعملاً - على هذا الفكر العقيم، وتتبناه وتدعوا إليه)).
وقد أفصح سفر الحوالي عن نقطة البحث التي يسعى الوصول إليها في رسالته "ظاهرة الإرجاء"، والتي بسببها اتهم الأمة وعلماءها سلفاً وخلفاً بالإرجاء فقال في مقدمة الرسالة: ((والباب الخامس: بيان أنَّ الإيمان حقيقة مركبة من ركني القول والعمل، توصلاً بذلك إلى معرفة بطلان مذهب في حكم تارك العمل مطلقاً، وبيان حكم صاحب الكبيرة على ضوء ذلك، وسبب ضلال الفرق فيه، ثم نقض أهم الشبهات النقلية للمرجئة على أنَّ العمل غير داخل في الإيمان))، وقال في [الباب الخامس: الإيمان حقيقة مركبة، وترك جنس العمل كفر]: ((وبهذا يتبين لطالب الحق: أنَّ تركَ الأركان الأربعة وسائر عمل الجوارح كفرٌ ظاهراً وباطناً؛ لأنه تركٌ لجنسِ العملِ الذي هو ركنُ الحقيقة المركبة للإيمان؛ التي لا وجود لها إلا به، هذا مما لا يجوز الخلاف فيه، ومن خالف فيه فقد دخلت عليه شبهة المرجئة شعر أو لم يشعر)).
وقال 2/419: ((بل مذهب السلف: أنَّ تارك العمل بالكلية كافر؛ إذ انعقد إجماع الصحابة عليهم رضوان الله على تكفير تارك الصلاة، ولم يخالف في ذلك أحد، حتى ظهرت المرجئة، وتأثر بها بعض أتباع الفقهاء الآخرين دون علم بأنَّ مصدر الشبهة وأساسها هو: الإرجاء)).
وذكر سفر الحوالي في باب [حقيقة الإيمان وارتباط العمل به/ المبحث الأول: ارتباط العمل بحقيقة الدين والدعوة 2/96] عدة أسئلة حول موضوع ارتباط العمل بالإيمان ثم قال: ((وقد وجدتُ أنَّ أفضل من أجاب على هذه الأسئلة من فقهاء الدعوة المعاصرين هو: الأستاذ سيد قطب رحمه الله!، وهأنذا أنقل من كلامه ما يفيد ذلك؛ مع بعض زيادات توضيحية)).
وصرَّح الحوالي مراراً باتهام الشيخ الألباني رحمه الله بالإرجاء لأنه لا يكفِّر تارك العمل ولأنه يعتقد أنَّ أعمال الجوارح من كمال الإيمان ولأنه لا يكفِّر الحاكم بغير ما أنزل الله إلا إذا جحد أو استحل، فقال في حاشية "ظاهرة الإرجاء": ((والمؤسِف للغاية: أنَّ بعضَ علماء الحديث المعاصرين الملتزمين بمنهج السلف الصالح قد تبعوا هؤلاء المرجئة في القول بأنَّ الأعمال شرط كمال فقط!، ونسبوا ذلك إلى أهل السنة والجماعة، كما فعل أولئك الذين ذكرنا بعضهم أعلاه، ولا أدري كيف يوافقون هؤلاء في هذه المسألة العظيمة من مسائل العقيدة التي جاء بيانها في الكتاب والسنة وإجماع السلف كما تقدم، وتظافرت عبارات السلف على ذمِّ من خالف فيها ووصفه بالبدعة والضلال كما أسلفنا، وهم من ذلك ينفرون منه أشد النفور، بل ربما حرصوا على مخالفتهم في أمور أهون من هذه بكثير، بل ليست من مسائل الاعتقاد أصلاً، وإذا كان مثل هذا يغتفر للعالم المجتهد الكبير ويضيع في بحر حسناته وفضائله، فإنه لا يغتفر للذين يقلدونه في ذلك من طلبة العلم، هداني الله وإياهم للصواب، انظر: رسالة حكم تارك الصلاة المنسوبة للشيخ الألباني ص42)).
وقال في الحاشية أيضاً: ((والمؤسِفُ مع هذا: أنَّ الشيخ الألباني حفظه الله أخذ بكلام أهل الإرجاء المحض من غير تفصيل؛ حيث جعل التارك الكلي مؤمناً من أهل الشفاعة، وركَّبَ رسالته كُلَّها على هذا)).
وقال: ((وهذا قِسمٌ آخر غير ما يسميه بعض الفقهاء الكفر العملي ويقصدون به الأصغر فقط، فيجب التنبه لهذا، لأنَّ الخلط بينهما قد يؤدِّي إلى الظنِّ بأنَّ كفر العمل كله لا يخرج من الملة، وهذا هو حقيقة مذهب المرجئة كما رأيت، ومن ذلك ما وقع للشيخ الألباني كما في رسالة "حكم تارك الصلاة" ص42-44)).
ثم عمم سفر الحوالي الحكم بالإرجاء والبدعة ومخالفة الإجماع على كل من خالف في تكفير أحد المباني الأربعة فقال: ((مَنْ خالف في تكفير تارك أحد المباني الأربعة - ولا سيما الصلاة - لا ينبغي الاعتداد بخلافه!، بعد ثبوت الإجماع من الصحابة رضى الله عنهم في تكفير تارك الصلاة والزكاة، وما أشرنا إليه بالنسبة للصيام والحج، فمع كثرة المخالفين من المتأخرين لم يستطع أحدٌ منهم الإتيان بنقل ثابت صريح عن صحابي أو تابعي يخالف ذلك، وذلك أنَّ أول مَنْ قال به هم المرجئة!، ثم تبعهم من تبعهم!، ومتى عرف المرء ذلك؛ تبين له: أنَّ هذا القول خارج عن أقوال أهل الاجتهاد إلى أهل البدع؛ وإنْ لم يكن كل مَنْ قال به من أهل البدع)).
بل لم يعتبر الحوالي تكفير تارك أحد المباني الأربعة من المسائل الخلافية وغلَّط كلَّ من قال بأنَّ السلف اختلفوا في ذلك؛ فقال: ((وهكذا فإطلاق القول بتكفير تارك الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج صحيح موافق لقاعدة أهل السنة في الإيمان كل الموافقة؛ وهو ليس من جنس تسمية بعض العصاة كفاراً وتسمية بعض المعاصي كفراً، والقول بأنَّ المسألة خلافية هكذا بإطلاق غير صحيح، إلا أن يراد عموم الأمة لا خصوص السلف ومن اتبعهم)).
ولما ضرب الأئمة الثلاثة وغيرهم من كبار العلماء والمشايخ في هذا العصر القطبية والسرورية والحوالية بقوس واحد ونكَّلوا بهم وحذَّروا منهم في بياناتهم ورسائلهم ومجالسهم، خفت صوتهم مدة من الزمن، وارتاح السلفيون من شرهم، لكنَّ هذا الصوت عاد بلسان جديد وهو المدعو محمود الحداد المصري.
جاء محمود الحداد من مصر إلى معقل التوحيد والسنة لإثارة الفتنة بين السلفيين ولقطع الصلة الوثيقة بين العلماء الربانيين وبين الشباب السلفي، كما جاء قبله محمد قطب وقبله محمد الغزالي، فهؤلاء خرجوا من مصر معقل الإخوان المسلمين إلى معقل التوحيد والسلفيين لإفساد عقائد الشباب وقطع علاقتهم وارتباطهم بالعلماء.
ولم يلتق هذا المتعالم محمود الحداد بعالم من علماء العصر كالشيخ الألباني والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ النجمي والشيخ محمد آمان جامي والشيخ الفوزان والشيخ اللحيدان وغيرهم من كبار المشايخ، بل انطوى على نفسه وتظاهر بالسلفية والعلم والتفَّ حوله بعض الأغمار من الشباب، ومن أكثر المسائل التي كان الحداد يثيرها أخطاء الشيخ الألباني رحمه الله في العقيدة وغيرها، وألَّف كتاباً ضخماً في ذلك سماه "الخميس" أي الجيش العرمرم الزاحف!، وزعم في بعض كتبه أنَّ ((عامة المسلمين من زمن على الإرجاء))، واتهم الإمام البربهاري رحمه الله بتهمة الإرجاء صريحاً، واتهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بتهوين شأن الإرجاء لأنه عد الخلاف مع مرجئة الفقهاء أكثره لفظي، وقد قال الشيخ ربيع حفظه الله في كتابه "طعونات الحداد": ((طعن فيه بأنَّ قوله هذا تهوين من شأن الإرجاء، وما أدراك ما نظرة القطبيين والتكفيريين إلى الإرجاء؟! إنها أخطر البدع عندهم، وعلى رأسهم محمد قطب الذي يهذي به كثيراً لينال من أهل السنة، ويرى أنه لا يقل عن العلمانية إن لم يكن شراً منها، وما رأيتُ أحداً يزيد على محمد قطب في الهذيان بالإرجاء إلا الحداد الماكر، وكم مرة ذكره في هذا الكتاب، وكم مرة ذكره في غيره, ليطعن به الأبرياء منه، وقد وصم عامة الناس بالأرجاء الغالي في أول كتاب "عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة"، فوصفهم بأنهم ظنوا أنَّ الإسلام يجبُّ ويهدم كل شرك أو بدعة تخالطه، فما يضر المسلم مع الإسلام معصية ولو كانت الشرك أو الضلال أو الفسوق، وهذا الإرجاء الذي فشا فيهم، فالإرجاء أنواع شرها هذا الذي ذكره، بل غلاة المرجئة يقولون: لا ينفع مع الكفر طاعة، ويحمل الحداد حملات شعواء على مرجئة الفقهاء موهماً أنهم قد ارتكبوا شر أنواع الإرجاء، وبعد هذا التهويل بالإرجاء يأتي إلى شيخ الإسلام ابن تيمية فيطعن فيه بأنه يهون من الإرجاء؛ أي هذا الإرجاء الذي يحذر وينذر من خطره الحداد الناصح الأمين!, فأين ابن تيمية المهوِّن من هذه الجريمة الكبيرة التي يرى المنغمسون فيها أنه لا يضر مع الإسلام ذنب ولو كان الشرك أو الفسوق من الحداد الناصح الأمين والنذير العريان؟!))، وطعن الحداد بالطحاوية وشارحها ابن أبي العز ومن يوصي بهما من العلماء المعاصرين بدعوى أنَّ فيهما بلايا عظيمة وإرجاء وتجهماً وعلم الكلام وليناً، علماً أنَّ شرح الطحاوية أغلبه مأخوذ من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله كما لا يخفى على طالب علم!، وقد تكلَّم الحداد في مشايخ المدينة ولم يُعلم عنه الكلام في القطبية والسرورية ولا في زعيمهم سيد قطب، بل بلغ به الأمر أن يطعن بعلماء بلاد الحرمين في وقت أزمة الخليج ويصفهم بعلماء السوء وعبيد السلطة، وكان مما يقرره الحداد أيضاً عدم التفريق بين المبتدع الداعي إلى بدعته وبين غير الداعي كما لا يفرِّق بين المبتدع كسيد قطب وأمثاله وبين من وقع في بدعة من العلماء المشهود لهم بالخير ولهم جهود كبيرة في الانتصار للسنة والرد على البدع ونشر العلم الموروث عن السلف الصالح كالشوكاني وابن حجر وأمثالهم، وكان لا يجيز الترحم على هؤلاء العلماء الذين وقعوا في شيء من البدع ويحذِّر منهم ومن كتبهم.
وكان ممن يدفع بالحداد في إثارة هذه الفتنة ويروِّج فكره ويجادل عنه: المدعو عبد اللطيف باشميل، لكنه لما رأى أنَّ علماء بلاد الحرمين تنبهوا لخطر الحداد وفكره على الشباب السلفي، وحذَّروا منه وأُخرج من بلاد الحرمين أصبح باشميل يتبرأ من الحداد ويطعن به ويصفه بالمكر والخبث والانحراف، لكنه لم يتبرأ من طريقته في الغلو في التكفير والتبديع، بل حمل رايته من بعده، وأظهر الطعونات في الشيخ الألباني رحمه الله في عقيدته وسلفيته وجهوده العلمية وفي مسائل اجتهادية في كتاب سماه "الفتح الرباني في الردِّ على أخطاء دعوة الألباني"، وزعم باشميل أنَّ الشيخ الألباني يختلف عن عقيدة مشايخ بلاد الحرمين من جهة العذر بالجهل وعدم تكفير من وقع في الشرك الأكبر حتى تقام عليه الحجة وعدم تكفير ساب الله والرسول وتقرير مسائل الإيمان والعمل مثل الكفر الاعتقادي والكفر العملي وشرط الاستحلال والجحود، واستغل الباشميل أزمة الخليج وموقف الشيخ الألباني منها في ترويج طعوناته فيه، كما زعم أنَّ مشايخ المدينة مقلِّدة للشيخ الألباني ومتعصبة له يقررون ما يقرره ولا يقبلون نقده وتخطئته، وأنهم منظمة سرية الغاية منها صرف الناس في بلاد الحرمين عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأئمة الدعوة من بعده، وقد أشاع باشميل الكذب والأباطيل واستعمل أساليب المكر والخديعة في الطعن في الشيخ ربيع حفظه الله والتنفير منه، وقد التفَّ حوله جماعة من الشباب الأغمار، وقد قام بعضهم بحرق كتاب فتح الباري لابن حجر رحمه الله، ومنهم من اتهم الألباني بالتجهم والإرجاء والبدعة؛ بل منهم من صرَّح بكفره، فلما ظهر أمر هؤلاء وانتشر خبرهم عند كبار العلماء حذَّروا منهم ومن غلوهم في التبديع والتكفير، ومن أبرز هؤلاء العلماء الذين ردوا على عبدالطيف باشميل وحزبه الشيخ ربيع حفظه الله، فخمد ذكرهم وانطوت صفحتهم.
ثم جاء بعد هؤلاء: فالح الحربي وفوزي البحريني وزمرتهم الآثمة الفاجرة فأحيوا فكر الحوالي والحداد وباشميل جميعاً من جديد، وأثاروا عين المسائل التي دندن حولها أولئك في التكفير أو التبديع، كمسألة تكفير تارك جنس العمل والعذر بالجهل وساب الله والرسول وشرط الكمال والصحة وغيرها، ومسألة عدم التفريق بين المبتدع وبين من وقع في البدعة من العلماء المشهود لهم بالخير والعلم والفضل ومسألة عدم التفريق بين المبتدع وبين الداعي إلى بدعته، وأحدثوا زيادة على ذلك أصولاً فاسدة في الجرح والتجريح لا دليل عليها ولا أثارة من علم، وفتحوا موقعاً لهم باسم "الأثري"، يشرف عليه ويكتب فيه الغلاة من سفهاء الأحلام وصغار الأسنان، وقد رموا المخالفين لهم من السلفيين الصادقين بالإرجاء والتجهم والتمييع، وطعنوا في عقيدة الشيخ الألباني رحمه الله وغيره من علماء العصر ومشايخ السنة، وغمزوا بكبار العلماء، وأثاروا حرباً ضروساً مبنية على الكذب والتلبيس ضد الشيخ ربيع حفظه الله، وتنبَّه كثيرٌ من المشايخ لفتنهم وحذَّروا منهم، فتبدد شرهم واستراح السلفيون من فتنتهم وجدالهم المقيت.
ثم جاء بعد هؤلاء: الحدادية الجدد من أمثال عبد الله الجربوع وملفي الصاعدي وأحمد بن عمر الحازمي وعادل آل حمدان وعبد الله الغامدي وعبد الحميد الجهني وبدر بن طامي، وكل من يتهم الشيخ الألباني رحمه الله والشيخ ربيعاً حفظه الله والمشايخ وطلبة العلم السلفيين بالإرجاء أو موافقة المرجئة؛ ويطعن في العلماء الذين يخالفونه في مسألة تكفير تارك العمل وتارك الصلاة ومن يحكم بالقوانين الوضعية وعدم العذر بالجهل، ويتهمهم بالإرجاء ومخالفة إجماع السلف، ويشكِّك في عقيدتهم ويحذِّر منهم وينفِّر عنهم، وهؤلاء لهم موقع خاص بهم لا يطرحون فيه في الغالب إلا هذه المسائل، ولا يحذِّرون فيه أو يردون إلا على السلفيين من مشايخ وطلبة علم يُسمى هذا الموقع بـ (الآفاق).
أقول بعد هذا السرد:
هذه هي سلسلة هؤلاء الحدادية الجدد، وأولئك هم أسلافهم، ومن تتبع مقالات الحدادية الجدد في مسائل الإيمان والكفر لا يجدها تختلف عن رسائل ومقالات الحدادية الأوائل كمحمود الحداد وعبداللطيف باشميل وفالح الحربي وفوزي البحريني في موقعهم الأثري، ولا تختلف عن تقريرات سفر الحوالي في كتابه "ظاهرة الإرجاء" ومحمد أبو رحيم في كتابيه "حقيقة الخلاف بين السلفية الشرعية وأدعيائها في مسائل الإيمان" و "حقيقة الإيمان عند الشيخ الألباني"، ولا عن كتابات محمد قطب في "واقعنا المعاصر" و "مذاهب فكرية معاصرة" و "جاهلية القرن العشرين"، ولا عن تأصيلات عبد القادر عبد العزيز في "الجامع في طلب العلم الشريف"، وأبي محمد المقدسي عصام البرقاوي في " تبصير العقلاء بتلبيسات أهل التجهم والإرجاء"، وأبي بصير عبد المنعم مصطفى حليمة في "الإنتصار لإهل التوحيد والرد على من جادل عن الطواغيت"، وعبدالكريم الشاذلي في كتابه "الشيخ الألباني بين القول بالإرجاء والانتصار لمن بدل شرع الله من المرتدين"، ومحمد بو النيت المراكشي في "عقيدة أدعياء السلفية في ميزان أهل السنة والجماعة"، وهذه الكتابات لا تختلف عن صرخات سيد قطب في مجمل كتاباته التي تضج بالتكفير والكلام في الحاكمية.
وهذا كله يؤكِّد ما قاله الشيخ ربيع حفظه الله في هؤلاء؛ وأنهم من إفرازات الخوارج القطبية الحوالية الحدادية، وكل هؤلاء اتفقوا على أمرين:
الأول: تكفير المسلم الموحِّد بمجرد ترك العمل وفعل الكبائر والحكم عليه بالخلود وعدم نيل الشفاعة.
والثاني: الطعن في ولاة الأمر المعاصرين من الحكام والعلماء.
وبعض هؤلاء أشد من بعض وأصرح في التكفير، وبعضهم في أول الطريق.================:
ـ:
( شنشنة أعرفها من أخزم )؛ وإلا فلماذا إصراره على الردّ على المرجئة ـ وهي فِرقة قديمة ـ لولا أن= من علمائهم بسبب أن هؤلاء يُفَصِّلون في قضية الحكم بغير ما أنزل الله ولا يُكفِّرون مطلقًا؛ بل لا أدري هل تنبّه القاريء إلى أن هذا الرجل ضاعف حديثه عن الإرجاء ف==!! فانظر مثلاً كتبه:» الصحوة الإسلامية « و» التفسير الإسلامي للتاريخ « و» واقعنا المعاصر « ... مع أنك لا تكاد تعثر على هذه الكلمة ـ الإرجاء ـ في كتبه القديمة، مما يدلك على أنه استلّها من قاموس السلفيين بعد أن سكن ديارهم ليحاربهم بها، ولعله لم يَسمع بها من قبل! وقد كان نائب علي بن حاج في الجبهة الجزائرية المسمَّى الهاشمي سحنوني يُلقِّب كلَّ مَن لا يُكفِّر الحكام بهذا اللقب: ( مرجيء! ) فلما سألتُه عن مصدره قال: محمد قطب وعبد الرحمن عبد الخالق!!
ولم يقف محمد قطب عند هذا حتى أغرى أحدَ أبناء الجزيرة العربية ليكتب في ذلك، كل ذلك توكيداً منه للاهتمام بمعالجة داء الإرجاء المسيطر على علمائها في زعمه!! ولا تكاد تجد كتاباً أُلِّف اليوم في الإرجاء إلا وعليه بصماته؛ من تقديم أو استشهاد مؤلِّفه بأقواله؛ فانظر مقدّمته الحافلة لكتاب تلميذه الحميم سفر الحوالي » ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي «، ثم هي حُذِفَت الآن في طبعته الرسمية!! بل تجد هذا الأخير في كتابه
» العلمانية « يأتي بآية الحكم بغير ما أنزل الله من غير تعريج على تفسير السلف لها، وعلى رأسهم التفسير المشهور والصحيح الإسناد عن حبر الأمة عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما وغيره! فهل يعني هذا أنه غير راضٍ بالتفصيل السلفي المأثور في المسألة؟ انظر ص (685) وما بعدها لترى كيف يُنَزِّل الحكمَ من ظاهر الآية السابقة على عموم حكام المسلمين حتى يُخَيَّل إلى القاريء أن لا تأويل للآية عند السلف إلا ذلك التعميم! وتأمّل في كتابه هذا عدد النقولات الهائلة عن شيخه إلى جنب نقولاته الهزيلة عن السلف تفهم ما قلتُه! وقد وجدتُ عند الشيخ الألباني كلاما رصينا في المسألة، فقد سئل عما يأتي:
" فضيلة الشيخ! لا يخفى عليكم ما احتوته الساحة الأفغانية ( في ذلك الوقت ) من الجماعات والفرق الضالة التي كثرت في ذلك الحين في صفوفها، والتي استطاعت
ـ وللأسف ـ أن تبثّ أفكارها الخارجة عن منهج السلف الصالح في شبابنا السلفي الذي كان يجاهد في أفغانستان، ومن هذه الأفكار: تكفير الحكام وإحياء السنن المهجورة كالاغتيالات كما يدَّعون، والآن وبعد رجوع الشباب السلفي إلى بلادهم ( بعد الجهاد ) قام بعضهم ببثّ هذه الآراء والشبه بين الشباب في مجتمعاتهم ... ".
فأجاب بعد أن بيَّن خطورة تنكّب تفسير السلف للوحيين: " فكان أمرا طبيعيا جدا أن ينحرفوا كما انحرف من سبقهم عن كتاب الله وسنة رسول الله ومنهج السلف الصالح، ومن هؤلاء: الخوارج قديما وحديثا؛ فإن أصل التكفير الذي ذكرناه في هذا الزمان: الآية التي يُدَندِنون حولها؛ ألا وهي قوله تعالى:{ومَن لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} .. فمن جهل الذين يحتجون بهذه الآية .. أنهم لم يُلِمُّوا على الأقل ببعض النصوص التي جاء فيها ذكر لفظة الكفر؛ فأخذوها على أنها تعني الخروج من الدين، وأنه لا فرق بين هذا الذي وقع في الكفر وبين أولئك المشركين من اليهود والنصارى ... ويُسلِّطون هذا الفهم الخاطيء على كثيرين وهم بريئون منه ... ".
ثم تحدّث عن تفسير ابن عباس الذي يحاول محمد قطب وأتباعه جعله وصفاً خاصاً بخلفاء بني أمية، فقال: " وكأنه ـ أي ابن عباس ـ طرق سمعه يومئذ ما نسمعه اليوم تماما، أن هناك أناسا يفهمون الآية على ظاهرها دون تفصيل، فقال : ليس الكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة، هو كفر دون كفر ... إلى أن قال : " فابن تيمية
ـ يرحمه الله ـ وتلميذه وصاحبه ابن قيم الجوزية يدندنان دائما حول ضرورة التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي؛ وإلا وقع المسلم من حيث لا يدري في فتنة الخروج عن جماعة المسلمين التي وقع فيها الخوارج قديما وبعض أذنابهم حديثا ...". ثم ذكر بعض ما جرى بينه وبين بعض المخالفين أنه قال لهم: " فأنتم أولا لا تستطيعون أن تحكموا على كل حاكم يحكم بالقوانين الغربية الكافرة أو بكثير منها أنه لو سئل لأجاب بأن الحكم بهذه القوانين هو الحق والصالح في هذا العصر، وأنه لا يجوز الحكم بالإسلام، لو سئلوا لا تستطيعون أن تقولوا بأنهم يجيبون بأن الحكم بما أنزل الله اليوم لا يليق؛ وإلا لصاروا كفارا دون شك ولا ريب، فإذا نزلنا إلى المحكومين وفيهم العلماء، وفيهم الصالحون
والخ .. فكيف تحكمون عليهم بالكفر بمجرد أن تروهم يعيشون تحت حكم يشملهم كما يشملكم أنتم تماما، لكنكم تعلنون أن هؤلاء كفار بمعنى مرتدين ... ". ثم تكلم عن الحاكم بغير ما أنزل الله فقال: " فلا تستطيع أن تقول بكفره حتى يعرب عما في قلبه؛ بأنه لا يرى الحكم بما أنزل الله ، وحينئذ فقط تستطيع أن تقول إنه كافر كفر ردّة ... ثم كنت ولا أزال أقول لهؤلاء الذين يدندنون حول تكفير حكام المسلمين: هبُوا أن الحكام كفار كفر ردّة، ماذا يمكن أن تعملوه؟ هؤلاء الكفار احتلوا من بلاد الإسلام، ونحن هنا مع الأسف ابتلينا باحتلال اليهود لفلسطين، فماذا نستطيع نحن وأنتم أن نعمل مع هؤلاء حتى تستطيعوا أنتم مع الحكام الذين تظنون أنهم من الكفار؟ هلا تركتم هذه الناحية جانبا وبدأتم بتأسيس القاعدة التي على أساسها تقوم قائمة الحكومة المسلمة؟ وذلك باتباع سنة رسول الله التي ربَّى أصحابه عليها .. وذلك ما نعبِّر عنه في كثير من مثل هذه المناسبة بأنه لا بدّ لكل جماعة مسلمة تعمل بحق لإعادة حكم الإسلام، ليس فقط على أرض الإسلام، بل على الأرض كلها، تحقيقا لقوله تبارك وتعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ}، وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن هذه الآية ستتحقق فيما بعد؛ فلكي يتمكن المسلمون من تحقيق هذا النص القرآني: هل يكون الطريق بإعلان الثورة على هؤلاء الحكام الذين يظنون أن كفرهم كفر ردّة، ثم مع ظنهم هذا ـ وهو ظنٌّ خاطيء ـ لا يستطيعون أن يعملوا شيئا! ما هو المنهج؟ ما هو الطريق؟ لاشك أن الطريق هو ما كان رسول الله يدندن حوله ويذكِّر أصحابه به في كل خطبة: (( وخير الهدى هدى محمد ))؛ فعلى المسلمين كافة وخاصة منهم من يهتمّ بإعادة الحكم الإسلامي أن يبدأ من حيث بدأ رسول الله : وهو ما نكني نحن عنه بكلمتين خفيفتين: ( التصفية والتربية )؛ ذلك لأننا نحن نعلم حقيقة يغفل عنها أو يتغافل عنها في الأصح أولئك الغلاة الذين ليس لهم إلا إعلان تكفير الحكام، ثم لا شيء؛ وسيظلون يعلنون تكفير الحكام ثم لا يصدر منهم إلا الفتن؛ والواقع في هذه السنوات الأخيرة التي يعلمونها بدْءاً من فتنة الحرم المكي إلى فتنة مصر وقتل السادات وذهاب دماء كثير من المسلمين الأبرياء، بسبب هذه الفتنة، ثم أخيرا في سورية، ثم الآن في مصر والجزائر مع الأسف .. الخ. كل هذا بسبب أنهم خالفوا كثيرا من نصوص الكتاب والسنة، وأهمها:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} ... بماذا بدأ رسول الله ؟ تعلمون أنه بدأ بالدعوة بين الأفراد الذين كان يظن فيهم الاستعداد لتقبّل الحق، ثم استجاب له من استجاب كما هو معروف في السيرة النبوية، ثم التعذيب والشدة التي أصابت المسلمين في مكة، ثم الأمر بالهجرة الأولى والثانية إلى آخر ما هنالك، حتى وطَّد الله الإسلام في المدينة المنورة، وبدأت هنالك المناوشات، وبدأ القتال بين المسلمين وبين الكفار من جهة، ثم اليهود من جهة أخرى، وهكذا. إذاً لا بدّ أن نبدأ نحن بتعليم الناس الإسلام كما بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن نحن الآن لا نقتصر على التعليم؛ لأنه دخل الإسلام ما ليس منه ولا يمُتّ إليه بصلة ... فلذلك كان من الواجب على الدعاة أن يبدأوا بتصفية هذا الإسلام مما دخل فيه، والشيء الثاني: أن يقترن مع هذه التصفية تربية الشباب المسلم الناشيء على هذا الإسلام المصفَّى، ونحن إذا درسنا الجماعات الإسلامية القائمة الآن منذ نحو قرابة قرن من الزمان، لوجدنا كثيرا منهم لم يستفيدوا شيئا، برغم صياحهم وبرغم ضجيجهم بأنهم يريدونها حكومة إسلامية، وسفكوا دماء أبرياء كثيرين بهذه الحجة دون أن يستفيدوا من ذلك شيئا؛ فلا نزال ===================).
قال العلامة عبد العزيز بن باز معلّقا على هذا المقال: " فقد اطَّلعتُ على الجواب المفيد القيِّم الذي تفضَّل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ وفّقه الله ـ المنشور في صحيفة » المسلمون « الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل، فألفيتُها كلمة قيِّمة قد أصاب فيها الحق، وسلك فيها سبيل المؤمنين، وأوضح ـ وفّقه الله ـ أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يكفِّر من حكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل من دون أن يَعْلم أنه استحلَّ ذلك بقلبه، واحتجّ بما جاء في ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن غيره من سلف الأمة .. " ( » المسلمون « 12/5/1416هـ ـ عدد:557، ص 7).
وعودا على بدء أقول: إن هذا الانحراف العقدي الذي عند قطب قد انتقلت عدواه إلى أتباعه؛ ومن تتبَّع نشراتهم يجدهم في تخبُّط ذريع في بعض مسائل العقيدة، خاصة منها أصل التوحيد؛ وهو مباحث الإيمان وما يقابله من الكفر وما يتبعه من حكم بالتكفير، ولست الآن بصددها، مع أنه قد جاء أشراطها! فانظر مثلاً كتاب » المسك والعنبر في خطب
المنبر « لعائض القرني، فقد أتى فيه بخرافات المتصوفة؛ كدعوته إلى الاحتفال بيوم الهجرة النبوية ـ وهو احتفال مبتدَع شبيهٌ باحتفال المبتدعة بالمولد النبوي ـ مضاهاة للكافرين كما نصَّ عليه في (1/189ـ191)، وتهييجه في (1/74ـ75) على شدّ الرحال إلى قبر النبيّ ؛ عازياً هذا الفعل إلى بلال في قصة مشهورة هي عمدة الخرافيين، وقد استنكرها الذهبيّ في » السير « (1/358)، وابن عبد الهادي في » الصارم المنكي «
ص (314ـ320)، وقال فيها ابن حجر في » لسان الميزان« (1/108): " وهي قصة بيِّنة الوضع "، ولسماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ ردّ وافر عليها في » شفاء الصدور في الردّ على الجواب المشكور « ص (13ـ 21)، وكذا الشيخ الألباني في » دفاع عن الحديث النبوي والسيرة « ص (94ـ102) وقال: " فهذه الرواية باطلة موضوعة؛ ولوائح الوضع عليها ظاهرة من وجوه عديدة ... "، إلى أن قال:
" قوله:) ويُمرِّغ وجهه عليه )، قلت: وهذا دليل آخر على وضع هذه القصة وجهل واضعها؛ فإنه يصوِّر لنا أن بلالاً من أولئك الجهلة الذين لا يقفون عند حدود الشرع إذا رأوا القبور، فيفعلون عندها ما لا يجوز من الشركيات و الوثنيات، كتلمس القبر والتمسح به وتقبيله..." ص (96).
قلت: وتقبيل القبر الذي جعله الشيخ الألباني من دين القبوريين ـ كما ترى ـ هو عين ما أمر به القرني المسلمين؛ حيث قال في ص (57) من كتابه » لحن الخلود « بصراحة:
فـحيِّ القـبـورَ المـاثـلات تـحيّة ***** وضَعْ قُبْلةً يا صاحِ منك على اللحد
على خير من مسَّ الثرى بعبيره ***** أكـرم ميـت في الـورى لُـفَّ في بـُرد
وجعل رجاءه الشفاعة من الرسول مباشرة سائلاً ذلك منه ـ لا من الله ـ؛ فقال فيها أيضا:
وأرجو بحبِّي من رسولي شفاعة إذا ***** طاشت الأحلامُ في موقف مردي
عساه بقرب الحب يذكرني به ***** وراحته السـمحـاء تـأبـى عـن الـرد
قلت: قال الله تعالى:{مَن ذَا الَّذِي يَشْفعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإذْنِهِ}، وقال:{قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}.
وجعل النجاة من فزع الصراط بيد النبي فقال فيها أيضا:
أريد بمدحي أن يُبَلِّغني النجا مرور صراط مفزع مصلت الحدِّ
قلت: يا هذا! أقصر عن هذا الغلوّ المهلك؛ فقد قال الله لنبيّه :{قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ رَشَداً. قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أحَدٌ وَلَنْ أجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً}.
والذي تشيب له رؤوس أهل التوحيد وَصفه النبيّ بأنه: " إنسان عين الكون " في كتابه » المسك والعنبر « (1/190)؛ وهذا عين قول غلاة الصوفية أصحاب وحدة الوجود؛ فقد قال الجزولي في » دلائل الخيرات « ص (71): " وهو.. ـ يعني النبيّ ـ إنسان عين الوجود والسبب في كل موجود..." ( نقلاً عن كتاب » فضل الصلاة على النبيّ « لفضيلة الشيخ عبد المحسن العبّاد ـ حفظه الله ـ ص 22).
وفي ص (335) من » المسك والعنبر « ترى القرني يكفِّر بالكبيرة؛ حيث يقول: " وهي ـ أي المسكرات والمخدِّرات ـ أعظم ما عُصِيَ الله تعالى به في أرضه!! ".
قلتُ: هذا نتنُ مذهب الخوارج الصريح! فهل ترى قد شابهُ مسك وعنبر؟ أم هل ينفع أن يقال: سبقُ لسانٍ من خطيب منبر؟ فلماذا إذاً يطبعه في ذاك الدفتر؟! وهل يُقبل من صاحبه أن يَدَّعي أن كلام الخوارج مفتر؟! وهو يخاطب علماءَ المسلمين بقوله في ص (47) من
» لحن الخلود «:
صَلِّ مـا شـئـتَ وصُمْ فالـدِّين ***** لا يَعرِف العابد مَن صلى وصامـا
واجعل السبـحـة متريـن وخـذ ***** عـمّـة بيضاء واصبغـهـا رخـامـــا
واتـرك العـالم في غــوغائـه ***** يتلـظَّـى في ليـالـيـه اضـطـرامــــا
أنــت قـسّيس مـن الرهبان ما ***** أنــت مِـن أحمد يـكفيك الملامـــا
لا تـخـادعني بزيّ الشيـخ ما ***** دامـت الـدنـيــا بـلاءً وظـلامـــا
أنـت تـأليــفـك للأمـوات مـا ***** أنت إلا مـدنــف حــبّ الكلامـا
كل يوم تشـرح الـمـتن عـلـى ***** مذهـب التقلـيد قد زدت قــتاما
والحواشي السود أشغلت بهـا ***** حـينـما خِفتَ من الباغي حُساما
لا تقل شيخي كلاما وانتـظـر ***** عمر فتوى مثلكم خمسون عـامـا
والسـياسـات حِمـى مـذورة ***** لا تـدانيـهـا فــتـلـقـيك حـطـاما
قلت: إذاً لا تنفع عنده عبادةُ السلفي ولا تسبيحُ الصوفي ما داما عازفين عن الفقه الحركي المبتدع، وبسببه خرج كلٌّ منهما: ليس مِن دائرة العلم فقط، بل ومن دائرة الإسلام؛ لأنه صرَّح بلا تشبيه ولا تأويل أنهما صارا من النصارى، بل من قساوستهم؛ وذلك قوله:
" أنت قسيس من الرهبان!!"، وأكَّده حين أخرجه من ملّة أحمد في قوله: " ما أنت من أحمد!! "، وهذا ـ والله! ـ جُرم عظيم في حق إخوانه المسلمين! فكيف وهو حُكْم على علماء المسلمين!!! فهل تجرؤ ـ أيها القاريء ـ على تسمية أحد من المسلمين ـ فضلا عن علمائهم ـ باليهودي أو النصراني؛ لأنه لم يلتفت إلى ( فقه الواقع )؟! أعاذك الله.
هذا تكفيره بالكبيرة وبالوهم أيضا نثراً وشعراً! وذاك تخريفه نثراً وشعراً! فبأيّ حديث بعده يؤمنون؟! وتسمية قصيدته بـ( لحن الخلود ) مأخوذ من اسم غِناء امرأة مشهورة في هذا العصر!
ومثله أو أفظع منه في التكفير بالكبيرة قولُ سلمان العودة في شريط» جلسة على الرصيف « في مُغَنٍّ يجاهر بفسقه: " هذا لا يَغفر الله له! إلا أن يتوب؛ لأن النبيّ حكم بأنه لا يُعافَى » كلّ أمتي معافى « ...! لأنهم مرتَدُّون بفعلهم هذا!!... هذه رِدَّة عن الإسلام!! هذا مخَلَّد ـ والعياذ بالله ـ في نار جهنم إلا أن يتوب!! لماذا؟ لأنه لا يؤمن بقول الله : {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّه كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً}؛ بالله عليكم! الذي يَعرف أنّ الزنى حرام وفاحشة ويُسخط الله، هل يفتخر أمام الناس؟! أمام الملايين أو فئات الألوف من الناس؟! ... لا يَفعل هذا مؤمن أبدا! ...".
قلتُ: في قوله: " لا يغفر الله له!" جرأة عظيمة على الله! أولم يقرأ ما رواه جندب أن رسول الله حدَّث » أن رجلا قال: والله! لا يغفر الله لفلان! وإنّ الله تعالى قال: مَن ذا الذي يتَأَلَّى عليَّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرتُ لفلان وأَحبطتُ عملك « أو كما قال، رواه مسلم، قال ابن أبي زمنين في »))) (257): " ومَن مات مِن المؤمنين مُصِرًّا على ذنبه فهو في مشيئته وخياره، وليس لأحدٍ أن يَتسَوَّر على الله في علم غَيْبه وبجحود قضائه؛ فيقول: أَبَى ربُّك أن يَغْفِر للمُصرِّين، كما أَبَى أن يُعَذِّب التائبين! {مَا يَكُونُ لَنَا أَن نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}!" اهـ.
كنتُ أتمنى أن يكون هذا الكلام سبق لسان قد تاب منه صاحبه، ولزم بيته واشتغل بنفسه فعلّمها ما ينفعها، إلا أني وجدتُه مدوَّناً في كتاب له بعنوان الشريط نفسه! بل وأصرَّ عليه في شريط آخر بعد هذا عنوانه: » الشباب: أسئلة ومشكلات « بتاريخ: (21/5/1411هـ) فالله المستعان.
هذا، وقد كنتُ ـ من زمن بعيد ـ ألاحظ على أتباع هؤلاء الاشتراك في التكفير بكبيرة الربا لشبهات تَوهَّموها قرائن دالة على استحلالها! فعرفتُ أنه ليس ثَمَّ دخان بلا نار! ثم رأيتُ ناصر العمر يلمِّح له في كتابه » التوحيد أوّلاً « ص (66ـ67) تحت عنوان: معاصٍ أم كفر؟ وصرّح به سفر الحوالي في ص (138) من » وعد كيسنجر « فقال:
" ... واستبحنا الربا!! "، ثم أخذ هذا المذهبُ يُربي الريش حتى كان منه ما ذكرته آنفا!
وشبيه بهذا قول سفر الحوالي أيضا في نهاية الوجه الأول وبداية الثاني من شريط » دروس الطحاوية « (2/272): " .. هذا المترو بوليتان عبارة عن فندق في دولة خليجية: دبي .. فيها هذا الفندق، بكل صراحة يقول: إنَّ فيه مشروبات؛ اللي يسمونها المشروبات الروحية، يعني أنه يقدِّم الخمور بالإضافة إلى ما فيه من الشليهات أو ـ أيضا ـ الفيديوات إلى آخره، فهذه دعوة صريحة إلى الخمر، ومملوءة الدعوة ـ أيضا ـ مرفق بذلك: الصور اللي تثبت أنهم ـ والعياذ بالله ـ رقص مختلط وتعرِّي مع شرب للخمر، نعوذ بالله من هذا الكفر؛ لأنَّ استحلال ما حرَّم الله تبارك وتعالى هو بلا ريب كفر صريح !!!".
قلت: تأمل! فقد قدَّم صورة مجاهرات بالمعاصي، وسمى الدعاية لها استحلالا، ثم رتّب على ذلك الحكمَ بالتكفير الذي لم يترك لنا مجالا لتأويله بـ ( كفر دون كفر ) حين قال: " كفر صريح "، وهذا التخبّط الذي عند القوم في مسألة الاستحلال هو الذي جعلهم يرتعون في مذهب الخوارج؛ وإلا فما الفرق بين هذه المعاصي وغيرها؟! وهل يُمتنَع أن ثمّ عاصيا في الدنيا لم يَدْعُ صاحبا له إلى مشاركته في إثمه؟! وإنه ليؤسفنا أن يكون هذا هو الشرح للعقيدة الطحاوية!
وقد سُئل الشيخ الألباني عن كتاب: (( ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي )) لسفر الحوالي، وفيه التكفير ببعض الكبائر! فقال:
" كان مني ـ أنا ـ رأيٌ، صدر مني يوماً ما، منذ نحو من ثلاثين سنة حينما كنت في الجامعة (يقصد الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية)، وسُئلتُ في مجلس حافلٍ عن رأيي في جماعة التبليغ، فقلتُ يومئذ: صوفية عصرية، فالآن خطر في بالي أن أقول بالنسبة لهؤلاء الجماعة الذين خرجوا في العصر الحاضر و==ف، أقول هنا تجاوباً مع كلمة الحافظ الذهبي: خالفوا السلف في كثير من مناهجمهم، بدا لي أن أسمِّيهم: خارجية عصرية، فهذا يشبه الخروج الآن فيما ـ يعني ـ نقرأ من كلامهم؛ لأنهم ـ في الواقع ـ كلامهم ينحو منحى الخوارج في تكفير مرتكب الكبائر، لكنهم ـ ولعل هذا ما أدري؟ أن أقول: غفلة منهم أو مكر منهم!! وهذا أقوله أيضا من باب {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ على أَن لاَ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ـ ما أدري لا يصرّحون بأنّ كل كبيرة هي مكفِّرة! لكنهم يُدندنون حول بعض الكبائر ويسكتون أو يمرّون على الكبائر الأخرى! ولذلك فأنا لا أرى أن نُطلق القول ونقول فيهم: إنهم خوارج إلا من بعض الجوانب، وهذا من العدل الذي أُمرنا
به ... ".
ثم أبدى الشيخُ استغرابَه من بعض ما في حواشي الكتاب؛ مثل رَمْي مَن لا يُكَفِّر تاركَ الصلاة بالإرجاء!! واستغرب أن يكون هذا من سفر الحوالي؛ معلِّلا إيّاه بقوله: " لأن سفرا ـ أقلّ ما أقول ـ يُظهر الإجلال للألباني! ... ".
من شريط (( السرورية خارجية عصرية )) نهاية الوجه الأول، تسجيلات القدس بالأردن.
فهؤلاء أربعة من ===صاروا ضحايا فكر محمد قطب؛ انحرفوا في شيء من عقيدتهم، بل في أصل العقيدة ـ كما سبق ـ فانحرفت دعوتهم، كما ستقرؤون ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله. ثم كيف رضي هؤلاء لأنفسهم التتلمذ على يدي رجل عَزَّ عليه التجرّد من غزو لباس الفرنجة إلى يوم الناس هذا، فأنَّى له التجرّد من نظامهم؟! ثمّ هم أعلم منه بشرع الله؟! والأمر لله.
هذا وقد وجدتُ في كلام أحد متبوعي هؤلاء الشباب المذكورين التكفيرَ الصريح بكبيرة اللواط؛ فقد قال محمد سرور زين العابدين في كتابه (( منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله )) (1/158): " فليس مِن المستغرَب أن تكون مشكلة إتيان الذكران مِن العالمين أهمَّ قضية في دعوة قوم لوط عليه السلام؛ لأن قومه لو استجابوا له في دعوته إلى الإيمان بالله وعدم الإشراك به لما كان لاستجابتهم له أيُّ معنى إذا لم يُقلِعوا عن عاداتهم الخبيثة التي اجتمعوا عليها، ولم يَتستَّروا في فعلها!!!".
قلت: فهل بعد هذا التصريح أدنى شكّ في التزامه مذهبَ الخوارج؟! ثم لابدّ أن يُلاحَظ تقييدُ المسألة عنده بالتستّر من عدمه، وإدارته الحكمَ بالتكفير عليه ليُربَط بكلام سلمان العودة السابق في تكفيره المجاهر بالفسق؛ فقد بلغني من أكثر من مصدر أن هذا الأخير كان ـ وهو صغير ـ كثير التردّد على محمد سرور! وقد قال عمرو بن قيس الملائي: " إذا رأيتَ الشَابَّ أوَّلَ ما يَنشأُ مع أهل السنة والجماعة فارْجُه، وإذا رأيتَه مع أهل البدع فايْئَسْ منه؛ فإنّ الشّابَّ على أَوّل نُشُوئه "، رواه ابن بطة في (( الإبانة )) (44) وهو صحيح.
بل لم يكتفِ محمد سرور بهذا حتى بيّن ـ بلا مواراة ـ أنه قال هذا من أجل إسقاط منهج السلف في ادِّعائهم أن الشرك هو أخطر ما عُصِيَ اللهُ به! فقد قال في ص (159) وهو يتحدّث دائماً عن اللواط: " ثمة أمر لابدّ من التنويه إليه، وهو أن كلّ نبيّ بعثه اللهُ لهداية قومه وإصلاح ما فسد من أخلاقهم وعاداتهم، وهذا يقتضي أن يتصدَّى النبيّ لعلاج ومواجهة أخطر المشكلات مهما كلّفه ذلك من تضحيات!! وهذا يخالف سلوك بعض الدعاة في عصرنا؛ الذين يعالجون قضايا عفا عليها الزمن ...!!!".
قلتُ: فهذا يدلّ على أنه يرى كبيرةَ اللواط أخطر من الشرك بالله!! فهل وصل الخوارج الأوّلون والآخِرون إلى هذا الضلال قبله؟! وقد أحسن الردّ عليه فضيلة الشيخ صالح الفوزان في شريط (( أهمية التوحيد )) .
وأعود إلى قضية الاستحلال هذه لأنقل كلام الشيخ الألباني من كتابه » العقيدة الطحاوية: شرح وتعليق « ص (40ـ41) بعد ردّه على المتخبِّطين في التكفير بالاستحلال، فقال: " وقد نبتت نابتةٌ جديدة اتَّبَعوا هؤلاء ـ أي الخوارج والمعتزلة ـ في تكفيرهم جماهير المسلمين رؤوساً ومرؤوسين، اجتمعتُ بطوائف منهم ...، ولهم شبهات كشبهات الخوارج؛ مثل النصوص التي فيها ( مَن فعل كذا فقد كفر )، وقد ساق الشارح ـ رحمه الله تعالى ـ طائفة ==========ـ القائلين بأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص ـ أن الذنب أيّ ذنب كان؛ هو كفر عملي لا اعتقادي، وأن الكفر عندهم على مراتب: كفر دون كفر؛ كالإيمان عندهم، ثم ضرب على ذلك مثالا هاما طالما غفلَتْ عن فهمه النابتةُ المشار إليها، فقال ـ رحمه الله تعالى ـ ص (363): " وهنا أمر ينبغي أن يُتفطَّن له، وهو أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرا ينقل عن الملّة، وقد يكون معصية: كبيرةً أو صغيرةً، ويكون كفرا: إما مجازيا وإما كفرا أصغر، على القولين المذكورين؛ وذلك بحسب حال الحاكم ...".
قلت: للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ تفصيل طيِّب لمسألة الاستحلال في شريطين من شرحه لـ » كتاب التوحيد « للمجدِّد محمد بن عبد الوهاب في " باب طاعة العلماء والأمراء " من » تسجيلات طيبة « بالمدينة الطيّبة، فاطلبها.
وجاء سيد قطب بعد قرون طوال وأعاد منهج الخوارج جذعاً، وجعل "الحاكمية" هي أخص خصائص الألوهية، وفسَّر"لا إله إلا الله" بلا حكم إلا لله، وفسَّر الربوبية بالحاكمية، وجعل الصراع بين المرسلين وأقوامهم حول الحاكمية، وكفَّر الحكام الذين لا يحكمون بشريعة الإسلام، وعرَّف التوحيد بأنه الثورة الشاملة على حكَّام الأرض، وكفَّر الشعوب والمجتمعات بدعوى الجاهلية ولأنها رضيت بهؤلاء الحكام ولم يخرجوا عليهم، وكفَّر المساجد وأهل الصلاة وجعلها معابد جاهلية لأنهم لم يفهموا معنى لا إله إلا الله كما فهمه هو، وحكم على أهل الأرض بالردة من قرون عدة بدعوى أنهم يرددون كلمة التوحيد ولا يفهمون معناها ولا يعملون بمقتضها وهي الحاكمية في نظره، بل زاد على منهج الخوارج فبنى أحكام الردة والجاهلية على عادات وتقاليد وأمور من المباحات.
ثم جاء بعده أصحابه الذين ساروا على طريقته في التكفير والحكم بالردة على الحكام المعاصرين والحكم بالإرجاء وغلاة الجهمية على العلماء المعاصرين كالأئمة الثلاثة واتهامهم بأنهم علماء السلاطين أو عبيدهم أو عملاؤهم أو بأنهم مداهنون أو منافقون أو مجنَّدون من قبل طواغيت العصر ومنهم من حكم عليهم بالردة، ومن أمثال هؤلاء: عبد الله عزَّم وعبدالقادر عبدالعزيز وأبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وأبو بصير عبدالمنعم مصطفى حليمة وأبو عبيدة عبدالكريم الشاذلي ومحمد بو النيت المراكشي وأيمن الظواهري وأسامة بن لادن...إلى آخرهم.
وكل هؤلاء يدندنون حول اتهام العلماء المعاصرين بفرية الإرجاء في رسائلهم، بل منهم من يغمز الأئمة المتقدمين بالتناقض والخطأ والقصور والإرجاء أحياناً، ثم جاء دور محمد قطب الذي نظَّر لهذا الفكر التكفيري وأدخله في بعض الجامعات السلفية على حين غفلة، وزعم أنَّ سبب تسلُّط هؤلاء الحكام وتنحية الشريعة من الحكم والخنوع إلى العلمانية: هو الفكر الصوفي الإنهزامي والفكر الإرجائي التبريري، وألَّف في تفصيل ذلك كتابه "واقعنا المعاصر"، وأكثر فيه من تسليط الضوء على الفكر الإرجائي، واتهم الأمة في هذا العصر تارة بالجاهلية وتارة بالإرجاء، بدعوى أنها لم تعمل بما تقتضية كلمة "لا إله إلا الله"، ومقتضاها هو ما فهمه أخوه منها وهي الحاكمية، وزعم أنَّ أخاه قام بأفضل نوع من أنواع التربية مع أصحابه من الإخوان المسلمين في هذا العصر لكنه لم يكمل لأنَّ الأجل توفاه.
قال محمد قطب في "واقعنا المعاصر": ((إنَّ الذين يقولون: ربينا بما فيه الكفاية، يغفلون عن حقائق كثيرة واقعة في الساحة، ربما كان أفضل لون من التربية قام في الساحة حتى اليوم هو الذي قام به الإمام الشهيد بين "الإخوان العاملين" الذين رباهم على عينه، وأفضل جوانب هذه التربية هو الأخوة المتينة التي رباها في أتباعه، والروح الفدائية الصادقة التي طبعهم بها، والجندية الملتزمة التي زرعها في نفوسهم، ثم تحرير لا إله إلا الله في حسهم من تواكل الصوفية وتواكل الفكر الإرجائي، وتحويلها في سلوكهم إلى حركة واقعية وعمل، ولكنا رأينا كم من الجوانب كان ينقص هذه التربية ذات الطابع الأصيل العميق، وكم أثَّر هذا النقص في خطوات العمل الإسلامي بعد مقتل الإمام الشهيد بصفة خاصة، ولا ندري كم من هذه الجوانب كان الإمام الشهيد قمينا بإضافته أو تصحيحه لو امتد به العمر)).
ثم جاء دور السرورية وزعيمهم محمد سرور زين العابدين ومحمد المسعري وسعد الفقيه وعبدالرحمن عبدالخالق ودور جمعية إحياء التراث وفروعها ودور سفر الحوالي وسلمان العودة ومحمد أبو رحيم، فحاول هؤلاء السروريون أن يجمعوا بين عقيدة سيد قطب في التكفير وشرك الحكم والقصور والنظرة إلى المجتمعات المعاصرة وبين ما أخذوه من المشايخ السلفيين من أهمية توحيد الألوهية والتحذير من شرك العبادة والقبور، ولكنهم في مآلهم رجعوا إلى إحياء الفكر القطبي وتكفير الحكام المعاصرين واتهام العلماء بالإرجاء والمداهنة والعمالة وعبيد السلطان.
وكان من أبرز هؤلاء السروريين دوراً في إثارة تهمة الإرجاء واتهام العلماء بذلك: هو سفر الحوالي، وقد أخذ هذا الفكر التكفيري من أستاذه محمد قطب، والذي ثمَّن جهوده في رسالته "العلمانية" قائلاً: ((وكان من هؤلاء الرجال: الشيخ الفاضل محمد أمين المصري رحمه الله "الرئيس السابق لقسم الدراسات العليا بكيلة الشريعة بمكة المكرمة" الذي بذل جهده لإدخال مادة "المذاهب الفكرية" ضمن برنامج الدراسات العليا لفرع العقيدة، وكان من توفيق الله تعالى أن عهد بتدريس هذه المادة إلى علم من أعلام الفكر الإسلامي المعاصر، هو الأستاذ " محمد قطب" حفظه الله، وكان من توفيقه سبحانه لكاتب هذا البحث أن يلتحق بفرع العقيدة، وأن يختار رسالته لنيل درجة التخصص الأولى "الماجستير" في هذه المادة وعلى يد ذلك الأستاذ... إلى أن قال: وقد عرفتُ منذ اللحظة الأولى أن مهمتي ليست بيسيرة، وأن عليَّ أن أخوض في ميادين بعيدة عن مجال دراستي الشرعية البحتة، جاعلاً كل قراءاتي السابقة في الفكر الغربي بمثابة التمهيد فقط لما يجب علي أن أنهض به، وفعلاً خصصتُ نصف المدة المحددة للرسالة تقريباً في اطلاع دائب وقراءة متواصلة، مسترشداً بالتوجيهات القيمة والآراء السديدة التي كان أُستاذي الفاضل يزودني بها باستمرار، فاطلعتُ على أمهات النظريات والاتجاهات في السياسة والاقتصاد والعلم والاجتماع والأدب والفن)).
وقال في مقدِّمة رسالته "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي": ((هذا ولا يفوتني أن أتقدَّم بخالص الشكر وعظيم التقدير إلى أستاذي الكريم الأستاذ محمد قطب؛ الذي بذل من الوقت الثمين والرأي الصائب ما كان له أثره البالغ في إنجاز هذه الرسالة وتقويمها)).
وما كتبه سفر الحوالي من رسالتيه "العلمانية" و "ظاهرة الإرجاء" إنما كان بإختيار مدروس ومخطط له من قبل أستاذه، فرسالة العلمانية الغاية منها تكفير الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من غير تفصيل، قال الحوالي فيها: ((إنَّ العلمانية تعني بداهة: الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا هو معنى قيام الحياة على غير الدين، ومن ثم فهي بالبديهة أيضاً: نظام جاهلي لا مكان لمعتقده في دائرة الإسلام، بل هو كافر بنص القرآن الكريم: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ"))، ووصف سفر الحوالي الأمة في رسالته "العلمانية" بالجاهلية، واتهم الأمة بالكامل أو شبه الكامل بأنها لم تفهم مدلول لا إله إلا الله أيضاً فقال في بداية مقدمة العلمانية: ((ثم أخذ شأن الأمة الإسلامية في الانحطاط وحضارتها في الذبول، وفقدت شيئاً فشيئاً مركزها المرموق ومنزلتها السامية، ولم يكن لذلك من سبب إلا أن نور "لا إله إلا الله" قد خفت، ومقتضياتها قد أهملت، ومدلولاتها قد انحسرت، ولما كانت كلمة "لا إله إلا الله" هي روح هذه الأمة وسر وجودها ومنبع حياتها، فإنها ظلت تفقد من ذاتيتها وأصالتها بمقدار ما تفقد من نور هذه الكلمة العظيمة، حتى آل الأمر في العصور الأخيرة إلى الفقدان الكامل أو شبه الكامل))، وعاد الحوالي بتفسير التوحيد والشرك إلى الحكم من جديد بطريقة اللف والدوران فقال: ((وعلى هذا نستطيع القول: بأنَّ الشرك - ذنب البشرية الأكبر ومدار الصراع بين الأمم والرسل - هو عبادة الطاغوت مع الله أو من دونه في أمرين متلازمين: "الإرادة والقصد" و "الطاعة والاتباع".
أما شرك الإرادة والقصد: فهو التوجه إلى غير الله تعالى بشيء من شعائر التعبد؛ كالصلاة والقرابين والنذور والدعاء والاستغاثة تبعاً للسذاجة الجاهلية القائلة: "مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"، وطاغوت هذا النوع هو الصنم أو الوثن أو الجني أو الطوطم ... إلخ.
وأما شرك الطاعة والاتباع: فهو التمرد على شرع الله تعالى وعدم تحكيمه في شئون الحياة بعضها أو كلها، وهو مفرق الطريق بين الإسلام والجاهلية، كما أنه السمة المشتركة بين الجاهليات كلها على مدار التاريخ، وبه استحقت أن تسمى جاهلية مهما بلغ شأنها في الحضارة والمعرفة: "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ"، "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه"، وطاغوت هذا النوع هو الزعماء والكهان والكبراء والأنظمة والأوضاع والتقاليد والأعراف والقوانين والدساتير والأهواء ... إلخ.
والواقع أنَّ كلا النوعين من الشرك مردهما إلى أصل واحد: وهو تحكيم غير الله والتلقي عنه، فإنَّ مقتضى تحكيمه وحده ألا تتوجه البشرية إلى غيره بأي نوع من أنواع العبادة والقربات، وألا تتوجه وتسير في حياتها كلها إلا وفق ما شرع لها في كتبه وعلى لسان رسله، قال تعالى: "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ"، فرد الأمر كله إلى الله واتخاذه وحده حكماً في كل شيء هو بعينه العبادة التي أمر الله ألا يصرف شيء منها لغيره، وهذا هو ذات الدين القيم الذي لا يرضى الله تعالى سواه، وإن جهله أكثر الناس على مدار التاريخ.
إذا تقرر هذا: فكل ما يجابه هذه الحقيقة أو جزءاً منها فهو طاغوت؛ في أي صورة كان، وفى أي عصر ظهر، ولا يكون الإنسان فرداً أو مجتمعاً شاهداً ألاَّ إله إلا الله حقيقة إلا بالكفر بهذا الطاغوت والبراءة منه وأهله.
من أجل ذلك: كان العربي الذي يقول هذه الكلمة على عهد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينخلع عن الجاهلية انخلاعاً تاماً، وينسلخ من كل أعرافها وأوضاعها وقيمها وموازينها وإيحاءاتها وينضم إلى موكب الإيمان وهو متجرد لله منقاد لأوامره بلا تردد أو استثناء)).
وقد بيَّن سفر الحوالي أنَّ السبب الذي يعود إلى انتشار العلمانية في الأمة الإسلامية هو الفكر الإرجائي، ولهذا اختار موضوع الإرجاء في رسالة الدكتوراه، وقد قال في مقدمة "ظاهرة الإرجاء": ((وقد بدأتُ ذلك برسالة "التخصص الأولى" التي كان موضوعها "العلمانية: نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية"، ثم ثنيتُ بهذه الرسالة لنيل درجة التخصص العليا، فكانت الأولى: تعالج فصل الدين عن الحياة، والأخرى تعالج فصل الإيمان عن العمل، كلتاهما على ضوء هذه العقيدة, ومن هنا كانتا تعبران عن قضية واحدة وإن تباعد موضوعاهما ظاهراً، وقد كانت الأولى بلا ريب طريقاً للأخرى؛ فمن خلال الدراسة لأسباب العلمانية الطاغية على الحياة الإسلامية المعاصرة رأيتُ رأي العين أنَّ سبب كل انحراف وذل وهزيمة وفرقة في حياتنا لا يزيد عن شيء واحد هو البعد عن منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك وسبيل الإصلاح)).
وقد حكم سفر الحوالي على عموم الأمة بالإرجاء فقال في مقدمة رسالته: ((ومن هنا انصب الاهتمام على "ركن العمل" وضرورته للإيمان والدعوة، وكيف تخلت الأمة عنه مكتفية من الإيمان بالاسم والإقرار.
وهنا لا بد من بيان حقيقة مهمة كان لها أثرها البالغ في منهج البحث: وهي أنَّ الإرجاء لم يكن - في الأصل - دعوة واعية مقصودة لترك العمل والتفلت من الطاعات، وإنما كان تفسيراً ضالاً لحقيقة الإيمان أنتجته أسباب تاريخية شرحناها في موضعها.
ولكن الأمة وهي تتراخى عن العمل بالتدريج وتنفلت من الواجبات وتنحدر عن قمة الامتثال رويداً رويداً فكانت تجد في الإرجاء تفسيراً مريحاً يبرر لها تراخيها وتفريطها، وهذه حقيقة نفسية معروفة؛ فكل ما انحسر عنه العمل واقعياً ستره ثوب الإرجاء الواسع نظرياً.
ولهذا لم يكن المرجئة القدماء بحاجة إلى أكثر من كشف شبهاتهم النظرية وردهم بالدليل العلمي الصريح، ولكن الحال تغير بعد انتشار الظاهرة وسيطرتها؛ إذ أصبحت الأمة في القرون الأخيرة تتبنى الإرجاء عقيدة ومنهجاً، وتعد مخالفه خارجاً مارقاً، وتضبط دينها وأحكام إيمانها بأصوله وقواعده.
فصارت تعتقد أنَّ التصديق القلبي المجرد من قول اللسان وعمل الأركان هو حقيقة الإيمان الذي أنزل به الله الكتب وبعث به الرسل وجعله مناط النجاة من عذابه في الآخرة، وتبني على ذلك لوازم وأحكاماً، أهونها تخطئه السلف في إجماعهم على أنه قول وعمل وعدم تكفير طوائف من المرتدين، وأصبح معنى كون الصلاة والزكاة والصيام والحج أركاناً للإسلام هو اعتقاد وجوبها والإقرار به وإن لم يعمل من ذلك شيئاً، ونحو ذلك مما يستغربه الناظر أول وهلة، ثم يتأمل فإذا هو عندهم حقيقة واقعة.
والأدهى من ذلك أن تقوم بعض اتجاهات الدعوة الإسلامية - التي عملها وغرضها في الأصل إعادة الناس إلى حقيقة الإيمان اعتقاداً وعملاً - على هذا الفكر العقيم، وتتبناه وتدعوا إليه)).
وقد أفصح سفر الحوالي عن نقطة البحث التي يسعى الوصول إليها في رسالته "ظاهرة الإرجاء"، والتي بسببها اتهم الأمة وعلماءها سلفاً وخلفاً بالإرجاء فقال في مقدمة الرسالة: ((والباب الخامس: بيان أنَّ الإيمان حقيقة مركبة من ركني القول والعمل، توصلاً بذلك إلى معرفة بطلان مذهب في حكم تارك العمل مطلقاً، وبيان حكم صاحب الكبيرة على ضوء ذلك، وسبب ضلال الفرق فيه، ثم نقض أهم الشبهات النقلية للمرجئة على أنَّ العمل غير داخل في الإيمان))، وقال في [الباب الخامس: الإيمان حقيقة مركبة، وترك جنس العمل كفر]: ((وبهذا يتبين لطالب الحق: أنَّ تركَ الأركان الأربعة وسائر عمل الجوارح كفرٌ ظاهراً وباطناً؛ لأنه تركٌ لجنسِ العملِ الذي هو ركنُ الحقيقة المركبة للإيمان؛ التي لا وجود لها إلا به، هذا مما لا يجوز الخلاف فيه، ومن خالف فيه فقد دخلت عليه شبهة المرجئة شعر أو لم يشعر)).
وقال 2/419: ((بل مذهب السلف: أنَّ تارك العمل بالكلية كافر؛ إذ انعقد إجماع الصحابة عليهم رضوان الله على تكفير تارك الصلاة، ولم يخالف في ذلك أحد، حتى ظهرت المرجئة، وتأثر بها بعض أتباع الفقهاء الآخرين دون علم بأنَّ مصدر الشبهة وأساسها هو: الإرجاء)).
وذكر سفر الحوالي في باب [حقيقة الإيمان وارتباط العمل به/ المبحث الأول: ارتباط العمل بحقيقة الدين والدعوة 2/96] عدة أسئلة حول موضوع ارتباط العمل بالإيمان ثم قال: ((وقد وجدتُ أنَّ أفضل من أجاب على هذه الأسئلة من فقهاء الدعوة المعاصرين هو: الأستاذ سيد قطب رحمه الله!، وهأنذا أنقل من كلامه ما يفيد ذلك؛ مع بعض زيادات توضيحية)).
وصرَّح الحوالي مراراً باتهام الشيخ الألباني رحمه الله بالإرجاء لأنه لا يكفِّر تارك العمل ولأنه يعتقد أنَّ أعمال الجوارح من كمال الإيمان ولأنه لا يكفِّر الحاكم بغير ما أنزل الله إلا إذا جحد أو استحل، فقال في حاشية "ظاهرة الإرجاء": ((والمؤسِف للغاية: أنَّ بعضَ علماء الحديث المعاصرين الملتزمين بمنهج السلف الصالح قد تبعوا هؤلاء المرجئة في القول بأنَّ الأعمال شرط كمال فقط!، ونسبوا ذلك إلى أهل السنة والجماعة، كما فعل أولئك الذين ذكرنا بعضهم أعلاه، ولا أدري كيف يوافقون هؤلاء في هذه المسألة العظيمة من مسائل العقيدة التي جاء بيانها في الكتاب والسنة وإجماع السلف كما تقدم، وتظافرت عبارات السلف على ذمِّ من خالف فيها ووصفه بالبدعة والضلال كما أسلفنا، وهم من ذلك ينفرون منه أشد النفور، بل ربما حرصوا على مخالفتهم في أمور أهون من هذه بكثير، بل ليست من مسائل الاعتقاد أصلاً، وإذا كان مثل هذا يغتفر للعالم المجتهد الكبير ويضيع في بحر حسناته وفضائله، فإنه لا يغتفر للذين يقلدونه في ذلك من طلبة العلم، هداني الله وإياهم للصواب، انظر: رسالة حكم تارك الصلاة المنسوبة للشيخ الألباني ص42)).
وقال في الحاشية أيضاً: ((والمؤسِفُ مع هذا: أنَّ الشيخ الألباني حفظه الله أخذ بكلام أهل الإرجاء المحض من غير تفصيل؛ حيث جعل التارك الكلي مؤمناً من أهل الشفاعة، وركَّبَ رسالته كُلَّها على هذا)).
وقال: ((وهذا قِسمٌ آخر غير ما يسميه بعض الفقهاء الكفر العملي ويقصدون به الأصغر فقط، فيجب التنبه لهذا، لأنَّ الخلط بينهما قد يؤدِّي إلى الظنِّ بأنَّ كفر العمل كله لا يخرج من الملة، وهذا هو حقيقة مذهب المرجئة كما رأيت، ومن ذلك ما وقع للشيخ الألباني كما في رسالة "حكم تارك الصلاة" ص42-44)).
ثم عمم سفر الحوالي الحكم بالإرجاء والبدعة ومخالفة الإجماع على كل من خالف في تكفير أحد المباني الأربعة فقال: ((مَنْ خالف في تكفير تارك أحد المباني الأربعة - ولا سيما الصلاة - لا ينبغي الاعتداد بخلافه!، بعد ثبوت الإجماع من الصحابة رضى الله عنهم في تكفير تارك الصلاة والزكاة، وما أشرنا إليه بالنسبة للصيام والحج، فمع كثرة المخالفين من المتأخرين لم يستطع أحدٌ منهم الإتيان بنقل ثابت صريح عن صحابي أو تابعي يخالف ذلك، وذلك أنَّ أول مَنْ قال به هم المرجئة!، ثم تبعهم من تبعهم!، ومتى عرف المرء ذلك؛ تبين له: أنَّ هذا القول خارج عن أقوال أهل الاجتهاد إلى أهل البدع؛ وإنْ لم يكن كل مَنْ قال به من أهل البدع)).
بل لم يعتبر الحوالي تكفير تارك أحد المباني الأربعة من المسائل الخلافية وغلَّط كلَّ من قال بأنَّ السلف اختلفوا في ذلك؛ فقال: ((وهكذا فإطلاق القول بتكفير تارك الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج صحيح موافق لقاعدة أهل السنة في الإيمان كل الموافقة؛ وهو ليس من جنس تسمية بعض العصاة كفاراً وتسمية بعض المعاصي كفراً، والقول بأنَّ المسألة خلافية هكذا بإطلاق غير صحيح، إلا أن يراد عموم الأمة لا خصوص السلف ومن اتبعهم)).
ولما ضرب الأئمة الثلاثة وغيرهم من كبار العلماء والمشايخ في هذا العصر القطبية والسرورية والحوالية بقوس واحد ونكَّلوا بهم وحذَّروا منهم في بياناتهم ورسائلهم ومجالسهم، خفت صوتهم مدة من الزمن، وارتاح السلفيون من شرهم، لكنَّ هذا الصوت عاد بلسان جديد وهو المدعو محمود الحداد المصري.
جاء محمود الحداد من مصر إلى معقل التوحيد والسنة لإثارة الفتنة بين السلفيين ولقطع الصلة الوثيقة بين العلماء الربانيين وبين الشباب السلفي، كما جاء قبله محمد قطب وقبله محمد الغزالي، فهؤلاء خرجوا من مصر معقل الإخوان المسلمين إلى معقل التوحيد والسلفيين لإفساد عقائد الشباب وقطع علاقتهم وارتباطهم بالعلماء.
ولم يلتق هذا المتعالم محمود الحداد بعالم من علماء العصر كالشيخ الألباني والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ النجمي والشيخ محمد آمان جامي والشيخ الفوزان والشيخ اللحيدان وغيرهم من كبار المشايخ، بل انطوى على نفسه وتظاهر بالسلفية والعلم والتفَّ حوله بعض الأغمار من الشباب، ومن أكثر المسائل التي كان الحداد يثيرها أخطاء الشيخ الألباني رحمه الله في العقيدة وغيرها، وألَّف كتاباً ضخماً في ذلك سماه "الخميس" أي الجيش العرمرم الزاحف!، وزعم في بعض كتبه أنَّ ((عامة المسلمين من زمن على الإرجاء))، واتهم الإمام البربهاري رحمه الله بتهمة الإرجاء صريحاً، واتهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بتهوين شأن الإرجاء لأنه عد الخلاف مع مرجئة الفقهاء أكثره لفظي، وقد قال الشيخ ربيع حفظه الله في كتابه "طعونات الحداد": ((طعن فيه بأنَّ قوله هذا تهوين من شأن الإرجاء، وما أدراك ما نظرة القطبيين والتكفيريين إلى الإرجاء؟! إنها أخطر البدع عندهم، وعلى رأسهم محمد قطب الذي يهذي به كثيراً لينال من أهل السنة، ويرى أنه لا يقل عن العلمانية إن لم يكن شراً منها، وما رأيتُ أحداً يزيد على محمد قطب في الهذيان بالإرجاء إلا الحداد الماكر، وكم مرة ذكره في هذا الكتاب، وكم مرة ذكره في غيره, ليطعن به الأبرياء منه، وقد وصم عامة الناس بالأرجاء الغالي في أول كتاب "عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة"، فوصفهم بأنهم ظنوا أنَّ الإسلام يجبُّ ويهدم كل شرك أو بدعة تخالطه، فما يضر المسلم مع الإسلام معصية ولو كانت الشرك أو الضلال أو الفسوق، وهذا الإرجاء الذي فشا فيهم، فالإرجاء أنواع شرها هذا الذي ذكره، بل غلاة المرجئة يقولون: لا ينفع مع الكفر طاعة، ويحمل الحداد حملات شعواء على مرجئة الفقهاء موهماً أنهم قد ارتكبوا شر أنواع الإرجاء، وبعد هذا التهويل بالإرجاء يأتي إلى شيخ الإسلام ابن تيمية فيطعن فيه بأنه يهون من الإرجاء؛ أي هذا الإرجاء الذي يحذر وينذر من خطره الحداد الناصح الأمين!, فأين ابن تيمية المهوِّن من هذه الجريمة الكبيرة التي يرى المنغمسون فيها أنه لا يضر مع الإسلام ذنب ولو كان الشرك أو الفسوق من الحداد الناصح الأمين والنذير العريان؟!))، وطعن الحداد بالطحاوية وشارحها ابن أبي العز ومن يوصي بهما من العلماء المعاصرين بدعوى أنَّ فيهما بلايا عظيمة وإرجاء وتجهماً وعلم الكلام وليناً، علماً أنَّ شرح الطحاوية أغلبه مأخوذ من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله كما لا يخفى على طالب علم!، وقد تكلَّم الحداد في مشايخ المدينة ولم يُعلم عنه الكلام في القطبية والسرورية ولا في زعيمهم سيد قطب، بل بلغ به الأمر أن يطعن بعلماء بلاد الحرمين في وقت أزمة الخليج ويصفهم بعلماء السوء وعبيد السلطة، وكان مما يقرره الحداد أيضاً عدم التفريق بين المبتدع الداعي إلى بدعته وبين غير الداعي كما لا يفرِّق بين المبتدع كسيد قطب وأمثاله وبين من وقع في بدعة من العلماء المشهود لهم بالخير ولهم جهود كبيرة في الانتصار للسنة والرد على البدع ونشر العلم الموروث عن السلف الصالح كالشوكاني وابن حجر وأمثالهم، وكان لا يجيز الترحم على هؤلاء العلماء الذين وقعوا في شيء من البدع ويحذِّر منهم ومن كتبهم.
وكان ممن يدفع بالحداد في إثارة هذه الفتنة ويروِّج فكره ويجادل عنه: المدعو عبد اللطيف باشميل، لكنه لما رأى أنَّ علماء بلاد الحرمين تنبهوا لخطر الحداد وفكره على الشباب السلفي، وحذَّروا منه وأُخرج من بلاد الحرمين أصبح باشميل يتبرأ من الحداد ويطعن به ويصفه بالمكر والخبث والانحراف، لكنه لم يتبرأ من طريقته في الغلو في التكفير والتبديع، بل حمل رايته من بعده، وأظهر الطعونات في الشيخ الألباني رحمه الله في عقيدته وسلفيته وجهوده العلمية وفي مسائل اجتهادية في كتاب سماه "الفتح الرباني في الردِّ على أخطاء دعوة الألباني"، وزعم باشميل أنَّ الشيخ الألباني يختلف عن عقيدة مشايخ بلاد الحرمين من جهة العذر بالجهل وعدم تكفير من وقع في الشرك الأكبر حتى تقام عليه الحجة وعدم تكفير ساب الله والرسول وتقرير مسائل الإيمان والعمل مثل الكفر الاعتقادي والكفر العملي وشرط الاستحلال والجحود، واستغل الباشميل أزمة الخليج وموقف الشيخ الألباني منها في ترويج طعوناته فيه، كما زعم أنَّ مشايخ المدينة مقلِّدة للشيخ الألباني ومتعصبة له يقررون ما يقرره ولا يقبلون نقده وتخطئته، وأنهم منظمة سرية الغاية منها صرف الناس في بلاد الحرمين عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأئمة الدعوة من بعده، وقد أشاع باشميل الكذب والأباطيل واستعمل أساليب المكر والخديعة في الطعن في الشيخ ربيع حفظه الله والتنفير منه، وقد التفَّ حوله جماعة من الشباب الأغمار، وقد قام بعضهم بحرق كتاب فتح الباري لابن حجر رحمه الله، ومنهم من اتهم الألباني بالتجهم والإرجاء والبدعة؛ بل منهم من صرَّح بكفره، فلما ظهر أمر هؤلاء وانتشر خبرهم عند كبار العلماء حذَّروا منهم ومن غلوهم في التبديع والتكفير، ومن أبرز هؤلاء العلماء الذين ردوا على عبدالطيف باشميل وحزبه الشيخ ربيع حفظه الله، فخمد ذكرهم وانطوت صفحتهم.
ثم جاء بعد هؤلاء: فالح الحربي وفوزي البحريني وزمرتهم الآثمة الفاجرة فأحيوا فكر الحوالي والحداد وباشميل جميعاً من جديد، وأثاروا عين المسائل التي دندن حولها أولئك في التكفير أو التبديع، كمسألة تكفير تارك جنس العمل والعذر بالجهل وساب الله والرسول وشرط الكمال والصحة وغيرها، ومسألة عدم التفريق بين المبتدع وبين من وقع في البدعة من العلماء المشهود لهم بالخير والعلم والفضل ومسألة عدم التفريق بين المبتدع وبين الداعي إلى بدعته، وأحدثوا زيادة على ذلك أصولاً فاسدة في الجرح والتجريح لا دليل عليها ولا أثارة من علم، وفتحوا موقعاً لهم باسم "الأثري"، يشرف عليه ويكتب فيه الغلاة من سفهاء الأحلام وصغار الأسنان، وقد رموا المخالفين لهم من السلفيين الصادقين بالإرجاء والتجهم والتمييع، وطعنوا في عقيدة الشيخ الألباني رحمه الله وغيره من علماء العصر ومشايخ السنة، وغمزوا بكبار العلماء، وأثاروا حرباً ضروساً مبنية على الكذب والتلبيس ضد الشيخ ربيع حفظه الله، وتنبَّه كثيرٌ من المشايخ لفتنهم وحذَّروا منهم، فتبدد شرهم واستراح السلفيون من فتنتهم وجدالهم المقيت.
ثم جاء بعد هؤلاء: الحدادية الجدد من أمثال عبد الله الجربوع وملفي الصاعدي وأحمد بن عمر الحازمي وعادل آل حمدان وعبد الله الغامدي وعبد الحميد الجهني وبدر بن طامي، وكل من يتهم الشيخ الألباني رحمه الله والشيخ ربيعاً حفظه الله والمشايخ وطلبة العلم السلفيين بالإرجاء أو موافقة المرجئة؛ ويطعن في العلماء الذين يخالفونه في مسألة تكفير تارك العمل وتارك الصلاة ومن يحكم بالقوانين الوضعية وعدم العذر بالجهل، ويتهمهم بالإرجاء ومخالفة إجماع السلف، ويشكِّك في عقيدتهم ويحذِّر منهم وينفِّر عنهم، وهؤلاء لهم موقع خاص بهم لا يطرحون فيه في الغالب إلا هذه المسائل، ولا يحذِّرون فيه أو يردون إلا على السلفيين من مشايخ وطلبة علم يُسمى هذا الموقع بـ (الآفاق).
أقول بعد هذا السرد:
هذه هي سلسلة هؤلاء الحدادية الجدد، وأولئك هم أسلافهم، ومن تتبع مقالات الحدادية الجدد في مسائل الإيمان والكفر لا يجدها تختلف عن رسائل ومقالات الحدادية الأوائل كمحمود الحداد وعبداللطيف باشميل وفالح الحربي وفوزي البحريني في موقعهم الأثري، ولا تختلف عن تقريرات سفر الحوالي في كتابه "ظاهرة الإرجاء" ومحمد أبو رحيم في كتابيه "حقيقة الخلاف بين السلفية الشرعية وأدعيائها في مسائل الإيمان" و "حقيقة الإيمان عند الشيخ الألباني"، ولا عن كتابات محمد قطب في "واقعنا المعاصر" و "مذاهب فكرية معاصرة" و "جاهلية القرن العشرين"، ولا عن تأصيلات عبد القادر عبد العزيز في "الجامع في طلب العلم الشريف"، وأبي محمد المقدسي عصام البرقاوي في " تبصير العقلاء بتلبيسات أهل التجهم والإرجاء"، وأبي بصير عبد المنعم مصطفى حليمة في "الإنتصار لإهل التوحيد والرد على من جادل عن الطواغيت"، وعبدالكريم الشاذلي في كتابه "الشيخ الألباني بين القول بالإرجاء والانتصار لمن بدل شرع الله من المرتدين"، ومحمد بو النيت المراكشي في "عقيدة أدعياء السلفية في ميزان أهل السنة والجماعة"، وهذه الكتابات لا تختلف عن صرخات سيد قطب في مجمل كتاباته التي تضج بالتكفير والكلام في الحاكمية.
وهذا كله يؤكِّد ما قاله الشيخ ربيع حفظه الله في هؤلاء؛ وأنهم من إفرازات الخوارج القطبية الحوالية الحدادية، وكل هؤلاء اتفقوا على أمرين:
الأول: تكفير المسلم الموحِّد بمجرد ترك العمل وفعل الكبائر والحكم عليه بالخلود وعدم نيل الشفاعة.
والثاني: الطعن في ولاة الأمر المعاصرين من الحكام والعلماء.
وبعض هؤلاء أشد من بعض وأصرح في التكفير، وبعضهم في أول الطريق.================:
ـ:
( شنشنة أعرفها من أخزم )؛ وإلا فلماذا إصراره على الردّ على المرجئة ـ وهي فِرقة قديمة ـ لولا أن= من علمائهم بسبب أن هؤلاء يُفَصِّلون في قضية الحكم بغير ما أنزل الله ولا يُكفِّرون مطلقًا؛ بل لا أدري هل تنبّه القاريء إلى أن هذا الرجل ضاعف حديثه عن الإرجاء ف==!! فانظر مثلاً كتبه:» الصحوة الإسلامية « و» التفسير الإسلامي للتاريخ « و» واقعنا المعاصر « ... مع أنك لا تكاد تعثر على هذه الكلمة ـ الإرجاء ـ في كتبه القديمة، مما يدلك على أنه استلّها من قاموس السلفيين بعد أن سكن ديارهم ليحاربهم بها، ولعله لم يَسمع بها من قبل! وقد كان نائب علي بن حاج في الجبهة الجزائرية المسمَّى الهاشمي سحنوني يُلقِّب كلَّ مَن لا يُكفِّر الحكام بهذا اللقب: ( مرجيء! ) فلما سألتُه عن مصدره قال: محمد قطب وعبد الرحمن عبد الخالق!!
ولم يقف محمد قطب عند هذا حتى أغرى أحدَ أبناء الجزيرة العربية ليكتب في ذلك، كل ذلك توكيداً منه للاهتمام بمعالجة داء الإرجاء المسيطر على علمائها في زعمه!! ولا تكاد تجد كتاباً أُلِّف اليوم في الإرجاء إلا وعليه بصماته؛ من تقديم أو استشهاد مؤلِّفه بأقواله؛ فانظر مقدّمته الحافلة لكتاب تلميذه الحميم سفر الحوالي » ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي «، ثم هي حُذِفَت الآن في طبعته الرسمية!! بل تجد هذا الأخير في كتابه
» العلمانية « يأتي بآية الحكم بغير ما أنزل الله من غير تعريج على تفسير السلف لها، وعلى رأسهم التفسير المشهور والصحيح الإسناد عن حبر الأمة عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما وغيره! فهل يعني هذا أنه غير راضٍ بالتفصيل السلفي المأثور في المسألة؟ انظر ص (685) وما بعدها لترى كيف يُنَزِّل الحكمَ من ظاهر الآية السابقة على عموم حكام المسلمين حتى يُخَيَّل إلى القاريء أن لا تأويل للآية عند السلف إلا ذلك التعميم! وتأمّل في كتابه هذا عدد النقولات الهائلة عن شيخه إلى جنب نقولاته الهزيلة عن السلف تفهم ما قلتُه! وقد وجدتُ عند الشيخ الألباني كلاما رصينا في المسألة، فقد سئل عما يأتي:
" فضيلة الشيخ! لا يخفى عليكم ما احتوته الساحة الأفغانية ( في ذلك الوقت ) من الجماعات والفرق الضالة التي كثرت في ذلك الحين في صفوفها، والتي استطاعت
ـ وللأسف ـ أن تبثّ أفكارها الخارجة عن منهج السلف الصالح في شبابنا السلفي الذي كان يجاهد في أفغانستان، ومن هذه الأفكار: تكفير الحكام وإحياء السنن المهجورة كالاغتيالات كما يدَّعون، والآن وبعد رجوع الشباب السلفي إلى بلادهم ( بعد الجهاد ) قام بعضهم ببثّ هذه الآراء والشبه بين الشباب في مجتمعاتهم ... ".
فأجاب بعد أن بيَّن خطورة تنكّب تفسير السلف للوحيين: " فكان أمرا طبيعيا جدا أن ينحرفوا كما انحرف من سبقهم عن كتاب الله وسنة رسول الله ومنهج السلف الصالح، ومن هؤلاء: الخوارج قديما وحديثا؛ فإن أصل التكفير الذي ذكرناه في هذا الزمان: الآية التي يُدَندِنون حولها؛ ألا وهي قوله تعالى:{ومَن لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} .. فمن جهل الذين يحتجون بهذه الآية .. أنهم لم يُلِمُّوا على الأقل ببعض النصوص التي جاء فيها ذكر لفظة الكفر؛ فأخذوها على أنها تعني الخروج من الدين، وأنه لا فرق بين هذا الذي وقع في الكفر وبين أولئك المشركين من اليهود والنصارى ... ويُسلِّطون هذا الفهم الخاطيء على كثيرين وهم بريئون منه ... ".
ثم تحدّث عن تفسير ابن عباس الذي يحاول محمد قطب وأتباعه جعله وصفاً خاصاً بخلفاء بني أمية، فقال: " وكأنه ـ أي ابن عباس ـ طرق سمعه يومئذ ما نسمعه اليوم تماما، أن هناك أناسا يفهمون الآية على ظاهرها دون تفصيل، فقال : ليس الكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة، هو كفر دون كفر ... إلى أن قال : " فابن تيمية
ـ يرحمه الله ـ وتلميذه وصاحبه ابن قيم الجوزية يدندنان دائما حول ضرورة التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي؛ وإلا وقع المسلم من حيث لا يدري في فتنة الخروج عن جماعة المسلمين التي وقع فيها الخوارج قديما وبعض أذنابهم حديثا ...". ثم ذكر بعض ما جرى بينه وبين بعض المخالفين أنه قال لهم: " فأنتم أولا لا تستطيعون أن تحكموا على كل حاكم يحكم بالقوانين الغربية الكافرة أو بكثير منها أنه لو سئل لأجاب بأن الحكم بهذه القوانين هو الحق والصالح في هذا العصر، وأنه لا يجوز الحكم بالإسلام، لو سئلوا لا تستطيعون أن تقولوا بأنهم يجيبون بأن الحكم بما أنزل الله اليوم لا يليق؛ وإلا لصاروا كفارا دون شك ولا ريب، فإذا نزلنا إلى المحكومين وفيهم العلماء، وفيهم الصالحون
والخ .. فكيف تحكمون عليهم بالكفر بمجرد أن تروهم يعيشون تحت حكم يشملهم كما يشملكم أنتم تماما، لكنكم تعلنون أن هؤلاء كفار بمعنى مرتدين ... ". ثم تكلم عن الحاكم بغير ما أنزل الله فقال: " فلا تستطيع أن تقول بكفره حتى يعرب عما في قلبه؛ بأنه لا يرى الحكم بما أنزل الله ، وحينئذ فقط تستطيع أن تقول إنه كافر كفر ردّة ... ثم كنت ولا أزال أقول لهؤلاء الذين يدندنون حول تكفير حكام المسلمين: هبُوا أن الحكام كفار كفر ردّة، ماذا يمكن أن تعملوه؟ هؤلاء الكفار احتلوا من بلاد الإسلام، ونحن هنا مع الأسف ابتلينا باحتلال اليهود لفلسطين، فماذا نستطيع نحن وأنتم أن نعمل مع هؤلاء حتى تستطيعوا أنتم مع الحكام الذين تظنون أنهم من الكفار؟ هلا تركتم هذه الناحية جانبا وبدأتم بتأسيس القاعدة التي على أساسها تقوم قائمة الحكومة المسلمة؟ وذلك باتباع سنة رسول الله التي ربَّى أصحابه عليها .. وذلك ما نعبِّر عنه في كثير من مثل هذه المناسبة بأنه لا بدّ لكل جماعة مسلمة تعمل بحق لإعادة حكم الإسلام، ليس فقط على أرض الإسلام، بل على الأرض كلها، تحقيقا لقوله تبارك وتعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ}، وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن هذه الآية ستتحقق فيما بعد؛ فلكي يتمكن المسلمون من تحقيق هذا النص القرآني: هل يكون الطريق بإعلان الثورة على هؤلاء الحكام الذين يظنون أن كفرهم كفر ردّة، ثم مع ظنهم هذا ـ وهو ظنٌّ خاطيء ـ لا يستطيعون أن يعملوا شيئا! ما هو المنهج؟ ما هو الطريق؟ لاشك أن الطريق هو ما كان رسول الله يدندن حوله ويذكِّر أصحابه به في كل خطبة: (( وخير الهدى هدى محمد ))؛ فعلى المسلمين كافة وخاصة منهم من يهتمّ بإعادة الحكم الإسلامي أن يبدأ من حيث بدأ رسول الله : وهو ما نكني نحن عنه بكلمتين خفيفتين: ( التصفية والتربية )؛ ذلك لأننا نحن نعلم حقيقة يغفل عنها أو يتغافل عنها في الأصح أولئك الغلاة الذين ليس لهم إلا إعلان تكفير الحكام، ثم لا شيء؛ وسيظلون يعلنون تكفير الحكام ثم لا يصدر منهم إلا الفتن؛ والواقع في هذه السنوات الأخيرة التي يعلمونها بدْءاً من فتنة الحرم المكي إلى فتنة مصر وقتل السادات وذهاب دماء كثير من المسلمين الأبرياء، بسبب هذه الفتنة، ثم أخيرا في سورية، ثم الآن في مصر والجزائر مع الأسف .. الخ. كل هذا بسبب أنهم خالفوا كثيرا من نصوص الكتاب والسنة، وأهمها:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} ... بماذا بدأ رسول الله ؟ تعلمون أنه بدأ بالدعوة بين الأفراد الذين كان يظن فيهم الاستعداد لتقبّل الحق، ثم استجاب له من استجاب كما هو معروف في السيرة النبوية، ثم التعذيب والشدة التي أصابت المسلمين في مكة، ثم الأمر بالهجرة الأولى والثانية إلى آخر ما هنالك، حتى وطَّد الله الإسلام في المدينة المنورة، وبدأت هنالك المناوشات، وبدأ القتال بين المسلمين وبين الكفار من جهة، ثم اليهود من جهة أخرى، وهكذا. إذاً لا بدّ أن نبدأ نحن بتعليم الناس الإسلام كما بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن نحن الآن لا نقتصر على التعليم؛ لأنه دخل الإسلام ما ليس منه ولا يمُتّ إليه بصلة ... فلذلك كان من الواجب على الدعاة أن يبدأوا بتصفية هذا الإسلام مما دخل فيه، والشيء الثاني: أن يقترن مع هذه التصفية تربية الشباب المسلم الناشيء على هذا الإسلام المصفَّى، ونحن إذا درسنا الجماعات الإسلامية القائمة الآن منذ نحو قرابة قرن من الزمان، لوجدنا كثيرا منهم لم يستفيدوا شيئا، برغم صياحهم وبرغم ضجيجهم بأنهم يريدونها حكومة إسلامية، وسفكوا دماء أبرياء كثيرين بهذه الحجة دون أن يستفيدوا من ذلك شيئا؛ فلا نزال ===================).
قال العلامة عبد العزيز بن باز معلّقا على هذا المقال: " فقد اطَّلعتُ على الجواب المفيد القيِّم الذي تفضَّل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ وفّقه الله ـ المنشور في صحيفة » المسلمون « الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل، فألفيتُها كلمة قيِّمة قد أصاب فيها الحق، وسلك فيها سبيل المؤمنين، وأوضح ـ وفّقه الله ـ أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يكفِّر من حكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل من دون أن يَعْلم أنه استحلَّ ذلك بقلبه، واحتجّ بما جاء في ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن غيره من سلف الأمة .. " ( » المسلمون « 12/5/1416هـ ـ عدد:557، ص 7).
وعودا على بدء أقول: إن هذا الانحراف العقدي الذي عند قطب قد انتقلت عدواه إلى أتباعه؛ ومن تتبَّع نشراتهم يجدهم في تخبُّط ذريع في بعض مسائل العقيدة، خاصة منها أصل التوحيد؛ وهو مباحث الإيمان وما يقابله من الكفر وما يتبعه من حكم بالتكفير، ولست الآن بصددها، مع أنه قد جاء أشراطها! فانظر مثلاً كتاب » المسك والعنبر في خطب
المنبر « لعائض القرني، فقد أتى فيه بخرافات المتصوفة؛ كدعوته إلى الاحتفال بيوم الهجرة النبوية ـ وهو احتفال مبتدَع شبيهٌ باحتفال المبتدعة بالمولد النبوي ـ مضاهاة للكافرين كما نصَّ عليه في (1/189ـ191)، وتهييجه في (1/74ـ75) على شدّ الرحال إلى قبر النبيّ ؛ عازياً هذا الفعل إلى بلال في قصة مشهورة هي عمدة الخرافيين، وقد استنكرها الذهبيّ في » السير « (1/358)، وابن عبد الهادي في » الصارم المنكي «
ص (314ـ320)، وقال فيها ابن حجر في » لسان الميزان« (1/108): " وهي قصة بيِّنة الوضع "، ولسماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ ردّ وافر عليها في » شفاء الصدور في الردّ على الجواب المشكور « ص (13ـ 21)، وكذا الشيخ الألباني في » دفاع عن الحديث النبوي والسيرة « ص (94ـ102) وقال: " فهذه الرواية باطلة موضوعة؛ ولوائح الوضع عليها ظاهرة من وجوه عديدة ... "، إلى أن قال:
" قوله:) ويُمرِّغ وجهه عليه )، قلت: وهذا دليل آخر على وضع هذه القصة وجهل واضعها؛ فإنه يصوِّر لنا أن بلالاً من أولئك الجهلة الذين لا يقفون عند حدود الشرع إذا رأوا القبور، فيفعلون عندها ما لا يجوز من الشركيات و الوثنيات، كتلمس القبر والتمسح به وتقبيله..." ص (96).
قلت: وتقبيل القبر الذي جعله الشيخ الألباني من دين القبوريين ـ كما ترى ـ هو عين ما أمر به القرني المسلمين؛ حيث قال في ص (57) من كتابه » لحن الخلود « بصراحة:
فـحيِّ القـبـورَ المـاثـلات تـحيّة ***** وضَعْ قُبْلةً يا صاحِ منك على اللحد
على خير من مسَّ الثرى بعبيره ***** أكـرم ميـت في الـورى لُـفَّ في بـُرد
وجعل رجاءه الشفاعة من الرسول مباشرة سائلاً ذلك منه ـ لا من الله ـ؛ فقال فيها أيضا:
وأرجو بحبِّي من رسولي شفاعة إذا ***** طاشت الأحلامُ في موقف مردي
عساه بقرب الحب يذكرني به ***** وراحته السـمحـاء تـأبـى عـن الـرد
قلت: قال الله تعالى:{مَن ذَا الَّذِي يَشْفعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإذْنِهِ}، وقال:{قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}.
وجعل النجاة من فزع الصراط بيد النبي فقال فيها أيضا:
أريد بمدحي أن يُبَلِّغني النجا مرور صراط مفزع مصلت الحدِّ
قلت: يا هذا! أقصر عن هذا الغلوّ المهلك؛ فقد قال الله لنبيّه :{قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ رَشَداً. قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أحَدٌ وَلَنْ أجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً}.
والذي تشيب له رؤوس أهل التوحيد وَصفه النبيّ بأنه: " إنسان عين الكون " في كتابه » المسك والعنبر « (1/190)؛ وهذا عين قول غلاة الصوفية أصحاب وحدة الوجود؛ فقد قال الجزولي في » دلائل الخيرات « ص (71): " وهو.. ـ يعني النبيّ ـ إنسان عين الوجود والسبب في كل موجود..." ( نقلاً عن كتاب » فضل الصلاة على النبيّ « لفضيلة الشيخ عبد المحسن العبّاد ـ حفظه الله ـ ص 22).
وفي ص (335) من » المسك والعنبر « ترى القرني يكفِّر بالكبيرة؛ حيث يقول: " وهي ـ أي المسكرات والمخدِّرات ـ أعظم ما عُصِيَ الله تعالى به في أرضه!! ".
قلتُ: هذا نتنُ مذهب الخوارج الصريح! فهل ترى قد شابهُ مسك وعنبر؟ أم هل ينفع أن يقال: سبقُ لسانٍ من خطيب منبر؟ فلماذا إذاً يطبعه في ذاك الدفتر؟! وهل يُقبل من صاحبه أن يَدَّعي أن كلام الخوارج مفتر؟! وهو يخاطب علماءَ المسلمين بقوله في ص (47) من
» لحن الخلود «:
صَلِّ مـا شـئـتَ وصُمْ فالـدِّين ***** لا يَعرِف العابد مَن صلى وصامـا
واجعل السبـحـة متريـن وخـذ ***** عـمّـة بيضاء واصبغـهـا رخـامـــا
واتـرك العـالم في غــوغائـه ***** يتلـظَّـى في ليـالـيـه اضـطـرامــــا
أنــت قـسّيس مـن الرهبان ما ***** أنــت مِـن أحمد يـكفيك الملامـــا
لا تـخـادعني بزيّ الشيـخ ما ***** دامـت الـدنـيــا بـلاءً وظـلامـــا
أنـت تـأليــفـك للأمـوات مـا ***** أنت إلا مـدنــف حــبّ الكلامـا
كل يوم تشـرح الـمـتن عـلـى ***** مذهـب التقلـيد قد زدت قــتاما
والحواشي السود أشغلت بهـا ***** حـينـما خِفتَ من الباغي حُساما
لا تقل شيخي كلاما وانتـظـر ***** عمر فتوى مثلكم خمسون عـامـا
والسـياسـات حِمـى مـذورة ***** لا تـدانيـهـا فــتـلـقـيك حـطـاما
قلت: إذاً لا تنفع عنده عبادةُ السلفي ولا تسبيحُ الصوفي ما داما عازفين عن الفقه الحركي المبتدع، وبسببه خرج كلٌّ منهما: ليس مِن دائرة العلم فقط، بل ومن دائرة الإسلام؛ لأنه صرَّح بلا تشبيه ولا تأويل أنهما صارا من النصارى، بل من قساوستهم؛ وذلك قوله:
" أنت قسيس من الرهبان!!"، وأكَّده حين أخرجه من ملّة أحمد في قوله: " ما أنت من أحمد!! "، وهذا ـ والله! ـ جُرم عظيم في حق إخوانه المسلمين! فكيف وهو حُكْم على علماء المسلمين!!! فهل تجرؤ ـ أيها القاريء ـ على تسمية أحد من المسلمين ـ فضلا عن علمائهم ـ باليهودي أو النصراني؛ لأنه لم يلتفت إلى ( فقه الواقع )؟! أعاذك الله.
هذا تكفيره بالكبيرة وبالوهم أيضا نثراً وشعراً! وذاك تخريفه نثراً وشعراً! فبأيّ حديث بعده يؤمنون؟! وتسمية قصيدته بـ( لحن الخلود ) مأخوذ من اسم غِناء امرأة مشهورة في هذا العصر!
ومثله أو أفظع منه في التكفير بالكبيرة قولُ سلمان العودة في شريط» جلسة على الرصيف « في مُغَنٍّ يجاهر بفسقه: " هذا لا يَغفر الله له! إلا أن يتوب؛ لأن النبيّ حكم بأنه لا يُعافَى » كلّ أمتي معافى « ...! لأنهم مرتَدُّون بفعلهم هذا!!... هذه رِدَّة عن الإسلام!! هذا مخَلَّد ـ والعياذ بالله ـ في نار جهنم إلا أن يتوب!! لماذا؟ لأنه لا يؤمن بقول الله : {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّه كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً}؛ بالله عليكم! الذي يَعرف أنّ الزنى حرام وفاحشة ويُسخط الله، هل يفتخر أمام الناس؟! أمام الملايين أو فئات الألوف من الناس؟! ... لا يَفعل هذا مؤمن أبدا! ...".
قلتُ: في قوله: " لا يغفر الله له!" جرأة عظيمة على الله! أولم يقرأ ما رواه جندب أن رسول الله حدَّث » أن رجلا قال: والله! لا يغفر الله لفلان! وإنّ الله تعالى قال: مَن ذا الذي يتَأَلَّى عليَّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرتُ لفلان وأَحبطتُ عملك « أو كما قال، رواه مسلم، قال ابن أبي زمنين في »))) (257): " ومَن مات مِن المؤمنين مُصِرًّا على ذنبه فهو في مشيئته وخياره، وليس لأحدٍ أن يَتسَوَّر على الله في علم غَيْبه وبجحود قضائه؛ فيقول: أَبَى ربُّك أن يَغْفِر للمُصرِّين، كما أَبَى أن يُعَذِّب التائبين! {مَا يَكُونُ لَنَا أَن نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}!" اهـ.
كنتُ أتمنى أن يكون هذا الكلام سبق لسان قد تاب منه صاحبه، ولزم بيته واشتغل بنفسه فعلّمها ما ينفعها، إلا أني وجدتُه مدوَّناً في كتاب له بعنوان الشريط نفسه! بل وأصرَّ عليه في شريط آخر بعد هذا عنوانه: » الشباب: أسئلة ومشكلات « بتاريخ: (21/5/1411هـ) فالله المستعان.
هذا، وقد كنتُ ـ من زمن بعيد ـ ألاحظ على أتباع هؤلاء الاشتراك في التكفير بكبيرة الربا لشبهات تَوهَّموها قرائن دالة على استحلالها! فعرفتُ أنه ليس ثَمَّ دخان بلا نار! ثم رأيتُ ناصر العمر يلمِّح له في كتابه » التوحيد أوّلاً « ص (66ـ67) تحت عنوان: معاصٍ أم كفر؟ وصرّح به سفر الحوالي في ص (138) من » وعد كيسنجر « فقال:
" ... واستبحنا الربا!! "، ثم أخذ هذا المذهبُ يُربي الريش حتى كان منه ما ذكرته آنفا!
وشبيه بهذا قول سفر الحوالي أيضا في نهاية الوجه الأول وبداية الثاني من شريط » دروس الطحاوية « (2/272): " .. هذا المترو بوليتان عبارة عن فندق في دولة خليجية: دبي .. فيها هذا الفندق، بكل صراحة يقول: إنَّ فيه مشروبات؛ اللي يسمونها المشروبات الروحية، يعني أنه يقدِّم الخمور بالإضافة إلى ما فيه من الشليهات أو ـ أيضا ـ الفيديوات إلى آخره، فهذه دعوة صريحة إلى الخمر، ومملوءة الدعوة ـ أيضا ـ مرفق بذلك: الصور اللي تثبت أنهم ـ والعياذ بالله ـ رقص مختلط وتعرِّي مع شرب للخمر، نعوذ بالله من هذا الكفر؛ لأنَّ استحلال ما حرَّم الله تبارك وتعالى هو بلا ريب كفر صريح !!!".
قلت: تأمل! فقد قدَّم صورة مجاهرات بالمعاصي، وسمى الدعاية لها استحلالا، ثم رتّب على ذلك الحكمَ بالتكفير الذي لم يترك لنا مجالا لتأويله بـ ( كفر دون كفر ) حين قال: " كفر صريح "، وهذا التخبّط الذي عند القوم في مسألة الاستحلال هو الذي جعلهم يرتعون في مذهب الخوارج؛ وإلا فما الفرق بين هذه المعاصي وغيرها؟! وهل يُمتنَع أن ثمّ عاصيا في الدنيا لم يَدْعُ صاحبا له إلى مشاركته في إثمه؟! وإنه ليؤسفنا أن يكون هذا هو الشرح للعقيدة الطحاوية!
وقد سُئل الشيخ الألباني عن كتاب: (( ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي )) لسفر الحوالي، وفيه التكفير ببعض الكبائر! فقال:
" كان مني ـ أنا ـ رأيٌ، صدر مني يوماً ما، منذ نحو من ثلاثين سنة حينما كنت في الجامعة (يقصد الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية)، وسُئلتُ في مجلس حافلٍ عن رأيي في جماعة التبليغ، فقلتُ يومئذ: صوفية عصرية، فالآن خطر في بالي أن أقول بالنسبة لهؤلاء الجماعة الذين خرجوا في العصر الحاضر و==ف، أقول هنا تجاوباً مع كلمة الحافظ الذهبي: خالفوا السلف في كثير من مناهجمهم، بدا لي أن أسمِّيهم: خارجية عصرية، فهذا يشبه الخروج الآن فيما ـ يعني ـ نقرأ من كلامهم؛ لأنهم ـ في الواقع ـ كلامهم ينحو منحى الخوارج في تكفير مرتكب الكبائر، لكنهم ـ ولعل هذا ما أدري؟ أن أقول: غفلة منهم أو مكر منهم!! وهذا أقوله أيضا من باب {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ على أَن لاَ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ـ ما أدري لا يصرّحون بأنّ كل كبيرة هي مكفِّرة! لكنهم يُدندنون حول بعض الكبائر ويسكتون أو يمرّون على الكبائر الأخرى! ولذلك فأنا لا أرى أن نُطلق القول ونقول فيهم: إنهم خوارج إلا من بعض الجوانب، وهذا من العدل الذي أُمرنا
به ... ".
ثم أبدى الشيخُ استغرابَه من بعض ما في حواشي الكتاب؛ مثل رَمْي مَن لا يُكَفِّر تاركَ الصلاة بالإرجاء!! واستغرب أن يكون هذا من سفر الحوالي؛ معلِّلا إيّاه بقوله: " لأن سفرا ـ أقلّ ما أقول ـ يُظهر الإجلال للألباني! ... ".
من شريط (( السرورية خارجية عصرية )) نهاية الوجه الأول، تسجيلات القدس بالأردن.
فهؤلاء أربعة من ===صاروا ضحايا فكر محمد قطب؛ انحرفوا في شيء من عقيدتهم، بل في أصل العقيدة ـ كما سبق ـ فانحرفت دعوتهم، كما ستقرؤون ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله. ثم كيف رضي هؤلاء لأنفسهم التتلمذ على يدي رجل عَزَّ عليه التجرّد من غزو لباس الفرنجة إلى يوم الناس هذا، فأنَّى له التجرّد من نظامهم؟! ثمّ هم أعلم منه بشرع الله؟! والأمر لله.
هذا وقد وجدتُ في كلام أحد متبوعي هؤلاء الشباب المذكورين التكفيرَ الصريح بكبيرة اللواط؛ فقد قال محمد سرور زين العابدين في كتابه (( منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله )) (1/158): " فليس مِن المستغرَب أن تكون مشكلة إتيان الذكران مِن العالمين أهمَّ قضية في دعوة قوم لوط عليه السلام؛ لأن قومه لو استجابوا له في دعوته إلى الإيمان بالله وعدم الإشراك به لما كان لاستجابتهم له أيُّ معنى إذا لم يُقلِعوا عن عاداتهم الخبيثة التي اجتمعوا عليها، ولم يَتستَّروا في فعلها!!!".
قلت: فهل بعد هذا التصريح أدنى شكّ في التزامه مذهبَ الخوارج؟! ثم لابدّ أن يُلاحَظ تقييدُ المسألة عنده بالتستّر من عدمه، وإدارته الحكمَ بالتكفير عليه ليُربَط بكلام سلمان العودة السابق في تكفيره المجاهر بالفسق؛ فقد بلغني من أكثر من مصدر أن هذا الأخير كان ـ وهو صغير ـ كثير التردّد على محمد سرور! وقد قال عمرو بن قيس الملائي: " إذا رأيتَ الشَابَّ أوَّلَ ما يَنشأُ مع أهل السنة والجماعة فارْجُه، وإذا رأيتَه مع أهل البدع فايْئَسْ منه؛ فإنّ الشّابَّ على أَوّل نُشُوئه "، رواه ابن بطة في (( الإبانة )) (44) وهو صحيح.
بل لم يكتفِ محمد سرور بهذا حتى بيّن ـ بلا مواراة ـ أنه قال هذا من أجل إسقاط منهج السلف في ادِّعائهم أن الشرك هو أخطر ما عُصِيَ اللهُ به! فقد قال في ص (159) وهو يتحدّث دائماً عن اللواط: " ثمة أمر لابدّ من التنويه إليه، وهو أن كلّ نبيّ بعثه اللهُ لهداية قومه وإصلاح ما فسد من أخلاقهم وعاداتهم، وهذا يقتضي أن يتصدَّى النبيّ لعلاج ومواجهة أخطر المشكلات مهما كلّفه ذلك من تضحيات!! وهذا يخالف سلوك بعض الدعاة في عصرنا؛ الذين يعالجون قضايا عفا عليها الزمن ...!!!".
قلتُ: فهذا يدلّ على أنه يرى كبيرةَ اللواط أخطر من الشرك بالله!! فهل وصل الخوارج الأوّلون والآخِرون إلى هذا الضلال قبله؟! وقد أحسن الردّ عليه فضيلة الشيخ صالح الفوزان في شريط (( أهمية التوحيد )) .
وأعود إلى قضية الاستحلال هذه لأنقل كلام الشيخ الألباني من كتابه » العقيدة الطحاوية: شرح وتعليق « ص (40ـ41) بعد ردّه على المتخبِّطين في التكفير بالاستحلال، فقال: " وقد نبتت نابتةٌ جديدة اتَّبَعوا هؤلاء ـ أي الخوارج والمعتزلة ـ في تكفيرهم جماهير المسلمين رؤوساً ومرؤوسين، اجتمعتُ بطوائف منهم ...، ولهم شبهات كشبهات الخوارج؛ مثل النصوص التي فيها ( مَن فعل كذا فقد كفر )، وقد ساق الشارح ـ رحمه الله تعالى ـ طائفة ==========ـ القائلين بأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص ـ أن الذنب أيّ ذنب كان؛ هو كفر عملي لا اعتقادي، وأن الكفر عندهم على مراتب: كفر دون كفر؛ كالإيمان عندهم، ثم ضرب على ذلك مثالا هاما طالما غفلَتْ عن فهمه النابتةُ المشار إليها، فقال ـ رحمه الله تعالى ـ ص (363): " وهنا أمر ينبغي أن يُتفطَّن له، وهو أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرا ينقل عن الملّة، وقد يكون معصية: كبيرةً أو صغيرةً، ويكون كفرا: إما مجازيا وإما كفرا أصغر، على القولين المذكورين؛ وذلك بحسب حال الحاكم ...".
قلت: للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ تفصيل طيِّب لمسألة الاستحلال في شريطين من شرحه لـ » كتاب التوحيد « للمجدِّد محمد بن عبد الوهاب في " باب طاعة العلماء والأمراء " من » تسجيلات طيبة « بالمدينة الطيّبة، فاطلبها.
كافأوه بأن نظموا مظاهر ة حاشدة وكان كل فخرهم أن الداخلية فوجئت بتلـك
المظاهرة .. وهكذا يزايدون على الجميع .
لقد انفض عنهم الجميع نتيجة لسلوكهم مع الكـل .. تحـالف .. ثـم
نقض العهد والطعن فى الظهر حتى إنهم استبعدوا من الحوار الوطني ومـن
تجمعات الأحزاب حتى إن بعض الأحزاب قالوا لا نريد الإصلاح الـسياسي
ولسنا متحمسين له الآن حتى لا يستفيد منه الإخوان، انظـر إلـى أى مـدى
صارت الأمور وأن هذه الأمور التى وضعوا أنفسهم فيها جعلـتهم يحـسون
بالعزلة والإهمال، وهذا شعور خطير إذا أصاب جماعة فى قـوتهم وحـسن
تنظيمهم، فهم يتصرفون الآن وظهرهم إلى الحائط وليس أمامهم إلا السير فى
الطريق الذى رسمه الإخوان وينفذه مركز بن خلدون، إنـه طريـق إحـداث
الفوضى فهى تحقق عدة أهداف، إنها تربك الأمن وتكسر حـاجز الخـوف،
وتشجع كل نائم أن يستيقظ ويهب للحركة ثم إنه قد يـشجع بعـض القـوى
الشعبية التى ترفضهم على الاقتراب منهم والتعاون معهم .
لقد ورد فى النشرة التى يصدرها مركز ابن خلودن باسـم المجتمـع
المدنى عدد 120 السنة العاشرة نوفمبر 2004 ورد فى كلمة المحرر شريف
منصور تحت عنوان " هل بدأ العصيان المدنى ؟ " تمر خطير فى ضوء عـدة
متغيرات غير مسبوقة الأحزاب المصرية تتحد مع بعضها البعض فى جبهـة
وفاق وطنى . مجموعة متزايدة من تكتلات الجمعيـات الأهليـة والحقوقيـة
المصرية تتشكل التنسيق يتصاعد بوتيرة منتظمة بين الأحـزاب ومنظمـات
المجتمع المدنى والحركة الشعبية الناشـئة للتغييـر، الإخـوان والجماعـات
الإسلامية المعتدل منها والمتطرف يعلن مراجعة نقدية للـذات ويمـد بدايـة
للمشاركة فى الحياة السياسية من جديد ؟ وهكذا يظهـر التنـسيق بـين ابـن==خلدون والإخوان، بل والاتفاق على خطة عمل واحدة لحساب الأمريكان، فلم
يعد الأمر سراً، ولكن الأمور قد اتضحت بلا لبس أو غموض .
إنهم يزايدون على الجميع وتلك إحدى وسائلهم المشهورة، المزايـدة
والتصعيد وأنهم يستغلون أية بادرة حرية وبـدلاً مـن أن يـدعموه تجـدهم
يتسابقون لاستغلاله وهم بذلك يخيفون من يريـد أن يفـتح نافـذة للحريـة
والديمقراطية وعندهم المعادلة الشهيرة للتغيير ليضعوها موضع التنفيذ .
لقد بدأوا يحركون قوى الإخوان فى كل مكان للغط لمساعدة المخطط
الأمريكى بالمنطقة فإخوان سوريا الذين خرجوا من السجون بعـد دفـوعهم
للحركة من جديد مطالبين الإدارة السورية بالإصلاح الديمقراطى، حتـى وإن
جاءت هذا التحرك من مجموعة إخوان سوريا الموجودين بـإنجلترا إلا أنـه
يثير للسجون داخل سوريا أو يعيدهم للسجون مرة ثانية .
وهم قد أتتهم ال فرصة للمزايدة على الجميع فى موضـوع الأقـصى،
إنهم يطالبون بفتح باب التطوع لإنقاذ الأقصى وما أشبه الليلة بالبارحة، ففتح
باب التطوع يعنى فتح معسكرات التدريب، ومعناه فتح باب التبـرع لجمـع
المال من جديد ثم شراء السلاح ثم تخزينه لحساب الإخوان وتتكدس خزانـة
الإخوان بالأموال من تبرعات المسلمين من كل الدول الإسلامية يتكـرر مـا
حدث سنة 1948 وأكثر بكثير فهذه المرة عندهم التجربة الـسابقة بـسلبياتها
وإيجابياتها، وهم هذه المرة لن يتركوا الفرصة السانحة تمر، المهـم انتهـاز
جميع الفرص الممكنة لإحداث الفوضى وإثارة البلبلة ومن ثم النفاذ إلى هدفهم
وهو إحكام السيطرة على مقدرات هذا البلد .
حدثنا التاريخ عن أن التنظيمات والحركات الباطنية الفكر والاعتقـاد
مثل جماعة الإخوان المسلمين بكثرة الشللية، وكثرة الدسـائس والمـؤتمرات
بغية السيطرة والقفز على مراكز القيادة، وإحكام السيطرة على الأفراد وهـم====جانب تكتيكات الشلل والمؤامرات، فهم يستعملون شـعارين فـى غايـة
الأهمية بغية السيطرة هما السمع والطاعة، وقد ترض هذا الطرح لكثير مـن
النقد والهجوم على الجماعة وعلى قادتها عبر تاريخ طويل .
لذلك فقد انتهز القيادى البارز فى الجماعـة، الـصاعد كالـصاروخ
الدكتور محمد ا لسيد حبيب النائب الأول للمرشد العام فرصة إحدى النـدوات
التى أقيمت مؤخراً بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تحت عنوان "هل
الإخوان رصيد للإصلاحيين أم خصم متهم ؟ " للرد على الكثير من تـساؤلات
الإخوان الحاضرين فى تلك الندوة، ولكنه لم يـستطيع الـرد علـى جميـع
التساؤلات من خلال الندوة، فأكمل الحديث فى إحـدى صـحف المعارضـة
وكان موضوع الرد هو السمع والطاعة . وحاول تثبيت المعنى فـى نفـوس
الإخوان وتعميقه خشية أن يتأثر تحت معاول الهجوم المتصل من الآخـرين
على هذا المعنى حيث قال "من بين الأسئلة التى أثبتت مسألة السمع والطاعة
فى الجماعة والتى لا تعنى عند البعض ـ ممن لا يعرفون الإخوان ـ سوى
جندية عمياء وقيادة متجبرة، المرء الذى لا يتناسب مع الظروف الحالية التى
نعيشها والتطور والتقدم الذى ننشده، فضلاً عن أن ذلك يورث أفراد الجماعة
فقدان الشخصية وعدم القدرة على الابتكار والإبداع والقدرة الفرصـى فـى
إفراز عناصر متميزة يمكن أن تفيد الجميع فى الفكر والحركات والاستشراف
نحو المستقبل، والحقيقة أن السمع والطاعة فى الجماعة أمر ضرورى ومهـم
لتحقيق أهدافها وبلوغ غاياتها، والشعار الثانى المـستعمل للـسيطرة علـى
الآخرين هو " دعنا نتعاون فيما نتفق عليه ويعذر بع ضنا بعضاً فيمـا اختلفنـا
فيه " ، وسوف نتطرق للحديث عن هذا الشعار كثيراً فى الحلقات القادمة . أقول
إن تلك الشلل وهذه الصراعات التى تتم بغية السيطرة على الجماعة حـدثت
وحسن عشماوي ومنير الدلة لتعيين حسين الهضيبي الذى أتـوا بـه لتـولى عدة مرات من أبرزها المؤامرات التى تمت من قبل الثلاثي صـلاح شـادي====== منصب المرشد بعد اغتيال حسن البنا، وسوف أشرحه لاحقاً، أما ما يحـدث
الآن فلا ينبغى أن يمر دون شرح وتبيان فلقد تم تعيين المرشد الحالي الأستاذ
مهدي عاكف كمرحلة انتقالية لفترة لن تزيد على سنتين أو ثلاث على الأكثر
لإعطاء الفرصة لتلميع وإظهار شخص آخر وإعداده لتولى هذا المصب بعـد
ذلك، استبعاداً لآخرين كان يمكن أن تظهر أسماؤهم لتولى هذا المنصب همـا
عبدالمنعم أبو الفتوح وعصام العريان لأن المطلوب هو تلميع وإظهار وإعداد
الدكتور محمد السيد حبيب النائب الأول الحالى للمرشد العام الأسـتاذ محمـد
مهدى عاكف، فهو المؤهل لتولى منصب المرشد العام بعد أن يستقيل الأستاذ
الزمن لإعداد المرشد الجديد، فسوف يتولى بعـد ذلـك دون أى عنـاء ولا عاكف حين وصوله إلى سن الثمانين، ما صر من قبل . فإنهم فى صراع مـع
انتخابات ولا أى إجراء من الإجراءات المعادة فى مثل تلك الظروف، فسوف
يتولى بسهولة بفترته الحالية كنائب أول للمرشد .
وهكذا تم تنفيذ المخطط للاستيلاء على مقـدرات الجماعـة بـسهولة
ويسر هذه المرة، وبأقل الخسائر استفادة من الدرس السابق الذى حدث مـع
صلاح شادى حينما أحضر الأستاذ حسن الهضيبي مـن خـارج الجماعـة،
ضرباً بخصومه المرشحين لتو لى منصب المرشد العام بعد اغتيـال الأسـتاذ
حسن البنا وهم الشيخ صالح عشماوى أو الشيخ الباقورى أو الـشيخ محمـد
الغزالى، وهم على علاقة جيدة مع عدوه اللدود عبدالرحمن السندى والنظـام
الخاص الذى كان فى صراع مستمر مع صلاح شادى ورفاقه خاصة منيـر
الدلة الذى كان حديث عهد بالإخوان حيث دخل فى عام 1947 وقد وصـف
دخوله الجماعة وقتها أنه إدخال للكاديلاك والارستقراطية إلى قلب الحركة ،
وكان الدلة قد ساهم بالكثير من ثروته كأحد كبار ملاك الوجه القبلى، وكـان
لهذه الأسباب مسموع الصوت فى اختيار حسن الهضيبي من خارج الجماعةرغم أنه ليس عضواً فى مكتب الإرشاد، ولا حتى فى الهيئة التأسيسية وكـأن=====من اختاروه يظنون أنه سيكون واجهة لهم يوجهونه كيف يشاءون، وقد عمل
صلاح شادى الذى كان شديد التسلط والدكتاتورية على تصفية خصومه مـن
أعضاء التنظيم الخاص، فقد استغلوا كراهية حسن الهضيبي للعنف والقتـل،
وصورا له هؤلاء الخصوم على أنهم قتلة وسفاحون، حتى إنـه رفـض أن
يقابل مجموعة من المفرج عنهم، وأن تلتقط معهم صورة تذكارية، فقال أنا لا
أقابل القتلة وكان لهذا التصريح عمل السحر فى تحفيز أعضاء النظام الخاص
ضد الهضيبي .
وكان من نتيجة ذلك وتمرد رجال السندى على القيادة الجدي دة أن تـم
فصل السدى ومعه أحمد عادل كمال، أحمد زكى ومحمـود الـصباغ وهـم
يمثلون قيادة النظام الخاص .
وقام أتباعهم بعد ذلك باحتلال المركز العام، ووصل الأمر إلى حـد
ذهاب بعضهم إلى منزل الهضيبي وقيام بعضهم بوضع المسدس فـى رأسـه
ليجبره على إلغاء قرار الفصل، إلا أن حسن الهضيبي كان أكثر صلابة ممـا
تصور الجميع وقام بفصل مجموعة أخرى حوالى ستين عضواً كان أبرزهم
الشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق والشيخ يوسف القرضاوى وغيرهم.
هكذا كانت المؤامرات التى دبرت للقفز على قيادة الجماعة وما أتـت
به من آثار سيئة كان أخرها دخول الإخوان إلى السجن .
فهل تنجو الجماعة هذه المرة من الآثار السلبية التى قد تحـدث مـن
جراء القفز على قيادة الجماعة، خاصة أن الدكتور حبيب لا يتـرك فرصـة
حتى يصحح للمرشد أقواله، ويرجع تصريحاته إلا أنهم قد أخذوا على غـرة
حين سئلوا لأول مرة عن المفاوضات مع الأمريكان، فقد صرح عـاكف أولاً
بأنه مرح بكل من يريد أن يتفاوض معهم ولكن الدكتور حبيب وغيره قـاموا
بتصحيح أقوال عاكف، وكانت كلها ردوداً غير مدروسة إلى أن عثروا فيمـا
بينهم على الإجابة المثلى وهى أنهـم إذا أراد الأمريكـان أو الأوربيـين أن===== يتفاوضوا معهم فلن يحدث ذلك إلا إذا أتى عن طريق وزارة الخارجية وهذا
القول فيه الكثير من الخداع والمغالطة وهو قول مـردود عليـه لأنـه مـن
المعروف للجميع أن الأمريكان حين يفاوضون جمعيات أهلية فإنهم يرسـلون
أفراداً من خارج السلطة أو من الاستخبارات .
يا ترى هل ستنجح القيادة الحالية فى تفادى السلبيات التى حدثت سنة
1954 أم أن التاريخ سيعيد نفسه وتحدث مشاكل وانقسامات داخل الجماعـة،
وإذا حدث داخل الجماعة، وحيث حدث وتفادت القيـادة الجديـدة المـشاكل
المفترضة فإننى ألمح نفس الأخطاء السياسية التى حدثت سـنة 1954 فقـد
تميزت تلك الفترة بنوعية معينة من التصعيد الـسياسي فـى الـصدام مـع
الحكومة، فإن نفس الخطوات قد بدأت الآن، المظاهرات ومحاولـة التحـالف
مع القوى المعارضة والتصاعد بالأحداث حتى تـصل إلـى حـد العـصيان
المدنى، ولكن هذه المرة فهناك الدعم الخارجى الواضح والذى يدفع أية فئـة
على مدى التاريخ بالعمالة والتعاون مع القوى الخارجيـة ضـد الـشرعية،
ولست تلك التحركات وهل هى محسوبة جيداً أم سيكون المصير هـو نفـس
المصير ؟ !
أرجو ألا يتورطوا فى أخطاء تضاف إلى أخطائهم وتـدمغهم مـدى
الحياة أن مكتب الإرشاد الحالى مطعم بمجموعة من الـشباب إلـى جانـب
الحرس القديم، وما كنت أتصور أن ينظم إلى مكتب الإرشاد مجموعـة مـن
فضيلة سنة 1965 منهم الدكتور محمود عزت إبراهيم والشيخ محمد الخطيب
إلى جانب بعض رؤساء المناطق مثل السيد نزيلي محمد وغيره، وأذكـر أن
الأستاذ صلاح شادى حين أبلغ فى سنة 1965 بوجود هذا التنظـيم غـضب
وأصدر أوامره إلى المهندس مراد الزيات أن يبلغ البوليس عن هذا التنظيم !!
إلى هذا الحد كان القرار غير مستند إلى شرع أو عقل ولكـن إلـى
الهوى الشخصى فكان المهم فى نظرهم الطاعة والاستئذان أولاً وإلا إبـلاغ==البوليس، لقد حدثت من قبل محاولات عدة للإنقلاب على الأستاذ البنا نفـسه
وهو مؤسس الجماعة، ولكنها جميعاً باءت بالفشل وأدت إل ى فصل أصـحابها
كما حدث مع أحمد السكرى فى أولى مراحل قيام الجماعة حيث كان السكرى
يطمع فى قيادة الجماعة ووصل الأمر إلى فصله من الجماعة وكذلك انفصال
عالم إسلامي جليل، فكان يدرس لهم الإسلام من جديد وكان يقول لهم حـين مجموعة شباب محمد الذين كانوا على علاقة بالأستاذ محمود شـكرى وهـو
يلقاهم أخلعوا الأفكار التى عملها لكم البنا مع أحذيتكم خارج المنـزل . وبعـد
فلقد تمرد عليه مصطفى مؤمن حتى أدى الأمر فى النهاية إلى فصله، وهكـذا
فإن الطبيعة البشرية غلابة مهما قيل من أسباب فإن الصحابة قد اختلفوا، بـل
اقتتلوا، ولن يكون الإخوان أحسن من ذلك فهذا تاريخهم مملـوء بالعلامـات
الواضحة التى تؤرخ للخلافات الشديدة والبأس بين الأفراد، حتى وإن أدعـوا
غير ذلك وحاولوا الظهور بالملائكية، فإن الحقيقة تظهر دائماً صارخة للعيان
وأنا فى انتظار نتيجة الأوضاع سواء داخل الجماعة، أم فى صـراعهم مـع
النظام، فلقد هدد نائب المرشد الحالى والمرشد المتوقع بتنظيم مظاهر كبـرى
تتكون من عشرات الآلاف وهو فى طريق التصعيد وزيادة الضغط المـستمر
على الحكومة حتى يصل إلى تحقيق ما يريد، وهو بذلك يجر الآلاف المؤلفة
من شباب الإخوان باسم السمع والطاعة لي حيث يريد، فيـا ليـتهم يعلمـون
فكرهم وعقولهم ويضيفون إلى مبدأ السمع والطاعة كلمة أخـرى وهـى أن
تصبح السمع والطاعة والمبصرة بدلاً من أن تكون عمياء .
إن من يتصدى لحكم بالإسلام عليه أولاً أن يعى أن الحكم الإسـلامى
كان نتاج مجتمع مسلم تربى لمدة 23 سنة على القرآن يـستوعب أيـة بعـد
الأخرى، وكان نزول القرآن بهذه الصورة مقصوداً مـن الحـق ـ تبـارك
وتعالى ـ لتربية الأفراد من المسلمين رجالاً ونساء ،حيث قال تبارك وتعالى
(وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً " .. وهكذا ترى أن====الفرق كان مقصوداً وأن المكث كان مقصوداً، وذلك لتربية أجيال المـسلمين
حضرت هذه المرحلة مع رسول االله صلى االله عليه وسلم .
هذه الأمة التى ترتب على هذا الشكل من أبرز صفاتها أنهم مجبولون
على الخير والالتزام ومراعاة حقوق الآخرين، دون تذكير أو جهد كبير فـى
التوجيه والحكم ولذلك أقول أن قيام حكم إسلامى يلزم له أمران .
شعب نربى على الإسلام، ثم أحكام شرعية ولهذا كان حكم الخلفاء الراشـدين
إلى جانب حكم عمر بن عبدالعزيز هو أقرب الحكومات إلى الإسلام .
وأن هذا الأمر لن يتكرر كثيراً لأن شروطه صعب وواجبات الحاكم
فيها أصعب، وبرغم ذلك فإن حكم الراشدين قد تخللته فتن ودسائس لم يكـن
لها أن تحدث فى عهد الصحابة، فما حدث فى عهد عثمان، وما حـدث فـى
الانقسامات والدسائس، والمؤامرات إن حدثت فى الـصفوف فالنتيجـة هـى عهد على من فتن يوقف الإنسان أمام فتن من الـصعب التغلـب عليهـا لأن
الانهيار والتشرذم، وهذا ما حدث تاريخاً مما يجعلنى فى قناعة مرة ثانيـة أن
الحكم الإسلا مى كما أفهمه لن يعود ثانية لأنه أقرب إلى مجتمع الملائكة منـه
إلى بنى البشر ولو رجعنا إلى التاريخ لوجدنا أن الحدود قد أقيمت مرات قليلة
جداً فى هذه الحكومات، لأن الناس لا يفعلون المعصية إلا لماماً، ولكنهم قـد
أتوا من الفرقة والانقسامات التى يجد فيها المرجفون و المتربصون الفرصـة
السانحة للنفخ فى النار سواء كانوا من ضعاف النفوس من المسلمين أم كانوا
من فئات أخرى يزعجهم قيادة الإسلام ونجاح المسلمين على هذا النحو .
ولقد ظلم الإخوان أنفسهم، وظلموا المسلمين والإسلام حيث تـصدوا
لهذا الأمر وهم يعلمون من تاريخهم الملئ بالانقسامات والفتن والدسائس مـا
تضيق له الصدور، فلو تتبعنا الفتنة التى حصلت بينهم من أول مؤامرة تعيين
الأستاذ حسن الهضيبي من قبل مجموعة أرادت أن تقـوم بـانقلاب داخـل===الجماعة، وقد تم لهم ما أرادوا، حيث جمع الأستاذ منيـر الدلـة المجموعـة
المرشحة لتولى قيادة الجماعة بعد وفاة الأستاذ البنا وهم صـالح عـشماوى
والشيخ الباقورى والأستاذ جمال البنا والأستاذ عبدالحكيم عابدين والذى كانت
عليه بعض التهم الشخصية التى تجعله غير مؤهل لهذا المنـصب، وفـاتحهم
الأستاذ منير الدلة بأنه من المطلوب اختيار مرشد خلفـاً للمرشـد الراحـل،
ولكنهم تعففوا جميعاً، فهم جميعاً راغبون فى المنصب إلا أنهم وكلهـم كـذلك
يريدون أن يختارهم الآخرون لأن طالب الولاية لا يولى، واسـتغل الأسـتاذ
منير تلك الحالة وفاجأهم بعرض اسم الأستاذ الهضيبي، ولم يكن معروفاً بين
الإخوان، ولكنهم لم يعترضوا حياء مع الاحتفاظ بالضغينة فى داخلهم، ونتيجة
لهذا السلوك العجيب الذى يعتبر الصراحة، ولكنهم يريدون للأمور أن تـأتى
لهم، ولكن بطريق ملتو وغير صريح، وقد تمت الموافقة على اسم الهضيبي،
وأخذت موافقة الهيئة التأسيسية بالتمرير، وكان هذا أول نجاح يحرزه صلاح
شادى فى صراع مع السندى حيث لم يكن يحبه وكانت المنافسة بينهما كبيرة
حتى أن صلاح شادى قد أنشأ له جهازاً سرياً خاصاً بـه سـمى مجموعـة
وحدات تولى الأستاذ الهضيبي القيادة وأحاط نفسه بمجموعته المكونـة مـن
صلاح شادى ومنير الدلة وحسن عشماوى وعبدالقادر حلمى وغيرهم، ولمـا
خرج إخوان السيارة الجيب من السجون، ودعى الأس تاذ الهضيبي للقاء هؤلاء
قولته الشهيرة : أنا لا أقابل المجرمين والقتلة، وكان لهذا التصريح عمل النار
فى الهشيم بين أفراد النظام الخاص، وبدأت حركة غير طبيعية بـين هـؤلاء
الإخوان، وكان قد تم تعيين السيد فايز رئيساً للنظام فى غياب السندى ولمـا
بلغ السندى أن السيد فايز قد وضع ولاءه للمرشد الجديد اشتاط غضباً، وكان
شخصية دكتاتورية لا يجب أن ينازعه أحد أو ينافسه أحد، وكان يقضى على
جميع منافسيه حتى لا يكون على الساحة غيره، فأرسل للسيد فايز من يقتلـه
فأرسلت له علبة حلوى فى منزله انفجرت حين فتحها، وكـان هـذا نـذيرا====== للهضيبي أن المجموعة لن تتركه، ولكنه كان صلباً عنيداً جداً، فأصدر قراراً
بفصل الأربعة رؤساء النظام عبدالرحمن السندي وأحمد زكي وأحمد عـادل
ومحمود الصباغ، ثم تلاها بكشف آخر به حوالى ستين من القيادات المواليـة
للسندى منهم الشيخ الغزالي والسيد سابق ويوسف القرضاوي وغيـرهم مـن
المناوئين، ترتب على ذلك اجتماعات من طرف مجموعـة الـسندى لخلـع
الهضيبي . وفى نفس الوقت كان أفراد القيادة السابقة للنظام يتخوفون على ما
لديهم من أسرار، فذهب أحمد عادل كمال إلى أحد مرؤوسيه وكان مـسئولاً
عن النظام فى شبرا وهو الأخ سيد عبده وترك عنده شنطة وجد بها جوازات
سفر مصرية بدون أسماء وتقارير لمخابرات الإخوان عن حركـة الجـيش،
وتحركات الجيش وتحركات السفارتين الأمريكية والبريطانية وتقـارير عـن
تحركات الشيوعيين، وهكذا ترى كيف يفكر وماذا يبحثونه، وبعـدها عمـل
أحمد عادل على تجميع مجموعة من الإخوان للذهاب عن أسباب الفصل، فإذا
لم يجب إجابة واضحة طالبوه بالاستقالة، ثم تذهب مجموعـة أخـرى إلـى
المركز العام للاعتصام هناك ومحاولة اختيار مرشد جديد، وكان من هـؤلاء
صالح عشماوى ومحمد الغزالى وعبدالعزيز جـلال وسـيد سـابق، وكـان
المفروض أن يختاروا صالح عشماوى مرشداً جديداً ذهب إلى منزل المرش د
حوالى عشرين من شباب النظام الخاص من بينهم على صديق وفتحى البوز
ومحمود زينهم وعلى المنوفى اتفقوا لأنه أكثرهم هدوءاً، زيادة أم مظاهرة ؟ !
فقالوا : زيادة ثم بدأ على المنوفى بالكلام فقال : جئنا نسألك عن فـصل قـادة
النظام، ثم قال محمد حلمى فرغل نحن لم نحضر للسؤال ، ولكننا فقط تعبنـا
منك لأنك لا تعرف كيف تقود الجماعة ونحن نطالبك بالاستقالة، فلمـا هـم
بتركهم والخروج من الغرفة تصدى له محمد أحمد ـ وكان سكرتير الـسندى
ـ وفتحى البوز ومنعاه من الدخول وخلعا سماعة الهاتف فحاول الخروج من
الباب المطل على السلم فلحق به على صديق ومحمود زينهم وقـام محمـود==========زينهم بحمله وإعادته للغرفة، وهكذا تعاملوا مع الرجل الـذى كـان رمـزاً
للجماعة ومرشداً لها، أردت أن أروى هذا المشهد بالتفـصيل حتـى يـرى
القارئ وفى تسوية أمورهم مع بعضهم البعض، فكيف يكون أخلاقهـم مـع
الآخرين، وكيف هم إن حكموا، وما الذى يفعلونه م ع الناس وهم حكام، إنـه
الدم والظلم والاستبداد باسم االله !
ثم تم احتلال المركز العام بقيادة النظام والاعتـصام بداخلـه حتـى
يستقيل المرشد، وأدعى بعض أن الشيخ سيد سـابق ذهـب لمقابلـة جمـال
عبدالناصر، وقد عاد من عنده ليخبر الجميع أن جمال يؤيد الانقـلاب علـى
الهضيبي وأنه لن يتدخل فى الأمر، كذلك ذهب سعيد رمضان مكلفاً من قبـل
المرشد لمقابلة صلاح سالم وزير الإرشاد يطلب منه عدم نشر هذه الأحـداث
فى الصحف، وقد وافق صلاح سالم إلا أن عبدالناصر تنشر ما تـشاء، وقـد
ذكر أحمد أبو الفتوح أن جمال عبدالناصر سمح له بالنشر، والمهم فـى هـذه
الملحمة التى شارك فيها المرشد ورجاله وصلاح شادى ورجاله، والـسندى
ورجاله، وكلهم كان يخاطب جموع الإخوان عن السمع والطاعة حتى انتهـى
احتلال المركز العام بقيام المجموعات التابعة للأستاذ صلاح شادى بـدخول
المركز العام وطرد المتمردين منه وانتهت الأزمة ونجح صلاح شـادى فـ ى
تدعيم مركزه داخل الجماعة عن طريق المرشد الذى اختاروه، إنى حين أقرأ
تاريخ الإخوان أشعر بالفزع حين يتحدثون عن العمل بالـسياسة أو تكـوين
حزب سياسي، ولهذه الأسباب أولها أن هذا تاريخهم مع بعـضهم الـبعض،
ثانيها أن فكرهم السياسي ضحل جداً، ورؤيتهم السياسية قصيرة النظر وثالثها
أنهم ليس لديهم الفكر والدراسات اللازمة للعمل السلطوي فهم ليـسوا رجـال
سلطة لأنهم حالمون ورومانسيون أكثر منهم عمليون والنجاح فى الحكم غير
النجاح فى قيادة جماعة، هذا إن كانوا يريدون أن يعـدلوا بـين النـاس وأن
يخدموا الناس . وقد كان فى صدر الإسلام رجال طيبون عابدون ولكنهم لـم===
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق