السبت، 21 يناير 2017

فكرة العالمية أو الأخوة الإنسانية عند سيد قطب=إن سيد قطب هو الأب الروحي للجماعات الإرهابية فى هذا الزمان =الشك والتشكيك عند سيد قطب في أمور عقدية يجب الجزم فيها========قطب============, وهذا ليس افتراءً عليه ولا عليهم ، وإنما هو بإعترافاتهم , بما أصله سيد قطب فى كتبه من فكر تكفيري للمجتمعات وإستلاح دماء المسلمين بحجة أنهم لم يدخلوا الإسلام وإن رفعوا الأذان على المآذن !!!!!!!!وهذا جانب من كلمات القوم !!
قال أيمن الظواهري في صحيفة الشرق الأوسط، عدد 8407- في 19/9/1422هـ:
إن سيد قطب هو الذي وضع دستور “الجهاديين !!” في كتابه الديناميت!! : (معالم في الطريق)، وإن سيد هو مصدر الإحياء الأصولي!!، وإن كتابه العدالة الاجتماع
ية في الإسلام، يعد أهم إنتاج عقلي وفكري للتيارات الأصولية!، وإن فكره كان شرارة البدء في إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج، والتي ما زالت فصولها الدامية تتجدد يوماً بعد يوم). انتهى
قال عبدالله عزام في كتابه “عشرون عاما على استشهاد سيد قطب “:
((والذين يتابعون تغير المجتمعات وطبيعة التفكير لدى الجيل المسلم يدركون أكثر من غيرهم البصمات الواضحة التي تركتها كتابة سيد قطب وقلمه المبارك في تفكيرهم.
ولقد كان لاستشهاد سيد قطب أثر في إيقاظ العالم الإسلامي أكثر من حياته ، ففي السنة التي استشهد فيها طبع الظلال سبع طبعات بينما لم تتم الطبعة الثانية أثناء حياته ، ولقد صدق عندما قال: ( إن كلماتنا ستبقى عرائس من الشموع حتى إذا متنا من أجلها انتفضت حية وعاشت بين الأحياء).
ولقد مضى سيد قطب إلى ربه رافع الرأس ناصع الجبين عالي الهامة ،وترك التراث الضخم من الفكر الإسلامي الذي تحيا به الأجيال ، بعد أن وضح معان غابت عن الأذهان طويلا ، وضح معاني ومصطلحات الطاغوت ، الجاهلية ، الحاكمية ، العبودية ،الألوهية ، ووضح بوقفته المشرفة معاني البراء والولاء ، والتوحيد والتوكل على الله والخشية منه والالتجاء إليه.
والذين دخلوا أفغانستان يدركون الأثر العميق لأفكار سيد في الجهاد الإسلامي وفي الجيل كله فوق الأرض كلها)) . انتهى====بعض ضلالات سيد قطب ( التكفير وشهد شاهد من أهلها … )
قال القرضاوي : “في هذه المرحلة ظهرت كتب الشهيد – كذا قال – سيد قطب، التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره،
والتي تنضح بتكفير المجتمع، وتأجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي بفكرة تجديد الفقه وتطويره، وإحياء الاجتهاد، وتدعو إلى العزلة الشعورية عن المجتمع، وقطع العلاقة مع الآخرين، وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة، والإزراء بدعاة التسامح والمرونة، ورميهم بالسذاجة والهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية، ويتجلى ذلك أوضح ما يكون في تفسير “في ظلال القرآن” في طبعته الثانية، وفي “معالم في الطريق”، ومعظمه مقتبس من الضلال، ثم ذكر الموازنات بعد ان ذكر “الإسلام ومشكلات الحضارة”،
(أولويات الحركة الإسلامية ص: 110).
ثم قال : وقد قاوم هذا الفكر – التكفيري الذي جاء به وقاله سيد قطب – وقد قاوم هذا الفكر الاستاذ حسن الهضيبي وآخرون في أبحاث أشرف عليها الهضيبي في كتاب “دعاة لا قضاة” …======هل سيد قطب يكفر المجتمعات الإسلامية ؟
قال سيد قطب في كتابه “معالم في الطريق”: ((وأخيراً؛ يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة!، … وإذا تعين هذا؛ فإنَّ موقف الإسلام من هذه المجتمعات الجاهلية كلها يتحدد في عبارة واحدة: إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها)).
وقال: ((ثم أن يتجمَّع هؤلاء الذين يشهدون أن لا إله إلا الله على هذا النحو وبهذا المدلول في تجمع حركي بقيادة مسلمة، وينسلخوا من التجمع الجاهلي وقيادته الجاهلية!، وهذا ما ينبغي أن يتبينه الذين يريدون أن يكونوا مسلمين، فلا تخدعهم عن حقيقة ما هم فيه خدعة أنهم مسلمون اعتقاداً وتعبداً؛ فإنَّ هذا وحده لا يجعل الناس مسلمين ما لم يتحقق لهم أنهم يفردون الله سبحانه بالحاكمية، ويرفضون حاكمية العبيد، ويخلعون ولاءهم للمجتمع الجاهلي ولقيادته الجاهلية)).
وقال: ((فإنَّ الحنفاء الذين اعتزلوا عبادة الأصنام هذه وقدَّموا لله وحدة الشعائر ما اعتبروا مسلمين)).
وقال: ((والمسألة في حقيقتها مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد، مسألة جاهلية وإسلام، وهذا ما ينبغي أن يكون واضحاً، إنَّ الناس ليسوا مسلمين كما يدَّعون، وهم يحيون حياة الجاهلية، وإذا كان فيهم من يريد أن يخدع نفسه، أو يخدع الآخرين، فيعتقد أنَّ الإسلام ممكن أن يستقيم مع هذه الجاهلية، فله ذلك، ولكن انخداعه أو خداعه لا يغيِّر من حقيقة الواقع شيئاً، ليس هذا إسلاماً، وليس هؤلاء مسلمين)).
وقال سيد قطب تحت عنوان (حاضر الإسلام ومستقبله): ((ونحن ندعو إلى استئناف حياة إسلامية في مجتمع إسلامي تحكمه العقيدة الإسلامية والتصور الإسلامي كما تحكم الشريعة الإسلامية والنظام الإسلامي، ونحن نعلم: أنَّ الحياة الإسلامية – على هذا النحو – قد توقفت منذ فترة طويلة في جميع أنحاء الأرض، وأنَّ وجود الإسلام ذاته من ثم قد توقف كذلك. ونحن نجهر بهذه الحقيقة الأخيرة على الرغم مما قد تحدثه من صدمة وذعر وخيبة أمل ممن لا يزالون يحبون أن يكونوا مسلمين…، نرى أنَّ الجهر بهذه الحقيقة المؤلمة – حقيقة: أنَّ الحياة الإسلامية قد توقفت منذ فترة طويلة في جميع أنحاء الأرض، وأن وجود الإسلام ذاته من ثم قد توقف كذلك – نرى أنَّ الجهر بهذه الحقيقة ضرورة من ضرورات الدعوة إلى الإسلام، ومحاولة استئناف حياة إسلامية ضرورة لا مفر منها)).
وقال: ((ففي مثل هذا الأمر الخطير الذي يترتب عليه تقرير مفهوم لدين الله كما يترتب عليه الحكم بتوقف وجود الإسلام في الأرض اليوم، وإعادة النظر في دعوى مئات الملايين من الناس أنهم مسلمون)).
وقال: ((وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم، على ضوء هذا التقرير الإلهي لمفهوم الدين والإسلام، لا نرى لهذا الدين وجوداً…، إنَّ هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلَّت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله بالحاكمية في حياة البشر، وذلك يوم أن تخلَّت عن الحكم بشريعته وحدها في كل شؤون الحياة. ويجب أن نقرر هذه الحقيقة الأليمة، وأن نجهر بها، وأن لا نخشى خيبة الأمل التي تحدثها في قلوب الكثير الذين يحبون أن يكونوا مسلمين؛ فهؤلاء من حقهم أن يستيقنوا؛ كيف يكونون مسلمين؟!. إنَّ أعداء هذا الدين بذلوا طوال قرون كثيرة وما يزالون يبذلون جهوداً ضخمة ماكرة خبيثة؛ ليستغلوا إشفاق الكثيرين الذين يحبون أن يكونوا مسلمين، من وقع هذه الحقيقة المريرة، ومن مواجهتها في النور، وتحرجهم كذلك من إعلان أنَّ وجود هذا الدين قد توقف منذ أن تخلَّت آخر مجموعة مسلمة في الأرض عن تحكيم شريعة الله في أمرها كله، فتخلَّت بذلك عن إفراد الله سبحانه بالحاكمية)).
وقال سيد قطب: ((لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بـ (لا إله إلا الله)؛ فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن: لا إله إلا الله؛ دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم، وهي مرادف الألوهية، سواء ادعوها كأفراد، أو كتشكيلات تشريعية، أو كشعوب فالأفراد كالتشكيلات كالشعوب ليست آلهة، فليس لها إذن حق الحاكمية…، إلا أنَّ البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلا الله، فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية، ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء…، البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله؛ بلا مدلول ولا واقع…، وهؤلاء أثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيامة؛ لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد – من بعد ما تبين لهم الهدى – ومن بعد أن كانوا في دين الله!)).
وقال: ((إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها هذا العذاب – “أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ” – إلا بأن تنفصل هذه العصبة عقيدياً وشعورياً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها، حتى يأذن الله لها بقيام (دار إسلام) تعتصم بها، وإلا أن تشعر شعوراً كاملاً بأنها هي الأمة المسلمة، وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه جاهلية وأهل جاهلية)).
وقال: ((إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي)).
وقال: ((فأما اليوم؛ فماذا؟! أين هو المجتمع المسلم الذي قرر أن تكون دينونته لله وحده، والذي رفض بالفعل الدينونة لأحد من العبيد، والذي قرر أن تكون شريعة الله شريعته، والذي رفض بالفعل شريعة أي تشريع لا يجيء من هذا المصدر الشرعي الوحيد؟ لا أحد يملك أن يزعم أنَّ هذا المجتمع المسلم قائم موجود!)).
وقال: ((إنَّ هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم)====كلامه في الاستواء يدل على أنه مسكين ضائع في التفسير
* كلامه في الصحابة خبيث فيجب أن تمزق كتبه
* استهزاؤه بالأنبياء ردة مستقلة
2) قال محدث العصر الإمام الألباني رحمه الله عن سيد قطب
لم يكن على معرفة بالإسلام بأصوله وفروعه ومنحرف عن الإسلام
المصدر : (سلسلة الهدى والنور الشريط رقم 785 الدقيقة 11 تقريبًا)
3) قال الشيخ إبن عثيمين رحمه الله عن سيد قطب
* أخطأ من ينصح الشباب بقراءة كتب سيد قطب وحسن البنا
* قال قولاً عظيماً مخالفاً لما عليه أهل السنة والجماعة؛ حيث أنه يقول بوحدة الوجود
* تفسيره فيه طوام فلا ينصح بقرائته
من مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد العثيمين (3/99) .
4) قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله عن سيد قطب
لا يقال لهؤلاء الكتاب علماء وإنما مفكرون ولولا أن سيد قطب معذور بالجهل لكفرناه لكلامه الإلحادي
5)قال الشيخ صالح اللحيدان حفظه الله عن سيد قطب
في كتاب الظلال والعدالة لسيد قطب ضلالات ظاهرة
كتبه مليئة بما يخالف العقيدة ، فالرجل ليس من أهل العلم
6) قال الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء عن سيد قطب
السائل :ما رأيُكم – أيضا -في قول القائل : (( وحين يركنُ معاوية وزميله عمرو إلى الكذب والغش والخديعةوالنفاق والرشوة وشراء الذمم، لا يملك عليٌّ أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل، فلاعجب أن ينجحان ويفشل، وإنه لَفَشل أعظم من كل نجاح)) هل هذا الكلام من جملة سب الصحابة ؟ ..الجواب :
هذا كلامُ باطنيٍّ خبيث، أو يهوديٍّ لَعين، ما يتكلم بهذا مسلم .
عمرو بن العاص شهد له النبي – صلى الله عليه وسلم – بالجنة، ومعاوية من فضلاء الصحابة، وقد رضي الله [ لهم ] الدين ، [ وأهل ] وتقوى وصلاح، لا يشك مسلم فيهم، وما فعلوا شيئا يُعاب عليهم، وكلُّ ما قاله أولئك فمُجرَّد فرية وكذب وتضليل، – وعياذا بالله -عنوانُ نفاق مِمّن قاله ..ا .هـ(15 رجب 1426 هـ ..من سلسلة محاضرات التوحيد المقامة بالطائف لعام 1426 هـ )
7) قال العلامة المحدث الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله عن سيد قطب
إن كان ( سيد قطب ) حياً فيجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً …
8 ) قال العلامة الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله عن سيد قطب
قال عن قول له في “الظلال ” هذا قول أهل الاتحاد الملاحدة الذين هم أكفر من اليهود والنصارى
أخيرا :
يجب أن نعلم أن :
* إعدامه ليس دليلا على صوابه. ونحن نسأل الله أن يكون ماواجهه من المحن سبيلا لتكفير ذنوبه ورفع درجاته
* أكبر مسألة أخطأ فيها سيد هي مسألة الحاكمية فقد فسر الشهادتين بها
وكفر كل من لم يحكم بما أنزل الله مطلقاً دون تفصيل
وكفر على هذا الأساس المجتمعات الإسلامية وجعلها مجتمعات جاهلية
ومساجدهم معابد وثنية
وطعن في خلافة عثمان ومعاوية بناءً على هذا الأصل الفاسد
وزكى قتلة عثمان وقال إن ثورتهم تمثل روح الإسلام!!!!======لثورة على عثمان بن عفان – رضي الله عنه – بين قول النبي صلى الله عليه وسلم و قول سيد قطب
عن عائشة – رضي الله عنها – قال النبي صلى الله عليه وسلم : « يا عثمان إن الله عز وجل مقمصك قميصا، فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه، فلا تخلعه لهم، ولا كرامة » يقولها: له مرتين أو ثلاثا .
رواه أحمد والحاكم
قال سيد قطب :
(( وأخيرًا ثارت الثائرة على عثمان ، واختلط فيها الحقُّ بالباطل ، والخير بالشر ، ولكن لا بدّ لمن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام ويستشعر الأمور بروح الإسلام أن يقرّر أن تلك الثورة في عمومها كانت أقربَ إلى
روح الإسلام واتجاهه من موقف عثمان ، أو بالأدق من موقف مروان ومِن ورائه
بنو أمية))
العدالة الاجتماعية ص ١٨٩======نشأ سيد قطب في أسرة لا تخلو من بعض البدع فكان أبوه يقرأ سورة الفاتحة كل ليلة بعد طعام العشاء ويهديها لروح أبيه وروح أمه، بحضرة أولاده (1) .
ومن العادات التي نشأ عليها التزام والده بإقامة حفلات ختم القرآن التي كان يقيمها في المنزل لا سيما في شهر رمضان (2).
كما كانت قريته تسمى بلدة (الشيخ عبد الفتاح) لأنه أحد أوليائها!! وله فيها مقام بارز!!. هكذا يحكى الخبر دون إنكار موجود لا من سيد ولا من الخالدي (3) .
(الصبي يحفظ القرآن تحدياً)
حفظ سيد القرآن وهو صبي من باب التحدي وذلك أن مدرس القرآن فصل من عمله فأشاع أن الدولة تحارب القرآن وطالب أهل القرية سحب أولادهم من المدرسة وتحويلهم إليه في كُتّابه، فوافق بعض أولياء الأمور ومنهم والد سيد، ودرس سيد اليوم الأول فلم يعجبه الكُتّاب ورجع إلى المدرسة، وصار يحفظ في كل سنة عشرة أجزاء في منزله حتى يثبت أن المدرسة لا تحارب القرآن، وليت سيد واصل دراسة القرآن دراسة شرعية والانتفاع به ولكن للأسف لم يفعل ذلك.
(ثقافة صوفية خرافية منذ الصبا)
كان سيد مولعاً بالقراءة واقتناء الكتب منذ صباه، فجمع خمسة وعشرين كتاباً كان مولعاً بها إلى درجة العشق ومن هذه الكتب (البردة، سيرة إبراهيم الدسوقي، السيد البدوي،
عبد القادر الجيلاني، دلائل الخيرات، دعاء نصف شعبان) (4). وكلها من كتب البدع والتصوف والخرافات والقبورية والغلو كما هو معلوم.
(ثم صار الصبي مشعوذاً)
ومن المؤسف أنه كان في مكتبة والده المنزلية كتابان غريبان يتعلقان بالشعوذة والسحر وهما كتاب (أبي معشر الفلكي) وكتاب السحر (شمهورش) ويستخدمان في قراءة الطالع وسحر الصرف والعطف.
وقد تعلم سيد قطب هذه الشعوذة في صغره، وصار يمارسها في قريته، فكان المشعوذ المفضل فيها لعموم النساء والفتيات والشبان لصغر سنه، ولكونه يقوم بتلك الأعمال بلا أجرة.
وقد سجل ذلك عن نفسه هو في كتابه (طفل من القرية) (5).
(تائه يقترب من الإلحاد)
لما انتقل من القرية إلى القاهرة في المرحلة الثانوية بدأ مرحلة الشك، وعدم اليقين، والتخلي عن الدين ،والانشغال بعضوية حزب الوفد مدة طويلة (6) ، واستمر معه هذا التيه والضياع حتى بلغ الأربعين (7).
خلال هذه المدة الطويلة اشتغل بالأدب والنقد، وكان نقده يمتاز بالقوة، والهجوم، والهمز واللمز، والسخرية المقذعة والهجاء (8).
(الانتقال)
سلك بعد ذلك طريقاً جديداً درس فيه القرآن من ناحية بيانية أدبيه، ثم أخذ يكتب المقالات التي ينتقد فيها أوضاع المجتمع، ثم شارك في الثورة ضد الأسرة المالكة في مصر حتى تم القضاء على ملكها، ثم التحق بالإخوان المسلمين، ثم اختط لنفسه منهجاً جديداً لكنه تحت إطار حركة الإخوان المسلمين، ونشر اتجاهه عبر خلايا سرية، اكتشفت فيما بعد، وحوكم وقتل على إثرها.
ماذا يستفاد من مجمل سيرته الذاتية؟
ليس في سيرته ما يشير من قريب ولا بعيد أنه درس علوم الإسلام من توحيد ولا حديث ولا تفسير ولا فقه ولا أصول فقه ولا غير ذلك على أحد من علماء المسلمين المعتبرين، وإنما غاية أمره اطلاعات ذاتية الله أعلم بحقيقة مصادره فيها، بل كان فيها كتب السحر والشعوذة والتصوف والقبورية والخرافة، والذي يظهر إلى ذلك أيضاً أنه كان يقرأ للشيعة والخوارج والمعتزلة و أضرابهم، وأنه كان بعيداً غاية البعد عن كتب أهل السنة والأثر لا يلتفت إليها ولا يرفع بها رأساً، ولهذا جاءت تقريراته في غاية البطلان والانحراف عن حقيقة الإسلام سواء في أصول الدين أو فروعه؛ وعلى هذا فمن الغش الكبير للمسلمين أن يُجعلَ منه إماماً يقتدون بهديه، ويستنون بسنته. إنّ من لم يجعل المتقين _ وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه وأئمة التابعين لهم بإحسان _ من لم يجعلهم أئمة له لا يصلح أبداً أن يكون إماماً للمتقين من بعده، لأن الدين مبني على الاتباع وليس على الاختراع، وبهذا يحفظ الدين خالصاً نقياً من كل شائبة والله أعلم.
ـــــــــ
1- كتاب الخالدي(36) مشاهد القيامة في القرآن (5).
2- كتاب الخالدي (35)
3- كتاب الخالدي ص(25) ؛ طفل من القرية (86)
4- كتاب الخالدي (65) طفل من القرية (127)
5- كتاب الخالدي (66) طفل من القرية (139- 141)
6- كتاب الخالدي ( 265 )
7- كتاب الخالدي ( 213 – 245)
8- انظر كتاب الخالدي (166)
======مفاجأة سيد قطب مات ساجدا و لم يُعدم !!
ميرابو الثورة . الجزء الثاني
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من نبي بعده ، وبعد :
قال الإمام ابن رجب الحنبلي في ” الفرق بين التعبير والنصيحة “ : فرد المقالات الضعيفة ، وتبين الحق في خلافِها بالأدلة الشرعية ليس هو مما يكرهه أولئك العلماء ، بل مما يحبونه ويمدحون فاعِلَه ويثنون عليه ، فلا يكون داخلاً في الغيبة بالكلية ، فلو فُرض أن أحداً يكره إظهار خطِئِة المخالف للحق فلا عبرة بكراهته لذلك ، فإن كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفاً لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة ، بل الواجب على المسلم أن يُحب ظهور الحق ومعرفة المسلمين له ، سواء كان ذلك في موافقته أو مخالفته ، وهذا من النصيحة لله ولكتابه ورسوله ودينه ، وأئمة المسلمين وعامتهم ، وذلك هو الدين كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم … وقد بلغ الأئمة الوَرِعون في إنكار مقالاتٍ ضعيفة لبعض العلماء وردها أبلغ الردَّ ، كما كان الإمام أحمد يُنكر على أبي ثور وغيره مقالاتٍ ضعيفة تفردوا بها ، ويُبَالغ في ردها عليهم ، هذا كله حُكم الظاهر ، وأما في باطن الأمر فإن كان مقصودة في ذلك مجرد تبين الحق ، و لئلا يغتر الناس بمقالات من اخطأ في مقالاته ، فلا ريب أنه مثابٌ على قصده ، ودخل بفعله هذا بهذه النية في النصح لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم . اهـ
وقال ابن الجوزي – رحمه الله – : ” وقد استشعر بعضُ جهلة الزُهاد ، ومن قلَّ علمه من العباد أن ذلك القدحَ غيبة ، وهذه غفلة عن معرفة حراسة الشرائع ، وجهلٌ بمقدار الوسائل والذرائع ” .
( مقدمة الضعفاء والمتروكين 1 / 5 – 6 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” والنصح واجباً في المصالح الدينية الخاصة والعامة : مثل نَقَلةِ الحديث الذين يَغْلطِون أو يَكذِبون … ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة ، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم وجبٌ باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجلُ يصومُ ويُصلى ويعتكف أحب إليك أو يتكلمُ في أهل البدع ؟ فقال : إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه ، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين ؟ هذا أفضل . فَبَيَّنَ أَنَّ نَفْعَ هَذَا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ إذْ تَطْهِيرُ سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَشِرْعَتِهِ ، ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ، ولولا مَن يُقيمهُ الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين ، وكان فسادهُ أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب ، فإن هؤلاء إذا اسْتَوْلَوْا لم يُفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا ، وأما أولئك فهم يُفسدون القلوب ابتداءً ” .
( مجموع الفتاوى 28 / 231 . ط الثالثة . دار الوفاء ) .
وقال الإمام البربهاري – رحمه الله – : ” ولا يحل أن تكتم النصيحة أحداٌ من المسلمين برهم و فاجرهم في أمر الدين ، فمن كتم فقد غش المسلمين ، ومن غش المسلمين فقد غش الدين ، ومن غش الدين فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ” .( شرح السنه صـ 43 ) .
فمن الدين كشفَ السَّتر عند كل كاذب …………………..
…………………………. وعن كل بِدعيِّ أتى بالعجائبِ
ولولا رجالا مؤمنون لُهَّدمتْ……………………….
…………… صوامعُ دينِ اللهِ من كلَِّ جانبِ
قلت : والرد على أصحاب المقالات المخالفة للكتاب والسنة وفهم سلف هذه الأمة مصلحة كبرى لإصحاب هذه المقالات ابتداءً .
جادل رجلاً يوماً يوسف بن أسباط – رحمه الله – في رده على أصحاب المقالات البدعية فقال له : أما تخاف أن تكون هذه غيبة ؟ فقال : ” لم يا أحمق ؟ أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم ! أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا ، فتتبعهم أوزارهم . ومن اطراهم كان أضر عليهم .
( تهذيب التهذيب لابن حجر 2 /1249 ) .
و قال ابن الجوزي في ” مناقب الإمام أحمد . صـ 253 “ : ” وقد كان الإمام أبو عبد الله لشدة تمسكه بالسنة ونهيه عن البدعة يتكلم في جماعة من الأخيار إذا صدر منهم ما يخالف السنة ، وكلامه محمول على النصيحة للدين ” .
قلت : ومصداقُ ذلك ما كان من ” الإمام أحمد ” على ” علي بن المديني ” ، فإن الإمام أحمد قبل محنة خلق القرآن كان معظماً لابن المديني جداً ، قال الحافظ المزي في( تهذيب الكمال 21/9 ) : ” كان علي علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل ، وكان أحمد لا يسميه إنما يكنيه تبجيلاً ، وما سمعت أحمد سماه قط ” . اهـ
فلما وقعت محنة خلق القرآن وجنح للقول بخلقه ” ابن المديني ” مخافة السيف ، تركه أحمد مع أنه تاب وأناب كما قال الحافظ ابن حجر في ( تهذيب التهذيب 7 /356 ) ، وقال ابن أبى حاتم : قال أبو زرعة : لا يرتاب في صدقه ( يعنى : ابن المديني ) وترك أبو زرعة الرواية عنه من أجل المحنة .
ولعل قائل يقول هذا خاص برواة الحديث ، ولا شأن لمن ليس له رواية بحكم علماء الجرح والتعديل عليه !! ، أو تحذير أهل العلم منه .
قلت : بل يدخل الكلام في المبتدعة و التحذير منهم في تخصص علماء الجرح والتعديل ، ولعل ” التاج السبكي ” أول من فتح هذا الباب – أن الكلام في المبتدعة لا يدخل في جرح أهل الحديث ـ فقد انتقد شيخه ” الإمام الذهبي ” لما تكلم في الفخر ( يعنى : الرازي ) ، وقال : أن ” الفخر الرازي ” قد اعتراف على نفسه أنه لا رواية له وهو أحد أئمة المسلمين فلا معنى لا دخاله في الضعفاء . اهـ
و قد رد على هذا الكلام الإمام ابن جحر العسقلاني فقال : وهذا الكلام خرج من ” التاج السبكي ” من تعصبه الشديد للأشاعرة ، ثم بين كلام العلماء في ” الفخر الرازي ” مع أنه ليس من أهل الرواية .
( انظر لسان الميزان لابن حجر ترجمة السيف الآمدي ) .
ومعلوم أن الناس بين قادح ومادح ، فالذي يُنكر على أهل السنة جرحهم لأهل البدع والاهواء ، تراه مادحاً لشيوخه و جماعته حتى أنه يَصعب عليك في هذا الزمان من تجده تكلم في دين الله ولا يُطلِق عليه اتباعه أنه ” العلامة الحبر الفهامة ” ، والعجيب أن شروط التعديل أشد من شروط الجرح !! .
يقول الإمام البربهاري في ” شرح السنة صـ 128 “ : ولا يحل لرجل أن يقول : فلان صاحب سنة حتى يعلم أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة ، فلا يُقال : صاحب سنة حتى تجمع فيه السنة كلها !! . اهـ .
فلَيْسَ العَمَى أنْ لا تَرىَ . بَلِ العَمَى أنْ لاَ تُرىَ . ُمَميزَّاً بَيْنَ الصَّوَاب و الخَطَأ
وأحياناً يسلُك الذين يشغبون على منهج أهل السنة في التحذير من أصحاب الأهواء إلى حيلة لخداع العوام ، فتراهم أحياناً يتكلمون ويحذرون من رجل ساقط بمرة ، حاله لا يخفى على العوام فضلاً عن الخواص ، فيجرحوه ويحذرون منه حتى يُقال : فلان لا يسكت على خطأ . وهذا الإمر من باب ” تغير شَكْل ِمن أجل الأكل ” والمضمون واحد .
والفَرق بين أهل السنة وغيرهم في هذا الباب لخصه وكيع بن الجراح – رحمه الله – بقوله : أهل العلم يكتبون مالهم وما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا مالهم .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية : ” فلا تجد قط مبتدعاً إلا و هو يُحب كتمان النصوص التي تخالفه و يبغضها ، و يبغض إظهارها و روايتها و التحدث بها ، و يُبغض من يفعل ذلك ” . مجموع الفتاوى ( 20 /161-162 ).
وقد قال ” ابن سرين ” ـ رحمه الله ـ : أن هذا العلم دين فانظروا عن من تأخذون دينكم .( مقدمة صحيح مسلم ) .
فمن أجل ذلك فسنخوض فيما لا نحب ، لنميط الأذى عن منهج ارتضينه ، وحاول غيرنا التشغيب عليه بشبهاته ، والتنمر عليه باغلاطاته .
لأنه من المعلوم أن عدم رد الباطل ، و السكوت عليه ، تأثم به الإمة جميعاً ، لأن فرض الكفاية فرض عين حتى تقوم به الكفاية .
فضلاً على أن تعظيم المبتدع و السكوت عليه ، تقوية لمذهبه ، و التحذير منه إخماداً لبدعته .
و لا يحصى من العلماء من حذّروا من آبائهم و مشايخهم لما علموا أنهم غير ثقات ، و كلامهم في الجرح و التعديل مدوّن مشهور ، و لولاهم لدخل الوهن باكرا في الإسلام .
و الأمر ليس فيه إلا كما قال الشاعر :
لم أشَتْمِ لكم عِرْضاً ولَكنْ …… حَدَوْتُ بحيثُ يُسْتَمَعُ الحَداءُ
فهذه وقفة جديدة مع رجل من جماعة الإخوان المسلمين ، أصبح فكره اليوم ” سَيِّد ! ” أفكار كثير من الجماعات ، و ” قُطب ! ” رحى أحزابهم ( السياسية ! ) كُلِّها ، هو : الأستاذ ” سيد قطب”فَعَنْه يُدافِعُون ! وفي تلميع صورته يَتَماوَتون ! ومنه يَسْتَمِدُّون !! وعلى تُراثه يُعَشْعِشون !!! .
وقد اسلفنا في ” الجزء الاول ” نتف من أقواله وأفكاره ـ عفا الله عنه ـ ، ويتبقى حكم أهل العلم على هذه الأقوال والأفكار .
ولما كان الكلام في الرجال لا يجوز إلا لتامَّ المعرفة ، تامَّ الورع ، كما قال الإمام الذهبي – رحمه الله – في ( ميزان الاعتدال 2/46 ) .
قدمنا كلام أئمة وأعلام هذا العصر في الحكم على أقوال و أفكار الأستاذ سيد قطب – رحمه الله وعفا عنه – و نسأل الله كلمة الحق في السخطِ والرضا .
كلام الأئمة في سيد قطب
بدءً فالمسلم الذى لا يرى جميع المسلمين أفضل منه – حقيقة – على شفا هلكة ، لأنه معظم لشأنه ، مُستَصغرَُ لذنبه ، فمثل هذا أنّى يُلَتفت لقوله ، أو يُؤخذ بمدحه أو ذمه .
والأقبح منه من يرى حرمات الله تُنْتهك ، وأنبياء الله يُنْتقص منهم ، ويُرمي أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالعظائم ، ويَسكت .. بادعاء الورع ـ البارد ـ ، و التَنَبُل عن نبش كلام الأموات !! .
فالحق أعز على المسلم من كل أحد ، والباطل مردود على صاحبه كائنا من كان ، والعدل واجب ، والظلم حرام .
كلام الشيخ الألباني – رحمه الله – :
قال في تعليقه على تفسير سيد قطب لسورة الإخلاص : نَقل [سيد ] كلام الصوفية ، ولا يمكن أن يُفهم منه إلا أنه يقول بوحدة الوجود .
نقلاً من ( حق كلمة صـ 37 ) .
وقال في تعليقه على كتاب ” العواصم مما في كتب ( سيد قطب ) من القواصم ” : يتبن لكل قارئ مسلم على شيء من الثقافة الإسلامية أن سيد قطب لم يكن على معرفة بالإسلام بأصوله وفروعه .
وقال لمؤلف الكتاب : فجزاك الله خيراً على قيامك بواجب البيان ، والكشف عن جهله ، وانحرافه عن الإسلام .
وقال عن كتاب ” العدالة الاجتماعية ” لسيد قطب والذى قال فيه “سيد قطب ” : “تحطمت أسس الإسلام في عهد عثمان ” . قال الشيخ الألباني : لا قيمة له إطلاقا .
( حق كلمه صـ 43 ) .
كلام الشيخ ابن باز – رحمه الله – :
قال الشيخ معقباً على تفسير ” سيد قطب ” بأن الاستواء يعنى : الهيمنة كما تجده عند تفسيره لقوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } قال : هذا كلام فاسدٌ ، هذا معناه الهيمنة ، ما أثبت الاستواء ، معناه إنكار الاستواء المعروف ، وهو العلو على العرش ، وهذا باطلٌ يدل على أنه مسكين ضايع في التفسير .
( تسجيلات منهاج السنه بالرياض سنة 1413 مجلس في منزل الشيخ – رحمه الله – ) .
ولما قرئ على الشيخ أيضا قول سيد قطب في كتابه ” التصوير في القرآن ” عن موسى عليه السلام : ( لنأخذ موسى إنه نموذج للزعيم المندفع العصبي المزاج ) عند تفسير قوله تعالى :{ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ … }
و قوله : “وهنا يبدو التعصب القومي كما يبدو الانفعال العصبي وسرعان ما تذهب هذه الدفعة العصبية فيثوب إلى نفسه شأن العصبين ” .
وكما عند قوله تعالى : { فَأَصْبَحَ في المدينة خَائِفاً يَتَرَقَّبُ } [ القصص : 18 ]
قال : ” هو تعبير مصور لهيئة معروفة ، هيئة المتفزع المتلفت المتوقع للشر في كل حركة وتلك سمة العصبين ” . ( التصوير الفني 200، 201 ، 202 – ط 13 ، دار الشروق ) .
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله – معلقاً : “ الاستهزاء بالأنبياء ردة مستقلة ” .
وقال معلقاً على كلام ” سيد قطب ” عندما قال : ” وحين يركن معاوية وزميله [ يعنى : عمرو بن العاص ] إلى الكذب ، والغش والخديعة ، والنفاق أو الرشوة ، وشراء الذمم…) .
قال الشيخ ـ رحمه الله ـ :” كلام قبيح !! هذا كلام قبيح سب لمعاوية وسب لعمرو بن العاص ، كل هذا كلام قبيح ، وكلام منكر . معاوية وعمرو ومن معهما مجتهدون أخطأوا . والمجتهدون إذا أخطأوا فالله يعفوا عنا وعنهم ” .
قال السائل : قوله : إن فيهما نفاقاً أليس تكفيراً ؟
قال الشيخ – رحمه الله – : هذا خطأ وغلط لا يكون كفراً ؟ فإن سبه لبعض الصحابة ، أو واحد من الصحابة منكرً وفسق يستحق أن يؤدب عليه – نسأل الله العافية – ولكن إذا سب الأكثر أو فسقهم يرتد لأنهم حملة الشرع . إذ سبهم معناه قدح في الشرع .
قال السائل : ألا ينهى عن هذه الكتب التي فيها هذا الكلام ؟
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله – ينبغي أن تُمزق .
( شرح رياض الصالحين بتاريخ يوم الاحد 18 /7 / 1416 ) .
كلام الشيخ محمد صالح العثيمين – رحمه الله – :
قال : قرأت تفسيره لسورة الإخلاص ، وقد قال قولاً عظيماً فيها ، مخالفاً لما عليه أهل السنة والجماعة ؛ حيث أن تفسيره لها يدل على أنه يقول بوحدة الوجود ، وكذلك تفسيره للاستواء بأنه الهيمنة والسيطرة .
مجلة الدعوة ( رقم 1591- تاريخ 9/ 1 / 1418هـ ) . السعودية .
و قال الشيخ مجيباً على سؤال فيه : ما هو قول سماحتكم في رجل يَنصحُ الشباب السُّني بقراءة كتب سيد قطب ، ويَخص منها : ” في ظلال القرآن ” و ” معالم على الطريق ” و ” لماذا أعدموني ” دون أن يُنبه على الأخطاء و الضلالات الموجودة في هذه الكتب ؟
فقال ـ رحمه الله ـ : أنا قولي – بارك الله فيك – أن من كان ناصحاً لله ورسوله ولإخوانه المسلمين أن يَحث الناس على قراءة كتب الأقدمين في التفسير وغير التفسير فهي أبرك وأنفع وأحسن من كتب المتأخرين ، أما تفسير سيد قطب – رحمه الله – ففيه طوام – لكن نرجو الله أن يعفو عنه – فيه طوام : كتفسيره للاستواء ، وتفسيره سورة ” قل هو الله أحد “، وكذلك وصفه لبعض الرسل بما لا ينبغي أن يصفه به ) .
كلام الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله – :
قال تعليقاً على تفسير ” سيد قطب ” لقول الله تعالى : { وفي الرقاب } ذلكحين كان الرق نظاماً عالمياً ، تجرى المعاملة فيه على المثل في استرقاقالأسرى بين المسلمين وأعدائهم ، ولم يكن للإسلام يدْ من المعاملة بالمثل حتى يتعاره العالمعلى نظام أخر غير الاسترقاق . ( في ظلال القرآن 3 / 1669 ) .
قال الشيخ : هذا كلام باطل و إلحاد .. وهو وأمثاله نعذرهم بالجهل فلا نقول إنهم كفار ، لأنهم جهال أو مقلدون ،و الا الكلام خطير لو قاله إنسانمتعمداً عالماً أرتد عن الإسلام . ( براءة الأمة للسناني صـ 48 ) .
كلام الشيخ صالح بن العزيز آل الشيخ – حفظه الله – : قال في حق ظلال سيد قطب :
” أشتمل على كثير من البدع والضلالات .. والتحريفات..”
( شرح مسائل الجاهلية . نقلاً عن النصيحة صـ7 ) .
كلام الشيخ محمد جميل زينو ـ المُدرس في دار الحديث الخيري بمكة المكرمة ـ :
قال تحت عنوان ( وحدة الوجود في الظلال ) ما نصه : ”
1- كنت مولعاً بظلال القرآن لمؤلفه سيد قطب ، ولما قرأته وجدت وحدة الوجود في تفسير أول سورة الحديد وسورة الإخلاص ، وغيرها من الأخطاء التي تتنافى مع عقيدة الإسلام كقوله عن تفسير الاستواء الوارد في عدة آيات : كناية عن السيطرة والهيمنة ؛ وهذا مخالف للتفسير الوارد في ” البخاري “عن مجاهد وأبي العالية : في قوله تعالى : { ثُمَّ استوى إِلَى السماء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سموات وَهُوَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } [ البقرة : 29 ] ، قال مجاهد وأبو العالية : علا وارتفع . (انظر كتاب التوحيد ج 8 ) .
2- ذكرتُ ذلك لأخيه محمد قطب وقلتُ له : عَلِّق على كلام أخيك في الظلال ، فقال لي : أخي يتحمّل مسؤولية كلامه . وبعد سنين طلبت مني ( إحدى دور النشر ) نَشْرَ كتابي الجديد : ( شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .
فذكرتُ فيه من نواقض الشهادتين : وحدة الوجود عند الصوفية ، وقرأت في كتاب ( لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهج حياة ) لمؤلفه محمد قطب ، ذَكَرَ فيه نواقض لا إله إلا الله ، ولم يذكر وحدة الوجود ، فاتّصلتُ به هاتفيا : قلتُ له : أنت مشرف على طبعة الشروق ( في ظلال القرآن ) أنا أُطالبك بالتعليق في الحاشية امتثالاً لأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القائل : ( مَن رأى منكم منكراً فليُغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) ، وأنت تستطيع أن تُغيّره بلسانك وقلمك ، فقال لي : شَكَرَ الله سعيك ، فشكرته على ذلك ، وطلبتُ منه نسخة فيها تعليقه على وحدة الوجود فسكت ، وأسأل الله أن يوفقه لذلك …ثم قال : وليت الشيخ محمد قطب أخذ بهذه الأخطاء وعلّق عليها في ” طبعة الشروق ” لأنه مشرف عليها ، فهو مسؤول أمام الله عنها ، وأسأل الله أن يوفقه لذلك ”
( انظر : مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع ج 3 / 46-47 ) .
قلت :ولكلٍ من المشايخ : عبد المحسن العباد ، و صالح اللحيدان ، و حماد بن محمد الأنصاري ، و عبد الله بن محمد الدويش ، و أحمد بن يحيي النجمي ، ومُقبل الوادعي ، و غيرهم – رحم الله الأموات وحفظ الأحياء – ردود و تعقيبات على ما كتب سيد قطب .
و قد أحسن الشيخ عصام بن عبد الله السِّنَاني ـ حفظه الله ـ بأن جمع هذه الفتاوى في كتابه” براءة علماء الأمة من تزكية أهل البدع و المذمة ” و الذي قرأه و أثنى عليه فضيلة العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ و راجعة فضيلة الشيخ الفوزان ـ حفظه الله ـ .
و معلوم ما كان بين الشيخ الأستاذ ” محمود محمد شاكر ” و بين الأستاذ “سيد قطب ” ـ في حياته ـ من ردود و مراجعات في قضية سب الصحابة – رضي الله عنهم – .
ولكنى أريد أن أختم بكلمة لرجل من أعلام جماعة الإخوان لا يُختلف على علمه في صفوف الجماعة ، لعلهم يقولوا : لا نريد شاهداً الا من أنفسنا .
قال الدكتور “يوسف القرضاوي ” بعد أن بين أن كتابات ” سيد قطب ” أثارت جدلاً طويلاً داخل الإخوان في السجون وقد أثارت بحث قضية : هل نحن جماعة المسلمين ؟ أم نحن جماعة من المسلمين ؟!
وتبني فكرة التكفير وترك الصلاة في المساجد وجعلها في البيوت وذلك لأن المساجد تعتبر معابد جاهلية كما جاء في تفسير قول الله تعالى : { واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } [ يونس : 87 ] ( في ظلال القرآن – 3/1816- دار الشروق ) .
قال : والقضية التي نتحدث عنها ـ قضية تكفير مسلمي اليوم ـ ليست قضيه فقهية بعيدة عن اختصاص ” سيد ” كما يتصور أو يُصور بعض الإخوة المتحمسين ، بل هي قضية فكريه محورية أساسية ، أو قل هي : قضية أصولية اعتقادية ، هي ألصق بعلم العقائد والكلام منها بعلم الفقه والفروع ؛ و لأنها قضية فكرية محورية مركزية عند ” سيد ” ، رأيناه يلح عليها ، ويكررها ويؤكدها بأساليبه البيانية الرائقة والرائعة حتى تتضح كالشمس في رابحة النهار …اهـ ( اسلام أون لاين . سبتمبر 2004م ) .
وقال القرضاوي في كتابه ( أولويات الحركة الإسلامية صـ 110) : ” في هذه المرحلة ظهرت كتب الشهيد ” سيد قطب ” التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره ، والتي تنضح بتكفير المجتمع ، وتأجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي ، والسخرية بفكرة تجديد الفقه وتطويره ، وأحياء الاجتهاد ، وتدعو إلى العزلة الشعورية عن المجتمع ، وقطع العلاقة مع الأخرين وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافه …) اهـ
وقال القرضاوي في ” أفاق عربيه ” 8 يوليو 2004 م : وأخطر ما تحتويه التوجيهات الجديدة في هذه المرحلة لسيد قطب ، هو ركونه إلى فكرة التكفير والتوسع فيه … اهـ .
وشهد ” فريد عبد الخالق ” بضلوع سيد قطب في نشر فكر التكفير ، قال : ” ألمعنا فيما سبق إلى نشأة فكر التكفير بدأت بين شباب بعض الإخوان في سجن القناطر في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات ، وأنهم تأثروا بفكر سيد قطب وكتاباته ، وأخذوا منها أن المجتمع في جاهلية !! .( في ميزان الحق ص / 115 ) .
قلت : و هذه عينة واحدة مما انتجته مدرسة سيد قطب الفكرية التكفرية تبين صحة ما أثبته القوم .
قال فتحي يكن ـ وهو أشهر من أن يُعرف – في كتابه ( كيف ندعوا إلى الإسلام صـ/112 .ط الرسالة ) : ” واليوم يشهد العالم أجمع ردة عن الإيمان بالله وكفراً جماعيا وعالمياً لم يعرف لهما مثيل من قبل ” . اهـ
فيا محنة الإسلام بهذا الفكر…
وحسبنا الله فيمن جاءوا لإيقاد النار في صفه رجال المطافئ !! .
تنبيه : لا يُفهم من كلام بعض العلماء ـ الذي مر ـ أنه يَذهب أحدهم لتكفير ” سيد قطب ” لأن القاعدة عند أهل السنة أن التكفير لا يكون إلا بعد إقامة الحجة الرسالية ، وانتقاء الشبهة . فانتبه !! .
و ربما يجد القارئ كلام لبعض العلماء الذين ذكرناهم أنفاً فيه ثناء على كتابات ” سيد قطب ” فَنُذكِر بالمرتبة الخامسة من مراتب علم الجرح و التعديل يقولون : ” فلان تغير بآخره ” ، فالمعتمد في الحرج أو التعديل عند العلماء هو : كلام العالم المتأخر ، و معلوم أن مذهب الرجل هو ما مات عليه ، فلا عبرة بالثناء المتقدم للعالم إذا أخلفه بجرح ، فالحكم للأخير ، كما أن الجرح المُفسر مقدم على التعديل .
و لن نناقش ما يتعلق به الـ … من ثناء الشيخ ” بكر أبو زيد ” ـ رحمه الله ـ على كتابات ” سيد قطب ” فيما يُسمى بالخطاب الذهبي فهذا الخطاب من الممكن أن يُقال عنه : ” لقيط ليس لها أب شرعي ” حيث أن الشيخ ” بكر ” لم يعترف به رسمياً ، ولم يرض عن طبعه ونشره إلى أن توفي ـ رحمة الله عليه ـ ، فلا سبيل لنا على من أراد أن يتعلق بخيوط العنكبوت !! .
سيد قطب الأديب
فإننا إن لم نمضى على سنة سلفنا الصالح من أرجاع النوازل إلى أصلها من الكتاب والسنة وفهم السلف – لئن لم نفعل هذا – لمحق الله منا نصف العقل وبقى النصف الأخر متردداً بين قال فلان وكتب فلان ، ولصرنا في المنتهى أمام هذا وذاك نتعبد لحرفه ونخضع لنصه .
و يُصدم المرء من أُناس يطالبون غض الطرف والسكوت عن تناول ما صدر من ” سيد قطب ” – عفا الله عنه – بحجة أنه أديب ، فإلى إي فهم يستند هؤلاء ؟!
فإن قالوا : نستند إلى فهم السلف المتقدمين ، قلنا لهم : أخطأتم ، فقد رأينا السلف قديماً أخذوا ” ابن المقفع ” بما قال ، بل حكموا عليه بالزندقة وقُتل ، ولم يقولوا : أنه أديب له أن يتكلم في دين الله كما يشاء .
و أن قالوا : نستند لفهم الخلف المتأخرين ، قلنا لهم : أخطأتم ، لأننا رأيناكم تأخذون ” سلمان رشدي ” بما قال ، وحكمتم عليه بالردة ، ولم تقولوا : أنه أديب – وقد اعترف أنه لم يقصد بكتابته الإساءة للإسلام – ولماذا نجد لكم ردود على ” نجيب محفوظ ” – ومن لف لفه – مع أنهم أدباء ولم يقولوا يوماً أنهم علماء .
و إن كان ” سيد قطب ” أديباً فلماذا تعرض لتفسير القرآن ؟! ، و بأي حق يتكلم في دين الله ولا يعرف له شيوخ ولا تحصيل لعلم ولم يكن له طلبه ولو تشتهر له مجالس علمية ؟! .
فلمصلحة من السكوت عن رجل هذا حاله ؟!
فـ الهوى أمرُ عجيبٌ شأنُهُ …. تارةَّ بأسٌ وأحْياناً رَجَا
ليس فيمن مات مِنْهُ عَجَبٌ …… إنما يُعْجَبَ ممن قَدْ نجا !!
ثم كيف تنسبون لشخص أمر نفاه عن نفسه ، بل عاب من كان عليه ؟
فـ ” سيد قطب ” يُبين أنه ما كتب تصانيفه الدينية بصفته اديب !! ولكن بصفته مُعلم يذكر الناس بالتمسك بأمور دينها واعتقادها .
قال في الظلال ( 4 /2012) : ” إن العمل في الحقل الفكري للفقه الإسلامي عمل مريح لأنه لا خطر فيه ، ولكنه ليس عملاً للإسلام ، ولا هو من منهج هذا الدين و لا من طبيعته . وخير للذين ينشدون الراحة والسلامة أن يشتغلوا بالأدب و بالفن أو التجارة “. اهـ
وقال في ( 2 /1011) من ظلاله : ” كذلك يجب أن يكون مفهوماً لأصحاب الدعوة الإسلامية ، أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين !! ، يجب أن يدعوهم أولاً إلى اعتناق العقيدة . حتى ولو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين !! وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون !! ” . أهـ
فليحذر المسلم من الدفاع عن أهل البدع والاهواء والصدّ عنهم .
قال إبراهيم بن ميسرة – رحمه الله – : من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الدين .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” و يجب عقوبة كل من انتسب إليهم أو ذب عنهم أو أثنى عليهم أو عظم كتبهم أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم أو كره الكلام فيهم أو أخذ يعتذر لهم ، بأن هذا الكلام لا يُدرى ما هو ؟ أو من قال إنه صنف هذا الكتاب ؟ وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق ، بل تَجب عقوبة كل من عرف حالهم ولَمْ يعاون على القيام عليهم ، فإنَّ القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات ؟ لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء ، وهم يسعون في الأرض فساداً ويصدَّون عن سبيل ” . مجموع الفتاوى ( 2/ 132 ) .
ميرابو الثورة
كان بداية ارتباط ” سيد قطب ” بجماعة الإخوان المسلمين رِدة فعل نشأت في مستشفى كان يُعالج فيها من مرض الدرن و القلب في أمريكا ، إذ وجد بعض العلوج يذكرون موت الأستاذ ” البنا ” ـ رحمه الله ـ بفرح و سرور . فظن أن ذلك لا يكون إلا إذا كان حسن البنا على حق ، و عندما عاد إلى مصر في أوائل 1915 م انضم لجماعة الإخوان ، و عين مباشرة رئيساً للجنة الدعوة ، مع أنه لم يربطه بجماعة الإخوان قبل هذه الحادثة شيء ؛ و إنما كان في كنف أستاذه الأديب ” عباس محمود العقاد ” يأخذ ما أدبه و يقف بجواره في معاركه الأدبية .. ثم اشتغل بالسياسة منتمياً لحزب الوفد ؛ و عمل بالصحافة ، و كان صاحب قلم في الصحف الاشتراكية ؛ فما إن انضم لجماعة الإخوان حتى طلق صالونات الأدب و اهتم بالعمل الديني .. و لكن ـ مع الأسف ـ بنفس فكر صالونات الأدب المتعالمة بالفكر الفلسفي .
و كانت كتابات ” سيد قطب ” في الصحف الاشتراكية كـ ” مصر الفتاة ” و غيرها ، سبباً في تَعرُفِه بضباط الثورة .. حتى أن اللواء ” محمد نجيب ” هاتفه ، و قال له : ” نحن تلاميذك ، تتلمذنا على كتابك ” العدالة الاجتماعية في الإسلام ” ، و على مقالاتك في مجلات الاشتراكية ، و نريد أن تكون أنت مستشارنا في الأمور الداخلية . اهـ
قال الأستاذ محمد قطب ـ شقيق سيد ـ : ” فذهب إليهم بعدها و احتفوا به احتفاء شديداً في مبدأ الأمر على أساس أنا أستاذهم الذي وجههم !! ، و ما كان يعرفهم من قبل و ما التقى بهم أبداً قبل ذلك ، و لكن قالوا له : نحن تتلمذنا على فكرك الموجود في العدالة الاجتماعية ، و على مقالاتك في الاشتراكية . فذهب إليهم و عاش معهم ستة أشهر ” . أهـ .( حياة سيد قطب موقع الإسلام اليوم 13 / 2 / 2001 م ) .
و قال محمد قطب ايضاً : ” فتحوا أمامه كل الملفات الداخلية و طلبوا مشورته في كل الأمور ، و قد عهدوا إليه أن يكون مستشاراً لأمور الداخلية ” . اهـ
و عندما وقعت النزاعات بين ضباط الثورة و بين الإخوان حاول ” سيد قطب ” التوفيق بينهم ، و كانوا يستجيبون له حرصاً على إبقائه معهم كما قال ” محمد قطب ” .
و كان ” سيد قطب ” متحمساً للثورة تحمساً شديداً ، و كان خطيباً لها داعياً إليها ، حتى أنه أنكر على الذين يريدون عودة الضباط إلى الثكنات العسكرية .. و طالب الضباط بعدم تمكين السياسيين من الوثوب على الثورة ، بأي صورة من الصور .. و بَيّن أن القوة المتمثلة في رجال الجيش أقوى في الوصول إلى المقصود من الجماهير الحمقاء و الأحزاب البالية ..حتى أنه طالب الضباط الأحرار بإقامة ” ديكتاتورية عادلة !! ” ؛ الأمر الذي أخرج أستاذه القديم ـ العقاد ـ من صمته و قال : كيف تكون ديكتاتورية و عادلة ؟!! .
و كان ” سيداً ” منافحاً عن أهداف الثورة و شرعيتها ، و ذو علاقة وثيقة جداً بالثوار .. حتى أنه كان المدني الوحيد الذي يحضر جلسات ” مجلس قيادات الثورة ” ؛ و من شدة تأييده للثورة أُطلق عليه لقب “ ميرابو الثورة المصرية ” تشبيهاً له بـ ” ميرابو ” أشهر خطباء الثورة الفرنسية ، و تَحمُس “سيد ” للثورة جعله يؤيد كل مطالب الثورة ، بما فيها قانون الإصلاح الزراعي ، و نزع الملكيات الخاصة و إعادة توزيعها و لو كانت قائمة على أساس شرعي !!.. و زعم أن حق المجتمع في المال حق مطلق ، و أن حق الملكية الفردية لا يقف في وجه هذا الحق العام !! .
ثم بعد ذلك وقع الصراع بينه و بين ضباط الثورة بسب الإخوان ، و انفصل عنهم و اعتزلهم و انضم لجانب الإخوان .. و ذلك في أواخر عام 1953 م . ( مقال : الشهيد سيد قطب في ذاكره الـ 39 . موقع إخوان أون لاين 29 / 8 / 2005 ) .
إعدام ميت
تبين مما سبق أن النزعة الاشتراكية التي تبنتها حكومة ” الضباط الاحرار ” كان منشأها وأصلها كتابات وفكر” سيد قطب ” ، حتى أنهم قالوا : أنهم تتلمذوا عليها . وقد عاش ” سيد قطب ” في صفوف هذه النخبة يُأصل لها ، ويُنافح عن فكرها ، بل ويخطط لها أمور ربما لم تكن في حسابتها كفكرة ” الدكتاتورية العادلة !! ” ثم لما انفصل عنهم واعتزلهم وانضم لصفوف الإخوان بعد الصراع الذى دار بين رجال الجماعة وبين الضباط الاحرار ، أشرف ” سيد قطب ” بعدها على المنشورات الإخوانية التي تدعو إلى الانقلاب على الثورة ، و وجوب قتل ضباط الثورة كما قال ” سيد قطب ” لرئيس محكمة الشعب “جمال سالم ” قال : ” إنني نَصحت الأستاذ المرشد أننا جماعة الإخوان يجب أن نقضى على حركة الجيش قبل أن تقضى علينا “.( قافلة الإخوان صـ 522 ) .
وقد صَدّق الدكتور القرضاوي على هذا الكلام في كتابه ( سيرة وميسرة 2 /77 ) .
وأيضاً كان من أسباب محاكمة ” سيد ” قيادته لتنظيم 1965 الذي أقرت به ” زينب الغزالي ” وكان تنظيماً مسلحاً يَسرق ذخيرته من الجيش . وقد حكى قصته كاملة عباس السيسي في كتابه ( قافلة الإخوان صـ 711 ) .
فلم تكن محاكمة ” سيد قطب ” بسبب دينه واعتقاده ، بل كانت بسبب الامور السياسة التي خاضها مع جماعة الإخوان ، وأما ما تروجه جماعة الإخوان من أن ” سيد قطب ” حُوكم ودفع عمره من أجل قضية الحاكمية فهذا كذبٌ اصلع ، لأن ” سيد قطب ” ما تعرض في مؤلفاته لقضية الحاكمية إلا في كتابه ” الظلال ” ومن بعده كتاب ” معالم على الطريق ” و ( الظلال والمعالم ) لم يؤلفهما ” سيد قطب ” الا بعد دخوله السجن !! فكيف يُحاكم على فكر لم يكن تبناه بعد ؟!! وكيف يوزع ويوضع كتابه الظلال ـ وهو الكتاب المكتظ بالحديث عن قضية الحاكمية ـ في السجن الحربي ؟!! ( انظر قافلة الإخوان صـ 789 ) .
ولكن لما كان أهل الباطل لا تُسعفهم الناحية العلمية لإقامة ما يريدون ترسيخه في أذهان أتباعهم لجئوا إلى الناحية العاطفية ، والتي لها فعل السحر للوصول إلى هدفهم وحينها لا يُفكر المتبوع في مدي صحة الكلام الذى يسمعه أو يُفتش في حقيقه . وهذا المسك من علامات أهل الباطل .
و نذكر هنا مثال للأهمية لارتباطه بموضوع ” سيد قطب ” وهو أن الإخوان تتغنى دائما بمأساة ” سيد قطب ” في سجن الثورة وأنه تمزق جسده بسبب السياط وأنياب الكلاب البوليسية الثورية !!
وهذا بخلاف ما شهد به الأستاذ ” أحمد عبد المجيد ” – أحد أعضاء تنظيم 65 م من أن ” سيد قطب ” كان على علاقة طيبة بضباط سجن طرة ، حتى قال : كانت صلته بالضباط والجنود في السجن صله طيبة ، حتى إن مأمور سجن طرة قال : ” إن سيداً هو مدير السجن لصلته القوية بالجميع ” . ( إسلام أون لاين 12/7/2004 ) .
ولعل القضية الأكبر في قصة ” سيد قطب ” التي تاجر بها الإخوان هي : إعدام ” سيد قطب ” ، حتى أنهم اشبعوا العالم الإسلامي كلاماً حولها ، و رسموا بسبها ستاراً من القداسة حول أفكاره ، حالت زمناً كبيراً دون التعرض لها ، ولو كانت مخالفة لصميم الإسلام ، ورسموا حولها الأساطير .
ولكن العجيب أن ” سيد قطب ” – عفا الله عنه – لم يُعدم الا ميتاً
فبعد أربعين عاماً من موت ” سيد قطب ” ـ رحمه الله ـ يُفاجئنا موقع جماعة الإخوان ( إخوان أون لاين نت 7 /11 / 2006 م ) . بمقال بعنوان ( سيد قطب عملاق في زمن الأقزام ) وفيه أن سيد قطب مات ساجداً ولم يُعدم !! .
قال المستشار على جريشة : وعلمنا – أخي سيد – أنك طلبت قبل التنفيذ أن تصلى ركعتين ، ودعوت في السجود أن يقبضك الله قبل أن يَصلوا إليك ، واستجاب لك ربك ، فقبضت وأنت ساجد ، لكنهم أصروا أن يُعلقوك على حبل المشنقة !! ليعطوا التمام إلى رئيسهم أنهم نفذوا فيك حكم الإعدام !! . اهـ .
و ينبغي التوقف هنا .. فالأمر لا يحتاج إلى تعليق أو زيادة .. فإن للموت رهبة و احترام .
نسأل الله العدل والإنصاف ، وأن يتوفانا على ما يُحب ، و أن يغفر لموتى المسلمين .======ذا الذي يُدندن حوله بعضهم كلما تعرض أهل السنة و الأثر للتحذير من فكرٍ منحرف ، أو من كاتبٍ مبتدع ، أو … ، فقدمناه حتى نُوفر عليهم ، ونخبرهم أننا على علم بما ستقولون .
ولكننا نقول : هل سكت المبطلون لنسكت ، أم أنهم يهاجمون الاعتقاد على مرأى و مسمع ، ويُطلب السكوت ؟ اللهم لا .. و نُعيذ بالله كل مسلم من تسرب حُجة اليهود ، فهم مُختلفون على الكتاب ، مُخالفون للكتاب ، ومع هذا يُظهرون الوحدة والاجتماع ، وقد كذبهم الله تعالى فقال سبحانه : { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى } [ الحشر : 14 ] ، وكان من أسباب لعنتهم ما ذكره الله بقوله : { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } [ المائدة : 79 ] ، وإذا كان كلما أراد المؤمن أن يقَوَِّم المسار قيل له : ليس ذا الوقت والكفار متربصون .
فمتى يعرف أخطاءه ؟!! ومتى يَحجم عنها ؟!! ومتى يصح المريض ويقوى الضعيف ؟!!
وليس من المولاة للمؤمنين في شيء أن تنصر أخاك في باطله مُحتجاً بمواجهته للكفار والعلمانيين ، فعن أنس قال أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، قيل يا رسول الله : هذا ننصره مظلوما ، فكيف ننصره ظالماً ؟ قال : تحجزه أو تمنعه من الظلم . رواه البخاري .
وأيضاً :استعمال الشدة في الإنكار على المخالف لا يعنى الولاء للكفار، فلا يقُل قائل يتكلم في أخوانه ويسكت عن أعدائه. الم تر كيف أن موسى – عليه السلام – أشتد على أخيه هارون – عليه السلام – كما في قوله تعالى : {… وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ …} [ الأعراف : 150 ] ،أما مع فرعون فالآن له القول : { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } [ طه :43 -44 ] ، فهل يحتج أحد على موسى – عليه السلام – بالولاء و البراء متهماً له بأنه يبسط لسانه ويده على أخيه ويلطف بالطواغيت ؟!
وقد قال أحدهم للأمام أحمد : أنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا ، فقال إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم .[الكفاية في علم الرواية للبغدادي صـ46] .
وقال ابن القيم : ومعلوم أنه إذا أزدوج التكلم بالباطل ، والسكوت عن بيان الحق تولد بينهما جهل الحق ، و أضلال الخلق [الصواعق المرسلة صـ52] .
وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع ، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغه الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج . [رواه أبو داود وهو في صحيح الجامع برقم 6196 ].
ومعنى ردغة الخبال : عصارة أهل النار .
ويقول صلى الله عليه وسلم : ( ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه ) رواه أحمد و الترمذي ، وصححه الألباني .
فالواجب على المسلم أنه إذا علم الحق جهر بهِ و لا يشترى رضي الناس بسخط الله… ولهذا أقول : من أجل ذلك لا يسعنا السكوت .
فهذه وقفة جديدة مع رجل من إعلام جماعة الأخوان المسلمين ، يُعرف في الجماعة باسم الشهيد سيد قطب ـ رحمه الله ـ .
و الأمر ليس فيه إلا العرض و إلابانة فما يضرك أن تسمع أو أن تقرأ ، وقد قيل :
فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟
إن كان الذي يأتي حسناً قبلته.. …… وأن كان قبيحاً تركته.
الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – كان رجلاً فاضلاً في اللغة و الأدب ، وكانت له حماسه دينية عالية ، وكان على علم بمذاهب الفرق الضالة ، فدخل في بطونها لكنه لم يستطيع أن يخرج منها.
فاختلط فكره بمذهب الحلوليين و ألاتحاديين و الجهمية المعطلين لصفات رب العالمين ، فقال بما قالوا ، وتأثر بمذهب الجبرية فأنكر تأثير الأسباب ، وقال بمذهب المعتزلة في الإيمان .
وادعى أن من حكم بغير حكم الله في مسألة واحدة فهو منكر للإلهية الله ، ورافض للإيمان بالكلية ، وتأثر بفكر الروافض في اعتقاده في الصحابة فاتهم معاوية وعمرو بن العاص بالنفاق والكذب وبيع الذمم ، وأن خلافة عثمان بن عفان كانت فجوة بين الشيخين وعلي –رضي الله عن الجميع – وشبه سور القران بالمنظومات الموسيقية ، كما في تفسير سورتي النجم والجن .
ورد أحاديث الآحاد في مجال العقيدة كما هو حال الأشاعرة ومن على ضربهم ، ودعا إلى نزع الملكيات والأموال ولو كانت آتية بالطريق الشرعي كما في الفكر الشيوعي الاشتراكي فضلاً على طعنه في أنبياء الله : داود وسليمان وموسى ـ عليهم الصلاة والسلام ـ. كما سيأتي تفصيله بإذن الله .
أولاً : أخطر ما ينبغي أن ننبه عليه وبه نبدأ :
-تكفير( سيد قطب) لمجتمعات المسلمين :
يقول الدكتور القرضاوي في كتابه (أولويات الحركة الإسلامية صـ 110) : في هذه المرحلة ظهرت كتب الشهيد (سيد قطب ) التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره ، والتي تنضح بتكفير المجتمع ، وتأجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي ، والسخرية بفكرة تجديد الفقه ، وتطويره ، وإحياء الاجتهاد ، وتدعو إلى العزلة الشعورية عن المجتمع وقطع العلاقة مع الآخرين وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافةَّ ..) 0 اهـ .
قلت :
قال( سيد قطب) في كتابه [الظلال – 2/1057] : لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بـ : لا إله إلا الله ، فقد ارتدّت البشرية إلى عبادة العباد ، وجور الأديان ، ونكصت عن لا إله إلا الله ، وإن ظلّ فريق منها يرددون على المآذن لا إله إلا الله .اهـ
و قال سيد ـ عفا الله عنه ـ في كتابه (معالم في الطريق صـ 21):
نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام ، أو أظلم …!!
وقال في : (صـ 98 ) : إن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم … بهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلاً ، تدخل فيه المجتمعات الشيوعية … ، وتدخل فيه المجتمعات الوثنية … ، وتدخل فيه المجتمعات اليهودية والنصرانية … ، وأخيرا يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة !!
وقال في ( صـ173) : والمسألة في حقيقتها كفر وإيمان … إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية … والدعوة اليوم إنما تقوم لترد هؤلاء الجاهلين إلى الإسلام ، ولتجعل منهم مسلمين من جديد !! . اهـ
قلت :
ولكن الحق يُقال أن (سيد قطب) لم يقصد بتكفيره أهل الإسلام مساواتهم بالوثنين عباد الأصنام ، حاشا لله ، ولكنه جعلهم بمنزلة أهل الكتاب .
يقول علي العشماوي في كتابه [التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين صـ80] :
جاءني أحد الإخوان وقال لي إنه سوف يرفض أكل ذبيحة المسلمين الموجودة حالياً ، فذهبت إلى (سيد قطب) وسألته عن ذلك ، فقال : دعهم يأكلوها ويعتبرونها ذبيحة أهل الكتاب ، فعلي الأقل المسلمون اليوم هم أهل كتاب !!0 و ياليت علي العشماوي : أتبع وصية شيخه ، ولكنه قال في [ صـ 94 ] من كتابه التاريخ السري :
من أراد أن يلحق بنا فهو مسلم ، ومن وقف ضدنا فقد حكم على نفسه بالكفر !! وأنتهي الأمر بسيد قطب بأن جعل مساجد المسلمين معابد جاهلية فقد قال في تفسير قوله تعالى : { واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } [ يونس : 87 ] .
بعد أن قرر فيما سبق دخول مسلمي العصر في إطار المجتمع الجاهلي : ( وهنا يرشدهم الله إلى اعتزال معابد الجاهلية [مساجدها] ، واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي ).( في ظلال القرآن – 3/1816- دار الشروق أخر طبعة قبل موت سيد) .
قلت :
ومعلوم من تبنى هذا الفكر بعدُ ، وأصبح لا يصلي في مساجد المسلمين ولا يشهد جماعتهم لأنها مساجد ضرار وأهلها كفار ، وتبني العزلة الشعورية فاعتزل المجتمع بعد تكفيره وهاجر في الجبال . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ثانياً : سيد قطب والقرآن :
ذهب سيد قطب إلى أن القرآن الكريم من صنع الله !!!!! ، ومعلوم حساسية أهل السنة في استخدام المصطلحات ، وخاصة المتعلقة بصفات الله – سبحانه – فالقرآن كلام الله كما قال عز وجل :{ وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ المشركين استجارك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله } [ التوبة : 6 ] ، و ما كانت محنة الإمام أحمد إلا من أجل هذه القضية.
ولكن سيد قطب – عفا الله عنه – قال : ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا من هذه [الحروف ] مثل هذا الكتاب ، لأنه من صنع الله لا من صنع الناس ) . [ في ظلال القرآن 5/2719- دار الشروق ] .
وقال : وهذا الحرف { ص } من صنعة الله تعالى ، فهو موجود صوتاً ، وموجود حرفاً من حروف الهجاء .[ في ظلال القرآن 5/3006- دار الشروق ]
وكان من الممكن أن يُقال أن سيداً – عفا الله عنه – اخطأ في التعبير ، ولا يقال : أن هذا يدخل تحت القول بخلق القرآن لأنه على عقيدة السلف في الأسماء والصفات ، ولكن مع الأسف الشديد أنه كان مقرراً لعقيدة الخلف من نفي صفات الرب سبحانه ، فقد قال في تفسير قوله تعالى : { ثُمَّ استوى عَلَى العرش } ، : (العرش) ، نؤمن به كما ذكره ، ولا نعلم حقيقته ، أما الاستواء على العرش فنملك أن نقول : إنه كناية عن الهيمنة على الخلق ، استناداً إلى ما نعلم من القرآن عن يقين من أن الله سبحانه لا تتغير عليه الأحوال ، فلا يكون في حالة عدم استواء على العرش ، ثم تتبعها حالة استواء ، والقول بأننا نؤمن بِه [ بالاستواء ] ولا ندرك كيفيته [ وهو قول أهل السنة والجماعة ] لا يفسر قوله تعالى:{ ثُمَّ استوى عَلَى العرش }. (في ظلال القرآن -6/3480).
قلت :
و معلوم فساد هذا القول ، و أنه قول الفرقة السبعية ( الاشاعرة ) ، وسيأتي قريباً رد العلامة الألباني والشيخ العثميين – رحمهما الله – على هذا الكلام ، وهل هو قول بخلق القرآن ونفي الصفات أم لا ؟!! .
أما الطامة الكبرى هو وصف الاستاذ سيد قطب ـ القرآن الكريم ـ أنه مشاهد مسرحية وسينمائية وأن له خصائص الشعر فمبناه على القوافي . فضلاً على انفراد القرآن بموسيقاه الخاصة .
قال – عفا الله عنه – : والتصوير بالألوان يلاحظ هذا التناسق [بين اللون الذي ترسم به ، والتدرج في الظلال ] مع الفكرة والموضوع ، كما يلاحظ التوزيع في المشاهد المسرحية والسينمائية ، والتصوير في القرآن يقوم على أساسه ، خذ مثلاً سورة من السور الصغيرة التي ربما يحسب البعض أنها شبيهة بسجع الكهان أو حكمة السجاع ، خذ مثلاً سورة الفلق فما الجو الذي يراد إطلاقه فيها ؟ جوّ التعويذة بما فيه من خفاء وهيمنة ، وغموض وإبهام . [التصوير الفني في القرآن- صـ 115- ط دار الشروق عام 2000م ].
وقال وهو يضرب مثلاً لما أخذه القرآن من الشعر :[القفيه ، والإيقاع ، والوزن ]، يقول الله تعالى : { أَفَرَءيْتُمُ اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 19 ، 20 ] ، قال : ( فلو أنك قلت : ومناة الثالثة ؟ لاختلت القافية ، ولتأثر الإيقاع ، ولو قلت : ومناة الأخرى ؟ فالوزن يختل .. ، ويقول الله تعالى : { قال رَبّ إِنّى وَهَنَ العظم مِنّي } [ مريم : 4 ] ولو قلت : قال رب إني وهن مني العظم ، لأحسست بما يشبه الكسر في وزن الشعر !! ، ذلك أن (مني) تتوازن مع (إني) هكذا : { قال رب إني … وهن العظم مني } [المصدر السابق – صـ104،106].
ووصف سورة الفجر عامة بقوله : إنها تؤلف ألواناً متنوعة ، تؤلف من تفرقها وتناسقها لحناً واحداً فتعدد النغمات موحد الإيقاع [في ظلال القرآن 6/3901].
ووصف سورة الضحى : بالموسيقى الرتيبة الحركات ، الوئيدة الخطا ، الرقيقة الأصداء ، الشجية الإيقاع . [التصوير الفني في القرآن –صـ125] وقال عن سورة الليل : بأن الموسيقا المصاحبة فيها أخشن وأعلى من موسيقا الضحى . [ المصدر السابق – صـ 128].
ووصف آيات من سورة الفجر : بالموسيقا الرخية المُتماوجة ، ووصف آيات أخرى منها : بالعرض العسكري الذي تشترك فيه جهنم بموسيقاها العسكرية المنتظمة الدقات [المصدر السابق – صـ97، ووصفها في الظلال -6/3906]. : بالموسيقا الحادة التقاسيم… !!
وقال أن سورة النازعات تميزت بنوعين من الموسيقا : السريعة الحركة ، قصيرة الموجة ، قوية المبنى ، تنسجم مع جو مكهرب سريع النبض ، شديد الارتجاف و الوانية الحركة ، الرخية الموجة ، المتوسطة الطول ، تنسجم مع الجو القصصي . [المصدر السابق – صـ111] .
واستنبط ( موسيقى الطوفان ) من قوله تعالى : { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ } [السابق صـ113] ووصف القرآن عامة بقوله : القرآن يرسم صوراً ، ويعرض مشاهد يتوافر لها أدق مظاهر التناسق الفني في ماء الصورة ، وجو المشهد ، وتقسيم الأجزاء وتوزيعها في الرقعة الموضوعة . [التصوير الفني في القرآن – صـ114 ] .
قلت :
كنا نتمنى أن نتأول لسيد قطب – عفا الله عنه – ونقول هو لم يقصد (الرسم والموسيقا ) المعروفان عند أهل الفن والمجون ، ونقول : أنما هي كلمات خرجت من أديب لا يقصد معناها الحقيقي ، ولكنه سد علينا الطريق بقوله : أنه استعان بالأستاذ الفنان (ضياء الدين محمد). مفتش الرسم – بوزارة المعارف – بمراجعة القسم الخاص بتناسق الصور . [ المصدر السابق – صـ 114 ].
وقال : أنه تفضيل الموسيقي المُبدع الأستاذ ( محمد حسن الشُجاعي ) . مدير دار الأوبرا المصرية سابقاً – بمراجعة هذا الجزء الخاص بالموسيقا في القرآن الكريم ، وكان له الفضل في ضبط بعض المصطلحات الفنية الموسيقية – راجع فصل الموسيقا في القرآن من كتابه . [التصوير الفني في القرآن – صـ 106] .
قلت : ولا ندرى هنا ؛ جواز استخدام الموسيقا الغربية في تفسير القرآن ، أم الاقتصار على الموسيقى العربية الأصلية إذ أن العربية هي لغة القرآن ؟!! .
ثالثا: سيد قطب والأنبياء :
قال الله تعالى : { آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [ البقرة :285 ] .
قال الأستاذ سيد قطب- عفا الله عنه – عن موسى – عليه السلام – عند ذكر قول الله تعالى }:فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا {- قال : وينسيه التعصب والاندفاع استغفاره وندمه .[التصوير الفني في القرآن – صـ201]
وقال في [ صـ200]: لنأخذ موسى ، إنه نموذج للزعيم المندفع العصبي المزاج . وقال في[ صـ201-202 ]: ثم لندعه فترة أخرى لنرى ماذا يصنع الزمن في أعصابه ، ولكن ها هو ذا يسأل ربه سؤالا عجيباً : } قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ {
وقال : فلندعه هنا لنلتقي به في فترة من حياته بعد عشر سنوات فلعله قد هدأ وصار رجلاً هادئ الطبع ، حليم النفس ، كلا …إنه الفتى العصبي نفسه …!! (صـ201) .
ثم قال في (صـ203) على قول الله تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَلَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ } سورة هود 75
تقابل شخصية موسى شخصية إبراهيم ؟ إنه نموذج الهدوء والتسامح والحكمة . قلت : وأين العمل بالآية : :{ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } و مثل هذا يُقال على نبي قال الله فيه يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي { ،وقال فيه :{ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} ، وقال :{ وِلتُصنَع على عيني } ، وقال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا } .
هذا ، ولم يسلم ( داود وسليمان وإبراهيم وعيسى ) – عليهم السلام – من جرأة سيد قطب حتى أنه أساء الأدب جداً ، وذكر ألفاظاً مُستشنعة ، أعرضنا عنها لعظيم حُرمه المُتكلم فيهم . نسأل الله السترِ في الدنيا والآخرة .
رابعاً: سيد قطب وأصحاب الرسول – صلى الله عليه وسلم ـ :
يقول سيد في كتابه [ العدالة الاجتماعية ] (صـ159 ) وما بعدها : لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير ومن ورائه مروان بن الحكم يُصرف الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام … وقال : منح عثمان من بيت المال زوج ابنته ـ الحارث بن الحكم ـ يوم عرسه مائتي ألف درهم فلما أصبح الصباح جاءه ـ زيد بن أرقم ـ خازن مال المسلمين ، وقد بدا في وجهه الحزن ..فسأله أن يعفيه من عمله ولما علم منه السبب وعرف أن عطيته من مال المسلمين .. فرد الرجل الذي يستشعر روح الإسلام المرهف .. لا يا أمير المؤمنين ولكن أبكي لأني أظنك أخذت من المال عوضاً عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – . فغضب عثمان – رضي الله عنه – على الرجل الذي لا يطيق ضميره هذه التوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين .
وقال في [ صـ168 – دار الشروق -1415] . فأما في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – وصاحبيه وخلافة علي بن أبى طالب ، فكانت النظرة السائدة هي النظرة الإسلامية … وأما حين انحراف هذا التصور قليلاً في عهد عثمان !! ، فقد بقيت للناس حقوقهم ، وفهم الخليفة أنه في حِلًّ – وقد اتسع المال عن المقررات للناس – أن يطلق فيه يده يبرَّ أهلَه .. وقال في [ صـ: 161 ]: و اعتذارنا لعثمان – رضي الله عنه – أن الخلافة قد جاءت إليه متأخرة …وهو يدلف إلى الثمانين يلعب به مروان ، فصار سيقه له يسوقه حيث شاء بعد كبر السن وصحبته لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . و قال في [ صـ : 162 ] : وسار علي – رضي الله عنه – في طريقة يرد للحكم صورته كما صاغها النبي – صلي الله عليه وسلم – والخلفيتان من بعده .
وقال في كتابه السابق [صـ172]: ونحن نميل إلى اعتبار خلافة علي- رضي الله عنه- امتداداً طبيعياً لخلافة الشيخين قبله ، وأن عهد عثمان كان فجوة بينهما .
ثم يُمجد سيد قطب الثورة التي رتب لها اليهود وقال أنها تحمل روح الإسلام – فسلم منه أحفاد القردة والخنازير ولم يسلم منه الرجل الذي تستحي منه الملائكة .
فقال في [صـ161]: لابد لمن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام ، ويستشعر روح الإسلام أن يقررّ أن تلك الثورة في عمومها كانت فورة من الإسلام ، وذلك دون إغفال لما كان وراءها من كيد اليهودي ابن سبأ- عليه لعنة الله 0
سبحان الله ، فالخوارج كلاب أهل النار ، قتلة عثمان ، عند سيد قطب هم الذين يحملون روح الإسلام !!
وقد قال في معاوية وعمرو بن العاص – رضي الله عنهما – في كتابه ( كتب وشخصيات صـ242 ): ( إن معاوية وعمراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس ، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب ، ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح ، وهو ( يعني علياً ) مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع ، وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب ، والغش ، والخديعة ، والنفاق ، والرشوة ، وشراء الذمم ، لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل فلا عجب أن ينجحا ويفشل ، وانه لفشلٌ اشرف من كل نجاح )
وقال :… ذلك أبو معاوية ، فأمه أمه هند بنت عقبة ، فهي تلك التي وقفت يوم أحد تلغ في الدم إذ تنهش كبد حمزة كاللبؤة المتوحشة !! ، لا يشفع لها في هذه الفعلة الشنيعة حق الثأر على حمزة ، فقد كان قد مات ، وهي التي وقفت بعد إسلام زوجها كرها بعد إذ تقررت غلبة الإسلام تصيح : اقتلوا الخبيث الدنس الذي لا خير فيه ، قبح من طليعة قوم ، هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم ؟
وقال : فلئن كان إيمان عثمان وورعه ورقته كانت تقف حاجزاً أمام أميه ، لقد أنهار هذا الحاجز ، وانساح هذا السد ، وارتدت أميه طليقة حرة إلى وارثاتها في الجاهلية والإسلام ، وجاء معاوية تعاونه العصبة التي على شاكلته، وعلى رأسها عمرو بن العاص ، قوم تجمعهم المطامع والمأرب ، وتدفعهم المطامع والرغائب ، ولا يمسكم خلق ولا دين ولا ضمير .
[ نقلا من مجلة المسلمون العدد الثالث 3 سنة 1371هـ – من رد الشيخ محمود شاكر ( رحمه الله)].
قلت : ولعل القارئ ألان يعلم معنى كلمة الأستاذ : محمد مهدي عاكف – المرشد العام السابق لجماعة الأخوان – نحن منذ فترة طويلة – وليس الآن – نتعاون مع الشيعة فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما تختلف فيه .
رسالة الأخوان العدد (478) الصادر في 29 شعبان 1427هـ .
وقد سبقه المرشد الأسبق ـ محمد حامد أبو النصرـ حين قال : إن أي حديث عن الشيعة ، يعنى إثارة الفتنة ، ومنهجنا عدم الخوض في هذا الأمر !!
وكان حسبنا في هذا المقام أن نذكر حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – : لا تسبوا أصحابي ، لا تسبوا أصحابي ،
فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم أو نصيفه . متفق على صحته .
ولكنى أحببت أن أذكر بقول أبى زرعة الرازي – رحمه الله – إذا رأيت الرجل ينقص أحداً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن القرآن حق ، والرسول حق ، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة . [ فتح المغيث (4/94)] 0
قلت : وقد ضاق الصدر ، وانشغل الفكر، بعد المرور بهذا الغثاء ، ولم يتبقى عندي همة لبيان ما المقصود بـ (ميرابو الثورة ) فلعلنا نبينها فيما بعد.
==============ويتحدث عن الهندوكية فلا يقدح فيها من جهة شركها ووثنيتها، وإن كان في بعض الأحيان قد يطعن في هذه الوثنية لكن حديثه هنا عجيب إنه يدعو إلى فكرة الماسونية فكرة الأخوة الإنسانية.
فيقول ([1]): (والمجتمع الهندوكي بدوره يكاد يكون مجتمعا مقفلا كالمجتمع اليهودي، لأن تقسيم البرهمية للطبقات في هذا المجتمع وعزلها كل طبقة عن الأخرى عزلا كاملا، بحيث لا يمكن اجتياز الفواصل الحديدية بين هذه الطبقات. . . لا يسمح لغير الهنود أن يعتنقوا الديانة الهندوكية ولا يسمح بفكرة الأخوة العالمية، التي تهيئ لقيام مجتمع عالمي مفتوح للجميع).
وهكذا يرى أكبر نقص في المجتمع الهندوكي أنه مجتمع مقفل وكذلك المجتمع اليهودي، وكأنه يشجعهما على الانفتاح ونشر ديانتهما في العالم انطلاقا من حرية الأديان.
وكذلك يأخذ على الهندوكية أنها لا تسمح بفكرة الأخوة العالمية التي يدعو إليها سيد قطب.
ويقول سيد قطب عن المسيحية:
(أما المجتمع المسيحي -إذا صح هذا التعبير – فالمسيحية لا تحكمه، والنظم فيه لا تعتمد على العقيدة، إنما تعتمد أساسا على القوانين الوضعية، حيث تقف العقيدة في عزلة عن المجتمع، تحاول أن تعمل في ضمير الفرد وحده، وبدهي أن قوة النظام الاجتماعي لا تمهل الفرد يستمع إلى صوت الضمير ما لم يكن هذا النظام ذاته قائما على العقيدة التي تعمر الضمير. . . وهذا الانعزال بين العقيدة والنظام في العالم الذي يسمى العالم المسيحي، يحرم الفرد ذلك التناسق الذاتي بين ضميره والنظام الذي يعيش في ظله، كما يحرم المجتمع تلك الإيحاءات السامية المنبعثة من روح الدين. . . وعلى أي حال فهذا موقف اضطراري في العالم المسيحي، لأن المسيحية لم تتضمن شريعة تنظم المجتمع عن طريق القانون، ومن هنا ذهبت كل دعوات المسيحية إلى السماحة الإنسانية هباء، وغلبتها روح الاستعمار الخبيثة، المنبعثة من النعرة القومية المنعزلة داخل الحدود الجغرافية) ([2]).
أقول: لو حكمت العقيدة الإسلامية سيد قطب لما تحدث بهذا الأسلوب عن الهندوكية المغرقة في عبادة كل شيء من الأوثان والقردة والفروج والأشجار والأحجار والحيات والديدان.
فأي دمار سيحيق بالبشرية لو انفتحت على العالم تنشر عقيدتها وتدعو إلى الأخوة العالمية تخلصا مما يأخذه سيد قطب وأمثاله من دعاة الإنسانية، وخروجا من معرة هذا العار؟!
ولو حكمت العقيدة الإسلامية سيد قطب لما تحدث عن النصرانية الكافرة بهذا الأسلوب السمج المتملق – إن أحسنا به الظن -.
إنه لا يتحدث عن الدين الذي جاء به رسول الله عيسى صلى الله عليه وسلم المتضمن للتوحيد والمؤيد للتوراة المنزلة على موسى صلى الله عليه وسلم وفيهما جميعا الهدى والنور والتشريع المنظم للحياة.
قال تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} ([3]) بعد أن قال عن التوراة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} ([4])
وإنما يتحدث سيد قطب عن الديانة النصرانية المحرفة عن التوحيد إلى الوثنية وعن الحكم بما أنزل الله إلى الحكم بالطاغوت.
فماذا يريد سيد قطب بقوله في حديثه عن المجتمع المسيحي: (فالمسيحية لا تحكمه والنظم فيه لا تعتمد على العقيدة إنما تعتمد أساسا على النظم الوضعية)؟!
فلو اعتمدت نظمها على عقيدتها الوثنية التي قال الله في شأنها {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} ([5])
وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} ([6])، وقال: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَانِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا} ([7])، ولو اعتمدت نظمها على عقيدتها الوثنية بنص القرآن أتكون على حق وسداد وهدى؟
إن عدم التزامهم بهذه العقيدة قد يكون أخف خبثا وشرا.
وماذا استفاد العالم الإسلامي وغيره من التعصب الوثني الصليبي؟ وماذا لقيت أسبانيا من هذا التعصب الخبيث المتوحش؟!
سيد قطب يعرف هذا تماما.
ماذا يريد سيد قطب بقوله: (وبدهي أن قوة النظام الاجتماعي لا تمهل الفرد ليستمع إلى صوت الضمير ما لم يكن هذا النظام ذاته قائما على العقيدة التي تعمر الضمير)؟!
فهل العقيدة النصرانية تعمر الضمير أو تفسده وتخربه وتملؤه حقدا وتعصبا ضد الحق والهدى والنور الذي أُرْسِل به محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين، فأبته هذه العقيدة وحاربته أشد من اليهود والفرس والهندوك وغزت المسلمين في عقر دارهم وتعاونت مع كل الأديان ضدهم وضد إسلامهم.
ماذا يريد سيد بقوله: (وهذا الانعزال بين العقيدة والنظام في العالم الذي يسمى العالم المسيحي يحرم الفرد ذلك التناسق الذاتي بين ضميره والنظام الذي يعيش في ظله، كما يحرم المجتمع تلك الإيحاءات السامية المنبعثة من روح الدين)؟!
فهل يحصل للفرد النصراني عابد الصليب تناسق بين ضميره والنظام الناشىء على تلك العقيدة أو أنهما جميعا تورثانه التمزق والضياع والقلق ([8])؟!
وما هي الإيحاءات السامية المنبعثة من روح الدين الوثني الصليبي؟! أليست الفجور والبغضاء والحقد على محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته وأمته؟!
ثم بعد هذا الكلام التائه يخبط في تيه التناقض فيقول: وعلى أي حال فهذا موقف اضطراري في العالم المسيحي، لأن المسيحية لم تتضمن تنظيم المجتمع عن طريق القوانين).
فهل هذا إعذار للمسيحيين عن تشريعهم لقوانين لا ترتبط بعقيدتهم فهم بذلك معذورون أمام الله؟ وهل المسيحية التي لم تتضمن قوانين هي المنزلة أو المبدلة؟
إن كان يقصد المنزلة وهو المتبادر، فهذا أمر خطير يصادم قول الله: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} ([9])، ثم هم ملزمون بالأحكام المنزلة في التوراة ثم القرآن.
وإن كان يقصد المسيحية الوثنية المبدلة فما فائدة هذا الكلام الباطل الذي يغضب الله عز وجل والذي يدل على الفساد العقائدي والهوى السياسي وهما أمران خطيران كثيرا ما يجران من أصيب بهما إلى المهالك.
بل يذهب سيد قطب إلى أبعد من هذا فيصف النصرانية المبدلة بالسماحة والطهر فيقول:
وكثيرا ما ذهبت إلى هذه الكنائس واستمعت إلى الوعاظ في الكنيسة وإلى الموسيقى والتراتيل والأدعية، وكثيرا ما استمعت إلى إذاعة الآباء في محطات الإذاعة في الأعياد المسيحية. . . . دائما يحاول الآباء أن يعقدوا الصلة بين قلب الفرد وبين الله، ولكن واحدا منهم لم أسمعه يقول كيف يمكن أن يكون مسيحيا في واقع الحياة اليومية، ذلك أن المسيحية إنما هي مجرد دعوة للتطهير الروحي، ولم تتضمن تشريعا للحياة الواقعة بل تركت ذلك لقيصر.
وكان من أثر هذا في العالم المسيحي أن أصبحت المسيحية في جانب والحياة الواقعة في جانب، وعلى توالي الأزمان أصبحت المسيحية محصورة داخل الكنيسة والحياة من حولها أبعد ما تكون عن روحها السمحة المتطهرة، فلما نشطت الكنيسة في السنوات الأخيرة للاتصال بالمجتمع من جديد لم يكن همها أن ترفع الناس إليها، بل كانت طريقها أن تهبط هي إلى الناس. 00) ([10])
هكذا يصور سيد قطب النصرانية المحرفة الوثنية النجسة عقائدها المؤلهة للبشر بأنها دعوة إلى التطهر الروحي، وأن روحها سمحة متطهرة، ولا مؤاخذة على الكنيسة إلا أنها أهملت السياسة ووضع القوانين التي تحكم الحياة.
وهذا يذكر القارئ بمدح سيد للصوفية أهل وحدة الوجود من حيث عقيدتهم الوحدوية، ومؤاخذته لهم من جهة تقصيرهم في الجانب السياسي في الإسلام فقط.
وكل هذه الضلالات يجب على الأمة أن تحني رؤوسها أمام عظمة سيد وأن تتلمس له التأويلات والمعاذير، أما السلفي فيا ويله إن أخطأ، بل يا ويله إن قال الحق وبرهن عليه بالأدلة والبراهين الواضحة.=====قول سيد قطب بعقيدة وحدة الوجود والحلول والجبر ودفاعه عن عقيدة النيرفانا الهندوكية البوذية
أطوار سيد قطب في وحدة الوجود:
أولاً ـ نعق بها وهو في سن الكهولة في حدود عام 1935م أي في حدود 1355هـ في ديوانه الشعري حيث يقول في قصيدته إلى الشاطئ المجهول والتي منها هذه الأبيات:
حننْتُ لمرآه إلى الضفة الأخرى
(إلى الشاطئ المجهول والعالم الذي
معالم للأزمان والكون تُستَقْرى
إلى حيث لاتدري إلى حيث لاترى
إلى حيث تنسى الناسَ والكونَ والدّهرا
إلى حيث (لاحيث) تميز حدوده!
وتمزج في الحس البداهة والفكرا
وتشعر أنّ (الجزء) و (الكل) واحد
ولا (اليوم) فالأزمان كالحلقة الكبرى
فليس هنا أمس) وليس هنا (غد)
هنا الوحدة الكبرى ([1]) التي احتجبت سرا)
وليس هنا (غير) وليس هنا (أنا) ([2])
ديوان سيد قطب (ص 123).
يقول سيد قطب في شرحه لهذه الأبيات في مقدمة كتابه ديوان سيد قطب (ص 30 ـ 31):
الجسم والزمن والوحدة:
(القُوى الروحية ـ عند الشاعر ـ هي التي تربطه بالوحدة الكونية الكبرى ([3]) كما تقدم، في حين تَقصُرُ القوى العقليةُ عن ذلك، وهو يرى أن الشعورَ بالزمن؛ نتيجةٌ لوجودِ الجسمِ والقوى الواعية؛ وأن الروح تحسُّ بالوجود المطْلقِ ([4])؛ لا يقيده الزمن؛ وبالبداهة لا يقيده المكان.
ولذلك فهو حينما خَلعَ الجسم وخلع الحِجا في (الشاطئ المجهول) رأى أنْ ليس هناك (حيث) ولا (أمس) ولا (اليوم) ولا (الغد) ولا (غير) ولا (أنا) … إلخ
ولكنه رأى (الأزمان) كالحَلْقَةِ الكبرى) ورأى (الوحدة التي احتجبت سراً). وكذلك في قصيدة (الليلات المبعوثة) ([5]) حين تجرد لم يَرَ للزمان مَعْلَماً ولا رسماً ورأى كلّ شئ كرمز الدّوام.
وله أبيات في ص91 من ديوانه عنوانها (عبادة جديدة) نعق بها في عام 1937م
منها:
لك أنت وحدك يا جمال
لك يا جمال عبادتي
ومنها:
حي بالعبادة في جلال
وأرى الألوهة فيك تُو
منها تُوشِّيهِ بالعبادة في جلالْ
ما أنت إلاّ مظْهرٌ
يا حُسْنُ مِنْ أهل الضّلال
فإذا عَبدتُكَ لم أكنْ
ـدةِ في الحقيقةِ والخيالْ
بل كنتُ محمود العقيـ
كلُ النفوسِ بلا مثالْ
أعْنُو لمن تعنُو له
شتى المرائي والخِلالْ ([6])
مُتفرِّقا في الكون في
بطلَ التَّمحّلُ والجِدالْ
فإذا تركّز ها هُنا
وفي شيخوخته في حدود سنة 1946 م أو سنة1947 م تحمس للدفاع عن عقيدة النيرفانا فمدحها وذبّ عنها وعن أهلها وهي تتضمن أخبث عقائد الوثنيين الهندوك والبوذيين من مثل وحدة الوجود وعقيدة التناسخ ([7]) تحت عنوان (سندباد عصري) انتقد سيد قطب الدكتور حسين فوزي فقال بعد مقدمة تحدث فيها عن السندباد والسندبادات ثم قال: والدكتور حسين فوزي هو سندبادنا اليوم وهو رجل ندب لرحلة علمية في البحر الأحمر والمحيط الهندي ضمن بعثة عالمية لدراسة أحياء البحر الأحمر والمحيط وقد طوّف ـ مع البعثة ـ على باخرة مصرية طوال تسعة أشهر في البحر والبر في الجزر والقارة وزار معابد الهند وسيلان وسواها من الجزر المنثورة في المحيط ثم عاد) وتحدث عن كتاب ألفه في هذه الرحلة سماه (سندباد عصري) أودعه ملاحظاته الإنسانية وانفعالاته الوجدانية واستجاباته العاطفية … الخ
ثم ذهب يتكلم عن هذا الرجل بكلام يطول ذكره ولا فائدة في ذكره والذي يهمنا من هذا المقال هو حديثه عن النيرفانا ودفاعه عنها وعن أهلها علما بأن كلامه هذا في مرحلة إسلامياته كما يصفه أنصاره ومحبوه.
قال: 1ـ (وإذا شاهد فيلماً هنديا يمثل الروح الهندية المتسامحة التي تنتهي من الصراع على الحقوق الخاصة، إلى الزهد في أعراض الدنيا والاتجاه إلى عبادة الروح الأعظم قال: (أدركت ناحية من نواحي الضعف في بعض الحركات الروحية حين تدخل ميدان السياسة العملية).
في هذا المقطع مدح للروح الهندية الضالة الملحدة بالتسامح والزهد في أعراض الدنيا والاتجاه إلى عبادة الروح الأعظم، وفي وصف الله بأنه الروح الأعظم ضلال مبين يرفضه الإسلام، وفي وصف الهنادك بأنهم يعبدون الله واعتداده بعبادتهم ضلال آخر.
2 ـ ثم قال: (وإذا سمع زميله الانجليزي يقول عن (النيرفانا) أي الفناء في الروح الأعظم ـ وهو الغاية التي يطمح إليها الهندي من وراء حرمانه وآلامه: (دعنا من هذا فلا قبل لي بهذا الهجص وتلك الشعوذة يا عم حسن) لم يجد في نفسه أية حماسة للرد على هذا الكلام. وهكذا و هكذا مما قد يبالغ فيه فيصل إلى حدّ الزراية والسخط الشديدين على الروح الشرقية بوجه عام.
في هذا المقطع تعريف للنيرفانا بأنها الفناء في الروح الأعظم أي بأنها وحدة الوجود ولوم وعذم للدكتور حسين فوزي على إقراره لزميله الانجليزي على الطعن في هذه العقيدة واعتباره إياها هجصا وشعوذة قال: فلم يجد في نفسه أي حماسة للرد على هذا الكلام فالنصراني على كفره وضلاله أدرك تفاهة هذه العقيدة وخسّتها وقد أقره حسين فوزي على هذا الوصف الذي لا يكفي في ذم هذه العقيدة الملحدة.
وسيد قطب تأخذه الغيرة لها فيعذم الرجلين على نقدها والاستهانة بها فيقول المسكين متألما لهذه العقيدة: (وهكذا و هكذا) الخ
3 ـ ثم يقول: ومهما افترضنا للسندباد من الأعذار في قسوة الأوضاع الاجتماعية والمظاهر البائسة التي شاهدها في الهند، فقد كنّا نرجو أن يكون أوسع أفقا وأكثر عطفا وأعمق اتصالا بروح الشرق الكامنة وراء هذه المظاهر والأوضاع، والروح الصوفية المتسامحة المشرقة بنور الإيمان.
في هذا المقطع يبين في أسى شديد ما كان ينتظره ويرجوه من حسين فوزي فيقول فقد كنا نرجوا أن يكون أوسع أفقا، ثم ويا للهول يصف سيد قطب أخبث عقيدة وأكفرها بأنها المتسامحة المشرقة بنور الإيمان.
4 ـ ثم يقول: (إنه يقول عن لوحة الكنج المقدس: لم يكن الاغريقي ليصور نبعاً مقدسا. الخ) أجل ‍‍‍‍‍! وهذا هو مفرق الطريق بين الشرق والغرب. في الشرق قداسة تمت إلى القوة العظمى المجهولة، وفي الغرب حيوية تمت إلى المشهود الحاضر المحسوس.
وليس لي أن أفضل هذا أو ذاك. فكلاهما جانب من جوانب النفس الإنسانية الكبيرة التي تهش لكليهما على السواء؛ إن لم تؤثر في حسابها الروحي والفني جانب المجهول على جانب المشهود.)
في هذا المقطع يصف الكنج وهو نهر يعبده الهنادك بأنه نهر مقدس ويصف عبادة الهنادك وطقوسها الكافرة بالقداسة التي تمت إلى القوة العظمى المجهولة فيصف الله بالقوة العظمى المجهولة فلا حول ولا قوة إلا بالله، وفي قوله وليس لي أن أُفضل هذا أو ذاك نوع من الاعتراف بوحدة الأديان، وقد قال في مناسبة أخرى: ((إن الإسلام يصوغ من الشيوعية والمسيحية معاً مزيجاً كاملاً يتضمن أهدافهما ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال)) [معركة الإسلام والرأس ماليّة (ص:61)] وله في السلام العالمي مدح للعقيدة النصرانية.
5 ـ ثم يقول: وهو يسخر بعقيدة (النيرفانا) كسخرية زميله الانجليزي الذي يقول: ما كنت أحسب أن دينا يعد بنعمة الفناء! ووجه الخطأ هو اعتبار (النيرفانا) فناء! إنها كذلك في نظر الغربي الذي يصارع الطبيعة وينعزل عنها، فأما الهندي الذي يحس بنفسه ذرة منسجمة مع الطبيعة، ويعدها أما رؤوما، فيرى في فنائه في القوة العظمى ([8]) حياة وبقاء وخلودا. وعلينا أن نفهم هذا ونعطف عليه ولا نراه بعين الغربيين، وهو يبدو في أرفع صورة في (ساد هانا تاجور) فلنقف خشعا أمام هذا السموّ الإلهي، ولو لحظات!!
في هذا المقطع تأخذ سيد قطب الغيرة على النيرفانا وأهلها ويأخذه الحماس فيرى نقد حسين فوزي والإنجليزي للنيرفانا سخرية ويخطّئ نظرتهما إليها، ويريد أن يبين وجه الخطأ بل قام في زعمه ببيان هذا الخطأ فيقرر بذكائه وحدة الوجود ويمدحها ويمدح أهلها بأسلوبه الغريب فتصل به عاطفته الجياشة بالحنان والعطف على هذه الديانة وأهلها إلى قوله (وعلينا أن نفهم هذا ونعطف عليه) … الخ وهكذا يقرر سيد قطب النيرفانا ويمدحها ويمدح أهلها ويعتبر كفرهم وزندقتهم وإلحادهم سموا إلهيا، ويدعو نفسه والناس إلى الوقوف أمام هذا السمو الإلهي خاشعين).
وبعد هذا أريد أن يعرف الناس ما هي النيرفانا ثم ليحكم العقلاء المنصفون على سيد قطب وعلى حماسه لها ولأهلها ودفاعه عنها وعنهم.
وفي حدود سنة 1951م تظاهر بنفي القول بوحدة الوجود في أول تفسير سورة البقرة في ظلال القرآن بأسلوب بارد لا ندري ما باعثه.
وفي نهاية الخمسينات ([9]) عاد مع الأسف إلى تقرير عقيدة وحدة الوجود والقول بالحلول والجبر في أواخر تفسيره الظلال في تفسير سورة الحديد فقال في تفسير قول الله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم).
قال سيد قطب: (وما يكاد يفيق من تصور هذه الحقيقة الضخمة، التي تملأ الكيان البشري وتفيض، حتى تطالعه حقيقة أخرى لعلها أضخم وأقوى، حقيقة أن لا كينونة لشيء في هذا الوجود على الحقيقة، فالكينونة الواحدة الحقيقية هي لله وحده سبحانه، ومن ثم فهي محيطة بكل شيء عليمة بكل شيء، فإذا استقرت هذه الحقيقة الكبرى في القلب؛ فما احتفاله بشيء في هذا لكون غير الله سبحانه وتعالى؟! وكل شيء لا حقيقة له ولا وجود، حتى ذلك القلب ذاته، إلا ما يستمده من تلك الحقيقة الكبرى، وكل شيء وهم ذاهب، حيث لا يكون ولا يبقى إلا الله، المتفرد بكل مقومات الكينونة والبقاء، وإن استقرار هذه الحقيقة في قلب ليحيله قطعة من هذه الحقيقة، فأما قبل أن يصل إلى هذا الاستقرار؛ فإن هذه الآية القرآنية حسبه ليعيش في تدبرها وتصور مدلولها، ومحاولة الوصول إلى هذا المدلول الواحد.

([1]) الوحدة الكونية الكبرى هي وحدة الوجود.
([2]) السوية والغيرية اصطلاحان صوفيان مأخوذتان من كلمتي: سوى وغير والصوفي الحق في دين الصوفية من يوقن أنه لا سوى ولا غير أي يرى الكل عيناً واحدة. [انظر هذه هي الصوفية (ص:15).
والقارئ يرى أن سيد قطب قد أضاف اصطلاحات أخرى، فليس هنا أمس وليس هنا عند وأن الكل والجزء واحد ولا حيث إلخ.
([3]) انظر التعليق السابق.
([4]) هذه العبارة يقولها أهل وحدة الوجود.
([5]) هذه القصيدة لا ندري متى قالها وهي واحدة من الأدلة على لهج سيد قطب بوحدة الوجود.
([6]) فسر الخلال بقوله: الخلال: منفرج ما بين الشيئين جاسوا خلال الديار، ساروا وترددوا بينها والمراد منتشر في كل ما نرى وما بين الأشياء وبعضها.
([7]) عُرفت الينرفانا في الموسوعة الميسرة (2/ 1170 – 1711) الصادرة عن الندوة العالمية للشباب:
((النيرفانا: كلمة غامضة معناها النجاة ويعني بها نجاة الروح التي ظلت على صلاحها أثناء دورتها التناسخية المتعاقبة حيث لم تعد في حاجة إلى تناسخ جديد وبذلك يحصل لها النجاة من الجولان وتتحد بالخالق الذي صدرت عنه وتفني فيه. والنرفانا أو الحصول على النجاة من أسمى الأهداف للحياة عند الهندوس والبوذيين. يقول كرشنا: ((من يعرف ظهوري وأعمالي التجاوزية لا يولد ثانية عند تركه الجسد في هذا العالم المادي، بل يدخل مقامي السرمدي)).
ويذكر الدكتور محمد ضياء الأعظمي في فصول من أديان الهند أنه من ثمرات النرفانا فناء الشخصية والاتحاد بالجوهر الذاتي ((برم آتما)) ومن هنا جاء إحراق الموتى تخلصاً من الجسم المادي لتعلوا الروح إلى العالم العلوي، والنار هي إحدى مظاهر الألوهية ((أكني)) وهي بدورها تقرب إلى ((برميشور)) الذات العليا. ولا يحصل على النرفانا عند البوذية إلا بعد اقتلاع الشهوة اقتلاعاً تاماً. يقول بوذا في آخر دروسه: ((الذي يؤمن بالبوذية والجماعة والدين يحل له النرفانا))، بل كان يحث أتباعه على تحصيلها حتى آخر لحظات حياته فيقول في آخر وصاياه: ((فعليكم أيها التلاميذ مجاهدة النفس جهاد المخلص الجاد للحصول على الرفانا))، أما الجينين فيعتقدون أنه بحصول الأرواح على النرفانا تبلغ درجة الإله وهذا الأمر يفسر انتشار الرهبنة في هذه الديانات. وقد تأثر غلاة المتصوفة أمثال: الحلاج وابن عربي ومن تابعهما بهذه العقيدة الوثنية الباطلة التي تلغي اليوم الآخر والثواب والعقاب بالإضافة إلى إلغاء توحيد الله جل وعلا، وقد أظهروا مقالات كفرهم بالقول بالفناء والاتحاد ووحدة الوجود)) ا. هـ.
وانظر [فصول في أديان الهند (ص:124)، والثقافة الإسلامية – المستوى الرابع – تأليف: محمد قطب، ومحمد المبارك، ومصطفى كامل- (ص:119)].
([8]) وهذا تصريح بالقول بوحدة الوجود.
([9]) انظر كتاب (سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد) للخالدي (ص:546)، حيث ذكر إكمال سيد قطب لتفسيره في ظلال القرآن في نهاية الخمسينات.
(العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم للشيخ ربيع المدخلي حفظه الله )======الإسلام – عند سيد – يصوغ مزيجا من النصرانية والشيوعية
يقول سيد قطب – مع الأسف -:
(ولا بد للإسلام أن يحكم، لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجا كاملا يتضمن أهدافهما جميعا ويزيد عليهما التوازن والتناسق والاعتدال) ([1])
أقول:
أولا: هذا الكلام ليس ببعيد عن القول بوحدة الأديان، فإن تنزلنا جدلا فإنه يسلك في أقوال من يقول بجواز تعدد مصادر التشريع من العلمانيين الذين يعارضهم من يعارضهم من المسلمين بأن المصدر الوحيد للتشريع هو الإسلام فقط، ولا يسلمون للعلمانيين حتى بالقول بأن المصدر الرئيسي للتشريع هو الإسلام.
إن كلام سيد قطب هنا مطلق فلم يقيده بالجانب التشريعي، فإذا تأوله المتأولون وتمحل له المتمحلون فيقال لهم:
اعترفوا على الأقل أن كلامه هنا يفيد أن المسيحية والشيوعية مصدران رئيسان للتشريع، فإن أصروا وعاندوا فنقول لهم: تأولوا كلام كل أهل الضلال جميعا، فإنهم كلهم يدعون الإسلام، ولا يقبل منكم تأويل أباطيل سيد قطب وحده إلا بوحي من الله تعالى يخصصه ويميزه على كل من يقول الباطل ويتكلم بالهوى، ولا وحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأخبروني بعد ذلك أي فرق بين من يتأول كلام وأباطيل سيد قطب وبين من يتأول لغلاة الروافض، والصوفية، وطه حسين، وغيرهم من أهل الضلالات الكبرى.
ثانيا: في أي واد طوحت بك السياسة يا سيد قطب عن احترام الإسلام وتنزيهه عن مثل هذا القول الباطل.
أين أنت من قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِينًا}.
أين أنت من قول الله تعالى: {ألا لله الدين الخالص}.
أين أنت من قول الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}.
أين أنت من قول الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؟. أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب فقال: “أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني ” ([2])
أين أنت من كمال الإسلام وشموليته التي يدركها ويؤمن بها كل فقيه مسلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أهذه هي الحاكمية التي تدعو إليها: المزج الكامل بين الشيوعية والنصرانية ثم تطبيقها على المسلمين.
إن المصلحين من علماء الإسلام ليدعون جاهدين إلى تخليص الإسلام مما شابه من أخطاء المسلمين بل من أخطاء علماء المسلمين، فكيف يأتي سيد قطب بمثل هذه الدعاوى الخطيرة التي بلغت النهاية في خطورتها ومن أشدها هذه الدعوى بأن الإسلام يصوغ من الشيوعية والنصرانية. . . إلخ.
وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -حفظه الله ومتع بحياته -:
ما رأيكم فيمن يقول:
لا بد للإسلام أن يحكم لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجاً كاملا يتضمن أهدافهما ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال والتوازن)؟!
فقال – حفظه الله – مجيبا:
نقول له: إن المسيحية دين مبدل مغير من جهة أحبارهم ورهبانهم، والشيوعية دين باطل لا أصل له في الأديان السماوية، والدين الإسلامي دين من الله عز وجل منزل من عنده لم يبدل ولله الحمد، قال الله تعالى:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ([3])
ومن قال: إن الإسلام مزيج من هذا وهذا فهو إما جاهل بالإسلام، وإما مغرور بما عليه الأمم الكافرة من النصارى والشيوعيين).
وكذلك سئل العلامة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري عن هذه المقالة فاعتبرها دعوة إلى وحدة الأديان، وهذا نص السؤال والجواب وعليه ختمه وتوقيعه:
بسم الله الرحمن الرحيم.
فضيلة الشيخ المحدث إسماعيل بن محمد الأنصاري حفظكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
ما رأيكم في رجل يدعي العلم ودرس في الغرب يقول:
“إن الإسلام هو العقيدة التي تصوغ من الشيوعية والمسيحية مزيجا كاملا يحقق أهدافهما ويزيد عليهما بالتوازن والاعتدال “؟
ما حكم هذا القول؟
“بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن كلمة ذلك المدعي المذكور كلمة تدعو إلى وحدة الأديان وإلى التقريب بينها، وقد رد أئمة العلماء على القائل بها في كتبهم المعتبرة ومن ضمن تلك الكتب ما يلي:
(1) كتاب “الرد على المنطقيين ” لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 282).
(2) الجزء الأول من “الفتاوى الكبرى” لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص4،5) في الرد على من قال: (كل يعمل في دينه الذي يشتهي).
(3) الاقتضاء” في ([4]) الرد على البكري (ص 215) من قال: (المعبود واحد وإن اختلفت الطرق)
(4) مدارج السالكين ” لابن القيم (ج 3 ص 48 4).
(5) منهاج السنة” لابن تيمية.
(6) رسالة الحميدية في زمن السلطان عبد الحميد”
(7) رد العراقي على الدعوة إلى وحدة الأديان ” (ص 111) من مصرع التصوف.
إسماعيل بن محمد الأنصاري
الأحد 12/ 11/ 1414 أهـ
وسئل الشيخ حماد بن محمد الأنصاري عن هذه المقالة فأجاب:
(إن كان قائل هذا الكلام حيا فيجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتدا، وإن كان قد مات فيجب أن يبين أن هذا كلام باطل ولا نكفره لأننا لم نقم عليه الحجة) ([5]).
وسئل علماء آخرون عنها وكانت لهم إجابات قوية.
ثالثا: ومما تجدر الإشارة إليه أن سيد قطب – وإن كان قد يطعن في النصارى واليهود وغيرهما، فغالبا ما يكون هذا الطعن من الناحية السياسية، ولكنه في نفس الوقت إذا أغرق في السياسة يظهر منه أمور قد تكون مترسبة في نفسه لم يستطع الخلاص منها مثل قوله في مدح الإسلام في زعمه: (فكرة الإسلام عن وحدة البشرية، ونفيه لعصبية الجنس واللون والوطن، واعتقاده في وحدة الدين في الرسالات كافة، واستعداده للتعاون مع شتى الملل والنحل في غير عزلة ولا بغضاء، وحصره لأسباب الخصومة والحرب في الدفاع عن حرية الدعوة، وحرية العقيدة والعبادة) ([6])
فما المراد بوحدة البشرية هنا؟
والجواب: أنه لا يتحدث عن وحدة البشرية القائمة على دين الإسلام.
وما المقصود من وحدة الدين في الرسالات كافة؟ هل هو يتحدث عن أخوة الأنبياء في عقيدة التوحيد أو يريد استمالة اليهود والنصارى في هذا العصر، كما يتحدث ساسة اليهود والنصارى إلى المسلمين بمثل هذا الأسلوب؟ يؤكد ما أقول قول سيد: (واستعداده- أي الإسلام- للتعاون مع شتى الملل والنحل في غير عزلة ولا بغضاء) أي في تلاحم ومحبة وود.

([1]) معركة الإسلام والرأسمالية” (ص 61).
([2]) أخرجه الإمام أحمد (3/ 387)، وحسنة العلامة الألباني لكثرة طرقه، انظر “الإرواء” (6/ 4 3 – 38)، حيث ذكره من طريق عدد من الصحابة وعن عدد من مصادر السنة.=============قول سيد قطب بالاشتراكية وبجواز إلغاء الرق
حقيقة الإخوان المسلمين 6 نوفمبر, 2016 عن الأستاذ سيد قطب اضف تعليق 442 زيارة
عدد المشاهدات :2874
قول سيد قطب بالاشتراكية وبجواز إلغاء الرق
مع أن سيدا يكفر من لم يحكم بما أنزل الله مطلقا، ويتشدد في ذلك، فإنه يرى أنه يجوز لغير الله أن يشرع قوانين لتحقيق حياة إسلامية صحيحة، قال:
(فإذا انتهينا من وسيلة التوجيه الفكري، بقيت أمامنا وسيلة التشريع القانوني لتحقيق حياة إسلامية صحيحة تكفل فيها العدالة الاجتماعية للجميع.
وفي هذا المجال لا يجوز أن نقف عند مجرد ما تم في الحياة الإسلامية الأولى، بل يجب الانتفاع بكافة الممكنات التي تتيحها مبادئ الإسلام العامة وقواعده المجملة.
فكل ما أتمته البشرية من تشريعات ونظم اجتماعية ولا تخالف أصوله أصول الإسلام، ولا تصطدم بفكرته عن الحياة والناس، يجب أن لا نحجم عن الانتفاع به عند وضع تشريعاتنا، ما دام يحقق مصلحة شرعية للمجتمع أو يدفع مضرة متوقعة.
ولنا في مبدأ المصالح المرسلة ومبدأ سد الذرائع، وهما مبدآن إسلاميان صريحان ما يمنح ولي الأمر سلطة واسعة لتحقيق المصالح العامة في كل زمان ومكان) ([1])
وعلى هذا مآخذ:
1 – كأن سيدا يرى أن الإسلام غير كامل ولا واف بمتطلبات الأمة الإسلامية.
2 – يمكن لأي دولة تنتمي للإسلام أن تأخذ كل ما تهواه من القوانين الوضعية بحجة تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وبحجة أنها لا تتنافى مع أصول الإسلام، ولو كانت مصادمة لأصوله ونصوصه.
3 – يرى سيد أخذ كل ما أتمته البشرية من تشريعات ونظم اجتماعية إذا لم تخالف أصول تلك التشريعات وأصول تلك التنظيمات أصول الإسلام ولا تصطدم بفكرته عن الحياة، أي لا تحرم التشريعات والنظم الكافرة على المسلمين إلا في حالة مصادمة أصولها أصول الإسلام، فإذا خالفت أصول التشريعات الكافرة والتنظيمات الكافرة نصوص الإسلام من الكتاب والسنة والأمور الفرعية التي دلت عليها تلك النصوص، فلا حرج فيها، ولا تحريم، بل يجب الأخذ والحال هذه بتلك التشريعات والتنظيمات الكافرة.
وكذلك، إذا خالفت تفريعات تلك القوانين والنظم أصول الإسلام، فلا حرج فيها، بل يجب الأخذ بها، لأنها فروع صادمت أصول الإسلام، وذلك لا يضر، وإنما الضرر فقط في مصادمة الأصول الكافرة للأصول الإسلامية.
وبهذا التأصيل والتقعيد الذي يضعه سيد تنفتح أبواب التلاعب بدين الله لكل طاغية يريد التلاعب بالإسلام وبالأمة الإسلامية، فيمكنه جلب قوانين أوروبا وأمريكا تحت ستار هذه التأصيلات التي وضعها سيد قطب.
وانطلاقا من هذه القواعد التي وضعها سيد:
1 – أخذ بالاشتراكية الغالية، فتوصل إلى أنه بيد الدولة أن تنتزع كل الممتلكات والثروات من أهلها، وتعيد توزيعها من جديد، ولو قامت على أسس إسلامية.
2 – ومن هذا المنطلق يرى أنه لا مانع من وضع نظام دولي يلغي الرق الذي شرعه الاسلام، فيقول في تفسير سورة التوبة:
{وفى الرقاب} ([2])، وذلك حين كان الرق نظاما عالميا تجري المعاملة فيه على المثل في استرقاق الأسرى بين المسلمين وأعدائهم، ولم يكن للإسلام بد من المعاملة بالمثل، حتى يتعارف العالم على نظام آخر غير الاسترقاق.
وهكذا يرى سيد أنه يجوز قيام نظام عالمي ينسخ ما قرره الإسلام في الكتاب والسنة، وأجمع على مشروعيته المسلمون في أبواب الجهاد والزكاة والكفارات والفضائل وغيرها في الرق وعتق الرقاب!
لماذا؟! لأن هذا كله لم يصطدم بأصل من أصول الإسلام في زعمه.
أما مصادمتها لنصوص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على حرمة أموال المسلمين فهذا أمر هين عند سيد قطب، فلا يلتفت إليه.
وكل هذا مجاراة لأهواء الغربيين، وما أكثر وأشد ما يقع في هذا الميدان (أي مجاراة الغربيين).
ولو قامت له ولأمثاله دولة، لرأيت العجب العجاب من القوانين والتشريعات التي تحل الحرام، وتحرم الحلال، انطلاقا من هذه القواعد التي تؤدي إلى هدم الإسلام باسم الإسلام، وبرأ الله الإسلام من ذلك.
فأين التركيز على أنه لا حاكم إلا الله؟! ولا مشرع إلا الله؟!.
وأين ما قام على هذا من تكفير المجتمعات الإسلامية كلها لأنها تخضع لغير حاكمية الله وتشريعاته في نظره؟!
فاعتبروا يا أولي الألباب!!
ملاحظة:
يجب على المسلمين جميعا أن يدينوا ويعتقدوا أنه لا مشرع إلا الله، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا واجب إلا ما فرضه، ولا مندوب ولا مكروه إلا ما قام عليه دليل من كتاب الله وسنة رسوله.
فمن أبطل واجبا، أو أحل حراما، فقد جعل نفسه ندا لله، ورد ما شرعه الله – إذا كان عالما بذلك متعمدا -، وخرج بهذا التشريع من دائرة الإسلام.
أما الأمور الدنيوية المباحة، فإذا احتاج المسلمون حكاما ومحكومين إلى تنظيمها وضبطها، فلا مانع من ذلك، وعلى ذلك أدلة:
منها قوله صلى الله عليه وسلم في تأبير النخل: “أنتم أعلم بدنياكم “.
ومنها إنشاء عمر للدواوين في هذا المجال ما لم تصطدم بنص من نصوص القرآن والسنة أو إجماع الأمة.

([1]) العدالة الاجتماعية” (ص 261، الطبعة الخامسة).
([2]) في ظلال القرآن ” (3/ 1669)، وقد قرر هذا في تفسير سورة البقرة في “الظلال ” 23، وفي تفسير سورة المؤمنون (4/ 2455)، وفي تفسير سورة محمد (6/ 3285).=============نكار سيد قطب للميزان على طريقة المعتزلة والجهمية
وذلك من الضلالات التي احتدم فيها النزاع بين أهل السنة والمعتزلة، وسيد قطب لا يجهل ذلك.
قال في كتابه “التصوير الفني” (1):
“ثم لما كان هذا التجسيم خطة عامة؛ صوَّر الحساب في الآخرة كما لو كان وزناً مجسماً للحسنات والسيئات:] وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [(2)،] فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ… .. وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ [(3)، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا [(4)،] ولا يُظْلَمونَ فَتيلاً [(5)،] ولا يُظْلَمون نَقيراً [. (6)
وكل ذلك تمشياً مع تجسيم الميزان.
وكثيراً ما يجتمع التخييل والتجسيم في المثال الواحد من القرآن، فيصور المعنوي المجرد جسماً محسوساً، ويخيل حركة لهذا الجسم أو حوله من إشعاع التعبير.
وفي الأمثلة السابقة نماذج من هذا، ولكنا نعرض هذه الظاهرة في أمثلة جديدة، فلدينا وفر من الأمثلة على كل قاعدة”.
وقال في تفسير قول الله تعالى في سورة الأعراف:] وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ… [(7) الآية. (8)
“ولا ندخل هنا في طبيعة الوزن، وحقيقة الميزان، كما دخل المتجادلون بعقلية غير إسلامية في تاريخ الفكر الإسلامي؛ فكيفيات الله كلها خارجة عن الشبيه والمثيل، مذ كان الله سبحانه ليس كمثله شيء؛ فحسبنا تقرير الحقيقة التي يقصد إليها السياق من أن الحساب يومئذ بالحق، وأنه لا يظلم أحدٌ مثقال ذرة، وأن عملاً لا يبخس ولا يغفل ولا يضيع”.
وفي هذا الكلام انحياز إلى أهل البدع من المعتزلة وغيرهم في إنكار الميزان، واتهام لأهل السنة الذين يثبتون الميزان احتجاجاً بنصوص الكتاب والسنة، بأنهم يجادلون بعقلية غير إسلامية، فلا فرق بينهم وبين أهل البدع والضلال في نظر سيد، بل أهل الضلال أرجح عنده وأولى بالحق والعياذ بالله.
وقوله: “فكيفيات الله كلها خارجة عن الشبيه والمثيل”: خبط وخلط؛ فإن كلاًّ من أهل السنة والجماعة وأهل البدع لم يقل: إن الميزان من صفات الله عز وجل، بل أهل السنة يقولون: إن الميزان مخلوق، توزن به صحائف الأعمال وكتبها، ولا يقولون: إنه من صفات الله، بل هو مخلوق من مخلوقات الله، له كفتان، إحداهما للحسنات، والأخرى توضع فيها السيئات؛ كما هو ظاهر نصوص الكتاب والسنة، وأهل البدع ينكرون الميزان والوزن، بناء على أن الأعمال أعراض يستحيل وزنها؛ إنكاراً لما أثبته الله ورسوله بعقولهم السخيفة، ولو عاشوا في هذا العصر وشاهدوا مقاييس الحرارة والبرودة الدقيقة من صنع البشر؛ لما استبعدوا وزن الأعمال، بله وزن الصحائف، ولربما آمنوا بالميزان والوزن في الآخرة، ولأهل السنة أن يستشهدوا بقول الله تعالى:] سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [. (9)
فقضية وزن الحرارة والبرودة بالمقاييس التي اخترعها البشر، وهي أعراض، توقف عقول أهل البدع أمام الواقع، وتنادي على هذه العقول بالجهالة والسخف، وتقف إلى جانب نصوص الكتاب والسنة، ومذهب أهل السنة والجماعة؛ انطلاقاً من قول الله:] سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [(10)
==========
1 – سيد يسير وراء المعتزلة والقدرية في المراد بالجنة التي كان فيها آدم وأخرج منها، مخالفاً عقيدة أهل السنة بأنها الجنة المعروفة عند المسلمين، التي أعدها الله للمتقين.
فيقول شاكاً فيها ومشككاً:
“وبعد … مرة أخرى … فأين كان هذا الذي كان؟ وما الجنة التي عاش فيها آدم وزوجه حيناً من الزمان؟ ومن هم الملائكة؟ ومن هو إبليس؟ كيف قال الله لهم؟ وكيف أجابوه؟ … هذا وأمثاله في القرآن الكريم غيب من الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه، وعلم بحكمته أن لا جدوى للبشر في معرفة كنهه وطبيعته، فلم يهب لهم القدرة على إدراكه والإحاطة به، بالأداة التي وهبهم إياها لخلافة الأرض، وليس من مستلزمات الخلافة أن نطلع على هذا الغيب، وبقدر ما سخر الله للإنسان من النواميس الكونية وعرفه بأسرارها؛ بقدر ما حجب عنه أسرار الغيب فيما لا جدوى في معرفته”. (1)
بل تجاوز سيد مذهب المعتزلة إلى التشكيك في الملائكة وإبليس، وفي تكليم الله آدم والملائكة وإبليس!
لا يجوز لمسلم أن يقول مثلاً: لا ندري من هو الله، ولا ندري معنى صفاته وعلمه وكلامه وقدرته، ولا يقول: ولا ندري من هم الملائكة، ولا، ولا … بل عليه أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وأن الجنة حق، والنار حق، والملائكة حق، واليوم الآخر حق؛ بإيمان جازم لا تشكك فيه ولا ريب ولا تردد.
2 – وهذا التشكيك هو المنهج الذي سار عليه سيد في كثير من الأمور؛ مثل تشكيكه في السماوات، انظر إليه يقول في تفسير قول الله عز وجل:] وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا [. (2)
“والسبع الشداد التي بناها الله فوق أهل الأرض هي السماوات السبع، وهي الطرائق السبع في موضع آخر … والمقصود بها على وجه التحديد يعلمه الله … فقد تكون سبع مجموعات من المجرات، وهي مجموعات من النجوم، قد تبلغ الواحدة منها مئة مليون نجم، وتكون السبع المجرات هذه هي التي لها علاقة بأرضنا أو بمجموعتنا الشمسية … وقد تكون غير هذه وتلك مما يعلمه الله من تركيب هذا الكون الذي لا يعلم الإنسان عنه إلا القليل”. (3)
فترى ثقته في كثير من المواضع في العلوم الكونية بأخبار الفلكيين من اليهود والنصارى أقوى من ثقته بأخبار الكتاب والسنة.
قال تعالى:] أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [. (4)
ويقول تعالى:] أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ [. (5)
والنظر هنا هو النظر بالعين إلى أمور محسوسة مشاهدة.
وأما أخبار السنة؛ فيكفي منها أحاديث المعراج، وأن للسماوات أبواباً، وفي كل سماء نبي من الأنبياء … إلى غير ذلك مما ذكر في هذه الأحاديث، التي يستفيد منها المؤمن اليقين، لكن سيداً يستفيد من أخبار الكفار ويثق بها ويعتمد عليها أكثر مما يعتمد على أحاديث الرسول .
3 – وقال مفسراً قول الله تعالى:] فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَامُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [(6):
“نودي بهذا البناء للمجهول، فما يمكن تحديد مصدر النداء، ولا اتجاهه، ولا تعيين صورته، ولا كيفيته، ولا كيف سمعه موسى أو تلقاه، نودي بطريقة ما، فتلقى بطريقة ما، فذلك من أمر الله، نؤمن بوقوعه، ولا نسأل عن كيفيته؛ لأن كيفيته وراء مدارك البشر”. (7)
هكذا يقول: “بالبناء للمجهول؛ فلا يمكن تحديد مصدر النداء”؛ فهو لا يؤمن بأن هذا النداء من الله، مع صراحة قوله تعالى في الآية:] إني أنا ربك [(8)؛ في أن النداء من الله، ولا يؤمن بأن موسى سمع هذا النداء من الله!
وكأنه لم يسمع قول الله:] إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى [(9)، وقوله] وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [!! (10) فما فائدة قوله: “فذلك من أمر الله نؤمن بوقوعه”؟!
4 – ويقول عن تكليم الله لنبيه موسى عليه السلام:
“ولا ندري نحن كيف … لا ندري كيف كان كلام الله سبحانه لعبده موسى … ولا ندري بأية حاسة أو جارحة أو أداة تلقى موسى كلمات الله؛ فتصوير هذا على وجه الحقيقة متعذر علينا نحن البشر”. (11)
تشكيك سيد قطب في رؤية الله بل إنكاره لها:
5 – ويقول متشككاً ومشككاً في رؤية الله في الدار الآخرة في تفسير قول الله تعالى:] وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [(12):
“إن هذا النص ليشير إشارة سريعة إلى حالة تعجز الكلمات عن تصويرها كما يعجز الإدراك عن تصورها بكل حقيقتها، ذلك حين يعد الموعودين من السعداء بحالة من السعادة لا تشبهها حالة، حتى لتتضاءل إلى جوارها الجنة بكل مافيها من ألوان النعيم … “، إلى أن يقول: “فأما كيف تنظر، وبأي جارحة تنظر، وبأي وسيلة تنظر؛ فذلك حديث لا يخطر على قلب يمسه طائف من الفرح الذي يطلقه النص القرآني في القلب المؤمن.
فما بال الناس يحرمون أرواحهم أن تعانق هذا النور الفائض بالفرح والسعادة؟! ويشغلونها بالجدل حول مطلق لا تدركه العقول المقيدة بمألوفات العقل ومقرراته.
إن ارتقاء الكينونة الإنسانية وانطلاقها من قيود هذه الكينونة الأرضية المحدودة هو فقط محط الرجاء في التقائها بالحقيقة المطلقة (13) يوم ذاك، وقبل هذا الانطلاق سيعز عليها أن تتصور مجرد تصور كيف يكون ذلك اللقاء … وإذن؛ فقد كان جدلاً ضائعاً ذلك الجدل الطويل المديد الذي شغل المعتزلة أنفسهم ومعارضيهم من أهل السنة والمتكلمين حول حقيقة النظر والرؤية في ذلك المقام”.
وهكذا!! وبمثل هذه السفسطة والتهاويل!! يظن سيد قطب أنه قد حل مشكلة الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة!!
ولا يدري أنه قد انحاز إلى المعتزلة في إنكار رؤية الله تعالى؛ فما هي تلك الحالة من السعادة التي لا يدري القارئ ماهي؟! والقرآن قد حددها بالنظر إلى الله، والسنة المتواترة أكدتها، وآمن بها السلف الصالح.
فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه؛ قال: كنا جلوساً عند النبي e، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر؛ قال: إنكم سترون ربكم كما ترون
هذا القمر، لا تضامون في رؤيته”.
وعنه قال: “إنكم سترون ربكم عياناً”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن الناس قالوا: يارسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله e: ” هل تضارُّون في القمر ليلة البدر؟ “. قالوا: لا يارسول الله! قال: “فهل تضارُّون في الشمس ليس دونها سحاب؟ “. قالوا: لا يارسول الله! قال: “فإنكم ترونه كذلك، يجمع الله الناس يوم القيامة … ” (14) الحديث.
وهكذا يوضح رسول الله e ويؤكد أقوى تأكيد أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة، والأحاديث متواترة بذلك.
إدانة الأستاذ أحمد محمد جمال لسيد قطب إنكار رؤية الله في الدار الآخرة:
ولست في هذا ببدع فقد سبقني إلى إدانة سيد قطب بإنكاره لرؤية الله في الدار الآخرة الأستاذ أحمد محمد جمال في كتابه الشهير “على مائدة القرآن” ص 53 – 54. حيث انتقد سيد قطب في مقال له صدر في عام (1367) انتقد فيه سيد قطب في كتابه: مشاهد في القيامة حيث ناقشه في خمس عشرة مسألة من ضمنها إنكاره لرؤية الله فقال: “وعقب في (ص 199) على هذه الآية] كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون [بقوله: “نشهد الفجار محجوبين عن ربهم لا يرونه، والله لن يراه إنسان، ولكن الحجب هنا معنوي مجسم، فهم لن يتطلعوا إلى ربهم، بل يقفون كما عهدناهم ناكسي رؤوسهم يائسين”.
وجدالنا في هذا الملحظ يتجه وجهتين: الأولى نفي الأستاذ سيد رؤية الله نفياً مؤكداّ أو مؤبداً بـ “لن”، وطبيعي أنه يعني الرؤية الأخروية، لأنه إنما يتحدث عن مشاهدة الآخرة، والثانية قوله بمعنوية الحجب وتجسيمه بخضعان رؤوس الفجار، وعدم تطلعهم إلى ربهم خجلاً ويأساً.
ونحن – في الوجهة الأولى – لا نريد أن نطيل في سرد الأدلة القطعية والظنية من القرآن والحديث على إمكان رؤية الله، فالأستاذ سيد يعلمها؛ وإن كان لا يعتقدها كما يبدو، ومظانها ميسورة له قريبة منه، وإنما نكتفي باستنباط حجتنا عليه من نفس الآية التي عرض لتصوير مشهدها (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فإنها تقرر – بطريق مفهوم المخالفة، وهو أحد علوم القرآن التي يعتمد عليها الأئمة في استنباط الأحكام – إن المؤمنين غير محجوبين.
ونقول – في الوجهة الثانية – إن الحجب حسي أولاً ثم معنوي؛ فهم – أولاً – لا يرون ربهم كما يراه المؤمنون، وهم ثانياً لا ينالون – كما ينال المؤمنون – تكريمه وتسليمه، ولا يكون معنوياً وحده إلا أن يقول الأستاذ سيد إن الفجار يرون ربهم ولكنهم محرومون من عطفه ولطفه، ولم يقل هذا أحد من قبل، والأستاذ سيد نفسه ينفي الرؤية الحسية عامة، عن الأبرار والفجار.
ثم إن قوله “فهم لا يتطلعون إلى ربهم، بل يقفون كما عهدناهم ناكسي رؤوسهم” تصوير لحجب حسي وإلا فما معنى إغضاء الطرف وطأطأة الرأس إلى أسفل وعدم التطلع … غير عدم الرؤية الحسية؟.
6 – ويقول في تفسير قول الله تعالى:] فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [(15)؛ قال:
“ونحن لا ندري على وجه التحقيق ما السماء المقصودة بهذا اللفظ في القرآن … والملائكة على أرجاء هذه السماء المنشقة وأطرافها، والعرش فوقهم يحمله ثمانية … ثمانية أملاك، أو ثمانية صفوف منهم، أو ثمانية طبقات من طبقاتهم، أو ثمانية مما يعلم الله … لا ندري نحن من هم ولا ماهم، كما لاندري نحن ما العرش ولا كيف يُحمل، ونخلص من كل هذه الغيبيات التي لا علم لنا بها ولم يكلفنا الله من علمها إلا ما قصه علينا … وأخذ الكتاب باليمين وبالشمال ومن وراء الظهر قد يكون حقيقة مادية، وقد يكون تمثيلاً لغوياً جارياً على اصطلاحات اللغة العربية”.
وهكذا يلقي سيد بضلال من الشك والحيرة والتردد على كثير من الأمور الغيبية التي مدح الله المؤمنين بالإيمان والاستيقان بها على أنها حقائق ثابتة، وهذه الاضطرابات والتشككات من أقوى البراهين على أن سيد قطب لم يخرج من دوامة الحيرة الرهيبة التي أحاطت به؛ فمن المغالطات القول بأنه تجاوز هذه المرحلة، وخرج من الحيرة والشكوك، حتى في القطعيات.
7 – ويقول في تفسير قوله تعالى:] الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ … [(16):
“ونحن لا نعرف ماهو العرش؟ ولا نملك صورة له، ولا نعرف كيف يحمله حملته، ولا كيف يكون من حوله، ولا جدوى من الجري وراء صور ليس من طبيعة الإدراك البشري أن يلم بها، ولا من الجدل حول غيبيات لم يطلع الله عليها أحداً من المتجادلين”.
العرش: أعظم مخلوقات الله، وهو فوق الفردوس أعلى الجنة، وله قوائم وجوانب، وله ظل.
قال رسول الله e: ” إن في الجنة مئة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله؛ فسلوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة”. (17)
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي e؛ قال: “الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور”. (18)
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله e: قال الله عز وجل: “المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي”. (19)
وعن أبي قتادة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله e يقول: “من نفس عن غريمه أو محا عنه؛ كان في ظل العرش يوم القيامة”. (20)
والملائكة خلق من خلق الله تعالى الكرام على الله، ويقومون بأعمال ووظائف عظيمة، وقد وصفهم الله تعالى بصفات:
منها: أن لهم أجنحة: قال تعالى:] جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [. (21)
ومنها: أن لهم أيدي: قال تعالى:] وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ [. (22)
ومنها: أنهم يصلون لربهم صفوفاً: قال تعالى عنهم:] وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ [. (23)
وقول النبي e: ” ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ “. فقلنا: يارسول الله! وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: “يُتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف”. (24)
إلى غير ذلك من صفاتهم.
فهذه حقائق يجب أن يؤمن بها المؤمن، وله أن يتصور عظم خلق العرش وصفات الملائكة وخلقهم بعيداً عن الشكوك والأوهام، وما يزلزل التصديق والإيمان===عدم وضوح الربوبية والألوهية عند سيد قطب وفي ذهنه
قال سيد قطب في تفسير سورة هود:
“فقضية الألوهية لم تكن محل خلاف، وإنما قضية الربوبية هي التي كانت تواجهها الرسالات، وهي التي تواجهها الرسالة الأخيرة، إنها قضية الدينونة لله وحده بلا شريك، والخضوع لله وحده بلا منازع، ورد أمر الناس كلهم إلى سلطانه وقضائه وشريعته وأمره؛ كما هو واضح من هذه المقتطفات من قطاعات السورة جميعاً”. (1)
ويقول كذلك في نفس السورة:
“وما كان الخلاف على مدار التاريخ بين الجاهلية والإسلام، ولا كانت المعركة بين الحق والطاغوت، على ألوهية الله سبحانه للكون، وتصريف أموره في عالم الأسباب والنواميس الكونية، إنما كان الخلاف وكانت المعركة على من يكون هو رب الناس، الذي يحكمهم بشرعه، ويصرفهم بأمره، ويدينهم بطاعته؟ “. (2)
ويقول في سورة إبراهيم: “ولا يفوتنا أن نلمح تكرار إبراهيم عليه السلام في كل فقرة من فقرات دعائه الخاشع المنيب لكلمة (ربنا) أو (رب)؛ فإن لهجان لسانه بذكر ربوبية الله له ولبنيه من بعده ذات مغزى … إنه لا يذكر الله سبحانه بصفة الألوهية، إنما يذكره بصفة الربوبية؛ فالألوهية قلّما كانت موضع جدال في معظم الجاهليات، وبخاصة في الجاهلية العربية، إنما الذي كان موضع جدل هو قضية الربوبية، قضية الدينونة في واقع الحياة الأرضية، وهي القضية العملية والواقعية المؤثرة في حياة الإنسان، والتي هي مفرق الطريق بين الإسلام والجاهلية، وبين التوحيد والشرك في عالم الواقع … فإما أن يدين الناس لله، فيكون ربهم، وإما أن يدينوا لغير الله، فيكون غيره ربهم … وهذا هو مفرق الطريق بين التوحيد والشرك وبين الإسلام والجاهلية في واقع الحياة، والقرآن وهو يعرض على مشركي العرب دعاء أبيهم إبراهيم، والتركيز فيه على قضية الربوبية؛ كان يلفتهم إلى ماهم فيه من مخالفة واضحة لمدلول هذا الدعاء! “. (3)
وهذا واضح في أن سيداً يجهل الفرق بين الربوبية والألوهية، ويجهل كذلك أن توحيد الألوهية هو موضع الصراع والخصومة والجدال بين الأنبياء وأممهم (4)، ويجهل أن الأمم كلها تعرف وتعترف بتوحيد الربوبية!.
وكأنه لم يسمع قول الله تعالى في رسالات الله جميعاً إلى جميع الأمم:] وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [. (5)
فالله سبحانه وتعالى لا يقول إلا] أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [(6)؛ فهو واضح كل الوضوح في الدعوة إلى توحيد العبادة، ولم يقل: إنه لا ربَّ إلا أنا؛ لأن الأمم لا تكابر ولا تجادل في ذلك.
وكذلك يقول الله تعالى في تقرير الربوبية:] وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [. (7)
وفي توحيد الألوهية:] إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [. (8)
فقد بين الله تعالى أنهم يأنفون ويستكبرون إذا دُعوا إلى توحيد الألوهية، ولا يفعلون ذلك إذا قُرِّروا بتوحيد الربوبية؛ لأنهم يعرفونه حق المعرفة، ولا يجادلون فيه ولا يكابرون.
ويقول سيد:
“وما كان لدين أن يقوم في الأرض، وأن يقوم نظاماً للبشر؛ قبل أن يقرِّر هذه القواعد.
فتوحيد الدينوية لله وحده هو مفرق الطريق بين الفوضى والنظام في عالم العقيدة، وبين تحرير البشرية من عقال الوهم والخرافة والسلطان الزائف، أو استعبادها للأرباب المتفرقة ونزواتهم، وللوسطاء عند الله من خلقه! وللملوك والرؤساء والحكام الذين يغتصبون (9) أخص خصائص الألوهية – وهي الربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية -، فيعبدون الناس لربوبيتهم الزائفة المغتصبة”. (10)
ويقول في تفسير قوله الله تبارك وتعالى:] فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [. (11)
“هذا التعقيب يجيء بعد مشهد القيامة السابق، وبعد ما حوته السورة قبل هذا المشهد من جدل وحجج ودلائل وبينات … يجيء نتيجة طبيعية منطقية لكل محتويات السورة، وهو يشهد بتنزيه الله سبحانه عما يقولون ويصفون، ويشهد بأنه الملك الحق، والمسيطر الحق، الذي لا إله إلا هو، صاحب السلطان والسيطرة والاستعلاء،] رب العرش الكريم [(12) “. (13)
ويقول:
“ونقف لحظة أمام قوله تعالى بعد عرض دلائل الألوهية في السماوات والأرض:] ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ [“. (14)
وقد قلنا: إن قضية الألوهية لم تكن محل إنكار جدي من المشركين؛ فقد كانوا يعترفون بأن الله سبحانه هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر المتصرف القادر على كل شيء، ولكن هذا الاعتراف لم تكن تتبعه مقتضياته؛ فلقد كان من مقتضى هذا الاعتراف بالألوهية على هذا المستوى أن تكون الربوبية له وحده في حياتهم، فلا يتقدمون بالشعائر التعبدية إلا له، ولا يحكمون في أمرهم كله غيره … وهذا معنى قوله تعالى:] ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ [(15) “. (16)
ألا ترى أن في هذا الكلام اضطراباً وخلطاً نتيجة لعدم الوضوح والغبش في الرؤية؟!.

([1]) “في ظلال القرآن” (4/ 1846).
([2]) “في ظلال القرآن” (4/ 1852).
([3]) “في ظلال القرآن” (4/ 2111).
([4]) وانظر للفائدة كتاب “منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل” للمؤلف. الناشر.
([5]) الأنبياء: 25.
([6]) الأنبياء: 25.
([7]) لقمان: 25.
([8]) الصافات: 35.
([9]) يجب تنزيه الله عن مثل هذا الأسلوب؛ فإن الله هو العزيز القاهر الغالب، فلا يقال في العباد الضعفاء إنهم اغتصبوا سلطان الله وأخص خصائصه، تعالى الله عن ذلك، إذ كل شيء في الكون لا يكون إلا بمشيئته وإرادته الكونية القدرية، وإن كان لا يريده ولا يرضاه من الناحية الشرعية، والظاهر أن سيداً مثل سائر أهل البدع لا يفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، فتصدر منه مثل هذه العبارات القبيحة التي تتنافى مع جلال الله وعظمته وقهره لكل شيء.======شذوذ سيد قطب في تفسير (لا إله إلا الله) عن أهل العلم
خالف سيد في تفسير (لا إله إلا الله) علماء التوحيد والتفسير والفقه واللغة المعتبرين، وتابع المودودي في هذه النظرة بأن الإله هو الحاكم المتسلط، والمودودي في نظرته هذه تابع الفيلسوف الألماني (هيجل) في “الحكومة الكلية”.
قال العلامة صوفي نذير الكشميري – وهو من كبار علماء السلفيين رحمه الله – بعد حكاية قصة له مع المودودي:
“وبعد مدة علمت تفسير هذه الرؤيا بأن الشيخ المودودي يعرض فكرة الفلسفي الألماني في “الحكومة الكلية” في لباس الفكر الإسلامي بدل وجهة النظر الإسلامية”. (1)
يقول سيد في كتابه “العدالة الاجتماعية”:
“إن الأمر المستيقن في هذا الدين: أنه لا يمكن أن يقوم في الضمير عقيدة، ولا في واقع الحياة ديناً؛ إلا أن يشهد الناس أن لا إله إلا الله؛ أي: لا حاكمية إلا لله، حاكمية تتمثل في قضائه وقدره كما تتمثل في شرعه وأمره”. (2)
فقد فسر (لا إله إلا الله) بالحاكمية، وفسر الحاكمية بالقدر والشرع!
فأين توحيد العبادة الذي جاء به جميع الأنبياء، الذي هو المعنى الحقيقي الخاص بـ (لا إله إلا الله)؟!.
لقد أضاعه سيد قطب.
ويقول في تفسير قوله تعالى في سورة القصص:] وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ [(3):
“أي: فلا شريك له في الخلق والاختيار”. (4)
فهذا معنى من معاني الربوبية ضيَّع به المعنى الحقيقي لهذه الكلمة.
قال الإمام ابن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية:
“يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له، ولا معبود تجوز عبادته غيره”. (5)
وقال ابن كثير رحمه الله:
(وهو الله لا إله إلا هو )(6)؛ أي هو المنفرد بالإلهية، فلا معبود سواه، كما لا رب يخلق ما يشاء ويختار سواه”.
وقال سيد قطب في تفسير قوله تعالى:] إله الناس [(7) من سورة الناس:
“والإله هو المستعلي المستولي المتسلط”. (8)
فمن قال بهذا التفسير من الصحابة ومن علماء الأمة المعتبرين؟!.
إن الاستعلاء والسلطان والحكم والملك والسيادة من صفات الرب العظيم سبحانه وتعالى، وكذلك الخلق والرزق والأحياء والإماتة والتدبير، كل ذلك من صفات الله العليا وأفعاله الكاملة القائمة على العلم والحكمة والقدرة.
أما العبادة التي هي التذلل والخضوع والخشوع والخوف والتأله والخشية والرجاء، وكذا السجود والركوع والطواف ببيت الله وسائر المناسك والتسبيح والتهليل والتمجيد والتحميد والتعظيم؛ كل هذه من صفات العباد وأفعالهم الناشئة عن الافتقار إلى الله والذل والعبودية له، واعتقادهم أن هذه العبادات كلها وغيرها لا تجوز إلا لله؛ فهو إلههم ومعبودهم، لا يستحق غيره شيئاً منها؛ لأن غيره فقراء لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، والله هو الإله الحق، وهو الغني الحميد، خالق ومالك ما في السماوات وما في الأرض، موصوف بكل صفات الكمال، ومنها ما ذكرناه آنفاً.
فالخلط بين معاني الربوبية والاستعلاء والحاكمية التي هي من صفات الله، وبين معاني التأله والعبادة بفروعها؛ خلط بين صفات الله الرب العظيم المعبود المستحق للعبادة وحده، وبين صفات المخلوقين الفقراء العابدين.
وهذا الخلط كثيراً ما يحصل من سيد قطب، وأحياناً يقلب معاني الألوهية إلى الربوبية، فيضيع بذلك التوحيد الذي بعث الله به رسله جميعاً.
وبهذا الخلط والقلب الذي وقع من علماء الكلام جهل كثير من المسلمين توحيد الألوهية، فوقعوا في تقديس الأولياء والقبور وغيرها وصرفوا لهم حقوق الألوهية من الدعاء والذبح والنذر … إلخ.
وفي تصرفات سيد قطب تجديد لعمل أهل الكلام، وتضييع لتوحيد الألوهية الذي بعث الله به الرسل جميعاً، وهو موضع الصراع بينهم وبين أعدائهم ومكذبيهم.
ويقول سيد قطب:
“فلقد كانوا (أي: العرب) يعرفون من لغتهم معنى (إله) ومعنى (لا إله إلا الله) … كانوا يعرفون أن الألوهية تعني الحاكمية العليا … “. (9)
وقال أيضاً: ” (لا إله إلا الله)؛ كما كان يدركها العربي العارف بمدلولات لغته: لا حاكمية إلا لله، ولا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد؛ لأن السلطان كله لله … “. (10)
أقول: إن هذا الذي ينسبه سيد إلى العرب من أن الألوهية تعني الحاكمية لا يعرفه العرب ولا علماء اللغة ولا غيرهم، بل الإله عند العرب هو المعبود الذي يُتقرَّب إليه بالعبادة يُلازمها الخضوع والذل والحب والخوف، وليس معناه عندهم الذي يُتحاكم إليه.
لقد كان لهم سادة وأمراء يتحاكمون إليهم ولا يسمونهم آلهة. (11)
وكان لهم ملوك يسوسونهم في الشمال والجنوب من الجزيرة ولا يسمونهم آلهة.
وكانوا يعترفون بتوحيد الربوبية، وفي ذلك آيات كثيرة.
وكانوا يعارضون رسول الله e في توحيد الألوهية أشد المعارضة:
كما قال تعالى:] إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [. (12)
وقال تعالى حاكياً قولهم:] أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [. (13)
قال ابن كثير في “تفسيره”:
“أي: أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو؟! أنكر المشركون ذلك قبحهم الله تعالى، وتعجبوا من ترك الشرك بالله؛ فإنهم قد تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان، وأشربته قلوبهم، فلما دعاهم الرسول e إلى خلع ذلك من قلوبهم، وإفراد الإله بالوحدانية؛ أعظموا ذلك، وتعجبوا، وقالوا:] أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [(14) “. (15)
ويقول سيد في تفسير قوله تعالى:] هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ [. (16)
“فالإله هو الذي يستحق أن يكون رباً؛ أي: حاكماً وسيداً ومتصرفاً ومشرعاً وموجها”. (17)
أقول: قد عرفت خطأ هذا التفسير بما قررناه وناقشنا فيه سيداً مراراً وتكراراً؛ فتذكر.

([1]) صلاح الدين مقبول: “دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها في الحركات الإسلامية” ص 115)، نقلاً عن “مجلة محدث” الأردية الصادرة في بنارس (العدد 48/ 1406هـ).====استهزاء سيد قطب بالكتب الصفراء
ويقول: (وكل هذه الشبهات كان يكفي في جلائها مجرد المعرفة الصحيحة للحقائق التأريخية والاجتماعية للإسلام أي أن يتلقى الجيل ثقافة حقيقية لائقة. . . أجل لائقة. . . وليست هذه الثقافة عسيرة – كما يتصور الكثيرون – حين يتصورون الكتب الصفراء، وتتمثل لهم صورة الدراسة الأزهرية بما فيها من الغاز ومعميات!
كلا إن هذا ليس هو الثقافة الإسلامية المطلوبة للجيل، فالإسلام يسر لا عسر، وهو عقيدة بسيطة واضحة لا تعقيد فيها ولا غموض، ونظام اجتماعي متوازن متناسق لا إقطاع فيه، ولا ترف ولا حرمان، ونظام للحكم ليس فيه حقوق إلهية، ولا دم أزرق ولا استبداد ولا طغيان) ([1])
أقول:
أولا: إن الكتب الصفراء التي يسخر منها سيد قطب جلها كتب الحديث والتفسير والفقه.
ثانيا: الدراسة الأزهرية على ما فيها من بدع وتصوف هي أقرب إلى الإسلام من الدراسات التي قدمتها باسم الإسلام، فما من شيء يؤخذ على الأزهر إلا وهو عندك على أسوأ صورة، ولك زيادات باطلة يحاربها الأزهر وغيره بحق.
ثالثا: كيف تحيل المثقفين بما فيهم الشيوعيين والعلمانيين على الحقائق التاريخية والاجتماعية للإسلام، وقد شوهت كل ذلك بما كتبته في كتابك “العدالة الاجتماعية” بالطعن في الخليفة الراشد عثمان وفي حكمه وخلافته وسيرته وعهده كله.
وبالطعن في الدولة الأموية والعباسية حتى أخرجتهما عن حدود الإسلام في سياسة الحكم والمال.
وبالطعن في الأمة بعد ذلك وتكفيرها في “العدالة الاجتماعية”، وفي “ظلال القرآن “، و”معالم في الطريق “، و”الإسلام والحضارة”.
رابعا: أن الإسلام يسر لا عسر كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى – رضي الله عنهما -: ((ادعوا وبشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا” ([2])
وكما قال: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا” ([3])
وكما قال: “إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ” ([4])
وليس كما تصوره أنت بأنه يصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجا كاملا يتضمن أهدافهما جميعا.
وهل من يسره ورحمته انتزاع الثروات والملكيات جميعا كما ينسب سيد قطب ذلك إلى الإسلام؟
وهل من يسره الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكفير المسلمين بدون ضوابط ولا ورع؟!
وهل من يسره السخرية بالعلماء؟! ومداهنة الرفاق والمثقفين؟! والشدة على المسلمين؟!
وهل من يسره رقة الحديث ولينه إذا كان الحديث عن موقف المسلمين من الكفار سواء كانوا من الذميين أو غير الذميين؟!
إن في الإسلام يسرا لا تمييع فيه، وقوة وحزما لا ظلم فيهما ولا عسف.=====اتهام سيد للعلماء بالتواطؤ بسبب الاشتراكية
كشف تواطؤ رجال الدين المحترفين
ويقول سيد قطب:
(فرائض غير الزكاة:
ومع ذلك فالزكاة ليست وحدها حق المال وإنا لنلحظ شبه تواطؤ بين من يتحدثون عن الزكاة في هذه الأيام على اعتبارها الحد الأقصى الذي يطلبه الإسلام دائما من رؤوس الأموال، لذلك ينبغي أن نكشف هذا التواطؤ الذي يتعمده رجال الدين المحترفون، كما يتعمده من يريدون إظهار النظام الإسلامي بأنه غير صالح للعمل في عصر (الحضارة) ([1]).
إن الزكاة هي الحد الأدنى المفروض في الأموال، حين لا تحتاج الجماعة إلى غير حصيلة الزكاة، فأما حين لا تفي فإن الإسلام لا يقف مكتوف اليدين، بل يمنح الإمام الذي ينفذ شريعة الإسلام سلطات واسعة للتوظيف في رؤوس الأموال؟ أي الأخذ منها بقدر معلوم في الحدود اللازمة للإصلاح، ويقول بصريح الحديث: “إن في المال حقا سوى الزكاة”.
ودائرة المصالح المرسلة وسد الذرائع دائرة واسعة تشمل تحقيق كافة المصالح للجماعة، وتضمن دفع جميع الأضرار) ([2]).
والشاهد من كلام سيد هذا هو طعنه في العلماء واتهامهم بأقبح أنواع الاتهام وأفظعها.
ثم إن الحديث الذي احتج به ضعيف رواه الدارمي (1/ 385) والترمذي من طريق شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، وقال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذاك، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف، وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله وهذا أصح، وقال فيه الحافظ “ضعيف” انظر التقريب.
ولو كان الحديث صحيحا، لكان معناه غير ما يهدف إليه سيد قطب من الاشتراكية الظالمة.
والمصالح المرسلة مختلف فيها، ولو اتفق العلماء على اعتبارها، فلا يمكن أن يخطر ببال العلماء هذه الاشتراكية الظالمة التي يدعو إليها سيد قطب ويقررها.
ويقول سيد:
وقد احتج بعض المحترفين من رجال الدين ذات يوم بالقول بأن ما أديت زكاته ليس بكنز للتدليل على أن حق المال هو الزكاة وحدها، وأن لا حرج في الكنز بعد ذلك، ولكن هناك حديثا صريحا يبين حدود الكنز، ويبين فيم يحتفظ الباقي بعد الزكاة حتى لا يكون كنزا، ذلك هو قوله صلى الله عليه وسلم: ((من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة، ولا يعده لغريم: ولا ينفقه في سبيل الله، فهو كنز يكوى به يوم القيامة)).
وقد أبان هذا الحديث ما يجوز الاحتفاظ به، والأغراض التي يجوز الاحتفاظ به من أجلها، وما عدا هذا، فهو كنز ينطبق عليه نص التحريم، وهكذا فليفهم الإسلام على ضوء مبادئه الكلية العامة في هذا المجال) ([3]).
الشاهد من هذا الكلام طعن سيد قطب في العلماء بهذا الأسلوب، والملاحظ أنه لا يذكرهم إلا باسم رجال الدين على طريقة الأوروبيين والأمريكان، ومن سار على دربهم.
ثم إنه أحال بهذا الحديث على “تفسير القرطبي “، وهو حديث ضعيف رواه عبدالرزاق في المصنف (2/ 428) من طريق موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف، ومعناه منكر لأنه يخالف نصوصا كثيرة في الكتاب والسنة منها أحاديث الزكاة ومقاديرها.
لقد تعلق سيد بهذا الحديث الباطل وعارض به نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة على تحريم أموال المسلمين، وخالف به جمهور علماء الأمة في تفسير الكنز.
قال النووي – رحمه الله تعالى – قال القاضي: (واختلف السلف في المراد بالكنز في القرآن والحديث، فقال أكثرهم: هو كل مال وجبت فيه الزكاة، فلم تؤد، فأما مال أخرجت زكاته، فليس بكنز.
قيل: الكنز: هو المذكور عن أهل اللغة، ولكن الآية منسوخة بوجوب الزكاة.
وقيل: المراد بالآية أهل الكتاب المذكورون قبل ذلك.
وقيل: كل ما زاد على أربعة آلاف فهو كنز، وإن أديت زكاته.
وقيل: هو ما فضل عن الحاجة، ولعل هذا كان في أول الإسلام وضيق الحال.
واتفق أئمة الفتوى على القول الأول، وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته)) ([4]) وذكر عقابه.
وفي الحديث الآخر: “من كان عنده مال، فلم يؤد زكاته، مثل له شجاعا أقرع. . . “، وفي آخره: “فيقول: أنا كنزك ” ([5])
وقال النووي أيضا في شرح حديث جابر في عقوبة من يقصر في أداء حق المال وحق الإبل ومنه:
قال رجل: يا رسول الله! ما حق الإبل: قال: “حلبها على الماء، وإعارة دلوها، وإعارة فحلها، ومنيحتها، وحمل عليها في سبيل الله ([6]).
قال النووي: (قال القاضي: قال المازري: يحتمل أن يكون هذا الحق في موضع تتعين فيه المواساة، قال القاضي: هذه الألفاظ صريحة في أن هذا الحق غير الزكاة، قال: ولعل هذا كان قبل وجوب الزكاة، وقد اختلف السلف في معنى قول الله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} فقال الجمهور: المراد به الزكاة، وأنه ليس في المال حق سوى الزكاة، وأما ما جاء غير ذلك؟ فعلى وجه الندب ومكارم الأخلاق. . . وقال بعضهم: هي منسوخة بالزكاة، وإن كان لفظه لفظ خبر فمعناه أمر.
قال: وذهب جماعة منهم الشعبي والحسن وطاووس وعطاء ومسروق وغيرهم إلى أنها محكمة، وأن في المال حقا سوى الزكاة من فك الأسير وإطعام المضطر والمواساة في العسرة وصلة القرابة).
أقول: من هذه النقول يدرك القارئ أن ما يفتي به من يسميهم سيد قطب بالمحترفين من رجال الدين هو قول جمهور علماء الأمة، واتفق عليه أئمة الفتوى، وهو القول الصحيح الراجح الذي تؤيده الأدلة، ولو أفتوا بقول مرجوح فما يحق لسيد أن يطعن فيهم هذه الطعون، فكيف وهم يفتون بالقول الراجح.

([1]) لا أدري أهو ضغظ هؤلاء الذي يدفع سيدا على انتحال الاشتراكية باسم الإسلام أم هي السياسة؟=======سيد قطب يسخر بدعوة هيئة كبار العلماء في مصر إلى تغيير المنكرات ومحاربة الأخلاق الإباحية والتحلل
قال سيد قطب تحت عنوان (إني أتهم) تكلم فيه بأسلوب ثوري مادي لا يشبه أساليب العلماء والمصلحين، وكثير من عباراته لا يستطاع نقلها لثقلها على أسماع المسلمين، بل وغير المسلمين.
وفي هذا المقال تناول العلماء بأسلوب ساخر جدا، لأنهم قالوا كلمة حق تتضمن إنكار المنكرات، قال ساخرا مع الأسف:
(وهنا ينبعث السادة الأجلاء من هيئة كبار العلماء من سباتهم الطويل العميق، ينعون الأخلاق الضائعة والفواحش الشائعة، ولا يدعون ثبورا واحدا بل ثبورا كثيرا، فلننصرف إلى السادة الأجلاء لحظة لنسمع منهم الوعظ الشريف، ترويحا للنفس عن ذلك الجد الكريه الذي نعانيه
هذه بعض عريضتهم إلى رئيس الحكومة في يوم من الأيام: وإن الناظر في حال أمتنا العزيزة، وما آل إليه أمر الدين والخلق فيها، ليهوله ما يرى، ويأخذه كثير من الحزن على حاضرها الذي صارت إليه، ويخالجه كثير من الإشفاق على مستقبلها الذي هي مقبلة عليه، فقد استهان الناس بأوامر الدين ونواهيه، وجنحوا إلى ما يخالف تقاليد الإسلام، ودخل على كثير منهم ما لم يكن يعهد من أخلاق الإباحية والتحلل، جريا وراء المدنية الزائفة واغترارا ببريقها الخادع، وكثرت عوامل الإفساد والإغراء في البلاد، ولا سيما أمام ناشئتها وفتيانها المرجوين للنهوض بها والأخذ بيدها في حاضرها ومستقبلها. . .
فمن حفلات ماجنة خليعة يختلط فيها الرجال والنساء على صورة متهتكة جريئة يشرب فيها الخمر ويرتكب فيها ما ينافي المروءة والخلق الكريم إلى أندية يباح فيها القمار، ويسكب على موائدها الذهب، وتبرز فيها الأموال، وتزلزل بسببها البيوت والكرامات. ..
إلى ملاعب للسباق والمراهنات تنطوي على ألوان من الفساد وإضاعة المال. . .
إلى مسابقات للجمال إنما هي معارض للفسوق والإثم يرتكب فيها ما يندى له جبين الدين والخلق والمروءة ويباح فيها من المحرمات أكبرها وأخطرها. . .
إلى شواطىء في الصيف يخلع فيها العذار، ويطغى فيها الأشرار …
إلى أخبار غير ذلك تذكر وتنشر، وتوصف وتصور، وتستثار بها كوامن الشهوات والغرائز، في غير تورع ولا حياء …
إلى كثير من ألوان المنكرات وفنون الموبقات ) ([1])
قال سيد قطب معلقا في سخرية وتهكم وتعجب:
وي! وي! أو هذا هكذا أيها العلماء الأجلاء؟! يا سبحان الله! ولا حول ولا قوة إلا بالله
حقا إنه لأمر جلل يوجب النقمة ويستوجب اللعنة. . . ولكن! وقد قدر لشفاهكم الكريمة أن تنفرج عن كلام في المجتمع.
أفما كانت هناك كلمة واحدة تقال عن المظالم الاجتماعية الفاشية، وعن رأي الإسلام في الحكم، ورأيه في المال، ورأيه في الفوارق الاجتماعية التي لا تطاق؟
وما الذي كنتم تنتظرونه أيها السادة الأجلاء من أوضاعنا الاجتماعية القائمة إلا هذا الفساد التي تناولت خطبتكم الشريفة ظواهره وتجنبت خوافيه؟! أوضاعنا الاجتماعية التي تجد منكم السند والنصير والتي يصيبكم البكم فلا تشيرون إليها عارضة من قريب أو بعيد؟ لأن السكوت عنها من ذهب: ذهب إبريز ([2])
هذا بعض شكوى هيئة كبار العلماء في بلده وفي عصره،
فبدل أن يشكرهم على هذا الموقف الطيب ويشجعهم على المضي قدما في معالجة الأوضاع المتردية ومحاربة المنكرات الفاشية ويطلب منهم المزيد من المواقف الطيبة بدءا بمحاربة مظاهر الشرك التي لم تخطر ببال سيد قطب ويصيبه وأمثاله البكم تجاهها وتجد فيهم السند والنصير، بدلا من تشجيعهم طفق يسخر منهم ويهون من خطوتهم الطيبة الإيجابية في طريق الإصلاح.
ألأجل أنهم خالفوا منهجه الثوري فقط يسخر بهم هذه السخرية الظالمة؟
أتدري ما الذي جرته دعوتك السياسية الثورية على الإسلام والمسلمين من البوار والدمار؟
يشهد الله وملائكته والعقلاء من الناس وكبار الإخوان المسلمين أن دعوة الإخوان المسلمين السياسية التي اعتنقها سيد قطب حتى مات من أجلها أنها كانت مفتوحة الأبواب على مصاريعها لكل أرباب البدع والضلال، من روافض، وخوارج، وصوفية غالية قبورية، ولكل راغب من النصارى، ولكل منافق زنديق، ولكل عشاق المناصب، ولكل حاقد ومتعطش للدماء وسلب الأموال إلى مآخذ أخرى لا يتسع المقام لذكرها.
فيا معشر الشباب المخدوعين! أفيقوا من سكرتكم، واخرجوا من الزنازين المظلمة والسراديب والقماقم التي سجنكم فيها سماسرة ودهاقين السياسة الماكرة وكبلوا عقولكم بأصفاد وأغلال التبعية الخرقاء العمياء ينعقون بكم كقطعان المواشي زاعمين لكم أن هذا هو طريق الإسلام وهذا هو طريق الحرية، وما من شيء من هذا أو ذاك إلا ما ذكرته لكم، وأمثل الإسلام عندهم ما في السودان وأفغانستان، ولا يمكن أن تعرفوا حقيقة ذلك إلا إذا خرجتم من تلك السراديب والزنازين والقماقم وحطمتم تلك الأغلال والأصفاد، فإن آثرتم عبودية الزنازين والقماقم والسراديب، فلن تزروا عند الله وعند من يعرف هذه الحقائق إلا بأنفسكم، ولن تضروا الله شيئا، وسيقول من يعرف الحقيقة والواقع:=======طعن سيد قطب في حكومات إسلامية
منها الحكومة الإسلامية السلفية في الجزيرة العربية
قال سيد قطب:
(وبعض هذه الشبهات ناشىء من التباس صورة حكم الإسلام ببعض أنواع الحكومات التي تسمي نفسها (حكومات إسلامية) وتمثيل هذه الحكومات لحكم الإسلام كتمثيل من يسمونهم (رجال الدين) لفكرة الإسلام! كلاهما تمثيل مزور كاذب مشوه، بل تمثيل النقيض للنقيض، ولكن الجهل بحقيقة فكرة الإسلام عن الحكم حتى بين (المثقفين) لا يدع صورة للحكم الإسلامي أخرى غير هذه الصورة المزورة الشائهة الكريهة) ([1]).
فهذه الطعنات الآثمة الموجهة في الدرجة الأولى للحكومة الإسلامية الصحيحة دولة التوحيد والسنة، وعلى قمتها علماء السنة والتوحيد، التي أثبتت بواقعها الإسلامي الصحيح وبشهادة العلماء المنصفين أنها قائمة على كتاب الله وعلى سنة رسوله في عقيدتها ومنهجها وحكمها وتعليمها، وإن كان هناك نقص لم تسلم منه دولة بعد الخلافة الراشدة، فإنها هي الدولة الإسلامية الحقة والقلعة الحصينة للإسلام وندعوها إلى تلافي هذا النقص الذي يوجبه الإسلام، ونسأل الله لها التوفيق والسداد.
والحكومة الإسلامية التي يتصورها سيد قطب لن تكون أصلح من أفسد الحكومات التي يقول: (إنها تمثل الإسلام تمثيلا مزورا مشوها)، فهي على علاتها تعتز بالإسلام وتحترم العلماء وتقوم على جوانب منه، وأعتقد أن هذه الحكومات التي أشار اليها منها حكومة الأدارسة في ليبيا، والحكومة المتوكلية في اليمن، فمهما قيل فيها فإنها خير من التي يتخيلها ويصورها للناس، والتي ستكون عقائدها أفسد ونظامها أبعد من الإسلام فهو يتخيل حكومة اشتراكية لا تبقي للناس سبدا ولا لبدا، وحكومة برلمانية يزعم لها أنها شورية هذا إن التزمت بذلك، وإلا فستكون دكتاتورية مستبدة كما يلمس ذلك من الأحزاب القائمة على فكره التي لا تحتمل نقدا مهما سطع فيه نور الحق ولا توجيها إسلاميا مهما صحت دلائله وبراهينه، سواء تعلق بالعقيدة أو تعلق بالسياسة، وحتى لو جاء به مثل أبي بكر وعمر، كما هو واقع بعض الحكومات التي قامت على منهجه وفكره.
لو كان يريد حكومة إسلامية صادقة لساند الدولة السعودية وأشاد بها ولطالب الحكومات الأخرى أن تحذو حذوها في العقيدة والمنهج والتطبيق الصحيح، ولكنه يريد شيئا آخر نضحت به كتبه، لا نقوله تخرصا ولا تكهنا.
قد يقال: إنه كان لا يعرف شيئا عن هذه الحكومة الإسلامية؟
فيقال: كلا، فلقد كان على معرفة واسعة بما يجري في العالم الإسلامي وغيره، والذي يقرأ كتابه “دراسات إسلامية” مثلا يدرك أنه كان يعرف ما يجري في الاتحاد السوفييتي على المسلمين وما يجري عليهم في الصين والهند والحبشة وفي أدغال أفريقيا وآسيا ([2])، فكيف يجهل ما يجري في جزيرة العرب بلاد الحرمين والبترول التي يعلم ما يجري فيها وما يوجد فيها من الخير عامة المسلمين وخاصتهم، بل حتى غير المسلمين يعرف ذلك.=============رمي سيد المفتين والمستفتين في المجتمعات الإسلامية عن مشكلات تواجههم بالسخرية بالإسلام
ويقول: (والإسلام نظام اجتماعي متكامل تترابط جوانبه وتتساند، وهو نظام يختلف في طبيعته وفكرته عن الحياة ووسائله في تصريفها، يختلف في هذا كله عن النظم الغربية وعن النظم المطبقة اليوم عندنا، يختلف اختلافا كليا أصلا عن هذه النظم، ومن المؤكد أنه لم يشترك في خلق المشكلات القائمة في المجتمع اليوم، إنما نشأت هذه المشكلات عن طبيعة النظم المطبقة في المجتمع ومن إبعاد الإسلام عن مجال الحياة.
ولكن العجيب بعد هذا أن يكثر استفتاء الإسلام في تلك المشكلات، وأن يطلب لها عنده حلول، وأن يطلب رأيه في قضايا لم ينشئها هو ولم يشترك في إنشائها.
العجب أن يستفتى الإسلام في بلاد لا تطبق نظام الإسلام، في قضايا من نوع (المرأة والبرلمان)، و (المرأة والعمل)، و (المرأة والاختلاط)، و (مشكلات الشباب الجنسية) وما إليها، وأن يستفتيه في هذا وأمثاله ناس لا يرضون للإسلام أن يحكم، بل إنه ليزعجهم أن يتصوروا يوم يجيء حكم الإسلام.
والأعجب من أسئلة هؤلاء أجوبة رجال الدين ودخولهم مع هؤلاء السائلين في جدل حول رأي الإسلام وحكم الإسلام في مثل هذه الجزئيات، وفي مثل هذه القضايا، في دولة لا تحكم بالإسلام.
ما للإسلام اليوم وأن تدخل المرأة البرلمان أو لا تدخل؟! ماله وأن يختلط الجنسان أو لا يختلطان؟
ما له وأن تعمل المرأة أو لا تعمل؟
ما له وما لأي مشكلة من مشكلات النظم المطبقة في هذا المجتمع الذي لا يدين للإسلام ولا يرضى حكم الإسلام؟
وما بال هذه الجزئيات وأمثالها هي التي يطلب أن تكون وفق نظام الإسلام، ونظام الإسلام كله مطرود من قوانين الدولة، مطرود من حياة الشعب؟!
إن الإسلام كل لا يتجزأ، فإما أن يؤخذ جملة وإما أن يترك جملة.
أما أن يستفتى الإسلام في صغار الشؤون، وأن يهمل في الأسس العامة التي تقوم عليها الحياة والمجتمع، فهذا هو الصغار الذي لا يجوز لمسلم – فضلا على عالم دين – أن يقبله للإسلام، إن جواب أي استفتاء عن مشكلة جزئية من مشكلات المجتمعات التي لا تدين بالإسلام ولا تعترف بشرعيته أن يقال: حكموا الإسلام أولا في الحياة كلها، ثم اطلبوا بعد ذلك رأيه في مشكلات الحياة التي ينشئها هو لا التي أنشأها نظام آخر مناقض للإسلام …
إنني أعتبر كل استفتاء للإسلام في قضية لم تنشأ من تطبيق النظام الإسلامي، والإسلام كله مطرود من الحياة، إنني أعتبر كل استفتاء من هذا النوع سخرية من الإسلام، كما أعتبر الرد على هذا الاستفتاء مشاركة في هذه السخرية من أهل الإفتاء، والذين يصرخون اليوم طالبين منع المرأة من الانتخاب باسم الإسلام، أو منعها من العمل باسم الإسلام، أو إطالة أكمامها وذيلها باسم الإسلام، ليسمحوا لي مع تقديري لبواعثهم النبيلة أن أقول لهم: إنهم يحيلون الإسلام إلى هزأة وسخرية، لأنهم يحصرون المشكلة كلها في هذه الجزئيات.
إن طاقاتهم كلها يجب أن تنصرف إلى تطبيق النظام الإسلامي والشريعة الإسلامية في كل جوانب الحياة. . . يجب أن يأخذوا الإسلام جملة وأن يدعوه يؤدي عمله في الحياة جملة، فهذا هو الأليق لكرامة الإسلام وكرامة دعاة الإسلام.
هذا إذا كانوا جادين في الأمر، مخلصين في الدعوة. . . أما إذا كان الغرض هو الضجيج الذي يلفت النظر، وهو في ذات الوقت مأمون لا خطر فيه، فذلك شأن آخر أحب أن أنزه عنه على الأقل بعض الهيئات والجماعات) ([1])
أقول:
أولا: إن سيد قطب قد أداه حماسه لتطبيق الشريعة على فهمه إلى أمرين خطيرين:
أحدهما: سد باب الإفتاء والاستفتاء واتهام المفتين والمستفتين بالسخرية بالإسلام.
فالسؤال من أناس مسلمين يعتزون بإسلامهم ويتطلعون إلى دينهم ليعالج مشاكلهم فينفذون منه ما يستطيعون.
والمفتون يفتون بما يفهمون ويعملون من حلول إسلامية لمجتمع مسلم فرضت عليه قوانين غير إسلامية فرضا من عدو مستعمر.
ألا يدل هذا الإفتاء والاستفتاء على احترام الناس لدينهم وحبهم له وثقتهم فيه؟
وألا يدل على أن العلماء يعتزون بدينهم ويحرصون على ربط الناس به وفزعهم إليه عند المشكلات والملمات التي تلم بهم؟
ثانيهما: وهو الأخطر، وهو رمي المجتمعات الإسلامية بأنها لا تدين بالإسلام، فهذه دندنة حول تكفيرهم.
انظر إلى قوله: (ما له ولأي مشكلة من مشكلات النظم المطبقة في هذا المجتمع الذي لا يدين للإسلام ولا يرضى حكم الإسلام).
انظر إلى قوله: (إن جواب أي استفتاء عن مشكلة جزئية من مشكلات المجتمعات التي لا تدين بالإسلام ولا تعترف بشريعته أن يقال: حكموا الإسلام أولا في الحياة كلها ثم اطلبوا بعد ذلك رأيه في مشكلات الحياة التي ينشئها هو).
وهكذا ينظر إلى المجتمعات الإسلامية بهذا المنظار ويحكم عليهم بهذه الأحكام، لا في هذا الكتاب، بل في كل كتبه أو جلها.
ثم هل الإسلام ينشيء المشاكل؟ حاشاه من ذلك!
إنما هو يعالج المشاكل التي ينشئها أهل الأهواء والضلال والفسوق والنفاق.
ثانيا: إن معظم رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أرسلهم الله إلى أمم تعبد الأوثان وترتكب المحرمات والفواحش ليعالجوا المشاكل التي أنشأتها جاهلياتهم ووثنياتهم، فدعوا إلى توحيد الله ونهوا عن الشرك ونهوا عن الفواحش والمحرمات التي تمارسها تلك الأمم، وقد أنشأتها جاهلياتهم، ويتقدمون إلى تلك الأمم الكافرة الجاحدة الكنودة بالزواجر والنواهي والتحذير والإنذار من مخالفتها، كل ذلك وأممها ترفض ذلك.
كل ذلك ولم يكن لهم دول ولا أنظمة. ولم يقولوا: ما للإسلام وهذه المشكلات التي لم ينشئها؟! وما للإسلام والفواحش والمنكرات التي لم يشارك في إنشائها؟! ولم يقفوا مكتوفي الأيدي حتى تقوم لهم دول وحكومات، وإنما يبلغون رسالات الله في حدود طاقاتهم.
قال تعالى عن شعيب: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} هود: 84.
وقال عن لوط عليه السلام: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ} العنكبوت: 28
وقال تعالى عن العبد الصالح لقمان: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان: 13
{يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} لقمان: 17 – 18
ولقد واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجاهلية في العهد المكي، وهي في شركها منغمسة في كثير من الانحرافات الأخلاقية والاجتماعية، وليس له دولة، فدعا إلى التوحيد ونبذ الأوثان وخلعها، وحارب الفواحش والمنكرات والمحرمات، ولم يقل: ما لي ولهذه المنكرات التي لم يشارك الإسلام في إنشائها؟!
قال تعالى لرسوله الكريم: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ([2])
وقد عالجت السور المكية كثيرا من المشاكل الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، وإن كان محور الدعوة الأصيل هو التوحيد ومحاربة الشرك.
ولا سيما هذه السورة المكية سورة الأنعام التي استشهدنا بالآيتين السابقتين منها، فإن فيها بالإضافة إلى ما سبق تحريم الميتة ولحم الخنزير والدم وما أهل به لغير الله.
كل ما ذكرناه كان في مجتمعات جاهلية.
فكيف بمجتمع يدين بالإسلام؟
فإذا سأل سائل وأجابه مفت عالم، استنكر ذلك سيد قطب واعتبر الاستفتاء والإفتاء سخرية بالإسلام. . . إلى آخر ما اعترض به سيد قطب على المفتين والمستفتين وإلى آخر تكفيره للمجتمعات الإسلامية.
إن الله يبغض الفواحش أشد البغض، ولا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش.
عن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “تعجبون لغيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ” ([3])
فكيف يقول سيد قطب: (ما للإسلام اليوم وأن تدخل المرأة في البرلمان أو لا تدخل، وأن يختلط الجنسان أو لا يختلطان. . . إلخ).
ما هكذا الدعوة إلى تطبيق نظام الإسلام بإزهاق آخر نفس للإسلام، ثم يدعو إلى إنشاء مجتمع إسلامي جديد في خيال سيد بعد الحكم على المجتمعات الإسلامية بالكفر
ما هكذا يكون الإصلاح
وما هكذا يا سعد تورد الإبل
ثالثا: يجب أن يفهم العقلاء نوع الحكم الذي يتحمس له سيد قطب ويكفر الناس المحكومين قبل الحكام من أجله لأنهم لم يطبقوه.
إنه حكم يختلس من الديمقراطية إنشاء البرلمانات والانتخابات تحت ستار الشورى الإسلامية يشارك في قمتها وإدارة دفتها اليهود والنصارى والعلمانيون تحت ستار أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وقبلهم الروافض وغلاة الصوفية القبورية، وسيكون من علامات تقدمها إنشاء الكنائس والبيع وتشييد القبور والحسينيات، وإنشاء مجلس أعلى للصوفية يتبعه إدارة أو إدارات للأضرحة تجبي غلال صناديق النذور!!
ويستل من الشيوعية الحمراء الاشتراكية المدمرة التي تبدأ بالعلماء فتجردهم من مناصبهم لأنهم يساندون النظام الإقطاعي، وينتزع من كبار الملاك أراضيهم ودورهم، ويعرج على أصحاب الأموال يبتز أموالهم لأنهم إقطاعيون ورأسماليون، ويطرد الموظفين والمستخدمين من وظائفهم، ثم يسوق الجميع بسياط الاشتراكية إلى المصانع والمعامل والحقول الزراعية المؤممة، وكل هذا وذاك سيكون باسم الإسلام، واشتراكية الإسلام، وعدالة الإسلام، الإسلام الذي يقول عنه سيد قطب: (إنه يصوغ من الشيوعية والمسيحية معا مزيجا كاملا يتضمن أهدافهما ويزيد عليهما بالتناسق والتوازن والاعتدال).==========
ويقول: (والذين يخشون – لو حكم الإسلام – أن يبصروا فيروا على رأس الجيش مثلا في المعركة أو في مصلحة الكيمياء أو الطب الشرعي أو في وزارة الأشغال أو المالية شيخا مطمطما أو درويشا معمما لمجرد أنه قرأ كتب الفقه أو السنة أو حفظ المتون أو الحواشي والشروح أو التراتيل الدينية ودلائل الخيرات، أولئك فليطمئنوا فواقع الإسلام التأريخي كأصوله النظرية لا يعترف إلا بالكفاية الخاصة في العمل الخاص، ولكل وجهة هو موليها) ([1]).
أقول: إذا كان واقع الإسلام التأريخي كأصوله النظرية لا يعترف إلا بالكفاية الخاصة في العمل الخاص فما الداعي للسخرية بمن يقرأ كتب الفقه أو السنة أو حفظ المتون والحواشي إن كان هذا مبتدعا ضالا فيناقش في بدعته ويدعى إلى السنة والحق، وإن كان من أهل السنة والحق فلماذا تجعله سخرية أمام الملاحدة والزنادقة؟؟
ويقال للملاحدة والعلمانيين: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} ([2]) ولا يشاركون في الاستهزاء بعلماء المسلمين لا سيما حملة السنة ودعاتها.
والإسلام يحترم الكفاءات حقا.
وقد نفذ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون ومن بعدهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن أشراط الساعة، قال: “إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها قال: ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) ([3]).
وإن العلماء بالكتاب والسنة لهم الأكفاء في الإمرة والقضاء والإفتاء والرئاسات العلمية، وهم مع الأمراء ولاة الأمر وأهل الحل والعقد، وأنت تريد أن يكونوا في طليعة الطرداء الى الأعمال المنتجة.
أليس من ينظر إلى العلماء هذه النظرة المزرية وينوي مطاردتهم إلى ميادين العمل المنتج أشد الناس خطرا وأخلق بتضييع الأمانة الذي هو من علامات الساعة.=====سيد قطب يصف العلمانيين والفجار بالإخلاص ويضمن لهم الحرية ويصف العلماء بالمحترفين ويسميهم رجال الدين ويتوعدهم بالإذلال والاستعباد
ويقول: (. . . وبعد، فليطمئن المخلصون من المفكرين ورجال الفنون ومن إليهم أن حكم الإسلام لن يسلمهم إلى المشانق والسجون، ولن يكبت أفكارهم ويحطم أقلامهم وينبذهم من حمايته ورعايته، ولا يأخذوا الصيحات التافهة التي يصيحها اليوم رجال الدين المحترفون في وجه بعض الكتب وبعض الأفكار حجة!! فإنما هذه الصيحات تجارة رابحة اليوم وحرفة كاسبة، لأنهم يعيشون في عهد الإقطاع الذي يقيمهم حراسا لمظالمه وجرائمه، ولكي يبرروا وجودهم في أعين الجماهير يطلقون هذه الصيحات الفارغة بين الحين والحين، فأما حين يكون الحكم للإسلام، فلن يبقى لهؤلاء عمل، فسيكونون مجندين لعمل منتج نافع، هم وبقية المتعطلين المتمسكعين من كبار الملاك ورجال الأموال، ومن الموظفين والمستخدمين في الدواوين، ومن أحلاس المقاهي والمواخير والحانات، ومن المشردين في الشوارع والطرقات أو المصطلين للشمس حول الأجران. . . وكلهم في التبطل والتسكع سواء، بعضهم كاره مضطر، وبعضهم كسول خامل، وبعضهم مستغل مستهتر ([1]).
أقول:
أولا: من هم هؤلاء المخلصون من المفكرين ورجال الفنون الذين يخافون من حكم الإسلام. . . إلخ.
ثانيا: ما هي أفكارهم التي يضمن لها سيد أنها لن تكبت وأن أقلامهم لن تحطم.
فهل هم مسلمون؟
يغلب على ظني أنهم الاشتراكيون والعلمانيون والشيوعيون وسائر مرضى القلوب والنفوس.
وإذا كانوا كذلك، فهل الإسلام سيطلق لهم العنان ينشرون كفرهم وإلحادهم تسيل بهما أفواههم وأقلامهم المسمومة، وهل سيرعاهم الإسلام ويضمهم إلى كنف حمايته ورعايته؟
أما الإسلام الحق فيقول: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} ([2])
ويقول: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} ([3])
ثالثا: من هم رجال الدين المحترفون؟
وما هي الأفكار والكتب التي صاحوا في وجهها تلك الصيحات التافهة كما يزعم سيد؟
من هم أولئك المحترفون المتاجرون؟
من الجلي الواضح أن صيحاتهم كانت في وجه الاشتراكية الماركسية التي لبست لباس الإسلام، وغيرها من ألوان الضلال، وأن فيهم كوكبة من أعلام الهدى في مصر، مثل: عبد الظاهر أبو السمح، وعبد الرزاق حمزة، ومحمد حامد الفقي، وعبد الرزاق عفيفي، ومحمد خليل هراس، وأحمد محمد شاكر، وعبد الرحمن الوكيل، ومحب الدين الخطيب، وأبو الوفاء درويش.
وفي الجزيرة العربية مثل مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم، والشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ العلامة عبد الرحمن ابن سعدي، والشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي، وتقي الدين الهلالي، وغيره في المغرب العربي، والشيخ العقبي، وابن باديس، وغيرهما من جمعية العلماء في الجزائر وعلماء أهل الحديث في الهند وباكستان، وغيرهم ممن طار صيتهم من علماء المنهج السلفي وكانوا ضد كل ضلال وانحراف.
رابعا: أليس في هؤلاء الذين يخافون حكم الإسلام مرتدون عن الإسلام من الشيوعيين والزنادقة؟
فما حكم الإسلام فيهم؟
أما إسلام الصحابة وأبي بكر – رضي الله عنهم – فحكمه فيهم استئصال شأفتهم بالسيف؟ لأنهم مرتدون. . . وأما إسلام سيد قطب وحكمه فيهم بالتدليل وضمان الحرية لهم ولأقلامهم وأفكارهم والحماية والرعاية لهم ولمبادئهم وكتبهم التي يصيح بها التافهون والمحترفون من قراء كتب السنة والفقه إن بقيت لهم أصوات لم تخنق ولم تكبت في دولة سيد قطب.
خامسا: انظر ماذا كان يبيت سيد قطب للعلماء الذين يسميهم رجال الدين؟! وماذا كان يبيت لأصحاب الأموال والموظفين وغيرهم لو وصل إلى دفة الحكم؟! أي جحيم كانوا سيلقون في أتونها في هذه الحكومة؟
إنه سيجرد العلماء من مناصبهم وسيجرد كبار الملاك ورجال الأموال من ممتلكاتهم وأموالهم وأصحاب الوظائف من وظائفهم وسيسوقهم بسياط الاستعباد والاستذلال كالحمير والبغال لعمل منتج في دولة لا تعرف الرحمة يتربع قمتها هو والمفكرون ورجال الفنون والجلادون من الضباط الاحرار الذين تربوا على فكره ونظرياته التي لا ترحم والتي يلبسها لباس الإسلام مع الأسف الشديد.
سادسا: أي استهانة بالعلماء هذه التي تحشر العلماء مع أحلاس المقاهي والمواخير والحانات. . . إلخ.
فإذا جاء من ينتقد سيد قطب بحق قامت الدنيا ولم تقعد واعتبر نقده إغراء على العلماء وتشذيبا لهم.
—======العبادة ليست وظيفة حياة عند سيد قطب
حقيقة الإخوان المسلمين 16 نوفمبر, 2016 عن الأستاذ سيد قطب اضف تعليق 614 زيارة
عدد المشاهدات :2004
العبادة ليست وظيفة حياة عند سيد قطب
ويقول سيد: (والإسلام عدو التبطل باسم العبادة والتدين، فالعبادة ليست وظيفة حياة، وليس لها إلا وقتها المعلوم، (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله).
وتمضية الوقت في التراتيل والدعوات بلا عمل منتج ينمي الحياة أمر لا يعرفه الإسلام، ولا يقر عليه الألوف المؤلفة في مصر التي لا عمل لها إلا إقامة الصلوات في المساجد أو تلاوة الأدعية والأذكار في الموالد) ([1]).
أقول:
أولا: العبادة هي وظيفة الحياة.
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} ([2]).
وقال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ([3]).
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} ([4]).
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} ([5]).
وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون وبالأسحارِ يستغفرون * وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} ([6]).
ففي هذه الآيات بيان أن العبادة هي وظيفة الحياة، وثناء عاطر على من يذكرون الله قياما وقعودا وفي جميع أحوالهم وعلى العباد الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ولا يهجعون من الليل إلا قليلا لتعلق قلوبهم الطاهرة بالله.
فهم عباد أتقياء وفي الوقت نفسه أغنياء أسخياء يؤدون الحقوق في أموالهم وسماهم محسنين لا متبطلين ولم يحرض الدولة على أخذ أموالهم ولا على سوقهم بالعصي إلى المعامل والعمل المنتج.
والإسلام يحث على الرباط في المساجد وعلى انتظار الصلاة بعد الصلاة، وسيد يزهد في ذلك، لا سيما في هذا العصر الذي يندر فيه المتعبدون، لا سيما في وقته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات “. قالوا بلى يا رسول الله، قال: “إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط “.
قال الإمام مسلم: وليس في حديث شعبة ذكر الرباط ” وفي حديث مالك ثنتين: “فذلكم الرباط، فذلكم الرباط ” ([7]).
والآيات والأحاديث في الحث على كثرة الصلاة والذكر كثيرة جدا، وهذا يعرفه ويعتني به علماء المسلمين من مفسرين ومحدثين وفقهاء، ويعرفه حتى عوام المسلمين، وهناك أحاديث صحيحة كثيرة تحث على الصيام وتبين فضل المتقربين إلى الله بهذه العبادة العظيمة، ومنها: ” أفضل الصيام صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى) ([8]).
ولم يهمل الرسول صلى الله عليه وسلم معالجة من يتشدد في العبادة إلى درجة الإرهاق للنفس ويضيع الحقوق.
ومع ذلك فقد ركز على الترغيب فيها والحث عليها قولا وعملا، لأن النفس البشرية في الغالب ميالة إلى حب الدنيا والانشغال بها أكثر من إقبالها على العبادة، وميالة إلى الراحة والكسل، قال تعالى: {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ *حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ}، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ} ([9])
ولم يقل مثل هذا فيمن يشغلهم ذكر الله وعبادته عن الدنيا، ولا مجال للإطالة في هذا، وكتب السنة والزهد والفقه مليئة به.
ثانيا: انظر إلى هذا التخبط والخلط من سيد قطب حيث لا يفرق بين المشروع الذي رغب فيه الإسلام وحث عليه وبين المبتدع الممنوع.
لا يفرق بين إقامة الصلوات في المساجد وعبادة الله وذكره فيها {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} النور: 36 – 37، وبين البدع والموالد حول الأضرحة والمشاهد.
إن تمضية الكثير والكثير من الوقت لذكر الله والصلاة في المساجد أمر مشروع مرغب فيه يعرفه الإسلام ولا ينكره، وصرف لحظة واحدة في البدع من موالد وغيرها سواء كانت في المساجد أو في المشاهد أمر لا يعرفه الإسلام وينكره ويحاربه حربا لا هوادة فيها، فكيف يقرن سيد بين المشروع والممنوع؟
ثم إنه لا يحارب الممنوع من الجهة التي حاربه منها الإسلام، وهي كونه ابتداعا في الدين، وإنما أنكره من الجهة التي ينكره منها الاشتراكيون، لأنهم يرون أن على الناس جميعا إلا حزبهم أن يكونوا عمالا كادحين وعبيدا مسخرين.
ويقول سيد: (ولو كان الأمر للإسلام لجند الجميع للعمل فإن لم يجدوا فالدولة حاضرة، وحق العمل كحق الطعام، فالعمل زكاة للأرواح والأجسام وعبادة من عبادات الإسلام) ([10])
أقول: إن الإسلام قد حث على العمل وعلى الكسب الحلال وترك للناس حرياتهم ولم يجبر الجميع على العمل، ولم يخرجهم من المساجد إلى الحقول والمناجم كرها، فهذا إنما هو أسلوب لينين وستالين، وانظر إلى سيد كيف يرفع من شأن العمل من أنه زكاة للأرواح والأجسام. . . إلخ؟ مع أنه لم يقل مثل هذا في الصلاة والزكاة والصيام والحج والذكر التي امتلأ الكتاب والسنة بمدحها ومدح أهلها وترتيب الجزاء العظيم في الدنيا والآخرة عليها ([11]).
فإذا كان دافعه إلى ذلك تقصير الناس في العمل الذي يغلو فيه، فلماذا لا يدفعه الفساد العقائدي من تعطيل صفات الله وعبادة القبور واعتقاد أن أهلها يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون والفساد العملي بما في ذلك ترك الصلاة والصيام وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام والاستخفاف بالدين وغير ذلك من الأمور المتفشية في عهده والتي يقع فيها أناس أضعاف المقبلين على العبادة والعقائد الصحيحة وأضعاف المتعطلين عن العمل المنتج الذي يتحمس له ويرفع من شأنه فوق العبادات التي خلق الله الجن والإنس من أجلها.

([1]) معركة الإسلام والرأسمالية” (ص 52)
([2]) الذار يات – 56
([3]) آل عمران 191.
([4]) الأحزاب 41 – 42
([5]) الفرقان 64.
([6]) الذاريات: 15 – 19.
([7]) صحيح مسلم (الطهارة، حديث 251)
([8]) الترمذي (الصوم، حديث 0 77)، البخاري الصوم حديث (1976)، ومسلم (الصيام حديث 1159)، بلفظ صم يوما وأفطر يوما وذلك صيام داود وهو أفضل الصيام وعند مسلم وهو اعدل الصيام، وكلهم من حديث عبدالله بن عمرو.
([9]) المنافقون 9
([10]) معركة الإسلام والرأسماية” (ص 52).
([11]) يقول سيد قطب (إن الفردوس الأخروي – في التصور الإسلامي – هو الجزاء الإلهي على إصلاح الحياة الأرضية، والإحسان في القيام بالخلافة، وإصلاح الحياة الأرضية يبدأ من إصلاح النفس، وينتهي بإصلاح حال المجتمع كله، وإقامة أمره على منهج الله، وإحسان القيام بالخلافة يبدأ من كشف النواميس والأرزاق؟ والمدخرات التي أودعها الله هذا الكوكب يوم خلق الأرض وقدر فيها أقواتها وينتهي إلى تسخير هذا كله في تنمية الحياة وترقيتها وتوزيعه بالعدل الذي قرره الله. . . وكذلك يتقرر أن الترقي الوجداني الديني – في الإسلام – يصبح هو الضمان الأول والحافز العميق للترقي في الحضارة المادية واستخدام الطاقات والقوى والأرزاق والمدخرات الكونية في نطاق المنهج الرباني للتصور والحركة، وتلتئم غاية الوجود الإنساني – وهي الحياة – مع تنمية الحياة وترقيتها، بل تصبح تنمية الحياة وترقيتها هي العبادة وهي جواز المرور إلى الفردوس الأخروي وإلى رضوان الله) (ص 363 – 4 36) من “المقومات “=============عالمية الإسلام كيف يقررها سيد قطب؟!
ويقول: (المجتمع الإسلامي مجتمع عالمي، بمعنى أنه مجتمع غير عنصري ولا قومي ولا قائم على الحدود الجغرافية، فهو مجتمع مفتوح لجميع بني الإنسان دون النظر إلى جنس أو لون أو لغة، بل دون نظر إلى دين أو عقيدة. . . ومن ثم تملك جميع الأجناس البشرية وجميع الألوان وجميع اللغات أن تجتمع في حمى الإسلام وفي ظل نظامه الاجتماعي، وهي تحس آصرة واحدة تربط بينها جميعا آصرة الإنسانية التي لا تفرق بين أسود وأبيض ولا بين شمالي وجنوبي، ولا بين شرقي وغربي؟ لأنهم جميعا يلتقون عند الرابطة الإنسانية الكبرى) ([1])
أقول: أولا: أن هذه هي الدعوة الماسونية العالمية، الدعوة في الظاهر إلى الإنسانية العالمية، وفي الباطن لتحقيق غايات صهيونية.
ثانيا: يحتج سيد لهذه الدعوة التي تقضي على مبدأ الولاء والبراء والبغض في الله والحب فيه الذي وردت فيه نصوص قرآنية ونبوية كثيرة، ويغرس في نفوس المسلمين الميوعة والسماجة السياسية المنافقة، فيصبح لا فرق عند المسلم الضائع بين اليهودي والنصراني والمجوسي وبين المسلم الموحد، يجمع الجميع آصرة الإنسانية، وتربط الجميع الرابطة الإنسانية الكبرى.
وينسى سيد قطب قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وما جرى مجراها، وما أدري هل يعرف قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، لا تتراءى ناراهما ([2]) وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جرير البجلي: أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين ” ([3])، وله شاهد من حديث كعب بن عمرو بلفظه، وقوله صلى الله عليه وسلم: “من جامع المشرك أو سكن معه فهو مثله ” ([4]).
إن كثيرا من قيادات الحركات القطبية والإخوانية لا يهنؤون بالعيش إلا في ظل الدول النصرانية وفي عواصم أوروبا، زعما منهم أنهم يخدمون الإسلام، مع الأسف، وهم في حقيقة الأمر لا ترى آثارهم إلا في تمزيق صفوف السلفيين وبعثرتها وزحزحة الشباب السلفي عن العقيدة السلفية وعن منهج السلف وتشكيكهم في صلاحيتهما.
وكل هذا لا يخدم إلا أعداء الإسلام، لا سيما الأوروبيين والأمريكان، الذين يتظاهرون بالحماس ضدهم، وفي الحقيقة أنهم لا يعملون إلا لتحقيق غاياتهم ومصالحهم.
لأن الأوروبيين لا يخافون إلا من الإسلام الخالص الذي لا يمثله إلا المنهج السلفي، وتعرف ذلك جيدا بريطانيا التي حاربها أهل المنهج السلفي في الهند أكثر من مائة سنة، ولذلك كانت أيام الجهاد الأفغاني لا تحذر الخرافيين من الأفغان إلا من الوهابيين على حد قولها. هذه حقائق يجب أن يتنبه لها المخدوعون ويستيقظ لها النائمون.
ويؤكد سيد قطب أقواله ودعوته إلى ما سبق فيقول: (والإسلام لا يريد حرية العبادة لأتباعه وحدهم، إنما يقرر هذا الحق لأصحاب الديانات المخالفة، ويكلف المسلمين أن يدافعوا عن هذا الحق للجميع، ويأذن لهم في القتال تحت هذه الراية، راية ضمان الحرية لجميع المتدينين. . . وبذلك يحقق أنه نظام عالمي حر، يستطيع الجميع أن يعيشوا في ظله آمنين متمتعين بحرياتهم الدينية على قدم المساواة مع المسلمين وبحماية المسلمين) ([5])
أقول: أولا: إن الإسلام لا يكتفي بحرية العبادة للمسلمين، فقد كان المسلمون في المجتمع المدني يعبدون الله في حرية ولهم قوة وشوكة، ومع ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب إلى ملوك الدنيا يطلب منهم الدخول في الإسلام فقط كما في كتابه لقيصر ملك الروم: “أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن أبيت، فإنما عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله “، وما كان يطالب هؤلاء الملوك بمنح الأقليات حرية التدين، وقد كان النصارى من العرب والروم واليونان يمارسون عبادتهم بحرية، ويلقى أكثرهم تشجيعا من الدولة، فما كان الإسلام مستريحا لهذه الحرية، وقد كانت بعض الكنائس تلقى اضطهادا، وكذلك اليهود، فلم يطالب لهم رسول الله بحرية العبادة.
وقل مثل ذلك في سائر الممالك التي كاتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يطلب منهم إلا الدخول في الإسلام.
وقد قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلهِ} ([6]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى” ([7]).
فتلك هي غاية الإسلام فقط: أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمته هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
أما الجزية، فمع أن فيها صغارا وإذلالا لأعداء الله، فإنها حالة استثنائية لا غاية.
ثالثا: من التقول على الله وعلى الإسلام أن الإسلام يكلف المسلمين بالقتال من أجل حرية الأديان الباطلة، ويأذن لهم في القتال تحت هذه الراية، إن هذا القول قد بلغ الغاية في السوء والإساءة إلى الإسلام الذي شرع لأهله قتال أهل الأديان حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وحتى لا تكون في الأرض فتنة، كما نص على ذلك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولم يشرع شيئا – والعياذ بالله – مما يدعيه سيد قطب.
رابعا: إن مقتضى قول سيد: (فالإسلام لا يريد حرية العبادة لأتباعه وحدهم إنما يقرر هذا الحق لأصحاب الديانات المخالفة ويكلف المسلمين أن يدافعوا عن هذا الحق للجميع).
أنه إذا كان هناك دولة ديمقراطية تبث دعوة الماسونية في المساواة الإنسانية وفي حرية العبادة للجميع وطبقت هذا الأسلوب الماسوني فأعطت الحريات لجميع الديانات التي تعيش في ظلها، مقتضى ما يقوله سيد أنا لا ندعوها للإسلام فإنها قد حققت الغاية التي يريدها الإسلام، وأن المسلمين لا يحق لهم إعلان الجهاد على مثل هذه الدولة، بل عليهم أن يتعايشوا معها في ظلال الأخوة الإنسانية الكبرى، وأن المسلمين إذا غزوا مثل هذه الدولة لإعلاء كلمة الله يكونون ظالمين وأهل عدوان واحتلال، فإذا قهروهم ونفذوا فيهم الشروط العمرية يكونون ظالمين مستعبدين، لأن المغلوبين لم يتمتعوا بحرياتهم ولم يقفوا مع المسلمين على قدم المساواة في ظل هذه الشروط، ألا ما أضر أهل الأهواء – ولا سيما الأهواء السياسية – على الإسلام وما أخطرهم على دين المسلمين وعقائدهم.
خامسا: على قول سيد قطب في وصف هذا المجتمع الذي اخترعه: (ولا قائم على الحدود الجغرافية فهو مفتوح لجميع الناس. . . إلخ). لا يكون هناك دار إسلام ولا دار حرب، ولا هناك ثغور يرابط فيها جند الله لحماية المسلمين ودارهم من مكائد الأعداء وغاراتهم، بل لا يكون هناك جهاد على ما يقول سيد قطب.
يؤكد هذا قوله: (نحن ندعو إلى نظام إنساني يقيم علاقاته الدولية على أساس المسالمة والمودة بينه وبين كل من لا يحاربونه ولا يحادونه ولا يؤذون معتنقيه ولا يفسدون في الأرض ولا يظلمون الناس، فهو لا يحارب إلا المعتدين المفسدين الظالمين، نحن ندعو إلى هذا النظام، فما الذي يخيف فردا أو طائفة أو دولة من أن يقوم مثل هذا النظام في أي بقعة من بقاع الأرض) ([8]).
أقول: وهل هناك فساد أكبر من الشرك بالله والكفر به وتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبغض دينه والطعن فيه وعداوة أهله؟! وهل تجوز موادة من حاد الله ورسوله؟! وهل كلامك هذا لا يعني إلغاء الجهاد وقتل مبدأ الولاء والبراء ومبدأ الحب في الله والبغض فيه وتمييع النفوس والعقول التي تقبل هذا الباطل؟!
إن هذا النظام الإنساني الذي تدعو إليه ليس هو الإسلام وإنما هو نظام المؤسسات الماسونية التي لعبت بعقول كثير من المنتسبين إلى الإسلام، فأفسدت عقولهم، ودفعتهم إلى تمييع الإسلام.
سادسا: من هوس سيد وطمعه ظنه أنه بهذا الأسلوب المميع للإسلام ولعقول أتباعه أن الدول والشعوب والطوائف الكافرة التي تعيش في بلاد الإسلام سوف يتجاوبون معه ويفتحون له الطرق والأبواب لإقامة الدولة التي يتصورها ويصورها على هذه الشاكلة، ولن يكون ذلك، بل الذي حصل ويحصل إنما هو تمييع الإسلام وتشويهه وفتنة من لا يفهم الإسلام ولا يعقل بهذا التمييع والتشويه.
وقد وجدنا كثيرا من الناس في غير هذا البلد لا يفرق بين المسلمين واليهود والنصارى، ويعتقد أن الجنة ليست حكرا على المسلمين! ومن هذا الصنف من يدرس في الجامعات مع شديد الأسف.
فيا لله ويا للإسلام!
الجزية عند سيد قطب فرضت على أهل الذمة في مقابل الخدمة العسكرية تقليدا لسيرت وليست عنده للصغار كما يقول القرآن والمسلمون:
ينقل سيد قطب عن النصراني سيرت وأرنولد قوله: (وقد فرضت الجزية كما ذكرنا على القادرين من الذكور في مقابل الخدمة العسكرية التي كانوا يطالبون بأدائها لو كانوا مسلمين) ([9]).
ويفرح بهذا القول الضال، وفي الوقت نفسه لا يأنف من ضرب الجزية على المسلمين ولا يستنكره ولا يرى في ذلك إهانة للمسلمين ولا ينكر ذلك على من يفعله من الحكام الجائرين.
ينقل هذه المهزلة التشريعية عن نصراني أفاك، ويطير بها فرحا، ليرد بها على المغرضين كما يدعي، قال فيما نقله عن كتاب “الدعوة إلى الإسلام ” تأليف سيرت وأرنولد:
(ومن جهة أخرى أعفي الفلاحون المصريون من الخدمة العسكرية على الرغم أنهم كانوا على الإسلام وفرضت عليهم الجزية في نظير ذلك كما فرضت على المسيحيين) ([10]).
فطار سيد قطب فرحا بهذا الإفك والتحريف المتعمد من هذا النصراني، واتخذ منه برهانا قاطعا على أن صفة الجزية على النحو الذي يقرره.
وقال عقب الكلام السابق الذي نقله عن سيرت:
(مما يثبت بصفة قاطعة صفة الجزية على النحو الذي قررناه من قبل، ويبطل كافة الترهات الباطلة التي يثيرها المغرضون حول هذه المسألة، وحول علاقات الإسلام بمخالفيه في العقيدة ممن يعيشون في كنفه وتظللهم رايته).
والذي قرره سيد في هذا الكتاب وغيره أن الجزية لا تعني الصغار والذلة على قوم رفضوا الإسلام، بل سياقاته تفيد أنها تدليل لهم.
قال: (إنني أحسب مجرد التخوف من حكم الإسلام على الأقليات القومية في بلاده نوعا من التجني الذي لا يليق، فما من دين في العالم، وما من حكم في الدنيا، ضمن لهذه الأقليات حرياتها وكراماتها وحقوقها كما صنع الإسلام في تأريخه الطويل، بل ما من حكم دلل الأقليات فيه كما دلل الإسلام من تقلهم أرضه من أقليات، لا الأقليات القومية التي تشارك شعوبه في الجنس واللغة والوطن، بل الأقليات الأجنبية عنه، وعن قومه) ([11]).
بل إن الإسلام – في زعمه – بلغ من تدليله لهم أنه يحرم على المسلمين أشياء قد أباحها لأهل ذمته كالخنزير والخمر ويوجب ” على المسلمين تكاليف يعفى أهل الذمة منها كالجهاد والزكاة ([12]).
وما يدري أن الإسلام يرى في هذا أو ذاك إكراما للمسلمين ورفعا لدرجاتهم بالواجبات وتنزيها عن المحرمات والقاذورات، وأن أهل الذمة الكفار أقل وأحقر من أن يكلفوا بتلك الواجبات العظيمة الكريمة ([13])، وأقل وأحقر من أن ينزهوا عن تلك القاذورات التي نزه عنها المسلمون.=========مساواة سيد قطب بين أهل الزكاة وأهل الجزية
ويقول سيد قطب مؤكدا هذا المنهج الذي لا يحيد عنه:
(فإذا استسلم من يطلب السلام، فهؤلاء هم (الذميون)، أي الذين أعطاهم الإسلام ذمته وعهده لحمايتهم ورعايتهم، وهؤلاء لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين بنص الإسلام الصريح، فأما ما يؤخذ منهم من الجزية، فهو مقابل ما يؤديه المسلمون من الزكاة، مساهمة في نفقات الدولة التي تحميهم كما تحمى رعاياها المسلمين سواء، والتي توفر لهم العدل المطلق بلا تفرقة ولا تمييز، وتحقق لهم ضماناتهم وتأميناتهم في حالة المرض والعجز والشيخوخة.
ولم يشأ الإسلام أن يجبرهم على أداء الزكاة، لأن الزكاة عبادة إسلامية خاصة وحرية الاعتقاد التي يكلفها ([1]) الإسلام للأفراد تمنعه أن يكره الذميين على أداء عبادة إسلامية.
ولم يشأ كذلك أن يجبرهم على الجندية في الصف المسلم، لأن المسلم إنما يجاهد في سبيل الله عبادة لله، لهذا يأخذ منهم الضريبة تحت عنوان الجزية لا تحت عنوان الزكاة، مراعاة لهذا المبدأ العام (لا إكراه في الدين)، فإذا شاءوا برضاهم واختيارهم أن يؤدوا ضريبة الزكاة كالمسلمين بدل الجزية كان لهم ذلك عن رضاء واختيار، وقد اختارت قبيلة بني تغلب على عهد عمر أن تؤدي الزكاة لا الجزية فأدتها على هذا الأساس).
أقول:
أولا: ليست الغاية من إعطائهم العهد هو رعايتهم وحمايتهم، إنما الحماية من توابع العهد الذي يعقد بينهم وبين المسلمين، والفرق بين الأمرين واضح جدا.
وقوله: (لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين بنص الإسلام الصريح) تقول على الإسلام صريح، وراجع ما سبق من الأدلة والشروط العمرية.
ثانيا: قوله: (فأما ما يؤخذ من الجزية، فهو مقابل ما يؤدي المسلمون من الزكاة) فمغالطة مكشوفة يبرأ منها الإسلام، فإن الزكاة تزكي أهلها المسلمين وتطهرهم، وهي من أركان دينهم، والجزية شعار الذل والصغار، فكيف تقابل هذا الركن العظيم والشعار الرفيع (الزكاة)، ولا أريد الاستطراد في مناقشة النص المليء بالباطل، فقد مضى له نظائر قد ناقشتها.
والغريب هنا قوله بتخيرهم بين الجزية والزكاة استنادا إلى قضية بني تغلب التي اعتمد فيها على النصراني سيرت وأرنولد، وسيظهر لك زيف كلامه.
روى أبو عبيد بإسناده إلى زرعة بن النعمان أو النعمان بن زرعة، أنه سأل عمر بن الخطاب وكلمه في نصارى بني تغلب، قال: وكان عمر قد هم أن يأخذ منهم الجزية، فتفرقوا في البلاد، فقال النعمان بن زرعة لعمر: يا أمير المؤمنين! إن بني تغلب قوم عرب يأنفون من الجزية، وليست لهم أموال، إنما هم أصحاب حروث ومواش، ولهم نكاية في العدو، فلا تعن عدوك عليك بهم، قال: فصالحهم عمر على أن أضعف عليهم الصدقة واشترط أن لا ينصروا أولادهم. . .
قال: (حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: لا نعلم في مواشي أهل الكتاب صدقة إلا الجزية التي تؤخذ منهم، غير أن نصارى بني تغلب الذين جل أموالهم المواشي يؤخذ من أموالهم الخراج، فيضعف عليهم حتى تكون مثلي الصدقة أو أكثر) ([2]).
قال أبو عبيد: (فكذا ما يؤخذ من بني تغلب، وهو الضعف على صدقة المسلمين، ثم وجه فعل عمر رضي الله عنه وساق آثارا في سداد رأيه وتوفيق الله له. . .).
ثم قال: (وإنما استجازها فيما نرى وترك الجزية مما رأى من نفارهم وأنفهم منها، فلم يأمن شقاقهم واللحاق بالروم، فيكونوا ظهيرا لهم على أهل الإسلام وعلم أن لا ضرر على المسلمين من إسقاط ذلك الاسم عنهم مع استبقاء ما يجب عليم من الجزية، فأسقطها عنهم واستوفاها منهم باسم الصدقة حين ضاعفها عليهم، فكان في ذلك رتق ما خاف من فتقهم مع الاستبقاء لحقوق المسلمين في رقابهم وكان مسددا) ([3]).
ثم قال: (فالذي يؤخذ من بني تغلب، وإن كان يسمى صدقة، فليس بصدقة لما أعلمتك، ولا يوضع في الأصناف الثمانية التي في سورة براءة، إنما موضعها موضع الجزية) ([4]).
فيؤخذ من هذا أن الجزية صغار نفر منه عرب بني تغلب وانفوا منه.
2 – إن عمر إنما أسقط عنهم لفظ الجزية، ولسداده وبعد نظره أخذها منهم جزية مضاعفة وإن أسقط عنهم لفظها.
3 – إن عمر لم يفعل ذلك من منطلق أن لأهل الذمة الخيار بين أن يؤدوا الجزية أو الزكاة، وإنما فعل ذلك خشية من شقاق بني تغلب واللحاق بالروم، فيكونون ظهيرا لهم على المسلمين، فدرأ هذا الضرر بإسقاط لفظ الجزية عنهم وإطلاق لفظ الصدقة على الجزية المضاعفة.
4 – ما أخذه عمر منهم هو في حقيقته خراج كما قال الزهري، وجزية كما قال أبو عبيد، والدليل على ذلك أنها لا تصرف في مصارف الزكاة الثمانية المنصوص عليها في سورة براءة.
والآن قارن بين ما يقوله سيد قطب وبين ما حوت قصة بني تغلب من فقه، لترى بطلان ما يقوله هذا الرجل، وأن تعلقه بقصة بني تغلب تعلق باطل، وأن أهل الذمة ليسوا مخيرين بين الجزية والزكاة ولا كرامة لهم.
ويعجب المسلم كيف يسهل تحريف الإسلام على بعض الناس، وبمثل هذه الأفاعيل حرفت الكتب السماوية ووجد للمحرفين أتباع يعبدونهم ويقدسونهم ويقتلون من أجلهم الأنبياء والذين يأمرون الناس بالقسط والثبات على دين الله المنزل، فاللهم رحماك. . .
فرح سيد قطب بما تلقاه عن سيرت وأرنولد النصراني من أن الجزية إنما فرضت في مقابل الخدمة العسكرية:
فقال نقلا عنه: (ومن الواضح أن أية جماعة مسيحية كانت تعفى من أداء هذه الضريبة إذا ما دخلت في خدمة الجيش الإسلامي، وكان الحال على هذا النحو مع قبيلة الجراجمة، وهي قبيلة مسيحية كانت تقيم بجوار أنطاكية، سالمت المسلمين وتعهدت أن تكون عونا لهم، وأن تقاتل معهم في مغازيهم على شريطة ألا تؤخذ بالجزية، وأن تعطى نصيبها من الغنائم، ولما اندفعت الفتوح الإسلامية إلى شمال فارس في سنة 22 هـ، أبرم مثل هذا الحلف مع إحدى القبائل التي تقيم على حدود هذه البلاد، وأعفيت من أداء الجزية في مقابل الخدمة العسكرية).
ومضى ينقل عن هذا الرجل النصراني ضرب الأمثلة من هذا النوع في العصور المتأخرة، إلى أن قال (ص 59): (ومن جهة أخرى، أعفي الفلاحون المصريون من الخدمة العسكرية، على الرغم من أنهم كانوا على الإسلام، وفرضت عليهم الجزية في نظير ذلك، كما فرضت على المسيحيين.
ثم قال سيد معلقا: (مما يثبت بصفة قاطعة صفة الجزية على النحو الذي قررناه من قبل، ويبطل كافة الترهات الباطلة التي يثيرها المغرضون حول هذه المسألة بصفة خاصة، وحول علاقات الإسلام بمخالفيه في العقيدة ممن يعيشون في كنفه وتظللهم رايته وعدالته) ([5]).
أقول: ليعجب العاقل من موقف سيد من هذا النقل من وجوه:
أولا: هذا التقبل لهذا النقل من هذا النصراني دون أي دليل ولا تأكد، هل هو ينقل عن ثقات المسلمين أو عن دجاجلة النصارى لغرض من الأغراض الدينية والسياسية، وإذا كان نقله عن مصدر إسلامي، فهل له إسناد صحيح أو حسن أو في إسناده ثقة ضابط أو ضعيف أو كذاب أو متهم بالكذب، فإن كان فيه ضعيف أو كذاب رفضه، وإن كان ثابتا نظر من هو قائد المسلمين الذي وافقهم على إسقاط الجزية وإشراكهم مع المسلمين في الغنائم، فإن الموضوع حساس ومهم جدا، ولا يجوز تناوله بهذه السهولة، ذلك لأنه يخالف الكتاب والسنة، ويخالف الشروط العمرية التي اتفق على قبولها والأخذ بها الخلفاء والعلماء والفقهاء من هذه الأمة المسلمة.
فإن كان الذي فعل ذلك مجتهدا، حوكم عمله هذا واجتهاده برده إلى الله والرسول كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ([6]).
فإن كان موافقا لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل، وإن كان مخالفا، رد.
وإن كان غير مجتهد ومتبعا لهواه؟ رد تصرفه ولا كرامة.
وغالبا أن مثل هذا التصرف لا يحصل إلا من الجهل والهوى، فمن يفهم كتاب الله ويعلم معاملة رسول الله للمشركين وأهل الكتب، فسيجد أن هذا المجتهد قد أخطأ دون شك، لأن الله لم يفرض على أهل الكتاب إلا الجزية لإذلالهم وإصغارهم، لأنهم أعداؤه، وقد رفضوا دينه الحق، وسيجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأخذ منهم إلا الجزية، ولم يخيرهم بينها وبين الخدمة العسكرية، عملا بمقتضى الآية، وهو المبين لمراد الله تبارك وتعالى، والصحابة والخلفاء وأئمة الإسلام لم يذكروا إلا الجزية، وهي واحد من شروط كثيرة لإنزال أهل الذمة ووضعهم حيث وضعهم الله.
وكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال علماء الإسلام لم يرد فيها جميعا أن الجزية فرضت على أهل الكتاب في مقابل الخدمة العسكرية، فهذا لا يعرفه الإسلام ولا شرعه، وإنما تشرعه الأنظمة العلمانية انطلاقا من قواعدها الديمقراطية والوطنية.
ثانيا: بعد أن آمن سيد بأن الجزية إنما فرضت على القادرين من الذكور من أهل الذمة مقابل الخدمة العسكرية، آمن بجواز ضرب الجزية على المسلمين كما فرضت على المسيحيين وفرح بذلك وساقه مساق الإقرار به والتقرير له.
ثالثا: من أعجب تفاعلاته مع كلام هذا النصراني قوله: (مما يثبت بصفة قاطعة صفة الجزية على النحو الذي قررناه)، أي من أنها في مقابل الخدمة العسكرية وأنه يستوي فيها أهل الذمة والمسلمون!!
وقد علم من منهجه أنه لا يسلم بقطعية كثير من النصوص القرآنية ولا يقبل أخبار الآحاد الصحيحة ولو تلقتها الأمة بالقبول ودانت بها وبنت عليها عقائدها، بلى هو لا يبني عقائده على الأحاديث المتواترة.
وليس هذا بجديد من سيد ولا غريب، فهو ينظر في كثير من المناسبات إلى مقررات وكلام الفلاسفة الغربيين بهذا المنظار ويتقبلها بثقة عمياء!!
واقرأ له في “الظلال ” ما يتعلق بالعلوم الكونية تجد صدق ما أقول.
سيد يرى أن الإسلام يدلل الأقليات غير الإسلامية:
يقول: (إنني أحسب مجرد التخوف من حكم الإسلام على الأقليات القومية في بلاده نوعا من التجني الذي لا يليق، فما من دين في العالم وما من حكم في الدنيا ضمن لهذه الأقليات حرياتها وكراماتها وحقوقها القومية كما صنع الإسلام في تاريخه الطويل.
بل ما من حكم دلل الأقليات فيه كما دلل الإسلام من تقلهم أرضه من أقليات لا الأقليات القومية التي تشارك شعوبه في الجنس واللغة والوطن، بل الأقليات الأجنبية عنه وعن قومه) ([7]).
ولقد حاربوا محمدا صلى الله عليه وسلم منذ صدع بكلمة لا اله إلا الله محمد رسول الله قبل قيام دولة الإسلام وقبل إعلان الجهاد وقبل أن ينتصر عليهم الإسلام ويفرض عليهم الجزية.
ولقد نزل قول الله تعالى: {وَلنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى} قبل أن تفرض عليهم الجزية وقبل أن يصطدم بالنصارى في المعارك.
نعم قد يرضون عمن يميع لهم الإسلام ويمدح لهم ديانتهم ويسميها بالرسالات السماوية رغم أنها قد أصبحت أرضية وثنية ويبادلهم ودا بود وحبا بحب.=========نظرة سيد إلى الجزية وأهلها
ومن بوائق سيد قطب أنه يخالف ما قرره القرآن والسنة وعلماء الإسلام من أن الجزية صغار ورمز إذلال لأهل الذمة، فأينما يذكرها في أي كتاب بما في ذلك “الظلال ” يذكرها في صورة تشي بإكرامهم واحترامهم، ففي تفسير قول الله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} لا يذكر هذا الصغار ولا يفسره كتفسير المسلمين، بل بأسلوب يدغدغ به عواطف المستشرقين واليهود والنصارى وغيرهم من الحاقدين على الإسلام فيقول:
والإسلام – بوصفه دين الحق الوحيد القائم في الأرض – لا بد أن ينطلق لإزالة العوائق المادية من وجهه، ولتحرير الإنسان من الدينونة لغير دين الحق، على أن يدع لكل فرد حرية الاختيار بلا إكراه منه، ولا من تلك العوائق المادية كذلك.
وإذن، فالوسيلة العملية لضمان إزالة العوائق المادية وعدم الإكراه على اعتناق الإسلام في الوقت نفسه هي كسر شوكة السلطات القائمة على غير دين الحق حتى تستسلم وتعلن استسلامها بقبول إعطاء الجزية فعلا، وعندئذ تتم عملية التحرير فعلا بضمان الحرية لكل فرد أن يختار دين الحق عن اقتناع، فإن لم يقتنع بقي على عقيدته وأعطى الجزية لتحقق عدة أهداف:
أولها: أن يعلن بإعطائها استسلامه وعدم مقاومته بالقوة المادية للدعوة إلى دين الله الحق.
ثانيها: أن يساهم في نفقات الدفاع عن نفسه وماله وعرضه وحرماته التي يكفلها الإسلام لأهل الذمة، والذين يؤدون الجزية فيصبحون في ذمة المسلمين وضمانهم، ويدفع عنها من يريد الاعتداء عليها من الداخل أو من الخارج بالمجاهدين من المسلمين.
ثالثها: المساهمة في بيت مال المسلمين الذي يضمن الكفالة والإعاشة لكل عاجز عن العمل بما في ذلك أهل الذمة بلا تفرقة بينهم وبين المسلمين دافعي الزكاة ([1]).
أقول: أين معنى الصغار في هذه الأهداف فالهدف الأول لا بد منه حتى من المسلم، فلا بد أن يعلن استسلامه لله رب العالمين، وإذا قاوم الدولة المسلمة بالقوة المادية، وجب قتاله وقتله، والهدفان الآخران لصالح أهل الذمة، فهم في كليهما كالمسلمين، بل العبء الأكبر على المسلمين، ولأهل الذمة الغنم والراحة، لقد أضاع سيد قطب الهدف الإسلامي الأساسي من أخذ الجزية من أهل الذمة.
وأضاع أيضا الهدف الآخر وهو ما قاله عمر رضي الله عنه: (أوصيكم بذمه الله، فإنه ذمة نبيكم ورزق عيالكم).
ثم قال: ولا نحب أن نستطرد هنا إلى الخلافات الفقهية حول من تؤخذ منهم الجزية، ومن لا تؤخذ منهم، ولا عن مقادير هذه الجزية، ولا عن طرق ربطها، ومواضع هذا ا الربط ( … ) ذلك أن هذه القضية برمتها ليست معروضة علينا اليوم كما كانت معروضة على عهود الفقهاء الذين أفتوا فيها واجتهدوا رأيهم في وقتها.
إنها قضية تعتبر اليوم تاريخية وليست واقعية.
إن المسلمين اليوم لا يجاهدون! .. ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون! .. إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي حتاج اليوم إلى علاج!
والمنهج الإسلامي – كما قلنا من قبل مرارا – منهج واقعي جاد، يأبى أن يناقش القضايا المعلقة في الفضاء، ويرفض أن يتحول إلى مباحث فقهية لا تطبق في عالم الواقع – لأن الواقع لا يضم مجتمعا مسلما تحكمه شريعة الله، ويصرف حياته، الفقه الإسلامي – ويحتقر الذين يشغلون أنفسهم ويشغلون الناس بمثل هذه المباحث في أقضية لا وجود لها بالفعل ويسميهم (الأرائتيين) 000 الذين يقولون (أرأيت) لو أن كذا وقع فما هو الحكم؟).
إن نقطة البدء الآن هي نقطة البدء في أول عهد الناس برسالة الإسلام. . . أن يوجد في بقعة من الأرض ناس يدينون دين الحق، فيشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. . ومن ثم يدينون لله وحده بالحاكمية والسلطان والتشريع ويطبقون هذا في واقع الحياة. . . ثم يحاولون أن ينطلقوا في الأرض بهذا الإعلان العام لتحرير الإنسان، ويومئذ – ويومئذ فقط – سيكون هناك مجال لتطبيق النصوص القرآنية والأحكام الإسلامية في مجال العلاقات بين المجتمع المسلم وغيره من المجتمعات، ويومئذ – ويومئذ فقط – يجوز الدخول في تلك المباحث الفقهية، والاشتغال بصياغة الأحكام والتقنين للحالات الواقعة التي يواجهها الإسلام بالفعل لا في عالم النظريات).
ثم يقول: معتذرا عن تفسيره لهذه الآية على الوجه الذي قرره (وإذا كنا قد تعرضنا لتفسير هذه الآية – من ناحية الأصل والمبدأ -، فإنما فعلنا هذا لأنها تتعلق بمسألة اعتقادية وترتبط بطبيعة المنهج الإسلامي، وعند هذا الحد نقف فلا نتطرق، وراءه إلى المباحث الفقهية الفرعية احتراما لجدية المنهج الإسلامي وواقعيته وترفعه على هذا الهزال) ([2]).
أقول: نأسف أشد الأسف لهذا التفسير لكتاب الله من وجوه:
أولا: إغفال معنى الصغار في الجزية الذي فرضه الله في كتابه وأكده رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والخلفاء الراشدون وأئمة الإسلام وعلماء الأمة من محدثين وفقهاء.
ثانيا: تضييع هدف تشريع هذا الصغار، وهو حمل أهل الذمة على الإسلام الذي فيه عزتهم وشرفهم في الدنيا وسعادتهم ونجاتهم من النار التي أعدت للكافرين. . . فأهل النخوة والذين ينشدون العزة والحرية منهم لا يستطيعون البقاء على الصغار، بل سيحفزهم ذلك على الخلاص منه، لا سيما وكثير منهم يعرف أن الإسلام هو الحق، وفيه العزة والسعادة في الدنيا والآخرة.
أما هذا الأسلوب وهذا المنهج الذي ينتهجه سيد قطب، فإنه يغريهم بالبقاء على كفرهم الذي فيه شقاؤهم الأبدي وهلاكهم السرمدي ذلك إن كانوا قد اقتنعوا بما تضمنه هذا الأسلوب.
ثالثا: ماذا يريد سيد قطب بصياغة الأحكام والتقنين؟
أيريد صياغة أحكام وقوانين في أمور قد قررها الله ورسوله وسار الخلفاء الراشدون وأئمة الإسلام في هدي هذا التقرير بما لا يحتاج إلى صياغة أحكام وقوانين جديدة ينشئها سيد قطب وأمثاله؟!
أو يريد صياغة أحكام وقوانين تميع الإسلام وتخالفه وترضي أعداءه، كما يتحدث سيد عن الجزية في ضوء كلام سيرت، وأرنولد من أن الجزية إنما هي في مقابل الخدمة العسكرية وأن الجزية ليست صغارا على أهل الذمة، وأن لهم أن يدفعوا الزكاة بدلا عن الجزية إذا شاؤوا ذلك، وأنه لا مانع أن تضرب الجزية على المسلمين بدلا من الخدمة العسكرية إذا لم يقوموا بهذه الخدمة؟!
وبمثل هذه التشريعات الماسخة للتشريع الإسلامي يرفع سيد قطب وأمثاله عقيرتهم أن عملهم هذا من صميم حاكمية الله والذي يخالفهم يكون كافرا لأنه حكم بغير ما أنزل.
رابعا: في أسلوب سيد في هذا الموضع وفي عشرات المواضع من كتبه قسوة وعنف على المسلمين بتكفيرهم والاستخفاف بهم.
خامسا: استخفافه بالعلم والعلماء والفقه والفقهاء.
انظر إلى قوله: (والمنهج الإسلامي – كما قلنا من قبل مرارا – منهج واقعي جاد يأبى أن يناقش القضايا المعلقة في الفضاء. . . ويحتقر الذين يشغلون أنفسهم ويشغلون الناس بمثل هذه المباحث في أقضية لا وجود لها بالفعل).
وانظر إلى تعاليه في قوله: (وعند هذا الحد نقف فلا نتطرق وراءه إلى المباحث الفقهية الفرعية احتراما لجدية المنهج الإسلامي وواقعيته وترفعه على هذا الهزال).
أليس في هذا صرف للناس وصد لهم عن العلم؟!
أليس في هذا الإرهاب الفكري ما يسوق الكثير إلى الجهل بشريعة الله الذي تحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “إن بين يدي الساعة أيام الهرج يزول فيها العلم ويظهر فيها الجهل ([3]).
هذا الأسلوب هو الذي ملأ أدمغة الكثير ممن يقدسون سيد قطب، ودفعهم إلى احتقار العلم والعلماء، وإلى تسميتهم بعلماء الورقة لا علماء الحركة، وإلى وصفهم بأنهم علماء الحيض والنفاس، وبأنهم لا يفقهون الواقع، وبأنهم جواسيس وعملاء إلى آخر الطعون والتهم التي يوجهونها إلى أهل العلم وطلابه.
سادسا: كان في وقته دولة مسلمة في الجزيرة العربية قائمة على العقيدة الصحيحة والمنهج الإسلامي الصحيح المنبثقين من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسها أمراء وعلماء مسلمون يطبقون شريعة الله ويقيمون دين الله الحق، فلماذا يتجاهلهم سيد ولا يعترف بهم؟
فهل يحتقرهم هم أيضا لأنهم يشغلون أنفسهم ويشغلون الناس بمثل هذه المباحث. . . إلخ؟
ليتك عشت حتى ترى تلاميذك اليوم كيف يطبقون الإسلام بعد أن قامت لهم دول هنا وهناك، فيصدق عليهم المثل: (إنك لا تجني من الشوك العنب)، ويصدق عليهم (فاقد الشيء لا يعطيه). . والباقون في انتظار هذا المصير الذي لا محيد لهم منه ولا محيص، سنة الله في المناهج الفاسدة ولن تجد لسنة الله تبديلا.
فأفيقوا يا معشر العقلاء من المسلمين!
سابعا: إذا تحدث سيد قطب عن الجهاد فلا يجوز عنده البحث في الغنائم ([4]) إلى أن تقوم دولته ([5]) لأن الحديث سيجره إلى حرمان أهل الذمة من المشاركة في الغنائم وسيجره إلى الحديث عن الاسترقاق والتسري بنساء المغلوبين من المشركين وذلك أمر كريه ينافي كرامة الإنسان في نظره، لأنه من دعاة الحرية والمساواة والعدالة ([6]).
وإذا تحدث عن الجزية، رأيت منه ما سبق، ولا يدخل في التفاصيل، بل يجب تعليقها ويجب الهجوم على الفقهاء الذين يبحثون في هذه الأمور التي تتحدث عن إذلال أهل الذمة وهو يريد إكرامهم وتدليلهم لا تذليلهم.

([1]) الجزية في القرآن صغار وعقوبة على كفرهم، وفي مقابل الكف عن دمائهم، راجع “أحكام أهل ألذمة” (1/ 2 2 – 23)، و”عون المعبود” (8/ 288)، و”تفسير القرطبي ” (8/ 133).
([2]) “في ظلال القرآن اا (3/ 33 6 1 – 4 63 1)
([3]) صحيح البخاري ” (كتاب الفتن، باب ظهور الفتن، حديث 6656)، تحقيق البغا، ومسلم في (أشراط الساعة، حديث 2949).
([4]) انظر كتاب ظلال القرآن (3/ 1518 – 1519).
([5]) هذا يشبه مذهب الإمامية في تعطيل الأحكام كالجهاد والجمعة والجماعة حتى يخرج المهدي المنتظر.
([6]) انظر (ص 122) من كتابه ((معركة الإسلام والرأسمالية)) حيث دعا إلى هذه الشعارات الماسونية.

سخريته بالعلماء بما في ذلك قراء كتب السنة والفقه تزلفاً للعلمانيين======ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏لحية‏‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏‏جالس‏ و‏نص‏‏‏‏لا يتوفر نص بديل تلقائي.ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏2‏ شخصان‏ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏نص‏‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏نص‏‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏3‏ أشخاص‏، ‏‏نص‏‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏13‏ شخصًا‏، ‏‏أشخاص يبتسمون‏، ‏‏نص‏‏‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏4‏ أشخاص‏، ‏‏نص‏‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏2‏ شخصان‏، ‏‏نص‏‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏7‏ أشخاص‏، ‏‏أشخاص يبتسمون‏، ‏‏نص‏‏‏‏لا يتوفر نص بديل تلقائي.ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏2‏ شخصان‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏‏قبعة‏ و‏نص‏‏‏‏لا يتوفر نص بديل تلقائي.ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏لحية‏‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق